• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    فضل معاوية والرد على الروافض
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    ما جاء في فصل الشتاء
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرحمن، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    تفسير: (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: إذا استنجى بالماء ثم فرغ، استحب له ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    اختر لنفسك
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون (خطبة) - باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

وسائل سلامة الصدر (خطبة)

وسائل سلامة الصدر (خطبة)
إبراهيم الدميجي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 8/1/2023 ميلادي - 15/6/1444 هجري

الزيارات: 11685

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

وسائل سلامة الصدر


الحمد لله أحقِّ من شُكر، وأولى من حُمد، وأكرم من تفضل، وأرحم من قُصد، الأول فلم يُولَد ولم يلدْ.

 

أحاط علمًا بالمعلومات وحواها، وأنشأ المخلوقات وبناها، وأظهر الحِكَمَ في الموجودات إذ براها، تعرَّف إلى خلقه بالبراهين الظاهرة، وأظهر في مصنوعاته العجائب الباهرة، وتفرَّد في ملكه بالقدرة القاهرة، ووعد المتقين بالفوز في الآخرة، فالبشرى للموعود بما وعد، والصلاة والسلام والبركة على رسوله محمدٍ خيرِ من وُلد، وعلى آله وصحبه ومَن لِموعودِ ربه استعد؛ أما بعد:

فإن خير الحديث كلام الله، وخير الهدي هديُ رسول الله، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة.

 

عباد الرحمن، اتقوا الله تعالى واخشَوا يومًا ترجعون فيه إليه، ثم تُوفَّى كل نفس بما كسبت، واعلموا أن من أحسن أعمالكم وأفضل قُرَبِكم بين يديه سلامةَ صدوركم، وطهارة قلوبكم.

 

ومن رام الرضا فليُرضِ ربه، ومن ابتغى الجنة فليسلك سبيلها، واعلم أن لسلامة الصدر وسائلَ؛ منها:

الإخلاص لله تعالى: فمن أسلم وجهه لربه، وأخلص له عمله، فليس لعدوِّه الشيطاني فرصة عليه ولا مدخل إليه، فللمخلِصين شأن، وللمخلِّطين شأن.

 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاث لا يُغِلُّ عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم جماعة المسلمين؛ فإن دعوتهم تحيط مِن ورائهم))؛ [رواه الترمذي، وصححه الألباني].

 

ومنها: الرضا بالله: فهو المَعين النَّقي الذي لا ينضُبُ، والغَيث النمير الذي لا يكف، وقلْ ما شئت من لَأْوَاء الدنيا وعناها، فستجد البلسم في الرضا.

 

ومن اكتفى بالله رضِيَ به، فلم تهزه إحَنُ النفوس وسوءات رغائبها، بل جارٍ بقلبه مجاري التسليم والسكينة والسلام.

 

ومنها: قراءة القرآن بتدبر: وهنيئًا لمن كان من أهل القرآن وتدبره والتفكر في عظاته، إن الدنيا بحذافيرها لَتتصاغر في قلب متدبر القرآن، فمن ذاق حلاوته زهِد فيما دونه، ومن زهِد فيما دونه لم يحمل على أحد لدنيا، بل سيتسع قلبه للمؤمنين محبة ونصحًا وشفقة.

 

وتأمل معي نداء الله لنا من فوق سابع سماء؛ حينما قال: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس: 57، 58]، فلئن فرِح الناس بالمال والحُطام، فلنفرح بالله وبفضل الله ورحمته؛ وهو القرآن والإسلام، وكفى بذلك غنية وفضلًا.

 

ويا أخي، إن دَغَلَ الصدر ووَحَرَه مرضٌ خطير يسري على قلب المؤمن فيحرمه معاليَ الزلفى، ومراقي الفلاح، والحازم من استدرك مرضه، فعالجه بتدبر كلام ربه، وتمكَّن من سخيمته فسلَّها لأجل الله واليوم الآخر؛ قال الله تعالى: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الإسراء: 82].

 

والصحيح: أن "مِن" ها هنا لبيان الجنس لا للتبعيض؛ وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ ﴾ [يونس: 57].

 

فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية، وأدواء الدنيا والآخرة، وما كل أحد يؤهَّل ولا يوفَّق للاستشفاء به، وإذا أحسن العليل التداويَ به، ووضعه على دائه بصدق وإيمان، وقبول تام، واعتقاد جازم، واستيفاء شروطه، لم يقاومه الداء أبدًا.

 

وكيف تقاوم الأدواء كلامَ رب الأرض والسماء، الذي لو نزل على الجبال، لصدَّعها، أو على الأرض، لقطَّعها؟ فما من مرض من أمراض القلوب والأبدان إلا وفي القرآن سبيل الدلالة على دوائه وسببه، والحمية منه لمن رزقه الله فهمًا في كتابه؛ قال الله: ﴿ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ ﴾ [العنكبوت: 51]، فمن لم يشفِهِ القرآن، فلا شفاه الله، ومن لم يكفِهِ، فلا كفاه الله.

 

ومنها: الصدقة: قال تعالى لرسوله ومن قام مقامه، آمرًا له بما يطهر المؤمنين، ويتمم إيمانهم: ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾ [التوبة: 103]؛ أي: تطهرهم من الذنوب والأخلاق الرذيلة، فالصدقة تزكِّي القلب، وتطهره من دغائل الأحقاد، وتزيل شيئًا من حظ الشيطان الذي علِق به وأمْرَضَهُ، ولها تأثير عجيب في شرح الصدر وفَسحِه.

 

واليد التي تمتد بالصدقة هي في الحقيقة تمتد بغسل القلب من الدَّرَنِ.

 

ومنها: الدعاء: وهو حبل المؤمن لرفع حاجته لربه، ونَيل مطلوبه من كرمه، هو سلاح المؤمن ضد الشيطان، ووسيلة لِياذِهِ بربه الرحمن.

 

ومن سأل الله صلاح قلبه وسلامته وطهارته، وألحَّ على ربه بذلك، أعطاه سؤله، وطهر له قلبه، وسلَّم قلبه، وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم: ((واسلُلْ سخِيمةَ قلبي))؛ [رواه أحمد]، ومن دعاء الصالحين ﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 10].

 

ومنها: صيام ثلاثة أيام من كل شهر: فقد قال صلى الله عليه وسلم: ((ألا أخبركم بما يذهب وَحَر الصدر؟ صوم ثلاثة أيام من كل شهر))؛ [رواه النسائي، وصححه الألباني]، ووحر الصدر هو الحقد والغيظ.

 

والمقصود أن الله تعالى تفضَّل بأن جعل لصيام ثلاثة أيام من كل شهر خاصية تطهير الصدر من دغله وحقده وغشِّه.

 

ومنها: النصيحة: قال الفضيل: "المؤمن يستر وينصح، والفاجر يهتك ويُعيِّر"، ومن دأب على بذل النصيحة للمؤمنين بعمله وقوله ودعائه، سلم صدره لهم؛ لِما يرى من ألطاف الله به حين يفعل ذلك، فيشفق عليهم ويحبهم، ويتمنى صادقًا الخير لهم، والله شكور حميد يعطيه المزيد من ألطاف أنوار الإيمان من حيث لم يحتسب، وبالله الاستعانة.

 

والناصح يريد الخير للمنصوح، فهمُّه ﴿ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [الأعراف: 164]؛ أي: إقامة للحجة إليهم؛ براءة لساحته أمام مساءلة الجليل غدًا، ثم شفقة عليهم ومحبة للخير لهم؛ لعلهم أن يستفيدوا من نصحه ما يوصلهم لمراضي ربهم تعالى.

 

ومنها: الهدية: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تهادوا تحابوا))؛ [أخرجه البخاري في الأدب المفرد]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((تهادوا؛ فإن الهدية تُذهِب وَحَرَ الصدر، ولا تحقرنَّ جارة لجارتها ولو شق فِرْسِن شاة))؛ [رواه أحمد].

 

إن الهدايا لها حفظ إذا وردت
أحظى من الابن عند الوالد الحَدِب

 

فالهدية وإن كانت يسيرة، فلها الأثر البالغ على صدر المهدَى له، ومن شأنها أن تزيل وغر صدره، أو تخففه حره على أخيه.

 

عباد الله: ومن وسائل تحصيل سلامة الصدر: إفشاء السلام، والمتأمل في السلام يرى أنه محض فضل لله عظيم على هذه الأمة، فاسم الله السلام، والجنة دار السلام، وديننا الإسلام، وتحيتنا السلام، وفي السلام إيذان للمسلَّم عليه بسلامة جانبه من المسلم، وفيه الدعاء له بالسلامة، وفيه تحصيل أجور كثيرة على مر الزمان في ابتدائه وردِّه، فبركات السلام لا تُحصى، فإن اجتمع للسلام بشاشة وابتسامة وسلامة صدر، فهي من نعيم الأنفس.

 

وتأمل أول أمْرٍ أمَرَ الله به آدم عليه السلام؛ إنه السلام؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((لما خلق الله آدمَ صلى الله عليه وسلم، قال: اذهب فسلم على أولئك - نفر من الملائكة جلوس - فاستمع ما يحيونك؛ فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه: ورحمة الله))؛ [متفق عليه]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أَوَلَا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحابَبْتُم؟ أفشوا السلام بينكم))؛ [رواه مسلم].

 

ومنها: البشارة بالخير للمؤمنين وتهنئتهم بفضل الله عليهم؛ وتأمل قصة كعب بن مالك رضي الله عنه، وتسابُق الصحابة على بشارته، فمنهم من ركض بفرسه، ومنهم من ركض برجله، حتى إذا رأى الفارس قد سبقه أوفى على جبل سلع، فصاح: يا كعب بن مالك، أبشر بتوبة الله عليك، قال كعب: وانطلقت أتأمَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم، يتلقَّاني الناس فوجًا فوجًا، يهنئوني بالتوبة، ويقولون: لتَهْنِئْك توبةُ الله عليك، حتى دخلت المسجد، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم حوله الناس، فقام طلحة بن عبيدالله يهرول، حتى صافحني وهنَّأني، والله ما قام رجل من المهاجرين غيره، قال: فكان كعب لا ينساها لطلحة.

 

ومنها: حسن الظن بالمسلمين: فحسن الظن هو سابلة عباد الله الصالحين التي يسيرون فيها بين عباد الله، فيحملونهم على أحسن محامل الظن؛ كما قال عمر رضي الله عنه فيما رواه سعيد بن المسيب، قال: ((كتب إليَّ بعض إخواني من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنْ ضَعْ أمر أخيك على أحسنه ما لم يأتِك ما يغلبك، ولا تظننَّ بكلمة خرجت من امرئ مسلم شرًّا، وأنت تجد له في الخير محملًا، ومن عرَّض نفسه للتهم فلا يلومنَّ إلا نفسه)).

 

فتأمل وصيته، واعلم أن العمل بها ليس عن ضعف ولا غفلة، ولكن عن ديانة ورجاحة وورع.

 

ومنها: الرحمة والشفقة بالناس: فالموفَّق هو من نظر لمن أساؤوا إليه نظرة شفقة لا كراهية؛ فهو يفوز بعاجل راحته في الدنيا وذخيرة كنز أجره في الأخرى.

 

فهو على يقين أنهم بأذاهم له لا ينالون شفاء لصدورهم، ولا سعادة لقلوبهم، لكنما يحشون مراجل صدورهم بسهام حقدهم المصمية التي تؤذي صاحبها قبل غيره، وتهدم صروح عافيته في عاجلته وآخرته، وبالجملة فمن رُزق الشفقة على من آذَوه فقد سلم صدره لهم.

 

واعلم أن من فروع ذلك الاستغفارَ لنفسه ولمن عادوه، فلا يستغفر لهم ويدعو لهم بالخير إلا من ذاق لذة سلامة الصدر، وحلاوة طهارة القلب، وكلما استغفر لهم، ازداد سلامة وطهرًا.

 

ومنها: التلذذ بالبلاء في ذات الله تعالى، فالدنيا قد خُلقت على الكدر فلا ترُمْها صافية، وأُقيمت على المشقة فلا تأملها مُيَسَّرَة، وسُنَّت على الفناء فلا تنخدع بسرابها.

 

ولا بد للمؤمن من أن يُؤذَى، خاصة كلما اقترب من جادة المرسلين ووظيفتهم في الدعوة إلى الله تعالى؛ ففي النفوس مَيل إلى العاجلة، ومَن حال بينهم وبين تحصيلها آذَوه واتهموه وشقوا عليه وحاربوه؛ لذا فإن لم يتلذذ بالبلاء في ذات الله، خِيف عليه أن يتلوَّث بحمل ضغينة عليهم لأجل أذيتهم له، لكنَّ من يذكر سبيل البلاء بالمرسلين وأتباعهم، فقد وطَّن نفسه أوطانهم، وهيأ قلبه بحرًا تغرق فيه هنَّات البشر، فأصبح سليمًا عليهم مشفقًا حادبًا.

 

ومنها: انتظار الأجر: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7]، فمن كانت بين عينيه، هانت عليه نفسه، ولو تلفَّت في مهاوي الردى؛ ذلك أنه موعود بالأجر، موقف بلقاء الرحمن.

 

ومنها: التوبة الصادقة: فالتوبة غسيل للصدر من وحر الخطيئة وكدر العصيان، فلا عجب – إذًا - من كونها سبيلًا لتحصيل سلامة الصدر، فالقلوب بين يدي علَّام الغيوب يصرِّفها كيف يشاء، وهو يحب التوَّابين، ومن آثار محبته تنزيل ألطافه عليهم، ومن أجملها تسليم صدورهم وتطهير قلوبهم بمنة وكرمه وحمده.

 

بارك الله لي ولكم...

 

الخطبة الثانية

الحمد لله وحده...

عباد الرحمن: ومن وسائل تحصيل سلامة الصدر للمؤمنين: صدق التوكل على الله؛ فالله وحده حسيب المتوكل؛ ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 3]؛ أي: كافيه في كل أموره عمن سواه، فلكل عبادة نصيب لصاحبها من الأجر والإجابة، أما التوكل فنصيبه الكفاية، وبالله التوفيق.

 

ومنها: مطالعة أسماء الله وصفاته: ولهذا أثر جميل جدًّا على العبد، فإذا طالع اسم الله: الرحيم، واللطيف، والغفور، والعفو، والكريم، والوهَّاب، ونحوها، أورثه ذلك سعة في صدره، وراحة في قلبه، وضياء في وجهه، وبصيرة وهداية في مسيره إليه.

 

ومهما اختلفت عليه سهام الظالمين من الإنس والجن، فهو ساكن الطبع، مطمئن البال، مرتاح الحال، يستشعر معية ذي الجلال والإكرام، فهو معه وبه ومنه وإليه، فهل تُخشى ضيعة على مثل هذا القلب العامر بكل خير؟ كلا وربي.

 

ومنها: تدبُّر شؤم العواقب وحسنها: فمن حكمة المرء سعة أفقه وتدبره لعواقب أفعاله، ومآلات أعماله، فيرى بنفاذ بصيرته وحِدَّةِ فِراسته ما لا يراه من عُدم تمام الحكمة؛ ﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 269].

 

ومن الناس مَن بصيرته تنفذ في عاقبته في الدنيا، ومنهم من تتجاوزها لعاقبته في أخراه، وهذا هو الموفق حقًّا، والمغبوط صدقًا، والله ولي التوفيق.

 

ومنها: الاستعاذة بالله تعالى: فالشيطان يريد شحن صدور المؤمنين بعضهم على بعض، ويجتهد في إدخال الحزن عليهم؛ ﴿ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا ﴾ [المجادلة: 10]، ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ﴾ [فاطر: 6]، والنجاة من عداوته مفتقرٌ لمعونة خالقه، المتصرف فيه، المالك لناصيته، الذي إن شاء أخنسه، وأعاذ عبده منه، فمن استعاذ بربه من عدوه، أعاذه ولم يسلطه عليه.

 

ومنها: العدل والإحسان: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ﴾ [النحل: 90]، فالعدل فرض، والإحسان مندوب، وعلى قدر تحقيق العبد لكل منهما ينال مرتبته، والله لا يضيع أجر من أحسن عملًا، وأهل الجنة في خير فضيل، وحبور كثير، مع ذلك فليسوا سواء، فالمقربون السابقون ليسوا كالأبرار أصحاب اليمين، وكلًّا وعد الله الحسنى وزيادة.

 

وصاحب العدل قليلةٌ طرق السوء لقلبه؛ إذ لم يلوثه بمظالم وتقصير وبغيٍ، وصاحب الإحسان كبير القدر عند الموافق والمخالف، فالنفوس مجبولة على حبِّ من أحسن إليها.

 

ومن أحَسَنَ للناس مَلَكَ قلوبهم، وأحسن إلى من شئت تكن أميرَه، وليس من شرط الإحسان أن يكون ببسط مال، بل يكون بطلاقة الوجه، وبداءة السلام، وتوسيع المجلس، والشفاعة، والسؤال عن الحال، ونحو ذلك من طرق جلب السرور لنفوس العباد.

 

والعفو عن المخالف المعادي محتاج لسعة صدر، أما الإحسان، فمحتاج مع ذلك لجرعات كظم الغيظ، مع عقل كبير يقدر حجم الآخرة، ويرى أن الدنيا ليست بشيء؛ قال الكندي:

وإن الذي بيني وبين بني أبي
وبين بني عمي لمختلف جدا
فإن أكلوا لحمي وَفَرتُ لحومهم
وإن هدموا مجدي بنيتُ لهم مجدا
ولا أحمل الحقدَ القديمَ عليهم
وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا

 

ومنها: الإيمان: وهذا السبب هو الرَّحى الذي تدور عليه بقية الأسباب، فمبدؤها منه ورجوعها إليه، وعلى قدره يكون شعاعها وضياؤها ونفعها.

 

ومن أراد ألَّا تتشعب به الطرق، وتكثر عليه السبل، فليوحِّد سبيله من هنا، وليغذِّ إيمانه بشعب الإيمان علمًا وعملًا، وليحرك قلبه به، وليَسْقِ روحه بحدائه، وليُطعِمْ نفسه نفحات اللطيف؛ فإن له نفحاتٍ مَن ذاقها لم يلتفت لِما سواها.

اللهم صلِّ على محمد...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • سلامة الصدر (تصميم)
  • سلامة الصدر (خطبة)
  • من ثمرات السلامة الصدر
  • سلامة الصدر
  • سلامة الصدر (خطبة)
  • خطبة: سلامة الصدر
  • أولادنا وسلامة الصدر
  • من أسباب سلامة الصدر (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • وسائل سلامة الصدر(محاضرة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري)
  • وسائل السلامة في الحج وسبل الوقاية من الأضرار بإذن الله وعشر ذي الحجة (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • صور الصرف عبر وسائل الاتصال التي تنقل المكتوب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المقاطع الصوتية التعليمية وسيلة من وسائل تعليم الكتابة والهجاء(مقالة - حضارة الكلمة)
  • صور الصرف عبر وسائل الاتصال التي تنقل اللفظ(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من وسائل الإعلام المقروءة ( الكتاب )(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • خطبة عن وسائل التواصل الاجتماعي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • جرائم الابتزاز عبر وسائل التواصل الاجتماعي (خطبة)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • خطبة وسائل القوة(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • وسائل حفظ النفس من الهلاك (خطبة)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب