• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
  •  
    خطبة: أم سليم ضحت بزوجها من أجل دينها (1)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    خطبة: التربية على العفة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أسس التفكير العقدي: مقاربة بين الوحي والعقل
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
  •  
    ابتلاء مبين وذبح عظيم (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    فضل من يسر على معسر أو أنظره
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    حديث: لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    كونوا أنصار الله: دعوة خالدة للتمكين والنصرة
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    لا تعير من عيرك
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    من مائدة التفسير: سورة النصر
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أربع هي نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    وحدة المسلمين (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إذ قال الله يا عيسى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

أطلق لروحك إشراقها (خطبة)

أطلق لروحك إشراقها (خطبة)
وضاح سيف الجبزي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 10/3/2021 ميلادي - 26/7/1442 هجري

الزيارات: 18764

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أطلِق لروحك إشراقها


الحمدُ لله الذي تكبَّر جل جلالُه فما تراه العيون، ولا تخالطه الظنون، ولا يصفُه الواصفـــون، ولا تُغيره الحوادث، ولا يخشى الدوائر، يعلم سبحانه مثاقيلَ الجبال، ومكاييل البحار، وعدد قطر الأمطار، وعدد ورق الأشجار، وعدد ما أظلم الليل وأشرق النهار، لك الحمد يا من لا تواري منه أرضٌ أرضًا، ولا سماءٌ سماءً، ولا جبلٌ ما في وعره، ولا بحرٌ ما في قعره، ﴿ وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [القصص:70].

 

وأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، تنزَّه عن الشريك ذاتُه، وتقدستْ عن مشابهة الأغيار صفاتُه، بالبر معروف، وبالإحسـان موصوف، معروف بلا غاية، وموصوف بلا نهاية، واحدٌ لا مِن قِلَّة، وموجودٌ لا من علة، عِزُّ كل ذليل، وغنى كل فقير، ورضا كل يؤوس، ومأمن كل خائف، وملاذ كل هارب، وملجأُ كل مكروب، ومفزع كل ملهوف، من تكلم سمع نطقه، ومن سكت علم سرَّه، ومن عاش فعليه رزقُه، ومن مات فإليه منقلبُه، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، وصفيُّه من خلقه وحبيبه، الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، للعالمين بشيرًا ونذيرًا، صلوات ربي وسلامُه على صاحب اللواء المرفوع في بني لؤي، وصاحب الطود المنيف في بني عبدمناف بن قصي، المثبت بالعصمة، المؤيد بالحكمة، صاحبِ الغرة والتحجيل، المعلمِ الجليل، المؤيد بجبريل، المذكورِ في التوراة والإنجيل، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه كلما همع سحاب، ولمع سراب، وأُنجح طِلاب، وقرئ كتاب، وسُرَّ قادم بإياب، وعلى آله وأصحابه، غيوث الندى وليوث الردى، ومصابيح الدجى.

 

أما بعدُ:

متفائِلٌ واليأسُ بالمرصادِ
متفائِلٌ بالسبق دون جيادِ
متفائِلٌ رغم القنوط يذيقُنا
جمرَ السياط وزجرة الجلادِ
متفائِلٌ بالغيث يسقي روضنا
وسماؤنا شمسٌ وصحوٌ بادِ
والبحر يبقى خيرُه أتضُّرهُ
يا قومنا صنارةُ الصيادِ؟
متفائلٌ بشرى النبي قريبةٌ
ويكون حقًا ما حكاهُ الهادي
فاجعلْ يقينك بالإله حقيقةً
وارحل بروحك نحو نوح الشادي


الفأْل عباد الله أُولَى خُطوات العمل، والتشاؤُم أُولَى خُطوات الكسَل، والعجزُ رأس مال البطالين، ومُنى الجهول الإخلادُ إلى الأرض واتِّباعُ الهوَى.

 

قال أهلُ الحكمة: «إن قسَماتِ وجه المرء انعكاسٌ لأفكاره، ومصائبُ الحياة تتماشى مع هِمَم الرجال صعودًا وهبوطًا، وتُشيبُ الرؤوس ولا تشيبُ الهِمَم»، وعلى حدِّ قول ابن عقيل رحمه الله وقد بلغ الثمانين، والتفاؤل كرِشُه وعيبتُه:

ما شابَ عَزمي وَلا حَزمي وَلا خُلقي
وَلا وَفائي وَلا ديني وَلا كَرَمي
وَإِنَّما اعتاضَ رأسي غَيرَ صِبغَتِهِ
وَالشَيبُ في الرأسِ دونَ الشيب في الهممِ



عباد الله، المتفائل لا تُزعزِعُ يقينَه المصائب، ولا تفُلُّ عزيمتَه الفواجِع، ولا تُضعِفُ إيمانَه الحوادث، ولا تكسر شوكته الكوارث.

درستُ الفأل حتى صرتُ شيخًا
فخذ سندًا صحيحًا واروِ عني
فعني، عن فؤادي، عن طموحي
ثمارُ اليأس بَذرتُها التمني


الكسول مخذول، والهائم نائم، والفارغ بطال، وصاحب الأماني مفلس.

 

وقال القنُّوجي: قيل: مَن دام كسله خاب أملُه.

تزوَّجت البطالة بالتَّواني
فأولدها غلامًا مع غلامه
فأمَّا الابنُ سمَّوه بفقر
وأما البنتُ سمَّوها ندامة



الفأْل -عباد الله- كالمرهَم على الجُرح، والتشاؤُم كالمِلحِ على الجُرح؛ فالفأل: ثقةٌ بالله، وإيمانٌ بقضائِه وقدرِه، وفي التشاؤُم سُوءُ ظنٍّ بالله ورِيبةٌ في قضائِه وقدرِه.. الفألُ حياة، والتشاؤُم وفاة.. ولله ما أعذب قول الجواهري:

ولقد بلغتُ من التفاؤل أوْجَهُ
وقلائلٌ من يفعلون قلائلُ
حتى تفاعيلَ البحورِ قرأتُها
متفائلٌ، متفائلٌ، متفائلُ



ولقد كان الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم إمامَ المتفائلين، استمع إليه إذ يقول صلى الله عليه وسلم: «لاَ طِيَرَةَ، وَخَيْرُهَا الْفَأْلُ»، قَالُوا: وَمَا الْفَأْلُ؟ قَالَ: «الْكَلِمَةُ الصَّالِحَةُ يَسْمَعُهَا أَحَدُكُمْ»[1]، وفي رواية: «لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ، وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ الصَّالِحُ، الْكَلِمَةُ الْحَسَنَةُ»[2]، وفي ورواية: «وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ». قَالُوا: وَمَا الْفَأْلُ؟ قَالَ: «كَلِمَةٌ طَيِّبَةٌ»[3]... كما قال صلى الله عليه وسلم: «وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ»[4].

 

ورسول الله صلى الله عليه وسلم، أُرسل بالبشرى؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا﴾ [الأحزاب:45]، ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا﴾ [الإسراء:105]، وقال عنه: ﴿ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا﴾ [الأحزاب:47]، ﴿ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ [يونس:2]، ﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة:155]، ﴿ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ﴾ [الحج:34]، ﴿ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ﴾ [الحج:37].

 

وقد قال لنا صلى الله عليه وسلم: «يَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا، وَبَشِّرُوا، وَلاَ تُنَفِّرُوا»[5].

 

ويقول صلى الله عليه وسلم: «فَأَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ»[6].

 

«بَشِّرْ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِالسَّنَاءِ، وَالرِّفْعَةِ، وَالنَّصْرِ، وَالتَّمْكِينِ فِي الْأَرْضِ»[7].

 

 

وقال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ، مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ، وَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الْخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَدَيْهِ»[8].

 

عباد الله: لقد كان حبيب القلب وقرة العين صلى الله عليه وسلم يعجبه سماع الكلمات المبشرة، المتوائمةِ مع الحدث، والمتناسبة مع الظرف، والمتناسقة مع اللحظة، والتي تشع حياةً، وتنضح أملًا، وتورث عملًا؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَمِعَ صَوْتًا، فَأَعْجَبَهُ، فَقَالَ: «قَدْ أَخَذْنَا فَأْلَكَ مِنْ فِيكَ»[9]؛ أي: تفاءَلْنا من كلامك الحَسَن تيمُّنًا به.

 

والتفاؤل يا عباد الله سلوك ملازمٌ للنبي صلى الله عليه وسلم، ومُتأصِّل فيه؛ حيث كان يتفاءل بالأسماء الحسنة؛ لِمَا لها من دلالة إيجابية على النفوس، فعَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُعْجِبُهُ إِذَا خَرَجَ لِحَاجَتِهِ أَنْ يَسْمَعَ: يَا رَاشِدُ، يَا نَجِيحُ»[10].

 

(يَا رَاشِدُ): وَاجِدُ الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ، (يَا نَجِيحُ)، أَيْ: مَنْ قُضِيَتْ حاجته.

وقد كَانَ صلى الله عليه وسلم إِذَا بَعَثَ عَامِلًا سَأَلَ عَنِ اسْمِهِ، فَإِذَا أَعْجَبَهُ اسْمُهُ فَرِحَ بِهِ وَرُئِيَ بِشْرُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، وَإِنْ كَرِهَ اسْمَهُ رُئِيَ كَرَاهِيَةُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، وَإِذَا دَخَلَ قَرْيَةً سَأَلَ عَنِ اسْمِهَا، فَإِنْ أَعْجَبَهُ اسْمُهَا فَرِحَ وَرُئِيَ بِشْرُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، وَإِنْ كَرِهَ اسْمَهَا رُئِيَ كَرَاهِيَةُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ[11].

 

 

ولما أتى صلى الله عليه وسلم المدينة كانوا يسمونها (يثرب(؛ فسمَّاها: (طابةَ( أو: (المدينة)[12].

طَابَتْ بهِ طيبةُ من بعْدِ الرَّدى *** أشرقَ ما قدْ كانَ منها أسْوَدا

 

ولما كان صلى الله عليه وسلم في صُلح الحُديبية، وأقبلَ عليهم رجلٌ من قُريش - هو سُهيل بن عمرو - قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لَقَدْ سَهُلَ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ»[13].

 

 

ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم - من حبه للتفاؤل - يغير الأسماء التي توحي بالهم والنكد؛ ففي الصحيح عَنِ ابْنِ المُسَيِّبِ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ أَبَاهُ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «مَا اسْمُكَ»؟ قَالَ: حَزْنٌ، قَالَ: «أَنْتَ سَهْلٌ»[14].

 

 

وكَانَ من تفاؤله صلى الله عليه وسلم أنه: إِذَا دَخَلَ عَلَى مَرِيضٍ يَعُودُهُ قَالَ: «لاَ بَأْسَ، طَهُورٌ»[15].

 

 

ويعلمنا صلى الله عليه وسلم التفاؤل في الدعاء، فيقول: «ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ»[16].

 

 

وقال: «وَلَكِنْ لِيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ وَلْيُعَظِّمِ الرَّغْبَةَ، فَإِنَّ اللهَ لَا يَتَعَاظَمُهُ شَيْءٌ أَعْطَاهُ»[17].

وإني لأدعُو اللهَ حتى كأنَّما *** أرَى بجميلِ الظنِّ ما اللهُ صانِعُ

كما كان يُربِّي أمَّتَه - صلوات الله وسلامُه عليه - على التفاؤل؛ فإن الفرَجَ في الفأْل، والسَّعَةَ في الأمل؛ كان صلى الله عليه وسلم إذا استسقَى بأصحابِه قلَبَ رداءَه[18] تفاؤُلًا في أن يُغيِّرَ الله حالَهم من الشدَّة إلى الرخاء، ومن الجَدبِ إلى الغيث والإنبات.

 

قال تعالى: ﴿ اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾ [الروم:48]، ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ﴾ [الأعراف:57].

 

﴿ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ﴾ [الشورى:28].

 

إنه إيذانٌ بحياة الأرض بعد موتها، وبزوغ الفجر عقب الظلام الدامس، وطلوع الشمس من بعد المغيب.

رويدُك فالهموم لها رتاجُ
وعن كثب يكون لها انفراجُ
ألم تر أن طول الليل لما
تناهى حان للصبح انبلاجُ



عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَذُلًّا يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ» وَكَانَ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ، يَقُولُ: «قَدْ عَرَفْتُ ذَلِكَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، لَقَدْ أَصَابَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمُ الْخَيْرُ وَالشَّرَفُ وَالْعِزُّ، وَلَقَدْ أَصَابَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ كَافِرًا الذُّلُّ وَالصَّغَارُ وَالْجِزْيَةُ»[19].

 

ويقول عليه السلام: «إِنَّ اللهَ زَوَى لِي الْأَرْضَ، فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا[20].

إنَّ للظُّلْمِ صولةً ثمَّ تُمحى***ما عرَفنا لظالمٍ مِنْ بقاءِ

 

إن مَن سبَرَ حياةَ المُصطفى صلى الله عليه وسلم وجدَها مليئةً بالفَأْلِ والتفاؤُل، والحيويةِ والأمل، وعِظِمِ الرجاء، مع تحاشي الزَّلل، ففي الهجرة، بينما كان (سراقة) يطارد رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبا بكر، وكان يعثر به فرسه كلما هم أن يتابعهما، طمعًا في جائزة قريش المغرية، وبينما هو يهم بالرجوع وقد عاهد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكفيهما مَن وراءه، في هذه اللحظة قال صلى الله عليه وسلم: «كَأَنِّي بِكَ قَدْ لَبِسْتَ سِوَارَيْ كِسْرَى»[21]، يعده سِوَارَيْ كسرى شاهنشاه الفرس! (ملك ملوك الأرض!)، والله وحده يعلم ما هي الخواطر التي دارت في رأس سراقة حول هذا العرض العجيب، من ذلك المطارد الوحيد، إلا من صاحبه الذي لا يغني شيئًا عنه، والمهاجــر سرًّا معه!

يا طرِيدًا ملأ الدُّنيا اسمُهُ
وغدا لحنًا على كلِّ الشفاه
وغدتْ سيرتُه أنشودةً
يتلقاها رواةٌ عن رواه
ليت شعري هل درى من طاردوا
عابدو اللات وأتباعُ مناة؟
هل درتْ من طاردتُه أمةٌ
هُبلٌ معبودُها؟! شاهتْ وشاه


وهكذا.. يُربِّي أمَّتَهُ صلى الله عليه وسلم على البشارة في أحلك المواقف، والتفاؤلِ في أحرج اللحظات؛ ففي الخندق: هَبَطَ إِلَى الصَّخْرَةِ، فَأَخَذَ الْمِعْوَلَ، وقَالَ: «بِسْمِ اللَّهِ» فَضَرَبَ ضَرْبَةً فَكَسَرَ ثُلُثَ الْحَجَرِ، وَقَالَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الشَّامِ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ قُصُورَهَا الْحُمْرَ مِنْ مَكَانِي هَذَا»، ثُمَّ قَالَ: «بِسْمِ اللَّهِ» وَضَرَبَ أُخْرَى فَكَسَرَ ثُلُثَ الْحَجَرِ فَقَالَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ، أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ فَارِسَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ الْمَدَائِنَ، وَأُبْصِرُ قَصْرَهَا الْأَبْيَضَ مِنْ مَكَانِي هَذَا»، ثُمَّ قَالَ: «بِسْمِ اللَّهِ» وَضَرَبَ ضَرْبَةً أُخْرَى فَقَلَعَ بَقِيَّةَ الْحَجَرِ فَقَالَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْيَمَنِ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ أَبْوَابَ صَنْعَاءَ مِنْ مَكَانِي هَذَا»[22].

 

وفي الأحزاب، قال سُلَيْمَانَ بْنَ صُرَدٍ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: حِينَ أَجْلَى الأَحْزَابَ عَنْهُ: «الآنَ نَغْزُوهُمْ وَلاَ يَغْزُونَنَا، نَحْنُ نَسِيرُ إِلَيْهِمْ»[23].

وَشُجَّ وجهُكَ، ثَمَّ الجيشُ في أُحُدٍ
يعُودُ ما بيْنَ مَقْتُولٍ ومُنْهَزِمِ
وَرَغْمَ تِلْكَ الرَّزايا والخُطُوبِ ومَا
رَأيْتَ مِنْ لَوْعَةٍ كُبْرَى ومِنْ أَلَمِ
ما كنتَ تحملُ الَّا قلبَ مُحْتَسِبٍ
في عَزْمِ مُتَّقِدٍ في وَجْهِ مُبْتَسِمِ


ولم يقتصِر تفاؤُل النبي صلى الله عليه وسلم على ما يكون في أرضِ الواقعِ، بل إنه يستحضِره حتى في تعبير الرُّؤَى المناميَّة، فعند مسلم عَنْ أَنَسِ قَالَ صلى الله عليه وسلم: «رَأَيْتُ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فِيمَا يَرَى النَّائِمُ، كَأَنَّا فِي دَارِ عُقْبَةَ بْنِ رَافِعٍ، فَأُتِينَا بِرُطَبٍ مِنْ رُطَبِ ابْنِ طَابٍ، فَأَوَّلْتُ الرِّفْعَةَ لَنَا فِي الدُّنْيَا، وَالْعَاقِبَةَ فِي الْآخِرَةِ، وَأَنَّ دِينَنَا قَدْ طَابَ»[24].

 

قال الماوردي: الفأل فيه تقويةٌ للعزم، وباعثٌ على الجد، ومعونةٌ على الظَّفَر.

إنك أيها المرءُ مُخيَّرٌ في حياتِك وما يَعتريكَ فيها، بين اليأسِ والأملِ، والتفاؤُلِ والتشاؤُم؛ فالأملُ والتفاؤُل لك مع الله، واليأسُ والتشاؤُم لك مع الشيطان: ﴿ لِيَحْزُنَ الذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلا بِإِذْنِ اللهِ﴾ [المجادلة:10].

هوِّنْ عليك فؤادي لستَ منهزمًا
حتى أراك أمامَ الحُزن هيّابا
هوِّنْ عليك فؤادي واتِخذ سببًا
إلى التفاؤل، واترك عنك ما رابا


إن الحياة بلا أمل قنوط جاثم، والأملَ بلا عمل تمني كاذب، وديننا الحنيف يدعو إلى الفأل والأمل اللذَينِ يستصحبان الجد والعمل، وكلما ازداد التحدِّي ازداد اليقين، ولا يرى الجمالَ إلا الجميل، ومن كانت نفسُه بغير جمال فلن يرى في الوجود شيئًا جميلًا، والكون ليس محدودًا بما تراه عيناك، أو تسمعه أذناك، ولكن ما يراه قلبُك، ويدركه فكرُك، ويعشقه فؤادك.

 

عبد الله:

عِشْ تَفَاءَلْ وَثِقْ بِرَبٍّ كَرِيْمٍ
عِنْدَهُ الأَمْرُ بَعْدَ «كَافٍ وَنُوْنِ»!
مَا تَرَاءَىٰ مِنَ الأَمَانِيْ مُحَالًا
ذَاتَ يَأْسٍ يَكُوْنُ إِنْ قَالَ كُوْنِي!



التفاؤل روحٌ تتجدد، ونفسٌ تتسامى، وعطاءٌ يتدفق، وقلبٌ ينبض، ونُورٌ يَتَلَأْلَأُ، وَرَيْحَانَةٌ تَهْتَزُّ، وَقَصْرٌ مَشِيدٌ، وَنَهْرٌ مُطَّرِدٌ، وَفَاكِهَةٌ نَضِيجَةٌ، وسراجٌ لا يخبو سناه، ونجمٌ لا يغيم ضحاه.

 

هو استعانةٌ بالموجود لتحصيل المفقود، وهو تقويةٌ للعزم، وباعثٌ على الجِد، ومعونةٌ على الظَّفَر، وزادٌ في الطريق، ودليلٌ في التيه، وأنيسٌ في الدياجي.

 

وكيف لا نتفاءل يا عباد الله، والقرآن بين أيدينا يقول لنا: ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران:139]؟!

إذا تضايق أمرٌ فانتظر فرجًا *** فأضيق الأمر أدناه من الفرجِ

كيف لا نتفاءل؟ والله يقول لنا:

﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ [الأعراف:156].

﴿ حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ﴾ [التوبة:59].

﴿ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة:268].

﴿ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ﴾ [الحجر:52]، ﴿ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ﴾ [الحجر:55]؟!

تلك الأيادي التي امتدت ليوسف عن
جهلٍ، فأردته في جبٍّ بلا شفقة
هي الأيادي التي امتدت لفاقتها
يومًا لتسألَه شيئًا من الصدقة
يصِّرفُ الله أحوال العباد فلا
تقلق، وعش مؤمنًا في عزةٍ وثقة

 

وأفضل العبادة يا عباد الله: انتظار الفرج؛ فمن المحال دوام الحال، والأيام دُوَل، والدهر قُلَّب، والليالي حُبالَى، والغيب مستور، والمستقبل محسوم، والحكيم كل يوم هو في شأن، ولعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا: ﴿ وإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ [الشرح:6].

إذا تضايق أمرٌ فانتظر فرجًا
فأضيق الأمر أدناه من الفرجِ
دع المقادير تجري في أعنتها
ولا تبيتن إلا خالي البالِ
ما بين غمضة عين وانتباهتها
يغير الله من حالٍ إلى حالِ

 

فلا يأس والله يُدعَى، ولا قنوط والله يُرجَى، ولا خيبة والله يُعبَد، ولا إحباط والله يُؤمَن، ولا قلق والله يُؤمل، ولا وهن والله حافظ.

 

والتفاؤل هو الشاهدُ على صحة العقل وصفاء النفس، وقد قالوا: «إن البكاءَ لا يُعيدُ الميتَ إلى الحياة، ولكن يُعيدُه الدعاءُ والثناءُ والذكرُ الحسن والأثرُ الطيبُ».

 

ورأسُ التفاؤل الاتصالُ بالعليِّ الأعلى، فالصلاة تفاؤل، وذكرُ الله تفاؤل، والدعاءُ تفاؤل، يُحيطُ بذلك: حُسنُ الظن بالله عز شأنُه: ﴿ وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [النساء:104].

سَهِرَت أعين ونامت عيونُ
في شؤونٍ تكون أو لا تكون
إن ربًا كفاك ما كان بالأمسِ
سيكفيك في غدٍ ما يكونُ

 

الفأْلُ عباد الله فيه معنى الصبر والرِّضا، والنصر والعِزَّة والرجاء، واليأسُ والتشاؤُم فيهما معنى السَّخَطِ والهزيمةِ والذِّلةِ والقلق.

 

ولهذا قيل: لا تثقل يومك بهموم غدك، فقد لا تجيء هموم غدك، وتكون قد حرمت من سرور يومك.

فَكَمْ لَيْلَةٍ بِتَّ في كُرْبَةٍ
يَكَادُ الرَّضِيعُ لَهَا أَنْ يَشِيبْ
فَمَا أَصْبَحَ الصُّبْحُ حَتىَّ أَتَى
مِنَ اللهِ نَصْرٌ وَفَتْحٌ قَرِيبْ


الفأْل أُسُّ علاجِ التشاؤُم واليأسِ، ففي جوِّ الفأل يتعافَى الفِكرُ والبدنُ، ويكونُ العبدُ أقربَ إلى الله ورسولِهِ -صلى الله عليه وسلم؛ لأنهما أمرَا به، وفي جوِّ اليأس يبعُدُ العبدُ عن الله، وعن رسولِهِ صلى الله عليه وسلم؛ لأنهما قد نهَيَا عنه.

الفأل نورٌ للفتى وسعادةٌ
فاهنَأ بدربٍ يستضِيءُ بفألِكَا
ما الشُّؤمُ إلا ظُلمةٌ وشقاوةٌ
من نالَ منه الشُّؤمُ أصبحَ هالِكًا



قيل: لو فكر الطائر في الذبح، ما حام حول القمح.

 

مشى المُعافَى بن سليمان مع صاحبٍ له، فالتفتَ إليه صاحبُه عابسًا مُتبرِّمًا وقال: ما أشدَّ برد هذا اليوم! فقال له المُعافَى: وهل استدفأتَ الآن؟ قال: لا، قال: فماذا استفدتَ من الذم؟ لو ذكرتَ اللهَ لكان خيرًا لك.

 

يقول ابن بطَّال: جعل الله من فِطَر الناس: محبة الكلمة الطيبة والأُنس بها، كما جعل فيهم الارتياحَ بالمنظر الأنيق والماء الصافي وإن كان لا يملكه ولا يشربُه.

والإنسان يبتهِجُ بالهيئة الحسنة، والمكان الفسيح، والمنظر البهيج.

 

عباد الله، قلت ما سمعتم، واستغفروا الله لي ولكم ولجميع المسلمين، أنه غفور رحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله؛ حمدًا يليق بجلال وجهه، وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه، ومَن سار على نهجه إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

فأحبتي في الله، المهزومُ من هزمَته نفسُه، ومن قال: هلكَ الناس فهو أَهْلَكُهُمْ، ومن أجل هذا أمرَ دينُنا بالتفاؤل، ونهانا عن التشاؤم.

قالَ الصِّبا وَلّى فَقُلتُ لَهُ ابتَسِم
لَن يُرجِعَ الأَسَفُ الصِّبا المُتَصَرِّما
قالَ العِدى حَولي عَلَت صَيحاتُهُم
أَأُسَرُّ وَالأَعداءُ حَولِيَ الحِمى
قُلتُ ابتَسِم لَم يَطلُبوكَ بِذَمِّهِم
لَو لَم تَكُن مِنهُم أَجَلَّ وَأَعظَما
قالَ اللَيالي جَرَّعَتني عَلقَمًا
قُلتُ اِبتَسِم وَلَئِن جَرَعتَ العَلقَما
فَلَعَلَّ غَيرَكَ إِن رَآكَ مُرَنَّمًا
طَرَحَ الكَآبَةَ جانِبًا وَتَرَنَّما
أَتُراكَ تَغنَمُ بِالتَبَرُّمِ دِرهَمًا
أَم أَنتَ تَخسَرُ بِالبَشاشَةِ مَغنَما
يا صاحِ لا خَطَرٌ عَلى شَفَتَيكَ أَن
تَتَلَثَّما وَالوَجهِ أَن يَتَحَطَّما



التفاؤل يقلِبُ العلقمَ زُلالًا، والصحراء جنة، والحنظلَ عسلًا، والدار الضيقةَ قصرًا، والقلةَ غِنًى، وهل يشعُر بسَعة الدنيا من كان حِذاؤه ضيِّقًا؟!

 

المتفائل يسقط من أجل أن ينهض، ويُهزَم من أجل أن ينتصر، وينام من أجل أن يستيقظ.

فـكم راحـةٍ أتـعبت أهـلها *** وكم دعةٍ نتجت من تعبْ

ولذا قيل: المتفائل ينظرُ إلى الحل، والمتشائم ينظرُ في المشكلة، المتفائل مُجِدٌّ على الدوام، لا يعرفُ الإحباطَ والضررَ، يرى الحياةَ حقًّا له وحقًّا للآخرين، والمتشائم جلاَّد نفسه يرى غيرَه أسعدَ منه، ثم هو يريدُ أن يكون أسعدَ من الآخرين.

 

المتفائل يرى ضوءًا لا يراه الآخرون، والمتشائم يعمَى أن يرى الضوءَ الذي أمام ناظرَيْه، المتفائل مستفيدٌ من ماضيه، مُتحمِّسٌ لحاضره، مُستشرفٌ لمُستقبَلِه، والمتشائم أسيرٌ لماضيه، مُحبَطٌ من حاضره، هليعٌ على مُستقبَلِه.

 

المتفائل يطلُبُ المعاذير والمخارج لسلامة طوِيَّته وانشراح صدره، والمتشائم يشتغِلُ بالعيوب ويحشُرُ نفسَه في المضائق لظُلمة باطنه.

المتشائم يحسَبُ كل صيحةٍ عليه، يجوعُ وهو شبعان، ويفتقِر وهو غني، ﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا﴾ [البقرة:268].

المتشائم هو من يقول: لو اتَّجرت في الأكفان ما مات أحد.

المتشائم يذكُر النعَمَ المفقودة ويعمَى عن النعَم الموجودة.

 

إن الساخطين والشاكين لا يذوقون للسرور طعمًا، فحياتهم كلها ظلام وسواد، أما المؤمن الحق فهو راضٍ عن نفسه، راضٍ عن ربه، موقنٌ أن تدبير الله عز وجل أفضل من تدبيره نفسه، ينادي ربه ويقول: ﴿ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [آل عمران:26].

علَّمتني الحياةُ أن أتلقّى
كلَّ ألوانها رضًا وقبولا
ورأيتُ الرِّضا يخفِّف أثقا
لي ويُلقي على المآسي سُدولا
والذي أُلهم الرِّضا لا تراهُ
أبدَ الدهر حاسدًا أو عَذولا
أنا راضٍ بكل ما كتب الله
ومُزْجٍ إليه حَمْدًا جَزيلا
ضلَّ من يحسب الرضا عن هَوان
أو يراه على النِّفاق دليلا
فالرضا نعمةٌ من الله لم يس
عد بها في العباد إلا القليلا
والرضا آيةُ البراءة والإي
مان بالله ناصرًا ووكيلا

 

وقد قيل: «قُدراتُك هي السببُ في كل ما يحدث لك، ونفسُ المرء مثل غرفته، إن شاء فتح النوافذ فدخل النور والضياء والهواء والعليل، وإن شاء أغلقها فبقِيَ في الظلام».

 

يقول الأرجاني: يقول حكيم فارسي: ما شكوت الزمان، ولا برمت بحكم السماء، إلا عندما حفيت قدماي، ولم أستطع شراء حذاء، فدخلت مسجد الكوفة، وأنا ضيق الصدر، فوجدت رجلًا بلا رِجلين، فحمدت الله وشكرت نعمته عليَّ.

فأطلِق لروحك إشراقُها *** ترى الفجر يرمقنا من بعيد

فأصغ سمعك، وجفِّف دمعَك، واجبُر كسرَك، وارفع رأسَك؛ فمع الدمعة بسمة، ومع الخوف أمن، ومع الفزع سكينة؛ سوف يصل الغائب، ويهتدي الضال، ويُفك العاني، ويُجاب الدَّاعِي، وينقشع الظلام، وتنكشف الغمة: ﴿ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ﴾ [المائدة:52].

لا تهيئ كفني ما مت بعدُ
لم يزل في أضلعي برقٌ ورعدٌ
أنا تاريخي ألا تعرِفُه؟
خالدٌ ينبضُ في قلبي وسعدُ



اللَّهُمَّ إنَّا نَعُوْذُ بِك أنْ نَفْتَقِر فِي غِنَاك، أو نَضِلَّ في هُدَاك، أو نَذِلَّ لِسِواك.

اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ.

اللَّهُمَّ إنا نسألك عيشة نقية، وميتة سوية، ومردا غير مخز ولا فاضح.

اللَّهُمَّ هبْ لكلٍّ منَّا ما رجاه، وبلِّغه من الدارين مناه.



[1] رواه البخاري في صحيحه(5754)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، باب الطيرة(7/ 135)، ورواه مسلم (2223)، باب الطيرة والفأل وما يكون فيه من الشؤم (4/ 1745).

[2] رواه البخاري في صحيحه (5756)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، باب الفأل (7/ 135).

[3] رواه البخاري في صحيحه (5776)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، باب لا عدوى (7/ 139).

[4] رواه البخاري في صحيحه (2989)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، باب من أخذ بالركاب ونحوه (4/ 56)، ورواه مسلم (1009)، باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف (2/ 699).

[5] رواه البخاري في صحيحه (69)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولهم بالموعظة والعلم كي لا ينفروا (1/ 25).

[6] رواه البخاري في صحيحه (3158)، من حديث عمرو بن عوف الأنصاري رضي الله عنه، باب الجزية والموادعة مع أهل الحرب (4/ 96)، وفي باب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها (8/ 90)، ورواه مسلم في صحيحه (2961)، كتاب الزهد والرقائق (4/ 2273).

[7] أخرجه أحمد في مسنده (21222)، من حديث أبي بن كعب رضي الله عنه (35/ 146)، صححه الألباني، صحيح الترغيب والترهيب (1/ 117).

[8] رواه ابن ماجه في سننه (237)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، باب من كان مفتاحًا للخير (1/ 160)، حسنه الألباني، السلسلة الصحيحة (3/ 406).

[9] رواه أحمد في مسنده (9040)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه (15/ 16)، ورواه أبو داود في سننه (3917)، باب في الطيرة (4/ 18)، صححه الألباني، السلسلة الصحيحة (2/ 225).

[10] رواه الترمذي في سننه (1616)، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب (3/ 431)، صححه الألباني، صحيح الجامع الصغير وزيادته (2/ 890).

[11] رواه أبو داود في سننه (3920)، من حديث عبدالله بن بريده عن أبيه، باب الطيرة (4/ 19)، صححه الألباني، السلسلة الصحيحة (2/ 261).

[12] والأحاديث في هذا الباب كثيرة، ومن ذلك ما رواه البخاري في صحيحه (1872)، باب المدينة طابة، من حديث أبي حميد رضي الله عنه قال: أقبلنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، من تبوك، حتى أشرفنا على المدينة، فقال: «هذه طابة» (3/ 21)، وروى مسلم (1385)، باب المدينة تنفي شرارها، من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه: «إن الله تعالى سمى المدينة طابة»، (2/ 1007).

[13] رواه البخاري في صحيحه (2731)، ضمن حديث صلح الحديبية، من حديث المسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم رضي الله عنهما، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط (3/ 193).

[14] رواه البخاري في صحيحه (6190)، باب اسم الحزن (8/ 43).

[15] رواه البخاري في صحيحه (3616)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، باب علامات النبوة في الإسلام (4/ 202)، وفي باب عيادة المريض (7/ 117).

[16] رواه الترمذي في سننه (3479)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه (6/ 90)، حسنه الألباني، صحيح الترغيب والترهيب (2/ 286).

[17] رواه مسلم في صحيحه (2679)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، باب العزم بالدعاء ولا يقل إن شئت (4/ 2063).

[18] ومما صح في هذا الباب؛ ما رواه البخاري في صحيحه (1012)، باب تحويل الرداء في الاستسقاء (2/ 27)، من حديث عبدالله بن زيد رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى المصلى فاستسقى فاستقبل القبلة، وقلب رداءه، وصلى ركعتين».

[19] أخرجه أحمد في مسنده (16957)، من حديث تميم بن أوس الداري (28/ 154)، صححه الألباني، السلسلة الصحيحة (1/ 2).

[20] رواه مسلم في صحيحه (2889)، من حديث ثوبان رضي الله عنه مولى رسول الله، باب هلاك هذه الأمة بعضهم ببعض (4/ 2215).

[21] رواه البيهقي في السنن الكبرى (13033)، من حديث الشافعي عن أهل العلم في المدينة (6/ 581)، وروى ابن عبدالبر في الاستيعاب مثله من حديث الحسن البصري (2/ 581)، وابن الأثير في أسد الغابة (2/ 412).

[22] رواه أحمد في مسنده (18694)، من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه (30/ 625)، واختلفوا في تضعيف الحديث وتصحيحه؛ يقول الهيثمي: رواه أحمد وفيه ميمون أبو عبدالله، وثَّقه ابن حبان، وضعفه جماعة، وبقية رجاله ثقات، مجمع الزوائد (6/ 189).

[23] رواه البخاري في صحيحه (4110)، باب غزوة الخندق (5/ 110).

[24] رواه مسلم في صحيحه (2270)، باب رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم (4/ 1779).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الهجرة غير الشرعية والحفاظ على الأنفس (خطبة)
  • لكل داء دواء (خطبة)
  • إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا (خطبة) (1)
  • حقوق الأولاد وواجبات الوالدين (خطبة)
  • كن مع الله (خطبة)
  • الاعتراف يهدم الاقتراف
  • أبراج الحظ ووهم المستقبل (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • أطلق لروحك العنان(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • زوجتي بلهاء أطلقها أم أبقي عليها؟(استشارة - الاستشارات)
  • أطلق الأحلام(مقالة - حضارة الكلمة)
  • أبقى مع زوجي المدمن أم أطلق؟(استشارة - الاستشارات)
  • هل أطلقها الطلقة الثالثة؟(استشارة - الاستشارات)
  • مخطوطة التقييد والإيضاح لما أطلق وأغلق من كتاب ابن الصلاح (النسخة 2)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • زوجتي تخونني فهل أطلقها؟(استشارة - الاستشارات)
  • هل أطلق زوجتي بسبب مرض الأبناء الوراثي؟(استشارة - الاستشارات)
  • زوجتي لا تتوافق معي فكريا فهل أطلقها؟(استشارة - الاستشارات)
  • أبي يريدني أن أطلق زوجتي(استشارة - الاستشارات)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 15/11/1446هـ - الساعة: 15:5
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب