• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
  •  
    خطبة: أم سليم ضحت بزوجها من أجل دينها (1)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    خطبة: التربية على العفة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أسس التفكير العقدي: مقاربة بين الوحي والعقل
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
  •  
    ابتلاء مبين وذبح عظيم (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    فضل من يسر على معسر أو أنظره
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    حديث: لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    كونوا أنصار الله: دعوة خالدة للتمكين والنصرة
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    لا تعير من عيرك
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    من مائدة التفسير: سورة النصر
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أربع هي نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    وحدة المسلمين (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إذ قال الله يا عيسى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / السيرة والتاريخ / السيرة
علامة باركود

حقوق النبي صلى الله عليه وسلم (خطبة 1)

حقوق النبي صلى الله عليه وسلم (خطبة)
الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 8/12/2024 ميلادي - 6/6/1446 هجري

الزيارات: 2515

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

خطبة: حقوق النبي صلى الله عليه وسلم (1)

 

الخطبة الأولى

إن الحمد لله، نحمَده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يَهده الله فلا مُضل له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ربي لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]، أما بعد:

فإن خيرَ الكلام كلام الله، وخيرَ الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلَّ مُحدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

معاشر المؤمنين، يَمتن الله - سبحانه وتعالى - بنعمته العظيمة يوم أن بعث إلى بني الإنسان سيد الأولين والآخرين، وخاتم الأنبياء والمرسلين وخليله النبي الكريم؛ أعني بذلك محمدًا صلى الله عليه وسلم، فهو الذي بعثه الله على حين فترة من الرسل، من أجل أن يخرج الناس من الظلمات إلى النور، ومن دياجير الجهل والظلمات إلى مقالب الخير والسعادة لبني الإنسان في هذه الدنيا والآخرة، فيقول جل وعلا: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [آل عمران: 164]، يعني بذلك من العرب إنه امتنانٌ يَمتن الله به أعظم من امتنان الطعام والشراب والهواء، إنه حياة الدارين، فيقول ربنا جل وعلا: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [آل عمران: 164]، لقد كان العرب قبل البعثة النبوية يعيشون في ألوان من الضلالات في كل شؤون حياتهم، يعيشون حياة فوضوية، نظر الله إلى أهل الأرض في ذلك الزمان، فمقت كل ذلك، ما كان من المعاملات، وما كان من العبادات، فعلم الله أنه لا صلاح لهم ولا صلاح للدنيا والآخرة، إلا ببعثة هذا النبي الكريم.

لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم
ولا سراة إذا جُهَّالُهم سادوا

فبعث الله عبدًا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وأُجريت له كثير من المقامات استعدادًا للمواجهة، شرح الله له صدره بأن أرسل إليه جبريل وهو يلعب مع الغلمان، فصرعه فشق صدره، ثم أخرج قلبه فغسله داخل طست من ذهب وحشاه حكمة وإيمانًا، وغسله بماء زمزم، ثم ما كان بعد ذلك من العفة والأمانة والعصمة ما عُرف به سيد الأولين والآخرين قبل البعثة، فكان هو الملقب بالصادق الأمين، ثم بعد ذلك كان له الإسراء والمعراج وكثير من الخوارق، هذا إن دل على شيء، إنما يدل على عظمة هذا الرجل، وأن الله اصطفاه لأمر عظيم لرسالة عالمية ليس للعرب وحدهم، وإنما للأمم بأسرها؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]، فأي حكم من أحكام الشريعة هو رحمة للعالمين واجبًا أو محرمًا، إن كان من الواجبات فهو رحمة، وإن كان من المحرمات فهو رحمة، وإن كان العبد يجد قليلًا أو كثيرًا من الآلام، لكن ذلك من رحمة الله بهؤلاء العباد أن جعلهم من أمة هذا النبي الكريم.

ومما زادني شرفًا وفخرًا
وكدتُ بأخمصي أطأ الثريَّا
دخولي تحت قولك يا عبادي
وأن صيَّرت أحمد لي نبيًّا

 

كذا كان حال الناس قبل الإسلام، ثم بعد الرسالة العالمية أصلح الله أحوالهم، وزكَّى الله قلوبهم، وجمعهم على قلب رجل واحد.

أتطلبون من المختار معجزةً
يَكفيه شعب من الأموات أحياءُ

أحياهم الله وصاغهم الإسلام صياغةً، فكانوا معدن الصدق، ومعدن الإخلاص والبذل والتضحية، تأمل في قاموس أصحاب رسول الله، ترَ أنهم ضربوا أروع الأمثلة في كل الميادين؛ أعني ميادين الخير، وذلك إن دل فإنما يدل على حسن التربية والقيادة.

كنْ كالصحابة في زُهدٍ وفي ورعٍ
القوم هم ما لهم في الناس أشباهُ
عبادُ ليلٍ إذا جنَّ الظلامُ بهم
كم عابد دمعه في الخد أجراهُ
وأُسد غاب إذا نادى الجهادُ بهم
هبُّوا إلى الموت يستجدون لقياهُ

 

هذا النبي صلى الله عليه وسلم أحيا الله به الأمم، وأسعَد الله به أهل الدنيا والآخرة، فكان نبيًّا رسولًا رحمة للعالمين، ختم به الرسالة، وأيَّده بكثيرٍ من المعجزات، وأعظم معجزة القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وضمِن الله لمن اتَّبعه أن يسعد في الدارين، وتوعد الله من خالفه أن يكون شقيًّا في الدارين، فقال سبحانه: ﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى ﴾ [طه: 123 - 126].

 

ومعنى نسيتها: أي تركتها، فأنت تترك يوم القيامة لا يُبالي بك أبدًا؛ لأنك نسيت أمر الرسول، ونسيت دين الرسول، ولم تجعل الرسول قدوة وقيادة، هذا النبي الكريم عرف حقَّه كثيرٌ من الجمادات؛ أعني بذلك الجماد الذي لا ينطق؛ روى الإمام مسلم في صحيحه أن نبينا صلى الله عليه وسلم قال: (إني لأعرف حجرًا بمكة كان يسلم علي أعرفه الآن)، إذا مر الرسول بجوار الحجر قال: السلام عليك يا رسول الله، وجاء في صحيح البخاري أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يأكل الطعام والطعام يسبح بحمد الله، والحصى تكون في يده، فتُسبح بحمد الله، وجاء في صحيح البخاري ومسلم أنه صلى الله عليه وسلم كان يقوم يوم الجمعة يعظ الناس بجانب جذع من شجر، فجاءت امرأة أنصارية وقالت: أصنع لك منبرًا يا رسول الله، قال: اصنعي منبرًا، فترك الجذع واتَّجه إلى المنبر، فلما رقى الرسول على المنبر، حن الجذع حنين الصبي، وبكى بكاء الصبي المطفوح من ضرب أو غيره، فينزل الرسول فيسكنه، فيقول: إنه حن لَمَّا كان يسمع من الذكر، وهكذا على مستوى الحيوانات المفترسة، تعرف حقَّ نبينا صلى الله عليه وسلم؛ روى البخاري في صحيحه أن راعيًا كان يرعى الأغنام خارج المدينة النبوية، فوجد ذئبًا عدى على شاة من أغنامه، فانتزعها بقوة، فتكلم الذئب بلسان فصيح، قال: تأخذ رزقًا ساقه الله إلى، فقال الراعي: عجبًا من ذئب يتكلم، فقال الذئب: أعجب من ذلك محمد صلى الله عليه وسلم بين الحرَّتين يُخبر الناس بأخبار الدنيا والآخرة، ثم يأخذ الراعي أغنامه، فيضعها في زاوية من زوايا المدينة، وهي ربما تفوق الألوف من الأعداد، ثم يأتي إلى الرسول فيخبره، فيجمع الرسول الصحابة، ثم يخبر الأعرابي بما سمع، فقال رسول الله: إنها أمارة من أمارت الساعة، ويصعد الرسول مرة على جبل أحد، فقال: أُحد جبل يُحبنا ونُحبه، على مستوى الجبال وعلى مستوى الجمال، يأتي جمل فيسجد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقول الصحابة: نحن أحق بالسجود منه يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد لأمرتُ المرأة أن تسجد لزوجها لعِظم حقه عليها، فكانت هذه الحيوانات تعرف حق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وعند الكفار من كان يقرأ كتبهم في التوراة أو الإنجيل، فيجد صفة محمد صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك لا يمنعهم من الإسلام إلا ما كان لهم من المكانة بين الناس، اسْمعوا إلى هذه القصة العجيبة التي رواها الإمام البخاري في صحيحه في مقدمة الصحيح؛ أعني في كتاب الوحي، لَمَّا ذهب أو سفيان قبل أن يسلم إلى هرقل ملك الروم مع جماعة من التجار، ثم قال هرقل وكان ينظر في النجوم، قال: انظروا إلى هؤلاء الذين جاؤوا من جزيرة العرب، وقدِموا إليَّ أقربَ الناس نسبًا بهذا الذي يزعم أنه نبي، فلما تقدم أبو سفيان جعل أصحابه خلفه وقال لترجمانه: قل له: سوف أسألك فإن كذب، كذبه أصحابه، فكان يسأل أبا سفيان وهو لا زال على الشرك، لكنه بعد ذلك أسلم رضي الله عنه، فيسأله عن نسب النبي، وعن أمانته، ويسأله أيضًا عما كان بينه وبين قريش، سأله عدة سؤلات، ثم بعد أن أجاب إجابات صحيحة، قال هرقل: إن كان ما تقوله حقًّا، فسوف يملك ما تحت قدمي هاتين، فيقول أبو سفيان مع أصحابه: لقد أَمَرَّ أمرُ ابن أبي كبشة عند ملك بني الأصفر، فصار يخافهم ملك بني الأصفر، ثم قال هرقل: ولو كنت أمامه لمسحت الغبار عن رجليه، ثم جمع القساوسة وقال لهم: يا قوم أدعوكم إلى خيري الدنيا والآخرة، فتنافر أولئك القوم، وخاروا خوار الحمير، ونفروا أشدَّ نُفرة من الثيران في زريبتها، فقال لهم: إنما أردت أن أنظر عِظمَ دينكم في أنفسكم، ولم يسلم هرقل إبقاءً لسيادته ومكانته، وصدق الله إذ يقول: ﴿ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ﴾ [النمل: 14].

 

وكان أمر هذا النبي سائرًا ذائعًا مشهورًا معروفًا، والفضل ما شهدت به الأعداء، شهد له الملأ كله بأنه سيد الأولين والآخرين، وأنه خليل رب العالمين، وأنه أفضل بني آدم ولا فخر، إنه محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم يا عباد الله، لا غنى لنا عن نبينا ولا غنى لنا عن ذكر نبينا، وعن الدفاع عن عرض نبينا، وعن جناب نبينا، فهو العبد الذي علق الله به فلاح الأمة في الدنيا والآخرة بمبايعته، فقال جل وعلا: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ [الأنفال: 24].

 

فأُفٍّ لمن لا يعرف قدر نبينا، وأُف لمن كانت الحيات والحيوانات والجمادات أعظمَ معرفة منه بحق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فإذا جمع الله الأولين والآخرين احتاج الناس إلى هذا النبي، لقد كان النبي حريصًا على أمته في الدنيا، وهكذا كان حريصًا عليهم في الآخرة، سوف تسمعون ما شاء الله من ذلك في الخطبة الثانية إن شاء الله، اللهم بارك لي ولكم في القرآن العظيم، وأستغفر الله لي ولكم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيد الأولين والآخرين، مَن بعَثه الله رحمة للعالمين، وحجةً على الناس أجمعين، اللهم صلِّ وسلم على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

 

معاشر المؤمنين، يقول المولى تبارك وتعالى: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128].

 

فلقد كان نبينا حريصًا علينا كلَّ الحرص في هذه الدنيا، لقد أدى الأمانة، وبلَّغ الرسالة، وجاهد في الله حق جهاده، لقد أبلغ ولقد كان مثالًا عظيمًا في تأدية الرسالة العالمية لبني الإنسان، لقد أدى ذلك كله، وشهد الله عز وجل له بذلك، وشهد له أصحابه الكرام في مجمع من مجامع الخير يوم عرفة، حينما خطب الناس في تلك البلاد المقدسة، ثم قال: (اللهم هل بلغت، اللهم فاشهَد)، فشهِد له أكثر من مائة ألف مسلم من الصحابة الكرام الأجلاء الذين حجُّوا معه صلى الله عليه وسلم، فأكمَل الله به الدين، فقال سبحانه: ﴿ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3].

 

هذا حرصُ نبينا صلى الله عليه وسلم، فما ترك من خيرٍ إلا دلَّنا عليه، وما ترك من باب شرٍّ إلا حذَّرنا منه، فأمر صلى الله عليه وسلم بمكارم الأخلاق، وحذَّر من سفاسفها، فأرانا وحثنا على كل خير، ورغَّبنا في كل خير، ونهانا عن كل ما يضر بنا أو بديننا أو بأجسامنا في هذه الدنيا والآخرة، وإن الناس إذا اجتمعوا يوم القيامة وهم في عرصات القيامة، وقد دنت الشمس من الخلائق قدرَ ميلٍ، وبلغ ما بلغ فيهم من الكرب، إنهم يبحثون عمن يشفع لهم إلى الله، من أجل أن يُريحهم من عرصات القيامة، ومن طول العرض على ربنا جل وعلا، فيذهبون بأسرهم الأولون والآخرون إلى آدم أبي البشر، يقولون: يا آدم أنت أبو البشر، خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته، ونفخ فيك من رُوحه، اشفع لنا إلى ربك، فيقول آدم: إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنه قد نهاني عن أكل من الشجرة، فأكلت، نفسي، نفسي، انظروا غيري، اذهبوا إلى نوح أول رسول إلى أهل الأرض، فيأتون نوحًا فيعتذر، ثم يُحيلهم نوح على إبراهيم فيعتذر، فيحيلهم على موسى، فيقدم اعتذارًا، ثم يحيله على عيسى ابن مريم، فيعتذر فيحيلهم على عبدٍ غفَر الله له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخر، يُحيل على محمد صلى الله عليه وسلم، فيقول: أنا لها، يقول: هو لها؛ أي لذلك الموقف العظيم، لذلك يقول الله: ﴿ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ﴾ [الإسراء: 79].

 

هذا هو المقام المحمود، فإذا ما جاءت الخلائق باحثة عن الشفاعة، يقول: هو لها، فيَخِر تحت العرش ساجدًا، فيَحمَد الله بمحامدَ لم يكن يعلمها من قبلُ، يعلمه الله بثناء ودعاء يُثني به على الرب سبحانه وتعالى، فيقول الله: (يا محمد، ارفَع رأسك وسَلْ تُعطه، واشفَع تشفَّع، يقول: يا ربِّ أمتي، أمتي).

 

هذا حال نبينا في الآخرة، إنه حريصٌ كل الحرص على أمته، أمة الدعوة وأمة الإجابة، إنه حريص أيضًا على اليهود والنصارى الذين تكلموا في عرضه وأساؤوا إليه، يحرص عليهم؛ لأن الأمة أمتان، أمة الدعوة وهي اليهود والنصارى، وأمة الإجابة وهي الأمة المحمدية المرحومة، وأمة الدعوة مأمورون أن يتابعوا نبينا صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أرسله الله رحمة للعالمين، بل أرسله الله للإنس والجن، الجن كانوا يحتكمون بين يديه صلى الله عليه وسلم.

 

يا عباد الله، يا مَن بَعَثَ إليكم محمدًا صلى الله عليه وسلم بشيرًا ونذيرًا وداعيًا بإذنه إلى صراط مستقيم، هذا نبيكم صلى الله عليه وسلم يدعوكم إلى كل خيرٍ، ويُحذركم من كل شرٍّ، فمن اقترف على نفسه من السوء، فإنما قد أضرَّ بنفسه فما من خيرٍ تريده إلا قد ترك الرسول لك فيه أمرًا، وما من أمر فيه شرٌّ إلا وقد حذَّرنا منه، قال أبو ذر رضي الله عنه: مات نبينا وما طائر يطير بجناحيه بين السماء والأرض إلا ذكر لنا منه علمًا، وإن من حقوق نبينا صلى الله عليه وسلم أن نغار عليه وأن ندفَع عن عِرضه؛ إذ يقول: (من دفع عن عرض أخيه المسلم، دفع الله وجهه عن النار).

 

يا أمة محمد، عِرض نبينا ودين نبينا ومقام نبينا، نال منه اليهود والنصارى، ونال منه الشيوعيون والحاقدون على هذا الدين، وما كان ذلك من فراغٍ، وإنما مِن ضغطة إسلامية عرَفوها وعلِموها، وعايشوها في بلادهم، فكان الرد على المسلمين أن ينشروا صورًا أساءت إلى مقام نبينا، رسموا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصور مزرية جدًّا، وأنه آلة فتنة أو أنه رجل شهواني، أو أنه يعيش كما يعبرون عنه حياة إرهابية لا يعرف إلا التدمير، وحاشاه أن يكون كذلك، لقد كان صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين؛ قال جل وعلا: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159].

 

نشر الإسلام بكل هدوء وبكل رحمة، جاء أعرابي فانتفض من مقام رسول الله، قال: لِمَ تنتفض هذا الانتفاض، وبلغ من تواضعه أن كانت الجارية الصغيرة تمسك بيده صلى الله عليه وسلم؛ أي رئيس أو وزير يسمح لجارية من الجواري أن تقترب منه، أو لرجل عادي، وهذا أرفع من الرؤساء بل لا مقارنة.

ألم ترَ أن السيف ينقص قدرُه
إذا قلت إن السيف أمضى من العصَا

لا مقارنة فهو العبد المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخَّر، وهو الذي جعله الله سراجًا منيرًا، وأيَّده الله بخوارق العادات صلى الله عليه وسلم، فوجب على المسلمين أن يغاروا على دينهم وعلى عرض نبيهم.

 

إن من المسلمين من إذا سُبَّ أبوه أو أمه، لوجد في ذلك تغيظًا، فما بالك وقد سُبَّ نبيك يا عبد الله، فكن متمعِّرًا في وجهك وفي صدرك وفي قلبك، ومستنكرًا حتى يكون لك قدر عند الله، وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كثيرًا من العلماء قد ذهبوا إلى مقاطعة بعض السلع والمنتجات التي تصنعها بعض تلك الدول، فوجب على المسلمين أن ينكِّلوا بأعدائهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا، على أن لهم أساليبَ خداعة، ولهم أيضًا شعارات برَّاقة، فربما غيَّروا بعض الشعارات أو أسماء بعض الصناعات، وروَّجوها في بلاد المسلمين، لكن هذا الذي يستطيع له المسلمون؛ لأننا في زمان اختلط فيه الحابل بالنابل كما يقال، وإنا نعيش فوضة صحافية، ولا سيما في بلاد الكفار، فهم ينشرون ما أرادوا ويُقرون ما أرادوا، لكن على المسلمين أن يعلموا أنه لا حياة بدون رسول الله، ولا بقاء لهم في الدنيا إذا لم يكونوا متمسكين بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ظنَّ النجاةَ بغير دين محمدٍ
تبًّا له من ذلك الظن الرَّدي
العزُّ بالإسلام يا دنيا اسْمعي
والنصرُ مَعقودُ بمبدأ أحمد
مَن حاد عن نَهج الكتاب
لا خيرَ فيه وبالمذلة مُقتدِ

 

أسأل الله بمنِّه وكرمه وبأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يَجعلنا هُداة مهتدين، وأن يرينا الحق حقًّا فيرزُقنا اتباعه، والباطل باطلًا فيرزُقنا اجتنابه.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • كيف نقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم؟
  • في موت النبي صلى الله عليه وسلم
  • اتباع النبي صلى الله عليه وسلم
  • إخوان النبي صلى الله عليه وسلم
  • زهد النبي صلى الله عليه وسلم (قصة للأطفال)
  • النبي صلى الله عليه وسلم معلما
  • حقوق النبي صلى الله عليه وسلم (خطبة 2)
  • حقوق النبي المصطفى (1)

مختارات من الشبكة

  • في حقوق الأخوة من النسب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بريطانيا: استبيان لمفوضية حقوق الإنسان عن حقوق المسلمين(مقالة - المسلمون في العالم)
  • التبيان في بيان حقوق القرآن (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة عن حقوق النبي صلى الله عليه وسلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الأربعون حديثا في حقوق النبي صلى الله عليه وسلم (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • حقوق وواجبات النبي صلى الله عليه وسلم على أمته (WORD)(كتاب - ملفات خاصة)
  • حقوق النبي صلى الله عليه وسلم(مقالة - ملفات خاصة)
  • حقوق النبي صلى الله عليه وسلم (WORD)(كتاب - ملفات خاصة)
  • من حقوق النبي صلى الله عليه وسلم: الإيمان به ومحبته(مقالة - ملفات خاصة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 15/11/1446هـ - الساعة: 15:5
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب