• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    صفة المحبة
    الشيخ عبدالعزيز السلمان
  •  
    رعاية الله تعالى للخليل عليه السلام وكفايته
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    عندما تصاب بخيبة الأمل
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    أمنا أم المؤمنين الطاهرة عائشة رضي الله عنها ...
    فيصل بن عبدالله بن عتيق السريحي
  •  
    بين رؤية الشوق والسرور ورؤية الفوق والغرور
    عامر الخميسي
  •  
    السكينة وسط العاصفة
    د. خالد بن حسن المالكي
  •  
    أدب التثبت في الأخبار (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    موقف الرسول صلى الله عليه وسلم من الديون (خطبة)
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    المحافظة على المال العام (خطبة)
    د. أيمن منصور أيوب علي بيفاري
  •  
    بيع الصوف على ظهر الحيوان
    محمد علي عباد حميسان
  •  
    تفسير سورة الهمزة
    أ. د. كامل صبحي صلاح
  •  
    جملة مما فيه نوع إلحاد في أسماء الله
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    محاسن الألطاف الربانية (خطبة)
    د. عبدالرزاق السيد
  •  
    النجش في البيع
    محمد علي عباد حميسان
  •  
    الصلاة.. راحة القلوب ومفتاح الفلاح (خطبة)
    الشيخ أحمد إبراهيم الجوني
  •  
    خطبة: الأدب مع الخالق ورسوله ومع الخلق فضائل ...
    عبدالعزيز أبو يوسف
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / العبادات / الصيام ورمضان وما يتعلق بهما
علامة باركود

وإنه لكتاب عزيز (أوصاف القرآن الكريم 11)

وإنه لكتاب عزيز (أوصاف القرآن الكريم 11)
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 8/5/2019 ميلادي - 4/9/1440 هجري

الزيارات: 41618

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

﴿وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ﴾

أوصاف القرآن الكريم (11)


الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ، الْعَلِيمِ الْقَدِيرِ؛ أَنْزَلَ الْقُرْآنَ فِي رَمَضَانَ، وَشَرَعَ فِيهِ الصِّيَامَ وَالْقِيَامَ، وَجَعَلَهُ مَوْسِمًا لِصَالِحِ الْأَعْمَالِ، نَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا، وَنَشْكُرُهُ عَلَى مَا أَعْطَانَا وَأَوْلَانَا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ يَفْرَحُ بِالطَّائِعِينَ وَيُثِيبُهُمْ، وَلَا يَرْضَى عَنِ الْعَاصِينَ وَيُمْهِلُهُمْ، وَلَا تَنْفَعُهُ طَاعَةُ طَائِعٍ، وَلَا تَضُرُّهُ مَعْصِيَةُ عَاصٍ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿ إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ [الزُّمَرِ: 7]، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ «كَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ» صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاسْتَثْمِرُوا هَذَا الشَّهْرَ الْكَرِيمَ بِمَا يَعُودُ عَلَيْكُمْ بِالنَّفْعِ الْعَاجِلِ وَالْآجِلِ؛ فَإِنَّكُمْ فِي بِدَايَاتِهِ، وَعَنْ قَرِيبٍ يَرْتَحِلُ فَيَرْبَحُ مَنْ عَمَرَهُ بِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَخْسَرُ مَنْ ضَيَّعَهُ فِي مَجَالِسِ الْغَفْلَةِ وَاللَّهْوِ وَالزُّورِ وَ«مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ».

 

أَيُّهَا النَّاسُ:

إِذَا عَظُمَ الشَّيْءُ حَسُنَتْ أَسْمَاؤُهُ، وَعَلَتْ أَوْصَافُهُ؛ وَلِذَا كَانَتْ أَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى كُلُّهَا حُسْنَى، وَكَانَتْ صِفَاتُهُ كُلُّهَا عُلْيَا. وَالْقُرْآنُ كَلَامُهُ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى الْبَشَرِ، وَفِيهِ مِنَ الْأَوْصَافِ مَا يَدْعُو الْبَشَرَ إِلَى التَّمَسُّكِ بِهِ، وَكَثْرَةِ تِلَاوَتِهِ، وَالِاجْتِهَادِ فِي فَهْمِهِ وَتَدَبُّرِهِ، وَالْحِرْصِ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ.

 

وَمِنْ أَوْصَافِ الْقُرْآنِ أَنَّهُ كِتَابٌ عَزِيزٌ ﴿ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فُصِّلَتْ: 41- 42]. وَهَذَا وَصْفٌ عَظِيمٌ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، «وَالْعَزِيزُ النَّفِيسُ، وَأَصْلُهُ مِنَ الْعِزَّةِ وَهِيَ الْمَنَعَةُ». وَلِعِزَّةِ الْقُرْآنِ مَظَاهِرُ كَثِيرَةٌ لِمَنْ تَأَمَّلَ الْقُرْآنَ، وَاسْتَحْضَرَ آيَاتِهِ فِي ذِكْرِ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ.

 

فَمِنْ مَظَاهِرِ عِزَّةِ الْقُرْآنِ: أَنَّهُ يَعِزُّ وُجُودُ مِثْلِهِ، بَلْ لَا مَثِيلَ لَهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ؛ وَلِذَا تَحَدَّى اللَّهُ تَعَالَى الْبَشَرَ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ، وَظَلَّ هَذَا التَّحَدِّي قَائِمًا طَوَالَ الْقُرُونِ الْمَاضِيَةِ، وَسَيَظَلُّ إِلَى رَفْعِ الْقُرْآنِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ ﴿ أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ * فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ ﴾ [الطُّورِ: 33- 34]، ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [هُودٍ: 13]، ﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [يُونُسَ: 38]. فَعَزَّ الْقُرْآنُ وَعَجَزَ الْبَشَرُ عَنِ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ، وَالَّذِينَ حَاوَلُوا مِنْ عَهْدِ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ إِلَى الْعَصْرِ الْحَاضِرِ صَارُوا أُمْثُولَةً لِلنَّاسِ، وَأُضْحُوكَةً يُتَسَلَّى بِتَخْرِيفِهِمْ ﴿ بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ﴾ [يُونُسَ: 39].

 

وَمِنْ مَظَاهِرِ عِزَّةِ الْقُرْآنِ: أَنَّهُ مُسْتَعْصٍ عَلَى الْمَحْوِ وَالْإِزَالَةِ وَالتَّبْدِيلِ وَالتَّحْوِيلِ وَالتَّحْرِيفِ، وَلَقَدْ حَاوَلَ أَعْدَاءُ الْقُرْآنِ أَنْ يَمْحُوهُ مِنَ الصُّدُورِ بِقَتْلِ حَمَلَتِهِ مِنَ الْقُرَّاءِ وَالْحُفَّاظِ، وَبِحَرْقِ نُسَخِهِ. وَتَكَرَّرَ ذَلِكَ فِي حِقَبِ التَّارِيخِ الْبَشَرِيِّ، وَفِي عَدَدٍ مِنَ الْأَمْصَارِ، سَوَاءٌ أَيَّامَ الْحَمَلَاتِ الصَّلِيبِيَّةِ عَلَى الْمَشْرِقِ الْإِسْلَامِيِّ، أَوْ أَيَّامَ سَحْقِ الصَّلِيبِيِّينَ لِلْأَنْدَلُسِ، أَوْ أَيَّامَ الِاسْتِعْمَارِ الَّذِي ضَرَبَ نِيرَهُ عَلَى الدِّيَارِ، وَسُجِّلَتْ حِيَلٌ لِلْمُسْلِمِينَ فِي حِفْظِ كِتَابِهِمْ أَدْهَشَتِ التَّارِيخَ، وَحَيَّرَتِ الْمُؤَرِّخِينَ، وَمِنْهَا أَنَّهُمْ فِي أُورُبَّةَ الشَّرْقِيَّةِ وَالْجُمْهُورِيَّاتِ الْإِسْلَامِيَّةِ أَيَّامَ مُحَاوَلَةِ مَحْوِ الشُّيُوعِيَّةِ لِلْقُرْآنِ حَفَرُوا لِلْمَصَاحِفِ خَزَائِنَ تَحْتَ الْأَرْضِ وَدَفَنُوهَا، وَابْتَنَوْا عَلَيْهَا الْجُدُرَ فِي دَاخِلِ الْبُيُوتِ، وَيَتَوَاصَوْنَ فِيمَا بَيْنَهُمْ بِمَكَانِهَا خَلَفًا عَنْ سَلَفِ، وَفِي سَيلَانَ أَيَّامَ الِاسْتِعْمَارِ الصَّلِيبِيِّ خَافَ المُسْلِمُونَ أَنْ يَضِيعَ مِنْهُمُ الْقُرْآنُ، فَكَتَبُوهُ حَفْرًا عَلَى أَلْوَاحٍ مِنْ نُحَاسٍ وَوَضَعُوهُ فِي الْبَحْرِ، وَتَوَاصَوْا بَيْنَهُمْ بِمَكَانِهِ، وَلَا تَزَالُ أَلْوَاحٌ مِنْهُ مَحْفُوظَةً فِي الْمَتَاحِفِ عِنْدَهُمْ. هَذَا عَدَا تَلْقِينِهِ لِلْأَطْفَالِ، وَتَحْفِيظِهِ لِلْأَوْلَادِ، وَلَهُمْ حِيَلٌ عَجِيبَةٌ فِي الِاخْتِفَاءِ عَنْ أَعْيُنِ الْمُتَلَصِّصِينَ عَلَيْهِمْ، الْمُخْبِرِينَ عَنْهُمْ، فَلَمَّا زَالَ الِاسْتِعْمَارُ، وَسَقَطَتِ الشُّيُوعِيَّةُ ظَهَرَ حُفَّاظٌ لِلْقُرْآنِ فِي تِلْكَ الدِّيَارِ الَّتِي ظَنَّ النَّاسُ أَنَّ أَهْلَهَا قَدْ نَسُوا الْقُرْآنَ، فَعَزَّ الْقُرْآنُ، وَذَلَّ مَنْ أَرَادُوا مَحْوَهُ مِنَ الْوُجُودِ ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الْحِجْرِ: 9].

 

وَمِنْ مَظَاهِرِ عِزَّةِ الْقُرْآنِ: أَنَّهُ مُعْجِزٌ فِي تَرْكِيبِهِ وَبَيَانِهِ، وَفِي جُمَلِهِ وَآيَاتِهِ، كَمَا أَنَّهُ مُعْجِزٌ فِي عُلُومِهِ وَأَخْبَارِهِ؛ فَأَخْبَرَ عَنْ بِدَايَةِ الْخَلْقِ وَنِهَايَتِهِ، وَأَخْبَرَ عَنْ أَحْوَالِ الْأُمَمِ الْغَابِرَةِ، وَعَنْ أَحْوَالِ الْقِيَامَةِ، وَأَشَارَ إِلَى جُمْلَةٍ مِنْ عُلُومِ الدُّنْيَا الَّتِي لَمْ تُكْتَشَفْ وَقْتَ تَنَزُّلِهِ، فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالطِّبِّ وَالْفَلَكِ وَعُلُومِ الْأَرْضِ وَالْبِحَارِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْعُلُومِ الَّتِي كُشِفَتْ لِلْبَشَرِ بَعْدَ نُزُولِهِ بِقُرُونٍ، فَلَمْ يَكُنْ فِي أَخْبَارِهِ وَآيَاتِهِ وَإِشَارَاتِهِ مَا يُخَالِفُ الْحَقَائِقَ الْحَدِيثَةَ الْمُكْتَشَفَةَ، بَلْ كَانَتْ كُلُّ حَقِيقَةٍ تَتَوَاءَمُ مَعَ آيَاتِهِ، مِمَّا أَدْهَشَ كَثِيرًا مِنْ عُلَمَاءِ الْغَرْبِ، فَقَادَهُمْ ذَلِكَ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَهَذَا أَمْرٌ اشْتُهِرَ وَاسْتَفَاضَ، وَبَلَغَ مَبْلَغَ التَّوَاتُرِ، فَلَا يُنْكِرُهُ إِلَّا جَاهِلٌ أَوْ مُكَابِرٌ.

 

وَوَجْهُ عَزَّةِ الْقُرْآنِ فِي هَذَا: أَنَّ نُفُوسَ مُكَذِّبِيهِ مِنَ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ تَتُوقُ لِنَسْفِهِ بِحَقِيقَةٍ عِلْمِيَّةٍ وَاحِدَةٍ يُعَارِضُهَا؛ لِيُشَكِّكُوا الْمُسْلِمِينَ فِيهِ. وَرَغْمَ كَثْرَةِ الْحَقَائِقِ الْعِلْمِيَّةِ الْمُكْتَشَفَةِ فِي الْعُلُومِ الْحَدِيثَةِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَظْفَرُوا بِوَاحِدَةٍ تُعَارِضُ آيَاتِهِ؛ فَذَلُّوا وَعَزَّ الْقُرْآنُ، فَهُوَ كِتَابٌ عَزِيزٌ.

 

وَمِنْ مَظَاهِرِ عِزَّةِ الْقُرْآنِ: أَنَّهُ كِتَابٌ مُتَشَابِهٌ، يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ ﴾ [الزُّمَرِ: 23]، فَرَغْمَ كَثْرَةِ سُوَرِهِ وَآيَاتِهِ، وَتَكَرُّرِ قَصَصِهِ وَأَخْبَارِهِ وَأَحْكَامِهِ وَمَوَاعِظِهِ، لَمْ يَظْفَرْ مُعَارِضُوهُ بِتَنَاقُضَاتٍ فِيهِ. وَقَدِ انْبَرَى كَثِيرٌ مِنَ الْبَاحِثِينَ الْغَرْبِيِّينَ لِلْبَحْثِ عَنْ تَنَاقُضَاتٍ فِيهِ فَلَمْ يَجِدُوا. بَلْ عَجِبُوا أَنَّ الْقُرْآنَ يَتَحَدَّاهُمْ بِالْعُثُورِ عَلَى أَخْطَاءٍ فِيهِ؛ وَذَلِكَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدَ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾ [النِّسَاءِ: 82]. وَأَحَدُهُمْ بَهَرَتْهُ سُورَةُ الْمَسَدِ؛ لِأَنَّهَا تَنَزَّلَتْ قَبْلَ مَوْتِ أَبِي لَهَبٍ، وَفِيهَا إِخْبَارٌ بِأَنَّهُ: ﴿ سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ﴾ [الْمَسَدِ: 3 - 5]، فَمَاتَ أَبُو لَهَبِ وَزَوْجَتُهُ عَلَى الْكُفْرِ فَكَانَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَكَانَ بِإِمْكَانِهِمَا أَنْ يُظْهِرَا الْإِسْلَامَ وَلَوْ كَذِبًا؛ لِنَسْفِ مَا جَاءَ فِي سُورَةِ الْمَسَدِ مِنْ كَوْنِهِمَا فِي النَّارِ، وَلَمْ يَفْعَلَا ذَلِكَ. وَهَذَا غَايَةُ الْإِعْجَازِ وَالْإِعْزَازِ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى.

 

وَمِنْ مَظَاهِرِ عِزَّةِ الْقُرْآنِ: أَنَّ مِنْ تَسَلَّحَ بِآيَاتِهِ عَنْ فَهْمٍ وَمَعْرِفَةٍ وَإِدْرَاكٍ فَإِنَّهُ لَا يُغْلَبُ فِي مُنَاظَرَةٍ، وَلَا يُهْزَمُ فِي مُجَادَلَةٍ؛ لِأَنَّ أَدِلَّتَهُ أَقْوَى الْأَدِلَّةِ، وَبَرَاهِينَهُ أَعَزُّ الْبَرَاهِينِ، وَأَمْثِلَتُهُ أَوْضَحُ الْأَمْثِلَةِ، وَتَجِدُ فِي الْقُرْآنِ الاسْتِدْلَالَاتِ الْعَقْلِيَّةَ الْكَثِيرَةَ عَلَى وُجُودِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَمَالِهِ، وَعَلَى خَلْقِهِ وَتَدْبِيرِهِ، وَعَلَى الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ وَالْقِيَامَةِ، وَعَلَى كُلِّ أَمْرٍ يَحْتَاجُ إِثْبَاتُهُ إِلَى دَلِيلٍ عَقْلِيٍّ. قَالَ الْعَلَّامَةُ الزَّرْكَشِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «اعْلَمْ أَنَّ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ قَدِ اشْتَمَلَ عَلَى جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْبَرَاهِينِ وَالْأَدِلَّةِ، وَمَا مِنْ بُرْهَانٍ وَدَلَالَةٍ وَتَقْسِيمٍ وَتَحْدِيدِ شَيْءٍ مِنْ كُلِّيَّاتِ الْمَعْلُومَاتِ الْعَقْلِيَّةِ وَالسَّمْعِيَّةِ إِلَّا وَكِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى قَدْ نَطَقَ بِهِ».

 

نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُعَلِّمَنَا مَا يَنْفَعُنَا، وَأَنْ يَرْزُقَنَا الْعَمَلَ بِمَا عَلَّمَنَا، وَأَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ، وَالْزَمُوا الْقُرْآنَ فِي شَهْرِ الْقُرْآنِ ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 185].

 

وَمِنْ مَظَاهِرِ عِزَّةِ الْقُرْآنِ: أَنَّ مَنْ تَمَسَّكَ بِهِ أَعَزَّهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقُرْآنَ عَزِيزٌ، وَهُوَ كَلَامُ الْعَزِيزِ جَلَّ فِي عُلَاهُ، وَكَلَامُ مَنْ يَمْلِكُ الْعِزَّةَ فَيَهَبُهَا مَنْ يَشَاءُ، وَيَمْنَعُهَا مَنْ يَشَاءُ ﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 26]، ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ﴾ [فَاطِرٍ: 10]. وَفِي الدُّنْيَا يُقَدَّمُ حَامِلُ الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ...» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَاسْتَخْلَفَ أَمِيرُ مَكَّةَ نَافِعُ بْنُ عَبْدِ الْحَارِثِ عَلَيْهِمْ مَوْلًى، فَلَمَّا سَأَلَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ ذَلِكَ قَالَ: «إِنَّهُ قَارِئٌ لِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِنَّهُ عَالِمٌ بِالْفَرَائِضِ، قَالَ عُمَرُ: أَمَا إِنَّ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا، وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَفِي دَفْنِ شُهَدَاءِ أُحُدٍ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَقْدِيمِ أَكْثَرِهِمْ قُرْآنًا. وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَيُعِزُّ الْقُرْآنُ حَمَلَتَهُ الْعَامِلِينَ بِهِ، وَيُرْفَعُونَ فِي أَعَالِي الْجِنَانِ؛ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ وَارْقَ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ.

 

فَخُذُوا -عِبَادَ اللَّهِ- حَظَّكُمْ مِنَ الْقُرْآنِ تِلَاوَةً وَحِفْظًا وَتَدَبُّرًا وَعَمَلًا؛ فَإِنَّ الْقُرْآنَ يَشْفَعُ لِأَهْلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهُوَ خَيْرُ أَنِيسٍ وَجَلِيسٍ، وَمَنْ أَلِفَهُ مَا تَرَكَهُ، وَلَكِنَّ إِلْفَهُ لَا يَأْتِي إِلَّا بَعْدَ مُجَاهَدَةٍ وَصَبْرٍ وَقَسْرٍ لِلنَّفْسِ عَلَيْهِ، حَتَّى يَتَحَوَّلَ إِلَى لَذَّةٍ لَا يُرِيدُ صَاحِبُهَا أَنْ يَقْطَعَهَا، وَسَلُوا مَنْ لَزِمُوا الْمَصَاحِفَ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ يُخْبِرُوكُمْ عَنْ ذَلِكَ.

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ..





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • أوصاف القرآن الكريم (6)
  • أوصاف القرآن الكريم (7)
  • (ولقد أنزلنا إليك آيات بينات) أوصاف القرآن الكريم (9)
  • أوصاف القرآن الكريم (1)
  • أوصاف القرآن الكريم (2)
  • أوصاف القرآن (2) العزيز
  • أوصاف القرآن الكريم (14): ﴿ تلك آيات الكتاب الحكيم ﴾ (خطبة)
  • خطبة: {وإنه لكتاب عزيز}

مختارات من الشبكة

  • تفسير: (ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحي الموتى وأنه على كل شيء قدير)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات مع قوله تعالى: (وإنه لكتاب عزيز)(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عثمان السبت)
  • الإعجاز القرآني دلالة على أن المستقبل لهذا الدين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أنيس الحفاظ في لطائف الألفاظ (205) سؤالا في لطائف ألفاظ الكتاب العزيز (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • حق القرآن على أمة القرآن {وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسئلون} (PDF)(كتاب - موقع أ.د. عبدالله بن عمر بن سليمان الدميجي)
  • عقيدة السلف في القرآن وأنه غير مخلوق(مقالة - آفاق الشريعة)
  • في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه على خطرٍ عظيم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وجوب دعاء الله تبارك وتعالى وأنه عبادة خالصة له(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (وإنه لفي زبر الأولين)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من فضائل النبي: سجوده تحت العرش، وأنه أول من يقرع باب الجنة(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
1- اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلبي
أمة الله - لبنان 09/09/2023 11:34 PM

الحمد لله حمداً كثيراً طيّباً مباركاً فيه وجزاكم الله خيرا ورحم الله والديكم ووالدينا وجميع المسلمين

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • قازان تحتضن أكبر مسابقة دولية للعلوم الإسلامية واللغة العربية في روسيا
  • 215 عاما من التاريخ.. مسجد غمباري النيجيري يعود للحياة بعد ترميم شامل
  • اثنا عشر فريقا يتنافسون في مسابقة القرآن بتتارستان للعام السادس تواليا
  • برنامج تدريبي للأئمة المسلمين في مدينة كارجلي
  • ندوة لأئمة زينيتسا تبحث أثر الذكاء الاصطناعي في تطوير رسالة الإمام
  • المؤتمر السنوي التاسع للصحة النفسية للمسلمين في أستراليا
  • علماء ومفكرون في مدينة بيهاتش يناقشون مناهج تفسير القرآن الكريم
  • آلاف المسلمين يجتمعون في أستراليا ضمن فعاليات مؤتمر المنتدى الإسلامي

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 28/5/1447هـ - الساعة: 16:9
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب