• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    فضل معاوية والرد على الروافض
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    ما جاء في فصل الشتاء
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرحمن، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    تفسير: (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: إذا استنجى بالماء ثم فرغ، استحب له ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    اختر لنفسك
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون (خطبة) - باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

عاقبة الظلم (خطبة)

عاقبة الظلم (خطبة)
الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 27/10/2024 ميلادي - 23/4/1446 هجري

الزيارات: 9217

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

عاقبة الظلم


الخطبة الأولى

إن الحمد لله، نحمَده تعالى ونستعينه، ونستغفره ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يَهده الله فلا مضل له، ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ربي لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [ النساء: 1].

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب70 ـ 71].

أما بعد:

فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

معاشر المؤمنين، يُخبر تعالى عن مآل الظالمين وكيف يكون النكال والأخذ على أيدهم بشدة مِن قِبَله؛ فيقول جل وعلا: ﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴾ [هود: 102]، فبيَّن الله في هذه الآية الكريمة شدةَ انتقامه من الظالمين، وقد فسرت الآية بحديث نبينا صلى الله عليه وسلم لارتدع الظالم وينزجر، ففي الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفلته، ثم قرأ: ﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴾ [هود: 102]، فالله جل وعلا يُمهل الظالمين لكنه لا يهملهم، إنه إذا انتقم منهم كانت العقوبة شديدة، وكانت الوطأة قوية من الله هذا في الدنيا، وفي الآخرة عذاب آخر؛ يقول سبحانه: ﴿ وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ ﴾ [إبراهيم: 42].

 

فالله جل وعلا ينتقم من الظالمين، ينتقم للمظلومين، فعلى المظلومين أن يستبشروا وعلى الظالمين أن ينتهوا، ويحذروا، فإن الله – عز وجل- هو المطالب بحقوق المظلومين، فأين المفر والإله الطالب، أين المفر يا عبد الله والله هو الذي يطالب بحقوق عباده، لقد ذكر الله عن كثير من الأمم حينما سلكت هذا المسلك، كان الانتقام والأخذ الشديد، هذا كما ذكره الله في القرآن الكريم، ذلكم الكتاب الذي من رد حرفًا، فإنه كفر بالله، فكله صدق وعدل، فأخباره صادقة وأحكامه عادلة، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد.

 

هذا أحد الظالمين يجادل نبيًّا من أنبياء الله، ثم كان الأخذ الشديد على يد هذا الظالم؛ يقول جل وعلا: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ المُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ المَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ المَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 258].

 

هذا رجل استطال على الله وتفلسف على نبي الله، وظن أنه يَحيد من قبضة الله، فيُسلم له إبراهيم جدلًا بأنه فعلًا يحيي ويميت، على أن هذا من خصائص الله، لكنه كان ملكًا ظالِمًا إنه كان جبارًا غشومًا يحكم على العباد بالظلم، فيطلق هذا ويحكم على الآخر بالإعدام، فكان هذا في قانونه إنه إحياء وإماتة، فيُلقمه إبراهيم حجة ما استطاع أن يتخلص منها، ﴿ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ المَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ المَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 258]، أخذه الله أخذ عزيز مقتدر، وأزال الله ملكه وهتك أستاره، وصار لا يستطيع أن يدفع عن نفسه ضرًّا، ولا أن يجلب لنفسه نفعًا، يوم أن تنعم بأنعم الله لكنه لم يؤدِّ شكرها والعياذ بالله.

 

هذا ظالم آخر ذلكم الفرعون الذي كان يقول لأهل مصر: ﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾ [القصص: 38]، هكذا يقول ذلك تجبرًا وتبخترًا الذي جمع جنده، ثم أتى وراء هذا العبد المسكين يريد أن ينتصر على موسى كليم الرحمن، وظن بقوته ومملكته أن يكون هو الغالب وهو المنتصر، فكانت إرادة الله أن أغرقه الله – سبحانه وتعالى – يوم أن ظلم بني إسرائيل، قتل رجالهم وأبناءهم، واستحيا نساءهم، أمهَله الله ثم أخذه أخذ عزيز مقتدر، وهكذا الأمم ما بغت أمة من الأمم إلا كانت الوطأة شديدة، ولا طغى فرد من الأفراد إلا عاقبه الله، سواء كان هذا الظلم بينه وبين الله، أو كان هذا الظلم قد تسرب إلى أولياء الله، فإن الله يغار على أوليائه؛ يقول سبحانه: (من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب)، يجمع الله قطيعًا من تلك الأمم في آية من كتابه الكريم؛ لتكون عبرة وعظة للظالمين وبشرى وتسلية للمظلومين، قال جل وعلا: ﴿ فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 40].

 

هذه عاقبة الظالمين أن ينتقم الله جل وعلا منهم، ويريح البلاد من شرهم؛ قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم متوعدًا الظالمين إلى يوم الدين فمهما طال كعبهم في هذه الدنيا: ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾ [الفجر: 6 - 14].

 

أما الذين قد مضوا فصبَّ الله عليهم صوتَ عذابه، وأما الآخرون الذين لم يكونوا قد وُجدوا عند تنزُّل هذه الآية المباركة، فيهددهم الله بقوله: ﴿ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾؛ أي: إنه يرصد للظالم أن يأخذه أخذ عزيز مقتدر.

 

تنام عيناك والمظلوم مُنتبه
يدعو عليك وعينُ الله لم تنمِ
إلى ديَّان يوم الدين نمضي
وعند الله تجتمع الخصومُ
ستعلم في المعاد إذا التقينا
غدًا عند المليك من الظلوم

 

فما أحوج العباد أن يراقبوا الله – سبحانه وتعالى – وأن يقلعوا عن الظلم، وأن يعيدوا المظالم إلى أهلها، فما ظلم عبد عبدًا إلا كان الانتقام شديدًا من الله، لو تأملت في كتب التاريخ قصة رجلين ظالمين، ظنَّ هذان الظالمان أن يكونا بعيدين من قبضة الله، أما أحدهما فهو الحجاج بن يوسف الثقفي الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنه يوم أن قال: (يخرج من ثقيف – وثقيف بلدة في الطائف – كذاب ومبير)، أما الكذاب فهو المختار بن أبي عبيد الثقفي، وأما المبير فهو الحجاج بن يوسف الذي قال فيه عمر بن عبد العزيز: لو استخبثت أمة فجاءت بكل خبيثها، وجئنا بالحجاج، لغلبنا به كلَّ أمة؛ يقال في كتب التاريخ: إنه قتل مائة ألف مسلم، ويقول الحافظ ابن كثير: لا نَسُبُّه ولا نُحبه، على أننا نقول: أمره إلى الله، هذا العبد كان أميرًا لبني أمية ما كان خليفة ولا ملكًا، وكان يرى أنه من خرج على بني أمية قد كفر بالله اجتهادًا أو تأويلًا، فحارب أولياء الله، وتسبب في قتل ابن عمر، وأهان أنس بن مالك، وقتل سعيد بن جبير، هؤلاء العلماء البارزين، ومن التابعين الصالحين، ومن الصحابة الربانيين وكانت له مواقف كثيرة، كان والعياذ بالله لا يرى حرمة دم مسلم خالف بني أمية، وكان القتل سهلًا ميسرًا، إن اعترضه أحد بكلمة، أو وجَّه إليه نصيحة يغضب غضبًا شديدًا، فلا يكون الفراق إلا بقتل هذا الناصح والله سبحانه وتعالى يُمهله، وبعد أن قتل سعيد بن جبير دعا عليه وقال: اللهم لا تسلِّطه على أحد بعدي، فاستمر شهرًا كاملًا لا يكتحل بنوم ولا يستطيع أكلًا، ولا شربًا، ولا يستطيع مقربة النساء، وكان يقول في خلوته: مالي ولسعيد بن جبير، وبعد هذا الشهر يموت العبد الذي فعل الأفاعيل بالمسلمين، فرُؤيت له المنامات قيل له: ما فعل الله بك؟ سطًّر التاريخ ما حوته يد الحجاج، فكان والعياذ بالله قدوة سيئة، فمن الذي يريد مقتديًا به خرج من هذه الدنيا صفر اليدين، وترك الدنيا بخيرها وشرها، ثم بعد ذلك في الدولة العباسية يأتي رجل يسمى بأبي مسلم الخرساني، وكان أيضًا نهاكًا للدماء من أجل ملك بني العباس، فيقيم دولة بني العباس ويخمد دولة بني أمية، إنه يعمل لغيره لا يعمل لنفسه، فكان أبو جعفر المنصور يقول لأخيه أبي العباس السفاح: إن في سيف أي مسلم لرهقًا، فكان يقتل بالظنة والقتل عنده سهل ميسَّر، فكان الجزاء من جنس العمل، قتله الله على يد من يعمل لصالحهم على يد أبي جعفر المنصور يطعنه بخنجره، ثم يأتي بأربعة من بطارقته ناوشوه بسيوفهم، ثم يرمي بجثته التي لا تساوي شيئًا بين حرسه وعسكره، فرفسوه بأرجلهم، ثم نثر عليهم الذهب والفضة، فلم ينشغلوا بأميرهم، وإنما انشغلوا بالدنيا، ويخرج أو مسلم الخرساني ذلكم الذي عاش في أرض خرسان تسعة أعوام من أجل إقامة ملك بني العباس، وهكذا يخرج من هذه الدنيا صفر اليدين وهذه حالة الظالمين.

 

رجل يذكر قصته الشيخ عبد الحميد كشك، إن هذا الرجل كان من أهل الثراء ومن أهل اليسار، يسكن في فيلا جميلة، وكان أبوه وأمه بجانبه، وكان شديد التحنن إلى أبويه، ثم يموت بعد ذلك أبوه، فيتزوج بامرأة، فيأتي بها إلى هذه الفيلا ليعيش معها ومع أمه، فكانت زوجته سيئة العشرة لأمه، وكانت تسمعها العبارات المقذعة، وتتضايق منها، فأصيبت أمه بشبه الجنون حزنًا على زوجها، ولما تلقاه من زوجة ابنها، فتقول هذه الزوجة السيئة لهذا الرجل: أنت مخير بين أمرين إما أنا وإما أمك، فيفكر ويقدر، فهوى به الهوى والعياذ بالله ويختار زوجته على أمه، ونسي والعياذ بالله ما كان له من فضل من أمه، وهكذا أعماه الشيطان، فيأخذ أمه إلى قمة البيت، ثم يرميها على الشارع لتسقط على أم رأسها، فتموت ثم ينصب سرادقًا، ويعد مأدبة ومأتمًا ليأتي الناس يعزونه في أمه، وظن أنه يستطيع أن يثبت جدارته وشطارته، وأن يخفى على عدالة السماء ما كان قد فكَّر به ونفَّذه، ثم بعد فترة وجيزة يصاب بجنون كما أصيبت أمه، فيطلع إلى ذلك المكان ويسقط على أم رأسه هكذا تلقائيًّا، ينتقم الله – سبحانه وتعالى – من هذا الابن العاق لأمه التي أرداها قتيلة، فإن الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ المَصِيرُ ﴾ [لقمان: 14]، وهكذا حال من قتل أباه، ثم بعد ذلك يقتله ابنه والجزاء من جنس العمل.

 

من يعمل الحسنات الله يَشكرها
والشر بالشر عند الله مثلان

يا أمة محمد، كل واحد أدرى بما معه وما عليه، وماذا سيلقى، ماذا عليه من حقوق الله، وماذا عليه من حقوق المخلوقين، فها أنت في وقت الإمهال قبل أن نَفِدَ على الواحد الديان، فتحلل من ذلك عبد الله، فإن هذه الدنيا دار مَمر، وليست بدار إقامة إنما هي دار أعمال.

 

إن لله عبادا فُطنَا
طلَّقوا الدنيا وخافوا الفِتنَا
نظروا فيها فلما علِموا
أنها ليست لحي وطنَا
جعلوها لُجةً واتَّخذوا
صالح الأعمال فيها سُفنا

 

اللهم بارك لي ولكم بالقرآن العظيم، وانفعنا بسنة سيد الأولين والآخرين، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

عباد الله، يقول الله تعالى: ﴿ وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ﴾ [الشعراء: 227]، يبيِّن الله في هذه الآية أنه لا بد للظالم من انقلاب، ولا بد له من زوال، ولقد بلغ الحرص بنبينا صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج مسافرًا يسافر للجهاد أو للحج والعمرة، أو أي سفر مباح، كان يأتي بدعاء السفر ويلحق ذلك: (اللهم إني أعوذ بك من دعوة المظلوم)، فدعاء المظلوم من الدعاء المستجاب الذي يرفعه الله، ثم يقول لصاحبه: (وعزتي وجلالي لأنصرنَّك ولو بعد حين)، ويقول نبينا صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حينما وجَّهه إلى اليمن داعية وأميرًا مرشدًا أو قاضيًا، يقول له: (يا معاذ وإياك ودعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب).

 

يا مسلم، إن دعا عليك المظلوم الضعيف الفقير، فإياك أن تستهين بذلك، فإن الله يقبل دعاءه دعاء الضعيف ودعاء المضطر.

 

• هذا أحد الناس الذين أصابهم الغنى، فنسوا الغني القهار الواحد الأحد، فترفعوا على أولياء الله، فجاء إليه فقير يطالبه بحق لديه، فرفع يده وصفع الفقير على وجهه، فما كان الفقير يستطيع أن ينتقم من هذا الظالم، لكنه اتَّجه إلى الله وقال: (اللهم اقطَع هذه اليد التي سطت على وجهي). فما كان من الله إلا أن يسلط على تلك اليد مرضًا عضالًا داءَ السرطان، فينتقل بهذا المرض من دولة إلى أخرى بحثًا عن العلاج، فقال له بعض الناس: اذهب إلى ذلك الذي لطمته واستسمح منه، فذهب إليه قال: أريدك أن تتوب إلى الله، ولَما أن تاب إلى الله عذَره وسامحه، فأعاد الله الحياة من جديد إلى تلك الأعضاء.

 

هذا دليل عباد الله على أن دعوة المظلوم تؤثر في الظالم مهما كان هذا الظلم وإن كان عبدًا كافرًا، والظالم وإن كان مسلمًا، فإن الله ينتقم للمظلوم من الظالم، فما من أحد من المسلمين إلا ويشكو حقًّا؛ إما أرض أو عقار أو حقوق، فنجد من يجحده، وربما شكل له لجنة من المحامين ومن المدافعين ومن الشرعيين من أجل أن يتفرغوا له، فيضطر هذا المسكين أن يترك هذا الحق.

 

نقول: إن انتصرت يا عبد الله، وهَبْ أنك انتصرت، فهل ستأخذ هذه الدنيا معك؛ يقول صلى الله عليه وسلم: (لَتُؤَدُّنَّ الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء). على مستوى الحيوانات العجماوات تكون بينهم المحكمة الإلهية، محكمة الله رب العالمين، ينتقم للشاة المظلومة من الشاة الظالمة، وهي ليست مكلفة، فما بالك ببني الإنسان، إن هذه الحقوق أنت مسؤول عنها غدًا بين يدي الله، فأعد لها جوابًا يا عبد الله، مِن الناس مَن ربما ظلم واكتسب من الغش وبالقهر والقوة، ثم بعد ذلك يموت ويترك هذا الذي اكتسبه يتركه كله للورثة، للزوج لزوج امرأته من بعده أولاده الذين لا يحمدونه من بعده، كما قيل في المثل:

ودودُ القبر في عينك ترعى
وترعى عين غيرك في ديارك

تترك هذه الدنيا، يأتي من يأكل ويشرب ويسرح ويمرح، وأنت تعذَّب في قبرك عبد الله، فلا بد من أن تحاسب نفسك يا مسلم.

 

من الناس من إذا باع قطعة من الأرض مثلًا يبيعها، ثم يدعي بعد ذلك ادعاءات باطلة، ومن الناس من ربما كتب بصيرة مزورة، ثم يأتي ببصائر أخرى، ثم يأتي بشهادات أنه ما كتبها، ويريد أن يجحد هذا الذي باع له أمور كثيرة عياذًا بالله مظالم، يجب علينا معاشر المسلمين أن نتحلل منها اليوم قبل ألا يكون دينار ولا درهم، وإنما هي الحسنات والسيئات في ذلك، في ذلك اليوم العظيم يجمع الله الأولين والآخرين، ويقول الله للمظلومين: تقدَّموا فاقتصوا من الظالمين، أما الظالمون فهم بمثابة الذر لحقارتهم ولهوانهم على الله، تطؤهم الخلائق بأقدامهم، ومهما كان هذا الظالم، فهو بشر وعاقبة البشر الفناء.

 

تفتُّ فؤادك الأيام فتًّا
وتنحت جسمك الساعات نَحتَا
وتدعوك المنايا دعاء صدقٍ
ألا يا صاح أنت أريد أنت

 

فأنت مهدَّد بالموت، ومهدد بالفناء، الدنيا كلها مهددة بالزوال بالاضمحلال، فَسَلِ التاريخ يا عبد الله؛ ليخبرك عن فرعون وقارون، وليخبرك عن صناديد الكفر على مرِّ العصور والدهور أين هؤلاء؟

 

مات الملوك وأبناء الملوك ومن
كانت لهم عزة في الملك قسعاء
نالوا يسيرًا من اللذات وارتَحلوا
برغمهم فإذا النعماء بأساء

 

أسأل الله بمنِّه وكرمه وبأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يحفظنا وإياكم من الظلم، وأن يرزُقنا العدل فيما آتانا، اللهم أرنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه، اللهم اجعلنا من عبادك الصالحين، وارفَع درجاتنا في المهديين، اللهم اجعلنا من الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، اللهم احفظنا فوق الأرض، وتحت الأرض ويوم العرض عليك يا الله، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقِنا عذاب النار، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • عاقبة الظلم
  • التحذير من الظلم

مختارات من الشبكة

  • خطبة: الظلم ظلمات يوم القيامة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة المسجد النبوي 17/6/1432 هـ - عواقب الظلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة المسجد النبوي 23/4/1433 هـ - قصص عن عواقب الظلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ظاهرة الظلم فاجعة كبرى(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الظلم وعواقبه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الظلم ظلمات يوم القيامة (عاقبة الظالمين)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة عن حديث (يا عبادي إني حرمت الظلم) وأنواع من الظلم 28-4-1435هـ(محاضرة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • فضل العدل وشناعة الظلم وسوء عاقبة أهله(مقالة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • فضل العدل وشناعة الظلم وسوء عاقبة أهله(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • عواقب الظلم(مقالة - موقع د. محمد الدبل)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب