• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: أم سليم صبر وإيمان يذهلان القلوب (2)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    تحريم أكل ما ذبح أو أهل به لغير الله تعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    الكبر
    د. شريف فوزي سلطان
  •  
    الفرق بين إفساد الميزان وإخساره
    د. نبيه فرج الحصري
  •  
    مهمة النبي عند المستشرقين
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (3)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    ماذا سيخسر العالم بموتك؟ (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    فقه الطهارة والصلاة والصيام للأطفال
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    ثمرة محبة الله للعبد (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    خطبة: القلق من المستقبل
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    فوائد وعبر من قصة يوشع بن نون عليه السلام (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    خطبة: المخدرات والمسكرات
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    {وما النصر إلا من عند الله} ورسائل للمسلمين
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرزاق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    الأحق بالإمامة في صلاة الجنازة
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    فضل الصبر على المدين
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

التفاؤل شعار الإيمان (خطبة)

التفاؤل شعار الإيمان (خطبة)
إبراهيم الدميجي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 7/8/2022 ميلادي - 9/1/1444 هجري

الزيارات: 12324

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

التفاؤل شعار الإيمان


الحمد لله بيده مفاتيحُ الفرج، شرَّع الشرائع، وأحكَم الأحكام، وما جعل علينا في الدين من حرج، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، قامت على وحدانيته البراهين والحجج، وأشهد أن سيدنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه، هو المفدى بالقلوب والمهج، صلى الله وسلم، وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، ساروا على أقوم طريق، وأعدل منهج، والتابعين ومَن تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله، واستمسكوا بدينه، واعلموا أن المؤمن متفائل على الدوام، ذلك أن طبيعة الإيمان تفاؤل، وكل ما أتى من الله فهو خير، وكُلٌّ من عند الله، فالمؤمن ساكن النفس، مطمئنُّ القلب، رخيُّ البال، مرتاح الفكر، فعلمه بربه، وبَذْلُه وسعَه لمرضاته حافزٌ للاستبشار والسرور، وحسن الظنِّ بمن لا يأتي الخير إلَّا من عنده، ولا يُستدفع الشر إلا به، تبارك وتعالى، وجلَّ وعزَّ.

 

فالمؤمن يعلم أنَّ أمرَه كلَّه خيرٌ، وأن تدبير ربِّه له خير من تدبيره وتدبير غيره له، يتعبَّد ربَّه بمقتضى أسمائه وصفاته؛ كالرب، والكريم، والحكيم، والرفيق، واللطيف، والبر، والرحمن، والرحيم، والوهَّاب، والعدل، والحي، والقيوم، وغيرها من أسماء وصفات الجمال والجلال، ويؤمن بالقضاء والقدر، وأنه حتم لازب، وقضاء نافذ، ويدافع القضاء بالقضاء على وفق الشرع، فلا يعجز عند الأمر، ولا يجزع عند المر، قد انسجمت روحه وقلبه وعقله وجثمانه مع علمه بربِّه وشريعته.

 

وبالجملة، فالمؤمن متفائل بمستقبله ومستقبل أحبابه، ومجتمعه وأمته على الدوام، مهما كان الامتحان بشدائد البلايا، وكبريات الرزايا، فمهما اشتد البلاء فالفرج على إثره، وكل مصيبة– خلا مصيبة الدِّيْن– فهي يسيرة؛ لأنها مصيبة دُنْيا، وهموم الدنيا- على التحقيق- لا تستحق، وزوال الدنيا بأسرها ليس بشيء في جناب ساعة من ساعات الآخرة، وقد قال صلوات الله وسلامه وبركاته عليه: ((لغدوةٌ في سبيل الله - أو روحة - خيرٌ من الدنيا وما فيها، ولموضِعُ سَوْطِ أحدِكم في الجنة خيرٌ من الدنيا وما فيها))[1].

 

وميزان الدنيا مع الآخرة صفر كمًّا وكيفًا بحسب المنطق؛ ذلك أنك لو وزنت عددًا محدودًا مهما بلغ طوله بما لا حدَّ له ولا نهاية؛ فالنتيجة صفرية، وتأمل آيات الكتاب والسنة في أمر الدنيا تجد أنها ليست بشيء أمام الآخرة، وأن كل حطامها فانٍ، وكل متاعها زائلٌ، وكل عيشها منغَّصٌ ومقطوعٌ، وكل عقائد أهلها الباطلة وأخلاقهم السافلة هي في النهاية هباءٌ ووزرٌ، مهما زيَّفتها شياطين الإنس والجان، ﴿ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ ﴾ [المائدة: 68].

 

ومن نظر إلى نعيم الآخرة هانت عليه نفسُه في أودية عذابات الدنيا، ومن علم أن الله يحب عباده المؤمنين به ويبتليهم، وأنه على قدر ولايتهم يكون صب البلاء، وصب الصبر والرضا، والحمد والشكر لمن وفَّقه منهم، وأن الله تعالى أقرب ما يكون من عبده حال مرضه أو فاقته، أو مظلمته، أو فقد أحبابه، أو تبدُّل أحواله، ونحو ذلك؛ فلن ييأس، أو يحزن أبدًا، وفي ذلك تحصينٌ وبناءٌ، وعلاجٌ ودواءٌ؛ لأن الحزن واليأس يزيدان المرض والحسرة، والألم والضيق.

 

هذا، وإنَّ الجزع أو السوداوية، أو سوء الظن بالله في المرض خاصة يضعف مقاومة الجسم للأمراض؛ فتضعف مناعته؛ بل تنهار وتنهزم عن مقاومة المرض، وهذا ما أثبته الطب حديثًا؛ فالروح المعنوية القوية من أقوى عوامل دفع الداء بإذن الله.

 

ومن الأطباء - هداهم الله - من يقنِّط المريض من الشفاء بحجة عرض الحقائق بزعمه، علمًا أن المستقبل علمٌ اختصَّ الله بتدبيره والعلم به، فمهما اتَّفقت وجهات نظرهم، وأجهزة علمهم فهي ليست يقينيةً، وكم فاجَأَهُم الشافي سبحانه بشفاء مرضى قد يئسوا وأيسوا من شفائهم، فأبى الله ذلك سبحانه وبحمده، وفعلهم مخالفٌ لهدي رسولنا صلى الله عليه وسلم، فقد كان سيد المتفائلين رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث أحدًا من أصحابه في بعض أمره قال: ((بشِّروا ولا تنفِّروا، ويسِّروا ولا تعسِّروا))[2].

 

ولا بدَّ أن نعلم أن عقيدتنا كمسلمين في المرض مختلفة عن نظرة الكفرة له، فيشيع في بلاد الشرق والغرب أنَّ هناك أمراضًا لا شفاء لها، وهذا مخالف لمعتقد الحنفاء، فقد قال الهادي البشير صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ اللهَ خلَقَ الداءَ والدواءَ، فتداووا ولا تتداووا بحرامٍ))[3].

 

وقال صلى الله عليه وسلم: ((ما أنزلَ اللهُ من داءٍ إلَّا أنزلَ له شفاء، عَلِمَه مَنْ عَلِمَه، وجَهِلَه مَن جَهِلَه))[4].

 

وقال صلى الله عليه وسلم: ((لكُلِّ داءٍ دواءٌ، فإذا أُصِيبَ دواءُ الدَّاءِ بَرَأ بإذْنِ اللهِ))[5].

 

واعلم أيها المريض أن المرض مقدَّر لك من عند الله، الذي هو أرحم وأعلم، وأحكم وألطف، وأرفق بك من والديك ومن نفسك، قال تعالى: ﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [التوبة: 51]، وقال تعالى: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا ﴾ [الحديد: 22]، وقال عليه الصلاة والسلام: ((كتبَ اللهُ مقاديرَ الخلائقِ قبلَ أن يخلقَ السماواتِ والأرضَ بخمسينَ ألْفِ سنةٍ))[6].

 

وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قدم على النبي صلى الله عليه وسلم سَبْيٌ، فإذا امرأة من السَّبْي وجدَتْ صبيًّا فأخذته، فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أترونَ هذه المرأةَ طارحةً ولَدَها في النَّارِ؟)) قلنا: لا، وهي تقدر ألَّا تطرحه، فقال: ((للهُ أرحَمُ بعباده من هذه بولَدِها))[7].

 

وتذكَّر أن الله تبارك وتعالى قد أراد بك خيرًا بمرضك وبلائك، قال عليه الصلاة والسلام: ((مَنْ يُرِد اللهُ به خيرًا يُصِبْ منه))[8]؛ أي: يبتليه بالمصائب ليثيبه عليها، والابتلاء بالمرض وغيره من أمارات محبة الله لعبده؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ عِظَمَ الجزاءِ مع عِظَمِ البلاءِ، وإنَّ اللهَ إذا أحَبَّ قومًا ابتلاهم، فمَنْ رضي فله الرِّضا، ومَنْ سَخِط فله السَّخَط))[9].

 

واعلم- رحمني الله وإياك- أن هذه الدار فانية، ومُتعها زائلة، وأن هناك دارًا أعظم منها خطرًا، وأجل منها قدرًا، قال تعالى: ﴿ وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [العنكبوت: 64]، وقال تعالى: ﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [الحديد: 20]، وقال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾ [فاطر: 5].

 

وعن عمرو بن عوف الأنصاري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنه إلى البحرين[10] يأتي بجزيتها، فقدم بمال من البحرين، فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة، فوافوا صلاة الفجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم[11]، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، انصرف، فتعرضوا له، فتبسَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآهم، ثم قال: ((أظنُّكم سمِعْتُم أنَّ أبا عبيدة قدم بشيءٍ من البحرين))؟ فقالوا: أجل، يا رسول الله، فقال: ((أَبْشِرُوا، وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ، فَوَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ [12]؛ وَلَكِنِّي أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ، كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، فَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ))[13].

 

وعن أبي سعيد الخُدْري رضي الله عنه قال: جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، وجلسنا حوله، فقال: ((إِنَّ مِمَّا أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِي، مَا يُفْتَحُ عَلَيْكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا))[14].

 

وعنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((إنَّ الدنيا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وإنَّ الله تَعالى مُسْتَخْلِفُكم فيها، فَينْظُر كيفَ تعْملُونَ، فاتَّقوا الدُّنيا، واتُّقوا النساءَ))[15]، وعن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اللهُمَّ لا عَيْشَ إلا عَيْش الآخِرةِ))[16].

 

وعنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يَتْبَعُ المَيِّتَ ثَلاثَةٌ: أَهْلُهُ، وَمَالُهُ، وَعَمَلُهُ، فَيَرْجِعُ اثْنَانِ، ويَبْقَى واحِدٌ، يرجع أهْلُه ومالُه، ويَبْقَى عَمَلُه))[17].

 

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الْجَنَّةُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ، وَالنَّارُ مِثْلُ ذَلِكَ))[18].

 

وقال صلى الله عليه وسلم: ((يُؤتَى بأنْعَمِ أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة، فيُصبَغ في النار صَبغةً، ثم يقال: يا بن آدمَ، هل رأيت خيرًا قَطُّ؟ هل مرَّ بك نعيمٌ قطُّ؟ فيقول: لا والله يا رب، ويُؤتى بأشدِّ الناسِ بُؤسًا في الدنيا من أهل الجنة، فيُصبَغ في الجنة صَبْغةً، فيقال له: يا بنَ آدمَ، هل رأيت بُؤسًا قَطُّ؟ هل مرَّ بكَ شِدَّةُ قَطُّ؟ فيقول: لا والله يا رب، ما مرَّ بي بُؤسٌ قَطُّ، ولا رأيْتُ شِدَّةً قَطُّ))[19].

 

قال الشافعي رحمه الله تعالى ناصحًا:

ومَن يذُق الدنيا فإني طعِمتُها
وسِيقَ إلينا عَذْبُها وعَذَابُها
فلمْ أرَها إلَّا غُرورًا وباطِلًا
كما لاحَ في ظهر الفَلاة سَرابُها
وما هي إلا جيفةٌ مستحيلةٌ
عليها كلابٌ همهُنَّ اجتِذابُها
فإنْ تجْتَنِبْها كنتَ سِلْمًا لأهلها
وإنْ تجتذِبْها نازعَتْكَ كِلابُها

 

وعليه، فالمؤمن يرضى بتدبير مولاه الرحيم الرفيق، البر اللطيف، ولا بد للمؤمن أن يستبشر في كل أحواله، شاهدًا برضاه بقسمة مولاه، متخذًا من بلائه مطيَّةً لبلوغ مرماه الأخروي، وتحقيق هدفه السماوي، فعجبًا لأمر المؤمن إنَّ أمرَه كُلَّه خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا، كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حال المؤمن الصابر الراضي بقضاء الله تعالى، ودومًا تفاءل بالأحسن، وانتظر الأفضل، وكُنْ على استعداد للأسوأ حتى لا تنكسر، وكُنْ حسِنَ الظن بمن كل الخير منه.

سيفتحُ اللهُ بابًا كنت تحسَبه
من شدَّة اليأسِ لم يُخْلَق بِمفْتاحِ

بارك الله لي ولكم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه الداعي إلى رضوانه، أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أنه لا بُدَّ للعسر من يسر، فقد قال تعالى: ﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾ [الشرح: 5، 6]، وهذه سُنَّةُ الله تعالى في خلقه، ما جعل عسرًا إلا جعل بعده يُسْرًا، والأمراض مهما طالت وعظمت لا بد لأيامها أن تنتهي، ولا بد لساعاتها- بإذن الله- أن تنجلي، يقول الشاعر:

ولَرُبَّ نازلةٍ يَضيقُ بها الفَتى
ذَرْعًا وعند اللهِ منها المخْرَجُ
ضاقَتْ فلمَّا استحكَمَتْ حَلَقاتُها
فُرِجَتْ وكان يظُنُّها لا تُفرَجُ

 

قال ابن رجب رحمه الله: "وقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((لن يَغْلِبَ عُسرٌ يُسرين))[20].

 

ورُوي أنَّ أبا عبيدة حُصِرَ بالشام، فكتب إليه عمرُ يقول: "مهما ينْزل بامرئ شدَّةٌ يجعل الله بعدها فرجًا، وإنَّه لن يَغلِبَ عسرٌ يُسرين، وإنَّه يقول: ﴿ اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 200][21].

 

ومن لطائف أسرار اقتران الفرج بالكرب واليُسر بالعسر: أنَّ الكربَ إذا اشتدَّ وعَظُمَ وتناهى، وحصل للعبد الإياسُ من كَشفه من جهة المخلوقين، وتعلق قلبُه بالله وحده، وهذا هو حقيقةُ التوكُّل على الله، وهو من أعظم الأسباب التي تُطلَبُ بها الحوائجُ، فإنَّ الله يكفي مَنْ توكَّل عليه، كما قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 3].

 

وعن محمد بن إسحاق قال: جاء مالك الأشجعي إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: أُسِرَ ابني عوفٌ، فقال له: ((أرسل إليه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يأمُرُكَ أنْ تُكثِرَ من قول: لا حول ولا قوَّةَ إلا بالله))، فأتاه الرسول فأخبره، فأكبَّ عوفٌ يقول: لا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا بالله، وكانوا قد شدُّوه بالقِدِّ، فسقط القِدُّ عنه، فخرج، فإذا هو بناقةٍ لهم فركبها، فأقبل، فإذا هو بسَرحِ القوم الذين كانوا شدُّوه، فصاح بهم، فاتبع آخرُها أوَّلها، فلم يَفْجَأ أبويه إلا وهو ينادي بالباب، فقال أبوه: عوفٌ وربِّ الكعبة، فقالت أمه: واشوقاه! وعوف كئيب يألم ما فيه مِنَ القدِّ، فاستبقَ الأبُ والخادمُ إليه، فإذا عوفٌ قد ملأ الفناء إبلًا، فقصَّ على أبيه أمرَه وأمرَ الإبل، فأتى أبوهُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره بخبرِ عوفٍ وخبرِ الإبل، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اصْنَعْ بها ما أحْبَبْتَ، وما كُنْتَ صانعًا بإبِلِكَ))، ونزل: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 2، 3][22].

 

قال الفضيل: "والله لو يئستَ مِنَ الخلق حتَّى لا تريد منهم شيئًا، لأعطاك مولاك كُلَّ ما تُريد".

 

وأيضًا، فإنَّ المؤمن إذا استبطأ الفرج، وأيس منه بعدَ كثرة دعائه وتضرُّعه، ولم يظهر عليه أثرُ الإجابة يرجع إلى نفسه باللائمة، وقال لها: إنَّما أُتيتُ من قِبَلِكَ، ولو كان فيك خيرٌ لأُجِبْتُ، وهذا اللومُ أحبُّ إلى الله من كثيرٍ من الطَّاعاتِ، فإنَّه يُوجبُ انكسار العبد لمولاه واعترافه له بأنَّه أهلٌ لما نزل به من البلاء، وأنَّه ليس بأهلٍ لإجابة الدعاء؛ فلذلك تُسرع إليه حينئذٍ إجابةُ الدعاء، وتفريجُ الكرب، فإنَّه تعالى عندَ المنكسرةِ قلوبهم من أجله.

عَسى فَرَجٌ يأتِي به اللهُ إنَّه
لَهُ كُلَّ يَومٍ في خَليقتِهِ أَمْرُ
إِذَا لَاحَ عُسْرٌ فَارْجُ يُسْرًا فَإِنَّهُ
قَضَى الله أنَّ العُسرَ يَتبَعُهُ اليُسرُ

 

اللهم صلِّ على محمد.



[1] أحمد (15563)، وصححه محققوه الأرناؤوط وأصحابه.

[2] مسلم (1732).

[3] الطبراني في الكبير (649)، ووثق رجاله صاحب المجمع (8288)، وحسَّنه الألباني في السلسلة (1633).

[4] البخاري (5678) دون جملة «علمه من علمه ...»، فإنها عند أحمد (4/ 278)، وحسَّنه محققوه، والحاكم (4/ 196).

[5] مسلم (2204).

[6] مسلم (2653).

[7] البخاري (5999).

[8] البخاري (5645).

[9] الترمذي (2396)، وقال: حديث حسن، وصحَّحه الألباني في صحيح الترمذي، وأخرجه ابن ماجه (4031) باللفظ الثاني فقط.

[10] البحرين: هي ما تسمى الآن بالمنطقة الشرقية في السعودية، وهي من الأحساء غربًا حتى شاطئ وجزر الخليج العربي شرقًا.

[11] لأن بعضهم كانت منازلهم بعيدة عن مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهم مساجد في دورهم، فصلوا معه ذلك اليوم حين سمعوا بقدوم أبي عبيدة.

[12] فالرزق مكفول مضمون؛ ولكن العمل والجنة ليسا كذلك، والله المستعان، والمال غرَّار فتَّان إلا من أخذه بحقِّه.

[13] البخاري 4/ 117 (3158)، ومسلم 8/ 212 (2961) (6).

[14] البخاري 2/ 149 (1465)، ومسلم 3/ 101 (1052) (123).

[15] مسلم 8/ 89 (2742).

[16] البخاري 8/ 109 (6413)، ومسلم 5/ 188 (1805) (127).

[17] البخاري 8/ 134 (6514)، ومسلم 8/ 211 (2960) (5).

[18] البخاري 8/ 127 (6488)، والشِّراك: أحد سيور النعل.

[19] مسلم (2807)، والصبغة: أي يغمس غمسة.

[20] أحمد (2/ 228)، وقال العجلوني في كشف الخفاء (2/ 149) (2079): "رواه الحاكم والبيهقي في الشعب عن الحسن مرسلًا، ورواه الطبراني عن معمر والعسكري في الأمثال، وابن مردويه عن جابر بسند ضعيف"، وضعفه الألباني في الجامع (4784)، وقال محمد الحوت في أسنى المطالب (1/ 230): "رُوي عن الحسن مرسلًا، وله طرق ضعيفة، قال العراقي: مراسيل الحسن عندهم كالريح، ورفعه لم يصح وإن ذكره المفسرون".

[21] مالك في الموطأ برواية الليثي (1288)، وابن أبي شيبة (33840)، وحسَّنه الحافظ في تغليق التعليق (4/ 372).

[22] ذكره المنذري في الترغيب والترهيب (2446)، وضعَّفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (972).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • التفاؤل (خطبة)
  • التفاؤل في حياة المسلم (خطبة)
  • عام التفاؤل
  • إيمانيات
  • قوادح الإيمان لعيسى بن عبد الله السعدي
  • موالاة المؤمن أصل في الإيمان (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • التفاؤل والتشاؤم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التفاؤل بالعطاس وبراءة الأطفال(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة التفاؤل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التفاؤل في أحلك الظروف وفي المواقف الصعبة (خطبة)(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • التفاؤل اليائس(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • التفاؤل الحسن سبيل للحياة السعيدة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • معول التفاؤل(مقالة - حضارة الكلمة)
  • التفاؤل والأمل(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • عندما يكون التفاؤل منهج حياة(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • التفاؤل والتشاؤم(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 17/11/1446هـ - الساعة: 9:44
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب