• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    بحث في حال ابن إسحاق (WORD)
    سليمان المهنا
  •  
    السوق بين ضوابط الشرع ومزالق الواقع (خطبة)
    د. مراد باخريصة
  •  
    فوائد من توبة سليمان الأواب (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    رعاية الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم وحمايته ...
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    حياة مؤجلة! (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    الرد على المقال المتهافت: أكثر من 183 سنة مفقودة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    التسبيح عون للمنافسة في الطاعات
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    اقرأ كتابك
    صلاح عامر قمصان
  •  
    زكاة الجاه (خطبة)
    د. محمد بن عبدالله بن إبراهيم السحيم
  •  
    مرويات الهجوم على بيت السيدة فاطمة الزهراء رضي ...
    محمد نذير بن عبدالخالق
  •  
    الطريق إلى سعادة القلب
    إبراهيم الدميجي
  •  
    تفسير قوله تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    أقوال العلماء في الصداقة
    الشيخ صلاح نجيب الدق
  •  
    كثرة السجود... طريقك لرفقة الحبيب (صلى الله عليه ...
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    التوكل على الله (خطبة)
    د. أيمن منصور أيوب علي بيفاري
  •  
    كراهية قول: قوس قزح
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

تهذيب القلوب في خطراتها

تهذيب القلوب في خطراتها
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 24/11/2021 ميلادي - 19/4/1443 هجري

الزيارات: 21216

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تهذيب القلوب في خطراتها


الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَفُوِّ الْغَفُورِ، الْحَلِيمِ الشَّكُورِ، يُصَرِّفُ الْقُلُوبَ، وَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ الصُّدُورُ، نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ أَنَارَ بَصَائِرَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْإِيمَانِ وَالْيَقِينِ، وَصُرِفَ عَنْ هُدَاهُ أَهْلُ الِاسْتِكْبَارِ وَالتَّكْذِيبِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ نَصَحَ لِأُمَّتِهِ فَدَلَّهَا عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهَا، وَحَذَّرَهَا مِنْ كُلِّ مَا يَضُرُّهَا، فَمَنْ أَطَاعَهُ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ وَالْفَلَاحِ، وَمَنْ عَصَاهُ أَحَاطَ بِهِ الشَّقَاءُ وَالْخُسْرَانُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَرَاقِبُوهُ فَلَا تَعْصُوهُ، وَاشْكُرُوهُ وَلَا تَكْفُرُوهُ؛ فَإِنَّ الْمَوْعِدَ قَرِيبٌ، وَإِنَّ الْحِسَابَ عَسِيرٌ، وَإِنَّ الْجَزَاءَ خُلْدٌ فِي النَّعِيمِ أَوْ فِي الْجَحِيمِ؛ ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 185].

 

أَيُّهَا النَّاسُ: الْقُلُوبُ مُسْتَوْدَعَاتُ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَهِيَ الْحَاكِمَةُ عَلَى الْأَعْضَاءِ، الْمُسَيِّرَةُ لَهَا بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى؛ فَفِي صَلَاحِهَا صَلَاحُ الْعَبْدِ، وَفِي فَسَادِهَا فَسَادُهُ؛ ((أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ، صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ، فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ))؛ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهِيَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ؛ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ))؛ رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

 

وَيَبْدَأُ عَمَلُ الْقَلْبِ فِي الْخَيْرِ وَفِي الشَّرِّ بِالْخَطَرَاتِ، الَّتِي تَرْتَقِي إِلَى هَمٍّ، ثُمَّ عَزْمٍ، ثُمَّ يَكُونُ الْعَمَلُ. وَلِعُسْرِ التَّخَلُّصِ مِنْ خَطَرَاتِ الْقُلُوبِ فَإِنَّهَا مَعْفُوٌّ عَنْهَا؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا، مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ))؛ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَلَيْسَ الْعَفْوُ عَنْ خَطَرَاتِ الْقُلُوبِ يَلْزَمُ مِنْهُ الْعَفْوُ عَمَّا تُؤَدِّي إِلَيْهِ إِذَا اسْتَرْسَلَ الْعَبْدُ فِي خَيَالَاتِهِ وَاسْتَدْعَاهَا وَتَلَذَّذَ بِهَا؛ لِأَنَّهَا تَفْتَحُ لَهُ أَبْوَابَ الْمَعَاصِي، وَهِيَ أَوَّلُ طُرُقِهَا؛ وَلِذَا فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا طَرَدَ عَنْهُ خَطَرَاتِ الْمَعَاصِي وَالتَّفْكِيرَ فِيهَا، زَادَ إِيمَانُهُ وَتَقْوَاهُ، وَإِذَا اسْتَدْعَاهَا وَاسْتَرْسَلَ فِيهَا، ضَعُفَ إِيمَانُهُ وَتَقْوَاهُ، وَقَادَتْهُ إِلَى الْمَعْصِيَةِ.

 

وَكَلَامُ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ الْمُحَقِّقِينَ وَأَرْبَابِ السُّلُوكِ؛ مُتَوَاتِرٌ فِي تَقْرِيرِ هَذَا الْمَعْنَى، كَمَا أَنَّ التَّجَارِبَ تَدُلُّ عَلَيْهِ، قَالَ مِمْشَادٌ الدِّينَوَرِيُّ: "الْهِمَّةُ مُقَدِّمَةُ الْأَشْيَاءِ، فَمَنْ صَلَحَتْ لَهُ هِمَّتُهُ وَصَدَقَ فِيهَا، صَلَحَ لَهُ مَا وَرَاءَهَا مِنَ الْأَعْمَالِ وَالْأَحْوَالِ".

 

وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: "وَأَمَّا الْخَطَرَاتُ فَشَأْنُهَا أَصْعَبُ؛ فَإِنَّهَا مَبْدَأُ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَمِنْهَا تَتَوَلَّدُ الْإِرَادَاتُ وَالْهِمَمُ وَالْعَزَائِمُ، فَمَنْ رَاعَى خَطَرَاتِهِ مَلَكَ زِمَامَ نَفْسِهِ وَقَهَرَ هَوَاهُ، وَمَنْ غَلَبَتْهُ خَطَرَاتُهُ فَهَوَاهُ وَنَفْسُهُ لَهُ أَغْلَبُ، وَمَنِ اسْتَهَانَ بِالْخَطَرَاتِ قَادَتْهُ قَهْرًا إِلَى الْهَلَكَاتِ، وَلَا تَزَالُ الْخَطَرَاتُ تَتَرَدَّدُ عَلَى الْقَلْبِ حَتَّى تَصِيرَ مُنًى بَاطِلَةً؛ ﴿ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [النُّورِ: 39]".

 

وَكَمَا أَنَّ الْعَبْدَ يَجِبُ عَلَيْهِ مُرَاقَبَةُ جَوَارِحِهِ، وَحَجْزُهَا عَنِ الْحَرَامِ؛ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ مُرَاقَبَةُ خَطَرَاتِ قَلْبِهِ، وَخَلَجَاتِ نَفْسِهِ، وَوَارِدَاتِ فِكْرِهِ؛ فَإِنَّهَا الْبِدَايَةُ لِكُلِّ مَعْصِيَةٍ، قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ مَسْرُوقٍ: "مَنْ رَاقَبَ اللَّهَ تَعَالَى فِي خَطَرَاتِ قَلْبِهِ، عَصَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي حَرَكَاتِ جَوَارِحِهِ". وَقَالَ أَبُو تُرَابٍ النَّخْشَبِيُّ: "احْفَظْ هَمَّكَ؛ فَإِنَّهُ مُقَدِّمَةُ الْأَشْيَاءِ، فَمَنْ صَحَّ لَهُ هَمُّهُ صَحَّ لَهُ مَا بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ أَفْعَالِهِ وَأَحْوَالِهِ". وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ النَّيْسَابُورِيُّ: "مَنْ لَمْ يَزِنْ أَفْعَالَهُ وَأَحْوَالَهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلَمْ يَتَّهِمْ خَوَاطِرَهُ، فَلَا تَعُدَّهُ فِي دِيوَانِ الرِّجَالِ".

 

وَالشَّيْطَانُ يَتَدَرَّجُ بِالْعَبْدِ مِنَ الْخَطْرَةِ إِلَى الْفِكْرَةِ، ثُمَّ إِلَى مَا وَرَاءَهَا حَتَّى يَقَعَ فِي الْمَعْصِيَةِ، وَاللَّهُ تَعَالَى نَهَى الْمُؤْمِنِينَ عَنِ اتِّبَاعِ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ؛ لِأَنَّ اتِّبَاعَهَا يُوصِّلُ الْعَبْدَ إِلَى الْفَوَاحِشِ وَالْمُنْكَرَاتِ؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ [النُّورِ: 21]، قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْقَيِّمِ: "دَافِعِ الْخَطْرَةَ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ صَارَتْ فِكْرَةً، فَدَافِعِ الْفِكْرَةَ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ صَارَتْ شَهْوَةً، فَحَارِبْهَا، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ صَارَتْ عَزِيمَةً وَهِمَّةً، فَإِنْ لَمْ تُدَافِعْهَا صَارَتْ فِعْلًا، فَإِنْ لَمْ تَتَدَارَكْهُ بِضِدِّهِ صَارَ عَادَةً، فَيَصْعُبُ عَلَيْكَ الِانْتِقَالُ عَنْهَا".

 

وَمَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ عَلَى مُكَافَحَةِ خَطَرَاتِهِ الشَّيْطَانِيَّةِ، زَادَ ذَلِكَ فِي إِيمَانِهِ وَيَقِينِهِ؛ جَزَاءً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِلْعَبْدِ عَلَى تَعْظِيمِهِ لِرَبِّهِ سُبْحَانَهُ فِي جَانِبِ الْخَطَرَاتِ الَّتِي لَا يُؤَاخَذُ الْعَبْدُ بِهَا. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: "فَكُلُّ مَا وَقَعَ فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ مِنْ خَوَاطِرِ الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ فَكَرِهَهُ وَأَلْقَاهُ؛ ازْدَادَ إِيمَانًا وَيَقِينًا، كَمَا أَنَّ كُلَّ مَنْ حَدَّثَتْهُ نَفْسُهُ بِذَنْبٍ فَكَرِهَهُ وَنَفَاهُ عَنْ نَفْسِهِ وَتَرَكَهُ لِلَّهِ تَعَالَى؛ ازْدَادَ صَلَاحًا وَبِرًّا وَتَقْوَى".

 

وَلَا يَلِيقُ بِالْمُؤْمِنِ أَنْ يُضَيِّعَ وَقْتَهُ فِي الْمَعْصِيَةِ أَوْ فِي الْهَمِّ بِهَا، أَوْ فِي التَّفْكِيرِ فِيهَا، وَفِي الطَّاعَاتِ مَهْيَعٌ وَاسِعٌ لِلسَّعَادَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْفَوْزِ الْأَكْبَرِ فِي الْآخِرَةِ، وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ كَثِيرٌ وَمُنَوَّعٌ، وَالْمَوْتُ قَدْ يَبْغَتُ الْعَبْدَ فَجْأَةً، وَالْعُمْرُ قَلِيلٌ مَهْمَا طَالَ، وَلَوْ جَاوَزَ مِائَةَ سَنَةٍ أَوْ مِائَتَيْنِ، فَلَيْسَتْ شَيْئًا يُذْكَرُ فِي زَمَنِ الدُّنْيَا، وَالْعَمَلُ فِيهَا لَيْسَ شَيْئًا يُذْكَرُ أَمَامَ الْجَزَاءِ الْعَظِيمِ فِي الْآخِرَةِ، وَفِي حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النِّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((لَوْ أَنَّ عَبْدًا خَرَّ عَلَى وَجْهِهِ مِنْ يَوْمِ وُلِدَ إِلَى أَنْ يَمُوتَ هَرَمًا فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لَحَقَّرَهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ، وَلَوَدَّ أَنَّهُ رُدَّ إِلَى الدُّنْيَا كَيْمَا يَزْدَادَ مِنَ الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ))؛ رَوَاهُ أَحْمَدُ.

 

وَمِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ الثَّبَاتِ عَلَى الدِّينِ، وَالِاسْتِقَامَةِ عَلَى أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالنَّشَاطِ فِي الطَّاعَاتِ: "حِرَاسَةُ الْخَوَاطِرِ وَحِفْظُهَا، وَالْحَذَرُ مِنْ إِهْمَالِهَا وَالِاسْتِرْسَالِ مَعَهَا؛ فَإِنْ أَصْلَ الْفَسَادِ كُلِّهِ مِنْ قِبَلِهَا يَجِيءُ؛ لِأَنَّهَا هِيَ بَذْرُ الشَّيْطَانِ فِي أَرْضِ الْقَلْبِ، فَإِذَا تَمَكَّنَ بَذْرُهَا تَعَاهَدَهَا الشَّيْطَانُ بِسَقْيِهَا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى حَتَّى تَصِيرَ إِرَادَاتٍ، ثُمَّ يَسْقِيهَا حَتَّى تَكُونَ عَزَائِمَ، ثُمَّ لَا يَزَالُ بِهَا حَتَّى تُثْمِرَ الْأَعْمَالَ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ دَفْعَ الْخَوَاطِرِ أَيْسَرُ مِنْ دَفْعِ الْإِرَادَاتِ وَالْعَزَائِمِ، فَيَجِدُ الْعَبْدُ نَفْسَهُ عَاجِزًا أَوْ كَالْعَاجِزِ عَنْ دَفْعِهَا بَعْدَ أَنْ صَارَتْ إِرَادَةً جَازِمَةً، وَهُوَ الْمُفَرِّطُ إِذَا لَمْ يَدْفَعْهَا وَهِيَ خَاطِرٌ ضَعِيفٌ، كَمَنْ تَهَاوَنَ بِشَرَارَةٍ مِنْ نَارٍ وَقَعَتْ فِي حَطَبٍ يَابِسٍ، فَلَمَّا تَمَكَّنَتْ مِنْهُ عَجَزَ عَنْ إِطْفَائِهَا".

 

نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَنَا مِنْ وَسَاوِسِ الشَّيْطَانِ وَخَطَرَاتِهِ، وَأَنْ يَعْصِمَنَا مِنَ اتِّبَاعِ خُطُوَاتِهِ، وَأَنْ يَمُنَّ عَلَيْنَا بِالثَّبَاتِ عَلَى الْحَقِّ إِلَى الْمَمَاتِ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

 

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ؛ ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 123].

 

أَيُّهَا النَّاسُ: الطَّرِيقُ إِلَى حِفْظِ الْخَطَرَاتِ يَسِيرٌ عَلَى مَنْ كَانَ عِنْدَهُ عَزْمٌ عَلَى مُعَالَجَةِ قَلْبِهِ وَاسْتِصْلَاحِهِ، وَتَخْلِيصِهِ مِنْ أَدْوَاءِ الْمَعَاصِي وَالشَّهَوَاتِ الْمُحَرَّمَةِ.

 

وَمِنْ ذَلِكَ الْعِلَاجِ: عِلْمُ الْعَبْدِ بِاطِّلَاعِ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَيْهِ، وَنَظَرِهِ إِلَى قَلْبِ الْعَبْدِ، وَعِلْمِهِ بِتَفْصِيلِ خَوَاطِرِهِ؛ ﴿ قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 29]، وَفِي آيَةٍ أُخْرَى: ﴿ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ [التَّغَابُنِ: 4]، وَيَنْبَغِي أَنْ يَقُودَهُ هَذَا الْعِلْمُ إِلَى الْحَيَاءِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُفَكِّرَ فِي مَعْصِيَتِهِ، أَوْ يُفَكِّرَ فِيمَا لَا نَفْعَ لَهُ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ، بَلْ بِمَا فِيهِ مَضَرَّةٌ عَلَيْهِ فِي الْعَاجِلَةِ وَالْآجِلَةِ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُطَّلِعٌ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ.

 

وَهَذَا يَقْتَضِي إِجْلَالَ الْعَبْدِ لِلَّهِ تَعَالَى أَنْ يَرَى مِثْلَ تِلْكَ الْخَوَاطِرِ فِي قَلْبِهِ وَقَدْ خَلَقَهُ لِمَعْرِفَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَطَاعَتِهِ، وَيَخَافُ أَنْ يَسْقُطَ مِنْ عَيْنِ اللَّهِ تَعَالَى بِتِلْكَ الْخَوَاطِرِ وَالْأَفْكَارِ الرَّدِيئَةِ. وَإِيثَارُ الْعَبْدِ لِلَّهِ تَعَالَى يَقْتَضِي تَخْلِيَةَ قَلْبِهِ مِنْ كُلِّ مَا يُبْغِضُهُ سُبْحَانَهُ مِنَ الْخَوَاطِرِ وَالْأَفْكَارِ الرَّدِيئَةِ فِي بَابِ الشُّبُهَاتِ أَوْ فِي بَابِ الشَّهَوَاتِ.

 

وَمِمَّا يُعِينُ الْعَبْدَ عَلَى تَخَلُّصِهِ مِنَ الْخَوَاطِرِ وَالْأَفْكَارِ الشَّيْطَانِيَّةِ الشَّهْوَانِيَّةِ خَشْيَتُهُ أَنْ تَتَمَكَّنَ تِلْكَ الْخَوَاطِرُ وَالْأَفْكَارُ مِنَ الْقَلْبِ فَتَفْتِكَ بِهِ، وَتُزِيلَ مَا فِيهِ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْيَقِينِ، وَتَقْضِيَ عَلَى مَحَبَّةِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ، وَمَحَبَّةِ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ تَعَالَى، فَيَقَعُ صَاحِبُ الْخَطَرَاتِ بِسَبَبِهَا فِي الْكُفْرِ أَوْ فِي النِّفَاقِ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ.

 

وَلْيَعْلَمِ الْعَبْدُ أَنَّ تِلْكَ الْخَوَاطِرَ وَالْأَفْكَارَ الرَّدِيئَةَ بِمَنْزِلَةِ الْفَخِّ الَّذِي يُوضَعُ فِيهِ الْحَبُّ؛ لِيَدْخُلَهُ الطَّائِرُ فَيَصِيدَهُ الصَّيَّادُ، فَكُلُّ خَاطِرٍ رَدِيءٍ مِنْهَا فَهُوَ حَبَّةٌ فِي فَخٍّ مَنْصُوبٍ لِصَيْدِهِ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ، وَلْيَعْلَمِ الْعَبْدُ أَنَّ تِلْكَ الْخَوَاطِرَ الرَّدِيئَةَ لَا تَجْتَمِعُ هِيَ وَخَوَاطِرُ الْإِيمَانِ، وَدَوَاعِي الْمَحَبَّةِ وَالْإِنَابَةِ أَصْلًا، بَلْ هِيَ ضِدُّهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَمَا اجْتَمَعَا فِي قَلْبٍ إِلَّا وَغَلَبَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ وَأَخْرَجَهُ وَاسْتَوْطَنَ مَكَانَهُ، فَمَا الظَّنُّ بِقَلْبٍ غَلَبَتْ خَوَاطِرُ النَّفْسِ وَالشَّيْطَانِ فِيهِ خَوَاطِرَ الْإِيمَانِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالْمَحَبَّةِ فَأَخْرَجَتْهَا وَاسْتَوْطَنَتْ مَكَانَهَا؟ لَكِنْ لَوْ كَانَ لِلْقَلْبِ حَيَاةٌ لَشَعَرَ بِأَلَمِ ذَلِكَ وَأَحَسَّ بِمُصَابِهِ.

 

وَلْيَعْلَمِ الْعَبْدُ أَنَّ تِلْكَ الْخَوَاطِرَ بَحْرٌ مِنْ بُحُورِ الْخَيَالِ لَا سَاحِلَ لَهُ، فَإِذَا دَخَلَ الْقَلْبُ فِي غَمَرَاتِهِ، غَرِقَ فِيهِ، وَتَاهَ فِي ظُلُمَاتِهِ، فَيَطْلُبُ الْخَلَاصَ مِنْهُ فَلَا يَجِدُ إِلَيْهِ سَبِيلًا، فَقَلْبٌ تَمْلِكُهُ الْخَوَاطِرُ بَعِيدٌ مِنَ الْفَلَاحِ، مُعَذَّبٌ مَشْغُولٌ بِمَا لَا يُفِيدُ؛ ﴿ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾ [الْحَجِّ: 46].

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تآلف القلوب
  • تصافح القلوب
  • بين كسب القلوب وكسرها خيط رفيع.. فاحذر!
  • أمراض القلوب وعلاجها

مختارات من الشبكة

  • مخطوطة التذهيب (مختصر تهذيب الكمال في أسماء الرجال) (ج3)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة تهذيب تهذيب الكمال في أسماء الرجال (ج2) ( مختصر تهذيب الكمال في أسماء الرجال )(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • بين خطرات الملك وخطرات الشيطان (خطبة)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر بالإمارات(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الأحاديث التي أنكرت على رواتها في كتاب "تهذيب التهذيب" للحافظ ابن حجر (PDF)(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة تهذيب التهذيب(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة تهذيب التهذيب (الجزءان: الخامس والسادس)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة تهذيب التهذيب(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة شرح التهذيب حاشية ملا جلال على شرح التهذيب(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • تهذيب كتاب: أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وآدابه للإمام الحافظ: أبي محمد عبد الله بن محمد بن جعفر المعروف بأبي الشيخ الأصبهاني المتوفى سنة 369 هـ -رحمه الله تعالى - (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • أكثر من 40 مسجدا يشاركون في حملة التبرع بالدم في أستراليا
  • 150 مشاركا ينالون شهادات دورة مكثفة في أصول الإسلام بقازان
  • فاريش تستضيف ندوة نسائية بعنوان: "طريق الفتنة - الإيمان سندا وأملا وقوة"
  • بحث مخاطر المهدئات وسوء استخدامها في ضوء الطب النفسي والشريعة الإسلامية
  • مسلمات سراييفو يشاركن في ندوة علمية عن أحكام زكاة الذهب والفضة
  • مؤتمر علمي يناقش تحديات الجيل المسلم لشباب أستراليا ونيوزيلندا
  • القرم تشهد انطلاق بناء مسجد جديد وتحضيرًا لفعالية "زهرة الرحمة" الخيرية
  • اختتام دورة علمية لتأهيل الشباب لبناء أسر إسلامية قوية في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 18/6/1447هـ - الساعة: 16:44
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب