• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

طرف من أخبار الراضين بالله رب العالمين (خطبة)

طرف من أخبار الراضين بالله رب العالمين (خطبة)
إبراهيم الدميجي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 12/10/2022 ميلادي - 16/3/1444 هجري

الزيارات: 9265

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

طَرَفٌ من أخبار الراضين بالله رب العالمين

 

الحمد لله، الحمد لله الذي حثَّ عباده على الاعتصام بالكتاب والسنة، أحمده سبحانه وأشكره ذا الفضل والمنة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أعاذ عباده من شر الناس والجِنة، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله قائد المؤمنين ودليل الملة، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه في السراء والمُلِمَّة؛ أما بعد:

فأوصيكم ونفسي بتقوى الله؛ فهي الزاد يوم المعاد؛ قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

 

عباد الرحمن، إن أعظم الناس رضًا برب الناس هو خير الناس محمد صلى الله عليه وسلم، فقد كان المثلَ البشريَّ الأعلى للرضا بالمولى الحق سبحانه وبحمده، وتأمَّل سيرته العطرة، وكيف كان حاله الكامل الشريف مع طوارق المحن، وترادف الشدائد والفتن، وضغط الصعوبات، وموت الناصر من القرابات، وقلة المعينين من البشر والمعينات، فأطبقت على كاهله الشديدات؛ ولكن كل ذلك لا شيء بالنسبة لرضاه عن رب البريات، ومالك الأرض والسماوات، وقاضي الأمر والحاجات، ﴿ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ ﴾ [التوبة: 40]، ﴿ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ﴾ [المائدة: 67]، ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ﴾ [الزمر: 36]، ﴿ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ﴾ [المجادلة: 21]، ﴿ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 21]، ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ [الحج: 38]، ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل: 62]، ﴿ لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا * وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا ﴾ [الفتح: 2، 3].

 

لقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم نسيجَ وحدِه في كل كمالات الصفات اللائقة بالبشر، فما من خُلُقٍ إلا وقد حاز كماله، لقد خلقه الله تعالى وهيأه لأعلى المنازل وأسمى الرتب، فجلله بأكمل الفضائل وأجمل السجايا حتى كان خُلُقُه القرآن، ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]، فأي شرف فوق هذا الشرف، وأي مديحة تعلوه، فصلوات الله وسلامه وبركاته وملائكته والصالحون من عباده عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان، صلاة دائمة متعاقبة لا تنقطع على مر الدهور والأزمان.

أنت الذي لما رُفِعت إلى السما
بك قد سمت وتزينت للقاكا
ناديت أشجارًا أتتك مطيعةً
وشكا البعير إليك حين رآكا
والماء فاض براحتيك وسبحت
صُمَّ الحصى لله في يمناكا
والجذع حنَّ إليك حين تركته
وعلى سواه أوقفت قدماكا

 

قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: "وخُلُق رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن أكمل الأخلاق، وقد كان من خلقه أنه لا ينتقم لنفسه، فإذا انتُهكت محارم الله لم يقم لغضبه شيء حتى ينتقم لله، فيعفو عن حقه ويستوفي حق ربه.

 

والناس في الباب أربعة أقسام: منهم من ينتصر لنفسه ولربه، وهو الذي يكون فيه دين وغضب، ومنهم من لا ينتصر لا لنفسه ولا لربه، وهو الذي فيه جهل وضعف دين، ومنهم من ينتقم لنفسه لا لربه، وهم شر الأقسام، وأما الكامل فهو الذي ينتصر لحق الله ويعفو عن حقه؛ كما قال أنس بن مالك رضي الله عنه: ((خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فما قال لي: أفٍّ قط، وما قال لي لشيء فعلته: لمَ فعلته؟ ولا لشيء لم أفعله: لمَ لا فعلته؟ وكان بعض أهله إذا عتبني على شيء يقول: دعوه، لو قُضيَ شيء لكان))[1][2]؛ فقد كان صلى الله عليه وسلم تجسيدًا للرضا بالله تعالى، فمهما ابتُلي في دنياه وجسده وروحه وأحبابه وأصحابه، فإنه ثابت الجَنان في الرضا، راسخ الفؤاد فيه، لا تزيده الخطوب إلا رضًا عن ربه، ويقينًا به، وعبودية حقةً له.

 

عباد الله، ومن أعظم الراضين بالله رب العالمين، الصادقين في دعواهم، الشاكرين في بلواهم - نبيُّ الله أيوب عليه السلام، الذي قد ضرب الناس به المثل في الصبر والرضا بما قدره الله تعالى عليه؛ قال الشنقيطي حفظه الله تعالى: "نبي الله أيوب عليه السلام مكث طريح الفراش أكثر من سبع سنين، كان ذا مال وثروة ونعمة وجاه، قال إبليس: اللهم سلطني على عبدك أيوب، فسلطه الله على ماله فأحرق جميع ماله، فلما رأى ذلك البلاء في ماله، قال: الحمد لله، حمِد الله تبارك وتعالى، وقال في كلام معناه: اللهم وهبتني المال، وأنعمت عليَّ بالمال حتى شغلني عن ذكرك، فها أنت قد فرغتني لذكرك وشكرك، فلك الحمد رب العالمين.

 

رضيَ عن الله تبارك وتعالى، وشاء الله تبارك وتعالى ألَّا يبقى البلاء عند هذا، وإذا بذلك العدو يسأل الله أن يسلطه على أهله وولده، وشاء الله تبارك وتعالى أن يمكِّنه من ذلك، ففقد فلذات كبده، وفقد أهله واحدًا تلو الآخر، حتى فُجع بهم جميعًا إلا زوجةً واحدة، بقِيَت هذه الزوجة مع ذلك النبي المصاب، ومع ذلك العبد المبتلَى تواسيه وتسليه، فقال عليه الصلاة والسلام: الحمد لله رب العالمين، وشكر الله على البلاء الذي أصابه، فقال إبليس عليه لعنة الله: اللهم سلطني على نفسه، فقال: لك كل شيء إلا لسانه وقلبه، فبقِيَ عليه الصلاة والسلام لا يمكن أن يفتر له لسان عن ذكر الله تبارك وتعالى، ولا يمكن أن يفتر له جنان عن حسن الظن بالله تبارك وتعالى.

 

تولى عنه الناس حتى أصبح أنتن ما يكون رائحة، وتركوه إلى جوار المزابل - كما ورد في الأخبار - ولم يبقَ معه إلا زوجته التي بقيَتْ معه تهتم به، فلما بلغ به الأذى مبلغه، وأصابه ما أصابه من الضر والبلاء؛ عندها تذكر الله تبارك وتعالى، وأحس بعظيم البلاء الذي يجده؛ فقال الله تعالى يصور ساعة اليقين من ذلك القلب الموقن: ﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ﴾ [الأنبياء: 83، 84]، ولما أراد الله أن يفرج كربه أمره بكلمة واحدة: ﴿ ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ﴾ [ص: 42]، ما أمره أن يقوم، وما أمره أن يذهب إلى أحد، وما أمره أن يسأل أحدًا أن يفرج كربه، ولكن أمره بأمر واحد: ﴿ ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ﴾ [ص: 42]، فجعل تفريج كربه من تحت قدمه، فلا إله إلا الله رب العالمين.

 

في طرفة عين تفجرت العين، ثم اغتسل منها؛ فما بقي به مرض في جسده، وما بقيت به عاهة في بدنه، فقام عليه الصلاة والسلام قويًّا سويًّا من لحظته وساعته، الله أكبر! ما أيقن أحدٌ بالله فخاب في يقينه، ولا رجاه أحدٌ فخاب في رجائه.

 

ثم أعاد الله تبارك وتعالى عليه أهله وذريته؛ قال عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: "أعاد إليه الأهل والذرية بأعيانهم، فردَّ عليه الزوجات، وردَّ عليه الأبناء والبنات، ثم رد عليه أضعاف ما كان فيه من النعمة"[3].

 

بارك الله لي ولكم...

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه؛ أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن من أئمة الراضين بالله تعالى أبا بكر الصديق رضي الله عنه، وهو أول من دافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أراد المشركون أن يضربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يقتلوه بمكة، دافع عنه الصديق طاقته، فضربوه حتى كادوا أن يقتلوه؛ فعن عروة بن الزبير، قال: سألت عبدالله بن عمرو عن أشد ما صنع المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((رأيت عقبة بن أبي معيط جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، فوضع رداءه في عنقه فخنقه خنقًا شديدًا، فجاء أبو بكر حتى دفعه عنه؛ فقال: ﴿ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ [غافر: 28]))[4]، وفي حديث أسماء رضي الله عنها: ((فأتى الصريخ[5] إلى أبي بكر، فقال: أدرِكْ صاحبك، قالت: فخرج من عندنا وله غدائر أربع[6]، وهو يقول: ويلكم أتقتلون رجلًا أن يقول ربي الله، فلهوا عنه، وأقبلوا على أبي بكر، فرجع إلينا أبو بكر فجعل لا يمس شيئًا من غدائره إلا رجع معه، وهو يقول: تباركت يا ذا الجلال والإكرام))[7]، فتأمل طمأنينته بالله ورضاه عنه، وهو يثني عليه وهو في حاله هذا.

 

وعن عليٍّ رضي الله عنه قال: ((لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذته قريش، فهذا يحاده، وهذا يتلتله[8]، وهم يقولون: أنت الذي جعلت الآلهة إلهًا واحدًا، فوالله ما دنا منا أحد إلا أبو بكر، يضرب هذا، ويجاهد هذا، ويتلتل هذا، وهو يقول: ويلكم ﴿ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ ﴾ [غافر: 28]، ثم رفع عليَّ بردةً كانت عليه، ثم بكى حتى اخضلت لحيته، ثم قال علي: أنشدكم الله، أمؤمن آل فرعون خير أم أبو بكر؟ فسكت القوم، ثم قال: ألَا تجيبوني؟ فوالله لساعة من أبي بكر خير من ملء الأرض من مثل مؤمن آل فرعون، ذاك رجل يكتم إيمانه، وهذا رجل أعلن إيمانه))[9].

 

وتأمل هذا الموقف الهائل المليء بالفداء والمحبة والرضا بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ودينه؛ فعن عائشة رضي الله عنها، قالت: ((لما أسلم أبو بكر قام خطيبًا، فكان أول خطبته دعا إلى الله ورسوله، فثار المشركون على أبي بكر، فضربوه ضربًا شديدًا، ودنا منه عتبة بن ربيعة وجعل يضربه بنعلين مخصوفتين ويحرفهما بوجهه، ونزا على بطن أبي بكر حتى ما يُعرَف أنفه من وجه، فجاءت بنو تيم فحملت أبا بكر في ثوب حتى أدخلوه منزله، لا يشكُّون في موته، وجعل أبوه وبنو تيم يكلمونه، فأجابهم آخر النهار، فقال: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فنالوا منه بألسنتهم وعذلوه وفارقوه، فلم يزَلْ يسأل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى حُمل إليه، فأكبَّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقبِّله، ورق عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم رقة شديدة، فقال أبو بكر: يا رسول الله، هذه أمي، وأنت مبارك، فادْعُ لها، وادْعُها إلى الإسلام؛ لعل الله أن يستنقذها بك من النار، فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاها إلى الله تعالى فأسلمت))[10]، وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: ﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً ﴾ [الفجر: 27، 28]، قال: ((نزلت وأبو بكر جالس، فقال: يا رسول الله، ما أحسن هذا! فقال: أما إنه سيُقال لك هذا))[11].

وسُمِّيتَ صديقًا وكنت مهاجرًا
سواك يسمى باسمه غير منكرِ
وبالغار إذا سميت بالغار صاحبًا
وكنت رفيقًا للنبي المطهرِ
سبقتَ إلى الإسلام والله شاهد
وكنت جليسًا بالعريش المشهرِ

 

وحين مات رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزلزل عقله هذا الخطب المهول، بل ثبت قلبه في جبل الرضا بالله تعالى، فسلم أمره لله رب العالمين، فلما أتاه الخبر أقبل على فرس من مسكنه بالسنح، حتى نزل، فدخل المسجد، فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة رضي الله عنها، فتيمم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مُغشًّى[12] بثوب حبرة، فكشف عن وجهه، ثم أكب عليه فقبَّله وبكى، ثم قال: بأبي أنت وأمي، والله لا يجمع الله عليك موتتين، أما الموتة التي كُتبت لك فقد مِتَّها، ثم خرج أبو بكر - وعمر يكلم الناس - فقال: أيها الحالف، على رسلك، وقال: اجلس يا عمر، فأبى عمر أن يجلس، فلما تكلم أبو بكر أقبل الناس إليه وتركوا عمر، فجلس عمر رضي الله عنه، فحمِدَ اللهَ أبو بكر وأثنى عليه، وقال: أما بعد؛ فمن كان منكم يعبد محمدًا فإن محمدًا صلى الله عليه وسلم قد مات، ومن كان منكم يعبد الله فإن الله حي لا يموت؛ قال الله تعالى: ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾ [آل عمران: 144]، فوالله لَكَأنَّ الناس لم يكونوا يعلمون أن الله أنزل الآية حتى تلاها أبو بكر رضي الله عنه، وقال عمر: والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعُقرت حتى ما تقلني رجلاي، وحتى أهويت إلى الأرض حين سمعته تلاها، علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات، وقال الراوي: فتلقاها الناس كلهم، فما أسمع بشرًا من الناس إلا يتلوها، ونشج الناس يبكون[13].

لا يلبث الأحباب أن يتفرقوا
ليلٌ يكرُّ عليهمُ ونهارُ
صلى الملائكة الذين تخيروا
والطيبون عليك والأبرارُ

 

ولا يمكن احتمال هذا الخطب الثقيل المزعزع الجسيم إلا لمن امتلأت نفسه بالرضا عن الله تعالى، فدار مع أمره وقضائه حيث دارا، فالتنظير والتأطير والقول يسير على الناس، ولكن حينما تحق الحقائق، وتجثم الخطوب، وتتزلزل أفئدة الرجال؛ حينها يظهر الراضي التام حقًّا وصدقًا.

 

عباد الله، ولقد كان عمر رضي الله عنه من سادة الراضين بالله تعالى، وكان يُكْثِر من حمد الله على البلاء، فلما سُئل عن ذلك قال: "ما أُصبت ببلاء إلا كان لله عليَّ فيه أربع نِعَمٍ: أنه لم يكن في ديني، وأنه لم يكن أكبر منه، وأني لم أُحرَم الرضا والصبر، وأني أرجو ثواب الله تعالى عليه".

 

اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا...



[1] البخاري 4/230 (3561)، ومسلم 7/81 (2329) (82)، أما زيادة: "وكان بعض أهله ..."، فهي عند أبي نعيم، وأوردها شيخ الإسلام في رسالة الاحتجاج بالقدر (1/ 43) وصححها الألباني.

[2] مجموع الفتاوى (30/ 369).

[3] تفسير الطبري (18/ 506) بنحوه.

[4] البخاري (٤٥٣٧).

[5] الصريخ: المُغيث؛ ومنه قوله تعالى: ﴿ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ ﴾ [يس: 43]، ويأتي بمعنى الصارخ المُنذر، وهو المراد هنا.

[6] الغدائر: هي الجدائل وقرون شعر الرأس.

[7] أبو يعلى (٥٢)، وحسنه ابن حجر في فتح الباري (٧/ ١٦٩).

[8] يُتَلْتِلُهُ: من التلِّ؛ وهو الجذب المُنكر المتكرر العنيف.

[9] البداية والنهاية (٣/ ٢٧٢)، وعزاه إلى البزار، وانظر: تاريخ الخلفاء للحافظ جلال الدين السيوطي (٣٧).

[10] أُسْد الغابة لابن الأثير (٧٤٣٦).

[11] الماوردي في تفسيره (٦/‏٢٧٣)، وابن أبي حاتم بسند حسن، وابن مردويه، والضياء في المختارة.

[12] أي: مُسجًّى ومُغطًّى.

[13] البخاري (١٢٤١، ١٢٤٢، ٣٦٦٧، ٤٤٥٤)، وانظر: البداية والنهاية (٥/ ٢٤١، ٢٤٢)، وحلية الأولياء (١/ ٢٩).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الرضا بالله تعالى ربًّا
  • فضل الرضا بالله تعالى (2) (خطبة)
  • فضل الرضا بالله تعالى (3) (خطبة)
  • ثمار الرضا بالله تعالى (خطبة)
  • درجات الرضا بالله تعالى (خطبة)
  • من أريج أخبار الراضين بالله تعالى
  • هذا العالم المزدحم
  • عمل العالم بعمله

مختارات من الشبكة

  • مخطوطة تاريخ بناء دمشق ومعرفة من بناها وطرف من أخبارها(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة الاستبصار في أنساب الأنصار (أنساب الصحابة من الأنصار وطرف من أخبارهم)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة المستغيثين بالله تعالى عند المهمات والحاجات ويليه أخبار أبي وهب الزاهد(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • حب من طرف واحد(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • حب من طرف واحد(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا(مقالة - موقع الشيخ الدكتور عبدالله بن ضيف الله الرحيلي)
  • {ليقطع طرفا من الذين كفروا}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ما حكم تولي شخص واحد طرفي العقد في البيع؟(مقالة - موقع د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري)
  • حكم تبرع طرف ثالث بضمان ودائع المستثمرين عند حدوث الخسارة(مقالة - موقع د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري)
  • طرف من الذكريات المدفونة مع شيخنا المقرئ سعيد العبد الله(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب