موعد الدعوى وإبلاغ الخصم به (2)

فقه التقاضي

الحلقة الثانية والثلاثون

موعد الدعوى وإبلاغ الخصم به (2)

بسم الله، والحمدُ لله، والصلاةُ والسلام على رسول الله، نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه ومَن اهتدى بهداه.

أمَّا بعد:

فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحياكم الله - مُستمعي الأفاضل - في برنامجكم: "فقه التقاضي"، وقد سبق الحديثُ في حلقة مضتْ عن كيفية إبلاغ الخصم بالحضور لدى المحكمة في القضاء الإسلامي، ومما أوردته: أن الأصْل أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الإِْجَابَةُ إذا دُعي للقضاء؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 51]، فقد دلَّت الآية الكريمة على أنه يجب على كل مؤمِنٍ أن يستجِيب لِمنْ يدعوه إِلى التحاكُمِ إلى شرع اللهِ تعالى، وأنَّ مَن أعرض عن ذلك كان ظالِمًا فاجِرًا، ولما في ذلك أيضًا من إبراء الذمة وإنصاف أخيه، ولقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾ [النساء: 59]، ويدخل في أولي الأمر: الولاةُ على الناس، من الأمراء والحكام ونحوهم؛ لأنه لا يستقيم للناس أمر دينهم ودنياهم إلا بطاعتهم والانقياد لهم.

وأمَّا عن الإجراءات النظاميَّة في إبلاغ الخصم وإحضاره مما ورد في الأنظمة القضائية السعودية، فيمكن إيجازه في النقاط الآتية:

1) أوضحت المادة الثانية عشرة من نظام المرافَعات الشرعية أنه يتم تبليغ الخصوم بطلبات الحضور للمحكمة بوساطة المحضرين، بناء على أمر القاضي، أو طلب الخصم، أو إدارة المحكمة.

والمحضَرون: موظَّفون رسميون في المحكمة، تنحصر مُهمتهم في إيصال طلبات الحضور إلى المطلوب حضورهم وفق نماذج وآليات مُعتَمَدة.

وأجازتْ هذه المادَّةُ أن يكونَ التبليغُ بوساطة صاحب الدعوى، إذا طلب ذلك.

2) حددت المادَّة الثالثة عشرة من نظام المرافَعات الشرعيَّة وقت التبليغ بطلبات الحضور بأن يكونَ في أيام العمل الرسْمِيَّة نهارًا مِن شُروق الشمس إلى غروبها، فلا يجوز التبليغ في أيام العطل الرسْمِيَّة، أو في الليل إلا في حالات الضرورة، وبإذن كتابيٍّ من القاضي ناظر القضية.

3) وفي المادة الرابعة عشرة أوْجَب النظام أن يكونَ التبليغ من نسختَيْن متطابقتين؛ إحداهما: أصل، والأخرى: صورة، وإذا تعدد من وجه إليهم تعيَّن تعدُّد الصور بقدر عددهم.

ويجب أن يشتمل التبليغُ على: موضوع التبليغ، وتاريخه، والاسم الكامل للمدعي والمدعى عليه، ومهنته أو وظيفته، ومحل إقامته.

كما يشتمل على اسم المحضر والمحكمة التي يعمل لديها، واسم مَن سُلِّمتْ إليه صورة ورقة التبليغ، وصِفته، وتوقيعه على أصلها، أو إثبات امتناعه وسبَبه.

كما يجب أن ترفقَ مع صُورةِ ورَقَةِ التبليغ صورةٌ من صحيفة الدعوى.

4) وأوضحت المادة الخامسة عشرة: أن المحضَرَ يُسَلِّم صورة التبليغ إلى مَن وجهت إليه في محل إقامته أو عمله إن وُجد، وإلا فيسلِّمها إلى مَن يوجد في محل إقامته من الساكنين معه مِن أهله، وأقاربه، وأصهاره، أو من يوجد ممن يعمل في خدمته، فإذا لم يوجدْ منهم أحدٌ، أو امْتَنَع مَن وجد عن التسلم، فيسلم الصورة حسب الأحوال إلى عُمدة الحي، أو قِسْم الشرطة، أو رئيس المركز، أو شيخ القبيلة، الذين يقَع محل إقامة الموجه إليه التبليغ في نطاق اختصاصهم حسب الترتيب السابق، وعلى هؤلاءِ إفادةُ المحكمة - خلال ثلاثة أيام - بما اتخذ من إجراءٍ حيال صورة التبليغ المسلم لها من المحضر.

وأوجبت المادة السادسة عشرة: على مراكز الشرطة وعمد الأحياء وشيوخ القبائل ومعرفيها أن يُساعدوا محضر المحكمة على أداء مُهمته في حُدُود الاختصاص.

وأما من ليس له محل إقامة معروفٌ في المملكة، فإن تبليغه يكون مِنْ قِبَل إمارة المنطقة، أو المحافظة، أو المركز الذي تكون فيه المحكمة باستعمال الطرق الإدارية المتَّبَعة لإعلامه بالطريقة المناسبة، وفق ما ورد في المادة المادة الثامنة عشرة.

وللقاضي - عند الاقتضاء - أن يعلنَ عن طلب الموجه إليه التبليغَ في إحدى الصُّحف المحلية التي يراها محقِّقة للمقصود.

5) وبيَّنت المادة العشرون: أنه إذا كان محل إقامة المدَّعى عليه في بلد أجنبي، فترسل صورة التبليغ إلى وزارة الخارجية، عن طريق إمارة المنطقة؛ لتوصيلها بالطرق الدبلوماسيَّة، ويُكتَفى بالرد الذي يفيد بوُصُول الصورة إلى الموجه إليه التبليغ.

6) وإذا كان محلُّ التبليغ داخل المملكة خارج نطاق اختصاص المحكمة، فتُرسل الأوراق المراد تبليغها مِن رئيس هذه المحكمة إلى رئيس المحكمة التي يقَع التبليغُ في نطاق اختصاصها، بناءً على المادة الحادية والعشرين من النظام.

ونلحظ مما سبق مراعاة النظام لأحوال المدعَى عليه المطلوبِ حضوره إلى المحكمة، وتخصيص موظفين لهذا الغرض؛ كي يتمكَّنوا من التفرُّغ لهذا العمل الهام المرتَبط بالخصوم، ويجري عادة تأهيلهم لهذا العمل بما يجْعلُهم متمكِّنين من عملهم، مدركين للأنظِمة والتعليمات التي ضبطتْ هذه الأمور.

ولا شك أن العناية بإبلاغ المدعى عليهم بمواعيد جلسات الخصومة مهم جدًّا؛ لأنَّ تخلُّف المدعى عليهم عن المواعيد المحددة من قبَل المحكمة تَتَرَتَّب عليه مفاسِد كثيرة، منها:

1) وقوع المدعَى عليه في الإثم، لامتناعِه عنْ تلبية الواجب الشرعي عليه؛ لأنَّ طلَبه مِن قِبَل القاضي يُحَتِّم عليه الحضور؛ طاعةً لله تعالى، وطاعة لرسوله - صلى الله عليه وسلم - ولأولي الأمر المخولين بمهماتهم في الفصل بين الناس في خصوماتهم، واللهُ تعالى يقول: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾ [النساء: 59]، كما أنه في حال كون المدعى عليه ظالمًا للمدَّعي مؤخرًا لحقِّه الواجب له، فإنَّ إثْمَ المدَّعِي يزداد بتأخيره الوفاء بما وجَب عليه.

2) وامتناع المدعَى عليه عن الحضور دون عُذْرٍ شرعيٍّ يُبيح عقوبته؛ لأنَّ ذلك من المطْلِ بالحقوق، وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ((أنَّ مطل الغني ظلم))؛ كما في الصحيحين.

وأخرج أبو داود، والنسائي أن رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لَيُّ الواجِدِ يُحِلُّ عِرضه وعقوبته))، قال ابن المبارك: يُحِل عِرضه: يغلظ له، وعقوبته: يحبس له، واللي: المطل، والواجد: القادر المليئ.

وقوله: "يحل عرضه"؛ أي: يجوز لصاحب الدين أن يعيبه ويصفه بسوء القضاء، والمراد بالعِرْض: نفس الإنسان، وعقوبته: حبسه.

3) امتناع المدعى عليه عن الحضور دون عذر شرعي إشغال للمحاكم، وتعطيل للمدَّعي، وفي ذلك ظلم خاصٌّ وعام.

فما أحوج المسلم إلى امتثال ما يؤمَر به، ما دام أمرًا شرعيًّا مُعتَبَرًا، وفي ذلك تحقيق المصالح للخاصَّة والعامَّة، وضبط أمور الناس.

نسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يرينا الحق حقًّا، ويرزقنا اتباعه، والباطل باطلاً وأنْ يوفِّقَنا لاجتنابِه.

والله تعالى أعلم

المراجع:

• نظام المرافعات ولائحته.