• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    فضل معاوية والرد على الروافض
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    ما جاء في فصل الشتاء
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرحمن، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    تفسير: (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: إذا استنجى بالماء ثم فرغ، استحب له ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    اختر لنفسك
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون (خطبة) - باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

يقظة القلوب (خطبة)

يقظة القلوب (خطبة)
الشيخ عبدالله محمد الطوالة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 1/1/2023 ميلادي - 8/6/1444 هجري

الزيارات: 21625

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

يقظة القلوب (خطبة)

 

إن الحمد لله، نحمَدهُ ونستعينهُ ونستغفرهُ، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده اللهُ فلا مضلَ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبدهُ ورسوله صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فإن أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ رسولِه محمدٍ بن عبدِ الله صلى الله عليه وسلم، وشرَ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70-71]..

 

معاشر المؤمنين الكرام، الهمةُ العاليةُ شرفٌ نبيل، وخلقٌ جميل، فبالهِمم تعلُو الأفراد والأمم، حتى تبلُغَ أعالِيَ القِمَم، ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾، وقد أثنَى الله تعالى على أصحاب الهِمَم العالية، فقال تعالى: ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾ [الأحزاب: 23]، وأمرَ الله سبحانه بالتنافُس في المعالِي، فقال: ﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾ [البقرة: 148]، وعلَّم النبي صلى الله عليه وسلم أمتَه علوَّ الهِمة، فقال: "إن الله يحبُ معالي الأمور وأشرافها، ويكره سِفسَافها"، وفي الحديث الصحيح: "كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا".

 

وثِقوا يا كرام، ثقوا أن في كلِ فردٍ منَّا خصائصَ وصفات، ومواهبَ وقدرات، لو فعَّلها بالشكل الصحيح، واستثمرها كما ينبغي، لتغيّرَ طعم الحياةِ في حسه، ولشعرَ بعلو قدره وسمو نفسه، ولعاشَ بإذن الله سعيدًا وماتَ حميدًا..

 

وكم هي خسارةٌ كبرى، ورزيةٌ عظمى أن يَهبَك اللهُ عقلًا سليمًا، وجسمًا صحيحًا، ويمد في عمرك سنواتٍ وسنوات، ثم يضيعُ كلُّ ذلك في الترهات، والتافهِ من الاهتمامات، ﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ ﴾ [فاطر: 37]، ﴿ والعصر * إن الإنسان..... ﴾..

 

أيها المسلمون، الله الذي خلقنا من عدم، وربانا بالنعم، وهو الذي هَدَانا وكفانا وآوانا، ومن كل ما سألناه أعطانا، ووالله ما كنَّا لنهتدي لولا أن هدانا ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ﴾ [غافر: 61].

 

ووالله إِنَّهُ لتَوفِيقٌ عظيم، وعطاءٌ كبيرٌ أن يهبَ اللهِ تعالى لعبده المؤمن أُذُنًا تعي وتَسمَعُ، وَقَلبًا يَخشَى وَيَخشَعُ، وعقلًا يرتدِعُ ويُقلِع، ونفسًا تستجيبُ للحق وتخضع؛ قَالَ جَلَّ وَعَلا: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى﴾ [النازعات: 26]، وَقَالَ سُبحَانَهُ: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ [ق: 37]، وقال تبارك وتعالى: ﴿ فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 18]..

 

ثم إياكم والهوى، لا يأخذنكم بعيدًا يا عباد الله، فمن تتبع الهوى هوى، وزاغ عن السبيل وغوى، وصدق اللهُ ومن أصدقُ من الله قيلًا: ﴿ أَرَأيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا * أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾ [الفرقان:43-44]، ويقول تبارك وتعالى: ﴿ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَاب ﴾ [ص: 26]..

 

وعينُ الهوى عمياء، وأذنهُ صماء، وفي كتاب الله وسنة رسوله العافية من هذا البلاء، فقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: "تركتُ فيكم أَمْرَيْنِ لن تَضِلُّوا ما تَمَسَّكْتُمْ بهما: كتابَ اللهِ وسُنَّةَ نبيِّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ"..

 

أُخيَّ المبارك، الأعمارُ مهما طالَتْ فهي قصيرةٌ، والدنيا مهما طابتْ فهي يسيرةٌ، واليومَ عملٌ ولا حساب، وغدًا حسابٌ ولا عمل، والكيِّسُ من دانَ نفسَهُ، وعمِلَ لما بعدَ الموتِ، والعاجِزُ من أتبعَ نفسَهُ هواها، وتمنَّى على الله الأماني، وفي الحديث الصحيح: "أفضلُ المؤمنينَ إسلامًا من سَلِمَ المسلمونَ من لسانِه ويدِه، وأفضلُ المؤمنينَ إيمانًا أحسنُهم خُلقًا؛ وأفضلُ المهاجرين من هجر ما نهى اللهُ تعالى عنه، وأفضلُ الجهادِ من جاهد نفسَه في ذاتِ اللهِ عزَّ و جلَّ".

 

ومن حُسنِ إسلامِ المرءِ تَركُهُ ما لا يَعنِيهِ"، و"دعْ ما يريبك إلى ما لا يريبك".

 

ولو أنا إِذا مِتْنا تُرِكنا
لكانَ الموتُ راحةَ كُلِّ حيِّ
ولكنا إِذا مِتْنا بُعِثْنا
ونُسألُ بعد ذا عن كُلِّ شيءِ

 

فيا عبد الله، ارضَ بما قسمَ اللهُ تكنْ أغنى النَّاسِ، واجتنبْ محارمَ اللهِ تكنْ أورعَ النَّاسِ، وأدِّ ما افترضَ اللهُ تكنْ أعبدَ النَّاسِ ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا ﴾ [النساء: 124]..

 

من أبصرَ عيوبَ نفسهِ سلِم، ومن ظنَّ بمسلمٍ فتنةً فهو الذي فُتن، ومن عرفَ الدنيا هانت عليه مصائِبُها، وأشدُّ الذنوبِ قُبحًا ما استخفَّ بها صاحبها، ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [التغابن: 16]..

 

أُخيِّ الكريم، من غفلَ عن نفسه تصرَّمت أوقاته، واشتدت يومَ القيامةِ حسراته، وهل الأعمارُ إلا أعوام، وهل الأعوامُ إلا أيام، وهل الأيامُ إلا أنفاس، وإنَّ عمرًا ينقضي مع الأنفاس لسريعُ الانصرام.

 

والوقتُ أنفسُ ما عُنيتُ بجمعه
وأراهُ أسهلَ ما عليك يضيعُ

 

الوقتَ هو رأسُ مالِ الانسانِ وأغلى موارده، ومن أضاعَ ولو جزءًا يسيرًا من وقته، فما عرفَ قيمةَ الحياةِ, ولا معنى العمر، ﴿ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ﴾ [الفجر:23-24]..

 

أحبتي في الله، لا يعرفُ حقيقةَ الدنيا بصفوها وكدرها، وخيرها وشرها, إلا من حاسبَ نفسه حسابًا دقيقًا، فحاسب نفسك يا عبد الله، وإذا رأيتَ في نفسك أو في أيِّ شأنٍ من شؤون حياتك خللًا ما، فتذكر نِعمةً ما شُكرت، أو زلةً قد ارتكبت، أو غفلةً قد استحكمت، واعلم أنهُ لا يستقيمُ إيمانُ عبدٍ حتى يستقيمَ قلبُه، ولن يستقيمُ قلبُه حتى يستقيمَ لسانُه"، وإنَّ المؤمنَ لَيُدْرِكُ بحُسْنِ خُلُقِهِ درجةَ قائمِ الليلِ، وصائمِ النهارِ، ﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [هود: 112]، واعلم أنه ما وقعَ بلاءٌ إلا بذنب، ولا رُفِعَ إلا بتوبة، فلُذْ بالباب, وبادِر بالمتاب، وخُذ بالأسباب، فالكريم الوهاب يقول: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 135]..

 

وتذكر أيها الموفق أنك لن تأخذَ معك سوى عملك, ولن يبقى منك إلا سمعتُك وذكرُك، فاجتهد في إصلاح عملِك، وتحسينِ خُلقِك، واشتغل بذِكْر الله، فإنَّهُ خيرُ ما تعمل، والْزَم الصِّدْقَ، فإنّ الله مع الصادقين، واحذر الكَذِبَ فإن المؤمنَ لا يكذب، وصِل رحمك, وأحسِن إلى جيرانك، تكن مِن المحسنين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون..

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97]، أقول ما تسمعون..

 

الحمد لله وكفى، وصلاة وسلامًا على عباده الذين اصطفى..

 

أما بعد، فاتقوا الله عباد الله وكونوا مع الصادقين، الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله.

 

معاشر المؤمنين، لقد أكرمنا الله تعالى بنعمٍ ليس لها نهاية، ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾ [إبراهيم: 34]، بيوتٌ معمورة، وعوراتٌ مستورة، وأرزاقٌ موفورة، أمنٌ في الأوطان، وسلامةٌ في الأبدان، ودينٌ هو أحسنُ وأيسرُ الأديان، ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ ﴾ [النمل: 73]..

 

تأمل يا رعاك الله في أرجاء الأرض وهي قاحلةٌ ماحلة، والسماء صحوٌ صافية، قد تربعت في كبدها شمس الهاجرة، ثم إذا بالغيم يتسابقُ من كل مكان، تبرقُ السماءُ وترعُد، ثم ينزل منها كأفواه القرب، يسيل على وجه الأرض كالأنهار، يغمر كل فجاها، ويسقي كل ربوعها، فترتوي الأرض وتمتلئ الغدران، ثم تلبس الأرض من ثيابها الخضر الحسان، في منظرٍ آسرٍ فتان، فمن أزجى السحاب وألَّف بين أجزائه، ومن أنزل الماء وسلكه ينابيع في الأرض، إنه الله جلَّ في علاه، ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ ﴾ [النور: 43]، وقال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 21]، فالمَاءُ نعمةٌ عَظِيمَةٌ لا يعرف قدرها إلا من حُرِمها، ﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنبياء: 30]، تأمل: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [الشورى: 28]، وَقَالَ تَعَالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحج: 63]، وَقَالَ جَلَّ وَعَلا: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ ﴾ [السجدة: 27]، وَقَالَ جَلَّ مِن قَائِلٍ: ﴿ هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ * وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ ﴾ [الرعد:12-13]، وقال جل وعلا: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ ﴾ [الواقعة:68-70]، وقال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ * يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [النحل:10-11]، وغيرها من الآيات كثير..

 

ثم اعلموا أيها الأحبة الكرام أنَّ هناك سننًا وآدابًا كثيرةً متعلقةً بنزول الغيث، فقد كَانَ المصطفى صلى الله عليه وسلم إِذَا عَصَفَتِ الرِّيحُ يقول: "اللَّهُمَّ إِني أَسأَلُكَ خَيرَهَا وَخَيرَ مَا فِيهَا وَخَيرَ مَا أُرسِلَت بِهِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِن شَرِّهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا وَشَرِّ مَا أُرسِلَت بِهِ"، وَكَانَ صلى الله عليه وسلم إِذَا تَخَيَّلَتِ السَّمَاءُ واجتمعت السحب، تَغَيَّرَ لَونُهُ وَخَرَجَ وَدَخَلَ وَأَقبَلَ وَأَدبَرَ، فَإِذَا أَمطَرَت سُرِّيَ عَنهُ، وجاء في الأثر بسندٍ صحيح أنه كان إذا سمع الرعد ترك الحديث وقال: (سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته)، وفي صحيح البخاري أنه إذا رأى المطر قال: "اللهم صيِّبًا نافعًا"، وعندما يتوقف المطر كان يقول: "مطِرنا بفضل الله ورحمته"، وكان إذا خشي منه الضرَر دعا وقال: "اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والضراب وبطون الأودية ومنابت الشجر"، وفي صحيح مسلم قال أنس رضي الله عنه: أصابنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مطرٌ قال: فحسرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبه حتى أصابه من المطر فقلنا: يا رسول الله، لم صنعت هذا؟ قال: "لأنه حديث عهدٍ بربه"، فلا ينبغي للمسلم أن تفوته مثل هذه الأدعية والأذكار والسنن النبوية الكريمة، وكم هو جميل أن نتعلمها ونعلِّمها لأبنائنا وأهلينا، كما ينبغي للمسلم ألا يفوته الدعاء وقت نزول المطر، فإنه من مواطن الإجابة، وفي الحديث الصحيح: "ثنتان ما تردان: الدعاء عند النداء وتحت المطر"..

 

فَاحمَدُوا اللهَ أَيُّهَا المُسلِمُونَ عَلَى مَا مَنَّ الله بِهِ عَلَيكُم مِن هَذَا الغَيثِ المُبَارَكِ، وَاسأَلُوهُ جل وعلا أَن يَجعَلَهُ رَحمَةً لَكُم وَقُوَّةً وَبَلاغًا إِلى حِينٍ، استَقِيمُوا عَلَى طاعَةِ ربكم، وأَصلِحُوا ذَاتَ بَينِكُم، وأَبشِرُوا وأملوا.. فَخَزَائِنُ اللهِ مَلأَى، ويده سحاء، ولا يتعاظمه كثرةُ العطاء، ولا يُعجِزُهُ شَيءٌ في الأَرضِ وَلا في السَّمَاءِ، ﴿ هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ * فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ * يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ﴾ [غافر: 13 - 16]..

 

ويا بن آدم عِشْ ما شئت فإنك ميِّت، وأحبِب مَن شئت فإنك مفارقه، واعمَل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى والذنب لا يُنسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان..

اللهم صلِّ محمد..

 





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • نقاء القلوب (خطبة)
  • رمضان فرصة لتعلق القلوب بالمساجد (خطبة)
  • مفاتيح القلوب
  • أعمال القلوب وأمراضها
  • موعظة القلوب الغافلة (خطبة)
  • أسباب صلاح القلوب (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • خطبة يقظة القلوب(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • هيا بنا نستقبل رمضان؟ ( اليقظة )(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شعائر الإسلام تنشئ قلوبا حية وضمائر يقظة وأفئدة سليمة(مقالة - ملفات خاصة)
  • العطلة الصيفية بين اليقظة والغفلة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة المسجد الحرام 5 / 8 / 1434هـ - سوريا ويقظة الأمة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة المسجد النبوي 7/8/1432هـ - الإجازة ويقظة الأولياء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • اليقظة والحيطة والاعتبار(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • النوم واليقظة(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • اليقظة من رقدة الغفلة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • احذر الفتور في رمضان والزم التذكر واليقظة(مقالة - ملفات خاصة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب