• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / المعاملات / في البيوع واكتساب المال
علامة باركود

الاستثمار في حياة المسلم

الاستثمار في حياة المسلم
السيد طه أحمد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 14/11/2015 ميلادي - 1/2/1437 هجري

الزيارات: 51216

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الاستثمار في حياة المسلم


الحمد لله رب العالمين.. خلقنا لعمارة الكون واستثمار موارده فقال تعالى: ﴿ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ﴾ [هود: 61]. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.. أمر بالمحافظة على هذا المال وتنميته، وأساس ذلك قولُ الله تعالى: ﴿ وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا ﴾ [النساء: 5].

 

وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم القائل: (نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس؛ الصحة والفراغ) فاللهم صل على محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً....

 

أما بعد: فيا أيها المؤمنون.....

لقد خلق الله تعالى الإنسان في هذا الكون وأمره بعمارة الكون واستخلفه في هذه الأرض وجعله سيدا على هذا الكون فقال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 30].

 

وأمره بأن بالاستثمار الشامل واعتبره عبادة يتقرب بها المستثمر المسلم لله تعالى بعمارة الكون، فهو ينطلق من مفهوم الاستخلاف وفلسفته في العلاقة بين الإنسان والكون ومالكهما رب العالمين.

 

فلا أتكلم عن المفهوم القاصر للاستثمار وإنما سأتكلم عن المفهوم الشامل للاستثمار في حياة المسلم النابع من الحديث الذي رواه ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال لرجل وهو يعظه (اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك) أخرجه الحاكم وصححه.

 

ويكون حديثنا من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية:

1- مفهوم الاستثمار.

2- الهدف من الاستثمار.

3- مجالات الاستثمار.

4- الخاتمة.

 

العنصر الأول: مفهوم الاستثمار:

هو الزيادة والنماء واستغلال الطاقات والإمكانات المتاحة للإنسان وتوظيفها التوظيف الأمثل.

 

والإسلام بذلك يرتقي بالاستثمار ليتجاوز المنظور المادي وتحقيق الرفاهية القائمة على إشباع متطلبات الجسد، ليمتد إلى طلبات الروح والعقل التي لا تقل عن الناحية المادية في الحياة.

 

والاستثمار في الإسلام ذات مسئولية اقتصادية واجتماعية، فهو لا ينفصم عن حركة الحياة، ويتخذ من الدنيا مزرعة للآخرة، من خلال التوازن بين المادة والروح، والتوازن بين مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع، بضمان حد الكفاية للأفراد، وتوفير السبل لإشباع الحاجات الروحية والمادية، وبناء وتكوين الإنسان الصالح الذي يعد أساس التنمية.

 

ولقد ورد في الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (رحم الله امرءاً اكتسب طيباً، وأنفق قصداً، وقدم فضلاً ليوم فقره وحاجته).

 

ولذلك يقوم المسلم باستثمار مدخراته في المجالات المختلفة بهدف النماء والمساهمة في إعمار الأرض.

 

العنصر الثاني: الهدف من الاستثمار:

الإستثمار ليس غاية وإنما وسيلة لتحقيق زيادة الإنتاج للاستزادة من أرزاق الله، وتنميته لما استخلفه الله عليه من مال، ليعينه على الإشباع المادي والإشباع الروحي، ويعتبر الاستثمار وسيلة من الوسائل المشروعة لتحقيق شرع الله وغايته من خلق الإنسان، وإعانة الإنسان على القيام بهمته الأساسية في الوجود وهي تتمثل في الآتي:

1- عبادة الله تعالى ومعرفته: المذكورة في قوله تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56].

 

بالامتثال للباري في عبادته، وفي أوامره وفي نواهيه.

 

2- عمارة الأرض: المذكورة في قوله تعالى: ﴿ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ﴾ [هود: 61].

 

3- الخلافة في الأرض والمذكورة في قوله تعالى: ﴿ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: 129] وقال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾ [البقرة: 30].

 

وقال: ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ﴾ [الأنعام: 165].

 

العنصر الثالث: مجالات الاستثمار:

للإستثمار في حياة الإنسان مجالات متعددة يوضحها حديث النبي صلي الله عليه وسلم الذي يقول فيه: (اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك) أخرجه الحاكم وصححه.

 

1- استثمار الصحة والشباب:

اغتنم هذا السن، سن العطاء، سن البناء، سن الاندفاع، سن الإرادة القوية، سن البطولة، ألا تغارون من سيدنا أسامة بن زيد سبعة عشر عاماً عينه النبي قائداً لجيش فيهم أبو بكر، وفيهم عمر وعثمان، وعلي، هذا الشباب، الإسلام يعتز بالشباب وقد أقول لكم يعني لا تبنى نهضة أمة إلا على الشباب ولا ينتشر هذا الدين إلا على أيدي الشباب، ولا يرجى لهذه الأمة أن تعود إلى سابق عهدها من قيادة الأمم إلا الشباب، طاقة، اندفاع، فراغ، صفاء، قيم، مبادئ لو نظرت إلى إنسان تقدمت به السن انكفأ على نفسه.

 

الشباب هم نبض الحياة في المجتمع، ولا شك في أن لديهم قدرات عقلية فائقة، وإمكانات كبيرة فيما يخص التعامل مع التكنولوجيا الحديثة ومفردات الحياة العصرية التي نعيشها الآن.

 

ولا شك أن مهمة توجيه تلك الطاقات واستغلالها إيجابياً هو أفضل استثمار يمكن أن يؤدي إلى تقدم أي مجتمع وتفوقه بكل تأكيد.

 

ونحن اليوم أحوج ما نكون إلى هذه الطاقات الغضة لنزرع الأمل في الشباب ونهيئهم لمستقبل مشرق وإيجاد قاعدة إنتاجية مبدعة مفكرة تأخذ بيد مجتمعها لمسايرة التطور العملي والتطور العالمي السريع.

 

فالشباب لا يدوم، وما دام الشباب لا يدوم كيف نستغل هذه الفترة المتألقة من حياة الإنسان؟ علم ذلك السابقون فاستثمروا شبابهم ففي البخاري ومسلم وغيرهما: عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (بلغني أنك تصوم النهار وتقوم الليل فلا تفعل، فإن لجسدك عليك حقاً، ولعينك عليك حقاً، وإن لزوجك عليك حقاً، أو حظاً -كما في بعض الروايات- صم وأفطر، صم من كل شهرٍ ثلاثة أيام، فذلك صوم الدهر) الحسنة بعشرة أمثالها، ثلاثة في عشرة بثلاثين كأنه صام الشهر كله، وثلاثة أيام من الشهر الذي بعده، وكأنه صام الشهر الذي بعده، وهكذا حتى كأنه صام الدهر، قلتُ: (يا رسول الله! إن بي قوةً أو إن لي قوةً) وكان عبد الله بن عمرو في فترة شباب؛ فقال: إن لي قوةً، هو أصلاً يستغل شبابه في قيام الليل وصيام النهار، لما أراد الرسول صلى الله عليه وسلم منه أن يعتدل في عبادته قال: إن بي قوةً (قال: فصم صوم داود عليه السلام، صم يوماً وأفطر يوماً- وفي رواية: ذكرتُ للنبي صلى الله عليه وسلم الصوم، فقال: صم من كل عشرة أيامٍ يوماً ولك أجر التسعة، قلت: إني أقوى من ذلك، قال: فصم من كل تسعةٍ أيامٍ يوماً ولك أجر الثمانية، فقلت: إني أقوى من ذلك، قال: فصم من كل ثمانية أيام يوماً ولك أجر السبعة، قلتُ: إني أقوى من ذلك، قال: فلم يزل -يعني يتدرج معه- حتى قال: صم يوماً وأفطر يوماً)، يعني: من كل يومين يصوم يوماً، وفي رواية أن عبد الله قال: (فإني أطيق أفضل من ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا أفضل من ذلك.

 

والحديث في تكملته أنه صلى الله عليه وسلم لما وصف صيام داود قال: (ولكنه كان لا يفر إذا لاقى) كان لا يفر إذا لاقى، يعني: لم يكن هذا الصوم ليعجزه ولا ليضعفه عن الجهاد، فإذا كان صيام يوم وإفطار يوم سيجعلك تضعف عن القيام بالوظائف الأساسية، بيتك، وأهلك، وعملك، وصلاتك، وجهادك، وطلبك للعلم، فإنك قد انشغلت بمفضول عما هو أفضل منه، هذا شرط صيام يوم وإفطار يوم.

 

وأوصي باغتنام الصحة لأن الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراها إلا المرضى، كم من أناس أصحاب أموال ضخمة ويتمني أن تؤخذ منه كل ثروته وترد عليه صحته.

 

والصحة من أعظم نعم الله على الإنسان، اذ الحياة والسعادة مرتبطة بالصحة ودوامه، لذلك أولى الإسلام الاهتمام الكبير بالصحة وحث على العناية بها ذلك لابتغاء مرضاة الله ونيل سعادة الدنيا والآخرة.

 

عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة أن يقال له: " الم نصح لك جسمك ونروك من الماء البارد" رواه الترمذي وابن حبان.

 

من كان في شبابه مع الله عز وجل، يهيئ الله تعالى له شيخوخةً متألقة، من عاش تقياً عاش قوياً، الله يمتعه في صحته بسمعه ببصره، بذاكرته، بمكانته، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ ﴾ [يس: 68].

 

كان العبد الصالح أبو الطيب الطبري قد جاوز المائة سنة، وهو ممتع بعقله وقوته وكافة حواسه، حتى أنه سافر ذات مرة مع رفقة له فلما اقتربت السفينة من الشاطئ وثب منها وثبة شديدة، عجز عنها بقية الذين كانوا معه على السفينة فاستغرب بعضهم هذه القوة الجسدية التي منحها الله إياه، مع كبر سنة وشيخوخته، فقال لهم الطبري: "هذه جوارح حفظناها عن المعاصي في الصغر، فحفظها الله علينا في الكبر"("البداية والنهاية").

 

2- استثمار المال:

المال عصب الحياة، وقوام المعاملات الاقتصادية، وهو وسيلة لتبادل المنافع بين الناس، وتقويم المجهود المبذول في العمل والجزاء عليه، حيث يتمكن به الإنسان من إشباع رغبات النفس.

 

وإذا كان الإنسان مولعا بحب المال، وممتحنا به في هذه الحياة الدنيا فهل يتحرى توجيهات الشرع الحكيم في كسبه وإنفاقه؟ أم يكون همه هو هو جمع المال وتبذيره دون مراعاة الحلال والحرام في كل ذلك؟ فقال تعالى: ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ﴾ [الكهف: 46].

 

وقال تعالى ﴿ وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا ﴾ [الفجر: 20]، وقال جل شأنه ﴿ وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ ﴾ [العاديات: 8].

 

المال في الإسلام مال الله، والإنسان نائب عنه في الإشراف عليه، قال تعالى: ﴿ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ﴾ [الحديد: 7]. والمال يعين المسلم على أداء بعض فرائض الإسلام وتكاليفه وشعائره مثل: إيتاء الزكاة وأداء الحج والجهاد في سبيل الله، كما أنه وسيلة من وسائل التضامن والتكافل الاجتماعي مثل: إعطاء الصدقات والكفّارات والوصايا والوقف والنذور، ولقد ورد في هذا المقام العديد من الآيات، منها قول الله تبارك وتعالى: " ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 177].

 

ويشمل مفهوم المال كل ما له قيمة، وقد اهتمت الشريعة الإسلامية بالمال فنظمت طرق تحصيله ووجهت سبل إنفاقه.

 

وقد تحدث الرسول صلى الله عليه وسلم عن المال وجعله نوعين: منه ما هو طيب ومنه ما هو خبيث. قال عليه السلام: "نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلْمَرْءِ الصَّالِحِ". رواه الإمام أحمد..

 

ولقد إهتم به الإسلام من حيث المحافظة عليه وتنميته لتحقيق المنافع التي خُلق من أجلها، ولقد حرّم الله عز وجل اكتناز المال وحبسه عن التداول، فقال: ﴿ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [التوبة: 34] وحث الإسلام على استثمار المال من طريق شرعي كالتجارة، والزراعة، والصناعة والحرف، والصيد والوظائف، وحرم بعض الطرق الغير الشرعية كالغش، الرشوة، الربا، الاحتكار، السرقة، الظلم، تجارة المخدرات، القمار، تجارة الخمور... وأوصانا الرسول صلى الله عليه وسلم باستثمار المال حتى لا تأكله الصدقة، فقال فى حديثه الشريف: " من ولى يتيماً له مال فليتجر له فيه، ولا يتركه حتى تأكله الصدقة " (رواه الترمذي).

 

وأمر باستثمار المال في الطرق المشروعة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "رحم الله امرءاً اكتسب طيباً، وأنفق قصداً، وقدم فضلاً ليوم فقره وحاجته" (أورده الهندي عن ابن النجار، باب كنز العمال).

 

ولقد اعتبر الله عز وجل كسب المال من الحلال من أعظم الفرائض التي يتقرب بها العبد إلي الله عز وجل فعن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: (طلب الحلال واجب على كل مسلم) [رواه الديلمي].

 

وروى البيهقي عن ابن مسعود رضي الله عنه: (طلب كسب الحلال فريضة بعد الفريضة )[ رواه البيهقي].

 

وقال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [البقرة: 168].

 

وقال ﴿ فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [ ﴾الأنفال: 69].

 

وقال تعالى: ﴿ فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ [النحل: 114].

 

ولقد نهى الإسلام عن الكسب الحرام لأنه شؤم وبلاء على صاحبه، فبسببه يقسو القلب، وينطفئ نور الإيمان، ويحل غضب الجبار، ويمنع إجابة الدعاء، بله إن وبال الكسب الحرام يكون على الأمة كلها فبسببه تفشو مساوئ الأخلاق من سرقة وغصب ورشوة وربا وغش واحتكار وتطفيف للكيل والميزان وأكل مال اليتيم وأكل أموال الناس بالباطل، وشيوع الفواحش ما ظهر منها وما بطن.

 

ولقد أخبرنا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم بأنه سوف يأتي على الناس زمان يتهاونون فيه في قضية الكسب فلا يدققون ولا يحققون في مكاسبهم. فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء ما أخذ منه، أمن الحلال أم من الحرام؟). أخرجه البخاري.

 

ولكن سلف الأمة كانوا حريصين على تحري الحلال في كل شيء. فعن عائشة رضي الله عنها، قالت: (كان لأبي بكر الصديق رضي الله عنه، غلامٌ يخرج له الخراج، وكان أبو بكر يأكل من خراجه، فجاء يومًا بشيء، فأكل منه أبو بكر، فقال له الغلام: تدري ما هذا؟ فقال أبو بكر: وما هو؟ قال: كنت تكهنتُ لإنسانٍ في الجاهلية، وما أُحسِن الكهانة إلا أني خدعته، فلقيني فأعطاني بذلك هذا الذي أكلت منه، فأدخل أبو بكر يده فقاء كلَّ شيءٍ في بطنه).

 

والبحث عن الحلال سبب من أسباب إجابة الدعاء فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أيها الناس، إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم) وقال: (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم) ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء، يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك ") صحيح مسلم.

 

وهذه بعض النماذج التي بدأت من الصفر..

النموذج الأول: طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه فتقدر ثروته بـ «مليوني درهم، ومائتي ألف درهم، ومن الذهب مائتي ألف دينار» وكان دخله اليومي ألف درهم وزيادة. وكان من سخائه أنه سأله رجل أن يعطيه بما بينه وبينه من الرحم، فأعطاه أرضاً قيمتها ثلاثمائة ألف درهم، وقيل أكثر من ذلك..! وكان لا يدع أحداً من بني قرابته القريبة والبعيدة إلا كفاه حاجته وقضى دينه. وقيل في تقدير ثروته أكثر من ذلك، ففي طبقات ابن سعد بسند فيه الواقدي: «قتل طلحة وفي يد خازنه ألفا ألف درهم، ومائتا ألف درهم. وقومت أصوله وعقاره بثلاثين ألف درهم» أي: ثلاثمائة مليون درهم..!

 

قال الذهبي تعليقا على ذلك: «أعجب ما مر بي قول ابن الجوزي في كلام له على حديث، قال: وقد خلَّف طلحة ثلاثمائة حمل من الذهب!».

 

وأما النموذج الثاني: الزبير بن العوام رضي الله عنه فقد بلغت ثروته من قيمة العقار الذي ورَّثه «خمسين مليونا، ومائتي ألف»، حيث جاء في صحيح البخاري أن الزبير رضي الله عنه «قتل ولم يدع دينارا ولا درهما إلا أرضين، منها الغابة (وكان الزبير اشتراها بسبعين ومائة ألف، فباعها ابنه عبد الله بعد وفاته بألف ألف وستمائة ألف، أي باعها بمليون وستمائة ألف)، وإحدى عشرة داراً في المدينة، ودارين في البصرة، وداراً في الكوفة، وداراً في مصر..، وكان للزبير أربع نسوة، ورفع الثلث - أوصى به لأولاد ابنه عبد الله - فأصاب كل امرأة ألف ألف ومائتا ألف، فجميع ما له خمسون ألف ألف، ومائتا ألف» ومن حرصه - رضي الله عنه - على إعادة الديون إلى أصحابها أنه وقف يوم الجمل، فدعا ابنه عبد الله، وقال: يا بني..، إن من أكبر همي لديني، أفترى يبقي ديننا من مالنا شيئا؟ فقال: يا بني بع مالنا، فاقض ديني..، فإن فضل من مالنا فضل بعد قضاء الدين، فثلثه لولدك..، وكان دينه الذي عليه أن الرجل كان يأتيه بالمال فيستودعه إياه، فيقول الزبير: لا، ولكنه سلف، فإني أخشى عليه الضيعة» فبارك الله في عقاره الذي ورثه بسلامة نيته، وصدق أمانته، وتم بيعه بملايين الدراهم.

 

فليعلم الإنسان أنه مسئول عن المال من أين وفيم؟ قال تعالى: ﴿ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ﴾ [التكاثر: 8].

 

وقال صلى الله عليه وسلم: ((لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أن اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه)) رواه البزار والطبراني بإسناد صحيح واللفظ له، وروى الترمذي قريبًا منه بإسناد حسن صحيح.

 

3- استثمار العمر:

إنَّ الوقت هو عُمر الإنسان، ورأس مالِه في هذه الحياة؛ ذلك أنَّ كلَّ يوم يمضي على الإنسان يأخذ من عُمره ويُقَرِّبه إلى أَجَلِه، فكان حري بالعاقل أن يستغلَّ ويمضي هذا الوقت الذي مَنَحَهُ الله إياه فيما يرضي ربه، وأن يحقِّق لنفسِه السعادة في الدُّنيا والآخرة، وفي هذا قال الحسن البصري " يا ابن آدم إنما أنت أيام مجموعة كلما ذهب يوم ذهب بعضك ويوشك إذا ذهب البعض أن يذهب الكل، وأنت تعلم فاعمل، فاليوم عمل بلا حساب وغدا حساب بلا عمل.

 

ولقد نظرَ النبي صلى الله عليه وسلم إلى الشمسِ عند غروبِها فقال: "لم يبقَ من دُنياكم فيما مضى منها إلا كما بقِيَ من يومكم هذا فيما مضَى منه". رواه أحمد.

 

والوقتُ ثمينٌ بلحَظاته، ويزيدُ نفاسةً إذا لم يبقَ منه سوى اليسير، واللهُ أقسمَ به فقال: ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾ [العصر: 1، 2]، ومن الناسِ من كتبَ الله له فُسحةً في العُمر، ومنهم من يخطَفُه الأجلُ سريعًا، وخيرُ الناس من عاشَ في لحَظاتها ليرتقِيَ بها إلى آخرته.

 

إن الوقت من أغلى النعم على الإنسان، لأنه وعاء كل عمل وانتاج، فيحرم على المسلم تضييع وقته وهدره في أمور تضره ولا تنفعه، فمن جهل قيمة وقته ندم بعد فوات الأوان.

 

يقول ابن الجوزي وهو يتحدث في مدينة بغداد: رأيت عموم الخلائق يدفعون الزمان دفعاً عجيباً، إن طال الليل فبحديثٍ لا ينفع، أو بقراءة كتابٍ في غزاةٍ أو سمر؛ بطولات.. معارك.. كلام..

 

ويقول ابن الجوزي رحمه الله تعالى " فوا عجبا من مضيع لحظة يقع فيها فلتسبيحة تغرس له في الجنة نخلة أكلها دائم وظلها في السماء ".

 

لذلك جاء النص عليهما في الحديث الشريف: (نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس؛ الصحة والفراغ) ولذلك قال العلماء: أهم نعم الله عز وجل على العبد ثلاث: الإيمان والصحة والفراغ.

 

فأن يجد إيماناً وصحةً وفراغاً فهو رأس المال كله، ومعنى مغبون فيهما كثير من الناس، الغبن: أن تشتري سلعة بأكثر من قيمتها الحقيقية، أو تبيع سلعة بأقل من قدرها، هذا غبن أيضاً، وأكثر الناس مفرطون في الصحة والفراغ، ولذلك فهم مغبونون أشد الغبن، وهناك قلة من الناس لم يغبنوا، كما نص عليه الحديث قال: (نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس) يعني: هناك قليل تلافوا ذلك الغبن، وهؤلاء القليل هم الفائزون.

 

أثمن شيء تملكه هو الوقت، إنه رأس مالك، حياة كل منا مجموعة أيام، كيف يستهلكها، إما أن يستهلكها، وإما أن يستثمرها، إن استهلكها في طلب الدنيا، وجاء الموت، ندم على ما فعل، وإن استثمرها في عمل صالح وجاء ملك الموت، شعر بالنجاح، شعر بالتفوق، شعر بالفوز، شعر بالتوفيق، شعر بأنه إنسان عرف ربه وعرف مهمته وعرف نفسه.

 

إن الذي يمسك بالأموال بيده ويلقيها في الطريق هذا ما اسمه بالشرع؟ اسمه سفيه، يعني أحمق، وهذا السفيه يحجر عليه شرعاً، الذي ينفق ماله جزافاً من غير تبصر، من غير حكمة يسمى في الشرع سفيهاً، والسفيه يحجر عليه.

 

نعلم جيدا أن بذل المال أهون من بذل النفس، أهون بكثير، إذاً الحياة أغلى من المال، إذاً الذي يبدد ماله من غير حكمة يعد عند المجتمع سفيهاً، ويجب أن يحجر عليه، فكيف بالذي يبدد وقته، وهو أغلى من المال، إن الذي يبدد وقته من دون طائل لهو أحق من أن يحجر عليه من هذا الذي يبدد ماله، الوقت ثمين، لا تنسَ هذه الكلمة، أنت وقت أنت بضعة أيام، بضعة سنين وأعوام، أنت بضعة دقائق وثوان، دقات قلب المرء قائلة له، القلب يدق، إذاً أنت حي، فإذا توقف القلب انتهت الحياة، وهذا القلب له أجل.

دقات قلب المرء قائلة له
إن الحياة دقائق وثوان
فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها
فالذكر للإنسان عمر ثانٍ

 

أيها الأخوة الأكارم: فرق دقيق بين الوقت والمال، المال إذا ضاع يعوض، ولكن الوقت إذا ضاع لا يعوض، عقارب الزمن لا ترجع إلى الوراء.

 

ما مضى فات والمؤمل غيب ولك الساعة التي أنت فيها.

 

استثمار الوقت مهم جداً لدرجة أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (ليس يتحسر أهل الجنة على شيء إلا على ساعةٍ مرت بهم لم يذكروا الله عز وجل فيها).

 

يتحسرون على ساعة، والساعة لحظة، أي: مدة من الزمن، يقال: للفترة القصيرة من الزمن في لغة العرب ساعة، لا يتحسر أهل الجنة على شيء، إلا على ساعةٍ مرت بهم لم يذكروا الله عز وجل فيها، ويبلغ مقدار أهمية استغلال الوقت في الإسلام مبلغاً عجيباً لدرجة أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليفعل). البخاري في الأدب المفرد.

 

يعني: استغل كل شيء، لو قامت القيامة وتستطيع أن تغرس فسيلة في يدك، فاغرسها ثم مت، وهذا الوقت -أيها الإخوة- من نعم الله عز وجل، وله ميزات عجيبة، فهو سريع التقضي أبي التأتي، يذهب بسرعة ولا يمكن أن يرجع، وهو كالسيف إن لم تقطعه قطعك، بعض الناس يقول: هذا عنده غيرة، وهذا ليس عنده غيرة، هناك غيرة مهمة جداً، وهي الغيرة على الوقت، الواحد قد يغار على عرضه، ويغار على أهله، لكن هناك غيرة مهمة، وهي الغيرة على الوقت الذي يذهب ويهدر، فإذا صارت هناك غيرة على هذه الأوقات المهدرة حصل كمالٌ عظيم للمسلم، قال صاحب صيد الخاطر: ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه وقدر وقته، فلا يضيع منه لحظةً في غيره قربة، ويقدم الأفضل فالأفضل من القول والعمل، ولتكن نيته في الخير قائمة، فإذا علم الإنسان وإن بالغ في الجد بأن الموت يقطعه عن العمل، عمل في حياته ما يدوم له أجره بعد موته، فإن كان له شيءٌ من الدنيا -يعني عنده أموال مثلاً- وقف وقفاً وغرس غرساً يأكل منه الطير والحيوان فيكون له أجر- الناس الذين عندهم مزارع وبساتين، وعندهم حدائق في بيوتهم، لو نووا بهذا الغرس أنه لله، فإذا أكل منه طير أو حيوان فإنهم يؤجرون على نيتهم هذه؛ وقف وقفاً أو غرس غرساً وأجرى نهراً، ويسعى في تحصيل ذرية تذكر الله بعده، فيكون الأجر له.

 

وَأَتْعَسُ يَوْمٍ يَمُرُّ عَلَى الْإِنْسَانِ هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي تَغْرُبُ شَمْسُهُ وَلَمْ يُنْجِزْ فِيهِ شَيْئًا لَا مِنْ عَمَلِ الدُّنْيَا وَلَا مِنْ عَمَلِ الْآخِرَةِ، وَإِذَا تَتَابَعَ ذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ أَحَاطَتْ بِهِ التَّعَاسَةُ مِنْ كُلِّ جَوَانِبِهَا، وَأُصِيبَ بِأَمْرَاضِ الِاكْتِئَابِ وَالمَلَلِ وَالسَّأَمِ وَالْهَمِّ وَالْغَمِّ وَفِقْدَانِ الذَّاتِ، وَالْإِحْسَاسِ بِأَنَّهُ هَامِشٌ فِي الْحَيَاةِ، وَأَنَّ حَيَاتَهُ لَا تَعْنِي لَهُ وَلَا لِلْآخَرِينَ شَيْئًا. وَهُوَ مَا يَحُسُّهُ أَكْثَرُ شَبَابِ الْيَوْمِ وَفَتَيَاتِهِمْ، فَرَغْمَ مَا يَرْفُلُونَ فِيهِ مِنَ النِّعَمِ وَالْخَيْرِ فَهُمْ كَثِيرُو التَّضَجُّرِ وَالتَّأَفُّفِ وَالمَلَلِ وَالشِّكَايَةِ، لَا يَدْرُونَ مَاذَا يُرِيدُونَ، وَلَا مَاذَا يَفْعَلُونَ، وَلَا لِمَاذَا يَعِيشُونَ؟ إِنَّ هَذَا الشُّعُورَ فَتَّاكٌ بِقُلُوبِهِمْ، قَتَّالٌ لِآدَمِيَّتِهِمْ.

 

يقول سيدنا على يقول: من أمضى يومه في غير حق قضاه، أو فرض أداه، أو مجد بناه، أو حمد حصله، أو علم اقتبسه، فقد عق يومه وظلم نفسه.

 

إِنَّ الْإِسْلَامَ عَلَّمَنَا أَنْ تَكُونَ حَيَاتُنَا جُمْلَةً مِنَ الْأَعْمَالِ، المُنْجَزَاتُ فِيهَا أَكْثَرُ مِنَ الْأَعْمَارِ.

 

لقد ورد في صحف سيدنا إبراهيم عليه السلام: "يتبغي للعاقل أن لا يغفل عن ساعات أربع: ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يتفكر في صنع الله تعالى، وساعة يخلو فيها لحاجته من المطعم والمشرب ".

 

لكل وقت عمله وتحري الأوقات الفاضلة أوقات النشاط والكسل "إذا هبت رياحك فاغتنمها فإن لكل خافقة سكونا "

 

العنصر الرابع: الخاتمة:

هيا إخوة الإسلام نبادر باستثمار العمر، والشباب، والصحة، والمال، قبل فوات الآوان. كما أوصانا نبينا صلي الله عليه وسلم (اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك) أخرجه الحاكم وصححه.

 

فعلينا بالمسارعة والمسابقة كما قال تعالى: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران، 133].

 

وقال تعالى: ﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الحديد: 21].

 

وقال تعالى: ﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾ [المطففين: 26].

 

وأمر النبي صلي الله عليه وسلم بالمبادة بالأعمال قبل حلول العوائق والفتن فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا: هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا، أَوْ غِنًى مُطْغِيًا، أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا، أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا، أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا، أَوْ الدَّجَّالَ؛ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوْ السَّاعَةَ؛ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ؟) [أخرجه الترمذي في سننه].

 

أخي المسلم لا تغتر بشبابك ولا تغتر بصحتك ولا تغتر بمالك هي الدنيا ولا تغرنك الدنيا بزينتها.

 

إذا رأيت نيوب الليث بارزة فلا تظنن أن الليث يبتسم.

 

هذه الدنيا تقول بملء فيها حذار حذارِ من بطشي وفتكي فلا يغركم مني ابتسام فقولي مضحك والفعل مبكي.

 

ولقد بين الله عز وجل في كتابه الكريم موقفين يندم فيهما الإنسان على ما فات، حيث لا ينفع ندم وهما:

1- ساعة الاحتضار، حيث يستدبر الإنسان الدنيا ويستقبل الآخرة، فيتمنى لو منح مهلة أخرى من الزمن كي يعمل صالحاً، قال تعالى يصف قول المقصر الذي أضاع وقته في الأعمال الفاسدة: ﴿ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [المنافقون: 10].

 

2- يوم القيامة، حيث تجزى كل نفس بما عملت، ويدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، فيتمنى أهل النار لو يعودون مرة أخرى إلى الحياة الدنيا، ليعملوا صالحاً، قال الله عز وجل واصفاً أمنيتهم: " ﴿ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ ﴾ [فاطر: 37].

 

اللهم لا تدعنا في غمرة، ولا تأخذنا على غرة، ولا تجعلنا من الغافلين.

 

اللهم وفقنا للعمل الصالح ثم اقبضنا عليه إنه ولي ذلك ومولاه.

 

انتهت بفضل الله ورحمته





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الاستثمار في الموهبة
  • الاستثمار الأمثل
  • الاستثمار في زمن العولمة...!!
  • أفضل أنواع الاستثمار
  • حياة المسلم كلها لله
  • آداب الجوالات في حياة المسلم (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • الاستثمار الآمن في المؤسسات الخيرية (2)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مقاييس حرارة الاقتصاد(مقالة - موقع د. زيد بن محمد الرماني)
  • سريلانكا: وزير الاستثمار ينتقد الممارسات العنصرية البوذية ضد المسلمين(مقالة - المسلمون في العالم)
  • أوقات المسلم في رمضان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حكم شهادات الاستثمار ذات الجوائز(مقالة - موقع د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري)
  • العولمة والتأهيل(مقالة - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • الاستثمار الحقيقي ((أو ولد صالح يدعو له))(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • صناديق الاستثمار الإسلامي: دراسة فقهية تطبيقية (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • صكوك الاستثمار (عرض تقديمي)(كتاب - موقع د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر)
  • حسابات الاستثمار (عرض تقديمي)(كتاب - موقع د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب