• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

حال المؤمن مع المرض (خطبة)

حال المؤمن مع المرض (خطبة)
رمضان صالح العجرمي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 5/1/2025 ميلادي - 5/7/1446 هجري

الزيارات: 6557

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

حالُ المؤمنِ مَعَ المرضِ

 

1- الفوائد والحِكَمُ من المرض.

 

2- أحوال المؤمن مع المرض.

 

الهدف من الخطبة:

التذكير بنعمة الصحة والعافية، وبيان الفوائد والحِكَم من الأمراض، وكيف يتعامل المؤمن مع الأمراض؟

 

مقدمة ومدخل للموضوع:

أيها المسلمون عباد الله، [حال المؤمن مع المرض]؛ هذا هو عنوان الخطبة بإذن الله تعالى، ونسأل الله العظيم أن يشفِيَ مرضانا ومرضى المسلمين، والمرض قد يتعرض له الإنسان نوعًا من أنواع الابتلاءات؛ فالابتلاء سُنَّة كونية، وضرورة إيمانية، وهو أمر حتميٌّ لا يخلو منه أحد في هذه الدنيا؛ قال الله تعالى: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ ﴾ [البلد: 4]؛ أي: في مشقة، وقال تعالى: ﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾ [العنكبوت: 2، 3]، وقال تعالى: ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ﴾ [الملك: 2]، فالأصل في هذه الحياة أنها أمواج من الابتلاءات، وما دُمْتَ موجودًا، فأنت مُبتلًى؛ فهو قَدَرٌ حتميٌّ من الله تعالى، لا مفرَّ منه ولا مهرب.

 

وقد يكون المرض اصطفاءً وعلامةَ خيرٍ للعبد، ودليلَ حبِّ الله تعالى له؛ كما في صحيح مسلم عن صهيب بن سنان رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عجبًا لأمر المؤمن؛ إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابته سرَّاءُ شَكَرَ فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرَّاءُ صَبَرَ فكان خيرًا له))، وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من يُرِدِ الله به خيرًا يُصِبْ منه))، وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن عِظَمَ الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحبَّ قومًا ابتلاهم، فمن رضِيَ فله الرضا، ومن سخط فله السخط))؛ [رواه ابن ماجه، والترمذي، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب].

 

وقد يكون المرض لتكفير للسيئات، وتطهير للعبد من الذنوب والخطايا؛ فإن مِنَ الناس مَن له ذنوب وليس له ما يكفِّرها؛ فيبتليه الله بالمرض لتصفيته وتنقيته من الذنوب، إن صبر واحتسب ذلك عند الله تعالى؛ ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما يُصيب المسلمَ من نَصَبٍ ولا وَصَبٍ، ولا همٍّ ولا حَزَنٍ، ولا أذًى ولا غمٍّ، حتى الشوكةُ يُشاكها، إلا كفَّر الله بها من خطاياه))، وفي رواية: ((فما يَبْرَح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة))، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله، حتى يلقَى الله تعالى وما عليه خطيئة))؛ [رواه أحمد، والترمذي، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة]، وفي الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما من عبدٍ يُصرَع صَرعةً من مرض، إلا بعثه الله منها طاهرًا))؛ [رواه الطبراني، والبيهقي، وصححه الألباني في صحيح الجامع].

 

وقد يكون المرض لرفع الدرجات، وزيادة الحسنات؛ ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما يصيب المؤمن من شوكةٍ فما فوقها إلا رفعه الله بها درجةً، أو حطَّ عنه بها خطيئةً))، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الرجل لَيكون له عند الله تعالى المنزلةُ، فما يبلُغها بعملٍ، فما يزال الله يبتليه بما يكره حتى يبلغه إياها))؛ [رواه ابن حبان، وصححه الألباني]؛ ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((يَوَدُّ أهل العافية يوم القيامة حين يُعطى أهل البلاء الثوابَ، لو أن جلودهم كانت قُرِضت في الدنيا بالمقاريض))؛ [رواه الترمذي، وحسَّنه الألباني].

 

بل يكون فرصةً لزيادة حسنات أهله وأصحابه وذويه ممن يسألون عنه، ويَعُودونه في مرضه، وممن يقومون بخدمته ورعايته، وتأمَّل إلى الأجور العظيمة التي يتحصَّل عليها المسلم عند عيادة المريض؛ ففي صحيح مسلم عن ثوبان رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم، لم يَزَلْ في خُرْفَة الجنة حتى يرجع، قيل: يا رسول الله، ما خرفة الجنة؟ قال: جَنَاها))، وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا عاد الرجل أخاه المسلم، مشى في خِرَافَةِ الجنة حتى يجلس، فإذا جلس غمرته الرحمة، فإن كان غُدوةً صلى عليه سبعون ألفَ مَلَكٍ حتى يُمْسِي، وإن كان مساءً صلى عليه سبعون ألف مَلَكٍ حتى يصبح))؛ [رواه أحمد، وأصحاب السنن، وصححه الألباني].

 

ولا يمنع أن يكون المرض عقوبة من الله تعالى للعبد؛ ففي الحديث الصحيح قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لم تظهر الفاحشة في قومٍ قطُّ حتى يُعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعونُ والأوجاع التي لم تكن مَضَتْ في أسلافهم الذين مَضَوا...))؛ [رواه ابن ماجه، والحاكم وصححه].

 

وتأمل إلى شؤم الذنب وعدم الاستجابة، وردِّ الأمر؛ كما في صحيح مسلم عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه، ((أن رجلًا أكل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشماله، فقال: كُلْ بيمينك، قال: لا أستطيع، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا استطعتَ، ما منعه إلا الكِبْرُ، قال: فما رفعها إلى فيه)).

 

فيأتي المرض فيُذكِّر العبد بذنوبه؛ ليتوب منها ويرجع؛ كما قال الله تعالى: ﴿ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ﴾ [النساء: 79]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 30].

 

فهو فرصة للتوبة قبل أن يحُلَّ العذاب الأكبر يوم القيامة؛ قال تعالى: ﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [السجدة: 21]، فالمؤمن يجعل المرض سببًا لرجوعه إلى الله، والتجائه إليه، والتوبة من الذنوب، وإعادة الحقوق إلى أصحابها.

 

كما أن الإنسان قد يغترُّ بصحته وقوته، فيأتيه المرضُ حتى يعرِفَ عجزه وضعفه، ولقد قصَّ الله تعالى علينا أخبارَ مَنِ اغتروا بصحتهم وقوتهم؛ كما قال تعالى: ﴿ فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ ﴾ [فصلت: 15، 16]، فإن الله عزَّ وجل قادر على أن يسلُبَ هذه الصحة في لحظة واحدة ويُبقِيَ البدن؛ ليتدبر الإنسان بنفسه من نفسه، وينظر في أي شيء يغتر ويتكبر.

 

وقد يأتي المرض؛ ليعرف الإنسان نعمة الصحة والعافية، وكما قيل: بأضدادها تُعرَف الأشياء، فلولا الليل لَما عُرف قدرُ النهار، ولولا المرض لما عُرف قدرُ الصحة والعافية؛ ففي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((نعمتان مَغْبُونٌ فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ)).

 

ومنها: أن يتعبَّد لله تعالى باسمه الشافي، ويُرى آثار هذا الاسم من أسماء الله الحسنى؛ فلا شافيَ إلا هو، ولا شفاء إلا شفاؤه، ولا يرفع المرض إلا هو، سواء كان مرضًا بدنيًّا أو نفسيًّا.

 

نسأل الله العظيم أن يشفي مرضانا وجميع مرضى المسلمين.

 

الخطبة الثانية

أحوال المؤمن مع المرض:

أيها المسلمون عباد الله، فإن للمريض أربعةَ أحوال مع المرض: قبل المرض، وأثناء المرض، وأثناء العلاج، وبعد العلاج.

 

1- أما قبل المرض: فالحال الأكمل أن يكون دائمًا على طاعة الله تعالى، واستقامة على أمره، وبُعْدٍ عن مظالم الناس، مُغتنمًا ما أنعم عليه من الصحة والعافية؛ ولذا جاء التوجيه النبويُّ الكريم باغتنام هذه النعمة؛ ففي الحديث الصحيح: ((اغتَنِمْ خمسًا قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سُقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هَرَمِك، وغِناك قبل فقرك))؛ [رواه الحاكم، وصححه الألباني]؛ لأنه سيُسأل عن صحته يوم القيامة؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أولُ ما يُحاسَب به العبد يوم القيامة أن يُقال له: ألم أُصِحَّ جسمك، وأُرْوِك من الماء البارد؟))؛ [رواه ابن حبان، والحاكم].

 

وكذلك يُكْثِر من سؤال الله العافية في الدنيا والآخرة؛ فعن العباس بن عبدالمطلب رضي الله عنه، قال: ((قلت: يا رسول الله، علِّمني شيئًا أسأله الله عز وجل، قال: سَلِ الله العافية، فمكثتُ أيامًا ثم جئت فقلت: يا رسول الله، علِّمني شيئًا أسأله الله، فقال لي: يا عباسُ، يا عمَّ رسول الله، سَلِ الله العافية في الدنيا والآخرة))؛ [رواه الترمذي، وصححه الألباني في صحيح الجامع]، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يَدَعُ هؤلاء الكلماتِ حين يُمسي وحين يُصبح: ((اللهم إني أسألك العافية في ديني، ودنياي، وأهلي، ومالي، اللهم استر عوراتي، وآمن رَوعاتي، واحفظني من بين يدي، ومن خلفي، وعن يميني، وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أُغتال من تحتي))؛ [رواه النسائي، وابن ماجه، وصححه الحاكم].

 

2- وأما أثناء المرض: فعليه بعدة أمور مهمة جدًّا:

أولها: أن يعلم أن المرض مقدَّر من عند الله تعالى؛ كما قال تعالى: ﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [التوبة: 51].

 

فالمؤمن بالقضاء والقدر إذا حلَّ به مرض أو أيُّ بلاء، لا يحصُل منه سخط ولا جزع، فلا يصدر منه إلا ما يُرضي ربه ومولاه سبحانه وتعالى؛ كما قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ [البقرة: 156].

 

واسمع لهذه الآية الكريمة التي تبعث في النفوس الطمأنينةَ، وتزرع في القلوب هذه المعانيَ الطيبة، وهي بلسم لكل مريض؛ قال الله تعالى: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ [الحديد: 22]، ثم بيَّن سبحانه وتعالى الثمرة المرجوة: ﴿ لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ﴾ [الحديد: 23]، وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [التغابن: 11]؛ قال علقمة رحمه الله: "هو الرجل تصيبه المصيبة، فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويُسلِّم".

 

ثانيها:أن يُحْسِنَ الظن بالله تعالى؛ ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ((يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه، ذكرتُهُ في نفسي، وإن ذكرني في ملأ، ذكرتُه في ملأ خيرٍ منهم، وإن تقرَّب إليَّ بشبرٍ، تقربت إليه ذراعًا، وإن تقرب إليَّ ذراعًا، تقربت إليه باعًا، وإن أتاني يمشي، أتيته هرولةً))، وعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((قال الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي، فليظُنَّ بي ما شاء))؛ [رواه أحمد]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((قال الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي؛ إن ظن بي خيرًا فله، وإن ظن شرًّا فله))، والمعنى: أعامله على حسب ظنه بي، وأفعل به ما يتوقعه مني من خير أو شر.

 

فالعبد المؤمن المريض لا ييأس أبدًا من رحمة الله تعالى؛ لأنه يعلم أن الشفاء من عند الله مهما اشتد به المرض؛ ولذلك نجد أن بعض العلماء عندما تكلموا عن الذين يُرخَّص لهم بالفطر في شهر رمضان، ويُطعمون عن كل يوم مسكينًا، ذكروا: صاحب المرض المزمن، وتحرَّزوا من قول: المريض الذي لا يُرجَى بُرؤه؛ وكما قال الشاعر:

وكم من سليم مات من غير علة
وكم من سقيم عاش حينًا من الدهرِ

ثالثها:أن يصبر ولا يجزع، وقد ذكر العلماء أن من أقسام الصبر الثلاثة: الصبر على المصائب والأقدار المؤلمة، وكما مرَّ معنا فإن المرض نوع من أنواع الابتلاءات، فيصبر المسلم على ما يُصيبه من قضاء الله وقدره مما هو خارج عن إرادته، وهذا الصبر هو مدار امتحان الله تعالى للعبد في الدنيا.

 

وقد جمع الله تعالى أنواعًا عديدةً من الابتلاءات، ثم بيَّن جزاء الصابرين؛ كما في قوله تعالى: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 155]، ثم وجَّه الله تعالى عباده إلى ما يُعينهم على الصبر حالَ وقوع البلاء؛ فقال تعالى: ﴿ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ [البقرة: 156]، ثم بيَّن ثمرات وثواب هذا الصبر: ﴿ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 157].

 

وقد أثنى الله تعالى على نبيِّه أيوبَ عليه السلام لما صَبَرَ على المرض: ﴿ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾ [ص: 44].

 

وتأمل إلى هذا النموذج الرائع في الصبر على المرض؛ ففي الصحيحين أن ابن عباس رضي الله عنهما قال لعطاء: ((ألَا أُريك امرأةً من أهل الجنة؟ قال: بلى، قال: هذه المرأة السوداء، أتَتِ النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: إني أُصرَع، وإني أتكشَّف، فادعُ الله لي، قال: إن شئتِ صبرتِ ولكِ الجنة، وإن شئتِ دعوتُ الله أن يُعافيَكِ؟ فقالت: أصبر، لكني أتكشَّف، فادعُ الله لي ألَّا أتكشَّف، فدعا لها)).

 

ومما يُعين على الصبر:أن يتذكَّرَ المريض ثوابَ الله الذي أعدَّه للصابرين، وأن يحمَد الله أن المرض لم يكن أكبرَ من ذلك، وأنه لم يكن في دينه، وأن ينظر إلى ما أُصيب به، فيجد أن الله سبحانه وتعالى قد أبقى له مثله، أو أفضل منه، وأن ينظر إلى من حوله من أهل المصائب والأمراض، وأن يعلم أن الجَزَعَ لا يُفيده، وإنما يزيد آلامه ويُفوِّت عليه الأجر والثواب.

 

ويحذر المريض من التسخُّط أو سبِّ المرض؛ ففي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أم السائب رضي الله عنها وهي مريضة بالحُمَّى، وهو تقول: لا بارك الله فيها؛ أي الحمى، فقال: ((لا تسُبُّوا الحُمَّى؛ فإنها مُكفِّرة للذنوب والخطايا))، وقال صلى الله عليه وسلم: ((إنها تُذهِب خطايا بني آدم، كما يُذهِب الكِيرُ خبَثَ الحديد)).

 

رابعها: أن يتضرع لله تعالى بالدعاء وسؤال العافية؛ ففي الحديث الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الدعاء ينفع مما نزَلَ ومما لم ينزل، فعليكم - عبادَ الله - بالدعاء))؛ [رواه الترمذي وغيره، وضعفه الألباني]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((وإن البلاء لَينزل فيتلقَّاه الدعاء، فيعتلجان إلى يوم القيامة))؛ [صحيح الجامع].

 

فإن الله سبحانه وتعالى هو القادر على جلب جميع المصالح، ودفع جميع المضارِّ والأمراض؛ كما قال تعالى: ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [يونس: 107].

 

فإن الدعاء باب عظيم من أبواب تفريج الكربات، وقضاء الحاجات؛ فكم من مريض شُفِيَ بالدعاء، وهل شُفِيَ أيوب عليه السلام إلا بعد أن لجأ إلى الله تعالى بالدعاء؟ فبعد سنين من البلاء والمرض رفع يديه إلى الله بكل ذلٍّ وانكسار؛ كما قال الله تعالى: ﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 83]، فكانت الإجابة: ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ﴾ [الأنبياء: 84].

 

خامسها: أن يأخذ بالأسباب، ويتداوى من هذا المرض الذي أصابه؛ فما من مرضٍ إلا وجعل الله له دواء، وهذا التداوي لا ينافي التوكل على الله تعالى؛ فعن أسامة بن شريك رضي الله عنه قال: قالت الأعراب: يا رسول الله، ألَا نتداوى؟ قال: ((نعم، يا عباد الله تداوَوا، فإن الله لم يضع داءً إلا وضع له شفاءً، إلا داءً واحدًا، قالوا: يا رسول الله، وما هو؟ قال: الهَرَمُ))؛ [رواه الترمذي، وصححه الألباني في صحيح الترمذي]، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله لم يُنزِل داءً إلا أنزل له دواءً، علِمه من علِمه، وجهِله من جهِله، إلا السامَ، قالوا: يا رسول الله، وما السام؟ قال: الموت))؛ [رواه الحاكم، وصححه الألباني في صحيح الجامع].

 

ويحذر المسلم أن يتداوى بحرام، أو بما يخالف الشريعة؛ فلا يجوز التداوي بمحرَّمٍ، مهما كانت شدة المرض؛ ففي صحيح مسلم عن طارق بن سويد الجعفي رضي الله عنه، أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم، عن الخمر، فنهاه - أو كرِه - أن يصنعها، فقال: إنما أصنعها للدواء، فقال: ((إنه ليس بدواءٍ، ولكنه داءٌ))، وعن أم سلمة رضي الله عنها، أنها قالت: ((اشتكت ابنة لي، فنَبَذْتُ لها في كوزٍ، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم وهو يغلي، فقال: ما هذا؟ فقالت: إن ابنتي اشتكت فنبذنا لها هذا، فقال صلى الله عليه وسلم: إن الله لم يجعل شفاءكم في حرام))؛ [رواه ابن حبان، وحسنه الألباني]، وفي صحيح البخاري، قال ابن مسعود رضي الله عنه: "إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم".

 

3- وأما أثناء العلاج: فعليه أن يفوِّض الأمر إلى الله تعالى، وأن يثِقَ بالله تعالى، وأن يتوكل عليه وأن يسأله العافية، وأن يعتقد أن تلك الأدوية مجرد وسيلة وسبب في زوال المرض؛ فلا شافيَ على الإطلاق إلا الله؛ كما قال تعالى: ﴿ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴾ [الشعراء: 80].

 

4- وأما بعد العلاج والشفاء: فعليه الإكثار من شكر الله تعالى بعد زوال مرضه، ولزوم طاعة الله تعالى، واجتناب معصيته، ومحاسبة نفسه.

 

ويحمَدُ الله دائمًا في السراء والضراء؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى ما يحب قال: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وإذا رأى ما يكره قال: الحمد لله على كل حال)).

 

وإذا رأى المرضى والمبتلين فإنه يحمَد اللهَ أيضًا أنه عافاه؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من رأى مبتلًى فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به، وفضَّلني على كثير ممن خلق تفضيلًا، لم يُصِبْه ذلك البلاء))؛ [رواه الترمذي].

 

نسأل الله العظيم أن يُعافيَ مُبتلانا، وأن يشفِيَ مرضانا.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • حال المؤمن مع الشتاء ( خطبة )
  • حال المؤمن إذا وقع في الذنب (خطبة)
  • حال المؤمنين في العشر الأواخر (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • "كيف حالك" في كلام الفصحاء(مقالة - حضارة الكلمة)
  • حالنا وحالهم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • رمضان بين حالنا وحالهم(مقالة - ملفات خاصة)
  • حال النبي صلى الله عليه وسلم عند رؤية السحب والغيوم وحالنا(مقالة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري)
  • حال النبي صلى الله عليه وسلم عند رؤية السحب والغيوم وحالنا(محاضرة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري)
  • هذا حالي وحالك غدا(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح مائة المعاني والبيان (أحوال المسند - أحوال متعلقات الفعل)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • هذه أحوال السلف الصالح في رمضان فما هي أحوالنا؟(مقالة - ملفات خاصة)
  • إخوتي يتحسن حالهم، وأنا يسوء حالي(استشارة - الاستشارات)
  • حالنا وحال السلف(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب