• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب / في النصيحة والأمانة
علامة باركود

المصائب وعواقبها ( خطبة من الأقصى )

د. محمد سليم محمد علي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 4/3/2014 ميلادي - 2/5/1435 هجري

الزيارات: 18808

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

خطبة الجمعة من المسجد الاقصى المبارك

المصائب وعواقبها


الحمد لله نحمده على كل حال، على العافية والبلاء وعلى السراء والضراء، سبحانه يستدرج الظالمين بالإملاء، ويصطفي المؤمنين بالابتلاء، فبشراكم يا مسلمون بشراكم، فما تتعرضون له من هجمة مسعورة من الصليبين وأعوانهم في إفريقيا وبلاد الشام، وأرض الكنانة وبلاد الرافدين، وغيرها من البلاد، إنما هو إرهاص بين يدي حكم إسلامي على منهاج النبوة.

 

كنا جبالاً في الجبال وربما
سرنا على موج البحار بحارَا
لم نخش طاغوتا يحاربنا ولو
نصب المنايا حولنا أسوارا
ندعو جهارًا لا إله سوى الذي
خلق الوجود وقدر الأقدارا
كنا نرى الأصنام من ذهب فنه
دمها ونهدم فوقها الكفارا

 

نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، سلَّم للمؤمنين، وحرب على الكافرين، هو وحده مفرج كرباتنا، وهو وحده مقيل عثراتنا، فاللهم أظهر أُمتنا، واجمع فرقتنا، ومكنا من رقاب من عادنا، سبحانك يا ربنا أنت أهل التقوى وأهل المغفرة، عز جارك، وجل ثناؤك، وأنت حسبنا ونعم الوكيل، ونشهد أن سيدنا محمدًا عبد الله ورسوله، خاتم النبيين، وإمام المرسلين، وسيد ولد آدم أجمعين، أوقف حياته للإسلام مجاهدًا وعابدًا، ففتح الله له البلاد، وهدى به العباد، قال وهو الصادق المصدوق: "تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكًا عاضًّا، فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكًا جبريًّا، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة".

 

ونحن نعيش الآن في مرحلة الملك القهري الجبري، وهو إلى زوال ببشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاللهم صل على محمد الذي إذا قال صدق، وصل اللهم على آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم القيامة.

 

أمَّا بعدُ:

ابتلى الله تعالى رسوله محمدًا وأصحابه معه بمصائب عديدة؛ منها: مصيبة الحصار عليهم لثلاث سنين في مكة المكرمة من أبناء جلدتهم، وممن يتكلمون بألسنتهم، قاطعوهم فيها مقاطعة تامة، حتى أكل المسلمون من شدة الجوع أوراق الشجر وجلود الإبل، وفي غزوة أحد ارتكب المشركون صورًا وحشية يندى لها جبين الإنسانية، فكانت مصيبة المسلمين حينئذ تشتمل على التمثيل بقتلاهم، فبقروا بطونهم، وجدعوا أنوفهم، وقطعوا آذانهم، ومذاكير بعضهم، وقتلوا أسد الله حمزة غدرًا، واستخرجوا كبده ومضغوه، حتى حزن النبي صلى الله عليه وسلم حزنًا شديدًا، وبكى حتى نشغ من البكاء، وفي المدينة المنورة اجتمع الأحزاب من مشركي العرب وأهل الكتاب؛ ليستأصلوا شأفة المسلمين؛ كيلا تقوم للإسلام قائمة، وطال حصارهم للمسلمين حول الخندق حتى جاع المسلون جوعًا شديدًا، وربطوا الحجارة على بطونهم من الجوع، وحتى خافوا خوفًا شديدًا، فلا يستطيع أحدهم أن يذهب لقضاء حاجته، وصوَّر الله حالهم هذه، فقال سبحانه: ﴿ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا ﴾ [الأحزاب: 10، 11].

 

أيها المؤمنون، أيها الصابرون: واليوم تشتد المصائب على المسلمين في شتى بقاع الدنيا، في إفريقيا حتى بلغ حقد الصليبين أن يحرقوا المسلمين أحياءً، ثم يقطعوا عظامهم ويمضغوها، وفي ميانمار شهداء المسلمين بالآلاف، وفي بيت المقدس استهتار بالمسلمين حتى صار المسجد الأقصى يحتاج فقط إلى قرار ممن لا يملك القرار في شأنه لنزع ملكية المسلمين له وسلطتهم فيه، وفي بلاد الشام وفي أرض الرافدين، وفي أرض الكنانة، وحيثما حلَّ المسلمون ووجدوا، فثَمَّ جوع وقتل وأسْرٍ، وتشريد ودمار، واعتداء على الدماء والأعراض، وتشويه لمن يعطي ولاءه لله وللرسول وللمؤمنين، فتَعِس مجلس الأمن، وتَعِست هيئة الأمم، وتَعِست لجان ومؤسسات حقوق الإنسان؛ لأنها ملة كفر واحدة، ترمي الإسلام والمسلمين عن قوس واحدة.

 

والله لو كان فينا مثل معتصم
لما تربع أنطانيوس عاليها
ولو رأى عمر الفاروق ذلتنا
لعبأ الجيش يرعاها ويحميها
ولو رآنا صلاح الدين في خور
لجرد السيف يفري من يعاديها

 

يا عباد الله، يا مؤمنون: من كان يظن أن المصائب التي تنزل بعامة المسلمين في شتى بقاع الأرض، هي بسبب ذنوب المسلمين ومعاصيهم، أو لأن الله تعالى غاضب على أمة الإسلام، فهو واهم شديد الوهم، فالله تعالى ابتلى الرسول صلى الله عليه وسلم والرسل قبله بأشد أنواع المصائب وهم صفوته من خلقه، وابتلى الصحابة الكرام وهو خير القرون، ويبتلي الصالحين وهم أحبابه وخاصته، وفي الحدث الشريف: " أشد الناس ابتلاءً الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل... ".

 

فالمصائب والتي لا تكون إلا ضراء ليس من شرطها أن تكون بسبب المعاصي والذنوب، ومما يدل على ذلك أن الله تعالى يبتلي الأطفال وهم لا معصية لهم ولا ذنب، فما يصيب أمة المسلمين اليوم هو كما حدث مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وكما حصل مع المرسلين وأتباعهم قبله، فهؤلاء طلائع البشرية بالخير والايمان والصلاح، سنته عز وجل فيهم أن يبتليهم بالمصائب؛ لينقي الصفَّ من المنافقين، وممن يعطي ولاءه لغير المسلمين، ولتكون هذه المصائب بعد ذلك مقدمة لعلو الإسلام في الأرض، وظهور المسلمين على أعدائهم، والتمكين لهم؛ ليحكموا الناس بالعدل بشرعة الله ربِّ البشر.

 

قال الله ربنا: ﴿ الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾ [العنكبوت: 1 - 3]، وقال عز وجل أيضًا: ﴿ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ  * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ ﴾ [آل عمران: 140- 141].

 

عباد الله، والله إني أحبكم في الله، انظروا إلى حصار المسلمين في مكة، كان عاقبته الهجرة إلى المدينة المنورة، وتكوين نواة دولة الإسلام فيها، وانظروا إلى غزوة الأحزاب كان عاقبتها فتح مكة وانتشار الإسلام، وانظروا إلى مصيبة المسلمين في غزوة أحد، كان عاقبتها نهوض المسلمين من كَبوتهم، ولحاقهم المشركين إلى حمراء الأسد، حيث فر المشركون، وهزموا شر هزيمة، وعما قريب وفي سنوات معدودات، ومن يعش منكم فسيرى عُلوَّ الإسلام في الأرض، وبسط نفوذه على الأديان كلها؛ ليخلص البشرية من الظلم والقهر، والاستعباد للعلمانية والاشتراكية، والقوميات الضالة المضلة، وليتنفس المسلمون والناس معهم الصعداء من حكم الرويبضة والتحوت والفويسقة، فما يحصل على أرض الشام هو بداية الملاحم التي أخبر عنها الرسول صلى الله عليه وسلم والتي بعدها سيزحف الإسلام ليحكم في الأرض، وفي الحدث الشريف: "بشِّر هذه الأمة بالسناء والنصر، والرفعة والتمكين في الأرض".

 

شبابنا لأصول الدين قد رجعوا
بعزمة الحق ما كفت عواديها
أبصارهم نحو بيت الله شاخصة
وقوة الدين ما اهتزت روابيها

 

أيها المؤمنون الصابرون:

استعينوا بالله العلي القدير على ما يبتليكم به من مصائب، وارجعوا إليه بالدعاء والإنابة والتوكل، وكونوا كسلفكم الصالح الذين قال الله فيهم: ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ [آل عمران: 173]، فاللهم أنت حسبنا ونعم الوكيل في إفريقيا وفي الشام وفي كل مكان، أنت ولينا ونصيرنا، فانصرنا على القوم الكافرين.

 

يا عباد الله، يا مسلمون:

ادفعوا هذه المصائب بالأخذ بالأسباب، فكما أن المرض يدفع بالتداوي، والفقر يدفع بالعمل، والجهل يدفع بالعلم، فإن الضَّعف يدفع بالقوة، والهزيمة تُدفع بالإعداد هذا بشكل عام، فإذا أردنا أن نخصص، فما يصيب المسلمين في شتى بقاع الدنيا، يُدفع بوحدتهم حول كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما تتعرض له القضية الفلسطينية يدفع بوحدة الشعب الفلسطيني على الثوابت الدينية والتاريخية.

 

وما يتعرض له المسجد الأقصى من العمل لاتخاذ قرار لجعل السيطرة عليه للاحتلال، يدفع باجتماع كلمة العرب والمسلمين على جميع المستويات السياسية لدعم أوقاف القدس التي هي المسؤول الشرعي عليه، والتي هي المسؤول الحصري عنه في عُرف القانون الدولي؛ حيث يخضع المسجد الأقصى للاحتلال، وكذلك فإن المسجد الأقصى في هذا الوقت وهو تنزل به هذه النازلة، يحتاج إلى أن يجمع علماء بيت المقدس وأكنافه فتواهم على تحريم دخول الكفار المسجد الأقصى إلا لمصلحة شرعية وبإذن المسلمين، وهذا هو المذهب عند السادة علماء المالكية، وهو رواية عن الإمام أحمد، وقد كتب عمر بن عبدالعزيز إلى سائر عماله يأمرهم بمنع دخول الكفار المساجد، فكيف إذا كان المسجد هو المسجد الأقصى؟ وكيف إذا كان دخول الكفار إليه لأداء شعائرهم، وهم عراة وعوراتهم مكشوفة، ويقومون بأعمال وتصرفات تتنافى مع قيم الإسلام وأحكامه؟ وكيف إذا كان اتخاذ قرار بنقل الولاية عنه للاحتلال يعني هدمه وبناء الهيكل المزعوم؟ وهذه الفتوى هي المناسبة لما يتعرض له المسجد الأقصى من قرارات واقتحامات باطلة.

 

أيها المؤمنون يا عباد الله:

وبعدما أصاب المسلمين ما أصابهم في غزوة أحد، أنزل الله آياته يبين لهم فيها أنهم أمة الشرف والمكانة والفضل عنده؛ لأنه سبحانه خاطبهم بما خاطب به أنبياءه، فقد قال لموسى: ﴿ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى ﴾ [طه: 68]، وقال لهم بعد غزوة أحد: "وأنتم الأعلون"، فما خرج الصحابة بعد نزول هذه الآية في عسكر إلا انتصروا - كما قال ابن عباس - وهذا الوعد كائن للمسلمين إلى يوم القيامة ما داموا مؤمنين حقًّا، وما داموا يحذرون من الهوان وأسبابه؛ لأن الهوان لا يليق بمسلم، وما دام الحزن لا يأخذ بمجامع قلوبهم؛ لأن الأصل في قلب المسلم أن يكون عامرًا بالإيمان بالله وذكره وخشيته؛ ولهذا نهاكم الله يا مسلمون عن الهوان والحزن، فقال عز وجل: ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 139].

 

اللهم إنا نعوذ بك من الهوان، ونعوذ بك من ضَعف الإيمان، ونعوذ بك من الفسوق والعصيان يا ولي يا رحمن.

 

عباد الله، إن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل ساه لاهٍ، فادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة


الخطبة الثانية:

الحمد لله مغيث المستغيثين، وكاشف كرْب المكروبين، ومُجيب دعوة المضطرين، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، رافع البلاء عن المستغفرين، يعطي وبمنع، ويخفض ويرفع، ويصل ويقطع ﴿ إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [هود: 56]، ونشهد أن سيدنا محمدًا عبد الله ورسوله، أخشى الناس لربه، وأتقاهم لله، وأكثرهم له استغفارًا وذكرًا، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه، وسلم تسليم كثيرًا إلى يوم الدين.

 

أما بعد، فيا مسلمون، ومن المصائب التي يصاب بها المسلمون أفردًا وأمة مصائب بسبب ذنوبهم ومعاصيهم، فابرؤوا من الذنوب وتوبوا منها؛ فإنها ندامة وخزي، فارجعوا إلى الله تعالى بالتزام أمره، واجتناب نهيه، وأقيموا الصلاة، وحافظوا على الرباط في المسجد الأقصى، توبوا من الربا، وانبذوا الظلم، وحاربوا وسائل الرذيلة، ورَمِّموا حفظكم الله خروقَ السفينة، وسدُّوا ثقوبها؛ كيلا تغرقوا وتهلكوا؛ يقول الله عز وجل: ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴾ [هود: 117].

 

عباد الله:

إن المصائب التي تكون بسبب فُشوِّ المنكرات وإعلانها، تذكير لكم إذا غفلتم عن إنكارها، وإنذار لكم إذا عصيتم بارتكابها؛ لتتوبوا منها، فاتقوا الله وتوبوا إليه واستغفروه، اللهم إنا نبرأ إليك من كل منكر يرتكب في الأرض ولا نرضاه، فاجعل براءتنا منها شهادة لنا يوم نلقاك.

 

أيها المسلمون:

ومما يبتلي الله به عباده إذا قصروا في أداء الطاعات، وانتهكوا المحرمات: نقص الثمرات، وحبس البركات، ومن ذلك حبس الغيث أو تأخيره عنهم؛ كما هو واقعنا في هذا الوقت، فالمنكرات راجت، والمحرمات عمت، قتل وزنا، وظلم وربا ومجون ومخدرات، ومكاسب محرمة، وسفور وتبرج، ولا معروف يؤمر به، ولا منكر ينهى عنه، ألا تعلمون يا عباد الله أن شؤم المعاصي وبيل، فالله تعالى يقول: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الروم: 41]؛ قال مجاهد من التابعين: "إن البهائم لتلعن عصاة بني آدم إذا اشتدت السنة، وأُمسِك المطر، وتقول: هذا بشؤم معصية ابن آدم"، ألا تعلمون يا مسلمون أنه لولا البهائم التي لا تُذنب، ولولا الأطفال التي لا معصية لها وهي غير مكلفة بالعبادة، ولولا الشيوخ الذين أيقنوا أنهم مشرفون على الموت، فأكثروا الاستغفار وأنابوا إلى ربهم، لولا كل هؤلاء، لما أسقاكم الله قطر السماء؟

 

هل تصدقون يا عباد الله أنه قبل أسبوعين حين صلى بنا الإمام صلاة الاستسقاء، ونحن خارجون من الصلاة في ساحات المسجد الأقصى، كان بعض المصلين يقول استهزاءً: ها هي السماء غيمت، ها هي السماء أمطرت؟ ألا يعلم هذا وأشكاله من ضعاف الإيمان ومن أصحاب القلوب المنافقة، أنهم بوجودهم بيننا نُحرَم قطر السماء؟

 

فاستغفروا الله من ذنوبكم، وليتذكر كل منكم الآن ذنوبه، وليستغفر الله منها، وليعقد العزم والنية على التوبة منها وعدم الرجوع إليها؛ لأننا الآن سندعو الله تعالى أن يسقينا الغيث، فادعوا الله بألسنة نادمة وقلوب صادقة، فادعوا الله معي، وأمِّنوا من بعدي.

 

لا إله إلا الله، مجيب الدعوات، وغافر الزلاَّت، وفارج الكربات، ومنزل البركات، وغادق الخيرات، سبحانه من إله كريم، ورب رحيم، عم بفضله وكرَمه جميع المخلوقات، لا إله إلا الله الولي الحميد، لا إله إلا الله يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، اللهم لك الحمد كله، ولك الشكر كله، وإليك يرجع الأمر كله، علانيته وسره، فأهل أنت أن تحمد، وأهل أنت أن تعبد وأنت على كل شيء قدير.

 

اللهم أنت الله لا اله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، غيثًا هنيئًا مريئًا، غدقًا طبقًا، عامًّا دائمًا نافعًا، غير ضار، عاجلاً غير آجل، اللهم غيثا تحيي به البلاد وتسقي به العباد، اللهم اسق عبادك وبهائمك وأحي بلدك الميت، اللهم سقيا رحمة، لا سقيا عذاب ولا بلاء، ولا هدم ولا غرق، اللهم إن بالعباد والبلاء من اللواء والجهد ما لا نشكوه إلا إليك، اللهم أنبت لنا الزرع وأدر لنا الضرع، وأنزل علينا من بركاتك، اللهم ارفع عنا الجهد والجوع والعري، واكشف عنا من البلاء ما لا يكشفه غيرك، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارًا، فأرسل السماء علينا مدرارًا.

 

اللهم إنا خلق من خلقك، فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك، اللهم أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلته قوة لنا على طاعتك، اللهم أسقنا الغيث، وآمِّنا من الخوف، ولا تجعلنا آيسين، ولا تهلكنا بالسنين، واغفر لنا أجمعين، واكشف ما بالمسلمين من بلايا يا أرحم الراحمين.

 

اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارًا، فأرسل السماء علينا مدرارًا.

 

اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغث العباد والبلاد، اللهم إنا نشكو إليك انقطاع المطر، فافتح علينا من بركات السماء، وأخرج لنا من بركات الأرض.

 

اللهم إنا خرَجنا إليك من تحت البيوت والدُّور، وبعد انقطاع البهائم، وجدب المراعي، راغبين في رحمتك، وراجين فضل نعمتك، اللهم فارحم أنين الآنة، وحنين الحانة، اللهم فأسقنا غيثك، ولا تجعلنا من القانطين، ولا تهلكنا بالسنين.

 

اللهم إنا نسألك ألا تردنا خائبين، اللهم إنا نسألك ألا تردنا خائبين؛ فإنك تنزل الغيث من بعد ما قنطوا، وتنشر رحمتك، وأنت الولي الحميد.

 

اللهم أنت المدعو بكل لسان، المقصود في كل آن، لا اله إلا أنت، غافر الخطيئات، لا إله إلا أنت كاشف الكربات، لا إله إلا أنت مجيب الدعوات ومغيث اللهفات، أنت إلهنا، وأنت ملاذنا، وأنت عياذنا، وعليك اتكالنا، وأنت رازقنا، وأنت على كل شيء قدير، يا أرحم الراحمين.

 

يا أرحم الراحمين يا خير الغفارين، يا أجود الأجودين، يا أكرم الأكرمين، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، نسألك مسألة المساكين، ونبتهل إليك ابتهال الخاضعين الذليلين، وندعوك دعاء الخائفين الوجلين، سؤال من خضعت لك رقابهم، ورغمت لك أنوفهم، وفاضت لك عيونهم، فاللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، وأنزل علينا من بركات السماء يا سميع الدعاء، ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، ربنا ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، ولا تسلب نعمتك عنا، لا إله إلا أنت، سبحانك إنا كنا من الظالمين، اللهم يا من عم برزقه الطائعين والعاصين، وعم بجوده وكرمه جميع المخلوقين، جد علينا برحمتك وإحسانك، وتفضل علينا بغيثك ورزقك وامتنانك، اللهم سقيا رحمة لا سقيا بلاء ولا عذاب، ولا هدم ولا غرق، اللهم وسع أرزاقنا، ويسر أقواتنا، رحماك رحماك بالشيوخ الرُّكَّع، والأطفال الرُّضَّع، والبهائم الرُّتَّع، اللهم اسقنا واسق المجدبين، وفرِّج عنا وعن أمة محمد أجمعين.

 

اللهم هذا الدعاء ومنك الإجابة، وهذا الجهد وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بك، فلا تردنا خائبين.

 

اللهم صل على نبينا محمد النبي المصطفى المختار، اللهم صل عليه وعلى المهاجرين والأنصار وسائر الصحابة الأخيار، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

 

وأنت يا مقيم الصلاة أقم الصلاة: ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45].





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الأقصى
  • علاج الأحزان وحرارة المصائب
  • أعظم المصائب وحديث عن الشيخ فكري بن محمود (الجزار)
  • تعزية أصحاب المصائب
  • وقفات مع آداب الإسلام في المصائب
  • خطبة المسجد النبوي 2/4/1433 هـ - المصائب الدنيوية .. الداء والدواء
  • خطبة المسجد النبوي 17/12/1433 هـ - المصائب والأمراض بقدر الله تعالى
  • التعامل مع المصائب (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • المصائب وعواقبها ( ملف مرئي )(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • المصائب وعواقبها(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • فلسفة المصائب (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • منهج شرعي عند المصائب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الموقف من المصائب (مقتل الحسين رضي الله عنه مثالا)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الدرس الثالث عشر أسباب: الثبات على المصائب(مقالة - ملفات خاصة)
  • أصول نافعة جامعة في مسائل المصائب والمحن(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله)
  • الخير الكامن في المصائب والابتلاءات (كورونا أنموذجا) علمني كورونا خمسين درسا(مقالة - ملفات خاصة)
  • توالت المصائب بعد الزواج منها(استشارة - الاستشارات)
  • أسباب حدوث المصائب وإزالتها(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب