• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
  •  
    خطبة: أم سليم ضحت بزوجها من أجل دينها (1)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    خطبة: التربية على العفة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أسس التفكير العقدي: مقاربة بين الوحي والعقل
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
  •  
    ابتلاء مبين وذبح عظيم (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    فضل من يسر على معسر أو أنظره
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    حديث: لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    كونوا أنصار الله: دعوة خالدة للتمكين والنصرة
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    لا تعير من عيرك
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    من مائدة التفسير: سورة النصر
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أربع هي نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    وحدة المسلمين (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إذ قال الله يا عيسى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

مرض الغيبة

الشيخ خالد بن أحمد المسيطير

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 7/6/2010 ميلادي - 24/6/1431 هجري

الزيارات: 36367

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

مرض الغيبة

 

الحمدُ لله هادي القلوب، ومُصلِح النُّفوس، ومهذِّب الأرواح، وأشهد ألاَّ إله إلاَّ الله وحدَه لا شريك له، القوي القديرُ العزيز، الجبَّار الكريم المنَّان، يَهدي مَن يشاء، ويُكرِم مَن يُريد، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله، بلَّغ الرِّسالة، وأدَّى الأمانة، وحافظ على دِين الله والعبادة، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه، وعلى آله وكافَّة الصحابة، وعلى التابعين ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم القيامة.

 

أمَّا بعد:

فاتَّقوا الله أيُّها المؤمنون لعلَّكم تُفلحون، معشرَ المسلمين، حديثُنا في هذا اليوم عن مرضٍ خطير قد تفشَّى في هذا العصر، ذلك هو داءُ الغِيبة والسُّخرية الذي لم يَعُدْ مُقتصرًا على فِئة الرِّجال دون النساء أو العكس، ولم يعدْ مقتصرًا على طبقة العوامِّ دونَ المتعلِّمين أو العكس، ولم يعدْ مقتصرًا على الكِبار دون الصِّغار أو العكس، بل اشتَرَك في اقتِرافه الجميعُ، إلاَّ مَن رَحِم الله.

 

فلو نظرتَ فيما يَشغلُ الناسُ به مجالسَهم وقتَ فراغهم واستجمامهم، لرأيتَ ما يَروعُ من لغو الحديث؛ غِيبةً وازدراءً، وسخريةً وتقعُّرًا في الكلام وتشدُّقًا به؛ مِن أجْل التعالي، أو استِدرار المديح، أو غيرهما، وهذا ليس في كلِّ المجالس، وإنَّما في بعضها، ففي الناس مَن يعيش صفيقَ الوجه، شرِسَ الطبع، لا تحجزه مروءةٌ، ولا يردعه دينٌ أو أدب، جرَّدَ لسانَه مِقراضًا للأعراض، بكلمات تنضُح فُحشًا، وألفاظ تنهش نهشًا، يُسرِف في التجنِّي على عِباد الله؛ سخريةً ولمزًا، فهذا طويل وذاك قصير، وهذا أحمق وذاك جَهول، وهذا ثقيل وذاك خفيف، وهذا كريم وذاك بخيل، وكأنَّه قد وُكلَ إليه القدحُ والتجريح، وقد غَفَلَ عن قوله - سبحانه -: ﴿ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا ﴾ [آل عمران: 181]، وعن قوله - سبحانه -: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 18]، ويزدادُ الأمر وتعظمُ البَليةُ حين ترى مَن عليه علاماتُ الوَقار، وملامِح الاحتِشام، وسِيما الوجاهة، يُسفِر عن بَذاءَة وثَرْثرَة، يُصِمُّ بالخوْض بالباطل أُذني جليسه، ولا يدَع لأصحابِ فضلٍ فضلاً، يحمِل عليهم الحملاتِ الشعواءَ أحياءً أو أمواتًا، من جرَّاءِ زَلَّةِ لسانٍ أو سبْقِ قلم، فلا تطمئنُّ له نفسٌ، ولا يهدأ له بالٌ حتى يتكلَّم في فلان، أو يسخَر بفلان، فَديْدنُه في المجالس الحديثُ في الآخَرين سبًّا وازدِراء، وكذلك شأنُه في مكتبه، وفي سوقه، وفي سائر اجتِماعاته، فلا يرى أنَّ الغِيبة ممقوتةٌ، ولا يرى أنَّها مُحبِطةٌ لِمَا لديه من عمل صالحٍ، كان اكتسبه من صَوْمٍ وصلاةٍ، ونحوهما.

 

والغريب في الأمر أنَّه مع ما هو فيه من نَهْشٍ لأعراض الأبرياء، سواء كان الكلام فيهم حقًّا أم كذبًا، الغريب في ذلك أنَّ مَن هذا شأنُه، لو سَمِع مقالةً من آخَرَ تُفِيد الذمَّ له، لاحمرَّ وجهُه، وانتَفختْ أوداجُه، وتأبَّط الشرَّ لِمَن تحدَّث فيه ونال منه، فلا ندري حقيقةً لِمَا يغضب لنفسه من جرَّاءِ سهمٍ واحد وُجِّه إليه، وهو الذي يوجِّه سهامًا عديدة في كلِّ يومٍ، بل في كلِّ ساعة أحيانًا؟ أيعتقدُ مَن هذه شاكِلتُه أنَّ عِرْضه يختلف عن أعراض غيره من المسلمين؟ أم يرى أنَّ الوعيد في الغِيبة يشملُ غيرَه ولا يشملُه، فغيره مأخوذون ومُحاسَبون وهو وحدَه قد سقطتْ عنه التكاليف، فلا يُحاسَب على ما يُصدره لسانُه من سوء!

 

فإلى كلِّ مَن أرخى العِنان للسانه، ليقلْ ما يشاء، وليتحرَّكْ كما يشاء، فيكذب عندما يريدُ الكذب، ويَشِ عندما يَهوَى الوشاية، ويسخر عندما تحلو له المجالس، إلى كلِّ مسلِم قد ابتُلِي بهذا الداء، أُوَجِّهُ إليه هذه الآيات والأحاديث الزاجرة؛ لتكونَ منقذةً له من مُوبِقات اللِّسان:

يقول - جلَّ وعلا -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحجرات: 11 - 12].

 

وأمَّا الأحاديث، فعَن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((أتدرون مَن المفلِس؟)) قالوا: المفلس فينا مَن لا دِرهمَ له ولا متاع، فقال: ((المُفلِس من أمَّتي مَن يأتي يومَ القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقدْ شَتَم هذا، وقذف هذا، وأَكَل مالَ هذا، وسَفَك دَمَ هذا، وضرَب هذا، فيُعطَى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فَنِيَت حسناتُه قبلَ أن يقضيَ ما عليه، أُخِذ من خَطاياهم فطُرِحت عليه، ثم طُرِح في النار))؛ أخرجه الإمام مسلم - رحمه الله.

 

يقول ابن حجر الهيتميُّ عن الغِيبة: إنَّ فيها أعظمَ العذاب، وأشدَّ النَّكال، فقد صَحَّ فيها أنَّها أربى الرِّبا، وأنها لو مُزجِت بماء البحر لأنتنتْه وغيَّرت رِيحَه، وأنَّ أهلها يأكُلون الجِيَف في النار، وأنَّ لهم رائحةً مُنتِنة فيها، وأنهم يُعذَّبون في قبورهم، وبعض هذه كافية في كون الغِيبة من الكبائر، فكيف إذا اجتَمعتْ؟! وكلُّ هذا في الأحاديث الصحيحة.

 

ويقول ابن حجر في تعريفها: وجدتُ بخط الإمامِ تقي الدين ابن دقيق العيد أنَّه روى بسنده إلى النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((ما كرهت أن تُواجِه به أخاك فهو غِيبة))، ولمعاذ بن أنس الجُهني: أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن حَمَى مؤمنًا من منافق يغتابه بَعَث الله إليه مَلَكًا يحمي لحمَه يوم القيامة من نار جهنم، ومَن رَمَى مؤمنًا بشيءٍ يُريد سبَّه حبَسَه الله على جِسْر جهنم، حتى يخرج ممَّا قال))؛ رواه أحمد في "مسنده".

 

ولقد ذُكرتِ امرأةٌ لرسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ذُكِرت بكثرةِ صلاحها وصومها، ولكنَّها تُؤذِي جيرانها بلسانها، فقال: ((هي في النار)).

 

قالت عائشة - رضي الله عنها -: قلت للنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: حسبُك من صفيَّة كذا وكذا، قال بعض الرواة: تعني قصيرة، فقال - صلوات الله وسلامه عليه -: ((لقدْ قلتِ كلمةً لو مُزِجت بماء البحر لمزجتْه))؛ أي: لأنتنتْه وغيَّرت ريحه.

 

وعن أبي بكر - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال في خطبته في حجَّة الوداع: ((إنَّ دماءَكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرامٌ، كحرمة يومكم هذا، في شهرِكم هذا، في بلدكم هذا، ألاَ هل بلغْتُ؟)).

 

فهذه الآيات والأحاديث وغيرُها كثيرٌ، كلها تأتي مُحذِّرة من الغِيبة ومن الوقوع في أعراض المسلمين والمسلمات؛ ليعيشَ أفراد الأمَّة المسلمة حياةً تعلوها المحبَّة، وتكسوها المودَّة، وليكونوا إخوةً تجمعهم رابطةُ الأخوَّة في الدِّين يتحلَّوْن بحفظ ألسنتهم عن إخوانهم، فكلَّما رأوا عيبًا في أحدِهم دفنوه رهبةً من الله، ورغبةً في أن يعيش كلُّ فردٍ منهم حياةَ الأنس والرخاء والطمأنينة، فالألسن مشتغلةٌ بذِكْر المحاسن عن المساوئ، شغلتهم عيوبُهم عن عيوب غيرهم، هكذا يريد منَّا الإسلام، فهذا هو دِيننا، وهذه تعاليمه.

 

ولكنَّ ناسًا يأبون أن تسيرَ الأمَّة على هذا المِنوال بأعراضٍ مَصُونة، وبكرامة محفوظة، وبعيوب مستورة، يأبَوْن ذلك فيستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير، وقد يتساءَل المسلِمُ عن كُنْهِ الدوافع، وماهيَّة الدوافع للغيبة، فأُلخِّصها جوابًا لسؤاله بهذه النِّقاط الموجزة:

أولها: إشفاء الغَيْظ، فقد يغضب الإنسانُ من أخيه؛ لسوء تصرُّف صدر منه، فلا يجد ذلك الإنسان مجالاً للانتِقام أخصبَ من مجال الغِيبة.

ومن الدوافع أيضًا: قصْد الرِّفْعة والاستِعلاء على الغير، ومحاولة الصعود على أكتاف الآخَرين، فيرمي بالكلمة على فلان مِن الناس؛ ليوهمَ مَن حوله بأنَّه على خلافها، فتارة يتَّهم زيدًا بالبخل والشُّح؛ ليعتقدَ مَن حوله أنَّه كريم، وتارةً يتهم عمرًا بالجهل؛ ليُفهِمَ مَن حوله أنَّه عالِم، أو طالب عِلم.

 

ومن المؤسِف حقًّا أنَّ هذا الدافع له وجود عند بعض طلاَّب العلم - هَداهم الله - فتَسمع في المجالس أحيانًا ممَّن يُنتَظَر منه الخير، ويُؤمَن منه الشَّر مَن ينتقد الخطيبَ الفلانيَّ، أو المُحاضرَ الفلاني، ويَسِمُ ذاك بكذا، والآخر بكذا، فالخطيب الفلاني يَلْحَن، والآخَر أسلوبُه ركيك، والثالث لا يُشبِع الموضوع، والرابع فيه كذا، وكأنَّه الرقيب عليهم، بل يعتقد أنَّ ما يقوله داخلٌ ضِمن إطار النقد الهادف والبنَّاء، وأنَّى له ذلك، فالمقصود بالنقد الهادف والبنَّاء أن يكونَ في وجه المنتقَد نفسِه، من أجل أن يَستفيدَ ويستقيم، وأمَّا في حالة غياب المنتقَد، فإنَّ هذا من باب الغِيبة، والدافع له في أغلب الأحيان إيهامُ مَن حوله بأنَّه هو الخطيب أو الداعية المثالي، مع أنَّ مَن هذا دأبُه في الغالب لا يستطيع أن يَقِف مجرَّد وقفة أمام الجموع، فضلاً عن حُسنِ اختيار الموضوع، وجميل طَرْحه.

 

ومن الدوافع أيضًا: حسدُ الغَيْر، فمِن الناس مَن تثور ثائرته، وتشمئزُّ نفسه، ويزداد صدرُه ضيقًا حرجًا كأنَّما يصَّعَّد في السماء عندَ سماعه الثناءَ على أحدٍ من الناس، فلا يجد مُتنفَّسًا لذلك الضِّيق إلاَّ بالقدح فيه، مُحاولاً أن يُثنِيَهم عن المدح والثناء؛ حبًّا لزوال تلك النِّعمة من ذلك الممدوح، فإذا لم يجد قدحًا أوردَ كلماتٍ للتشكيك في أمره، فتارة يقول: لا تُبالِغوا في المدح، وتارة يقول: الإخلاصُ صعْب جدًّا، وتارة يقول: قُلتُم فيه ما لا يستحق، إلى غير ذلك من الكلمات، والعجيب في الأمر أنَّهم لو قدحوا فيه لَمَا نَهَرهُم، مع أنَّهم يأثمون في القدح، ويُؤجرون في المدح - إذا كان ذلك في غياب الممدوح!

 

ومن الدوافع أيضًا: إرادةُ السُّخرية والاستهزاء به، من باب إضحاك الآخَرين، فأحيانًا يُقلِّد فلانًا في مشيته، وأحيانًا يُقلِّد كلامه، وأحيانًا يأتي بكلِّ حركةٍ من الحركات المضحِكة فيه؛ طمَعًا في إضحاك مَن حوله، دون مبالاة بذلك العِرْض النفيس المهدر.

 

أيُّها الإخوة المؤمنون:

يقول ابن عبَّاس - رضي الله عنه -: "إذا أردتَ أن تذكر عيوبَ صاحبك، فاذكرْ عيوبك"، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((يُبصِر أحدُكم القذاةَ في عين أخيه، ولا يبصر الجِذْع في نفسه)).

 

اللَّهُمَّ طَهِّرْ ألسنتَنا من الغِيبة، واجعلْنا ممَّن يتَّبعون الصالِح من القوْل والعمل، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذِّكْر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين من كلِّ ذنبٍ، فاستغفروه، إنَّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله، يَهدي إلى الطيِّب من القول، ويَهدي إلى صراط الحميد، نحمده - سبحانه - ونشكره، ونشهد ألاَّ إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، ونشهدُ أنَّ سيِّدنا محمدًا عبدُه ورسوله، أدَّبه ربُّه فأحسن تأديبَه، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، ومَن تَبِعهُم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين.

 

وبعد:

فاتقوا الله أيُّها المسلمون، واحفظوا جوارحَكم، وصُونوا أنفسَكم عن سفيه الأقوال والأفعال.

أيُّها المسلمون:

ما هو موقفُنا تُجاهَ الغِيبة وأهلها؟ وإلى متى سنظلُّ تحت جحيمها؟ إنَّنا إذا لم نتخذْ موقفًا قويًّا صارمًا في وجوه المُغتابِين، وقبل ذلك موقفًا قويًّا مع ألسنتنا نحن، إذا لم نقُم بذلك فإنَّ الخطر، لا أقول علينا فقط، بل وعلى أجيالنا مِن بعدنا، وإنَّني أرى أنَّ أقْوى موقفٍ يُتَّخَذ تُجاهَ الغِيبة في المجالس، الذبُّ مباشرة عن أعراض الغائبين، والوقوفُ بقوةٍ في وجوه المُغتابِين، فإن لم تكن هذه فلا أقلَّ من الثانية، وهي مفارَقة المجلس؛ امتِثالاً لأمر ربِّ العالمين حيث قال ربُّنا - سبحانه -: ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنعام: 68].

 

أخي المسلم، لِيَكنْ لك في الذبِّ عن أخيك معياران:

المِعيار الأول: أن تُقدِّر أنَّ الذي فيه لو قيل فيك ماذا كنتَ تُحبُّ أن يقولَه أخوك فيك؟ ألستَ تحبُّ منه أن يُدافِع عنك؟! فكذلك هو يعيش بهذا الشُّعور.

 

المعيار الثاني: أن تتصوَّر أنَّه حاضرٌ يسمَع الكلام من وراء جِدار، أفلا تحبُّ أن يسمعك، وأنت تُدافِع عنه؟ أو تُثنِي عليه، قال بعضُ السلف: ما ذُكِر أخٌ لي بغَيْب إلاَّ تصورته جالسًا بيننا، فقلت فيه ما يحبُّ أن يسمعَه لو حضر.

 

وأخيرًا: أيُّها الإخوة في الله، اعلموا أنَّ الغِيبة محرَّمةٌ في كتاب الله، سواء كان الكلام في الآخَرِ حقًّا، أم باطلاً، إلاَّ أن يكون مدحًا وثناءً، وأمَّا ذمُّ المسلِم أثناء غِيابه، فلا يجوز بحالٍ من الأحوال، إلاَّ في هذه الحالات الآتية:

أولاً: المظلوم يشكو لِمَن يَظنُّ أنَّ له قدرةً على إزالة ظُلمه.

ثانيًا: الاستِعانة على تغيير منكَر مُجَاهَرٍ به، وذلك بقصْد التوصُّل إلى إزالة ذلك المنكر؛ كأن تأتيَ إلى طالب عِلم تستعين به بعدَ الله ليذهبَ معك أو ليذهب وحدَه لِمناصحة مُرابٍ أو مُجاهِر بفِسْق.

ثالثًا: الاستِفتاء، كقولك للمُفتي: ظَلَمني فلانٌ بكذا، مع أنَّ الأَوْلَى إبهامُ الظالم، وعدم التصريح بالاسم، إلاَّ إذا كان في ذلك مصلحة.

رابعًا: تحذيرُ المسلِم من الشَّرِّ، كفاسقٍ أو مبتدعٍ يريدُ أن يخالِطَ المسلمين في أمور دُنياهم، أو أن يتزوَّج منهم، بل إنَّه أحيانًا يتحتَّمُ عليك أن تُخبِر بذلك؛ إنقاذًا للأبرياء من المسلمين.

خامسًا: إذا كان المسلِم معروفًا بِلَقَبٍ، وقد رضِي به، فلا بأس في ذلك؛ كالأعرج والأعمش، بشرْط أن يكون ذلك من باب التعريف، وليس من باب الذمِّ والتنقيص.

 

عباد الله:

صلُّوا وسلِّموا على خير عِباد الله، فقد أمَرَكم الله بذلك، فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارِكْ على عبدك ورسولك محمَّد، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشِدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدِّين، اللهمَّ طهِّرْ قلوبنا من النِّفاق، وعملَنا من الرِّياء، وألسنتَنا من الكذب والغِيبة والنميمة، وأعْيُنَنا من الخيانة، إنَّك تعلم خائنةَ الأعين وما تُخفي الصدور.

 

اللهمَّ أصلحْ فسادَ قلوبنا، اللهمَّ أصلحْ فساد قلوبنا، اللهمَّ إنَّا نسألك حبَّك، وحبَّ مَن يحبُّك، وحبَّ العمل الذي يُقرِّبنا إلى حُبِّك، اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمد، اللهمَّ انصرْ إخوانَنا المجاهدين في سبيلك، اللهمَّ انصرهم على عدوِّك وعدوِّهم يا ربَّ العالمين، اللهمَّ عليك بأعدائهم، اللهم فرِّق جمعَهم، وشَتِّت شملهم، وأضعِفْ شوكتَهم، واقذفِ الرعب في قلوبهم، اللهمَّ اجعل شأنَهم في سَفال، وأمرَهم في وَبال، اللهمَّ لا ترفعْ لهم راية، واجعلهم لِمَن خلفهم آية، اللهمَّ فرِّجْ همَّ المهمومين، ونفِّس كُرَب المكروبين.

 

عباد الله:

إنَّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القُرْبى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلَّكم تذكَّرون، فاذكروا الله يذكرْكم، واشكروه على نِعَمِه يَزِدْكُم، ولَذِكْرُ الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • النساء والهاتف ترويح وتسلية.. أم غيبة ونميمة
  • الفرق بين مواطن جواز الغيبة والإساءة القبيحة
  • الطريق إلى الله
  • الغيبة
  • سلامة الإنسان في حفظ اللسان
  • خطر الغيبة والنميمة
  • الفلتر الثلاثي لمواجهة الغيبة
  • دونكم الحبل فاختنقوا!
  • ذكرك أخاك بما يكره
  • فلان مثل الجوكر!!
  • الغيبة (أسبابها - آثارها - علاجها)
  • هل الحزن مرض؟
  • تتبع عورات الناس
  • الغيبة بلية ومصيبة
  • الغيبة مرعى اللئام ( خطبة )
  • ادعاء علم الغيب
  • الغيبة
  • التحذير من الغيبة
  • النهي عن الغيبة والتباغض والتقاطع
  • تعريف الغيبة وحكمها
  • الغيبة والنميمة يحتان الإيمان كما يعضد الراعي الشجرة
  • أجر من ذب عن أخيه في الغيبة
  • من صور الغيبة
  • الغيبة: تعريفها وخطرها وحال السلف معها
  • خطورة الغيبة على الفرد والمجتمع
  • الفرق بين: الغيبة والبهتان والشتم والإفك
  • الغيبة من الكبائر
  • تحريم الغيبة بالقلب
  • قبح الغيبة وعظم خطرها
  • حال المغتاب
  • من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته
  • متى تباح الغيبة؟
  • استحباب الإبراء من الغيبة
  • بواعث ودوافع الغيبة
  • هل الغيبة من كبائر الذنوب؟
  • ترك الغيبة في الصيام
  • لا تغتابوا المسلمين (خطبة)
  • الغيبة: حقيقتها ومخاطرها (خطبة)
  • خطبة عن الغيبة
  • التخلص من الغيبة
  • معنى الغيبة وأدلة تحريمها
  • أقوال عن الغيبة
  • تجوز الغيبة في ستة مواضع
  • أسباب الغيبة

مختارات من الشبكة

  • أمراض المال(مقالة - موقع د. زيد بن محمد الرماني)
  • تفسير قوله تعالى: {في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلام (قصة حول مرض الشيزوفرينيا - مرض الانفصام)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • تفسير: (في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أمي تتظاهر بالمرض، حتى اشتهرتْ بمرضها النفسي(استشارة - الاستشارات)
  • مرض القلب ومرض الجسم(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • مرض نفسي ومرض صحي(استشارة - الاستشارات)
  • حال المؤمن مع المرض (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حصون للوقاية من آثار وباء كورونا النفسية(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 14/11/1446هـ - الساعة: 17:59
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب