• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الحذر من عداوة الشيطان
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    حكم صيام عشر ذي الحجة
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    إمام دار الهجرة (خطبة)
    ساير بن هليل المسباح
  •  
    يوم عرفة وطريق الفـلاح (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    العشر مش مجرد أيام... هي فرص عمر
    محمد أبو عطية
  •  
    الدرس الثاني والعشرون: تعدد طرق الخير
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    الموازنة بين الميثاق المأخوذ من الأنبياء عليهم ...
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    أفضل أيام الدنيا: العشر المباركات (خطبة)
    وضاح سيف الجبزي
  •  
    دلالة القرآن الكريم على أن الأنبياء عليهم السلام ...
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    عظيم الأجر في الأيام العشر
    خميس النقيب
  •  
    فضل التبكير إلى الصلوات (1)
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    أحب الأعمال في أحب الأيام (خطبة)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    مدى مشروعية طاعة المعقود عليها للعاقد في طلب ...
    محمد عبدالرحمن صادق
  •  
    رحلة الروح إلى الله: تأملات في مناسك الحج
    محمد أبو عطية
  •  
    عيد الأضحى فداء وفرحة (خطبة عيد الأضحى المبارك)
    خميس النقيب
  •  
    شعائر وبشائر (خطبة)
    رمضان صالح العجرمي
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / السيرة والتاريخ / السيرة
علامة باركود

كسب النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة (1) رعي الغنم

كسب النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة (1) رعي الغنم
عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 5/9/2022 ميلادي - 8/2/1444 هجري

الزيارات: 10588

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

سلاسل السيرة النبوية: سلسلة (2):

سلسلة حياة النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة

8- كَسْبُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ الْبِعْثَةِ

(1) رَعْيُ الغَنَمِ

 

الخطبة الأولى

إنَّ الحمدَ لِلَّه، نَحمَدُهُ ونستعينهُ ونستغفرهُ، ونعوذُ باللهِ مِن شرورِ أنفسنَا وَمِن سَيِّئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضلِل فلا هَادي لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وحدَه لَا شَريكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحمدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، نحمَدُكَ رَبَّنَا عَلَى مَا أنعَمتَ بِهِ عَلَيْنَا مِنْ نِعمِكَ العَظيمةِ، وآلائِكَ الجَسِيمةِ؛ حَيثُ أرْسَلتَ إلَيْنَا أفضَلَ رُسُلِكَ، وأنزَلتَ عَلينَا خيرَ كُتبكَ، وشَرَعتَ لنَا أفضَلَ شرائِع دِينكَ، فاللَّهُمَّ لَكَ الحَمدُ حتَّى تَرضَى، ولَكَ الْحَمدُ إذَا رَضِيتَ، ولَكَ الحَمدُ بَعدَ الرِّضَا، أَمَّا بَعدُ:

أيُّهَا الإخوَةُ المُؤمِنونَ، تحدَّثنا في الخُطبةِ المَاضيةِ عن حُضورِ النَّبي صلى الله عليه وسلم حِلفَ الفُضُولِ لِنُصرَةِ المَظلُومِ، واستفدنَا من الدُّروسِ والعِبرِ:

• أنَّ الجَاهليةَ ليسَتْ شَرًّا كُلّهَا؛ بَل فِيهَا الخَير، ومن هذا الخَير حِلفُ الفُضُولِ الذي عُقِد لِنُصَرةِ الْمَظلُومِ، وقد حضَره النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم.

 

• أنَّ الاسلامَ يُناصِرُ كُلَّ خيرٍ ويُقرُّهُ إذا كانَ يُحققُ مقاصدَهُ؛ ولِذلكَ قَالَ صلى الله عليه وسلم: ((فَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي حُمْرَ النَّعَمِ وَأَنِّي أَنْكُثُهُ))[1].

 

• أنَّ عَواقبَ الظُّلمِ وَخيمةٌ، ويَجِبُ عَلينا إحياءُ رُوحِ هَذا الحِلْف في واقِعنا.

 

ولا يزالُ الحديثُ مُستمرًّا حولَ حياة النبيِّ صلى الله عليه وسلم قبلَ البَعْثةِ، وحدِيثُنا اليَومَ عن كَسْبِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ الْبَعْثَةِ، فكيفَ كَانَ كَسبُهُ؟ ومَا الدُّروس والعِبر التي نستفيدها؟ مَوضُوعُ خُطْبتنَا بِاختصَارٍ.

 

عِبادَ الله، قَبلَ بَعْثةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، كَانَ عَملُهُ وكَسبُهُ مِن شَيئَينِ: الأوَّل: رَعْي الغَنَمِ، والثَّانِي: التِّجارَة، وسَنقتصِرُ في هَذِه الخُطبَةِ عَلَى رَعْيِ الغَنَمِ.

 

فأمَّا رَعْيُ الغَنَمِ؛ فقد رَوى أبو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا رَعَى الغَنَمَ))، فَقَالَ أَصْحَابُهُ: وَأَنْتَ؟ فَقَالَ: ((نَعَمْ، كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لِأَهْلِ مَكَّةَ))[2]، والْقِيرَاطُ جُزْءٌ مِنَ الدِّينَارِ أَوِ الدِّرْهَمِ، وهو في هذا يتشبَّه بالأنبياءِ قبلَه، فالعملُ المُشترَك بينهُم هو رَعْيُ الغَنَم، عن جَابِر بْن عَبْدِاللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَجْنِي الكَبَاث (هُو ثَمرُ الأرَاك يشبه العِنب الأسود)، فقَالَ: ))عَلَيْكُمْ بِالأَسْوَدِ مِنْهُ؛ فَإِنَّهُ أَطْيَبُهُ))، قَالُوا: أَكُنْتَ تَرْعَى الغَنَمَ؟ قَالَ: ((وَهَلْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ رَعَاهَا)) [3]، فمُوسَى كَانَ رَاعِي غَنَمٍ، وتَأَمَّلُوا قِصَّتَهُ فِي مَديَنَ، ﴿ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ﴾ [القصص: 26]؛ أي: اجعله يعمل ويَرعَى الغَنَمَ، وقَالَ عَن عَصَاهُ: ﴿ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى ﴾ [طه: 18]، ودَاودُ رَعَى الغنمَ، وهَكذا كلُّ الأنبياءِ كَمَا أخبَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وهُناكَ من جَمعَ بينَ الرَّعي ومِهنةٍ أخرَى؛ فقد كانَ زَكريا نَجَّارًا، ودَاودُ حدَّادًا، وإدريسُ خَيَّاطًا، وسُليمانُ مَلِكًا، ولنَا معَ رَعْيِ الأنبياءِ للغنمِ وقفتَانِ:

الوقفةُ الأولَى: مَا هي الحِكمةُ من رَعْي الأنبياءِ عَامَّةً للغنمِ، والنَّبي صلى الله عليه وسلم خاصَّةً؟ وأكتفِي بذكر حِكمتينِ تجمَع شَتاتَ بَاقي الحِكَم:

1- الحِكمة الأولَى؛ رعْيُ الغَنَمِ يُؤهِّل لِلرِّعَايَةِ: سَوَاءٌ رِعَايَةُ الْأُمَّةِ وَسِيَاسَتُهَا بِالنِّسْبَة لِلْإِمَامَةِ الْكُبْرَى، أَو رِعَايَةُ الْأَبْنَاءِ وَتَرْبِيَتُهُم بِالنِّسْبَةِ لِلْآبَاءِ والمُربُّونَ؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((كُلُّكُمْ راعٍ وكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَن رَعِيَّتِهِ، والأمِيرُ راعٍ، والرَّجُلُ راعٍ علَى أهْلِ بَيْتِهِ، والمَرْأَةُ راعِيَةٌ علَى بَيْتِ زَوْجِها ووَلَدِهِ، فَكُلُّكُمْ راعٍ وكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ))[4]، فراعي الْغَنَم يَرْفُق بِهَا، وَيَسُوقَهَا إلَى أَمَاكِن العُشْب وَالْمَاء، ويوفر لَهَا الْأَمْنَ وَالْحِمَايَةَ مِن اللُّصُوصِ وَالذِّئَابِ، وَيَسُوقُهَا إلَى الظِّلِّ إذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ عَلَيْهَا، وَيَزْجُر الْكَبْشَيْن أَو العَنزَينِ المُتنَاطِحينِ، وَغَيْرها مِنْ أُمُورِ سِيَاسَة الرَّعْي، فَمَا وَجْهُ الشَّبَهِ بَيْنَ مَنْ يَتَوَلَّى أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ أَيَةِ مَسْؤُولِيَّةٍ أُخرَى وَرَاعِي الْغَنَمِ؟ الشَّبَه وَاضِحٌ:

فِي الرِّفْقِ بِالرَّعِيَّة ومنْ تَحْتَ مَسْؤُولِيَّتِه، قَال صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ شَرَّ الرِّعَاءِ الْحُطَمَةُ)) [5]؛ أَي: الرَّاعِي الَّذِي يُحَطِّم ويُعنِّف، وَلَا يَسْتَعْمِلُ الرِّفْقَ، وَدَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِمَن يَرْفُقُ بِأُمَّتِهِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: ((اللَّهُمَّ مَن وَلِيَ مِن أَمْرِ أُمَّتي شيئًا فَشَقَّ عليهم، فَاشْقُقْ عليه، وَمَن وَلِيَ مِن أَمْرِ أُمَّتي شيئًا فَرَفَقَ بهِمْ، فَارْفُقْ بهِ)) [6].

 

وَفِي جَلْبِ كُلِّ مَا يَنْفَعُ الرَّعِيَّةَ، وَدَفْعِ مَا يَضُرُّهَا: فَيُوَفِّرُ الْأَمْنَ، فَيَأْمَنُ النَّاسُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ وأَمْوَالِهِمْ، وَيَقْتَصّ لِلْمَظْلُومِ مِن الظَّالِمِ، فَيَنْتَشِرُ الْعَدْلُ وَيَغِيبُ الظُّلْمُ، وَيَسْعَى لِتَوْفِيرِ مُتطلَّبَاتِ الْحَيَاةِ الأسَاسِيَّةِ مِنْ مَأْكَلٍ وَمَشْرَبٍ وَمَلْبَسٍ وتَطبيبٍ وَمَا إلَى ذَلِكَ، فَعيشُ النَّاسِ لَنْ يَسْتَقِيمَ إلَّا بِالْأَمْنِ الرُّوحِيِّ وَالْأَمْنِ الاقْتِصَادِيِّ، وَقَدْ جَمَعَ اللَّهُ الْآمنِين مَعًا فِي مَعْرِضِ امْتِنانِهِ عَلَى قُرَيْشٍ فَقَالَ: ﴿ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾ [قريش: 3، 4]، وَكَذَلِكَ كَانَ صلى الله عليه وسلم رَفيقًا بِأُمَّتِهِ، سَاعِيًا لِجَلْبِ كُلِّ خَيْرٍ لَهَا، وَدَفْعِ كُلِّ ضُرٍّ عَنْهَا وَلَا أدلّكُمْ عَلَى ذَلِكَ مِنْ امْتِنَاعِهُ صلى الله عليه وسلم عَن الْمُدَاوَمَةِ عَلَى صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ خَشْيَةَ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْهِمْ، وَكَرِهَ لَهُمْ كَثْرَةَ السُّؤَالِ حَتَّى لَا يُضَيِّقُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، فَعِنْدَمَا سَأَلَهُ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يَجِبُ الحَجُّ يَا رَسُولَ اللهِ؟ وكرَّرَ سُؤالَهُ ثَلاثًا، فسَكتَ صلى الله عليه وسلم، ثم أجَابَ: ((لَوْ قُلْتُ: نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ، ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ؛ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ)) [7]، وَهَمَّ الصَّحَابَةُ بِتعنِيفِ الَّذِي بَالَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: ((دَعُوهُ لَا تُزْرِمُوهُ)) (أي: لا تَقطَعُوا عَليهِ بَولَهُ)"[8]، وَهَمُّوا بِتَأْدِيبِ الَّذِي طَلَبَ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الرُّخْصَةَ فِي الزِّنَا فَقَال: "يَا رسُولَ اللَّهِ، ائذَنْ لِي بالزِّنَا، فأَقْبلَ القَومُ عَليه فزَجَرُوهُ، وقالوا: مَهْ! مَهْ! فقالَ: ((ادنُهْ))، فدَنا منهُ قريبًا، قالَ: فجَلسَ، قالَ: ((أتُحبُّهُ لأُمِّكَ؟)) قالَ: لا واللَّهِ، جعَلَني اللَّهُ فِداءَكَ، قالَ: ((ولا النَّاسُ يُحبُّونَه لأُمَّهاتِهِم))، قالَ: ((أفتُحبُّهُ لابنتِكَ؟))، قال: لا واللَّهِ يا رسولَ اللَّهِ، جعَلَني اللَّهُ فِداءَكَ، قالَ: ((ولا النَّاسُ يحبُّونَه لبَناتِهِم))، قالَ: ((أفتُحِبُّهُ لأُخْتِكَ؟))، قال: لا واللَّهِ، جعَلَني اللَّهُ فِداءَكَ، قالَ: ((ولا النَّاسُ يُحبُّونَه لأخواتِهِم))، قال: ((أفتُحِبُّهُ لعمَّتِكَ؟))، قال: لا واللَّهِ، جعَلَني اللَّهُ فِداءَكَ، قالَ: ((ولا النَّاسُ يُحبُّونَه لعمَّاتِهِم))، قال: ((أفتُحِبُّه لخالتِكَ؟)) قال: لا واللَّهِ، جعَلَني اللَّهُ فِداءَكَ، قالَ: ((ولا النَّاسُ يُحبُّونَه لخَالاتِهِم))، قال: فوَضعَ يدَهُ عليه، وقَالَ: ((اللَّهُمَّ اغفِرْ ذَنبَه، وطَهِّرْ قلْبَه، وحَصِّنْ فَرْجَه))، فلم يَكُن بَعدُ ذلِك الفَتَى يَلتَفِتُ إلى شيءٍ"[9].

 

2- الْحِكْمَةُ الثَّانِيَةُ: التَّخَلُّقُ بِأَخْلَاقِ الْغَنَم ورُعَاتِهَا: لَو تَأَمَّلْنَا حَدِيثَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: ((الفَخْرُ وَالخُيَلاءُ فِي أَهْلِ الخَيْلِ وَالإِبِلِ... وَالسَّكِينَةُ فِي أَهْلِ الغَنَمِ)) [10] لَوَجْدنَا أَنَّ الْإِنْسَانَ يَتَأَثَّرُ بِصُحْبَةِ الْحَيَوَانِ وَأَخْلَاقِهَا، فَالْإِبِلُ غَالبًا تَنْظُرُ إلَى السَّمَاءِ، وَالْخَيْلُ تَمْشِي مِشْيَةَ الْخُيَلَاءِ وَهُو عُنْوَانُ الْفَخْرِ وَالتَّكَبُّرِ فَيَرِثُ أَصْحَابُهَا هَذِهِ الْخِصَال مِنْ الْخَيْلِ وَالإِبِلِ - وَإِنْ كَانَ لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ استِثنَاءٌ- وَلَو نَظَرْتُمْ إِلَى الْغَنَمِ غَالبًا تَنْظُرُ إلَى الْأَرْضِ، وَسَهلَة الِانْقِيَادِ، وَهَذَا عُنْوَانُ السَّكِينَةِ وَالتَّوَاضُعِ، فَيَرِثُ أَصْحَابُهَا هَذِهِ الْأَخْلَاقَ- وَإِنْ كَانَ لِهَذِهِ الْقَاعِدَة اسْتِثْنَاءٌ أيضًا- هَذَا مِنْ جِهَة، وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى فَإِنَّ رَعْيَ الْغَنَمِ يَحْتَاجُ مِن الرَّاعِي إلَى التَّحَمُّلِ وَالصَّبْر فَهُوَ يَقُومُ بَاكِرًا، وَيَتَحَمَّلُ حَرَّ الشَّمْسِ، وَيحْملُ قليلًا مِن الْمَاءِ وَالطَّعَامِ، وَيَصْعَدُ الْجِبَالَ وَغَيْرهَا مِنْ الأمورِ الَّتِي تُعلِّمُهُ التَّحَمُّلَ وَالصَّبْرَ وَالْقُوَّةَ، وَهِيَ مِن الصِّفَاتِ الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ تَتَوَفَّرَ فِيمَن يَتَصَدَّى لِلْوِلَايَةِ وَالرِّعَايَةِ، فالتَّربِيةُ عُمومًا فِيهَا مَشَقَّةٌ، وَتَحَمُّلُ الْمَسْؤُولِيَّةِ مَشَقَّةٌ وَغُرْمٌ وَلَيْسَتْ غُنْمٌ لِمَنْ يَعْرِفُ حَقَّ الْمَسْؤُولِيَّةِ، فَموسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ تَعَلَّمَ الْحِلْمَ وَالصَّبْرَ مِن الرَّعْيِ، فَصَبِرَ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ، وَاسْتَحَقَّ أَن يكُونَ مِنْ أُولِي الْعَزْمِ مِنْ الرُّسُلِ الصَّابِرِينَ، وَنَبِيُّنَا صلى الله عليه وسلم تَعَلَّمَ الْحِلْمَ وَالصَّبْرَ مِن الرَّعْيِ فَصَبَرَ عَلَى أَذَى قُرَيْشٍ وَمَشَاقِّ الدَّعْوَةِ حَتَّى بَلَّغَ رِسَالَةَ ربِّهِ، وَهَكَذَا عَلَى الدُّعَاةِ الْمُؤْمِنِينَ الصَّادِقِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ لا بُدَّ لَهُمْ مِن الصَّبْرِ عَلَى دِينِهِمْ عَمَلًا وتَبليغًا حَتَّى يَأْتِيَهُمْ الْيَقِينُ.

 

فَاللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ الْمُعْتَبرينَ بِأَخْلاقِ الْأَنْبِيَاءِ، وَآخَرُ دَعْوَانَا الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَكَفَى، وَصَلَّى اللَّهُ وسلَّمَ عَلَى عَبْدِهِ الْمُصْطَفَى، وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَن اقْتَفَى، أمَّا بَعْدُ:

رَأَيْنَا فِي الْخُطْبَةِ الْأُولَى الْحِكَم مِنْ رَعْي الْأَنْبِيَاءِ لِلْغَنَمِ وبَعض الْفَوَائِدِ الَّتِي استَفدنَاهَا لِواقِعِنَا، وَنَخْتِم بِوَقْفةٍ أَخِيرَةٍ مَعَ رَعْي الغَنَمِ.

 

لَا تَحْقِر مِن الْعَمَلِ شَيئًا: كَثِيرٌ مِنْ شَبَابِنَا يَأْنَفُونَ مِنْ بَعْضِ الأَعْمَالِ؛ كَالْعَمَلِ فِي مَجَالِ النَّظَافَة، أَوْ فِي بَعْضِ المِهَنِ، أَوْ رَعْي الْغَنَمِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، رَغمَ أَنَّهُ يَعِيشُ فِي بَطَالَة وعَطَالَةٍ عَنِ العَمَلِ، وبِإمكانِهِ الْعَمَلَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ رَيْثَمَا يَفْتَحُ اللَّهُ لَهُ أَبْوَابًا أُخْرَى لِلرِّزْقِ، وَيَكُفّ مَسْأَلَتَهُ عَنِ النَّاسِ، وَلَكِنَّهُم يَرْفُضُونَ بِدَعْوَى أَنَّهَا لَا تَلِيقُ بِمُسْتَوى الشَّهَادَاتِ الَّتِي تَحَصَّلُوا عَلَيْهَا، وَلَنَا أَنَّ نسألَهُم سُؤالًا: هَلْ هُمْ أَفْضَلُ أَم الْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمْ السَّلامُ؟ الْجَوَابُ وَاضِحٌ، وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِه ﴾ [الأنعام: 90]، وَقَالَ عَنْ حَبِيبنَا صلى الله عليه وسلم: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21]، فَهَذَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ قَبِلَ الرَّعْي رَغمَ مَكَانَتِهِ عِنْد رَبِّهِ؛ لأنَّ قِيمَةَ الْعَمَلِ غَالِيَةٌ جدًّا، وَالمُؤمِنُ مُسْتَعِدٌّ لِلتَّعامُلِ مَعَ الْحَيَاةِ فِي كُلِّ أوضَاعِها، فَإذَا وَجَدَ عَمَلًا يَلِيقُ بِه يَعمَل، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ يَعمَل أَيَّ عَمَلٍ شَرِيفٍ يَضْمَنُ لهُ قُوتَ يَوْمِهِ، وَيَكُفُّ بِهِ عَنْ سُؤَالِ النَّاس.

 

وَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، رَعَى الْغَنَمَ، وَهُوَ مَنْ خُيِّرَ بَيْنَ الْمُلْكِ وَالنُّبُوَّةِ، وَاخْتَارَ أنْ يَكُونَ عَبْدًا نَبِيًّا؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: ((جَلَسَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ، فَإِذَا مَلَكٌ يَنْزِلُ، فَقَالَ جِبْرِيلُ: إِنَّ هَذَا الْمَلَكَ مَا نَزَلَ مُنْذُ يَوْمِ خُلِقَ قَبْلَ السَّاعَةِ، فَلَمَّا نَزَلَ، قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ رَبُّكَ، قَالَ: أَفَمَلِكًا نَبِيًّا يَجْعَلُكَ، أَوْ عَبْدًا رَسُولًا؟ قَالَ جِبْرِيلُ: تَوَاضَعْ لِرَبِّكَ يَا مُحَمَّدُ، قَالَ: بَلْ عَبْدًا رَسُولًا)) [11]. فَإِذَا انْقَلَبَتِ الدُّنْيَا عَلَى الْإِنْسَانِ يَظْهَرُ مَعْدِنُه، فَعَلَيْهِ الرِّضَا بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَهُ، وَلْيَكُنْ لَهُ فِي الْأَنْبِيَاءِ، وَفِي نَبِيِّنَا الْأُسْوَة وَالْقُدْوَة.

 

فاللَّهُمَّ اجْعَلْ نَبِيَّنَا قُدْوَتنَا، ويسِّر لَنَا مِنْ الْأَعْمَالِ مَا يُرْضِيكَ وَتَرْضَى بِه عنَّا، آمِين. (تَتِمَّة الدُّعَاء).



[1] رواه أحمد في المسند برقم: 1655، وصححه شعيب الأرنؤوط في تخريجه للمسند.

[2] رواه البخاري برقم: 2262.

[3] رواه البخاري برقم: 3406.

[4] رواه البخاري برقم: 5200.

[5] رواه مسلم برقم: 1830.

[6] رواه مسلم برقم: 1828.

[7] رواه مسلم برقم: 1337.

[8] رواه البخاري برقم: 4025.

[9] رواه أحمد برقم: 22211، وصححه شعيب الأرنؤوط في تخريج المسند.

[10] رواه البخاري برقم: 3499.

[11] رواه أحمد برقم: 7160، وصححه شعيب الأرنؤوط في تخريج المسند.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • بيئة النبي قبل البعثة
  • السيرة النبوية قبل البعثة بندوة في جزر القمر
  • من الدلائل العقلية على صدق النبي صلى الله عليه وسلم (1) أخلاقه وسيرته قبل البعثة
  • كسب النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة (2) التجارة
  • بيان خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم لأصول الدين لشيخ الإسلام ابن تيمية
  • مقاصد البعثة ميزان التوازن والوسطية

مختارات من الشبكة

  • من فضائل النبي صلى الله عليه وسلم: كان صلى الله عليه وسلم رحيما بالمؤمنين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من فضائل النبي: أكرم الله جبريل بأن رآه النبي صلى الله عليه وسلم في صورته الحقيقية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من فضائل النبي: استأذن ملك القطر ربه ليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مكانة النبي صلى الله عليه وسلم ومكانة أتباعه في شعر الشاعر الدكتور عبدالرحمن العشماوي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • النبي معلما (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تخريج حديث: صلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح خمس صلوات بوضوء واحد(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حديث: صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر والمغرب والعشاء ثم رقد رقدة(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • هل صلى النبي صلى الله عليه وسلم قاعدا؟ ولماذا؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • هل صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بغير وضوء؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حياة النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بعد 3 عقود من العطاء.. مركز ماديسون الإسلامي يفتتح مبناه الجديد
  • المرأة في المجتمع... نقاش مفتوح حول المسؤوليات والفرص بمدينة سراييفو
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 4/12/1446هـ - الساعة: 18:49
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب