• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب / في النصيحة والأمانة
علامة باركود

الانتفاع في حسن الاستماع

الشيخ صالح بن عبدالله بن حميد

المصدر: ألقيت في المسجد الحرام يوم 24/11/1427هـ
مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 24/11/2007 ميلادي - 14/11/1428 هجري

الزيارات: 36878

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الانتفاع في حسن الاستماع

 

ملخص الخطبة:

1- حلول مواسم الخيرات.

2- ضرورة المراجعات الداخلية.

3- مفتاح النجاح.

4- حقيقة الاستماع الحسن وفضله.

5- حسن الاستماع في الكتاب والسنة وآثار السلف.

6- فضل الإنصات.

7- مشكلة عدم الإنصات وسوء الاستماع.

8- صوارف الاستماع الحسن.

 

الخطبة الأولى

أما بعد: فأوصيكم أيها الناس جميعًا ونفسي بتقوى الله عزّ وجل، فاتقوا الله رحمكم الله، ﴿ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ﴾ [البقرة: 197]، واتقوا ربَّكم يا أولى الألباب.

 

فهذه مواسمُ الخيرات، والبِقاعُ الطاهرات المقدَّسات، يتفيَّؤُها الزائر والحاجُّ والعاكِفُ والبَاد في بيتِ الله الحرامِ، والمشاعرِ العظام، ومسجدِ رسولِه عليه الصلاة والسلام، وأيَّامُ الحج أيَّام ذِكر وقُرُبات، نجائِب تحمل الأحباب، صابرات على الإيجاب والإتعاب، تأخذ الزائرِين إلى ربِّ الأرباب، قد ادُّخِرت لهم الأجورُ والبشائر، مؤمِّلين من ربهم بالأجرِ الوافر، رَحِم فيهم شَعَث الشَّعث ووعثاء المسافِر، ﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ ﴾ [الحج: 27].

عبادَ الله، حجَّاجَ بيت الله، يشعر المسلمون أنَّ دينَهم يتعرَّض لهجمةٍ شرسة، تحدَّثوا عن هذا الهجوم، وتداوَلوه في ندواتهم وكتاباتِهم ولقاءاتهم ووسائِلِ إعلامهم، والحديث ليس حديثَ تشفٍّ، ولا المقام مقامَ تلاوُم، ولا بإلقاء التبعَةِ على الأعداء والخصوم، وإن كان هذا له مصداقيته وموقعه بالقدر الذي يَبني ويَدفَع إلى العمل لا إلى الإحباطِ والتحسُّر.

 

غير أنه قد يكون من المناسب أن ينظرَ المسلمون إلى أحوالِهم في أنفسِهم في واقعيَّة وإيجابية بإذن الله، ممّا يدفع إلى العمل والبناءِ؛ لتسير القافلة وتدَعَ الأصواتَ النَّشاز، ولقد قيل: إذا رأيتَ النّاسَ يرمونك بالحجارةِ مِن خلفك، فما ذلك إلاَّ لأنك في المقدِّمَة.

 

غيرَ أن ممّا يجِب أن يتقرَّرَ أنَّ الأمةَ لا تستطيع إعزازَ دينِها، ولا نصرةَ إسلامها إلاَّ إذا أعزَّت نفسَها، وانتصرت على أهوائِها ورغباتها، ﴿ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11].

معاشرَ الإخوةِ والأحبة، وهذه وقفةٌ مع أحَدِ عوامل بناءِ الأمة، يوقِفُها على طبيعتها، ويدلُّها على عيوبها، ويعينُ على تشخيصِ بَعض أدوائِها، ويُبرِز لها مصادِرَ قُوَّتها؛ بل تستطيعُ من خلاله بإذنِ الله أن تَفحصَ نفسَها، وتُقوِّمَ مسيرتها. إنها وَقفةٌ مع وَسيلةٍ مِن أعظمِ وسائل شهودِ المنافع، ومن أعظم وسائل تجنُّب الجدال المذموم، والموسمُ موسمُ حجٍّ وتجمُّع، والعصرُ عصرُ إعلامٍ وانفتَاح وحِوار. ذلكم عبادَ الله هو فِقه الإنصاتِ، وحُسن الاستماع.

 

أيَّها الإخوة المسلمون، بِناءُ العلاقات مِفتاحُ النجَاح، وحُسن الإنصاتِ وأدَبُ الاستماع مِن أعظَمِ ما يَبني العلاقاتِ ويرسُم طريقَ النجاح. كم هو جميل أن يفهَمَ الرَّاغبُ في الحقِّ والجادُّ في البناء وجمعِ الكلمة أنَّ الحُجَّةَ وحدها ليسَت كافيةً لإيصال الحق وإقناع الناس؛ بل لا بدَّ أن ينضَمَّ إلى ذلك حُسنُ الخُلق واللِّينُ والقدوة الحسنة، فالعقلُ والمنطِق بمفرَدِه شيء جافٌّ جافٍ وإن كان حقًّا، ﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ [آل عمران: 159].

 

ومِن أحسن هذه الأخلاق التي تُرطِّب جَفَافَ الحقِّ وقَسوةَ المنطق - الاستماعُ الفعال والإنصاتُ الثاقب. الإنصاتُ الحَسن والاستماع المؤدَّب، احترامٌ وتقدير، وامتِصاص لانفعالات الغضب، وتجنُّب لمواطِنِ الخَطأ، وسبيلٌ مستقيم لاتِّخاذِ القَرار السَّديد والرَّأي الرشيد. حُسنُ الاستِماع يُرسِّخ الثِّقَةَ في النَّفسِ، ويَردُم الجَفوَة، ويسُدُّ الهوَّة، ويخفِّف وَطأةَ الخِلاف، ويفتح المجالَ واسعًا للتفاهم والحوار البنَّاء. المرءُ لا يصافِح الناسَ وكفُّه مقبوضةٌ، فكذلك لا يفهم الناسَ ولا يفهمونه وأذُنُه مغلَقَة مقفولة. ليس أسهلَ مجهودًا ولا أَفعَل تأثيرًا في تملُّكِ القلوب مِنَ الإنصات.

 

تأمَّلوا رحمكم الله كتابَ ربكم وما جاء فيه بشأن الاستماع والإنصاتِ، لقد ذَكَر سبحانه السمعَ والبصر في تِسعةَ عَشر موضعًا، وقدَّم السمعَ في سبعةَ عَشر موضعًا؛ ممَّا ينبِّه على مكانِ السمع وقدْرِه، وعظيم أثره، وكبيرِ نَفعه وفائدته، فالإنسانُ تبدأ معارِفُه بالسمع، وبه يفقَه التشريع، ويكون أهلَ التكليف والامتثال، يقول عزَّ شأنه: ﴿ إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ ﴾ [الأنعام: 36]، قال أهل العلم: عبَّر بالسمع؛ لأنَّه طريق العلم بالحقِّ والآياتِ والبراهين، والسماعُ والإنصات انتِباه وفَهمٌ واستجابة.

وقِفوا رحمكم الله عند هذه الآيات الكريمات، يقول عزَّ شأنه: ﴿ وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنْ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الأحقاف: 29 - 30]، قال قتادة: "ما أَسرَعَ ما عَقل القومُ!"، ذلكم هو السماعُ الفعَّال؛ سماعُ عِلمٍ وفقهٍ وتدبُّر وفَهمٍ وتعقُّل وانصياع.

 

مَعاشر المسلمين، أنتم أمَّةُ الاستماع، فقد خاطَبَكم ربُّكم بقوله: ﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الأعراف: 204]، الاستماع والإنصاتُ هو الوسيلة المثلى للتدبُّر من أجل الفهم والعمل. أنتم أمَّة الاستماع، فاحذروا قوله سبحانه: ﴿ وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ ﴾ [الأنفال: 21]، قال أهل العلم: ما الفائدة أن يقول المرء: سمِعنا وأطعنا ولم تظهر عليه آثارُ الطاعةِ والإيمان؟! فلا خيرَ في السمع ولا في الاستماع إذا لم يظهَر أثرُ ذلك بالقبول والامتِثال وابتغاء الحق، وصدق الحقُّ تبارك وتعالى: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ﴾ [يونس: 67].

أمّا في سنة رسول الله فقد رَوَى الطبرانيُّ بإسناد صحيحٍ عن عمرو بن العاص قال: "كان رسولُ الله يُقبِل بوجهِه وحديثِه على شرِّ القوم يتألَّفُهم، وكان يُقبِل بوجهِه وحديثِه عليَّ حتى ظننتُ أني خيرُ القوم". وإنَّ لكم في رسولِ الله لأسوةً حسنة.

 

أمّا أصحاب رسول الله فقد كانوا يستَمِعون وينصِتون إلى حبيبِهم محمدٍ، وكأنَّ على رؤوسهم الطير من فَرط التقدير والأدب والمهابَة، والرغبة في الحقِّ، وحُسن الإنصات وأدب الاستماع.

معاشرَ الأحبة، المنصِتُ يحبِس لسَانَه ويرسِل أذُنيه، يَعرِفُه الجالِسون والمتحَدِّثون بحضورِه وهدوئِه، وترقُّبِه وحُسن متابعتِه، وأَدَبه وتقديرِه لمحدِّثه، يحمل روحَ المساواةِ والبُعد عن الاستعلاء والفوقية، وتجنُّب الجَزم بالانفرادِ بالحقِّ، والقَطع بمعرفةِ الصواب. ما أجملَ الأذُنَ المصغِيَة ذات الهدوء والوَقَار، وهي تحتضِن امرَأً يكادُ يتميَّز مِنَ الغيظِ والغضب، ويضيقُ بالحزن ذَرعًا! يقول أبو الدرداء: "لا خيرَ في الحياة إلاَّ لأحد رجلين: منصتٍ واعٍ، أو متكلِّمٍ عالم"، ويقول بعضُ الحكماءِ: "إذا جالستَ العالمَ فأنصتَ، وإذا جالستَ الجاهل فأنصِتَ، ففي إنصاتِك للعالم زيادةُ علم، وفي إنصاتك للجاهل زيادة حِلم"، ويقول أبو حامِدٍ الغزالي - رحمه الله - مبيِّنًا خصالَ المنصِت وصفاتِه: "أن يكون مُصغِيًا إلى ما يقول القائل، حاضِرَ القلب، قليلَ الالتفات إلى الجوانِب، مُتَحِرِّزًا عن النظرِ إلى وجوهِ المستمِعين وما يظهَر عليهم من أحوال وأوضاع، مشتَغِلاً بنفسِه، متحفِّظًا عن حركةٍ تشوِّش على أصحابِه، سَاكِن الظاهِرِ، هادِئ الأطراف، متحفِّظًا من التنحنُح والتثاؤب".

معاشر المسلمين، كم حُلَّت المشكلاتُ بحسن الاستماع، فلا تقاطِع واسمَع حتى ينتهِيَ محدِّثُك، استَمِع إلى صاحبِك لتفهَمَ، لا لتَلتَقِطَ عَثراتِه، وتتبَّعَ زلاَّتِه، لا تسمع وأنت لا تَرغَب الفهمَ، لا تشتغِل بإعداد الردِّ أثناءَ الاستماع، ولا تستعجل الإجابَةَ، إنك إن فعلتَ ذلك فإنَّك لا تردُّ إلاَّ على نفسِك، ولا تحرِم إلا نفسَك، إياك أن تستمعَ لتتصيَّدَ الأخطاءَ؛ فهذا خذلانٌ وعَمى وحِرمان من الحقِّ، وضَرَرٌ عَلَى النَّفسِ والقَلب والدين، لا تفسِّر كلامَ محدِّثك بوجهَةِ نظرِك، وانظر إلى الأمورِ بمنظورِه لا بمنظورِك، وسوف تجِد أنك سريعُ الفهم، منشَرِح الصدر، غيرُ قَلِق ولا مُتَحفِّز.

 

تأمَّلوا هذه الكلمةَ العظيمة، ذات الفِقه النَّفيس النَّفسيِّ العميق من الإمام ابن حَزم رحمه الله حيث يقول: "من أراد الإنصاتَ فليتوهَّم نفسَه مكانَ خَصمه؛ فإنه يلوح له وجهُ تعسُّفِه". لا تحمِل أحكامًا مسبقة، ولا قرارات مُقَولَبَة؛ بل كن مستَمِعًا جيِّدَ الإنصات لكل ما يقال ويُلقى.

أيها المتحدِّث، اعلم وتأكَّد أنَّ هناك أناسًا كثيرين لدَيهِم مِنَ الفطنة والفَهم والعِلم والبداهة - أكثرُ مما عندك، وما يفوقُ تقديرَك، وحين تستَمِع فلا تتصنَّع المتابَعَة؛ فجَليسُك ذكِيٌّ نبِيه، فاحترِمه واحترِم نفسَك وأدَبَك، فاستمِع - بارك الله فيك - استماعَ يَقَظةٍ وفَهمٍ وابتغاء للحَق.

 

يا أصحابَ الحق، أيها الدعاةُ إلى الله، يا رجالَ الحِسبة، يا أهلَ الرأي والفكر، إنَّ أفضلَ طريقٍ لإقناعِ الآخرين، وأيسَر سبيلٍ إلى الوصول إلى الحق، هو فِقه حسن الاستماع وأدب الإنصاتِ.

وبعدُ عبادَ الله، فانظرُوا حفظكم الله حينما يكون المرءُ في ضيقٍ أو ضائقة، فإنَّه لا يجد الفرَحَ ولا الفَرَجَ إلاَّ عند من يحسِن الإنصاتَ إليه، والاستماعَ إلى شكواه؛ يواسيه ويسليه ويتولاَّه، يحِبُّ الناس المنصتَ؛ لأنَّه مغناطيس تنجذِب إليه القلوب، ويَلجَأ إليه الناس، يفرَّج همومَها وأحزانها. إنَّ الاستماعَ الجيَّد والإنصاتَ العَميق، هو سِرُّ نجاح كثيرين في علاقاتهم وأعمالهم، وإذا صَلح الاستماع صَلحَت الحياة واستقامَت.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ * إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ﴾ [الأنفال: 20 - 23].

 

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم وبهدي محمد، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائِر المسلمين من كلِّ ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله بيدِه مفاتيحُ الفرَج، شَرَع الشرائعَ وأحكم الأحكامَ وما جعل علينا في الدِّين من حرج، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحده لا شريكَ له، قامت على وحدانيته البراهين والحجَج، وأشهَد أن سيدنا ونبيَّنا محمدًا عبد الله ورسوله، هو المفَدَّى بالقلوب والمُهَج، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، ساروا على أقوم طريق وأعدَل منهج، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: أيها المسلِمون، فمِن أَكبر مشكلاتِ الناس عدَمُ إحسان الإنصات وإحسان الاستماع، فكم من أمر أُسِيء فهمُه بسببِ التعجُّل وعدم إحسان الإنصات، والتسرُّع في الردِّ وكَثرة المقاطعة. لو رَأَيتم في بعضِ الآباء والمعلِّمين والمربِّين والمتحاوِرين وأمثالهم، لرأيتم أنَّ هَمَّ أحدِهم أن يكونَ ابنه أو تلميذُه أو محاوِرُه مستَسلِمًا مُنقادًا، ليس عليه إلا الانصياع لما يقوله، والاقتناع بما يطرح. عدَمُ حُسن الاستماع يؤدِّي لِسوء الفَهم، وسوءُ الفَهم يؤدي إلى ضياع الأوقات والجهودِ والأموال والعلاقات و..., عدَمُ إحسان الاستماع يؤزِّم العلاقات بين الآباء والأمهات، والأبناء والبَنات والأزواج، والمعلمين والطلاب، والمسؤولين ومرؤوسيهم، والعامل وربِّ العَمل، كلُّ ذلك لأنهم لا يحسِنون الاستِماع، ومن ثَمَّ لا يَفهَم بعضهم بعضًا، ولا يعطي لصاحبِه حقَّ الفهم وحقَّ الاستقلال بالرأي، فكلٌّ يريد الحديثَ وفرضَ الرأي؛ بل فرضَ الاستماع غير المفيد، والأشدُّ من ذلك والأنكى حينما يتَّبع المرء هواه ويضلُّ على علم، وحينئذٍ يُختم على سمعِه وقلبِه، ولقد قال الله عز وجل: ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ ﴾ [الجاثية: 23].

ونعى الله عز وجل على الذين عطَّلوا أسماعهم، فكانوا كالأنعام؛ بل هم أضلُّ: ﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ﴾ [الفرقان: 44].

 

إنَّ من الصوارِفِ عنِ الاستماعِ النَّفَّاعِ الاستهزاءَ والاستخفافَ، وعَدم الاكتراث والسخرية، وعدم التركيز والاضطراب النفسي، ومقاطعة المتحدث ومسابقتَه في التنبُّؤ بما يقول، وإظهار الملَل وعدم التحمل.

ألا فاتقوا الله رحمكم الله، واحذَروا الإنصاتَ المنحاز ممَّن يستَمع، وقد استبطَن حُكمًا مسبَقًا، أو تصنيفًا حاجزًا للأشخاصِ أو المعلوماتِ.

 

هذا، وصلوا وسلِّموا على الرحمة المسداة، والنعمة المهداة نبيِّكم محمد رسول الله، فقد أمركم بذلك المولى جل في علاه فقال عزَّ قائلاً عليمًا: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

 

اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على عبدِك ورسولك محمد.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • فن الاستماع
  • حسن الاستماع
  • عقد الهبة مع الاحتفاظ بحق الانتفاع مدى الحياة

مختارات من الشبكة

  • آداب التلاوة وأثرها في الانتفاع بالقرآن الكريم(مادة مرئية - موقع أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله الحميضي)
  • مسالك الفقهاء في دفع مختلف الحديث بحكم الانتفاع بالسمن المائع إذا تنجس (PDF)(كتاب - آفاق الشريعة)
  • تشنيف الأسماع بالتعريف بكتاب: (الانتفاع بجلود السباع) للإمام مسلم (ت 261 هـ) رحمه الله (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • معنى الشهادة وشروط الانتفاع بالتوحيد(مقالة - آفاق الشريعة)
  • هل يجوز الانتفاع بشيء أخذ بالربا؟(استشارة - الاستشارات)
  • مفاتيح الانتفاع بالقرآن في ظلال سورة الإسراء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الانتفاع بالوسائل الممكنة والمباحة في الدعوة إلى الله(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر)
  • تعطيل الانتفاع بكتب الشيوخ(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الأوقاف وسبل الانتفاع بها لتحقيق مقاصد الشريعة (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • بريطانيا: الانتفاع بتعاليم الإسلام في القضاء على العنف الأسري(مقالة - المسلمون في العالم)

 


تعليقات الزوار
1- المشاركة
اسماء اشتيوي - المغرب 15-11-2009 11:59 PM
اود المشاركة وشكرا
تعليق الألوكة:

تُرسل المشاركات إلى info@alukah.net 
1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب