• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / السيرة والتاريخ / السيرة / في بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وآياته وأخلاقه
علامة باركود

احتساب النبي صلى الله عليه وسلم (8)

الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 11/7/2009 ميلادي - 18/7/1430 هجري

الزيارات: 20716

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

مجالات احتسابه - صلى الله عليه وسلم - (ج)

 

الحمد لله العليمِ الخبير، خَلَقَ الخلْق لعبادته، وأمَرهم بطاعته، ونهاهم عن معصيته؛ ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]، نحمده على نِعَمه التي هي تَتْرى، ونشكره على آلائه التي لا تحصى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ عمَّ فضلُه على عباده فهداهم لما ينفعهم، واختصَّ بفضله أهلَ الإيمان فوفَّقهم لطاعته، وله الحكمة والحُجة فيما قضى وشرع؛ ﴿ وَاأَلَا لَهُ الخَلْقُ لأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ العَالَمِينَ ﴾ [الأعراف: 54]، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله - صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

فأوصي نفسي وإياكم - عبادَ الله - بتقوى الله - تعالى - وطاعته؛ ففي تقواه وطاعتِه السعادةُ والهناء في الدنيا، والفوزُ والفلاح في الآخرة؛ ﴿ لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ المِيعَادَ ﴾ [الزُّمر: 20].

 

أيها الناس:

كانت حياة الرسل - عليهم السلام - جهادًا ومجاهدة، وصبرًا ومصابرة، ومرابطة على طاعة الله - تعالى - والقيامِ بأمره، وهداية الناس لدينه، والاحتساب عليهم؛ لتصحيح عقائدهم وعباداتهم، ومعاملاتهم وأخلاقهم، لقد كان احتسابهم - عليهم السلام - على الناس لحجزهم عن ظلْم أنفسهم، ومنْعِهم من ظلم بعضهم بعضًا؛ قال نوحٌ - عليه السلام - لقومه: ﴿ مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا ﴾ [نوح: 13، 14]، وقال شعيبٌ - عليه السلام -: ﴿ وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا المِكْيَالَ وَالمِيزَانَ بِالقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ [هود: 85]، لا يبتغون جزاءً ولا شكورًا على احتسابهم إلا من الله - تعالى - ولذا قال كلُّ واحدٍ منهم لقومه: ﴿ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ العَالَمِينَ ﴾ [الشعراء: 109]، فكانت دعواتُهم احتسابًا لله - تعالى - هدفُه وغايته إصلاحُ الحال والمآل للأفراد والجماعات.

 

ونبيُّنا محمد - صلى الله عليه وسلم - هو إمام المحتسبين، شرع الاحتسابَ لأمَّته، ومارَسَه عمليًّا في حياته، وما انتقلتِ العربُ من جاهليتِها وضلالها إلى العلمِ والهدى إلا بدعْوته - صلى الله عليه وسلم - واحتسابِه؛ إذ أقام التوحيد، وهدم صروحَ الشرك، وصحَّح العقائدَ والعباداتِ والمعاملات، وهذَّب الأخلاق والسلوك، وما من شأنٍ من شؤون الناس إلا وله فيه احتساب؛ لأن الدِّين الذي جاء به، ودَعَتْ إليه الرسلُ قبله، إنما يقوم على شعيرة الحِسْبة، كما أن دين المشركين قديمًا وحديثًا يقوم على تعطيلها وإبطالها.

 

وكان من احتساب النبي - صلى الله عليه وسلم - في مجالات السياسة الشرعية، والعلاقةِ بين الراعي والرعية:

 

فرضُ العدل، والقيامُ به ولو على النفس والأقربِينَ، ورفضُ الظلم تحت أي مسوغٍ أو تعليل؛ لأن الظلم سببُ خرابِ العالم، وفسادِ الذمم، وانهيارِ الدول.

 

ومن احتساب النبي - صلى الله عليه وسلم - في إقرار العدل، ورفضِ الحيف في الحكم، والوقوفِ مع صاحب الحق ولو كان خَصمًا للنبي - صلى الله عليه وسلم -:

ما روى أبو سعيدٍ الخدري - رضي الله عنه - قال: "جاء أعرابيٌّ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يتقاضاه دَينًا كان عليه، فاشتدَّ عليه حتى قال له: أُحَرِّجُ عليك إلاَّ قَضَيْتَني، فانتهَرَه أصحابُه وقالوا: ويحَك، تدري مَن تُكلِّم؟! قال: إني أطلبُ حقِّي، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((هلاَّ مع صاحب الحقِّ كنتم))، ثم أرسل إلى خولةَ بنتِ قيسٍ فقال لها: ((إن كان عندك تمرٌ فأقرِضِينا حتى يأتيَنا تمرُنا فنقضيَك))، فقالتْ: نعم، بأبي أنت يا رسول الله، قال: فأقرضتْه، فقضى الأعرابيَّ وأطعمه، فقال: أوفيتَ أوفى الله لك، فقال: ((أولئك خيار الناس، إنه لا قُدِّسَتْ أمَّةٌ لا يأخذ الضعيفُ فيها حقَّه غيرَ مُتَعْتَعٍ))؛ رواه ابن ماجه.

 

وكان - صلى الله عليه وسلم - يربِّي أصحابَه - رضي الله عنهم - على إيقاع العقوبة على من يستحقُّها، ويحتسب عليهم إذا أرادوا الإخلالَ بذلك، ولا يحابي أحدًا في ذلك ولو كان من أشراف الناس وكُبرائهم، فلا محاباةَ في دين الله - تعالى – وحدوده.

 

روتْ عائشةُ - رضي الله عنها -: "أن قريشًا أهمَّتْهم المرأةُ المخزومية التي سَرقتْ، فقالوا: مَن يكلِّمُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ومن يجترئُ عليه إلا أسامةُ حِبُّ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فكلَّم رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((أتشفع في حدٍّ من حدود الله؟!))، ثم قام فخطب، قال: ((يا أيها الناس، إنما ضلَّ من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سَرَقَ الشريفُ تَرَكوه، وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحدَّ، وايم الله لو أن فاطمةَ بنتَ محمدٍ سرقتْ، لقَطع محمدٌ يدها))؛ رواه الشيخان.

 

فتأمَّلوا كيف ردَّ - صلى الله عليه وسلم - شفاعةَ حِبِّهِ وابنِ حِبِّه، وخطَبَ الناسَ يحذِّرُهم من المحاباة في حدود الله - تعالى - ثم يُقسِم أنه يقيم الحدَّ على ابنته - رضي الله عنها - لو استحقَّتْه، ومن نَظَرَ إلى الفساد المالي والإداري في العالم الإسلامي، وتأمَّلَ أسبابَ تخلُّف المسلمين عن غيرهم من الأمم في مجالات الدنيا، تبيَّن له أن أهمَّ سببٍ لذلك هو الظلم والمحاباة؛ حتى صارتِ الأنظمةُ والقوانين هي الاستثناءَ، وصار خرقُها وتجاوزها هو الأصلَ، والدول التي تقدمتْ في أمور الدنيا كان أهمَّ سببٍ لتقدُّمها إقامةُ العدل في داخلها، وعدم محاباة أحد في النظام والقانون مهما علَتْ منزلتُه، وليس طرحُ الدين وإلغاءُ الحِسبة سببًا للتقدم، كما يزعم الأفَّاكون، ولكنه العدل.

 

ولأهمية إقامة حدود الله - تعالى - فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يحتسب فيها على غير المسلمين، ويُلزمهم بشريعتهم المنزلة، ولا يحابيهم في ذلك؛ كما احتسب - صلى الله عليه وسلم - على اليهود في إقامة الحدِّ الذي جاءتْ به التوراة في حق الزانيينِ، وأمَرَ برجْمهما مع حرْص اليهود على إخفاء ما جاءت به التوراة مِن رجمِهما، وعزمِهم على عدم إقامة الحد.

 

ومن احتسابه - صلى الله عليه وسلم - في مجال السياسة الشرعية:

أنه إنْ رأى مِن بعض أصحابه - رضي الله عنهم - ميلاً إلى ولاية أو وظيفة لا يَقدِر على القيام بها، بيَّن له ضعْفَه فيها، وعجْزَه عن القيام بها، وخطورةَ تحمُّلها، ولم يصانِعْه فيها على حساب الأمَّة؛ لئلا تفسد أحوالُ المسلمين بسبب المصانعة في ذلك أو الاستهانة به، ومن ذلك حديث أبي ذَرٍّ - رضي الله عنه - قال: "قلتُ: يا رسول الله، ألا تستعملُني؟ قال: فضرب بيده على منكبي ثُم قال: ((يا أبا ذر، إنك ضعيفٌ، وإنها أمانةٌ، وإنها يوم القيامة خزيٌ وندامةٌ، إلاَّ مَن أخَذَها بحقِّها، وأدَّى الذي عليه فيها))، وفي رواية قال - صلى الله عليه وسلم -: ((يا أبا ذر، إني أراك ضعيفًا، وإني أُحبُّ لك ما أُحب لنفسي، لا تَأَمَّرَنَّ على اثنين، ولا تَوَلَّيَنَّ مالَ يتيمٍ))؛ رواه مسلم.

 

فإن وقع مِن بعض وُلاته أو عُمَّاله خطأٌ، لم يُقرَّه على الخطأ، أو يسكت عنه محاباةً له؛ بل يحتسب عليه فيه، كما احتسب على ابن اللُّتْبِيَّة لما استعمله على الصدقة، فقال: هذا مالُكم، وهذا أُهْدي لي، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((أفلا جلس في بيته، حتى تأتيه هديتُه؟!)).

 

واحتسب على خالد بن الوليد لما استعجل في قتْل ناسٍ ظنَّ أنهم من المشركين، ولم يتحقَّق من ذلك؛ كما روى ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "بَعَثَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - خالدَ بن الوليد إلى بني جذيمة، فلم يُحسِنُوا أن يقُولُوا: أسْلمْنا، فقالُوا: صَبَأْنَا صبأنا، فجعل خالدٌ يقتُلُ ويأسرُ، ودفع إلى كل رجُلٍ منا أسِيرَهُ، فأمَرَ كلَّ رجُلٍ منا أن يقتُلَ أسيرَهُ، فقلتُ: والله لا أقتُلُ أسيري، ولا يقتُلُ رجُلٌ من أصحابي أسيرَه، فذكَرْنا ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((اللهم إني أبرأُ إليك مما صنع خالدُ بن الوليد - مرتين))؛ رواه البخاري.

 

ولم يقتصر احتسابُه - صلى الله عليه وسلم - على داخل الدولة المسلمة؛ بل لو وقع خطأٌ خارجَها فإنه ينبِّه عليه؛ ليحْذَرَه المسلمون، فلا يقعوا فيما وقع فيه غيرُهم، ومن ذلك نهيُه - صلى الله عليه وسلم - عن التشبُّهِ بغير المسلمين، سواء في عقائدهم وعباداتهم، أو فيما اختصوا به من عاداتهم وأخلاقهم.

 

ومنه أيضًا:

ما جاء عن أبي بَكْرَةَ - رضي الله عنه - قال: لقد نَفَعَنِي اللهُ بكلمةٍ أَيَّامَ الجَمَلِ، لَمَّا بَلَغَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ فَارِسًا مَلَّكُوا ابنةَ كِسْرَى، قال: ((لن يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً))؛ رواه البخاري، وكان هذا الاحتساب والبيان منه - عليه الصلاة والسلام - سببًا في انتفاع أبي بكرة - رضي الله عنه - بعد ذلك، والذين يحتسبون بتحذير الأمَّة المسلمة من تولية المرأة ولاياتٍ عامةً هم مقتدون بالنبي - صلى الله عليه وسلم - حين انتقد ذلك، وناصحون لأمَّتهم؛ لأنهم يخافون عليها الخسرانَ وعدم الفلاح؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذَكَر أن مَن يُولُّون النساءَ هذه الولاياتِ لا يفلحون، وهو - صلى الله عليه وسلم - لا ينطق عن الهوى؛ ﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النَّجم: 4].

 

وبهذا يُعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يسكت إذا رأى معروفًا عُطِّل، أو وقع خطأ في فعلِه، حتى يحتسب على صاحبه، فيأمره به، أو يصحح له خطأه فيه، ولا يسكت عن منكرٍ أُظهر، حتى يحتسب على صاحبه بالقول، أو الفعل، أو بهما معًا، مع مراعاته - صلى الله عليه وسلم - للمصالح والمفاسد في احتسابه، وهو قدوتنا في هذه الشعيرة العظيمة التي يريد الكفار والمنافقون وأْدَها، ويفرضون مذهبَ المشركين في عدم الاحتساب على الناس، وترْكهم أحرارًا ينتهكون حُرُمات الله - تعالى - كما يشاؤون، ويقولون كما قال الله - تعالى - حكايةً عن قوم شعيب - عليه السلام -: ﴿ يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ ﴾ [هود: 87]، كفى اللهُ البلادَ والعباد شرَّهم، وردَّهم على أعقابهم خاسرين، إنه سميع قريب، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدًا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه كما يحبُّ ربُّنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

فاتَّقوا الله - تعالى – وأطيعوه؛ ﴿ وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [آل عمران: 131، 132].

 

أيها المسلمون:

شعيرة الاحتساب على الناس - بأمرِهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر - هي سببُ بقاء الدين، وبها تُحيا السُّننُ، وتَندثِر البِدَعُ، ويضمحلُّ الفساد، ويتوارى المفسدون، وتعطيلُ شعيرة الحسبة هو سببُ غربة الدين، وإضلالِ الناس، وإماتةِ السنن، وتفشِّي البدع، وانتشارِ المنكرات، وعلوِّ أهلها؛ ولذلك يستميت المفسدون في محاولة إلغاء هذه الشعيرة الربانيَّة العظيمة، التي نالتْ بها هذه الأمةُ الخيريةَ، وفُضِّلتْ بها على غيرها من الأمم؛ ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِالله ﴾ [آل عمران: 110].

 

وما الهجوم المتتابِعُ المتنوع من الكفار والمنافقين والشهوانيين على الحسبة والمحتسبين، إلا محاولةٌ منهم في هدم هذا الرُّكن من الدين؛ لتحقيق أهدافهم الخبيثة في إفساد الناس وإضلالهم، ونشرِ المنكرات فيهم، يريدون بكثرة الطَّرْقِ الإعلامي إلغاءَ الأمرِ بالمعروف والنهي عن المنكر الذي فرَضَه اللهُ - تعالى - على عباده، وجعَلَه من أخصِّ شعائر شريعته الغراء.

 

إنهم يكذبون على المحتسبين في صُحُفهم، وينسجون القصصَ والروايات الوهمية فيهم، ويضخِّمون أخطاءهم، ويَسخَرون بهم وبعملهم في مقالاتهم ورسومهم، ومَن سَخِرَ بالحِسبة والمحتسبين فهو يَسخَر بالنبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه إمام المحتسبين وقُدْوتهم، ويسخر بالله - تعالى - ويعترض على دينه؛ لأن الله - سبحانه وتعالى - هو الذي شرع الحسبة وفرَضَها وأَمَر بها، ورتَّب الوعيد الشديد على ترْكها.

 

ومن رَضِيَ السخرية بالحسبة والمحتسبين، ولم يُنكر ذلك ولو بقلبه، فلْيعلم أنه قد رضي السخرية بالله - تعالى - وبنبيِّه محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - وبدينه الذي بلَّغه عن ربِّه - جل جلاله - فالأمرُ خطير، والخطبُ كبير، ولو كثر الوالغون فيه من الكفار والمنافقين والشهوانيين وجهلة الناس ورعاعهم.

 

فحريٌّ بكل مسلم أسلم وجهَه لله - تعالى - ورضي بدينه ألاَّ يُصغي للمفسدين في الأرض، الداعين إلى تعطيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وألاَّ يقبل سخريتهم بالحسبة والمحتسبين؛ بل ينكرها بما يستطع، ولو بقلبه، وذلك أضعف الإيمان، كما يجب عليه أن يحيي هذه الشعيرةَ في الناس، كما أحياها الرسل - عليهم السلام - في أقوامهم، وكما أحياها خاتَمُهم - صلى الله عليه وسلم - في مكة والمدينة، وقد قال الله - تعالى -: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَاليَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21].

 

وصلوا وسلموا على نبيكم...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • احتساب النبي صلى الله عليه وسلم (1)
  • احتساب النبي صلى الله عليه وسلم (2)
  • احتساب النبي صلى الله عليه وسلم (3)
  • احتساب النبي صلى الله عليه وسلم (4)
  • احتساب النبي صلى الله عليه وسلم (5)
  • احتساب النبي صلى الله عليه وسلم (6)
  • احتساب النبي صلى الله عليه وسلَّم (7)

مختارات من الشبكة

  • (احتساب سبعين نية لصوم رمضان) من كتاب (بذل الجنان في احتساب سبعين نية لصوم رمضان: ج1)(مقالة - ملفات خاصة)
  • من فضائل النبي صلى الله عليه وسلم: كان صلى الله عليه وسلم رحيما بالمؤمنين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الاحتساب: النهر الجاري للحسنات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أربعون حديثا في ليلة القدر(مقالة - ملفات خاصة)
  • احتساب الأنبياء عليهم السلام(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • علاقة محمد صلى الله عليه وسلم، بجبريل عليه السلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • منهج الإمام أحمد بن حنبل في الاحتساب لمحمد بن فهد الفريح(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • بذل الجنان في احتساب سبعين نية لصوم رمضان (ج 4)(مقالة - ملفات خاصة)
  • خطبة: تعدد سبل الخيرات واحتساب النية الصالحة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إيمانا واحتسابا (خطبة)(مقالة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب