• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    فضل معاوية والرد على الروافض
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    ما جاء في فصل الشتاء
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرحمن، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    تفسير: (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: إذا استنجى بالماء ثم فرغ، استحب له ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    اختر لنفسك
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون (خطبة) - باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء

الشيخ عبدالله بن محمد البصري

المصدر: أُلقيت بتاريخ: 23/3/1430هـ.
مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 1/4/2009 ميلادي - 5/4/1430 هجري

الزيارات: 628612

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ارحموا من في الارض

يرحمكم من في السماء

 

أمّا بَعدُ:

فأوصيكُم - أيُّها النّاسُ - ونَفسي بِتَقوى اللهِ - عزَّ وجلَّ - والإحسانِ إلى عِبادِه، فبِذَلِكَ تُنالُ مَعيتُه، وتُدرَكُ رَحمتُه، ويُستَدَرُّ جودُه، ويُستَنزَلُ إحسانُه؛ قالَ - تَعالى -: ﴿ إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَالَّذِينَ هُم مُحسِنُونَ ﴾ [النحل: 128]، وقالَ - سُبحانَهُ -: ﴿ هَل جَزَاءُ الإِحسَانِ إِلاَّ الإِحسَانُ ﴾ [الرحمن: 60].

 

أيُّها المُسلِمونَ:

وبَينَ الفينة والأُخرَى يَخرجُ المُسلِمونَ يَستَسقونَ، يَطلُبونَ الغَيثَ ويَستَنزِلونَ الرَّحمة، والغَيثُ - ولا شَكَّ - رَحمة مِنَ اللهِ يُصيبُ بها مَن يَشاءُ مِن عِبادِه؛ قالَ - تَعالى -: ﴿ وَهُوَ الَّذِي أَرسَلَ الرِّيَاحَ بُشرًا بَينَ يَدَي رَحمَتِهِ وَأَنزَلنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا ﴾ [الفرقان: 48]، وقالَ - جَلَّ وعَلا -: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الغَيثَ مِن بَعدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحمَتَهُ وَهُوَ الوَليُّ الحَمِيدُ ﴾ [الشورى: 28].

 

نَعَم - أيُّها المُسلِمونَ - إنَّ الغَيثَ رَحمة مِنَ اللهِ لا يَقدِرُ علَى إنزالِها إلا اللهُ، وإنما يَرحَمُ اللهُ مِن عِبادِه الرُّحَماءَ، والرّاحِمونَ يَرحمُهمُ الرَّحمنُ، ومِن ثَمَّ فإنَّ ممّا تُستَجلَبُ بِه رَحمة اللهِ وتُستَنزَلُ بِه مِنَ السَّماءِ: أن يَتَراحَمَ مَن في الأرضِ ويُشيعوا الإحسانَ فيما بَينَهُم، وأن يَعطِف بَعضُهم عَلَى بَعضٍ، ويَرفُقَ بَعضُهم بِبَعضٍ، وأن يُحِبَّ كُلٌّ مِنهُم لإخوانِه مِنَ الخَيرِ ما يُحِبُّه لِنَفسِه، وإنَّ اللهُ - سُبحانَهُ - إذا أرادَ رَحمة قَومٍ، أسكَنَ في قُلوبِهم الرَّحمة، وأودَعَها الرَّأفة، ووفقَهُم إلى التَّواصي بِالصَّبرِ والمَرحَمة، وإذا أرادَ أن يُعَذِّبَهُم، نَزَعَ مِن قُلوبِهمُ الرَّحمة، وسَلَبَهُمُ الرَّأفة، وأبدَلَهُم بِهما الغِلظة والجَفاءَ والقَسوةَ؛ قالَ - تَعالى - مُمتَدِحًا أهلَ المَيمَنة: ﴿ وَتَوَاصَوا بِالصَّبرِ وَتَوَاصَوا بِالمَرحَمَةِ ﴾ [البلد: 17].

 

وفي الحَديثِ: أنَّهُ - علَيه الصَّلاةُ والسَّلامُ - قالَ: ((ارحَموا مَن في الأرضِ يَرحَمْكُم مَن في السَّماءِ))، وقالَ - علَيه الصَّلاةُ والسَّلامُ -: ((والَّذي نَفسي بيدِه، لا يَضَعُ اللهُ رَحمَتَهُ إلا عَلَى رَحيمٍ))، قالوا: كُلُّنا يَرحَمُ، قال: ((لَيسَ بِرَحمة أحَدِكُم صاحِبَهُ، يَرحَمُ النّاسَ كافّة))، وقالَ - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((لا تُنزَعُ الرَّحمة إلا مِن شَقي))، وفي الصَّحيحِ أيضًا: ((مَن لا يَرحَمْ لا يُرحَمْ)).

 

أيُّها المُسلِمونَ:

إذا أشرَقَ نورُ الإيمانِ في قَلبٍ ومُلِئَ بِاليَقينِ بِوعدِ اللهِ، وامتَلأ مِن مَحَبَّتِه وإجلالِه - فإنَّهُ يَرِقُّ ويَلينُ ويَخشَعُ، فلا تَراهُ إلا رَحيمًا رَفيقًا رَقيقًا، يَرحَمُ النَّملة في جُحرِها، والطَّيرَ في وكرِه، فضلاً عَن بَني جِنسِه مِنَ الآدَميينَ، فكَيف بِمَن لَهُ عَلَيهِ حَقٌّ مِن والِدٍ وولَدٍ، وأخٍ وقَريبٍ، وابنِ عَمٍّ وذي رَحِمٍ أو صَديقٍ، أو جارٍ أو صاحِبٍ أو رَفيقٍ؟! فهَذا أقرَبُ القُلوبِ مِنَ اللهِ، وأحراها بِرَحمَتِه وإجابة دَعوةِ صاحِبِه، وإنَّهُ ما مُنِعَ النّاسُ رَحمة رَبِّهم وأبطَأت إجابة دُعائِهم في كَثيرٍ مِنَ الأحيانِ، إلا يَومَ أن نُزِعَتِ الرَّحمة مِن قُلوبِهم، وأُلقي الشُّحُّ في نُفوسِهم، واتَّصَفوا بِالأثَرة واستِعلاءِ النُّفوسِ والانكِفاءِ على الذّاتِ، فتَرَكوا الأمرَ بِالمَعروفِ والنَّهيَ عن المُنكَرِ، وتَهاونوا بما يُمليهِ عليهِم واجِبُ الولاية لِلمُؤمِنينَ وأُخوَّتِهم، مِن مَحَبَّتِهم والنُّصحِ لهم؛ لَقَد قالَ - سُبحانَهُ - مُبَيِّنًا عِظَمَ ذَلِكَ الأمرِ، وعُلو شَأنِ أهلِه، وضَرورَتَهُ في تَنَزُّلِ الرَّحمة وشُمولِها: ﴿ وَالمُؤمِنُونَ وَالمُؤمِنَاتُ بَعضُهُم أَولِيَاءُ بَعضٍ يَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَيَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرحمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 71].

 

وقالَ - سُبحانَهُ -: ﴿ وَرَحمَتِي وَسِعَت كُلَّ شَيءٍ فَسَأَكتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكتُوبًا عِندَهُم في التَّورَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأمُرُهُم بِالمَعرُوفِ وَيَنهَاهُم عَنِ المُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيهِمُ الخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنهُم إِصرَهُم وَالأَغلاَلَ الَّتِي كَانَت عَلَيهِم فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ ﴾ [الأعراف: 156، 157].

 

فهَذِه صِفاتُ مَن تَشمَلُهم رَحمة اللهِ: إيمانٌ بِاللهِ وتَقوى، ومَحَبّة لِلمُؤمِنينَ ووِلاية لهم، وأمرٌ بِالمَعروفِ ونَهيٌ عَنِ المُنكَرِ، وإقامة لِلصَّلاةِ وإيتاءٌ لِلزَّكاةِ، وطاعة للهِ ولِرَسولِه، وتَناوُلٌ لِلطَّيِّباتِ واجتِنابٌ لِلخَبائِثِ، فمَتى تَحَقَّقَت هَذِه الصِّفاتُ الكَريمة في مُجتَمَعِ المُسلِمينَ فلْيَرتَقِبوا رَحمة اللهِ، ولْيَنتَظِروها فإنَّها قَريبة، وما لم يُحَقِّقوها وعَمِلوا بِضِدِّها، فلا يَلوموا إلا أنفُسَهُم، إذا ارتَفعَتِ الرَّحمة عَنهُم، وحَلَّ بِهمُ الشَّقاءُ، ألا فلْنَتَّقِ اللهَ - إخوةَ الإسلامِ – ولْنَتَراحَمْ، ولْنَفعَلِ الخَيرَ، ولْنَصنَعِ المَعروف، ولْنُفرِّجِ الكُرُباتِ، ولْنُكثِرْ مِنَ الصَّدَقاتِ، ولْنَشكُرِ اللهَ على ما في أيدينا، ولْنُحسِنْ، يُبارِكْ لَنا فيهِ ويَزِدْنا، ويَرحَمْنا ويُفرِّجْ عَنّا؛ قالَ - سُبحانَهُ -: ﴿ وَلَو أَنَّ أَهلَ القُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوا لَفَتَحنَا عَلَيهِم بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرضِ ﴾ [الأعراف: 96].

 

وقالَ - سُبحانَهُ -: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُم لَئِن شَكَرتُم لأَزِيدَنَّكُم وَلَئِن كَفَرتُم إِنَّ عَذَابي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7]، وقالَ - جَلَّ وعَلا -: ﴿ إِنَّ رَحمَةَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ المُحسِنِينَ ﴾ [الأعراف: 56]، وقالَ - سُبحانَهُ -: ﴿ وَابتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنيَا وَأَحسِنْ كَمَا أَحسَنَ اللهُ إِلَيكَ وَلا تَبغِ الفَسَادَ في الأَرضِ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ المُفسِدِينَ ﴾ [القصص: 77]، وقالَ - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((مَن نَفَّسَ عَن مُؤمِنٍ كُربة مِن كُرَبِ الدُّنيا، نَفَّسَ اللهُ عَنهُ كُربة مِن كُرَبِ يَومِ القيامة، ومَن يَسَّرَ عَلَى مُعسِرٍ يَسَّرَ اللهُ عليْه في الدُّنيا والآخِرة، ومَن سَتَرَ مُسلِمًا سَتَرَهُ اللهُ في الدُّنيا والآخِرة، واللهُ في عَونِ العَبدِ ما كانَ العَبدُ في عَونِ أخيهِ)).

 

الخطبة الثانية

أمّا بَعدُ:

فاتَّقوا اللهَ - تَعالى - وأطيعوهُ ولا تَعصوهُ؛ ﴿ وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِن حَيثُ لا يَحتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 2، 3].

 

أيُّها المُسلِمونَ:

يَقولُ - سُبحانَهُ - واصِفًا نَبيهُ الكَريمَ وصَحبَهُ المُؤمِنينَ: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاء بَينَهُم تَرَاهُم رُكَّعًا سُجَّدًا يَبتَغُونَ فَضلاً مِنَ اللهِ وَرِضوَانًا سِيمَاهُم في وُجُوهِهِم مِن أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُم في التَّورَاةِ وَمَثَلُهُم في الإِنجِيلِ كَزَرعٍ أَخرَجَ شَطأَهُ فَآزَرَهُ فَاستَغلَظَ فَاستَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنهُم مَغفِرَةً وَأَجرًا عَظِيمًا ﴾ [الفتح: 29].

 

تَأمَّلوا - يا رَعاكُمُ اللهُ - بِمَ وصَفهُمُ اللهُ؟! إنَّهُم رُكَّعٌ سُجَّدٌ، مُقيمونَ لِلصَّلاةِ مُحافِظونَ عَلَيها، يَبتَغونَ فضلَ اللهِ ورِضوانَهُ، طالِبينَ جودَهُ ورَحمتَهُ وإحسانَهُ، ولَكِنْ، هَلْ تَأمَّلَ مِنّا مُتَأمِّلٌ في بِداية صِفاتِهم الَّتي وصَفهُم بها رَبُّهم؟! إنَّها لم تَكُنِ الصَّلاةَ عَلَى أهَمّيتِها وعِظَمِ شَأنِها وجَلالة قَدرِها، فبِماذا بَدَأت إذًا؟!

 

لَقَد بَدَأت صِفاتُهم بِأن وسَمهُمُ اللهُ بأنَّهُم رُحَماءُ بَينَهُم، الله أكبَرُ، إنَّهُم رُحَماءُ، رَفيقو القُلوبِ، رَقيقو الأفئِدة، هَيِّنونَ لَيِّنونَ مُتَواضِعونَ، موطَّؤو الأكنافِ، سَمحة وُجوهُهم، يُشفِقُ بَعضُهم عَلَى بَعضٍ، ويَرحَمُ بَعضُهم بَعضًا.

 

فهَل رَأيتُم مَدحًا لِلتَّراحُمِ أعظَمَ مِن هَذا؟!

 

اللهُ - سُبحانَهُ - يُقَدِّمُ الوصف بِالتَّراحُمِ عَلَى الوصفِ بِالرُّكوعِ والسُّجودِ، فلِماذا يا أُمّة الإسلامِ والإيمانِ؟ لماذا يا أُمّة الصَّلاةِ والقُرآنِ؟ ليبَيِّنَ لِلأُمّة أن لا خَيرَ في أُناسٍ يَركَعونَ ويَسجُدونَ، فإذا خَرَجوا مِن مَساجِدِهم تَشاحّوا وتَظالَموا، ولم يَتَسامَحوا بَينَهُم ولم يَتَراحَموا، إنَّ مَن يَفعَلُ هَذا فلَيسَ عَلَى طَريقة محمدٍ وأصحابِه، إنَّ مَن يَتَّصِفُ بهذا فلَيسَ عَلَى هَديِهم ولا سَبيلِهم، يُؤَكِّدُ هَذا الأمرَ الحَبيبُ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - ويُصَرِّحُ بِه حَيثُ يَقولُ: ((لَيسَ مِنّا مَن لم يَرحَمْ صَغيرَنا ويَعرِفْ حَقَّ كَبيرِنا)).

 

وإنَّكَ لَتَرَى في مُجتَمَعاتِنا اليَومَ مِن ذَلِكَ عَجَبًا عُجابًا، وتَتَمَلَّكُكَ الدَّهشة وأنتَ تَرَى أُناسًا يُصَلّونَ ويَركَعونَ ويَسجُدونَ، ويُحافِظونَ عَلَى الصَّلَواتِ والجُمَعِ والجَماعاتِ، ثم تَرَى مِنهُم بَعدَ ذَلِكَ مَن يَظلِمُ ويعتَدي، تَرَى مِنهُم مَن يَأكُلُ حَقَّ غَيرِه ولا يَنتَهي، تَرَى مَن يَشهَدُ بِالزّورِ ويَرتَشي، تَرَى القاطِعَ لِرَحِمِه الهاجِرَ لِقَراباتِه، تَرَى العاقَّ لِوالِدَيهِ المُسيءَ إلى مَن لَهُ حَقٌّ عليهِ، فلا إلَهَ إلا اللهُ! أينَ التَّراحُمُ الَّذي هو أثَرٌ مِن آثارِ الصَّلاةِ؟! أينَ أثَرُ الرُّكوعِ والسُّجودِ؟! إنَّ مَن يَحني ظَهرَهُ للهِ راكِعًا، ويُعَفِّرُ جَبهَتَهُ لِمَولاهُ ساجِدًا، إنَّ مَن يَفعَلُ ذَلِكَ وهو مُخلِصٌ صادِقٌ، فقَد سَلَكَ سَبيلَ الخُشوعِ والخُضوعِ للهِ، وحَقَّقَ العُبودية في أكمَلِ صورِها وأبهاها، وسَيَظهَرُ أثَرُ ذَلِكَ في مَلامِحِ وجهِه وفي سُلوكِه ولا بُدَّ، حَيثُ تَتَوارَى الخُيَلاءُ والكِبرياءُ والاستِعلاءُ، ويَحِلُّ مَحَلَّها التَّواضُعُ والتَّطامُنُ والشَّفقة، ومَحَبّة الخَلقِ والإحسانُ إلَيهِم والرَّحمة بهم، وإذا هو فعَلَ ذَلِكَ فلَن يُخزيهُ اللهُ أبَدًا، لَن يتَخلَّى عَنهُ رَبُّه، ألا فلْنَتَّقِ اللهَ - أيُّها المُسلِمونَ - ولْنَقتَدِ بِخَيرِ الأُمّة وأعلَمِها بِاللهِ، ولْنَتَراحَمْ ولَيُحسِنْ غَنيُّنا لِفقيرِنا، ولْيَرحَمْ قَوينا ضَعيفنا، فإنَّ الإحسانَ فوزٌ ونَجاةٌ، وتَركَهُ خَسارة وهَلَكة؛ قالَ - سُبحانَهُ -: ﴿ وَأَنفِقُوا في سَبِيلِ اللهِ وَلاَ تُلقُوا بِأَيدِيكُم إِلى التَّهلُكَةِ وَأَحْسِنُوَا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُحسِنِينَ ﴾ [البقرة: 195].

 

وإنَّهُ لَمّا كانَ محمدُ بنُ عَبدِاللهِ - صلَواتُ رَبي عليْه وسَلامُه - مِن أكثَرِ النّاسِ إحسانًا، فقَد عَرَف مُعاصِروهُ مِمَّن رُزِقوا الفِراسة قَبلَ الإيمانَ، أنَّهُ لَيسَ بِخائِبٍ ولا مُخزًى أبَدًا؛ ففي البُخاري: أنَّهُ لَمّا أتاهُ النّاموسُ في غارِ حِراءٍ، ورَجَعَ إلى بَيتِه يَرتَجِفُ فُؤادُه، وقالَ لِزَوجِه خَديجة - رَضي اللهُ عَنها -: ((لَقَد خَشيتُ عَلَى نَفسي))، وأخبَرَها الخَبَرَ - قالَت: كَلا، أبشِرْ؛ فواللهِ لا يُخزيكَ اللهُ أبَدًا؛ فواللهِ إنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَصدُقُ الحَديثَ، وتَحمِلُ الكَلَّ، وتَكسِبُ المَعدومَ، وتَقري الضَّيف، وتُعينُ عَلَى نَوائِبِ الحَقِّ.

 

وقَد كانَ مِن أمرِه - صلَّى الله عليْه وسلَّم - ما كانَ، وصَدَقَت فِراسة تِلكَ المُؤمِنة الطّاهِرة، فلَم يُخزِه اللهُ في الدُّنيا، ولَن يُخزيهُ في الآخِرة.

 

ألا فاتَّقوا اللهَ وأحسِنوا؛ فإنَّ اللهَ لا يُضيعُ أجرَ المُحسِنينَ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • رحمة مهداة
  • رحمة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم
  • رسول الله صلى الله عليه وسلم الرحمة المهداة
  • رحمة النبي - صلى الله عليه وسلم - بالأسرى
  • الرحمة... من لا يَرحم.. لا يُرحم
  • رحمة الله تعالى
  • وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين
  • نبي الرحمة والسلام صلى الله عليه وسلم
  • العنف ضد الأطفال وتعامل نبي الرحمة
  • حواجز زجاجية
  • من لا يرحم لا يرحم
  • خطبة ارحموا من في الأرض

مختارات من الشبكة

  • ارحموا من في الأرض..(محاضرة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • ارحموا الآباء والأمهات (خطبة)(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • الرحمة بالآخرين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فضل الرحمة بالخلق(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الفوائد الأولية من حديث الرحمة المسلسل بالأولية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شموع (64)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أوكرانيا: لوحات إعلانية ضخمة للتعريف بالإسلام في كييف(مقالة - المسلمون في العالم)
  • شرح حديث جرير: "من لا يرحم الناس لا يرحمه الله"(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذبكم وما أرسلناك عليهم وكيلا)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا)(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
3- خطبة قيمة
نهاد - الجزائر 30-04-2016 10:50 PM

بارك الله فيكم ونفع بكم خطبة قيمة فعلا نحن في وقت نحتاج فيه لتليين قلوبنا والتراحم فيما بيننا

2- شكرا
هند - الجزائر 14-02-2013 07:56 PM

روعة جزاكم الله خيرا

1- الشباب والموضه
عمار ياسر محمود سليمان حجازى - مصر 05-04-2009 09:46 AM

الحمد لله

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب