• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    فضل معاوية والرد على الروافض
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    ما جاء في فصل الشتاء
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرحمن، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    تفسير: (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: إذا استنجى بالماء ثم فرغ، استحب له ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    اختر لنفسك
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون (خطبة) - باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / السيرة والتاريخ / التاريخ
علامة باركود

واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق

الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

المصدر: ألقيت بتاريخ: 28/2/1431هـ
مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 22/2/2010 ميلادي - 8/3/1431 هجري

الزيارات: 45074

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

﴿ واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق ﴾

 

الحمد لله ربِّ العالمين، يَهدي مَن يشاء من عبادِه إلى صراط مُستقيم، نَحمَده على هِدايتِه، ونشْكُره على رعايتِه، وأشهد أن لا إلهَ إلاَّ الله وحْده لا شريكَ له، أنزلَ عليْنا القُرآن، هُدًى لنا وبيِّنات من الهُدى والفرقان، فرغَّبنا ورهَّبنا بالوعد والوعيد، ووعظَنا بقصص السَّابقين، وبيَّن لنا أحْكام الدين، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه، بلَّغ الرِّسالة، وأدَّى الأمانة، ونصَحَ الأمَّة، وجاهدَ في الله - تعالى - حقَّ جهاده، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليْه وعلى آلِه وأصحابِه وأتْباعه إلى يوم الدين.

 

أمَّا بعد:

فاتَّقوا الله - تعالى - وأطيعوه، واجتهِدوا في الأعمال الصَّالحة، واحْذروا الموبقات والمحقّرات؛ فإنَّ هول المطلع شديد، وإنَّ الحساب عسير، ولا نَجاةَ إلاَّ بالإيمان والتَّقوى؛ ﴿ وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [الزُّمر: 61].

 

أيُّها النَّاس:

كتاب الله - تعالى - فيه نبَأ ما قبلَنا، وخبرُ ما بعدنا، وحُكم ما بيننا، رسَّخ الله تعالى فيه التَّوحيد والاعتقاد، وفصَّل لنا الحلال والحرام، وعلَّمنا القصص والأخْبار، فهو الهداية الجامعة، والنِّعْمة التَّامَّة، ومَن أضلُّ مِمَّن أعرض عنه، أو استبْدَلَ به غيره، فرضِي بالدُّون عن الَّذي هو خير؟!

 

وللقصَّة أثرٌ كبير في النَّفس البشريَّة، وهي سببٌ من أسْباب الهداية، بِمعرفة الخير لإتْيانه، والعلْم بالشَّرّ لاجتنابه؛ ولذا كثرت القصص في القرآن، وأُمر النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - أن يقصَّها عليْنا: ﴿ فَاقْصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الأعراف: 176]، وهي قصص حقّ وصِدْق وعبرة كما أخبرنا الله - تعالى - بذلك، وهو أصدق القائلين: ﴿ إِنَّ هَذَا لَهُوَ القَصَصُ الحَقُّ ﴾ [آل عمران: 62].

 

وافتُتحت قصَّة يوسف - عليْه السَّلام - بقول الله تعالى: ﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القَصَصِ ﴾ [يوسف: 3]، وخُتمت بقوله - سبحانه -: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الأَلْبَابِ ﴾ [يوسف: 111].

 

فواجبٌ على قُرَّاء القرآن أن يُوقنوا أنَّها قصص واقعة، فيَستفيدوا من أحداثها، ويعتبروا بمواعظها.

 

وفي قصَّة من أعجب قصص القُرآن ومن أكثرها عظات وعبرًا، نعيش هذه اللَّحظات المباركة في هذه العبادة العظيمة.

 

هذه القصَّة قد تكون هي أوَّل قصص بني آدم على الأرض، وذكَر المفسِّرون أنَّ أحد طرفيْها هو أوَّل آدمي يَموت في الأرض قبل موت آدم - عليه السلام - أُمر النَّبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - أن يقصَّها علينا بقول الله تعالى: ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالحَقِّ ﴾ [المائدة: 27]؛ فالله - تعالى - يُخبرنا بالحقِّ في هذه القصَّة بعيدًا عن ترَّهات بني إسرائيل وتخبُّطاتهم في ذكر القصص وتفصيلاتها عامَّة، وفي ذكر هذه القصَّة خاصَّة.

 

هذان الابنان لآدم - عليْه السَّلام - بذلا شيئًا لله تعالى لا يُعلم ما هو، ولا سبب بذْله، لكن المفيد أنَّ أحدَهما قد قَبِلَ الله تعالى قُربتَه، والآخر رُدَّت عليه قُربتُه؛ ﴿ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآَخَرِ ﴾ [المائدة: 27].

 

فحسد المردودُ منهما المقبولَ على ما آتاه الله تعالى من القَبول الذي حُرم هو منْه، وقد قيل: إنَّ الحسد هو أوَّل ذنبٍ عُصِي الله - تعالى - به في الأرض؛ استنادًا إلى هذه القصَّة العظيمة، كما أنَّ الحسد هو أوَّل ذنب عُصِي الله - تعالى - به في السَّماء؛ استنادًا إلى قصَّة آدم المرحوم مع إبليس الملعون.

 

وأثمر حسد ابن آدم لأخيه تهديده بالقتْل؛ ﴿ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ﴾ [المائدة: 27]، وكَم في المقابر من قتيلِ حسد، سواء قتله مباشرة أو بِسُمٍّ أو بِسحرٍ أو بعين، وهذا يبيِّن خطورة الحسد؛ إذْ بسبَبه يفسد القلْب، ويَضيق الصَّدر، ويُظلم الوجه، فيثمر كبائر الذُّنوب والموبقات من الغيبة والنَّميمة والبهتان والكذِب، والافتراء لإسقاط المحسود، وقد يصِل بصاحبه إلى القتل إن قدر على ذلك.

 

ولا يردُّ الحاسدَ عن قتل المحسود إلاَّ العجْز، وإلاَّ فإنَّه إذا قدر عليْه قتله في الغالب؛ لشدَّة ما يَجد في قلبِه من نار الحسَد الَّتي لا تُطفأ إلاَّ بدم المحسود، نعوذ بالله تعالى من ظُلْمة القلوب، وضيق الصدور، ومن شرِّ الحسد وأهله.

 

وقابلَه أخوه المحسود بالحسنى، فبيَّن له أنَّ القبول والرَّدَّ من الله - تعالى - وليس منه، ولا ذنب له في عدم قبول قرْبانه، وأنَّ سبب القبول هو صلاح القلب بالتقوى؛ ﴿ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ المُتَّقِينَ ﴾ [المائدة: 27]، ثمَّ أعْلَمَه أنَّه لن يقابل تَهديده بمثله؛ ﴿ لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ العَالَمِينَ ﴾ [المائدة: 28]، فهذا الرَّدّ اللَّيِّن منه فيه امتِصاص لسوْرة غضبه، وتخفيف لحقْدِه وحسده، ثمَّ ذكَّره بالخوف من الله تعالى؛ لعلَّ ذلك يَمنعه من تنفيذ تهديدِه، وبالغ في تخويفه فذكَّره بالإثم والنار؛ ﴿ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ ﴾ [المائدة: 29]، وأراد بِجمع الإثمين على أخيه بأنَّه لو قابل هو فِعْل أخيه بمثله لتحمَّل كلُّ واحد منهما جزءًا من الإثْم، ولكنَّه يكفُّ يدَه عن أخيه ليتحمَّل أخوه كلا الإثْمين؛ كما في حديث أبي بَكْرَةَ - رضِي الله عنْه - قال: سمعْت رَسُولَ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يقول: ((إذا الْتَقَى المُسْلِمانِ بِسَيْفَيْهِما فالقَاتِلُ والمَقْتُولُ في النَّارِ))، فقلت: يا رَسُولَ الله، هذا القاتِلُ، فما بَالُ المَقْتولِ؟ قال: ((إنَّه كان حَرِيصًا على قَتْلِ صَاحِبِه))؛ رواه الشَّيخان.

 

ورضي الله - تعالى - عن عُثمان بن عفَّان وأرْضاه، فقد عَمِل بهذه الآية مع شدَّتها ومشقَّة العمل بها، فكفَّ يده، وأمر بالكفِّ عمَّن خرجوا عليْه حتَّى قتلوه، قال أيوب السخْتياني - رحِمه الله تعالى -: "إنَّ أوَّلَ مَن أخذ بهذه الآية من هذه الأمَّة لعثمان بن عفَّان - رضي الله عنه".

 

ودخل أبو هُريرة - رضِي الله عنه - لينصُر عثمان يوم حُصِر في الدار، قال أبو هريرة: فقال لي عثمان: "يا أبا هُريرة، أيسرُّك أن تقتل النَّاس جميعًا وإياي معهم؟" فقلت: لا، فقال: "والله لئن قتلت رَجُلاًَ واحدًا لكأنَّما قتلت النَّاس جميعًا"، فرجعتُ فلم أقاتل.

 

إنَّ الخوف من عذاب الآخِرة يَحجز المؤمن عن الدِّماء المعصومة، فيفضّل أن يقتل مظلومًا على أن يتلطَّخ بدم مسلم، لكنَّ ضعيفي الإيمان تدْفعُهم شياطينُهم لمقارفة الآثام، والولوغ في الدِّماء، فلا يفارقهم غيُّهم، ولا ترْدعهم آيات التَّخويف، وينسوْن القصاص في الآخرة، كما حصل لابن آدم حين غلبتْ عليه نفسُه الأمَّارة بالسوء، ودفعه شيْطانُه لقتل أخيه؛ ﴿ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الخَاسِرِينَ ﴾ [المائدة: 30]، لقد خسِر أخاه حين قتله، والأخُ للأخ عضد وأنيس ونصير، ووقَع في عقوق والديْه بقتْل ابنِهما، وخسِر المتعة بحياته؛ لأنَّ النَّدم سيُطارده، وخسِر سُمعتَه؛ لأنَّ البشر يتناقلون خبرَه السيِّئ مع أخيه منذ ذلك الوقت إلى آخر الزَّمان، مع خسارته الكبرى لدينِه وآخرته بهذا الفعل الشَّنيع.

 

وممَّا يدلُّ على أنَّ هذه الحادثة وقعت في عهد آدم - عليه السَّلام - وأنَّ المقتول كان أوَّلَ ميت في البشَر: أنَّ أخاه لم يعرف ماذا يفعل بجثَّته، حتَّى ضرب الله تعالى له مثلاً من الطير؛ ﴿ فَبَعَثَ اللهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ ﴾ [المائدة: 31].

 

يا لعظمة القُرآن حين يَحكي الله تعالى فيه جبروتَ ابنِ آدم وقوَّته في سفْكِ دم أخيه، ثمَّ إذلالِه بالعجْز عن مواراة جثَّته.

 

إنَّ كلَّ قاتل له خطَّة في القتل تدلُّ على إعمال عقله، وله جسارة قلب تُمكنه من الإقدام على القتل، وله قوَّة جسديَّة يستطيع بها مباشرة القتل، ولكن ابن آدم عقب قتلِه لأخيه مكث حائرًا عاجزًا لا يدْري ما يصنع بجثَّته، إنَّه ضعف الأقوِياء، وعجْز الجبابرة، وذلّ المتكبرين، أبَى الله - تعالى - إلاَّ أن يذوقَه في الدنيا جزاء اجترائِه على معصِيَته، وانتهاك حرمته.

 

وعلماء الحيوان يذْكرون أنَّ الغراب أذْكى الطيور، وأنَّ لدى الغربان عقوبات توقعها على مَن يستحقُّها من أفرادها، فإذا حكموا بموت غراب نقروه حتَّى الموت، ثمَّ يَحمله بعضُهم فيحفر له بمنقاره وقدمَيه حتَّى يواريه التُّراب.

 

فكان من إذْلال الله - تعالى - العاجل لقاتل أَخيه عجْزه عن مواراة أخيه مع كمال عقْله، وتوافُر قدرته؛ ليسخر سبحانه له طيرًا لا يعقل فيعلمه كيفية الدفن.

 

وهذا النَّدم الذي لحق القاتل بعد جريمتِه هو ندم العاجزين وليس ندم التَّائبين؛ إذْ لو تاب لتاب الله تعالى عليه، ولكنَّه ظلَّ على كبريائه مع عجْزه، فعوقب بالنَّدم والعجْز والإذْلال في الدُّنيا، وعذابُ الآخرة أشدُّ وأبقى.

 

ويكون الحكم الشَّرعي المستفاد من هذه القصَّة العظيمة: أنَّ مَن استحلَّ قتْل شخص ظلمًا وعدْوانًا فكأنَّه قد استحلَّ قتْل النَّاس جميعًا، ومَن تسبَّب في إحياء نفسٍ فكأنَّه أحْيا النَّاس جميعًا، كما أنَّ من اجترأ على القتل أوَّل مرَّة سهل عليه بعد ذلك حتى يألفه؛ ولذا فإنَّ من اعتادوا على قتْل الناس ظلمًا وعدوانًا هم من يسعرون الحروب في البشر، ويهلكون الحرْثَ والنَّسل؛ ﴿ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ ﴾ [المائدة: 32].

 

بارك الله لي ولكم...

 

الخطبة الثانية

الحمدُ لله حمدًا طيِّبًا كثيرًا مباركًا فيه كما يحبُّ ربُّنا ويرضى، وأشهد أن لا إلهَ إلاَّ الله وحْده لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسوله، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليْه وعلى آله وأصْحابه، ومَن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

 

أمَّا بعد:

فاتَّقوا الله تعالى وأطيعوه، ﴿ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ ﴾ [البقرة: 223].

 

أيُّها المسلمون:

فيما قصَّ الله - تعالى - من خبَر ابنَي آدم - عليه السَّلام - تظْهر قيمة التقوى؛ فأمرها عظيم، وشأْنُها كبير، وهي سبب كلِّ خير، وفي هذه القصَّة حُصر قبول العمل فيها؛ ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ المُتَّقِينَ ﴾ [المائدة: 27].

 

إنَّ هذه الآية العظيمة لم تمرَّ على سلفِنا الصَّالح حتَّى تدبَّروها، وعلموا قيمة التَّقوى، وارتباطها بقبول العمل فتمثَّلوها، وسعَوا في تحصيلها، قال عَلِيٌّ - رَضِيَ الله عَنْهُ -: "لا يَقِلُّ عَمَلٌ مَعَ تَقْوى، وكيْفَ يَقِلُّ ما يُتَقَبَّلُ؟!".

 

وقال أبو الدرداء - رضي الله عنه -: "لأن أستيقِن أنَّ الله تقبَّل منِّي صلاة واحدة أحبُّ إليَّ من الدنيا وما فيها، إنَّ الله يقول: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ المُتَّقِينَ ﴾".

 

وبكى عامر بن عبدالله عند الموت، فقيل له: "ما يبكيك؟ قال: آية في كتاب الله، فقيل له: أي آية؟ قال: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ المُتَّقِينَ ﴾.

 

فما أكبر شأن التقوى! وما أعظم أثرَها في قبول الأعمال! فهذه أوَّل منازلة بشريَّة في الأرض بين الحقِّ والباطل انتصر فيها صاحب الحقِّ بتقْواه، فتُقُبِّل منه عمله، وبتقْواه كفَّ يده عن أذيَّة أخيه ففاز بالذِّكْر الحسن في الدنيا، وبِجزيل الثَّواب في الآخرة، وبهذا نُدرك أنَّ من أهمِّ أسباب هزيمة الأمَّة ضعف التَّقوى في قلوب أفْرادها، ولو كانوا متَّقين لانتصروا.

 

وملحظ عجيب في هذه القصَّة العظيمة ينبغي أن لا يفوت على قارئها، وهو أنَّ الله - تعالى - ذيَّل هذه القصَّة بقوله سبحانه: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32]، ومعلوم أنَّ القتل ممَّا أجْمعت الشَّرائع على تحريمه من لدن آدم - عليه السلام - وبين آدم - عليه السلام - وبني إسرائيل قرون طويلة، وأُمم كثيرة، وأنبِياء متتابعون، فلماذا يُذكر بنو إسرائيل في كتابة تَحريم القتل عليهم، والتَّشديد فيه، مع أنَّهم من أواخِر الأمم البشريَّة، وكان القتل محرَّمًا قبل وجودهم؟

 

إنَّ هذا - والعلم عند الله تعالى - يرْجِع إلى سببين مهمَّين:

أوَّلُهما: أنَّ أوَّل كتاب تنزَّلت فيه الأحكام مكتوبة هو التَّوراة، فنزل فيها تحريم القتْل، والتَّشديد فيه، والتَّأكيد عليه.

والسَّبب الثاني - وهو الأهم -: أنَّ بني إسرائيل يستَرْخِصون النُّفوس البشريَّة، ولا يأْبَهون بقتل النَّاس، ويستلذُّون بسفك الدِّماء، ونصوصهم الَّتي حرَّفوها واخترعوها في كتُبهم تدلُّ على ذلك، كما يدلُّ عليه تاريخهم الماضي، وواقعهم المعاصر؛ فهم قتلة الأنبياء بنصّ القرآن، والأُمم المكذِّبة كانوا يتهيَّبون قتل الأنبياء - وإن عارضوهم - إلاَّ أمَّة بني إسرائيل فكانوا يفاخرون بقتْلهم لرسلهم، وحاولوا قتل آخر أنبِيائهم عيسى - عليه السلام - لولا أنَّ الله تعالى نجاه منهم، ورفعه إليه.

 

ومَن اجترؤوا على قتْل الأنبياء فهم على غيرهم أجرأ، وتاريخ بني إسرائيل حافل بالمذابح البشريَّة الفرديَّة والجماعيَّة، والحضارة المعاصرة هي حضارتهم؛ لأنَّ اليهود والنَّصارى هم ربانها، وهم من ذرّيَّة نبي الله إسرائيل - عليه السلام - وأكبر ما نُقل من القتل عبر تاريخ البشريَّة الطويل إنَّما كان في حضارتنا المعاصرة، حتَّى لو قيل: إنَّ ما سفك من دماء البشَر خلال مائة سنة خلتْ أكثر ممَّا سُفِك قبلها في تاريخ البشريَّة كلّها لما كان ذلك بعيدًا، ويَكفي في ذلك الحربان الكونيتان الكبيرتان، والحروب الاستِعْمارية التي أُفنيت فيها شعوب بأكملها، ولا زال سفكهم لدماء غيرهم مستمرًّا إلى يومنا هذا، فما أعظم القرآن حين يأْتي النَّصُّ فيه بتحريم القتل على أمَّة بني إسرائيل عقب حكاية قصَّة أوَّل قتل وقع في البشر، ثمَّ نقرأ التاريخ، ونرى الواقع ، فلا يعدو ما جاء في القرآن من استِرْخاص بني إسرائيل لدماء البشر؛ ﴿ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ ﴾ [المائدة: 32].

 

وصلُّوا وسلِّموا...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • نبأ ابني آدم
  • ابني كثير الحركة
  • ولقد كرمنا بني آدم (خطبة)
  • عبرة ابني آدم (خطبة)
  • عظات وعبر في قصة ابني آدم (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • تفسير: (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير آية: (واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا ( مطوية )(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الإدمان المعاصر: الجوال (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: كلكم لآدم وآدم من تراب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خلق آدم عليه السلام(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 


تعليقات الزوار
3- ادم
بتوله - القصيم 29-03-2011 04:53 PM

ما أول ذنب وقع فيه آدم

2- ماااااااا شااااااء الله
الشيخ محمود على - مصر المنصورة بلقاس المعصرة شارع برايا 07-01-2011 12:38 AM
ماشاء الله خطبة منظمة ومدققة واستفدت منها كثيرا وجزاكم الله خيرا
1- شكر
عابد - السعودية 23-02-2010 10:26 AM
بارك الله فيكم ونفع بكم ووفقكم إلى كل خير
1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب