• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: الشهود يوم القيامة
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    كيف تترك التدخين؟
    حمد بن بكر العليان
  •  
    خطبة: تهديد الآباء للأبناء بالعقاب
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حين تربت الآيات على القلوب
    فاطمة الأمير
  •  
    الرد على شبهات حول صيام عاشوراء
    د. ثامر عبدالمهدي محمود حتاملة
  •  
    صلة السنة بالكتاب
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    خطبة: ماذا بعد الحج
    د. أيمن منصور أيوب علي بيفاري
  •  
    خطبة في فقه الجزية وأحكام أهل الذمة
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    تفسير: (قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل الله ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تحريم الاستعانة بغير الله تعالى فيما لا يقدر عليه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    الستر فريضة لا فضيحة (خطبة)
    د. مراد باخريصة
  •  
    فوائد ترك التنشيف بعد الغسل والوضوء
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    إطعام الطعام من خصال أهل الجنة
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    صفة الوضوء
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    التمييز بين «الرواية» و«النسخة» في «صحيح البخاري»
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    أسماء الله الحسنى من خلال الجزء (السابع والعشرون) ...
    محمد نور حكي علي
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الأسرة والمجتمع
علامة باركود

الوالدان بين البر والعقوق

الوالدان بين البر والعقوق
الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي التميمي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 7/10/2018 ميلادي - 27/1/1440 هجري

الزيارات: 27742

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الوالدان بين البر والعقوق

 

الْخُطْبَةُ الأُولَى

إنَّ الحمدُ للهِ، نَحْمَدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفِرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ - صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا. أمَّا بَعْد:

 

فَاتَّقُوا اللهَ- عِبَادَ اللهِ - حقَّ التَّقْوَى؛ واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. وَاِعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِّ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ في النَّارِ.

 

عِبَاْدَ اللهِ، حَدِيْثُنَاْ الْيَوْمَ عَمَّنْ جَعَلَ اللهُ لَهُمْ مِنَ الْحُقُوقِ الْعَظِيْمَةِ مَا لَيْسَتْ لِغَيْرِهِمُ، وَأَمَرَ بِبِرِّهِمُ والْإِحْسَانِ إِلِيْهِمُ، وَشَدَّدَ الْعِقَابَ عَلَىْ مَنْ عَقَّهُمْ، وَتَوَعَّدَ بِالْعَذَابِ الأَلِيْمِ مَنْ أَسَاءَ إِلِيْهِمْ. إَنَّ مَنْ تَدَبَّرَ الْقُرْآنَ؛ وَجَدَ الْعِبَارَاتِ الْنَّدِيَّةَ، وَالْحَلَاْوَةَ وَالطَّلَاْوَةَ؛ لِتَوْجِيْهِ الْأَوْلَاْدِ لِلْبِرِّ بِالْوَاْلِدَيْنِ، وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمَا، قَالَ تَعَالَى: ﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾ [الرحمن: 60]؟!

 

عِبَادَ اللهِ، تَذَكَّرُوْا أَنَّ وَاْلِدِيكُمْ ضَحَّوْا بِكُلِّ شَيٍّء مِنْ أَجْلِكُمْ؛ لَمْ يُؤْثِرُوْا عَلَىْ أَنْفُسِهِمْ أَحَدًا كَإِيْثَاْرِهِمْ لَكُمْ عَلَىْ أَنْفُسِهِمْ، سَهِرُوْا لِتَرْتَاْحُوْا، وَتَعِبُوْا وَكَدُّوُا لِتَهْنَؤُوْا، مِنْ أَجْلِكُمْ قَدَّمُوْا رَبِيْعَ الْعُمُرِ، وَزَهْرَةَ الْحَيَاةِ، مَا حَثَّهُمُ الْقُرْآنُ عَلَىْ الْرِّفْقِ بِكُمْ، كَمَا حَثَّكُمْ عَلَىْ الْرِّفْقِ بِهِمْ، وَمَعَ ذَلِكَ رَفَقُوا بِكُمْ، وَمَا أَوْجَبَ اللهُ عَلَيْهِمْ لَكُمْ حُقُوْقًا، بِقَدْرِ مَا أَوْجَبَ لَهُمْ عَلَيْكُمْ حُقُوْقًا. تَأَمَّلُوْا قَوْلَ الْحَقِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ﴾ [الإسراء: 23].

 

لَقَدْ قَضَىْ اللهُ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا الْأَوْلَاْدُ وَحَكَمَ -وَأَمْرُهُ نَافِذٌ، لَاْ مَجَاْلَ فِيْهِ لِلْتَّسْوِيْفِ وَالْتَّرَاْخِيْ وَالْتَّفْرِيْطِ وَالْتَّقْصِيْرِ - أَنْ تَبَرُّوا آبَاءَكُمْ، وَأَنْ تُحْسِنُوْا إِلَيْهِمْ، لَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالْرَّحْمَةِ بِهِمُ، وَبِالْدُّعَاْءِ لَهُمُ؛ فَعَجَبًا وَاللهِ! يَأْمُرُ اللهُ بِالْرِّفْقِ، وَيَلْجَأُ بَعْضُ الْأَبْنَاءِ إِلَىْ الْعُنْفِ! وَيَأْمُرُ اللهُ بالْقَوْلِ الْكَرِيْمِ؛ فَلَا يَتَلَفَّظُ الْبَعْضُ عَلَيْهِمَاْ إِلَّا بِالْقَوْلِ الْقَبِيْحِ! وَيَنْهَىْ اللهُ عَنْ أَدْنَىْ دَرَجَاْتِ الْتَّضَجُّرِ (الْأُفِّ)، وَيَلْجَأُ الْبَعْضُ لِلْعُنْفِ، وَالْضَّرْبِ، وَالْقَتْلِ! أَيُّ قُلُوْبٍ قَاْسِيَةٍ حَوَتْهَا صُدُوْرُ بَعْضِ الْأَبْنَاءِ؟! وَأَيُّ عُقُوْقٍ وَصَلُوْا إِلَيْهِ؟! أَمَرَ اللهُ بِالْذُّلِّ لِلْآبَاْءِ وَالْأُمَّهَاتِ؛ فَتَعَاْمَلُوْا بِالْكِبْرِيَاْءِ وَالْعِزَّةِ، وَأَمَرَ اللهُ بِالْرَّحْمَةِ؛ فَمَاْلُوْا إِلِىْ الْقَسْوَةِ. وَفِي رُدْهَاتِ الْمَحَاكِمِ نَجِدُ الْأَخْبَارَ الْمُؤْلِمَةَ، وَالْحَوَادِثَ المُخْزِيَةَ الْمُفْجِعَةَ.

 

مَعَاشِرَ الْأَبْنَاْءِ، لَقَدْ أَمَرَ اللهُ بِالْتَّلَطُّفِ مَعَ الْآبَاْءِ وَالْأُمَّهَاتِ، وَاِنْتِقَاءِ أَطَاْيِبِ الْكَلِمَاْتِ؛ كَمَاْ تُنْتَقَىْ أَطَاْيِبُ الْثَّمَرَاتِ، فَأَمَاْمَ الْآبَاْءِ: لَاْ عِزةَ؛ بَلْ ذِلَّة، وَلَا قَسْوَةَ؛ بَلْ رَحْمَة، وَقولٌ كَرِيمٌ، حَسَنٌ، جَمِيْلٌ؛ فَلَا تُسَمِّهِمَا، وَلَا تُكَنِّهِمَا، بَلْ قُلْ: يَا أَبَتَاْهُ يَاْ أَمُّاْهُ. وَاِحْذَرْ مِنَ التَّأَفُّفِ بِكَافَّةِ صُوَرِهِ؛ وَمِنْهَا مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْبَغَوِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ - في بَيَانِ مَعْنَى الْآيَةِ، عَنْ مُجَاهِدٍ-رَحِمَهُ اللهُ-: (إِذَا بَلَغَا عِنْدَكَ مِنَ الْكِبَرِ مَاْ يَبُوْلَانِ؛ فَلَا تَتَقَذَّرْهُمَا، وَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ؛ حِيْنَ تُمِيْطُ عَنْهُمَا الْخَلَاءَ وَالْبَوْلَ؛ كَمَا كَانَا يُمِيْطَاْنِهِ عَنْكَ صَغِيْرًا).

 

عِبَادَ اللهِ، اِنْظُرُوْا إِلَى عِظَمِ وَصَايَا الْقُرْآنِ، قَاْلَ تَعَالَى: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا ﴾ [العنكبوت: 8] وَقَاْلَ ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ﴾ [الأحقاف: 15] وَقَاْلَ: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴾ [لقمان: 14] فَيَاْ لِعِظَمِ هَذِهِ الَوَصَاْيَا؛ الَّتِيْ تَكَرَّرَتْ حَتَّى يَعْلَمَ الْنَّاْسُ أَهَمِّيَتَهَا! قَالَ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ،: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،: أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا» قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «بِرُّ الْوَالِدَيْنِ» قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «الْجِهَادُ في سَبِيلِ اللهِ». أَخْرَجَهُ الْبُخَاْرِيُّ وَمُسْلِمٌ. أَيُّ تَعْظِيْمٍ لِقَدْرِ الْآبَاْءِ كَهَذَاْ الْتَّعْظِيْمِ؟! فَجَعَلَ حُقُوْقَهُمْ بَعْدَ حَقِّ اللهِ. وَقَدَّمَ بِرَّهُمَا عَلَىْ ذُرْوَةِ سَنَاْمِ الْإِسْلَاْمِ؛ الْجهَاْدِ في سَبِيْلِ اللهِ. وَمِمَّا يُؤَكِّدُ ذَلِكَ مَاْ رَوَاْهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو، حِيْنَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَسْتَأْذِنُهُ في الْجِهَادِ فَقَالَ: «أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ». رَوَاْهُ الْبُخَاْرِيُّ وَمُسْلِمْ؛ فَجَعَلَ بَذْلَ الْجُهْدَ لإِرْضَائِهِمَا في غَيْرِ مَعْصِيَةِ اللهِ؛ أَعْظَمِ صُوَرِ الْجِهَادِ؛ فَيَا لِعِظَمِ الْإِسْلَامِ!

 

يَاْ مَعْشَرَ الْشَّبَاْبِ، لَقَدْ أَحْزَنَ بَعْضُكُمْ وَاْلِدَيْهِ، وَكَدَّرَ عَلَيْهِمَا صَفْوَ الْحَيَاةِ، وَجَلَبَ عَلَيْهِمَاْ الْشَّقَاْءَ وَالْتَّعَبَ؛ بِالذِّهَابِ إِلَى مَوَاْطِنِ الْفِتَنِ، وَاِسْمَعُوْا إِلَى َهَذَا الْحَدِيْثِ الْعَظِيْمِ، الَّذِيْ رَوَاْهُ مُسْلِمٌ، حِيْنَ قَاْلَ: "أَقْبَلَ رَجُلٌ إِلَى نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ، أَبْتَغِي الْأَجْرَ مِنَ اللهِ، قَالَ: «فَهَلْ مِنْ وَالِدَيْكَ أَحَدٌ حَيٌّ؟» قَالَ: نَعَمْ، بَلْ كِلَاهُمَا، قَالَ: «فَتَبْتَغِي الْأَجْرَ مِنَ اللهِ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَارْجِعْ إِلَى وَالِدَيْكَ فَأَحْسِنْ صُحْبَتَهُمَا». فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْفَضْلِ مِنْ فَضْلٍ؟! وَهَلْ بَعْدَ هَذِهِ النِّعْمَةِ مِنْ نِعْمَةٍ؟!

 

عِبَادَ اللهِ، اِنْظُرُوْا إِلَى رَجُلٍ أَنْزَلَهُ اللهُ الْجَنَّةَ بِسَبَبِ بِرِّهِ؛ قَالَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "نِمْتُ، فَرَأَيْتُنِي في الْجَنَّةِ، فَسَمِعْتُ صَوْتَ قَارِئٍ يَقْرَأُ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: هَذَا حَارِثَةُ بْنُ النُّعْمَانِ" فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كَذَلِكَ الْبِرُّ، كَذَلِكَ الْبِرُّ"، وَكَانَ أَبَرَّ النَّاسِ بِأُمِّهِ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيْحٍ. وَمَرَّ رَجُلٌ لَهُ حَشَمٌ خَلْقًا - أَي قَوِيُّ الْبِنْيَةْ - فَقَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ: لَوْ كَانَ هَذَا في سَبِيلِ اللهِ؟ فَقَالَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَعَلَّهُ يَكُدُّ عَلَى أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ؛ فَهُوَ في سَبِيلِ اللهِ، لَعَلَّهُ يَكُدُّ عَلَى صِبْيَةٍ صِغَارٍ؛ فَهُوَ في سَبِيلِ اللهِ، لَعَلَّهُ يَكُدُّ عَلَى نَفْسِهِ لِيُغْنِيَهَا عَنِ النَّاسِ؛ فَهُوَ في سَبِيلِ اللهِ" رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ في شُعَبِ الْإِيمَانِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ. فَانظُرُوا - وَفَّقَكُمُ اللهُ لِمَا يُحِبُّ وَيَرْضَى- كَيْفَ جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، التَّعَبَ في الإِنْفَاقِ عَلَى الوَالِدَيْنِ في سَبِيلِ اللهِ؟! وَاِعْلَمُوا - سَدَّدَكُمُ اللهُ أنَّ بِرَّ الْوَالِدَيْنِ مِنْ أَسْبَابِ طُولِ الْعُمْرِ، وَكَثْرَةِ الرِّزْقِ؛ قَالَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُمَدَّ لَهُ في عُمْرِهِ، وَأَنْ يُزَادَ لَهُ في رِزْقِهِ، فَلْيَبَرَّ وَالِدَيْهِ، وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ "رَوَاْهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ؛ بِسَنَدٍ صَحِيْحٍ. وَمِنْ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ أَنْ يَصِلَ الْرَّجُلُ أَصْدِقَاءَهُمَا بَعْدَ مَمَاتِهِمَا، لِقَوْلِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَبَرَّ الْبِرِّ صِلَةُ الْوَلَدِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ» رَوَاْهُ مُسْلِمٌ. فَتَصِلُ أَقَارِبَ، وَأَصْحَابَ، وَجِيرَانَ وَالِدِكَ؛ فَتُذَكِّرُهُمْ بِوَالِدِكَ، وَيُذَكِّرُونَكَ بِهِ؛ وَتَدْعُوا لَهُ، ويَدْعُونَ لَهُ. وَقَاْلَ رَجُلٌ لِلْنَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ أُمَّي تُوُفِّيَتْ؛ أَفَيَنْفَعُهَا إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَاْ؟ قَاْلَ نَعَمْ، قَاْلَ: فَإِنَّ لَيْ مَخْرَفًا - أَي: بُسْتَانًا مُثْمِرًا - فَإِنِّي أُشْهِدُكَ أَنِّي قَدْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَنْهَا) رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ. وَمِنْ بِرِّهِمَا بَعْدَ وَفَاْتِهِمَا: أَدَاْءُ الْحُقُوْقِ عَنْهُمَا؛ قِيْلَ لِاِبِنِ طَاْوُوُسٍ في دَيْنٍ عَلَىْ أَبِيْهِ: لَوُ اِسْتَنْظَرْتَ الْغُرَمَاْءَ؟! أَيْ طَلَبْتَ مِنْهُمْ الْإِمِهَاْلَ، فَقَاْلَ: أَأَسْتَنْظِرُهُمْ وَأَبُوْ سُلَيْمَانَ عَنْ مَنْزِلِهِ مَحْبُوْسٌ؟! فَبَاْعَ الَّذِيْ ثَمَنُهُ أَلْفٌ مِنْ مَاْلِهِ بِخَمْسِمِائَةٍ حَتَّى يُسْرِعَ في الْبِيْعِ) أَوْرَدَهُ الْبَيْهَقِيُّ في الْجَّامِعِ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ.

 

وَمِنْ صُوَرِ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ:

1- طَاْعَتُهُمَا بِالْمَعْرُوْفِ، وَالْإِحْسَاْنُ إِلَيْهِمَا، وَخَفْضُ الْجَّنَاْحِ لَهُمَا.

 

2- الْفَرَحُ بِأَوَاْمِرِهِمَا وَمُقَاْبَلَتُهِمَا بِالْبِشْرِ وَالْتِّرْحَابِ.

 

3- مُبَاْدَأَتُهُمَا بِالْسَّلَاْمِ، وَتَقْبِيْلُ أَيْدِيْهِمَا وَرُؤُوْسِهِمَا؛ بِحُبٍّ، وَذُلٍّ، وَرَحْمَةٍ.

 

4- الْتَّوْسِعَةُ لَهُمَا في الْمَجْلِسِ، وَالْجُّلُوْسُ أَمَامَهُمَاْ بِأَدَبٍ وَاِحْتِرَاْمٍ، وَذَلْكَ بِتَعْدِيْلِ الْجِلْسَةِ، وَعَدَمِ الاِنْشِغَاْلِ عَنْهُمَا بِالْمُلْهِيَاتِ، إِلَىْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُنَاْفِيْ كَمَالَ الْأَدَبِ مَعَهُمَا.

 

5- مُسَاْعَدَتُهُمَا في الْأَعْمَال.

 

6- تَلْبِيَةُ نِدَاْئِهِمَا بِسُرْعَةٍ.

 

7- الْبُعْدُ عَنْ إِزْعَاْجِهِمَا، وَتَجَنُّبُ الْشِّجَاْرَ، وَإِثَارَةَ الْجَدَلِ بَحَضْرِتِهِمَا، وَالْبَعْدُ عَنْ كُلِّ مَا يُنَغِّصُ عَلَيْهِمَا صَفْوَ الْحَيَاةِ، وَيُكَدِّرَ عَلَيْهِمَا الْمَعَاشَ.

 

8- أَنْ يَمْشِيَ أَمَاْمَهُاْ بِالَّلِيْلِ؛ لِاِسْتَكْشَافِ الطَّرِيقِ، وَخَلْفَهُمَا بِالْنَّهَارِ؛ تَأَدُّبًا مَعَهُمَا.

 

9- أَلَّا يَمُدَّ يَدَهُ إِلَى الْطَّعَامِ قَبْلَهُمَا.

 

10- إِصْلَاحُ ذَاْتِ الْبَيْنِ، إِذَاْ فَسَدَتْ بِيْنَ الْوَاْلِدَيْنِ؛ إِذَا أَمْكَنَهُ ذَلِكَ؛ مَعَ عَدَمِ الْاِنْحِيَازِ لِطَرَفٍ دُونَ الْآخَرِ.

 

11- الْاِسْتِئْذَاْنُ: عِنْد َالدُّخُوْلِ عَلَيْهِمَا، أَوْ عِنْدَ الْخُرُوْجِ مِنَ الْمَنْزِلِ.

 

12- تَذْكِيْرُهُمَا بِاللهِ، وَتَعْلِيْمُهُمَا مَا يَجْهَلَاْنِهِ، وَأَمْرُهُمَا بِالْمَعْرُوْفِ، وَنَهْيُهُمَا عَنْ الْمُنْكَرِ مَعْ مُرَاعَاةِ الْلُّطْفِ، وَالْإِشْفَاْقِ، وَالْصَّبْرِ.

 

13- الْمُحَاْفَظَةُ عَلَىْ سُمْعَتِهِمَا؛ وَذَلِكَ: بَحُسْن ِالْسِّيْرَةِ، وَالْاِسْتِقَاْمَةِ، وَالْبُعْدِ عَنْ مَوَاْطِنِ الْرَّيِبِ، وَصُحْبَةِ الْسُّوْءِ.

 

14- تَجَنُّبُ لَوْمِهِمَا، وَتَقْرِيْعِهِمَا، وَتَعْنِيفِهِمَا.

 

15- الْعَمَلُ عَلَىْ مَاْ يَسُرَّهُمَاْ؛ وَإِنْ لَمْ يَأْمُرَاْ بِهِ.

 

16- كَثْرَةُ الْدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ لَهُمَا في الْحَيَاةِ، وَبَعْدَ الْمَمَاْتِ؛ اِسْتِجَابَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 24].

 

17- كَثْرِةُ زِيَاْرَتِهِمَا؛ إِذَاْ كَاْنَاْ يَسْكُنَاْنِ بَعِيْدًا عَنْهُ، وَعَدَمُ الْتَّأْخُّرِ في الْسُّؤَاْلِ عَنْهُمَا.

 

عِبَاْدَ اللهِ، إِنَّ الْبِرَّ يَكُوْنُ بِجَمِيْعِ أَنْوَاْعِ الْإِحْسَاْنِ، وَالْصِّلَةِ، وَالْمَحَبَّةِ، وَالْكَلَاِم الَّلِيِّنِ، وَتَجَنُّبِ الْكَلَامِ الْغَلِيْظِ، وَرَفْعِ الْصَّوْتِ، وَيُنَاْدِيْهِمَا بِأَحَبِّ الْأَلْفَاْظِ، كَيَاْ أُمِّيْ، وَ يَا َأَبِيْ، وَيَقُوْلُ لَهُمَاْ مَاْ يَنْفَعُهُمَاْ، وَيُعَلِّمُهُمَاْ دِيْنَهُمَاْ، وَيُعَاْشِرُهُمَاْ بِالْمَعْرُوْفِ، وَيُقَدِّمُهُمَاْ عَلَىْ نَفْسِهِ، وَلَا يُؤْثِرْ عَلَيْهِمَا أَصْحَابَهُ، أَوْ رَحَلَاتِ الْاِسْتِجْمَامِ.

 

وَاُنْظُرُوا إِلَى صُورَةٍ أُخْرَى مِنْ صُورِ الْبِرِّ؛ أَوْرَدَهَا الْبُخَاْرِيُّ في الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ: (عَنْ أَبِى بُرْدَةَ؛ أَنَّهُ شَهِدَ ابْنَ عُمَرَ، وَرَجُلٌ يَمَانِيٌّ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، حَمَلَ أُمَّهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ، يَقُولُ:

إِنِّي لَهَا بَعِيرُهَا الْمُذَلَّلُ *** إِنْ أُذْعِرَتْ رِكَابُهَا لَمْ أُذْعَرِ

 

ثُمَّ قَالَ: يَا ابْنَ عُمَرَ، أَتُرَانِي جَزَيْتُهَا؟ قَالَ: لَا، وَلَا بِزَفْرَةٍ وَاحِدَةٍ) صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ في صَحِيحِ الْأَدَبِ الْـمُفْرَدِ. بَلْ أَمَرَ اللهُ بِبِرِّ الآبَاْءِ مِنَ الْمُشْرِكِيْنَ وَالْكَاْفِرِيْنَ؛ فَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: (قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي، وَهِيَ مُشْرِكَةٌ؛ فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي، وَهِيَ رَاغِبَةٌ، أَفَأَصِلُ أُمِّي؟ قَالَ: «نَعَمْ، صِلِي أُمَّكِ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ. اللهُ أَكْبَرُ! مَا أَعْظَمَ هَذَا الدِّينَ! يَأْمُرُ بِالْبِرِّ بِالآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ؛ سَوَاءَ أَكَانُوا مِنَ الْمُـؤْمِنِينَ أَوْ الْكُفَّارِ؛ في غَيْرِ مَعْصِيَةِ الرَّحْمَنِ.

 

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ..

 

الْخُطْبَةُ الْثَّاْنِيَةُ

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدَهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً. أمَّا بَعْدُ:

 

فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ - حَقَّ التَّقْوَى، وَاِسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.

 

عِبَاْدَ اللهِ، الْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنَ عُقُوْقِ الْوَالِدَيْنِ؛ فَقَدْ جَاْءَ الْتَّحْذِيْرُ مِنْ عُقُوقِهِمَا، وَعُدَّ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟» ثَلَاثًا «الْإِشْرَاكُ بِاللهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمْ. بَلْ وَاِنْظُرُوْا إِلَى صُوْرَةٍ مِنْ صُوَرِ الْعُقُوْقِ، وَكَبَاْئِرِ الْذُّنُوْبِ؛ صُوْرَةٍ قَدْ لَاْ يَخْطُرُ في الْبَاْلِ أَنَّهَاْ مِنْ عُقُوْقِ الْوَالِدَيْنِ؛ وَذَلِكَ حِيْنَمَاْ يَتَعَدَّىْ بِالسَّبِّ عَلَىْ آبَاْءِ غَيْرِهِ؛ قَاْلَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الكَبَائِرِ؛ أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ» قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟! قَالَ: «يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَا الرَّجُلِ؛ فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

 

عِبَادَ اللهِ، عَلَيْكُمْ أَنْ تَعْلَمُوْا أَنَّ الْنَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:(رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ أَدْرَكَ أَبَوِيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَمْ يَدْخُلْ الْجَّنَّةُ) رَوَاْهُ مُسْلِمُ. فَمَنْ ضَيَّعَ هَذِهِ الْفُرْصَةَ الْعَظِيمَةَ الْيَسِيرَةِ لِدُخُولِ الْجَنَّةِ؛ فَهُوَ لِغَيْرِهَا أَضْيَعُ. وَاِحْذَرُوْا مِنْ آثَارِ الْعُقُوْقِ؛ فَدُعَاْءُ الْوَالِدُ عَلَىْ وَلَدِهِ مُسْتَجَاْبٌ، قَاْلَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ثَلَاْثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاْتٌ: دُعَاْءُ الْوَاْلِدِ عَلَىْ وَلَدِهِ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُوْمِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَاْفِرِ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ في شُعَبِ الْإِيمَانِ، بِسَنَدٍ حَسَنٍ.

 

وعَقُوْقُ الْوَاْلِدَيْنِ لَا يَقْتَصِرُ عَلَىْ مُخَاْلَفَتِهِمْ وَعَدَمِ طَاْعَتِهِمَا؛ بَلْ لَهُ صُوَرٌ كَثِيْرَةٌ؛ مِنْهَا:

1- إِبْكَاْءُ الْوَاْلِدَيْنِ، وَتَحْزِيْنَهُمَاْ: بِالْقَوْلِ أَوْ الْفِعِلِ؛ وَأَكْثَرُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ؛ مَنْ يَذْهَبُ إِلَى مَوَاطِنِ الْفِتَنِ، أَوْ يَتَعَاطَى الْمُسْكِرَاتِ، أَوْ يُهْمِلُ الصَّلَوَاتِ، أَوْ يُقَصِّرُ في عَمَلِهِ، أَوْ في دِرَاسَتِهِ.

 

2- نَهْرُهُمَاْ وَزَجْرُهُمَاْ، وَرَفْعُ الْصَّوْتِ عَلَيْهِمَاْ.

 

3- الْتَّأَفُّفُ مِنْ أَوَاْمِرِهِمَا، وَتَقْدِيمُ مَصَالِحَ الْأَصْحَابِ وَمُجَالسَتِهِمْ عَلَيهِمَا.

 

4- تَرْكُ الْإِصْغَاْءِ لِحَدِيْثِهِمَاْ؛ وَالاِنْشِغَالُ عَنْهُمَا بِقِرَاْءَةِ صَحِيفَةٍ، أَوْ كِتَاْبٍ، أَوْ مُطَاْلَعَةِ جَوَّاْلٍ عِنْدَ لِقَاْئِهِمَا؛ فَكَيْفَ إِذَا كَانَ لَا يَرَاهُمَا في الأُسْبُوْعِ؛ إلا نَادِرًا؟

 

5- ذَمُّ الْوَاْلِدَيْنِ أَمَامَ الْنَّاْسِ، وَتَشْوِيْةُ سُمْعَتِهِمَا؛ عِنْدَ حُدُوثِ خِلَافٍ مَعَهُمَا.

 

6- إِثَاْرَةُ الْمَشَاكِلِ أَمَامَهُمَاْ: إِمَّا مَعَ الْإِخْوَةِ، أَوْ مَعَ الْزَّوْجَةِ، أو مَعَ الْأَصْحَابِ.

 

7- الْمُكْثُ طَوِيْلًا خَاْرِجَ الْمَنْزِلِ؛ خَاصَّةً مَعَ حَاْجَةِ الْوَاْلِدَيْنِ إِلَيْهِ.

 

8- تَقْدِيْمُ طَاْعَةِ الْزَّوْجَةِ، أَوْ غَيْرِهَاْ عَلَيْهِمَا.

 

9- الْتَّعَدِّيْ عَلِيْهِمَا بِعُنْفِ الأَقْوَالِ أَوِ الأَفْعَاْلِ.

 

10- إِيْدَاعُهُمَا دُوْرَ الْعَجَزَةِ؛ تَخَلُّصًا مِنْ مَتَاعِبِ خِدْمَتِهِمَا؛ وَهُنَاكَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ؛ تَلْبِيَةً لِرَغْبَةِ زَوْجَتِهِ؛ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ!

 

11- تَمَنِّي مَوْتِهِمَا؛ لِيُرِيْحَ نَفْسَهُ مِنْ عَنَاءِ خِدْمَتِهِمَاْ؛ وَهَذَا - وَرَبِيِّ- مِنَ الْمَصَائِبِ الْعِظَامِ.

 

12- الْبُخْلُ عَلَيْهِمَا، وَالْمِنَّةُ، وَتَعْدَاْدُ الْأَيَاْدِي عَلَيْهِمَا؛ مَعَ أَنَّ إِنْفَاقَهُ عَلَيْهِمَا وَاجِبٌ، يَشْرُفُ بِهِ الْعُقَلَاءُ، وَيَفْرَحُوا؛ قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي مَالًا وَوَلَدًا، وَإِنَّ أَبِي يُرِيدُ أَنْ يَجْتَاحَ مَالِي! فَقَالَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ). رَوَاهُ اِبْنُ مَاجَه، وَغَيْرُهُ؛ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، وَمَعْنَى: يَجْتَاحُ مَالِي: يَسْتَأْصِلُهُ، وَيَأْتِي عَلَيْهِ أَخْذاً وَإِنْفَاقًا.

 

13- كَثْرَةُ الْشَّكْوَى وَالْأَنِيْنُ أَمَاهُمَا.

 

14- عَدَمُ الْسَّلَامِ عَلَيْهِمَاْ عِنْدَ الْدُّخُوْلِ عَلَيْهِمَاْ؛ بَحُجَّةِ أَنَّهُ يَرَاهُمَا يَوْمِيًّا، وَلَا َحَاْجَةَ لِتِكْرَاْرِ الْسَّلَامِ؛ وَهَذَا يَجْلِبُ الْحُزْنَ لَهُمَا.

 

عِبَاْدَ اللهْ، لَقَدْ جَعَلَ الْنَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عُقُوْقُ الْوَالْدِيَنِ سَبَبًا لِلْحِرْمَاْنِ مِنْ دُخُوْلِ الْجَّنَّةِ؛ فَقَالَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَاقٌّ "رَوَاهُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ؛ فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنَ الْعُقُوقِ؛ فَلَقَدِ اِنْتَشَرَتْ شَكَاوَى الْعُقُوقِ مِنَ الآبَاءِ وَالأُمِّهَاتِ؛ وَلَا يُمْكِنُ لأَحَدِ الْوَالِدَيْنِ أَنْ يَسْلُكَ هَذَا الْمَسْلَكِ إِلَّا بَعْدَ أَنْ أُغْلِقَتْ أَمَامَهُ كُلُّ الْأَبْوَابِ؛ فَلَجَأَ إِلَى الْمَحَاكِمِ؛ لِتُنْصِفَهُ، وَلِيُؤَدِّبَ وَلَدَهُ. وَلَو لَمِ تَنْتَشِرْ هَذِهِ الْأَخْبَارِ؛ لَمَا صَدَّقْنَا أَنَّ عُقٌوقَ بَعْضِ الأَبْنَاءِ قَدْ يَصِلُ لِهَذِهِ الدَّرَجَةِ. فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنَ الْوُقُوعِ في هَذِهِ الْكَبِيرَةِ؛ بِأَي صُورَةٍ مِنْ صُورِ الْعُقُوقِ؛ فَإنَّ الْعَاقَّ تُعَجَّلُ لَهُ الْعُقُوبَةُ في الدُّنْيَا؛ قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (بَابَانِ مُعَجَّلَانِ عُقُوبَتُهُمَا في الدُّنْيَا: الْبَغْيُ،وَالْعُقُوقُ)، رَوَاهُ الْحَاكِمُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.

 

جَعَلَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنَ الْبَارِّينَ بِوَالِدِيهِمْ.

 

الَّلهُمَّ احْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ، وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، الَّلهُمَّ اجْعَلْهُ سِلْمًا لِأْوْلِيَائِكَ، حَرْباً عَلَى أَعْدَائِكَ، الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَأَقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ، الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ أَهْلِ الإِسْلَامِ في كُلِّ مَكَانٍ، «اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا في كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ». اللهُمَّ أَكْثِرْ أَمْوَالَ مَنْ حَضَرَ، وَأَوْلَادَهُمْ، وَأَطِلْ عَلَى الْخَيْرِ أَعْمَارَهُمْ، وَأَدْخِلْهُمُ الْجَنَّةَ. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.

وَقُومُوا إِلَى صَلَاتِكمْ يَرْحَمْكُمُ اللهُ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • بر الوالدين طريق السعادة
  • بر الوالدين
  • بر الوالدين (خطبة)
  • عقوق الوالدين.. قصيدتان من تراثنا الأدبي
  • بر الوالدين
  • آيات عن بر الوالدين
  • بر الوالدين (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • تفسير: (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون ...)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أسماء الله الحسنى من خلال الجزء (السابع والعشرون) اسم الله (البر والرحيم) (WORD)(كتاب - آفاق الشريعة)
  • تأملات في قوله تعالى: {للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون...}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير آية: (ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون والذين عقدت أيمانكم ...)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الوالدان رحيق الحياة ( بطاقة دعوية )(كتاب - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • الوالدان بابك إلى الجنة ( بطاقة دعوية )(كتاب - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • الوالدان أحق الناس بأخلاقك الحسنة ( بطاقة دعوية )(كتاب - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • المرأة بين الحقوق والعقوق(مقالة - آفاق الشريعة)
  • البر حقيقته وخصاله(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر)
  • حديث: البر حسن الخلق والإثم ما حاك في صدرك(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ستولاك تستعد لانطلاق النسخة الثالثة والعشرين من فعاليات أيام المساجد
  • موافقة رسمية على مشروع تطويري لمسجد بمدينة سلاو يخدم التعليم والمجتمع
  • بعد انتظار طويل.. وضع حجر الأساس لأول مسجد في قرية لوغ
  • فعاليات متنوعة بولاية ويسكونسن ضمن شهر التراث الإسلامي
  • بعد 14 عاما من البناء.. افتتاح مسجد منطقة تشيرنومورسكوي
  • مبادرة أكاديمية وإسلامية لدعم الاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي في التعليم بنيجيريا
  • جلسات تثقيفية وتوعوية للفتيات المسلمات بعاصمة غانا
  • بعد خمس سنوات من الترميم.. مسجد كوتيزي يعود للحياة بعد 80 عاما من التوقف

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 22/1/1447هـ - الساعة: 11:44
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب