• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    فضل معاوية والرد على الروافض
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    ما جاء في فصل الشتاء
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرحمن، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    تفسير: (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: إذا استنجى بالماء ثم فرغ، استحب له ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    اختر لنفسك
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون (خطبة) - باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

آداب نبوية

الشيخ عبدالحميد التركستاني

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 9/4/2008 ميلادي - 2/4/1429 هجري

الزيارات: 16634

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

آداب نبويَّة

 

ملخَّص الخطبة:

1- من أخلاق المسلم: بَسْطَة الوجه.

2- الصَّدَقة بالكلمة الطيِّبة.

3- النَّهي عن الإسبال والكِبْر.

4- أُزْرَة المسلم كما جاء في السُّنة.

5- الأمر سَتْر العورات.

6- دفع إساءة الناس بالإحسان والصَّفْح.

7- سباب المسلم ولعنه.

8- النَّهي عن لَعْن المخلوقات والأموات.

♦ ♦ ♦

 

الخطبة الأولى

أما بعد أيها المسلمون:

اتقوا الله تعالى، وتأدَّبوا بآداب دينكم، وتمسَّكوا بسُنَّة نبيِّكم، واعلموا أنَّا لا نزال بصدد شرح حديث جابر بن سُلَيْم، وقد وصلنا إلى قوله عليه الصَّلاة والسَّلام: ((ولا تَحْقِرنَّ من المعروف شيئًا، وأن تكلِّم أخاك وأنت منبسطٌ إليه وجهُك؛ إنَّ ذلك من المعروف)).

فالمعروف أبوابه كثيرةٌ: من مساعدة الضُّعفاء والمساكين والإحسان إليهم، والسَّعي في مصالحهم، وكفِّ الأذى عنهم، وإدخال السُّرور عليهم، وكشف كرباتهم، وسَتْر عوراتهم، وغير ذلك مما هو مبيَّنٌ ومبسوطٌ في موضعه، وأقلُّ شيءٍ من المعروف هو طَلاقَة الوَجْه، وهو أقل القليل الذي يستطيع الإنسان عمله بغير جَهْد منه ولا بَذْل طاعة، وهو أفضل شيءٍ لكسب قلوب الآخَرين، أن تكلِّم أخاكَ وأنت منبسطٌ إليه وجهُك دون أن تكون عبوسًا قمطريرًا، مكفهرَّ الوجه، قاطب الجبين، فإن ذلك ليس من أخلاق المؤمنين؛ قال لقمان لابنه: "يا بني، لِتَكُنْ كلمتك طيبةٌ، ووجهك منبسطًا؛ تَكُنْ أحبَّ إلى النَّاس ممَّن يعطيهم الذَّهب والفضَّة".

وقد كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لا يواجه أحدًا بما يكره في وجهه، ولم يكن فاحشًا متفحِّشًا؛ بل كان يقابل الكلَّ؛ الصديق والقريب، والصاحب والعدوّ بوجهٍ طليقٍ، حتى يظنَّ كلُّ أحدٍ أنه أحبُّ الناس إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.

قال جرير بن عبدالله البَجَلِيّ: "ما حَجَبَني رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم منذ أسلمتُ، ولا رآني إلا تبسَّم"! وكان ابن عمر يُنشِد:

بَنِيَّ إِنَّ الْبِرَّ شَيْءٌ هَيِّنُ ♦♦♦ وَجْهٌ طَلِيقٌ وَكَلامٌ لَيِّنُ

 

وقال الشَّافعي رحمه الله:

يُغَطَّى بِالسَّمَاحَةِ كُلَّ عَيْبٍ ♦♦♦ وَكَمْ عَيْبٍ يَغَطِّيهِ  السَّخَاءُ

 

فطَلاقة الوجه، وتبسُّم الإنسان في وجه أخيه، ولِين الكلام - دليلٌ على حُسْن خُلُق فاعله، ودليلٌ على عُلُوِّ درجة إيمانه، فأحسن الناس خُلُقًا أكملهم إيمانًا.

 

ورُؤيَ بعضُ السَّلف في المنام، فسئل عن بعض إخوانه، فقال: "وأين ذلك منَّا، رُفِعَ في الجنَّة بحُسْن خُلُقِه"!!

وليست هذه الأخلاق بالأخلاق الرياضية أو (الدبلوماسية) كما يزعمون، إنما هي الأخلاق الإسلامية التي تنبع من هذا الدِّين، أنما هي أخلاق المسلم الذي يغضب لانتهاك حرمات الدِّين ولا يغضب لنفسه، ويفرح لانتصار دين الإسلام ولا يفرح لغير ذلك من الانتصارات التَّافهة التي لا تقدِّم الأمَّة إلى الإمام؛ بل تؤخِّرها إلى الوراء قرونًا، وهو يغلظ القَوْل لمن يتجرَّأ على حدود الله ويلين القول على مَنْ وقعت منه هفوةٌ أو هفوات، وهو يحب المرء لا يحبّه إلاَّ في الله وإن أبغضه لا يبغضه إلا لله، وإن أعطى يعطي لله وإن منع يمنع لله... وهكذا هو المسلم، فهو في جميع أمواله وأخلاقه وتعاملاته مرتبطٌ بدينه، لا يرتبط بشيءٍ آخَر سواه، ولهذا كان رسول اللله صلَّى الله عليه وسلَّم كما قالت عائشة - رضي الله عنها -: "كان خُلُقُه القرآن".

وممَّا ورد في فضل طلاقة الوجه وطيِّب الكلام:

عن أبي ذَرٍّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لا تَحْقِرَنَّ من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاكَ بوجهٍ طليق))؛ رواه مسلمٌ.

 

وفي روايةٍ للتِّرمذيِّ: ((تبسُّمُكَ في وجه أخيك صَدَقَةٌ)).

وعن عديِّ بن حاتمٍ قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((اتَّقوا النَّار ولو بشِقِّ تَمْرَةٍ، فمَنْ لم يَجِدْ فبكلمةٍ طيِّبة))؛ متفقٌ عليه.

 

فالذي ليس لديه شيءٌ يتصدَّق به يقدِّم كلمة طيِّبة تنفعه في يوم الحشر وتُبعده من النار، والكلمة الطيبة تتعدَّد أنواعها بحسب حال قائلها، فمن ذلك ما روى التِّرمذي: أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((تبسُّمُكَ في وجه أخيك صَدَقَةٌ، وأمرُكَ بالمعروف ونهيُكَ عن المنكر صَدَقَةٌ، وإرشادُكَ الرَّجلَ في أرض الضَّلال لكَ صَدَقَةٌ، وإماطتُكَ الأذى والشَّوْك عن الطَّريق لكَ صَدَقَةٌ)).

وهكذا؛ فالكلمة بشتَّى أنواعها إن كانت طيِّبةً، من رجلٍ طيِّبٍ غير مشاكس ولا صاحب مشاكل، يحبُّ الخير للنَّاس - هذه الكلمة تكون صَدَقَةً يؤجَر عليها، ولهذا كانت الكلمة الطيِّبة مع طلاقة الوجه سببًا لدخول الجنَّة؛ قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إنَّ في الجنَّة غُرَفًا يُرى باطنُها من ظاهرها، وظاهرُها من باطنها)). فقال أبو مالك الأشعري: لمَنْ هي يا رسول الله؟ قال: ((لمَنْ أطاب الكلام، وأطعم الطَّعام، وبات قائمًا والنَّاس نيام)).

 

هذا فضل الكلمة الطيبة؛ فيا أيها المؤمن: قُل خيرًا فتَغْنَمْ، أو اسكتْ فتَسْلَمْ.

ونرجع للحديث:

ثم قال له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((وارفعْ إزَارَكَ إلى نصف السَّاق، فإن أبَيْتَ فإلى الكعبَيْن، وإيِّاك وإسبال الإزار؛ فإن إسبال الإزار من المَخِيلَة، وإنَّ الله لا يحبُّ المَخِيلَة)).

وهذا توجيهٌ نبويٌّ كريمٌ لكلِّ مَنْ يُسبِل إزاره إلى تحت الكعبين؛ لأنَّ البعض إذا قيل له: إنَّ ذلك لا يجوز؛ قال: أنا لا أفعل ذلك تكبُّرًا. سبحان الله! ففي هذا الحديث يبيِّن عليه الصَّلاة والسَّلام أنَّ ذلك هو من الكِبْر؛ حيث قال: ((فإن إسبال الإزار من المَخِيلَة))، أي: من الخُيلاء والتكبُّر، والدّلالة على أنَّ ذلك من الكِبْر: أنَّ ذلك المُسْبِل لا يستطيع تقصير ثوبه إلى ما دون الكعبَيْن، ويشعر أنَّ ذلك لا يليق به، أو إلى غير ذلك من الأعذار الواهية.

والكِبْر كما بيَّنه عليه الصَّلاة والسَّلام هو: ((بَطَرُ الحقِّ، وغَمْطُ النَّاس)). بَطَرُ الحقِّ؛ أي: عدم قبوله والالتزام به، فمن علم أنَّ الإسبال لا يجوز، ثم يصرُّ عليه بعد ذلك؛ فهذا فيه من خصال المتكبِّرين، وإن لم يقْصِدْ ذلك، فإن قَصَدَ فالجُرْم أعظم. إذاً فإن كلَّ إسبالٍ من المَخِيلَة، كما بيَّن ذلك الحديث.

 

قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((بينما رجلٌ يجرُّ إزاره إذ خُسِفَ به، فهو يتجَلْجَل إلى يوم القيامة))؛ رواه البخاريُّ.

وفي "صحيح مسلم: قال عليه الصَّلاة والسَّلام: ((مَنْ جرَّ إزاره، لا يريد بذلك إلا المَخِيلَة؛ فإنَّ الله عزَّ وجلَّ لا ينظر إليه يوم القيامة)).

 

وروى مسلمٌ وأبو داود والتِّرمذي والنَّسائي وابن ماجه، أنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((ثلاثةٌ لا يكلِّمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكِّيهم، ولهم عذابٌ أليمٌ)). قالها ثلاث مرَّات. قال أبو ذَرٍّ رضي الله عنه: خابوا وخسروا، مَنْ هم يا رسول الله؟! قال: ((المُسْبِل، والمنَّان، والمُنفِق سلعته بالحَلْف الكاذب))، وفي روايةٍ: ((المُسبِل إزاره)).

أيها المسلمون:

ومع هذا الوعيد الشديد العظيم الوارد في المُسبِل إزاره، نرى بعض المسلمين لا يهتمّ بهذا الأمر، فيترك ثوبه أو بشْتَه أو سراويله تنزل عن الكعبين، وربما تلامس الأرض! وهذا منكرٌ عظيمٌ وظاهرٌ، وأمرٌ شنيعٌ، وكبيرةٌ من كبائر الذُّنوب. فيجب على مَنْ فعل ذلك أن يتوب إلى الله، ويرفع إزاره وثيابه على الصِّفة المشروعة.

 

واعملوا: أنَّ الله لا يحبُّ مَنْ كان مُطيلاً لثيابه وسراويله تحت الكعبين؛ كما في الحديث عن المُغيرةَ بن شُعبةَ قال: رأيتُ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم آخِذٌ بحُجْزَة سفيان بن أبي سَهْل، فقال: ((يا سفيان، لا تُسبِل إزاركَ؛ فإنَّ الله لا يحبُّ المُسبِلين))؛ رواه ابن ماجه وابن حبَّان، وهو حديثٌ حسنٌ.

وأمَّا مقدار حدِّ الإزار والمشروع: إلى نصف السَّاق، وهكذا كانت ثيابه عليه الصَّلاة والسَّلام إلى أنصاف ساقَيْه؛ كما ثبت ذلك في صفة لِباسه، وكما ثبت في أمره بذلك. فإن أحبَّ المرء أن يُطيلَ فإلى الكعبين، ولا يجوز له أن يُطيل أكثر من ذلك، قال عليه الصَّلاة والسَّلام: ((إزْرَة المؤمن إلى نصف السَّاق، ولا حَرَجَ فيما بينه وبين الكعبَيْن، وما كان أسفل من ذلك فهو في النَّار))؛ رواه مالك وأبو داود والنَّسائي وابن ماجه وابن حبَّان، وهو حديثٌ صحيحٌ.

وروى البخاريُّ والنَّسائيُّ عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((ما أسفل الكعبَيْن من الإزار ففي النَّار)).

 

فاتقوا الله أيها المسلمون، ولا تستهتروا بقضية اللِّباس، وارفعوا ثيابكم فوق الكعبين؛ حتى تبتعدوا عن غضب ربِّكم، وتنالوا رضاه، وتجتنبوا سَخَطَه.

 

وهناك فريقٌ آخَر غير المُسبِلين: فريقٌ من المستهترين وممَّن ضعف وقار الله في قلوبهم؛ فهؤلاء يرفعون لباسهم فوق الركبتين، فتبدوا أفخاذهم أو بعضها، كما يفعله بعض مَنْ يلعبون الكرة، وبعض العمال أيضًا، وهذا أيضًا لا يجوز؛ لأن الفَخِذَيْن عورةٌ يجب تغطيتها وسترها، ويَحْرُم مع ذلك كشفها، وقد ورد عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: ((غَطِّ فَخِذَكَ؛ فإنَّها من العورة))؛ رواه أبو داود والتِّرمذي، وهو حديثٌ حسنٌ.

وروى التِّرمذي بسندٍ حسنٍ، أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال لعليٍّ رضي الله عنه: ((يا عليُّ، لا تُبرز فَخِذَكَ، ولا تنظر إلى فَخِذ حيٍّ ولا ميِّتٍ))، وفي روايةٍ: نهاني رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن كشف الفَخِذْ وقال: ((لا تكشف فَخِذَكَ، ولا تنظر إلى فَخِذ حيٍّ ولا ميِّتٍ))؛ حسنٌ.

أيها المسلمون:

يقول الله تعالى: ﴿ يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴾ [الأعراف: 26].

 

فالله سبحانه يمتنُّ على عباده بما جعل لهم من اللِّباس والرِّيش، والمراد به سَتْر العورات، وهي السَّوْءات، والرِّيش: ما يُتجمَّل به ظاهرًا؛ فاللِّباس من الضروريات، والرِّيش من الكماليَّات. ولمَّا امتنَّ سبحانه باللِّباس الحسِّيِّ الذي يُتَّخَذْ لسَتْر العورة وتدفئة الجسم وتجميل الهيئة فيه - نبَّه على لباسٍ أحسن منه وأكثر فائدة، وهو لباس التقوى، الذي هو التحلِّي بالفضائل والتخلِّي عن الرَّذائل، ولباس التَّقوى هو الغاية وهو المقصود، ولباس الثياب معونةٌ عليه، ومَنْ فقد لباس التَّقوى لم ينفعه لباس الثياب:

إِذَا المَرْءُ لَمْ يَلْبَسْ ثِيَابًا مِنَ التُّقَى ♦♦♦ تَقَلَّبَ عُرْيَانًا وَإِنْ  كَانَ  كَاسِيَا

 

ولباس التقوى يستر العبد فلا يبلى ولا يبيد، وهو جمال الرُّوح والقلب، وخشية الله في السرِّ والعَلَن، ولباس الثِّياب إنما يستر العورة الظَّاهرة في وقتٍ من الأوقات ثم يبلى ويبيد.

 

ولهذا كان لزامًا على مَنْ لبس الثياب أو البنطلونات أن تكون ثيابه وَفْقَ السُّنة، ووَفْق ما أمر به رسول الله، ليس فيها إطالةٌ تحت الكعبين، وليس فيها تشبُّه بالكفَّار والمنافقين أعداء الدِّين.

أسأل الله أن يجعلنا ممَّن يستمعون القول فيتَّبعون أحْسَنَه.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21].

الخطبة الثَّانية

أيها المسلمون:

ونختم وصايا الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام لجابر بن سُلَيْم في آخِر الحديث؛ حيث قال له: ((وإن امرؤٌ شتمكَ وعيَّرك بما يعلم فيك؛ فلا تعيِّره بما تعلم فيه، فإنَّما وبالُ ذلك عليه))، وهذا من باب مقابلة الإساءة بالإحسان: ﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ [فصلت: 34].

ولأنَّ الشَّتْم والسّباب ليس من خصال أهل العلم والإيمان؛ حذَّر النبيُّ عليه الصَّلاة والسَّلام هذا الصحابي وأدَّبه ودلَّه على الفعل اللائق به: إنَّ شَتْمَك أيَّ إنسانٍ - وإن كان ما يقوله الشَّاتم حقًّا - مذمومٌ، وما ذاك إلاَّ لأنَّ هناك مَلَكًا يُنافح عن المشتوم ويدافع عنه، كما في قصة أبي بكر رضي الله عنه عندما شَتَمَه رجلٌ عند رسول الله عليه الصَّلاة والسَّلام فلمَّا أكثر عليه ردَّ عليه أبو بكر، فقام عليه الصَّلاة والسَّلام وذهب، فلحقه أبو بكر وقال: يا رسول الله، ألم تسمع ما يقول؟ فقال: ((لقد كان مَلَكٌ ينافِحُ عنكَ، فلمَّا ردَدْتَ عليه دخل الشيطان، فما أحببتُ أن أجلس)). بل قال عليه الصَّلاة والسَّلام في الحديث الصحيح: ((لا ينبغي لصدِّيقٍ أن يكون لعَّانًا))؛ أي: لا ينبغي لمَنْ صَدَقَ في عبادته بقوله وعمله أن يكون كثير السبِّ والغضب؛ حتى لا تزلَّ قدَمه ويُرْدِيه لسانُه.

وعن ابن مسعود رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((سباب المسلم فسوقٌ، وقتاله كفرٌ))؛ متَّفقٌ عليه.

 

والسِّباب: مصدرُ سَبَّ، وهو من أبلغ السَّبِّ، وهو أن يقول فيمن يسبَّه بما فيه وما ليس فيه. فبيَّن عليه الصَّلاة والسَّلام أنَّ ذلك فسوقٌ؛ أي: خروجٌ عن طاعة الله ورسوله.

واللَّعن من أعظم الشَّتم؛ فمَنْ لعن أخاه فقد ارتكب أمرًا عظيمًا؛ حيث ذكر عليه الصَّلاة والسَّلام أن: ((لعن المؤمن كقتله))؛ متفقٌ عليه.

 

وعن سَلَمَة بن الأَكْوَع قال: كنَّا إذا رأينا الرَّجل يلعن أخاه رأينا أنه قد أتى بابًا من الكبائر.

 

وقد روى أبو داود أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((إنَّ العبد إذا لعن شيئًا صعدت اللَّعنة إلى السَّماء، فتُغلق أبواب السَّماء دونها، ثم تهبط إلى الأرض، فتُغلق أبوابها دونها، ثم تأخذ يمينًا وشمالاً، فإن لم تجد مساغًا رجعت إلى الذي لُعِنَ، فإن كان أهلاً، وإلاَّ رجعت إلى قائلها)).

بل نهى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن سبِّ كلِّ شيءٍ، فقد نهى مثلاً عن شَتْم الحيوانات، فمن ذلك الدِّيك؛ فقد روى ابن حبَّان بسندٍ صحيحٍ، قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لا تسبُّوا الدِّيك؛ فإنه يوقظ للصَّلاة)).

 

ونهى عن سبِّ المَحْدودِين؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أُتيَ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بشاربٍ؛ فقال: ((اضربوه)). فمنَّا الضَّارب بيده، ومنا الضَّارب بنَعْله. فقال بعض القوم: أخزاك الله. فقال عليه الصَّلاة والسَّلام: ((لا تقولوا هكذا، لا تعينوا عليه الشَّيطان))؛ رواه البخاريُّ في "صحيحه".

ونهى عن سبِّ الرِّيح؛ فقال: ((إنَّ الرِّيح من رَوْح الله، تأتي بالرَّحمة، وتأتي بالعذاب، فلا تسبُّوها، وسَلُوا الله من خيرها، واستعيذوا بالله من شرِّها))؛ صحيحٌ.

 

وفي روايةٍ قال لرجلٍ لعن الرِّيح: ((لا تلعن الرِّيحَ، فإنها مأمورةٌ. مَنْ لعن شيئًا ليس له بأهلٍ؛ رجعت اللَّعنة عليه))؛ رواه أبو داود والتِّرمذي وابن حبَّان، وإسناده صحيحٌ.

 

ونهى أيضًا عن سبِّ الأموات؛ فقال: ((لا تسبُّوا الأموات فتؤذوا الأحياء))؛ رواه التِّرمذيُّ بإسنادٍ صحيح.

 

وروى الطَّبرانيُّ بإسنادٍ جيِّدٍ، أنَّ رسول الله قال: ((مَنْ ذكر امرأً بشيءٍ ليس فيه ليعيبه به؛ حبسه الله في نار جهنم حتى يأتي بنفاذ ما قال فيه)).

وخلاصة القول:

ينبغي لكلِّ واحدٍ منَّا أن يحفظ لسانه عن النُّطق بالسِّباب والفُحْش فيه والبذاءة:

احْفَظْ لِسَانَكَ لا تَقُولَ فَتُبْتَلَى ♦♦♦ إِنَّ  الْبَلاءَ  مُوَكَّلٌ   بِالْمَنْطِقِ

 

بل ينبغي للمؤمن أن يكون عفيف اللِّسان، غاضَّ الطَّرْف عن الناس وإيذاءهم، يعمل هذا وهذا، كل ذلك ابتغاء الأجر من الله سبحانه وتعالى، ليس ذلك ضعفًا ولا خَوَرًا؛ بل ضَبْطٌ للنَّفس وكَبْحٌ لجماح الغضب، وإمساكٌ لزلَّة اللِّسان، ولهذا نجد أنَّ الصَّحابيَّ الجليل جابر بن سُلَيْم عندما وصَّاه النبيُّ عليه الصَّلاة والسَّلام استجاب، فلم يشتم بعد ذلك شيئًا، فيا ليت النَّاس اليوم يحفظون ألسنتهم من الشَّتْم والتنقُّص لإخوانهم المسلمين، ويا ليتهم يعملون بهذه الوصيَّة؛ حتى يَسُودَ الوئام والأُلْفَة والمحبَّة بيننا معشر المؤمنين.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • وقفة مع مصطلح الآداب الشرعية
  • أصول وآداب النقد
  • فقرة عن الحوار
  • من آداب المسلم
  • الأناقة تربية نبوية

مختارات من الشبكة

  • آداب الزيارة وشروطها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • آداب الضيافة ويليه آداب الطعام (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة مجموع فيه كتابان: شرح آداب البحث للسمرقندي وحاشية على شرح آداب البحث للسمرقندي(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • هيا بنا نتعلم الآداب الإسلامية - من هدي السنة النبوية (10)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • هيا بنا نتعلم الآداب الإسلامية - من هدي السنة النبوية (4)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • آداب التلقي والإجازات عبر وسائل التواصل الإلكترونية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الأدب غير الإسلامي(مقالة - موقع د. أحمد الخاني)
  • سلسلة الآداب الشرعية (آداب المزاح)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة الآداب الشرعية (آداب الزيارة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة الآداب الشرعية (آداب المجلس)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب