• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / المعاملات / في الوقف والوصية
علامة باركود

الوصية: آداب وأحكام

الوصية: آداب وأحكام
عبدالله بن عبده نعمان العواضي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 12/6/2019 ميلادي - 8/10/1440 هجري

الزيارات: 17887

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الوصية: آداب وأحكام

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، أما بعد:

 

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هَدْيُ نبيِّه محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، أما بعد:

 

أيها الناس، اعلموا أن الحياة الدنيا منزل موقوت، كل من فيها يموت، ولا يبقى إلا الحي القيوم الذي يُحيي ويُميت؛ قال تعالى: ﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾ [الرحمن: 26، 27]، فالموت نهاية كل مخلوق على هذه الدار، لينتقل بعد ذلك إلى حياة أبدية في الجنة أو النار، ﴿ ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ ﴾ [الأنعام: 62].

 

وهذه النهاية التي تنتظر كل حي نهايةٌ لا يعلمها إلا الله تعالى، فالآجال بيد علَّام الغيوب، فلا يدري أحد من الخلق متى يموت وأين يموت؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [لقمان: 34].

 

عباد الله، إن إخفاء زمن موت الإنسان عنه له حِكَمٌ وغايات كثيرة، لعَلَّ من أظهرها: أن يبقى الإنسان على استعداد دائم للموت بملازمة الطاعات وهجر السيئات، فيكون عبدًا لله حقًّا حتى يأتيه اليقين، وقد ربَا رصيدُه من الحسنات، وصلحت روحُه للاستقرار في تلك الغرفات في الجنة؛ قال تعالى: ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ [الحجر: 99].

 

أيها المسلمون، ألا وإن من الاستعداد المطلوب: أن يحرص كل مسلم ذكرًا كان أم أنثى على إبراء ذمَّته من الحقوق التي عليه للناس، ومن حقوقه لدى غيره، فينظر إلى الديون التي عليه، فيوثِّقها بالكتابة الواضحة حتى لا تضيع حقوق الناس بعد موته، فيحمل وِزْرَ ذلك يوم القيامة، مع ما يحصل بعد الموت بين الورثة وأهل الديون من الخلاف والتنازُع.

 

ويُسجِّل أيضًا ما وجب عليه من الكفَّارات والنذور والوعود والزكوات ونحو ذلك، إن كان عليه من ذلك شيء، وينظر كذلك إلى أمواله المدينة عند الناس، فيوثِّقها بالوثائق الصحيحة التي تثبت له هذا الحق لدى غيره، حتى لا يضيع جزءٌ من ماله على ورثته بعد موته، وهذه هي الوصية الواجبة على المسلم؛ لأن هذه الأمور حقوق واجبة عليه.

 

وهناك وصية مستحبَّة، وتكون بتخصيص إنسانٍ جزءًا من ماله يُوصي به ليصرف في وجوه الخير من صدقة على الفقراء والمحتاجين، ومن بناء مساجد أو دور للعلم والاستشفاء أو نحو ذلك من أبواب الخير.

 

عباد الله، إن الله تعالى شرع لعباده الوصية قبل الموت بما يرجع إليهم بالخير من بذل شيء ابتغاء وجه الله تعالى للأقارب أو للأباعد.

 

قال تعالى: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ * فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 180-182].

 

لقد كان بعض الناس في الجاهلية يُوصي ببعض ماله قبل أن يموت للأجانب من أجل الإضرار بالأقارب، فلما جاء الإسلام أمر بالوصية للأقارب؛ لأنهم أولى بالمعروف ابتداء بالوالدين فمن بعدهم، فلما نزلت آيات المواريث في سورة النساء وبيَّنَتْ أنصبة الأقارب الوارثين نسخَت الوصية لكل وارث، وبقيت مشروعة في حق الأقارب غير الوارثين وفي حق الأجانب؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله قد أعطى كل ذي حقٍّ حقَّه، فلا وصية لوارث))[1].

 

عباد الله، يُستحبُّ للمسلم المبادرة بالوصية خاصة في حق من له أو عليه حقوق للخالق تعالى أو المخلوقين، خصوصًا إذا دهمه مرضٌ، أو عزم على سفر، أو كان في أيام حروب وفتن؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده))[2].

 

وينبغي في الوصية التي فيها حقوق للموصي أو عليه أن يُشهِد عليها شهودًا عُدُولًا، حتى تسلم الوصية من الردِّ أو التحريف أو التكذيب.

 

أيها المسلمون، إن على من أراد أن يوصي وصية مستحبة يتقرَّب بها إلى الله تعالى بعد موته، أن ينتبه لأمور منها:

أولًا: أن تكون الوصية من ماله الحلال الخالص؛ لأن الله طيِّبٌ لا يقبل إلا طيبًا، فالوصية بالمال الحرام من أجل القربة غير مقبولة، فإن كان لديه مال حرام، وأراد براءة الذمَّة من هذا المال الحرام، فعليه أن يُعيدَه إلى أهله إن كانوا معروفين، وإلا تصدَّقَ به عنهم.

 

ثانيًا: أن تكون الوصية بالثُّلُث فما دونه؛ حتى لا يكون في الوصية هضم لحق الورثة، وما زاد على الثُّلُث فهو راجع إلى إجازة الورثة، فإن رضوا نفذت الوصية، وإلَّا نفذت بقدر الثلث.

 

ففي الصحيحين عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: "عادني النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع من وجع أشفيت منه على الموت، فقلت: يا رسول الله، بلغ بي من الوجع ما ترى وأنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة لي واحدة، أفأتصدَّقُ بثلثي مالي؟ قال: ((لا))، قلت: أفأتصَدَّق بشطره؟ قال: ((لا))، قلت: فالثلث؟ قال: ((والثلث كثير؛ إنك أن تذر ورثتك أغنياء خيرٌ من أن تذرهم عالةً يتكفَّفون الناس، ولست تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها حتى اللقمة تجعلها في في امرأتك)).

 

مع أن الأوْلى ألَّا يُوصي المسلم بالثُّلُث، بل بأقل من ذلك؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الثلث، والثلث كثير))[3]. هذا في حقِّ مَنْ له وارثٌ من أصحاب الفروض أو العصبات.

 

ومن التنبيهات المهمَّة: ألَّا يكون في الوصية ضررٌ أو تعمُّد إضرار بالوارثين؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ ﴾ [النساء: 12] قال ابن عباس رضي الله عنهما: "الإضرار في الوصية من الكبائر".

 

ومن الإضرار: أن يميل بعض الآباء أو الأمهات إلى بعض الأبناء أو البنات دون بعض، فيتحيل في الوصية له، فيُوصي لأولاد ذلك الابن أو تلك البنت، وهذه الحيلة غير جائزة شرعًا؛ قال رسول الله صلى عليه وسلم: ((اتقوا الله، واعدلوا بين أولادكم))[4].

 

والرسول عليه الصلاة والسلام قد قال لسعد: ((إنك إن تذر ورثتك أغنياء خيرٌ من أن تذرهم عالة يتكفَّفون الناس))، قال الشعبي رحمه الله: "ما من مال أعظم أجرًا من مال يتركه الرجل لولده، ويغنيهم به عن الناس".

 

أيها المسلمون، إن من أهم المهمات التي ينبغي أن ينظر إليها الموصي: اختيار الوصي الذي يقوم بتنفيذ وصيته والإشراف عليها من بعده، فمن شروط الموصي: أن يكون أمينًا، فالخائن الذي يخشى سطوه على الوصية وتبديلها لا ينبغي جعله وصِيًّا.

 

ومن شروطه: أن يكون ذا قدرة ومعرفة وفهم للوصية التي تحمَّلها وعنده كفاءة في تنفيذها وإيصالها إلى ذويها، ولا يُشترط في الوصي أن يكون رجلًا؛ بل يصح أن يكون امرأة بشرط أن تكون عاقلة عارفة بحقوق الوصية وواجباتها؛ فقد جعل عمر رضي الله عنه حفصة رضي الله عنها وصيته على أولاده من بعده.

 

معشر المسلمين، إن الموصي إذا مات فقد أفضى إلى ربِّه، وحمل أمانته بوصيته أوصياءه والوارثين من قرابته؛ فعلى الأوصياء أن يعرفوا أن الوصية التي تحملوها أمانة عظيمة سيُسألون عنها إن فرَّطُوا فيها يوم القيامة، هل أدَّوها إلى أهلها أو لا؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴾ [النساء: 58].

 

فعلى الأوصياء أن ينفذوا وصية ميِّتهم كما هي في حدود الشرع بدون ظلم أو تقصير، وأن يحذروا كل الحذر من تبديلها بخيانة أو زيادة غير مشروعة أو نقصان أو كتمان، فإن الله تعالى يقول: ﴿ فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 181].

 

وفي واقع الناس مظاهر تدل على خيانة بعض الأوصياء أقاربَ كانوا أم أباعدَ، فكم من نساء سُلِبَتْ حقوقهن بسبب خيانة الأوصياء! وكم من أيتام ذهبت تركتهم إلى خزائن وصيٍّ خائن! وكم من رجال خدعهم الأوصياء، وأخذوا من أموالهم بعد ميِّتهم ما لا يصحُّ لهم أخذه! وربُّ العِزَّة جل وعلا يقول: ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ﴾ [البقرة: 188]، ويقول: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ﴾ [النساء: 10]؛ لكن يجوز للورثة والأوصياء تبديل الوصية في حالتين:

الأولى: أن تكون الوصية في شيء مُحرَّم شرعًا، فيجوز تبديلها إلى ما ينفع الميت؛ كبناء مسجد أو شيء ينفع الفقراء ونحو ذلك.

 

والحالة الثانية: أن تكون الوصية فيها جورٌ؛ كالوصية لبعض الورثة، فيجب - عند ذلك - تغيير الوصية إلى العدل الشرعي بإعطاء كل وارث حقَّه الذي فُرِض له شرعًا من غير زيادة ولا نُقْصان، وفي هاتين الحالتين يقول تعالى: ﴿ فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 182].

 

عباد الله، إن الإنسان إذا مات، كانت هناك حقوق خمسة مُتعلِّقة بعين تركته، وهي على الترتيب كالآتي:

الحق الأول: الزكاة وأروش الجنايات، فإذا كانت عليه زكاة أو أرش أو دية بدأ الورثة بأداء هذا الحق قبل أي حق آخر.

 

الحق الثاني: مؤن تجهيز الميت من شراء كفن وقبر وأجرة حفَّار إذا كان يحفر بالأجرة وما يتعلق بالدفن، ولا يدخل في هذا الحق ما يفعله بعض الورثة في أيام العزاء من استئجار صالة وذبح ذبائح وإقامة ولائم ونحو ذلك، فإن أخذ مال التركة لأجل هذه الأعمال لا يجوز إلَّا برضا الورثة جميعًا مع أن بعض ما يحدث اليوم من مراسيم العزاء يخالف شرعنا الحنيف.

 

الحق الثالث: الديون المرسلة في الذمة، فإذا كان على الميت ديون، فيجب على الورثة والأوصياء قضاؤها من عين التركة قبل تنفيذ الوصية وتقسيم التركة.

 

الحق الرابع: الوصية، وتُنفَّذ قبل توزيع التركة بشروطها السابقة.

 

الحق الخامس: تقسيم التركة بين الوارثين ذكورًا وإناثًا كما في كتاب الله تعالى وسُنَّة رسوله عليه الصلاة والسلام.

 

فعلى الورثة والأوصياء أن يتقوا الله تعالى في هذه الأمانة التي حملوها وأن يلتزموا شرع الله في تنفيذها قبل أن يأتي يوم تظلمهم ورثتُهم كما ظلموا ورثة غيرهم؛ قال تعالى: ﴿ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴾ [النساء: 9]، وقبل أن يأتي يوم القيامة فيؤدي الخائن حقوق غيره من حسناته، فإن لم تكن له حسنات حمل من سيئات من ظلمه.

 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من كانت له مظلمة لأحد من عرضه أو شيء، فليتحلَّله منه اليوم قبل ألَّا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه، فحمل عليه))[5].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، قلت ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

أيها المسلمون، إن من أهم ما يهم الإنسان الصالح بعد وفاته: حال أولاده الدينية من بعده؛ إذ يخشى عليهم الانحراف أو الاعوجاج عن الطريق المستقيم الذي كانوا يسيرون عليه مع والدهم؛ ولهذا تُستحبُّ الوصية من الآباء للأولاد بملازمة طريق الهداية وعدم العدول عنها، والموقف من الأولاد، والبار بوالديه من يلزم تلك الوصية النافعة، فهذان النبيَّان الكريمان: إبراهيم وابنه يعقوب عليهما السلام يُوجِّهان الوصية النافعة لذريَّتهما؛ كما قال تعالى: ﴿ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [البقرة: 131 - 133].

 

عباد الله، إن وصايا الأنبياء عليهم السلام وصايا للأمة؛ لأن النبي بمثابة الأب لأمته، فهو يحرص على الخير لها كما يحرص الأب على الخير لولده.

 

يقف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع في ذلك الجمع الإيماني المهيب فيُوصي الأمة قائلًا: ((إنَّ دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا في بلدكم هذا))[6]، ويقول: ((وقد تركت فيكم ما لن تضلُّوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله))[7].

 

أيها المسلمون، ولقد سار الصالحون على افتتاح وصاياهم لأولادهم وذويهم بالوصية بالطاعة والتحذير من المعصية عند توديع الدنيا، فقد أوصى بعض السلف أولاده فقال: "أوصيكم بتقوى الله؛ فإنها عصمة باقية، وجُنة واقية، والتقوى خير زاد، وأفضل في المعاد، وأحصن كهف، وأزين حلية".

 

ولما احتضر المهلب بن أبي صفرة أوصى بنيه فقال: "أوصيكم بتقوى الله وصلة الرحم؛ فإن تقوى الله تعقب الجنة، وإن صلة الرحم تنسئ في الأجل، وتثري المال، وتجمع الشمل وتكثر العدد، وتعمر الديار، وتعز الجانب، وأنهاكم عن معصية الله؛ فإنها تعقب النار، وإن قطيعة الرحم تورث القلة والذلة، وتفرق الجمع، وتذر الديار بلقعًا، وتذهب المال، وتطمع العدو، وتبدي العورة".

 

نسأل الله أن يُحيينا مسلمين، وأن يتوَّفانا مؤمنين، غير خزايا ولا مفتونين، وأن يرزقنا الذرية الصالحة، آمين.

 

هذا وصلوا وسلموا على النبي المختار...



[1] رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه، وهو صحيح.

[2] متفق عليه.

[3] رواه مسلم.

[4] متفق عليه.

[5] رواه البخاري.

[6] متفق عليه.

[7] رواه مسلم.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الوصية بالأهل والأولاد
  • الوصية بالجار
  • الإضرار في الوصية، ومما يكتب فيها
  • الوصية (1) حكمها وحكمتها
  • الوصية بتقوى الله
  • الوصية في الإسلام

مختارات من الشبكة

  • من روائع وصايا الأمهات (3)(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • الوصية: ضوابط وأحكام (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الوصية ضوابط وأحكام(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • آخر وصايا الرسول (خلاصة خطبة جمعة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حديث: ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده(مقالة - موقع الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك)
  • وصية المسلم إلى الكافر والفاسق(مقالة - موقع الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك)
  • حكم الوصية بالأضحية(مقالة - ملفات خاصة)
  • من روائع وصايا الأمهات (4)(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • مشروعية الوصية بالأضحية(مقالة - ملفات خاصة)
  • لا تكن عونًا للظالم(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب