• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب / في محاسن الإسلام
علامة باركود

الاستغناء بالقرآن (خطبة)

الاستغناء بالقرآن (خطبة)
د. محمد بن عبدالله بن إبراهيم السحيم

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 4/10/2022 ميلادي - 8/3/1444 هجري

الزيارات: 11689

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

(الاستغناء بالقرآن)


الحمدُ للهِ الذي نزَّلَ الفرقانَ على عبده ليكونَ للعالمين نذيرًا، وأودعَ فيه من بركاته خيرًا وفيرًا، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحده لا شريكَ له لم يزلْ بعباده خبيرًا بصيرًا، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه أرسله للمؤمنين بشيرًا، صلى اللهُ عليه وعلى آله وصحبِه وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعدُ: فيا أيها الذين آمنوا اتقوا اللهَ.

أيها المؤمنون؛ الافتقارُ من أوجهِ الضَّعفِ الجِبِلِّيِّ الذي فُطِرَ عليه البشرُ، وذاك ما يجعلُهم يَسْعَوْنَ في سدِّه بطلبِ الغنى جَهْدَهم، وقد تباينتْ طرائقُهم في ذلك الاستغناءِ؛ بناءً على اختلافِ همومِهم، واستحضارِهم الغايةَ من الوجودِ وذِكْرَ الآخرةِ، فكان مسلكُ الكثيرِ في طلبِ الغنى مفضيًا إلى عكسِ مقصودِهم؛ إذ كان الفقرُ قارًّا في القلبِ ومنظرُه لا يغيبُ عن العينِ، وإنْ مَلَكَ صاحبُه دنيا عريضةً، فكان حالُهم كحالِ الظامئِ الذي يرومُ الارتواءَ من ماءِ البحرِ؛ فلا يزيدُه إلا عطشًا، هذا وإن للإيمان تميُّزًا في استغناءِ أهلِه حين سما بهم عن حضيضِ حطامِ الدنيا الذي تنافسَ أهلُها في طلبِ الاستغناءِ به، فلم يزدْهم إلا فقرًا، فعاشَ أهلُ الإيمانِ بذلك الاستغناءِ النقيِّ حقيقةَ الغنى الذي لا يَفنى وإنْ كانوا من عَرَضِ الدنيا مُعْدَمين.

 

عبادَ اللهِ، إن من أعظمِ مقوماتِ الغنى الإيمانيِّ الاستغناءَ بالقرآنِ العظيمِ الذي يُبْصِرُ به المؤمنُ حقيقةَ الغنى، فيستشعرُ عظيمَ نعمةِ اللهِ عليه باصطفائه لوراثةِ كتابِه، واستغناءَه به عن ذلِّ الحاجةِ إلى الناسِ، وسلوَّه عن شقاءِ التطلُّعِ لما في أيديهم، فضلًا عن حسدِهم والبغيِ عليهم، وذاك ما أرشدُ اللهُ نبيَّه صلى الله عليه وسلم إلى لزومِ جادَّتِه في سيرِه إليه وتخطِّيه عقابيلَ الدنيا المغريةَ بسلوٍّ وسلامٍ؛ إذ أمَرَهُ بالاستغناءِ بالقرآنِ حين استغنى غيرُه بالمالِ والمتاعِ، فقالَ: ﴿ ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ * لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ﴾ [الحجر: 87، 88]، فالقرآنُ خيرُ رزقٍ يُمْنَحُ لعبدٍ، وماذا عسى أنْ يكونَ رزقٌ يُدانيه في الخيريةِ والبقاءِ؟! وذاك ما يَقْصِرُ العينَ عن التطلعِ إلى المكاثرةِ في زخرفِ الدنيا أو المنافسةِ فيها، ﴿ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [طه: 131]، وبهذا الغنى القرآنيِّ فاقتِ الآيةُ منه خيرَ المالِ بِعَدِّها؛ فكانت عزاءَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لفقراءِ أصحابِه مِن أهلِ الصُّفَّةِ، قالَ عقبةُ بنُ عَامِرٍ -رضيَ اللهُ عنه -: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ فِي الصُّفَّةِ، فَقَالَ: "أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَغْدُوَ كُلَّ يَوْمٍ إِلَى بُطْحَانَ أَوْ إِلَى الْعَقِيقِ، فَيَأْتِيَ مِنْهُ بِنَاقَتَيْنِ ‌كَوْمَاوَيْنِ[1]، فِي غَيْرِ إِثْمٍ وَلَا قَطْعِ رَحِمٍ؟ "فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! نُحِبُّ ذَلِكَ، قَالَ: " أَفَلَا يَغْدُو أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَيَعْلَمُ أَوْ يَقْرَأُ آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - خَيْرٌ لَهُ مِنْ نَاقَتَيْنِ، وَثَلَاثٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلَاثٍ، وَأَرْبَعٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَرْبَعٍ، وَمِنْ أعدادِهنَّ من الإبلِ؟!"؛ رواه مسلمٌ.

 

وبغنى القرآنِ طابَ النكاحُ حين كان خيرَ ما يُبذلُ في مهورِ النساءِ إنْ عُدِمُ المالُ، قالَ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ - رضيَ اللهُ عنه -: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَهَبُ لك نفسيَ، فنظرَ إليها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَصَعَّدَ النَّظَرَ فِيهَا وَصَوَّبَهُ، ثُمَّ طَأْطَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأْسَهُ، فَلَمَّا رَأَتِ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ فِيهَا شَيْئًا، جَلَسَتْ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا، فقَالَ: "فَهَلْ عَنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ؟"، فقَالَ: لَا، وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فقَالَ: "اذْهَبْ إِلَى أَهْلِكَ، فانظر هل تَجِدُ شَيْئًا؟"، فَذَهَبَ، ثُمَّ رَجَعَ، فقَالَ: لَا، والله ما وجدتُ شَيْئًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "انظر ولو خاتمًا مِنْ حَدِيدٍ"، فَذَهَبَ، ثُمَّ رَجَعَ، فقَالَ: لَا، والله! يا رسول الله، ولا خاتمًا مِنْ حَدِيدٍ، وَلَكِنْ هَذَا إِزَارِي، - قَالَ سَهْلٌ: مَا لَهُ رِدَاءٌ - فَلَهَا نِصْفُهُ، فقَالَ رَسُولُ اللهِ: "مَا تَصْنَعُ بِإِزَارِكَ إِنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ مِنْهُ شَيْءٌ؟!"، فَجَلَسَ الرَّجُلُ، حَتَّى إِذَا طَالَ مَجْلِسُهُ قَامَ، فَرَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُوَلِّيًا، فَأَمَرَ بِهِ فَدُعِيَ، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: "مَاذَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ؟"، قال: معي سورةُ كذا وكذا؛ عَدَّدَهَا، فقَالَ: "تَقْرَؤُهُنَّ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ؟"، قَالَ: نعم، قالَ: "اذهبْ فقدْ مَلَّكْتُها ‌بِمَا ‌مَعَكَ ‌مِنَ ‌الْقُرْآنِ"؛ رواه مسلمٌ.

 

وبهذا الاستغناءِ القرآنيِّ كانت خصيصةُ أهلِ الإيمانِ الذين تميَّزوا بها عن غيرِهم، فقدْ حَمَلَ جمْعٌ من العلماءِ المحققين قولَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم - فيما رواه البخاريُّ -: " لَيْسَ منَّا مَنْ لَمْ ‌يتغنَّ ‌بالقرآنِ" على ذلك الاستغناءِ، قال الإمامُ أبو عبيدٍ القاسمُ بنُ سلَّامٍ: "لَا يَنْبَغِي لحاملِ الْقُرْآن أَنْ يرى أحدًا من أهلِ الأَرْضِ أغْنى مِنْهُ وَلَو مَلَكَ الدُّنْيَا بِرَحْبِها"، وقال بعضُ السلفِ: "مَن قَرَأَ الْقُرْآنَ فَرَأى أَنَّ أحدًا أُعْطيَ أفضلَ مِمَّا أُعْطيَ؛ فقد عظَّمَ صَغِيرًا، وَصَغَّرَ عَظِيمًا"، وكَانَ ابنُ مسعودٍ - رضيَ اللهُ عنه - يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَيَمُرُّ بِالْآيَةِ، فَيَقُولُ لِلرَّجُلِ: «خُذْهَا؛ فَوَاللَّهِ لَهِيَ ‌خَيْرٌ ‌مِمَّا ‌عَلَى ‌الْأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ»، وكان يقول: "مَن قرأَ آلَ عمرانَ فهو غنيٌّ"، وكَانَ رَجُلٌ يُكْثِرُ غَشَيَانَ ‌بَابِ ‌عُمَرَ بنِ الخطابِ - رضيَ اللهُ عنه - طالبًا المالَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: اذْهَبْ فَتَعَلَّمْ كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى، فَذَهَبَ الرَّجُلُ فَفَقَدَهُ عُمَرُ، ثُمَّ لَقِيَهُ فَكَأَنَّهُ عَاتَبَهُ، فَقَالَ: وَجَدتُ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا أَغْنَانِي عَنْ ‌بَابِ ‌عُمَرَ!

 

عبادَ اللهِ، إنَّ للقرآنِ خاصيةً تُكْسِبُ صاحبَه الغنى الحقيقيَّ وإنْ كان مُعْدَمًا من الدنيا، وذاك بما أودعَه اللهُ من الخيرِ والبركةِ التي لا تفْنى ولا تنقصُ، بل تزيدُ وتَفيضُ، فبالقرآنِ هناءُ الدنيا؛ إذ به انشراحُ الصدرِ، وطمأنينةُ القلبِ، وتسكينِ الرَّوْعِ، وذهابُ الهمِّ، وعلاجُ الألمِ، وإذهابُ الحزنِ، وتحقُّقُ البصيرةِ التي تُدْرَكُ بها حقائقُ الأقدارِ، وهل يُرادُ من الاستغناءِ إلا هذا؟! ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس: 57، 58]، ويقولُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَصَابَ أَحَدَكُمْ هَمٌّ، أَوْ حَزَنٌ فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ، إِنِّي عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدِكَ، وَابْنُ أَمَتِكَ، وَفِي قَبْضَتِكَ، نَاصِيَتِي فِي يَدَيْكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ: أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ ‌رَبِيعَ ‌قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي»، قَالَ: «فَمَا قَالَهُنَّ عَبْدٌ قَطُّ إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَ حُزْنِهِ فَرَحًا»، قَالُوا: أَفَلَا نَتَعَلَّمُهُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «بَلَى، فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لِكُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُنَّ أَنْ يَتَعَلَّمَهُنَّ»؛ رواه أحمدُ وصحَّحَه الألبانيُّ.

 

ولاستشعارِ قَدْرِ العلمِ الذي يُكْسِبُه القرآنُ صاحبَه لذةُ غنىً لا يَعْدِلُها كلُّ ملاذِّ الدنيا، ولأجلِها صُبِرَ على الفقرِ والتغرُّبِ وتعبِ البدنِ، وكان محلَّ الاغتباطِ، قال تعالى: ﴿ ﴿ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [العنكبوت: 51]، ويقولُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا ‌حَسَدَ إِلَّا في اثنتين: رجلٍ علمه اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النهار، فسمعَه جارٌ له فقال: ليتني أوتيتُ مثلَ ما أوتيَ فلانٌ، فعملتُ مثلَ ما يَعملُ، ورجلٍ آتاه اللهُ مالًا فهو يُهْلِكُه في الحقِّ، فقالَ رجلٌ: ليتني أوتيتُ مثلَ ما أوتي فلانٌ، فعملتُ مثلَ ما يَعملُ"؛ رواه البخاريُّ.

 

وملازمةُ القناعةِ التي تطيبُ بها الحياةُ، والاصطبارُ على إبقائها من أسرارِ الغنى القرآنيِّ؛ إذ هو منبعٌ لها وباعثٌ عليها، خَرَجَ الإمامُ المزنيُّ مِنْ بَابِ جَامِعِ الْفُسْطَاطِ مُعَلِّقًا نَعْلَيْهِ وَقَدْ أَقْبَلَ قرينٌ له في العلمِ ثريٌّ فِي مَوْكِبِهِ، فَبَهَرَهُ مَا رَأَى مِنْ حَالِهِ وَحُسْنِ هَيْبَتِهِ، فَتَلَا قَوْلَهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: ﴿ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ ﴾، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ بَلَى؛ ‌أَصْبِرُ وَأَرْضَى، وَكَانَ مُقِلًّا رَحْمَةُ اللَّهُ عَلَيْهِ.

 

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ.

 

أما بعدُ، فاعلموا أنَّ أحسنَ الحديثِ كتابُ اللهِ، أيها المؤمنون، ولئن كان غنى القرآنِ الدنيويُّ عظيمًا، فماذا عساه أنْ يكونَ في الآخرةِ؟! بركةٌ تَفْيضُ وتمتدُّ إلى أبوي صاحبِ القرآنِ الحافظِ له العاملِ به، يقولُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الْقُرْآنَ يَلْقَى صَاحِبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يَنْشَقُّ عَنْهُ قَبْرُهُ كَالرَّجُلِ الشَّاحِبِ[2]، فَيَقُولُ لَهُ: هَلْ تَعْرِفُنِي؟ فَيَقُولُ: مَا أَعْرِفُكَ، فَيَقُولُ: أَنَا صَاحِبُكَ الْقُرْآنُ الَّذِي أَظْمَأْتُكَ فِي الْهَوَاجِرِ وَأَسْهَرْتُ لَيْلَكَ، وَإِنَّ كُلَّ تَاجِرٍ مِنْ وَرَاءِ تِجَارَتِهِ، وَإِنَّكَ الْيَوْمَ مِنْ وَرَاءِ كُلِّ تِجَارَةٍ؛ فَيُعْطَى الْمُلْكَ بِيَمِينِهِ، وَالْخُلْدَ بِشِمَالِهِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ، وَيُكْسَى وَالِدَاهُ حُلَّتَيْنِ لَا يُقَوَّمُ لَهُمَا أَهْلُ الدُّنْيَا، فَيَقُولَانِ: بِمَ كُسِينَا هَذَا؟ فَيُقَالُ: بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرْآنَ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: اقْرَأْ وَاصْعَدْ فِي دَرَجِ الْجَنَّةِ وَغُرَفِهَا، فَهُوَ فِي صُعُودٍ مَا دَامَ يَقْرَأُ، هَذًّا كَانَ، أَوْ تَرْتِيلًا"؛ رواه أحمدُ وحسَّنَه ابنُ كثيرٍ.

 

بتلك المآثرِ الدنيويةِ والأخرويةِ فاقَ إغناءُ القرآنِ كلَّ غنى، بل لا ذِكْرَ للغِنى سواه، وكان لاستشعارِ ذلك الغنى والاصطباغِ بحُلَّتِه أثرُه الوضيءُ الراسخُ على أهلِه المستغنين به؛ إذ كان ذاك حاملًا لهم على الزهدِ في الدنيا وإنزالِها منزلتَها التي أنزلَها اللهُ تعالى، وإنْ طَلبوا منها ما طَلبوا، ومَلَكوا من زهرتِها ما مَلَكوا، فلم تفتنْهم، ولم تطغْهم، وذاك ما جعلَ الإمامَ أحمدَ يأسى على حالِ مَن تعلَّمَ القرآنَ وفَتَنَتْهُ الدنيا؛ إذ يقولُ: "عَزِيزٌ ‌عَلَيَّ أَنْ تُذِيبَ الدُّنْيَا أَكْبَادَ رِجَالٍ وَعَتْ صُدُورُهُمْ الْقُرْآنَ"، فكيف بحالِ مَن جعلَ القرآنَ عوضًا عن عَرَضٍ من الدنيا خسيسٍ؟! وعاشَ بهذا الاستغناءِ القرآنيِّ أهلُه القائمون به أباةً كِرامًا وإنْ أقْفَروا من حطامِ الدنيا، فلم يَذِلُّوا لأهلِها، أو يُعْطُوا الدَّنِيَّةَ في دينِهم، أو يشتروا بآياتِ اللهِ ثمنًا قليلًا؛ قال عبدُاللهِ الليثيُّ: "لَا يَنْبَغِي لِمَنْ أَخَذَ بِالتَّقْوَى وَالْوَرَعِ ‌أَنْ ‌يُذَلَّ لِصَاحِبِ الدُّنْيَا"، وكَانَتْ للعالِمِ معمرِ بنِ سليمانَ النخعيِّ حَاجَةٌ إِلَى بَعْضِ أهلِ الدنيا، فَقِيلَ لَهُ: لَوْ أَتَيْتَهُ فَكَلَّمْتَهُ، فقال: قَدْ أَرَدتُ إِتْيَانَهُ، ثُمَّ ‌ذَكَرْتُ ‌الْقُرْآنَ وَالْعِلْمَ؛ فَأَكْرَمْتُهُمَا عَنْ ذَلِكَ.

يَقُولُونَ لِي فِيكَ انْقِبَاضٌ وَإِنَّمَا
رَأَوْا رَجُلًا عَنْ مَوْقِفِ الذُّلِّ أَحْجَمَا
أَرَى النَّاسَ مَنْ دَانَاهُمْ هَانَ عِنْدَهُمْ
وَمَنْ لَزِمَتْهُ عِزَّةُ النَّفْسِ أُكْرِمَا
وَلَمْ أَقْضِ حَقَّ الْعِلْمِ إنْ كَانَ كُلَّمَا
بَدَا طَمَعٌ صَيَّرْتُهُ لِي سُلَّمَا
وَمَا كُلُّ بَرْقٍ لَاحَ لِي يَسْتَفِزُّنِي
وَلَا كُلُّ مَنْ فِي الْأَرْضِ أَرْضَاهُ مُنْعِمَا
إذَا قِيلَ هَذَا مَنْهَلٌ قُلْتُ قَدْ أَرَى
وَلَكِنَّ نَفْسَ الْحُرِّ تَحْتَمِلُ الظَّمَا
وَلَمْ أَبْتَذِلْ فِي خِدْمَةِ الْعِلْمِ مُهْجَتِي
لِأَخْدِمَ مَنْ لَاقَيْتُ لَكِنْ لِأُخْدَمَا
أَأَشْقَى بِهِ غَرْسًا وَأَجْنِيهِ ذِلَّةً
إذًا فَاتِّبَاعُ الْجَهْلِ قَدْ كَانَ أَحْزَمَا
وَلَوْ أَنَّ ‌أَهْلَ ‌الْعِلْمِ ‌صَانُوهُ صَانَهُمْ
وَلَوْ عَظَّمُوهُ فِي النُّفُوسِ لَعُظِّمَا
وَلَكِنْ أَذَلُّوهُ فَهَانَ وَدَنَّسُوا
مُحَيَّاهُ بِالْأَطْمَاعِ حَتَّى تَجَهَّمَا


[1] الناقة الكوماء: عظيمة السنام، وهي من أنفس مال العرب.

[2] الشحوب: تغيّر اللون.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الإنذار والتذكير بالقرآن
  • بالقرآن أسلم هؤلاء
  • تفسير القرآن بالقرآن
  • الإيمان بالقرآن
  • حكم التكذيب بالقرآن
  • الاستغناء بالله تعالى (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • الاستغناء في علوم القرآن لأبي بكر محمد بن علي الأدفوي (ت 388 هـ)(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • الاستغناء بالله تعالى (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • من أقوال السلف في الاستغناء عن الناس(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الاستغناء الفكري عند منعطفات الحياة(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الاستغناء في اللغة العربية (دراسة صرفية ونحوية)(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • الحيرة بين الاستغناء عن الإرث وبين راحة السكن(استشارة - الاستشارات)
  • اتباع الوحي وعدم الاستغناء عنه بالعقل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الاستغناء في النحو العربي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • علة الاستغناء والعوض والاطراد في النحو العربي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • مخطوطة الاستغناء في أسماء المشهورين بالكنى من حملة الحديث ونقلة العلم(مخطوط - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب