• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة الجمعة ليوم عيد الأضحى
    عبدالوهاب محمد المعبأ
  •  
    صلاة العيد وبعض ما يتعلق بها من أحكام
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    وقفات مع عشر ذي الحجة (3)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    خطبة: أهمية اللعب والترفيه للشباب
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    عيد الأضحى: فرحة الطاعة وبهجة القربى
    محمد أبو عطية
  •  
    كيف يعلمنا القرآن الكريم التعامل مع الضغط النفسي ...
    معز محمد حماد عيسى
  •  
    أحكام الأضحية (عشر مسائل في الأضاحي)
    د. شريف فوزي سلطان
  •  
    زيف الانشغال
    أ. د. عبدالله بن ضيف الله الرحيلي
  •  
    خطبة الجمعة في يوم الأضحى
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    الأخذ بالأسباب المشروعة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    يوم العيد وأيام التشريق (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    المقصد الحقيقي من الأضحية
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    خطبة الأضحى 1446 هـ (إن الله جميل يحب الجمال)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    خطبة عيد الأضحى 1446هـ
    عبدالوهاب محمد المعبأ
  •  
    لبس البشت فقها ونظاما
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    خطبة: مضت أيام العشر المباركة
    محمد أحمد الذماري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

آن أوان التوبة (خطبة)

آن أوان التوبة (خطبة)
الشيخ عبدالله محمد الطوالة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 24/2/2025 ميلادي - 26/8/1446 هجري

الزيارات: 4298

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

آن أوان التوبة

 

﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ﴾ [الأنعام:1]، ﴿ وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [القصص:70].

 

وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريك له، ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ [الصف:9]، ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الشورى:25].

 

وأشهدُ أن محمدًا عبدهُ ورسولهُ، وصفيهُ وخليلهُ، إمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، وسيد ولد آدم أجمعين، صلى الله وسلم عليهِ، وعلى آله وصحابتهِ والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أمَّا بعدُ: فأوصيكم أيها الكرام ونفسي بوصية الله القائل: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون ﴾ [التغابن:16]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون ﴾ [الحشر:18].

 

معاشر المؤمنين الكرام: العاقلُ من تفكّرَ في مصيره ومآله، فجدَّ واجتَهدَ في محاسبة نفسهِ وإصلاحِ أحواله، والتزودِ ليوم ارتحاله، نظرَ في العواقب فجانَبَ الذنوبَ والمعاطب، خافَ من ذُلِّ المقامِ بين يديِّ الملكِ العلام، فأخلص لله واستقام.. ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ [فصلت:46].. وللهِ درُّ أقوامٍ إِذا مسَّهم طائفٌ من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون، نظروا في عيوبهم، فاستغفروا لذنوبهم، ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون، ﴿ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴾ [آل عمران:136].

 

احبتي في الله: اعلموا أن كلُّ معاناةٍ للقلوبِ، فإنما هي من تراكم الذنوب، وأنّ علاجُها، أن نَفِرَّ إلى اللهِ ونتُوب: ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [النور:31].. فالتّوبةُ يا عباد الله: من أعظمِ العباداتِ وأحبِّها إلى الله تعالى.. مَن اتّصفَ بها تحقَّق فلاحُه، وتأكدَ نجاحُه، وصلح حاله ومآله، كما قال جلَّ جلاله: ﴿ فَأَمَّا مَن تَابَ وَءامَنَ وَعَمِلَ صَـالِحًا فَعَسَى أَن يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ ﴾ [القصص:67].. وفي الحديثِ الصَّحِيحِ: " كُلُّ أبن آدمَ خطاءٌ، وخيرُ الخطَائِينَ التَّوابُون".. وما منا إلا وهو في أشدِّ الحاجة للتَّوبة، ولذا فالجميع مُطالبٌ بها، وبنصِّ القرآن الكريم والسنة: قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا ﴾ [التحريم:8].. وقال تعالى: ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [النور:31]، وفي الحديث الصحيح، قال صلى الله عليه وسلم: (يا أيها الناس، توبوا إلى الله واستغفروه، فإني أتوب إلى الله في اليوم والليلة أكثر من مائةِ مرة).

 

وما هي التوبة يا عباد الله: التَّوبةُ خُضوعٌ للرَّبِّ وانكِسار، وندمٌ وتحسُّرٌ واستغفار.. التَّوبةُ خَوفٌ ورجاء، وخجلٌ من الجليل وحياء، وتَضرعٌ ومُناجاةٌ ودُعاءٌ.. والتَّوبةُ لها أركانٌ ثلاثة: نَدمٌ وإقلاعٌ وعزيمة، نَدمٌ على ما فرَّطَ وقصَّر في الماضي، وإقلاعٌ فوريٌّ عن الذنوبِ والمعاصِي، وعزمٌ قويٌّ على عدمِ مُعاودتها فيما سيأتي.. والتَّوبةُ دائمًا بابُها مفتوح، ودخولها في كُلِّ وقتٍ ولكل أحدٍ مسموح، ما لم تأتي سَكرةُ الموتِ وتغرغر الروح.. في الحديثِ القُدسِي الصَحِيحِ، قالَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: قالَ اللهُ تعالى: "يا بن آدم، لو بلَغَتْ ذُنوبُكَ عنانَ السماء، ثمَّ استغفرتَني غفَرْتُ لَكَ ولا أُبالي".. وتأملوا يا عباد الله: كيف ينادى الله عباده المؤمنين: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا ﴾ [التحريم:8].. وينادي المسرفين على أنفسهم بالذنوب، ويخصهم بقوله: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر:53].. وفي الحديث القدسي أنَّ الله جلَّ جَلاله يَنزِلُ في كُلِ ليلةٍ إلى سماءِهِ الدُّنيا نزولًا يليقُ بجلاله، فيكرر النداء: «هل من تائبٍ فأتوبَ عليه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟.. وأنهُ جلّ جلاله يفرحُ بتوبة عبدهِ فرحًا عجِيبًا لا تُطِيقُ العِباراتُ وصفُه، كما جاء في حديث الذي أضلَّ راحلتهُ في أرضٍ فلاة، وأنهُ سبحانه يؤمِنُ التائبين ويطمئنهم، فيقولُ جلَّ وعلا لهم: ﴿ وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنعام:54].. ويؤكدُ لهم مغفرته بصيغة المبالغة: ﴿ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ﴾ [طه:82].. ويؤكد قبولها بقوله: ﴿ فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [المائدة:39].. ويؤكدُ القبول مرارًا فيقول: ﴿ أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيم ﴾ [التوبة:104]، ويبشرهم ببشارةٍ عجيبةٍ فيقول: ﴿ إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الفرقان:70]، ويبشرهم بأعظم البشائر فيقول سبحانه: ﴿ إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا ﴾ [مريم:60].

 

وباب التوبة هو باب المؤمنين الذين قالوا: ربنا الله ثم استقاموا.. وهو باب التطهر من الذنوب كلها؛ فالتوبة تجبُ ما قبلها، في الحديث الصحيح يقول صلى الله عليه وسلم: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له).. والتوبة بابٌ من أعظم أبواب الخير، فالله تعالى يقولُ: ﴿ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ ﴾ [التوبة:74]، ويقول سبحانه: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا ﴾ [النساء:66].

 

والتوبة بابٌ للسلامة من الظلم والآثام، لنتأمل قول الحق جلَّ وعلا: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾.. والتوبة بابٌ لتصفية القلوب وتطهيرها، يقول صلى الله عليه وسلم: (إذا أذنب العبد ذنبًا نكتت فيه نكتة سوداء، فإذا تاب وندم واستغفر صُقِل قلبه).

 

والتوبة بابُ لرضوان الله على العبد ومحبته؛ في الحديث الصحيح، يقول صلى الله عليه وسلم: (لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرضٍ فلاة).

 

والتوبة باب للسعادة والحياة الحسنة المطمئنة؛ يقول تعالى: ﴿ وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا ﴾ [هود:3].

 

والتوبةُ والاستغفارُ بابُ رزقٍ واسع، وبه تتحققُ خيراتُ الدنيا والآخرة: قال تعالى: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [نوح: 10].

 

والتوبة بابٌ عظيمٌ من أبواب دخول الجنة، يقول تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ ﴾ [التحريم:8].

 

فجدِّدوا يا عباد الله توبتكم، وتداركوا بصادق الرغبةِ ما فاتكم، والجِدَّ الجِدَّ تغنَمُوا، والبِدارَ البِدَارَ أن لا تندَمُوا.. ﴿ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ﴾ [الزمر:56].

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿ إِنَّمَا التَّوبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيهِم وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ [النساء:17].

 

أقول ما تسمعون...

 

الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى، وصلاة وسلاما على عباده الذين اصطفى..

 

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله وكونوا مع الصادقين، فَعَلَى قَدرِ الصِّدقِ يَكُونُ الفَوزُ، قال جلَّ وعلا: ﴿ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ﴾ [محمد:21]، ولا بدُّ للصدق من دليلٍ عملي: ﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾ [العنكبوت:2].

 

معاشر المؤمنين الكرام: من عظيم كرمِ اللهِ ولُطفهِ بعباده، وسابغ رحمته بهم، أنه سبحانهُ يُيسرُ لهم طريق الرجوع والتوبة، فيوفقهم ابتداءً للتوبة الصادقة، ويحببُها لهم ويُعينهم عليها، ثم يتقبلُها منهم ويعفو عنهم، ويغفرُ لهم الذنوب كلها، مهما كثرت وتعاظمت، تأملوا هذا النص القرآني العجيب: ﴿ وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلًا عَظِيمًا ﴾ [النساء:27]، وفي صحيح الإمام مسلم، يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: "والَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، لَو لم تُذنِبُوا لَذَهَبَ اللهُ بِكُم، وَلَجَاءَ بِقَومٍ يُذنِبُونَ فَيَستَغفِرُونَ اللهَ فَيَغفِرُ لَهُم".. ولا أدل على ذلك من كثرة العبادات السهلة، التي من فعل شيئًا منها بصدق وإخلاص غُفر له ما تقدمَ من ذنبه، في الحديث الصحيح: "مَنْ قَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيَّ الْقَيُّومَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ غُفِرَ لَهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ فَرَّ مِنْ الزَّحْفِ".. وفي الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ".. وفي الصحيحين أيضًا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ".. وفي الحديث الحسن، قال عليه الصلاة والسلام: "مَنْ أَكَلَ طَعَامًا، ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنِي هَذَا، وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلَا قُوَّةٍ، غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ".. "وَمَنْ لَبِسَ ثَوْبًا فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى كَسَانِي هَذَا الثَّوْبَ وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّى وَلاَ قُوَّةٍ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ".. وغيرها كثير، والموفق والله، من وفقه الله.. فجاهدوا أنفسكم يا عباد الله، فإنَّ العبدَ المسلم إذا جاهدَ نفسهُ على طاعة ربه، وكفَّها عن مّعصِيتهِ، ولازمَ التوبةَ والاستغفارَ وداومَ عليها، وصبرَ على ذلك ابتغاءَ مرضاةِ اللهِ؛ انقادت نفسهُ لذلك شيئًا فشيئًا، حتى تألفَ الطاعة وتأنس بها وتحبُها، ومن ثمَّ تُصبِحُ المعاصِي من أكرهِ الأشياءِ إليه.. واللهُ عزَّ وجلَّ برحمته وفضلهِ، إذا علمَ من عبده حُسنَ النيةِ، وصِدقَ الرغبةِ، أعانهُ وسددهُ، وهيأ لهُ الأسباب، وفتحَ لهُ من خزائنِ جودهِ ما لا يخطرُ لهُ على بال.. إيّ واللهِ يا عبادَ الله: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾ [الليل:5].. وقال تعالى: ﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [الحجرات:7].. ويقول جلَّ وعلا أيضًا: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [النساء:26].

 

ويا للهِ يا عباد الله: فكم من الأعمارِ أمضينا، وكم من العبرِ والعظاتِ مرَّ بنا، وكم من الفرصِ السانحة مُنحنا، وكم من المواسمِ الفاضلة أدركنا، وكم من النصائحِ والمواعظِ سمعنا وسمعنا، فإلى متى يا عباد الله: ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [الحديد:16].

 

ها هي التوبةُ يا عباد الله: قد فُتِحتَ لنا أبوابُها.. وحلَّ بيننا زمانُها وآنَ أن يحين أوانُها.. فهلمَّ يا كرام! هلمَّ لنجدِّدَ توبتنا، ونفِرَّ سِراعًا إلى ربنا.. ومن هو أرحمُ بنا من أمهاتنا، القائلُ جلَّ وعلا: ﴿ فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [المائدة:39].

 

هلمَّ يا عباد الله: لنفتحَ صفحةً جديدةً مع الله، نبدأها بتوبةٍ ناصحةٍ صادقةٍ، وبعزيمةٍ مُؤكدةٍ محقَّقة، ثم نُقبِلُ على الله صادقين مخلصين، وَنَعُودَ إليه تبارك وتعالى نادمين منيبين تائبين.. خصوصًا وقد اضلنا زمانُ التوبة والتقوى.. بلغنا الله واياكم شهر الخير والهدى، ورزقنا فيه العونَ والتوفيق لكل ما يحبُّ ربنا ويرضى.

 

ويا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان.

 

اللهم صل على محمد...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • أهمية التوبة (خطبة)
  • الأمور المعينة على التوبة (خطبة)
  • باب التوبة (خطبة)
  • من صفات عباد الرحمن: ملازمة التوبة (خطبة)
  • التوبة.. التوبة (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • حكم اتخاذ الأواني المصنوعة من الذهب والفضة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الأكل في أواني المشركين وفي المطاعم في الغرب(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)
  • معنى قاعدة: من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قد آن أوان العمل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أنواع الخطابة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • درر مختصرة من أقوال السلف رحمهم الله (9)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • دلو برتقالي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • خطبة صلاة الكسوف(مقالة - موقع الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك)
  • خطبة حجة الوداع والدروس المستفادة منها (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بعد عامين من البناء افتتاح مسجد جديد في قرية سوكوري
  • بعد 3 عقود من العطاء.. مركز ماديسون الإسلامي يفتتح مبناه الجديد
  • المرأة في المجتمع... نقاش مفتوح حول المسؤوليات والفرص بمدينة سراييفو
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 10/12/1446هـ - الساعة: 12:20
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب