• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب / في النصيحة والأمانة
علامة باركود

التوبة ( حكمها وفضلها وشروطها )

التوبة ( حكمها وفضلها وشروطها )
الشيخ سعيد بن علي بن وهف القحطاني

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 24/9/2013 ميلادي - 19/11/1434 هجري

الزيارات: 75330

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

التوبة

( حكمها وفضلها وشروطها )


الخطبة الأولى

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله، وأصحابه ومن سار على دربه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.

 

أما بعد:

فاتقوا الله يا عباد الله، فقد أمركم بذلك فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [1].


واعلموا: أن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

عباد الله:

إن التوبة قد أوجبها الله تعالى على جميع المؤمنين من كل ذنب فقال سبحانه: ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾[2].

 

فلا سبيل إلى الفلاح إلا بالتوبة والرجوع مما يكرهه الله: ظاهراً وباطناً إلى ما يحبه: ظاهراً وباطناً، ودلت هذه الآية على أن كل مؤمن محتاج إلى توبة؛ لأن الله خاطب المؤمنين جميعاً. وقال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [3]. والمراد بها: التوبة العامة الشاملة للذنوب كلها التي عقدها العبد لله لا يريد بتوبته إلا وجه الله والتقرب منه، ويستمر على توبته في جميع أحواله. ورحمة الله واسعة على عباده المسرفين بالذنوب والمتجاوزين لحدوده، فقد رغَّبهم في التوبة فقال تعالى: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ * أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾‹[4].

 

وقد عاتب الله المؤمنين على عدم المسارعة في الخشوع له والإنابة، ورغَّبهم وحثَّهم على خشوع القلوب لله تعالى وحذرهم من صفات أهل الكتاب وأهل القسوة والغفلة، فقال تعالى: ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [5]. وقد أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالتوبة، فقال: "يا أيها الناس توبوا إلى الله فإني أتوبُ في اليوم إليه مائة مرة". وفي رواية: "إنه ليُغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة"[6]. والمراد ما يتغشَّى القلب من الغفلات والفترات عن الذكر الذي كان شأنه الدوام عليه، فإذا فتر عنه أو غفل عدّ ذلك ذنباً واستغفر منه[7]. ولفظ الإمام أحمد: "يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه؛ فإني أتوب إلى الله وأستغفره في كل يوم مائة مرة"[8].

 

وقال عليه الصلاة والسلام: "والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة"[9]. وظاهره أنه يطلب المغفرة ويعزم على التوبة[10].

 

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "إنا كنا لنعدُّ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المجلس الواحد مائة مرة "رب اغفر لي وتب عليَّ إنك أنت التواب الرحيم". وفي رواية: "رب اغفر لي وتب عليَّ إنك أنت التواب الغفور"[11].

 

ومن رحمة الله تعالى بعبده وإحسانه وجوده وكرمه أنه يفرح بتوبة عبده حين يتوب إليه فرحاً يليق بجلاله وعظمته؛ فعن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لله أشدُّ فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرضٍ فلاةٍ فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابُه فأيس منها، فأتى شجرةً فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأمن شدة الفرح"[12].

 

ومن كرمه على عباده: أنه يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها[13].

 

ومن رحمته سبحانه بعباده أنه: "لما خلق الخلق كتب في كتابٍ فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي تغلِبُ غضبي"[14]. وخلق الله تعالى مائة رحمة فأمسك عنده تسعة وتسعين ليوم القيامة، وأنزل في الأرض رحمة واحدةً فبها تتراحم الخلائق حتى ترفع الدابةُ حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه"[15]. وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: قُدِمَ علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسبيْ فإذا امرأة من السبي تبتغي [أي تطلب وتسعى] إذا وجدت صبياً في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار؟" قلنا: لا والله وهي تقدر على أن لا تطرحه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لله أرحمُ بعباده من هذه بولدها"[16]. ولكن لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع في جنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قَنِط من جنته أحد[17].

 

والله تعالى يغفر الذنوب وإن عظمت بالتوبة الصادقة التي اشتملت على الندم على ما فعل المذنب، والعزيمة على أن لا يعود إليها، والإقلاع عنها، ورد الحقوق إلى أهلها، قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴾ [18].

 

عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن ناساً من أهل الشرك قتلوا وأكثروا، وزنوا وأكثروا، فأتوا محمداً - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن، لو تخبرنا أن لما عملنا كفَّارة، فنزل: ﴿ وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ ﴾ ونزل: ﴿ ‏‏قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ﴾ [19].

 

وقال سبحانه: ﴿ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ﴾[20].

 

وقال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [21].

 

وقال: ﴿ أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾[22].

 

وقال سبحانه: ﴿ وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُوراً رَّحِيماً ﴾[23].

 

وقال جل وعلا: ﴿ أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [24].

 

وقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴾ [25].

 

وقد جاءت امرأة حبلى من الزنى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله أصبت حدّاً فأقمه عليَّ، فدعا النبي - صلى الله عليه وسلم - وليها فقال: أحسن إليها فإذا وضعت فأتني بها، ففعل ثم أمر بها فرُجِمت ثم صلَّى عليها فقال عمر رضي الله عنه: تصلي عليها يا نبي الله وقد زنت؟ قال: "لقد تابت توبةً لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدْتَ توبةً أفضل من أن جادت بنفسها لله تعالى"[26].

 

وقَتَل رجل مائة نفسٍ ثم تاب فتاب الله تعالى عليه[27].

 

ولكن عند الغرغرة أو عند طلوع الشمس من مغربها لا تقبل التوبة؛ لقول الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾ ­[28]. وثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن الله عز وجل يقبل توبة العبد ما لم يغرغر"[29]. وقال تعالى: ﴿ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ ﴾ [30]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه"[31]. ذُكر أن رجلاً أطاع الله عشرين سنة ثم عصى الله عشرين سنة، وفي وقت من الأوقات نظر في المرآة فرأى الشيب قد اشتعل في رأسه فحزن على تفريطه، فسمع منادياً ينادي: يا هذا أطعتنا فقربناك، وعصيتنا فأمهلناك، وإن رجعت إلينا قبلناك[32].

 

ولا شك أن المكفِّرات للذنوب كثيرة هي: التوبة الصادقة والاستغفار، والمصائب، والحسنات، وعذاب القبر، نعوذ بالله من عذاب القبر، واستغفار المؤمنين للإنسان المسلم في حياته وبعد مماته، وما يُهدى إليه بعد الموت، وأهوال يوم القيامة، وتهذيب المؤمنين على القنطرة بعد مجاوزة الصراط، وشفاعة الشافعين، وعفو أرحم الراحمين من غير شفاعة.

 

عباد الله:

توبوا إلى الله واستغفروه قبل أن يهجِمَ عليكم هاذم اللذات، وقبل أن يقول المجرم: ﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ ﴾[33]، قبل أن لا ينفع الندم، قبل أن تقول نفس: يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله، وإن كنت لمن الخاسرين. أو تقول: لو أن الله هداني لكنت من المتقين، أو تقول حين ترى العذاب: لو أن لي كرة فأكون من المحسنين.

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه هو الغفور التواب الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، الإله الحق المبين، والعاقبة للمتقين التائبين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله التواب الغفور الرحيم، ﴿ غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴾[34]. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخليله وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله، وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

فيا عباد الله اتقوا الله وتوبوا إليه، فقد قال تعالى: ﴿ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ ﴾ [35]. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "قال الله تعالى: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عَنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أُبالي، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بِقُراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشركُ بي شيئاً لأتيتك بقُرابها مغفرة"[36].

 

والتوبة تهدم ما كان قبلها من الذنوب إذا كملت شروطها: من الندم، والإقلاع عن الذنب، والعزيمة على عدم العودة، ورد المظالم لأهلها، وكانت التوبة قبل طلوع الشمس من مغربها، وقبل الغرغرة، وفي الحديث: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له"[37].

 

هذا وصلوا على خير خلق الله نبينا محمد بن عبدالله - صلى الله عليه وسلم -، ورضي عن أصحابه: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي وعن سائر أصحاب نبينا أجمعين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وانصر عبادك الموحدين، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، واغفر لأمواتنا وأموات المؤمنين برحمتك يا أرحم الراحمين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

 

عباد الله:

اذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.



[1] سورة آل عمران، الآية: 102.

[2] سورة النور، الآية: 31.

[3] سورة التحريم، الآية: 8.

[4] سورة الزمر، الآيات: 53 - 59.

[5] سورة الحديد، الآية: 16.

[6] مسلم برقم (2702).

[7] شرح النووي على مسلم (17/22)، فتح الباري (11/101).

[8] أحمد (4/260) وصححه الألباني في الصحيحة (3/435).

[9] البخاري برقم (6307).

[10] فتح الباري لابن حجر (11/101).

[11] أبو داود برقم (1516) والترمذي برقم (2434) وصححه الألباني في الصحية (556).

[12] البخاري برقم (6309)، ومسلم برقم (2747).

[13] مسلم برقم (2759).

[14] مسلم برقم (2751).

[15] مسلم برقم (2752).

[16] البخاري (5999)، ومسلم برقم (2754).

[17] مسلم برقم (2755).

[18] سورة الفرقان: الآيات: 68 - 70.

[19] البخاري برقم (4810) وغيره.

[20] سورة طه، الآية: 82.

[21] سورة الشورى، الآية: 25.

[22] سورة التوبة، الآية: 104.

[23] سورة النساء، الآية: 110.

[24] سورة المائدة، الآية: 74.

[25] سورة آل عمران، الآيتان: 135، 136.

[26] مسلم برقم (1696)

[27] مسلم برقم (2766).

[28] سورة النساء، الآيتان: 17، 18.

[29] الترمذي برقم (3531)، وابن ماجه برقم (4253) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (3/454).

[30] سورة الأنعام، الآية: 158.

[31] مسلم برقم (2703).

[32] سمعته من عبدالله بن حميد رحمه الله وعزاه إلى فتح الباري لابن حجر.

[33] سورة المؤمنون، الآيتان: 99، 100.

[34] سورة غافر، الآية: 3.

[35] سورة الحجر، الآيتان: 49، 50.

[36] الترمذي برقم (3540)، وصححه الألباني في صحيح الترمذي (3/455).

[37] ابن ماجه، برقم (2450)، وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (2/418).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • وجوب التوبة إلى الله
  • التوبة والاستغفار في القرآن الكريم
  • التوبة النصوح
  • مدارج التوبة النصوح
  • بادر بالتوبة
  • روضة التوبة
  • في المبادرة في التوبة من الذنوب
  • خطبة المسجد النبوي 14/5/1433 هـ - التوبة قبل فوات الأوان
  • توبة ( قصة )
  • وسائل الثبات على التوبة
  • التوبة المقبولة (1)
  • أهمية التوبة (خطبة)
  • التوبة النصوح
  • التوبة والفرار إلى الله
  • ثمن التوبة

مختارات من الشبكة

  • التوبة.. التوبة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التوبة إلى الله تعالى (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التوبة الصادقة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • القذف: تعريفه، حكمه، عقوبته في الدنيا والآخرة، صوره، كيفية التوبة منه (خطبة)(مقالة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري)
  • الترغيب في التوبة (توبوا إلى الله توبة نصوحا)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • الحكم التكليفي والحكم الوضعي والفرق بينهما(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وتوبوا إلى الله جميعا (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الأمور المعينة على التوبة (خطبة)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • أبحر في سفينة التوبة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فضل صلاة التوبة(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب