• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أربع هي نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    وحدة المسلمين (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إذ قال الله يا عيسى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    نعمة الماء (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    تدبر خواتيم سورة البقرة
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    تحريم الإهلال لغير الله تبارك وتعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    مشاهد عجيبة حصلت لي!
    أ. د. عبدالله بن ضيف الله الرحيلي
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (2)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    الدرس السابع عشر: آثار الذنوب على الفرد والمجتمع
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

كيف تتقي شرا وتدفع بلاء؟ (خطبة)

كيف تتقي شرا وتدفع بلاء؟ (خطبة)
حسان أحمد العماري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 31/10/2024 ميلادي - 27/4/1446 هجري

الزيارات: 8051

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

كيف تتقي شرًّا وتدفع بلاءً؟

 

الخطبة الأولى

الحمد لله ذي الرضا المرغوب، يعفو ويصفح ويغفر الذنوب، ويملي ويمهل لعل العاصي يتوب، نحمده تبارك وتعالى حمدًا هو للذات العلية منسوب، ونعوذ بنور وجهه الكريم من شر الوسواس الكذوب، ونسأله السلامة فيما مضى وما سوف يأتي من خطوب، وأشهد أن لا إله إلا الله ذو الجناب المرهوب، خلق السموات والأرض في ستة أيام وما مسَّه من لغوب، يضل من يشاء، ويهدي من يشاء، ويُقلِّب الأبصار والقلوب، سخَّر الرياح بقدرته، فمنها الساكن ومنها الهبوب، وقدر الأرزاق وفق مشيئته فمن الناس ممنوح ومسلوب، وكل الحادثات بإرادته، وكل أمر محسوب.

 

وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله ذو المقام الموهوب، من أطاعه فقد أطاع الله، ومن تبع نهجه فقد أرضاه، ومن عصاه في النار مكبوب، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه عدد الرمال والحصى، وكلما أطاعه عبد أو عصى، ونوِّر بصلاتنا عليه بصائرنا والقلوب.

 

أما بعد:

عباد الله، "انطلق ثلاثة نفر ممن كانوا قبلكم- كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم- حتى آواهم المبيت إلى غار فدخلوه، فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار، فقالوا: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم، قال رجل منهم: اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت لا أغبق قبلهما أهلًا ولا مالًا".

 

ومعنى قوله: "لا أغبق"؛ أي: لا أقدم في الشرب قبلهما أهلًا ومالًا.

قال: "فنأى بي طلب لشجرة يومًا فلم أرح- أي: فلم أرجع عليها حتى ناما- فحلبت لهما غبوقهما، فوجدتهما نائمين، فكرهت أن أوقظهما، وأن أغبق قبلهما أهلًا أو مالًا، فلبثت والقدح على يدي أنتظر استيقاظهما، حتى برق الفجر، والصبية يتضاغون عند قدحي- أي: يصيحون من شدة الجوع- فاستيقظا، فشربا غبوقهما".

 

"اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك، ففرِّج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة، فانفرجت شيئًا لا يستطيعون الخروج منه".

 

قال الآخر: "اللهم إنه كانت لي ابنة عم، كانت أحبَّ الناس إليَّ".

 

وفي رواية: "كنت أحبُّها كأشد ما يحب الرجال النساء، فأردتها على نفسها فامتنعت مني، حتى ألمت بها سنة من السنين، فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلي بيني وبين نفسها، ففعلت.

 

حتى إذا قدر عليها، قالت: "اتقِ الله"، فانصرف عنها، وهي أحبُّ الناس إليه، وترك الذهب الذي أعطاها.

 

ثم قال: "اللهم إن كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاء وجهك، فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها".

 

"وَقَالَ الثَّالِثُ: اللَّهُمَّ إِنِّي اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاءَ فَأَعْطَيْتُهُمْ أَجْرَهُمْ غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ تَرَكَ الَّذِي لَهُ وَذَهَبَ فَثَمَّرْتُ أَجْرَهُ حَتَّى كَثُرَتْ مِنْهُ الْأَمْوَالُ، فَجَاءَنِي بَعْدَ حِينٍ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، أَدِّ إِلَيَّ أَجْرِي، فَقُلْتُ لَهُ: كُلُّ مَا تَرَى مِنْ أَجْرِكَ مِنَ الْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ، وَالرَّقِيقِ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، لَا تَسْتَهْزِئُ بِي، فَقُلْتُ: إِنِّي لَا أَسْتَهْزِئُ بِكَ فَأَخَذَهُ كُلَّهُ، فَاسْتَاقَهُ فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ شَيْئًا، اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ. فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ، فَخَرَجُوا يَمْشُونَ"؛ [رواه البخاري ومسلم].

 

عباد الله، إنها أعمال حفظت أصحابها، ودفعت عنهم البلاء، وفرَّجت عنهم الضيق والشدة، وأبدلهم الله بسببها اليسر بعد العسر، والفرح بعد الحزن، والطمأنينة والسكينة بعد الهمِّ والقلق، والتفاؤل والأمل بعد اليأس والإحباط.

 

وكانت هذه الأعمال -بعد التوكُّل على الله، وحسن الظن به، والرضا بقدره- بمثابة الحرز والأمان من مصارع السوء، وفتن الزمان، وكوارث الحياة.

 

وكم نحن بحاجة إلى أمور تُورِثنا الأمن والطُّمَأْنينة، والراحة والسكينة، في زمن كثرت فيه الهواجس، وتفشَّى فيه الخوف، وظهرت فيه الهموم والأحزان.

 

فهل يمكن أن يدفع الإنسان عن نفسه الشرور والمصائب والكوارث التي لا يشعر بوجودها، ولم تكن على الحسبان؟

 

هل يمكن أن يدفع الله عنك بلاءً محققًا؟

أقول: نعم، يستطيع الإنسان ذلك، إذا قام بأمور شرعية وردت في كتاب الله وسُنَّة نبيه محمد -صلى الله عليه وآله وسلم-، وأمور دنيوية لا تقوم الحياة إلا بها، وهي مما تعارف عليها الناس، وأصبحت من ضروريات الحياة.

 

والمسلم مع هذه الأمور والأحداث والوقائع يجب أن يعتقد أنها من أقدار الله، وأن الأعمال الشرعية المكلف بها هي من أقدار الله كذلك، ويحكم الله في عباده ما يشاء.

 

وهي أسباب لا تقوم الحياة إلا بها، ولا يحدث التبدُّل والتحوُّل إلا وفق التعامل معها، إن خيرًا فخيرٌ، وإن شرًّا فشَرٌّ.

 

فتقوى الله صمام أمان، وطريق نجاة، وحرز من كل شر ومكروه، قال تعالى: ﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا﴾ [الجن: 16]، وقال سبحانه: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ [الأعراف: 96]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا﴾ [الطلاق: 2].

 

قال الإمام ابن الجوزي -رحمه الله تعالى-: "من أراد دوام العافية فليتَّقِ الله".

وقال أحد السلف أبو سليمان -رحمه الله-: "من أحسن في ليلهِ كُفِيَ في نهاره".

 

يقول عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما-: "كنت خلف النبي -صلى الله عليه وسلم- يومًا، فقال: "يا غلام، إني أُعلِّمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سأَلت فاسأَل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأُمة لو اجتمعت على أَن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفِعت الأقلام، وجفَّتِ الصحف"؛ [رواه الترمذي، حسن صحيح].

 

ومن آمن بقدر الله وقدرته ومشيئته، وأدرك عجزه، وحاجته إلى خالقه تعالى، فهو يصدق في توكُّلِه على ربِّه، ويأخذ بالأسباب التي خلقها الله، ويطلب من ربِّه العون والسداد، فيتولَّد عنده الأمن النفسي، وراحة البال، يردد في يقينٍ قوله تعالى: ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [التوبة: 51].

 

وبالمحافظة على أذكار الصباح والمساء، يدفع الإنسان عن نفسه الكثير من الشرور والآفات، والمشاكل والمصائب والأحزان؛ عن شداد بن أوس -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "سيد الاستغفار -أن يقول العبد-: "اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليَّ، وأبوء -لك- بذنبي، فاغفر لي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت" من قالها موقنًا بها حين يمسي، فمات من ليلته؛ دخل الجنة، ومن قالها موقنًا بها حين يصبح، فمات من يومه؛ دخل الجنة"؛ [صحيح الترغيب والترهيب 650].

 

وعند الترمذي: "لا يقولها أحد حين يمسي، فيأتي عليه قدر قبل أن يصبح؛ إلا وجبت له الجنة، ولا يقولها حين يصبح، فيأتي عليه قدر قبل أن يمسي؛ إلا وجبت له الجنة"؛ [صحيح الترمذي 3393].

 

وعنْ أنسٍ -رضي الله عنه- قال: قال: رسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ قَالَ- يعنِي إذا خَرَج مِنْ بيْتِهِ-: بِسْم اللَّهِ، توكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، ولا حوْلَ ولا قُوةَ إلَّا بِاللَّهِ، يقالُ لهُ: هُديتَ وَكُفِيت ووُقِيتَ، وتنحَّى عنه الشَّيْطَانُ"؛ [رواه أبو داودَ والترمذيُّ، والنِّسائِيُّ وغيرُهمِ].

 

وزاد أبو داود: "فيقول- يعْنِي الشَّيْطَانَ لِشَيْطانٍ آخر-: كيْفَ لك بِرجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفي وَوُقِي؟".

وهكذا هي سائر الأذكار الشرعية، فيها الخير والأمن والسلامة.

 

هذا يونس -عليه السلام-، قال عز وجل عنه، وقد ألقي في البحر، والتقمه الحوت، وقد أصبح في كرب وشدة، وضيق، لم ينتفع إلا بذكر الله، ومناجاته، والتضرع بين يديه، في سالف عمره، قال تعالى: ﴿فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [الصافات: 143، 144].

 

أي: لولا ما تقدم له من العمل الصالح في الرخاء.

 

وقيل: لولا أنه كان من المصلين قبل ذلك ﴿لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾؛ أي: لصار له بطن الحوت قبرًا إلى يوم القيامة.

 

قال بعض السلف: "اذكروا الله في الرخاء يذكركم في الشدة".

 

أيها المؤمنون -عباد الله- والمحافظة على الصلوات، تدفع عن صاحبها الكثير من المصائب والشرور، وخاصة صلاة الفجر جماعة، فيكون العبد سائر يومه في ذمة الله.

 

وانظروا عندما يقال: فلان في ذمة الشيخ فلان وفي وجهه، وأن المسئول الفلاني الكبير قد تكفل بتوفير ما يحتاج إليه من أشياء ومتطلبات، فإنه سيطمئن، ولن يعتريه خوف ولا قلق.

 

بل الدولة الفلانية إذا قيل لها: أنت في رعاية أكبر دولة في النظام العالمي، وسوف توفر جميع احتياجاتك، وسوف تحافظ على أمنك، كيف ستشعر هذه الدولة بالكبرياء والأنفة مع أنها لن تحصل على شيء لم يقدره الله، فكيف بمن يكون في ذمة الله، وهو ملك الملوك الذي بيده مقاليد كل شيء وخزائنه لا تنفد؟

 

قال صلى الله عليه وسلم: "من صلَّى الفجرَ في جماعة فهو في ذمّةِ الله، فلا يطلبنَّكم الله من ذمَّته بشيء، فإنه من يطلبه يدرِكه ثمَّ يكبُّه على وجهه في نار جهنم"؛ [مسلم 657].

 

ويتقي الإنسان شرور الحياة وفتنها؛ ببذل المعروف، وتقديم النفع للآخرين، فيرفع الله درجة العبد، ويدفع عنه البلاء، ويقيه مصارع السوء.

 

فكم من عمل قام به المرء لا يلقي له بالًا؛ دفع عنه مصائب وشرورًا لم تكن بالحسبان، قال صلى الله عليه وسلم: "صنائع المعروف تقي مصارع السوء، والصدقة خَفِيًّا تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم زيادة في العمر، كل معروف صدقة، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة، وأهل المنكر في الدنيا هم أهل المنكر في الآخرة"؛ [الألباني، صحيح الجامع 3796].

 

والأولاد يأخذون من حياتنا النصيب والحظ الأوفر من الرعاية والعناية، والحب والخوف عليهم، وبذل الجهود الكبيرة للمحافظة عليهم، ودفع كل بلاء عنهم، وتأمين حياتهم ومستقبلهم، وقد ربط الله -سبحانه وتعالى- علاج هذه القضية بصلاح الآباء وتقواهم لله، ولم يجعل ذلك بكثرة المال والعقار.

 

وكم دفعت أعمال صالحة قام بها الآباء والأمهات فحفظ الله لهم الأولاد، وضمن لهم مستقبلهم، قال تعالى: ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا﴾ [النساء: 9].

 

وفي سورة الكهف، يقول تعالى عن سبب حفظ الجدار وبنائه وترميمه من قبل الخضر -عليه السلام-، قال تعالى: ﴿وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا﴾ [الكهف: 82].

 

ومما يدفع الله به البلاء، ويفرِّج به الكربات، بعد حسن العمل: حسن الظن بالله، وهذا ما جعل الفتية أصحاب الكهف الذين أحسنوا الظن بمولاهم، فخالفوا القريب والبعيد في سبيل مرضاته، ففارقوا أقرب الناس فرارًا إلى وليِّهم سبحانه، من الشرك والفسوق والعصيان، واستبدلوا لأجل مرضاته ضيق الكهف بسعة العيش الرغيد، فما كان إلا أن وسعه الله عليهم بما نشر لهم فيه من رحمته: ﴿فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا﴾ [الكهف: 16].

 

وتأملوا قوله تعالى: ﴿يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ﴾، فيعلم العبد أن رحمة الله واسعة، إذ بعضها- أو قدر معلوم عند الله منها- يكفي ليجعل ذلك الكهف، أو ذلك السجن، أو تلكم الزنزانة جنة، أو روضة من رياض الجنة.

 

عباد الله، وهناك مخاوف التجار والمستثمرين، وأصحاب الأموال والعقار على أموالهم ومؤسساتهم من أن يصيبها تلف أو خسارة غير متوقعة.

 

وقد يحصن المسلم نفسه في هذا الباب بأن يكون المال حلالًا، وأعماله لا تخالف الدين، ولا تتسبب في أذية أحد من الناس، وأن يلتزم الصدق في السلوك والمعاملة، وفي البيع والشراء، وأن يبتعد عن الغش والتدليس والتزوير، قال صلى الله عليه وسلم: "البيِّعان بالخِيار ما لم يتَفرَّقا، فإن صدَقا وبيَّنا بُورِك لهما في بيعِهما، وإن كذبا وكتَما مُحِقَت بركة بيعِهما"؛ [متفق عليه].

 

فكم من أموال لا يُكتَب لها القبول؟ وكم من صفقات تتلاشى وتضمحل وتنتهي ولا يُستفاد منها، لعدم حلول البركة فيها.

 

ومن يخشى الفقر، ويريد أن يأمن الفاقة والحاجة، فعليه بالإنفاق، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعطِ منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعْطِ ممسكًا تلفًا".

 

وهل يخسر أحدٌ يتاجر في تجارته مع الواسع العليم؟

﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: 261]. والمجتمع ككل لا يمكن أن يدفع عن نفسه الفتن والشرور، والمشاكل والصراعات والحروب، ما لم يكن هناك تقوى لله تنبع من القلوب، وتظهر على الجوارح، وتنتج أعمالنا صالحة، تعمر الحياة، وتصلح الكون.

 

ولذلك ما أصيبت الأمة اليوم بما أصيبت به من حروب وصراعات وتنازع وسفك للدماء إلا لأنها لم تحفظ أسباب سعادتها وأمنها ورفعتها بضعف التزامها بدينها، وفساد أخلاق كثير من أبنائها، والحرص على الدنيا والتنافس على متاعها وزينتها فأورثها ذلك فتنًا ومصائب وكوارث وابتلاءات ولا نجاة، حتى تعود إلى الحق الذي أمرت به في كتاب ربها وسنة نبيها محمد -صلى الله عليه وآله وسلم-، عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا معشر المهاجرين، خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: ما ظهرت الفاحشة في قوم حتى أعلنوا بها إلا ابتلوا بالطواعين والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا -السيلان والإيدز وإنفلونزا الطيور والخنازير وغيرها- ولا نقص قوم المكيال والميزان إلا ابتلوا بالسنين، وشدة المؤونة، وجور السلطان، وما منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سَلَّط الله عليهم عدوًّا فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تعمل أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم"؛ [رواه ابن ماجه وهو صحيح، السلسلة الصحيحة 106].

 

ومن أسباب دفع البلايا والمصائب والشرور والفتن عن الأفراد والمجتمعات والدول: القيام بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يقول صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده، لتأمُرُنَّ بالمعروف، ولتنهونَّ عن المنكر، أو ليوشكنَّ الله أن يبعث عليكم عقابًا منه، ثم تدعون فلا يُستجاب لكم"؛ [رواه الترمذي، وحسَّنه].

 

ففي القيام بهذه الشعيرة سلامة من العقوبات الدنيوية؛ الخاصة والعامة، ونجاة من الهلاك العام للقائمين به؛ قال تعالى: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ [الأعراف: 165].

 

فلم ينجِ الله إلا الذين ينهون عن السوء، وأما الذين ظلموا بسكوتهم عن إنكار المنكر، والذين ظلموا بارتكابهم له، أخذهم الله بالعذاب البئيس بسبب فِسْقهم: ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ [فصلت: 46].

 

فكانوا خير أمة أخرجت للناس، والشهداء على الناس في الدنيا والآخرة؛ قال الله تعالى في كتابه العظيم: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ [آل عمران: 110].

 

اللهم ادفع عنا وعن جميع المسلمين في كل مكان المصائب والبلايا والآفات، واكفنا شرور ذنوبنا، ومعاصينا، يا ذا الجلال والإكرام، قلت ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى، وسلامًا على عباده الذين اصطفى، أما بعد:

عباد الله، أحسنوا العمل، وأحسنوا الظن بربِّكم، وابذلوا الأسباب الشرعية والدنيوية المستطاعة، وثقوا بالله وقدرته وكرمه وعدله، وعمِّروا دنياكم بما ينفعكم في أُخْراكم.

 

وكن -أخي المسلم- مطمئنًّا، وعش حياتك بكل سعادة تحت أي ظروف، وتوكَّل على الله، وأحسِن الصلة به، ولا تستسلم لوساوس الشيطان، وخواطر النفوس، حينما تضعف، وإيحاءات الباطل، وكلام المثبطين، وابذل ما استطعت من الأسباب، لتتجاوز المحن، وتتعدَّى الصعاب، واصبر في ذات الله، ولا ترضخ لهموم الحياة مهما كانت شدتها وقوتها، وتفاءل باليسر بعد العسر، والفرج بعد الشدة، والنصر بعد الصبر، وكن صاحب رسالة، ومبدأ تعيش من أجله، لتكن عظيمًا في الدنيا، وعظيمًا هناك في جنة عرضها السموات والأرض، مع النبيين والصِّدِّيقين والشهداء والصالحين ﴿وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾ [النساء: 69].

 

اللهم آتِ نفوسنا تقواها، وزكِّها أنت خير من زكَّاها، أنت وليُّها ومولاها، اللهم ادفع عنا كل بلاء، وجنِّبْنا كل فتنة، وثبِّتْنا على الحق حتى نلقاك، اللهم اجعل لنا من كل همٍّ فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ومن كل عسر يسرًا، ومن كل بلاء عافية.. هذا، وصلوا وسلموا على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

هذا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ، فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56].

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، واخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَحوالنا، وردَّنا إلى دينك ردًّا جميلًا.

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.

ربنا اغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا وارحمهما كما ربَّونا صغارًا.

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.

 

عباد الله، ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل: 90]، فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾ [العنكبوت: 45].





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • عبادات تدفع البلاء
  • خطبة: أسباب دفع البلاء
  • عبادات تدفع البلاء (1) (خطبة)
  • خطبة: عبادات تدفع البلاء (2)
  • نظام الحياة لا شريعة الغابة (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • "كيف حالك" في كلام الفصحاء(مقالة - حضارة الكلمة)
  • كيف تختار المرأة زوجها وكيف يختارها؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كيف تشتري كتابا محققا؟ وكيف تميز بين تحقيق وآخر إذا تعددت تحقيقات النص؟(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • كيف أعرف نمط شخصية طفلي؟ وكيف أتعامل معها؟(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • كيف تبدأ الأمور وكيف ننجزها؟(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • كيف تنظر إلى ذاتك وكيف تزيد ثقتك بنفسك؟(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • السلوك المزعج للأولاد: كيف نفهمه؟ وكيف نعالجه؟ (3) صفات السن(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • السلوك المزعج للأولاد: كيف نفهمه؟ وكيف نعالجه؟ (2) الأساليب الخاطئة(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • فلنتعلم كيف ندعو الله وكيف نسأله(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • السلوك المزعج للأولاد: كيف نفهمه؟ وكيف نعالجه؟(مقالة - مجتمع وإصلاح)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 14/11/1446هـ - الساعة: 17:59
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب