• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / المعاملات / في الوقف والوصية
علامة باركود

الوصية: فضائلها وأحكامها (خطبة فقهية)

أحمد الجوهري عبد الجواد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 20/9/2015 ميلادي - 6/12/1436 هجري

الزيارات: 55937

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الوصية: فضائلها وأحكامها

(خطبة فقهية)


إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله.


أما بعد فيا أيها الأحبة!

الموت ليس آخر المطاف، بل بعد الموت بعثٌ وحياة، هي الحياة الحقيقيّة، كما قال الله تعالى: ﴿ وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [العنكبوت: 64]

 

شبّه الله تعالى الحياة الدنيا التي نعيشها، "وما فيها من حطام، فى سرعة انقضائها وزوال متعها، بالأشياء التى يلهو بها الأطفال، يجتمعون عليها وقتاً، ثم ينفضّون عنها.

 

أما الدار الآخرة، فهى دار الحياة الدائمة الباقية، التى لا يعقبها موت، ولا يعتريها فناء ولا انقضاء".[1]

 

فالدنيا فانية والآخرة باقية، الدنيا زائلة والآخرة دائمة، الدنيا لهو زائف، وأما الآخرة فهي حقٌّ وحقيقةٌ ونعيمٌ مقيمٌ خالدٌ، ولهذا فالعارفون بالله حقيقة، هم الفطناء الذين لا يُؤثِرون متع الدنيا الفانية على خيرات الآخرة الباقية، ولهذا راحوا يحصّلون الأعمال الصالحة ليعبروا بها إلى الآخرة؛ فإنها هي التي ستنفعهم، لا ينفعهم غيرها كما قال الله تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97]

 

وقد ثبت في صحيح مسلم، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إذا مات ابنُ آدم انقطع عمَلُه إلا من ثلاثٍ: صدقةٍ جاريةٍ، أو علمٍ ينتفع به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له".[2]

 

وقد أحسن الإمام الشافعيّ - رحمه الله تعالى - التعبيرَ عن هذا المعني إذ يقول:

إِنَّ للهِ عِبَادًا فُطَنَا
طَلَّقُوا الدُّنْيَا وخَافُوا الفِتَنَا
نَظَروا فيهَا فَلَمَّا عَلِمُوا
أَنَّهَا لَيْسَتْ لِحَيٍّ وَطَنَا
جَعَلُوها لُجَّةً واتَّخَذُوا
صَالِحَ الأَعمالِ فيها سُفُنا

أيها الأحبة!

ومن صالح الأعمال التي تبقى ذخرًا للإنسان بعد مماته، وتثقل بالخيرات ميزان حسناته، وترفع في الآخرة درجاته: الوصيّة؛ فهي وِصالٌ بين الإنسان والحياة الدنيا، يفارق الإنسانُ الحياةَ بجسده وبدنه وتبقى الوصية كأثرٍ من آثاره يُكتب له بها الأجر، ويحطّ عنه بها الوزر، ويرفع له بها في درجته؛ كما قال الله تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ﴾ [يس: 12].

 

ومعنى هذه الآية كما يقول العلماء -رفع الله أقدارهم -: أى: نسجّل عليهم أعمالَهم التى عملوها فى الدنيا، ونسجّل لهم - أيضًا - آثارَهم التى تركوها بعد موتهم، سواء أكانت صالحةً أم غيرَ صالحة[3].

 

نعم! أيها الأحبّة!

ألم يقل النبيّ - صلى الله عليه وسلم - "من سَنَّ في الإسلام سُنةً حَسَنَةٌ فله أجْرُها وأجْرُ من عَمِل بها من غير أن يُنْتَقَصَ مِنْ أُجُورِهم شيء، ومن سنَّ في الإسلام سُنَّةٌ سيئة فله وِزُرُها ووِزْرُ منْ عَمِل بها من غير أن يُنْتَقَص من أوزَارِهم شيء ".[4]

 

وهذا الإنسان الذي أوصى ببعض ماله ليصرف في وجوه البرّ والخير بعد وفاته هو من أعظم سنن الخير التي يكون للإنسان ثوابها بعد وفاته إلى يوم القيامة.

 

فالوصيّة - أيها الأحبة الكرام! - وصالٌ ورباطٌ بين أمرين: ما قبل الوفاة وما بعد الوفاة، ولهذا السبب يُعرّف علماء اللغة الوصية فيقولون: الوصيّة مأخوذة من وصيت الشيء أوصيه، إذا أوصلته، فالموصِى وصل ما كان في حياته بعد موته.

 

والوصية في الشرع هي: هبة الإنسان غيره عينًا أو دينًا أو منفعة، على أن يملك المُوصَى له الهبة بعد موت المُوصِى.

 

فالإنسان المسلم الذي يوقن بلقاء الله ويحبّ أن يكون هذا اللقاء له لا عليه، يقدّم أثناء حياته ما يستطيعه من العمل الصالح، بل وهو من ذكائه وفطنته يحرص على بقاء الصالحات من بعد رحيله، فإذا ترك مالا لورثته من أبوين وزوجة وأبناء وهكذا.. جعل مع هؤلاء الورثة بعضَ جهات الخير كالفقراء والمرضى، بأعيانهم، أو من خلال المؤسسات الموثوقة التي تقوم على خدمتهم ورعايتهم.

 

وهذه الوصية في المال حكمها في دين الله الوجوب فقد حثّ الله تبارك وتعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم على الوصية، فقال تعالى: ﴿ كتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 180].


وعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما حقُّ امرئٍ مسلمٍ له شيءٌ يُوصَى فيه، يَبِيتُ ليلتين إلا ووصيَّتُه مكتوبةٌ عنده".[5]

 

فحكم الوصيّة أخذًا من هذه الآية والحديث الوجوب فقد قال العلماء رحمهم الله: الوصية واجبة على من له مالٌ يوصى فيه، فمن ترك مالًا يورّث وجب عليه أن يوصِي بشيء من ذلك المال في وجوه البرّ والخير.

 

الوصية في المال واجبة للفقراء لا سيما إذا كان لرجلٍ فرعٌ وارثٌ مات في حياته، فإنّ عليه أن يوصى لأولاد هذا الفرع، كثير من الناس يأتينا يسأل: مات ابن لي في حياتي وليس لأبنائه من بعده مال يتقوّتون به وأنا أرعاهم في حياتي وأنفق عليهم، ولا أدرى ماذا يكون حال أعمامهم معهم بعد وفاتي؛ أخشى ألا يكونوا لهم مثلما كنت أنا لهم في البر والإنفاق والقيام بالمسئولية، فماذا أفعل نقول: هؤلاء الأحفاد لهم في مالك حق واجب، وهو الوصيّة، فأوصِ لهم بثلث مالك أو أقلّ، ذلك أنّ التصرّف في هذا الثلث هو إليك، فوّضك الشرع فيه، تفعل به لنفسك وآخرتك ما تشاء، وهؤلاء الأحفاد من خير من تعطيهم الصدقة بالوصيّة فيكون برّا وصدقةً وصلةَ رحمٍ.

 

نسأل الله تعالى القبول.


فإن مات الجدّ - أيّها الإخوة الكرام! - ولم يوص لأولاد ولده! ماذا نفعل؟

 

إذا مات الجدّ ولم يوص لأولاد ولده فإنهم يعطون قدر ما كان يجب عليه أن يوصى به، لأن هذا دين عليه، حتى لو مات ولم يكتبه لم يضع هذا الدّيْن، والحمد لله أن العمل على هذا في المحاكم اليوم.

 

وهكذا يجب أن يوصى الإنسان بشيء من ماله، لا سيما إذا كانوا أحفاده الذين توفي أبنه والد هؤلاء الأحفاد في حياته.

 

هؤلاء يوصِى لهم، لكن لا يوصِي إلى وارث من الورثةِ المستحقين لماله، فإذا مات الإنسان لا يصح أن يكتب وصيّته تلك لزوجته أو لأحد أبنائه أو لأحد أبويه، أو لأي وارث من الورثة، هذا لا يجوز في دين الله، وإذا فعل ذلك أحد فلا تنفّذ وصيته فيه؛ لأنه لا وصية في الإسلام للوارث؛ كما أخرجه أبو داود وغيره وصحّحه العلامة الألبانيّ رحمه الله عن أبي أمامة الباهليّ قال: سمعت رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في خطبته عام حجّة الوداع: "إن الله قد أعطى كلّ ذى حقٍّ حقَّه، فلا وصيّةَ لوارثٍ".[6]

وتكاد هذه الأمور الثلاثة:

وجوب الوصيّة.

وأولوية الأحفاد بها على غيرهم.

وعدم جواز الوصيّة لأحد من الورثة.

 

تكاد هذه الأمور أن تكون مجهولةً لدى معظم الناس؛ فأنا على ثقةٍ من أنّ كثيرًا من المستمعين الآن يتعجبون لهذا الكلام؛ إذ يسمعونه لأوّل مرّة! وليس هذا بذنب الشرع! فإنّ من الواجب على كلّ مسلمٍ أن يتعلّم من أحكام دينه ما يقوم بحياته قيامًا صحيحًا ويوصّله في الآخرة لمرضاة الله والجنّة، ومن ذلك أنه إذا كان صاحبَ مالٍ وجب عليه أن يتعلّم أحكام الشرع في ماله؛ من حلالٍ وحرامٍ، وكسبٍ وإنفاقٍ، وزكاةٍ وصدقاتٍ، ووصيّةٍ وميراثٍ إلخ هذه الأحكام.

 

فالوصيّةُ واجبةٌ على مَن كان له مال يبقيه بعد وفاته لورثته فيجب أن يوصي ببعضه لأنواعٍ من وجوه الخير والبرّ.

 

ومن المعقول أن يرِد على ذهن المرء السؤال التالي:

لماذا يتبرّع الإنسان بماله في هذا الوقت؟ وعلى هذا النحو؟!

 

والجواب: "قد يغفل الإنسان في حياته عن أعمال البر والخير، فمن رحمة الله بعباده أن شرع لهم الوصية؛ زيادة في القربات والحسنات، وتداركاً لما فرّط فيه الإنسان في حياته من أعمال البر.

 

فجعل سبحانه للمسلم نصيباً من ماله يفرضه قبل مماته في أعمال البرّ التي تعود على الفقراء والمحتاجين بالخير والفضل، وتعود على الموصِي بالثواب والأجر، والاستزادة من العمل الصالح، ومكافأة من أسدى للمرء معروفاً، وصلةً للرحم والأقارب غيرِ الوارثين، وسدّ خَلّة المحتاجين".[7]

 

وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم أعقلَ هذه الأمة بعد نبيّها عليه الصلاة والسلام، ولهذا اهتموا بالوصيّة واعتنوا بها غاية الاعتناء، فسألوا عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بل وكانوا أحرص على إخراج أكثر مما يجب عليهم!

 

ولا عجب فقد قرأوا قول الله عزّ وجلّ: ﴿ يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ ﴾ [القيامة: 13]، وقوله عزّ وجلّ: ﴿ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ ﴾ [الانفطار: 5، 6]


قرأ الصحابة هذه الآيات وتفاعلوا معها؛ فجعلوا ما قدّموا خيرًا، وجعلوا ما أخّروا خيرًا، فسعدوا دنيا وأخرى.

 

ونِعمَ ما فهموا! أليس قد قرأوا قول الله تعالى لنبيّه: ﴿ وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى ﴾  [الضحى: 4] فهم يحبّون أن يكونوا مع نبيّهم - صلى الله عليه وسلم - فلذلك هم يعملون كعمله، ويقدّمون لآخرتهم كما رأوه يقدّم لها، لتكون لهم كما كانت لنبيهم خيرًا من الأولى.

 

أليس قد جلسوا يومًا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسألهم قائلا: أيُّكم مالُ وارثِِه أحبُّ إليه مِن مالِه؟ فأجابوه قائلين: يا رسول الله! ما منّا أحدٌ إلا مالُه أحبُّ إليه. هنا قال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فإنّ مالَه ما قدّم ومالَ وارثِه ما أخّر".[8]

 

يدعوهم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ويحرّضهم على تقديم ما يمكن تقديمه من المال في وجوه القربة والبرّ؛ لينتفع به المرءُ في الآخرة، فإنّ كلّ شيء يُخلّفه الميّت يصير ملكًا للوارث، فإن عمل فيه بطاعة الله كان الثواب خاصًّا بذلك الابن أو الوراث مع أن الميت هو الذي تعب في جمع المال وتحصيله وتوفيره.[9] فليحرص المرء على أن يعمل لنفسه الخير قبل وفاته وليقدّم بين يديه ما يكون سببا عند الله لنجاته، وهكذا يفعل العقلاء.

 

فها هو الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه يأتيه النبي - صلى الله عليه وسلم يعوده وهو مريض فيهمه - رضي الله عنه - ذلك الأمر - أمر الوصية - فيسأل سعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ما يفعل في ماله؟ يقول سعد: قلت: يا رسول الله! أوصى بمالى كله؟ قال: لا قلت: فالشطر؟ قال: لا، قلت: الثلث؟ قال: فالثلث، والثلث كثير، إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس في أيديهم، وإنك مهما أنفقت من نفقة فإنها صدقة، حتى اللقمة التي ترفعها إلى فىّ امرأتك، وعسى الله أن يرفعك فينتفع بك ناسٌ ويُضرّ بك آخرون".

 

ولم يكن له يومئذٍ إلا ابنة.[10]

 

فليتصدّق الإنسانُ ولينفق في سبيل الله تعالى ابتغاءَ الأجر والثواب من الله، ولا يبخل فيذر المال لمن وراءه من الورثة لا يعرف: هل يطيعون الله بالمال أم يعصونه؟ وهل يتذكرون والدهم بالصدقة عنه أو ينسونه؟!

 

فأنفقوا يا عباد الله! ﴿ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 272]، ﴿ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 273]

 

فاعملوا - يا عباد الله - في أموالكم بالصدقة في حال الحياة، وبالوصية ببعض المال لما بعد الوفاة، فإنّ بين يدي الجنة والنار لقاء يتمنّى الإنسان فيه أن لو كان تصدّق بنصف تمرة، فعن عدي بن حاتم - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إلاَّ سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ، فَيَنْظُرُ أيْمَنَ مِنْهُ فَلاَ يَرَى إلاَّ مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ أشْأَمَ مِنْهُ فَلاَ يَرَى إلاَّ مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلاَ يَرَى إلاَّ النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ ". [11] فتصدّقوا يا عباد الله قبل فوات الأوان مختارين لا مضطرين، فَعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَىُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «لَتُنَبَّأَنَّ أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَأْمُلُ الْبَقَاءَ وَتَخَافُ الْفَقْرَ، وَلاَ تُمْهِلْ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ قُلْتَ لِفُلاَنٍ كَذَا وَلِفُلاَنٍ كَذَا أَلاَ وَقَدْ كَانَ لِفُلاَنٍ».[12]

 

أنفقوا يا عباد الله! أنفقوا من مال الله، الذي ملّككم الله إيّاه.

 

أيها الأحبّة!

وقد يبخّل الإنسان عن الوصيّة أنّ يريد أن يترك المال لأبنائه يغنيهم بالحلال ويعفّهم عن الحرام، ويكفّهم عن سؤال النّاس، ويحوطهم بسياج من المنعة عن الحاجة إلى غيرهم، وهذا كلّه حسنٌ، لكنّ ذلك وحده لا يغني عنهم من الله شيئًا مثلما يكون معه جنبًا إلى جنب تقوى الله، أن يتقيَ الإنسانُ ربّه في أثناء حياته ويربّي أبناءَه على تلك التقوى قال الله تعالى: ﴿ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴾ [النساء: 9]

 

لما جاء أبو بكرٍ - رضي الله عنه - بماله يتصدّق به بين يدَي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «ما تركت لأهلك»؟ قال: تركت لهم الله ورسوله.[13]

 

ولمّا حضرت الوفاةُ أميرَ المؤمنين عمرَ بنِ عبد العزيز - رحمه الله - قيل له: ماذا تركت لأولادك من بعدك؟ قال: إن يكونوا صالحين فالله يتولّى الصالحين، وإن يكونوا غير ذلك فلا أترك لهم مالي يستعينون به على معصية الله.

 

إنّ خيرَ ما يتركه الإنسانُ وراءَه ليحافظ به على أولاده ويحميهم ويغنيهم به هو تقوى الله، لا شيء سواه، فإنّ عَدِموا التقوى فلا مال ينفعهم ولا غنى يحميهم! فليوص الإنسان أبناءَه بالدّين والإيمان والتقوى، فأعظم الوصايا وأعلاها وأهمها هي الوصية بالدِّين والإيمان والتقوى وهي وصية الله للأولين والآخرين.. ووصية الأنبياء لأبنائهم وأتباعهم إلى يوم الدين.

 

قال الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا ﴾ [النساء:131].

 

وقال الله تعالى: ﴿ وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [البقرة:132- 133].

 

وَعَنْ طَلْحَة بن مُصَرِّفٍ قَالَ: سَألْتُ عَبْدَالله بْنَ أبِي أوْفَى رَضيَ اللهُ عَنهُ، هَلْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أوْصَى؟ فَقال: لا، فَقُلْتُ: كَيْفَ كُتِبَ عَلَى النَّاسِ الوَصِيَّةُ، أوْ أُمِرُوا بِالوَصِيَّةِ، قال: أوْصَى بِكِتَابِ الله.  متفق عليه؛ أخرجه البخاري (2589)، ومسلم (1634). انظر موسوعة الفقه الإسلامي (ص 175).

 

وكم سمعنا في التاريخ وما نراه اليوم واقعًا في دنيا النّاس، عن أناس عاشوا ملوكًا سادوا الدنيا فزال عنهم ظلها الزائل الزائف، فصاروا بحيث لا يجدون الملابس الجديدة في يوم عيدٍ، فهذا المعتمد بن عبّاد كان من ملوك الأندلس، فكيف ظنكم ببناته؛ ماذا يلبسن؟ وبم يتزيين؟ لكن دالت عليه الأيام والأيام دول فأسره ابن تاشفين في مدينة أغمات وعندما جاءته بناته يزرنه في حبسه رأى على بناته ثيابًا رثة في العيد، فأنشد قائلا:

فيما مضى كنت بالأعياد مسروراً
فساءك العيد في أغمات مأسوراً
ترى بناتك في الأطمار جائعةً
يغزلن ‏ للنّاس ما يملكن قطميراً
برزن نحوك للتسليم خاشعةً
أبصارهنَّ‏ حسيرات مكاسيراً
يطأن في الطّين والأقدام حافيةً
كأنها لم تطأ مسكاً وكافوراً
أفطرت في العيد لا عادت إساءتُه
فعاد فطرك للأكباد تفطيراً
قد كان دهرك إن تأمره ممتثلاً
فردّك الدهر منهياً ومأموراً

 

فخير ما يتركه الإنسانُ لأولاده في الحياة هو تقوى الله، لا شيء سواه.

و لست أرى السّعادة جمع مالٍ
و لكنّ التقيّ هو السّعيدُ
وتقوى الله خير الزّاد ذخراً
و عند الله للأتقى مزيدُ

 

ومع ذلك - أيها الأحبّة!- فقد حذَّر الشرع الكريم الوالدَ أن يجور في وصّيته على حقوق أبنائه ورثته، فيفتقون من بعده بسببها، فجعل للوصية مقدارًا محدّدًا ولم يتركها هكذا هملًا ففي حديث سعد - رضي الله عنه - الذي سقته على حضراتكم قبل قليل، يقول فيه المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: "فالثلث، والثلث كثير، إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس في أيديهم".

 

بل فهم حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - أنّه يستحب الإنقاص من الثلث شيئًا، ولو أن يتصدّق الإنسان بالربع وجعله أفضل؛ قال ابن عباس: لَوْ أَنَّ النَّاسَ غَضُّوا مِنَ الثُّلُثِ إِلَى الرُّبُعِ فِى الْوَصِيَّةِ لَكَانَ أَفْضَلَ لأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ:« الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ ».[14]

 

أيها الأحبة!

كيف يكتب الإنسان وصيّته على وجه شرعيّ صحيح؟

والجواب في نقاطٍ سريعة:

أولا: يبادر إلى كتابة وصيته من الآن فإنه لا تدري نفس ماذا تكسب غدًا وما تدري نفس متى أو بأيّ أرضٍ تموت!

 

ثانيًا: يضمّن وصّيته إقرارَه لله بالتوحيد، وشهادتَه للنبي - صلى الله عليه وسلم- بالرسالة، ولدين الله بالاتباع، وأن يتبرّأ من كلّ معصية لله.

 

ثالثًا: يوصي زوجتَه وأبناءَه وبقيّة ذويه وجميعَ المسلمين بتقوى الله تعالى وعملِ الخيرات والحرصِ على اجتناب السيئات.

 

رابعًا: يوصي بشيء من ماله الذي سيتركه؛ الثلثِ، أو الربُعِ وهو أفضل، لمن يستحق الزكاة من المسلمين، ولو كانوا أقاربه فهو أفضل؛ لأن الصدقة على الأقارب صدقة وصلة رحم، وإن كان له أحفاد مات أبوهم الذي هو ابنه في حياته فليجعل الوصية إليهم فهم أولى وأولى.

 

خامسًا: إذا استطاع أن ينفّذ وصيّته في حال الحياة كان خيرًا وأفضل؛ لأنه لا يدري هل ينفّذها الورثة بعده أو لا؟

 

سادسًا: يُشهد على ذلك شاهدين عدلين أمينين.

 

وأخيرًا: يقوم هذان الشاهدان على تنفيذ الوصية إذا أبقاها إلى ما بعد وفاته بشرط أن تسدّد عنه الديون أولًا؛ لأن تنفيذ الوصيّة يأتي بعد سداد الدّين، كما روى الترمذيّ وحسنه الألبانيّ عن عليّ - رضي الله عنه - قال: قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالدّين قبل الوصية".[15]

 

أيها الإخوة!

هذه هي الوصية شرعًا، فمن ضمّن ذلك في وصيّته فقد أدّى وفعل ما أوجب الله عليه.

 

وليس للوصية صيغة معينة، يلتزم بها الإنسان حتمًا، بل يوصي كلّ إنسانٍ بما يناسب حاله وحال أهله، وما له وما عليه من الحقوق، لكن روى الدارقطني والبيهقي عن أنس - رضي الله عنه - يحكي عن صحابة رسول الله رضوان الله عليهم جميعا فيقول:"كانوا يكتبون في صدور وصاياهم: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به فلان ابن فلان: يشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأنّ الله يبعث من في القبور، وأوصَى من ترك من أهله أن يتقوا الله، ويصلحوا ذات بينهم، ويطيعوا الله ورسوله إن كانوا مؤمنين، وأوصاهم بما أوصى به إبراهيم بنيه ويعقوب: ﴿ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [البقرة: 132][16].


أيها الأحبّة! "ولما كان الغالب على كثير من الناس في هذا الزمان الابتداع في دينهم، ولا سيما فيما يتعلق بالجنائز، كان من الواجب أن يوصى المسلم بأن يجهّز ويدفَن على السنة، عملًا بقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾. [التحريم: 6].


وكان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوصون بذلك، والآثار عنهم في ذلك كثيرة، منها: عن عامر بن سعد بن أبي وقاص أن أباه قال في مرضه الذي مات فيه: (الحدوا لي لحدًا، وانصبوا علىّ اللبِن نصبًا، كما صُنع برسول الله - صلى الله عليه وسلم -) [17].

 

وهذا عمرو بن العاص - رضي الله عنه - يوصي بنيه، وهو في سياق الموت، فيقول: (فَإِذَا أَنَا مُتُّ فَلَا تَصْحَبْنِي نَائِحَةٌ وَلَا نَارٌ)[18].

 

وهذا حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ - رضي الله عنه - يوصي عند موته فيقول: (إِذَا مِتُّ فَلَا تُؤْذِنُوا بِي، إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ نَعْيًا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ النَّعْيِ)[19].

 

وهذا أَبُو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - يوصي عند موته فيقول: (إِذَا مُتُّ فَلَا تَضْرِبُوا عَلَيَّ فُسْطَاطًا، وَلَا تَتْبَعُونِي بِنَارٍ، وَأَسْرِعُوا بِي إِلَى رَبِّي، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِذَا وُضِعَ الْعَبْدُ أَوْ الرَّجُلُ الصَّالِحُ عَلَى سَرِيرِهِ قَالَ: قَدِّمُونِي قَدِّمُونِي، وَإِذَا وُضِعَ الرَّجُلُ السَّوْءُ قَالَ: وَيْلَكُمْ أَيْنَ تَذْهَبُونَ بِي)[20].

 

وهذا قيس بن عاصم - رضي الله عنه - يوصي عند موته فيقول: (إذا أنا مت فلا تنوحوا علي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينح عليه)[21].

 

ويجب أن ينفّذ الوصيّة ورثة الميت والشهود وأهل القضاء وغيرهم، وإذا كنا نتحدّث عن تنفيذ الوصية بالبر والخير والطاعة فيجب أن نشير أيضًا إلى أن الوصية برد الودائع والأمانات وقضاء الديون والحقوق لا سيما التي لا يعلمها إلا الموصِي، هذا كله أولى وأولى وأولى.

 

وأيضًا يجدر بنا التنبيه إلى أنّ الوصيّة التي تتضمّن معصية من المعاصي لا تنفّذ؛ فالوصيّة التي فيها إضرار بالورثة أو أحدهم لا تنفّذ، والوصيّة بعمل عزاء ومقرئ وصوان إلى غير ذلك لا تنفّذ، والوصيّة إلى وارث من الورثة زيادة على بقيّتهم لا تنفّذ.. وهكذا كلّ وصيّة اشتملت على معصيّة لا تنفّذ.

 

نسأل الله أن يحيينا على شريعة الإسلام وأن يتوفانا على كلمة الإسلام، وأن يحشرنا في زمرة المصطفى عليه الصلاة والسلام.

 

وأستغفر الله لي ولكم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على رسوله الكريم، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين.

 

أما بعد، فيا أيها الأحبة الكرام.

جاء الإسلام لسعادة بني البشر، وها هو كما رأينا تشريعَه يحافظ على الإنسان في حياته، ويدعوه إلى عمل الخير بعد مماته؛ ليرث العقبى في جنّة عرضُها السموات والأرض أعدّت للمتقين الصالحين الأبرار.

 

فمتى تسمع البشريّةُ عن هذا الدّين؟

ومتى تتعرف على دعوة خير النبيين؟

متى تفقه أن دين الله جاء ليضيء الحياة، وليدلّ الإنسان على خير ما يرجوه ويجتنبه ليسعد بالحياة، فمتى تعي البشريّة ذلك؟

 

يا الله! كم من الأجيال ستكابد الخوف والشقاء قبل أن يبزغ فجر الإسلام العظيم؟!

 

كم من الأجيال ستصارع الشرك والخرافات قبل أن يعرف عقيدة التوحيد الت جاءت لتحرره من رقّ الأوثان والصلبان والبهتان والطغيان؟

 

كم من الأجيال ستعاني الضلال والتيه قبل أن تهتدي وتقتدي وتأتسي بالرحمة المهداة المصطفى رسول الله!

 

فيا أيها الإسلام! يا أيتها العقيدة! يا أيتها الدعوة:

"مُرّي بترنيمك السماوي على أسوار هذه الأرض المحرومة من النور.. لعلّ هذا الناسى يصحو من سباته الطويل، ويقبس إشراقة من هذا الحُداء الجديد.. وأحرقي أيتها الدعوة بنارك هشيم المُجّان الواقفين في طريقك العتيد.

يا لُبينَى أوقدي طال المدى
أوقدي علّ على النار هُدى
أوقدي يا (لُبنُ) قد حار الدليلْ
أوقدي النار لأبناء السبيلْ
شَرّدي هذا الظلام الجاثما
أرشدي هذا الفراشَ الهائما
ليلُ هذا الركب في البيداء عسعسْ
أقبلي يا (لُبنُ) بالنّور المقدّسْ
هلَّت الأنوار والبشرى علينا
أَرشدي فيها الحيارى يا (لبينى)
أرشدي كلَّ الحيارى في الدروبْ
بالشذا والنور في وجه الحبيبْ[22]

 

وصدق الله تعالى إذ يقول:

﴿ يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ [الصف: 8، 9]

 

وفي صحيح مسلم من حديث ثوبان: "إن الله تعالى زَوى ليَ الأرضَ فرأيتُ مشارقَها ومغاربَها وإنّ أمّتي سيَبلغُ ملكُها ما زُوِىَ لي منهَا" [23]

سيجيء يوم حافلٌ بجهَادنا
الخيلُ تصهَل والصوارمُ تلمعُ
قد طال ليلُ الكفرِ لكنّي
أرى مِن خلفه شمسُ العقيدةِ تسطعُ

 

وسيكون ذلك - أيها الكرام! - يوم تؤمن جموعُ المسلمين بأحكام الشريعة التي شرعها الله، وتطبّقها عمليًّا في واقع الحياة، وتذعن لها كلِّها بالقبول والانقياد لا تفرّق بين حكم وآخر من أحكامها، بل تؤمن بالكتاب والسنة جميعًا، وتعمل بهما جميعًا، وسلام على الدنيا يومئذٍ، وأمانٌ يملأ الدنيا، وإيمانٌ يعمر القلوب،وسعادة تغمر الحياة.

 

أسأل الله تبارك وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعلنا من أسباب ذلك الخير، وعوامل هذا الفتح، وأدوات ذلك النصر، مقبلين محبين غير مدبرين ولا كارهين، اللهم ارزقنا العمل بكتابك واتباع هدي نبيك.... الدعاء.

 


[1] الوسيط (ص3325)، سيد طنطاوي، الشاملة.
[2] أخرجه مسلم (1631).
[3] انظر تفسير ابن كثير (6/ 565).
[4] أخرجه مسلم (1017).
[5] متفق عليه؛ أخرجه البخاري (2738)، ومسلم (1627).
[6] أخرجه أبو داود (2853)، والترمذي (2203)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2194).
[7] موسوعة الفقه الإسلامي (ص 175)، لمحمد بن إبراهيم بن عبد الله التويجري.
[8] أخرجه البخاري (6077).
[9] فتح الباري (11/ 265)، لابن حجر.
[10] متفق عليه؛ أخرجه البخاري (2742)، ومسلم (1628).
[11] متفق عليه؛ أخرجه البخاري (7074)، ومسلم (1016).
[12] متفق عليه؛ أخرجه البخاري (1353)، ومسلم (1032).
[13] حديث حسن، انظر المجالسة وجواهر العلم (5/ 383) بتحقيق مشهور حسن.
[14] أخرجه مسلم (1629).
[15] أخرجه الترمذي (2205)، وابن ماجه (2715)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (2195)، والإرواء (1667).
[16] أخرجه أخرجه الدارقطني (16/ 154/ 4)، والبيهقي (287/ 6)، وصححه الألباني في الإرواء (1647).
[17] أخرجه مسلم (3867)، وراجع أحكام الجنائز (ص 8)، للألبانى.
[18] أخرجه مسلم (121).
[19] أخرجه الترمذي (986)، وابن ماجه (1476)، وحسّنه الألباني في صحيح الترمذي.
[20] أخرجه أحمد (10141) وحسّنه الأرنؤوط.
[21] أخرجه الحاكم في المستدرك (1409) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
[22] ربحت محمدًا ولم أخسر المسيح (ص 112) للدكتور عبد المعطي الدالاتي.
[23] أخرجه مسلم (2889).




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تحريم الوصية لبعض الورثة
  • التحذير من الوصية لبعض الورثة
  • نموذج كتابة الوصية الشرعية
  • الوصية
  • من أحكام الوصية في الفقه الإسلامي
  • وصية المسلم إلى الكافر والفاسق
  • هل يدخل أولاد البنات في الوصية والوقف الذري؟

مختارات من الشبكة

  • الوصية في الإسلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من روائع وصايا الأمهات (3)(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • خطبة عن الوصية وأحكامها(محاضرة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • الوصية: أهميتها وصفتها وأحكامها (PDF)(كتاب - آفاق الشريعة)
  • آخر وصايا الرسول (خلاصة خطبة جمعة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حديث: ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده(مقالة - موقع الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك)
  • حكم الوصية بالأضحية(مقالة - ملفات خاصة)
  • الوصية: ضوابط وأحكام (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الوصية: آداب وأحكام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الوصية (1) حكمها وحكمتها(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب