• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

تطيبوا تطيبوا (خطبة)

تطيبوا تطيبوا (خطبة)
عبدالله بن عبده نعمان العواضي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 26/6/2022 ميلادي - 26/11/1443 هجري

الزيارات: 11208

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تَطَيَّبُوا تَطِيْبُوا[1]


إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70 - 71].

 

أيها المسلمون؛ لله في خلقه آيات بينات، وبراهين شاهدات بأنه الخالق العليم، البديع الحكيم، فلقد خلق الإنسان أعدل خلق، وصوّره أحسن تصوير، ووهبه من النعم ما يعجز الإنسان عن حصره، ولا يقدر على شكره حق شكره.

 

فكم راحةٍ يلتذ بها، كانت أثرَ نعمة أنعم بها عليه، وبليةٍ سلم منها كانت نتيجة مِنّة الله المسوقة إليه.

 

ألا وإن من النعم العظيمة، والمنح الجسيمة: نعمة حاسة الشم، التي منح الله الإنسان إياها ليدرك بها المشمومات، ويستدل بها على مطعوماته ومشروباته، ومحبوباته ومكروهاته، وما يخاف من أثر رائحته على نفسه، وما يأمن بسبب وجودها على حياته.

 

ومع هذا كم غفل كثير من الناس عن شكر عن هذه العطية الجلية، والمنحة الربانية السَّنِية!.

 

غير أن الغافل قد يعرف قدرها-بلا شك- حين إصابته فيها، أو ذهابها عنه بالكلية، قال الله تعالى: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾ [إبراهيم: 34]، وقال جل شأنه: ﴿ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [سبأ: 13].

 

عباد الله: إن من نعم الله في نعمة حاسة الشم: إدراك الريح الطيبة التي تنعش الأبدان وتحييها، وتنشطها وتقويها، وتمنحها من الراحة والسعادة ما يخفف آلامها أو يُنسيها، وتزيح عن الأذهان ما يكدِّرها، وعن صفاء النفوس ما يعكرها.

 

قال بعض الحكماء: " الرائحة الطيبة تصحح الأعضاء، كما أن الغذاء ينميها"[2]. وقال آخر ناصحًا: " واعلم أنه ليس شيء أنفع في الجوف من الرائحة الطيبة، فلا تبت ليلة حتى تستعمل الطيب"[3].

 

وقال الشعبي: "الرائحة الطيبة تزيد في العقل". وقيل: من طاب ريحه زاد عقله ومن نظف ثوبه قلّ همه"[4].

 

هذه الرائحة الطيبة المرغّب فيها: نجدها في نقيِّ الهواء، وأحضان الحدائق الغنَّاء، وآفاق الرياض الفيحاء، التي تتراقص في جوها الأشجار الحسنة الريح، وتتمايل في أنحائها الأزهار الطيبة العَرْف.

 

ومن فاته ذلك يمكنه أن يجدها في أريج عطر محبَّب للنفس، يتضمخ بعبيره القلب قبل الأنف، فيصنع فيه ما يصنعه الدواء من الشفاء.

 

ولهذا-معشر الفضلاء- جاء في شرعنا الحث على التطيب عمومًا وخصوصًا:

قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: « حُبِّبَ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا: النِّسَاءُ وَالطِّيبُ »[5].

 

وعن أنس رضي الله عنه قال: « كان رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَرُدُّ الطِّيبَ »[6].

 

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ رَيْحَانٌ فَلَا يَرُدُّهُ؛ فَإِنَّهُ خَفِيفُ الْمَحْمِلِ طَيِّبُ الرِّيحِ»[7].

 

ولهذا كان الصالحون حريصين على التطيب، وظهور الرائحة الحسنة منهم بين الناس:

فعَنْ نَافِعٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا اسْتَجْمَرَ اسْتَجْمَرَ بِالْأَلُوَّةِ - يعني: العود -، غَيْرَ مُطَرَّاةٍ - يعني: غير مخلوطة بغيره - وَبِكَافُورٍ يَطْرَحُهُ مَعَ الْأَلُوَّةِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا كَانَ يَسْتَجْمِرُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ[8].

 

وعن عكرمة قال: "كان ابن عباس يطلي جسده - يعني: بالطيب -، فإذا مر في الطريق قال الناس: أمرَّ ابنُ عباس، أم مرَّ المسك؟ [9].

 

وكأن أبا الطيب يشير إلى هذا وإن كان في غيره قاله:

أرِجَ الطّريقُ فَما مَرَرْتَ بمَوْضِعٍ... إلاّ أقامَ بهِ الشّذا مُسْتَوْطِنَا[10].

 

قال أبو الفيحاء: "رأيت على رأس ابن عباس من المسك ما لو كان لي لكان رأسَ مال"[11].

 

"وكان الزهري تشم منه رائحة المسك حتى من عِلاَقَةِ سوطه"[12].

 

أيها المؤمنون: يتأكد استحباب التطيب عند الذهاب إلى الصلوات الخمس وصلاة الجمعة، قال تعالى: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ﴾ [الأعراف: 31].

 

قال بعض المفسرين:" الزينة هاهنا: الثياب الساترة، ويدخل فيها ما كان من الطيب للجمعة والسواك، وبدل الثياب، وكل ما وجد استحسانه في الشريعة، ولم يقصد به مستعمله الخيلاء"[13].

 

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « اغْتَسِلُوا يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَاغْسِلُوا رُءُوسَكُمْ، وَإِنْ لَمْ تَكُونُوا جُنُبًا، وَأَصِيبُوا مِنَ الطِّيبِ »[14].

 

قال أبو قلابة: "كان ابن مسعود إذا خرج من بيته إلى المسجد عرف جيران الطريق أنه قد مرّ؛ من طيب ريحه"[15].

 

وكذلك يستحب التعطر عند القيام لصلاة الليل؛ فقد كان السلف الصالحون يستحبون إذا قاموا من الليل أن يمسوا مقاديم لحاهم بالطيب. وعن تميم الداري أنه اشترى حُلة بثمانمائة وهيأ طيبًا، فإذا قام من الليل تطيب ولبس حلته وقام في المحراب[16].

 

وإذا كان التطيب-معشر المسلمين-يستحب للذهاب إلى الصلوات في المساجد؛ فإن تطييب المساجد وتبخيرها والاعتناء بنظافتها حتى لا تظهر فيها رائحة كريهة؛ مما ينبغي للمسلمين العناية به، والالتفات إليه.

 

فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: ( أَمَرَ رَسُول اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي الدُّورِ، وَأَنْ تُنَظَّفَ وَتُطَيَّبَ)[17].

 

عباد الله: ما أجمل أن يتطيب المسلم حين يقرأ القرآن، وعندما يتحدث بالوعظ عن الله تعالى، ويوم أن يحدِّث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.

 

قال مطرف: "كان مالك إذا أتاه الناس خرجت إليهم الجارية فتقول لهم: يقول لكم الشيخ: تريدون الحديث أو المسائل؟ فإن قالوا المسائل: خرج إليهم وأفتاهم وإن قالوا: الحديث قال لهم: اجلسوا ودخل مغتسله فاغتسل وتطيب ولبس ثيابًا جددًا وتعمم، وتلقى له المنصة، فيخرج إليهم وعليه الخشوع، ويوضع عود فلا يزال يتبخر حتى يفرغ من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم[18].

 

ومن أحسن أن يتطيب الإنسان عند لقاء الناس؛ حتى يجدوا منه الرائحة الطيبة؛ فإن تلك الرائحة الحسنة تحبِّب صاحبها إلى من يجالسه، وتقرِّبه منهم؛ فالأنف بشمها طريقٌ إلى المحبة إن وجدتْ ريحًا طيبة، أو طريق إلى الكراهية إذا شمت رائحة غير مستملحة.

 

كما قيل:

بخورٌ مثلُ أنفاس الحبيبِ
وطِيْبٌ قد أخلّ بكلّ طيبِ
يظلّ الذيلُ يستره ولكن
تنمُّ عليه أنفاسُ الجَنوبِ
إذا ما شمَّ أنفٌ حنّ قلبٌ
كأنّ الأنف جاسوسُ القلوبِ[19]

 

كان أنس رضي الله عنه يأمر بعض جواريه بتهيئة طيب يتطيب به للقاء بعض من يأخذ عنه الحديث[20].

 

أيها الأخيار الفضلاء: إذا كان أثر الطيب جميلًا في لقاء الإنسان بمعارفه وأصدقائه وغيرهم؛ فإنه أثره بين الزوجين أكثر جمالًا وأحسن أثرا؛ فهو يزيد المودة والحب، ويقرب القلب من القلب، ويدعو إلى حسن العشرة وحب التلاقي والصفاء.

 

فكم نُفورٍ زوجي سببه قلةُ العناية بحسن الرائحة، وهجرِ العطر الحسن، حتى تظهر الروائح النتنة التي تحذر الآخر من قربان صاحبها.

 

وإذا كان الطيب يطيب من الزوج فهو من الزوجة أطيب وأحب، وأدعى لحسن وصل زوجها ومدحه لها.

 

يقول الشاعر:

وَتَزِيدينَ أطْيَبَ الطيبِ طِيبًا
أنْ تَمَسَّيهِ أينَ مِثْلُكَ أيْنا
وَإذا الدُّرُّ زَانَ حُسْنَ وُجُهٍ
كانَ لِلدُّرّ حُسْنُ وَجْهكِ زَيْنا[21]

 

معشر المسلمين: لما كان الطيب داعيًا إلى ميل النفوس إلى مَن شُمّ منه، فقد نُهيت النساء شرعًا عن التعطر في حالين:

أحدهما: عند الخروج من المنزل إلى الشوارع والأسواق والبيوت وأماكن العمل أو الدراسة وغير ذلك؛ لأن رائحة العطور من المرأة الأجنبية تؤذي قلوب الصالحين، وتستجلب خطى الطالحين لتتبع المرأة وإيذائها بالقول أو الفعل، وأي امرأة عفيفة تحب لنفسها هذا؟

 

قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: « أَيُّمَا امْرَأَةٍ تَطَيَّبَتْ ثُمَّ خَرَجَتْ إِلَى الْمَسْجِدِ، لَمْ تُقْبَلْ لَهَا صَلَاةٌ حَتَّى تَرْجِعَ فَتَغْتَسِل»[22].

 

وأما إذا قصدت بتطيبها أن يشمها الرجال فقد جاء في حقها وعيد شديد عن النبي عليه الصلاة والسلام.

 

ويحسن التنبيه هنا إلى ما تصنعه بعض النساء من التطيب والتبخر عند الخروج إلى صالات الأفراح، أو الحفلات في البيوت، أو تتعطر في مكان الفرح لتعود إلى منزلها بعد ذلك فيشم الناس منها رائحة العطر في الطرقات، ووسائل المواصلات، وهذا منكر عظيم يدعو إلى التعدي على النساء وهتك الحُرَم.

 

وثاني الحالين اللذين تمنع المرأة من التعطر فيهما: مدة الإحداد، فالمرأة المعتدة عن موت زوجها تُمنع من التعطر حتى تنقضي عدتها؛ وكان ذلك المنع لها قطعًا للذرائع والتهم، وحتى لا يُعجِلَ المعتدةَ طِيبُ الريح إلى التشوف إلى الزواج فتكذب في انقضاء عدتها قبل انتهاء مدتها.

 

قال رسول الله عليه الصلاة والسلام عن المرأة المُحِد: (وَلَا تَمَسُّ طِيبًا، إِلَّا إِذَا طَهُرَتْ)[23].

 

عباد الله: إذا توجه المسلم إلى الحج أو العمرة فوصل الميقات فإنه يستحب للرجل أن يغتسل ويطيب بدنه بالطيب؛ لأنه مقبل على زحام وأعمال فيها جهد يصبب العرق من جسده، فيخفف ذلك التطيب كريه الرائحة المنبعثة منه.

 

ففي الصحيحين (كَانَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ يَتَطَيَّبُ بِأَطْيَبِ مَا يَجِدُ).

 

ولكن بعد أن يلبس الإحرام فلا يحل له التطيب حتى يحل من نسكه.

 

ولا ننسى-أيها الفضلاء-أنه يستحب لمن يقوم على تجهيز الميت أن يخلط ماءَ تغسيله بشيء من الطيب، والكافورُ أولى، كما يستحب كذلك: تطييب بدن الميت وكفنه؛ حتى تكون رائحته حسنة عند تشييعه ودفنه، وحتى يلقى الله تعالى في قبره على حال ظاهرة حسنة، ورائحة زكية عطرة.

 

قال رسول الله عليه الصلاة والسلام:(إذَا أَجْمَرْتُمْ الْمَيِّتَ فَأَجْمِرُوهُ ثَلَاثًا)[24].

 

نسأل الله تعالى أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا.

 

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله العلي الغفار، والصلاة والسلام على نبينا الطيب المختار، وعلى آله الأطهار وصحابته الأبرار، أما بعد:

أيها المسلمون: إن من طابت أعماله طابت روحه، ومن طابت روحه طابت رائحته؛ فالإنسان الصالح يعتني بنظافة روحه بتقوى ربه، وبنظافة جسده بطيب رائحته، فيحرص على تعاهد الطيب، ويحافظ على سنن الفطرة العشر؛ لأنها من الدين؛ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ: قَصُّ الشَّارِبِ، وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ، وَالسِّوَاكُ، وَاسْتِنْشَاقُ الْمَاءِ، وَقَصُّ الْأَظْفَارِ، وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ، وَنَتْفُ الْإِبِطِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ يَعْنِي: الِاسْتِنْجَاءَ)[25].

 

فلذلك يغدو طيب البدن وطيب الروح.

 

ولعلكم تجدون-معشر الصالحين-أن البعيدين عن الطاعات، المنهمكين في الخطيئات روائحهم كريهة ولو تطيبوا، والسبب: أن خبث الروح ونتنها يخرج إلى الظاهر في العرق والفم.

 

يقول ابن القيم رحمه الله: " نَتْن الروح والقلب يتصل بباطن البدن أكثر من ظاهره. والعرق يفيض من الباطن؛ ولهذا كان الرجل الصالح طيب العرق. وكان رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أطيب الناس عرقا. قالت أم سليم- وقد سألها رسول الله عليه الصلاة والسلام عنه وهى تلتقطه-: (هو من أطيب الطيب). فالنفس النجسة الخبيثة يقوى خبثها ونجاستها حتى يبدو على الجسد، والنفس الطيبة بضدها، فإذا تجردت وخرجت من البدن وجد لهذه كأطيب نفحةِ مسك وُجِدت على وجه الأرض، ولتلك كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض"[26].

 

فإذا خرجت الروح من البدن وجد الملائكة طيبًا للروح الطيبة، وخبثًا للروح الخبيثة؛ كما قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنْ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنْ الْآخِرَةِ، نَزَلَ إِلَيْهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ، بِيضُ الْوُجُوهِ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ الشَّمْسُ، مَعَهُمْ كَفَنٌ حَرِيرَةٌ بَيْضَاءُ مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَجْلِسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ - عليه السلام - حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَيَقُولُ: اخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الطَّيِّبِ... فَيَأْخُذُهَا مَلَكُ الْمَوْتِ - عليه السلام - وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَطْيَبِ رِيحِ مِسْكٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ...). إلى قوله:(فَيَقُولُ أَهْلُ السَّمَاءِ: رُوحٌ طَيِّبَةٌ جَاءَتْكُمْ مِنَ الْأَرْضِ، مَنْ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: فُلَانٌ بْنُ فُلَانٍ - بِأَحْسَنِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانُوا يُسَمُّونَهُ بِهَا فِي الدُّنْيَا-، فَيُقَالُ: مَرْحَبًا بِالنَّفْسِ الطَّيِّبَةِ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الطَّيِّبِ...) إلى قوله بعد أن يكون في القبر: (وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ، حَسَنُ الثِّيَابِ، طَيِّبُ الرِّيحِ، فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ، فَيَقُولُ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ).

 

ثم قال: ( وَإِنَّ الرَّجُلَ السَّوْءَ إِذَا احْتُضِرَ أَتَتْهُ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ سُودُ الْوُجُوهِ، مَعَهُمْ الْمُسُوحُ فَيَجْلِسُونَ مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَيَقُولُ: اخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الْخَبِيثِ) إلى قوله: (وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَنْتَنِ رِيحِ جِيفَةٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ...) إلى قوله: (ثُمَّ يُعْرَجُ بِهَا فَيَقُولُ أَهْلُ السَّمَاءِ: رُوحٌ خَبِيثَةٌ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الْأَرْضِ، مَنْ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: فُلَانٌ بْنُ فُلَانٍ - بِأَقْبَحِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانَ يُسَمَّى بِهَا فِي الدُّنْيَا فَيُقَالُ: لَا مَرْحَبًا بِالنَّفْسِ الْخَبِيثَةِ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الْخَبِيثِ) إلى قوله: ( وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ قَبِيحُ الْوَجْهِ، قَبِيحُ الثِّيَابِ، مُنْتِنُ الرِّيحِ، فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُوءُكَ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ، فَيَقُولُ: مَنْ أَنْتَ؟، فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ الَّذِي يَجِيءُ بِالشَّرِّ، فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الْخَبِيثُ)[27].

 

فطوبى-يا عباد الله-لمن طابت روحه بعمل الصالحات، وطاب جسده بعبير الأطياب الزاكيات، وعُني بنظافة قلبه وبدنه، وراعى بالنظافة الأولى والثانية حقَّ ربه، وبالثانية حق بني جنسه ممن يلتقي به.

 

جعلنا الله وإياكم ممن طاب روحًا وجسدا، وباطنًا وظاهرا.

 

هذا وصلوا وسلموا على الطيب المطيّب، الحبيب المقرَّب، نبينا محمد خير البشرية...



[1] ألقيت في مسجد الأنوار في: 25/ 11/ 1443هـ، 24/ 6/ 2022م.

[2] المقابسات (ص: 335).

[3] البصائر والذخائر (6/ 226).

[4] محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء (2/ 385).

[5] رواه أحمد والنسائي، بسند صحيح.

[6] رواه البخاري.

[7] رواه مسلم.

[8] رواه مسلم.

[9] ربيع الأبرار ونصوص الأخيار (2/ 400).

[10] نفح الأزهار في منتخبات الأشعار (ص: 41).

[11] ربيع الأبرار ونصوص الأخيار (2/ 400).

[12] محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء (2/ 386).

[13] تفسير ابن عطية (2/ 392).

[14] رواه البخاري.

[15] ربيع الأبرار ونصوص الأخيار (2/ 400).

[16] ربيع الأبرار ونصوص الأخيار (2/ 401).

[17] رواه أحمد والترمذي وأبو داود، وإسناده صحيح.

[18] الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب (1/ 109).

[19] محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء (2/ 386).

[20] ربيع الأبرار ونصوص الأخيار (2/ 401).

[21] البيان والتبيين (1/ 171).

[22] رواه أحمد وابن ماجه، وإسناده صحيح.

[23] متفق عليه.

[24] رَوَاهُ أَحْمَدُ والبيهقي بإسناد صحيح.

[25] رواه مسلم.

[26] إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (1/ 60).

[27] رواه مسلم وأحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • مسك الكتاب وكتاب المسك
  • خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك

مختارات من الشبكة

  • ببسم الله تطيب الحياة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التطيب قبل الإحرام وبعد التحلل(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن حمود الفريح)
  • تطيب النبي (الطيب والعطر في الهدي النبوي)(مقالة - ملفات خاصة)
  • حكم من تطيب ناسيا وهو محرم(مقالة - ملفات خاصة)
  • التطيب وشم الروائح واستنشاق البخور أثناء الصيام(مقالة - ملفات خاصة)
  • اليوم تطيب أناشيدي (نشيد للأطفال)(مقالة - موقع أ. محمود مفلح)
  • التطيب قبل الإحرام(مقالة - موقع الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك)
  • تحقيق تخريج مسألة ( إذا خرجت إلى المسجد لصلاة المغرب فلا تطيبين )(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بم تطيب الحياة وتنال السعادة؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تأملات في الحج (10) ماذا بعد الحج؟! (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب