• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أقسام المشهود عليه
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    الشهادتان - شهادة: أن لا إله إلا الله
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    تحريم النذر لغير الله تبارك وتعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    تخريج حديث: أن ابن مسعود جاء إلى النبي صلى الله ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    تفسير قوله تعالى: ﴿ وما محمد إلا رسول قد خلت من ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    خطبة عيد الأضحى المبارك 1446هـ (من وضع ثقته في ...
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    الثابتون على الحق (7) خباب بن الأرت
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    { فلا اقتحم العقبة }
    ماهر غازي القسي
  •  
    خطبة العيد بين التكبير والتحميد
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    تفسير: ﴿وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    علامات صحة القلب
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    علو الهمة
    ساير بن هليل المسباح
  •  
    المرأة في القرآن (2)
    قاسم عاشور
  •  
    خواتيم الأعمال.. وانتظار الآجال (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    مع العيد... يتجدد الأمل
    افتتان أحمد
  •  
    وانتهى موسم عشر ذي الحجة (خطبة)
    أحمد بن عبدالله الحزيمي
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

علاج الكبر (خطبة)

علاج الكبر (خطبة)
أحمد بن عبدالله الحزيمي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 21/11/2018 ميلادي - 13/3/1440 هجري

الزيارات: 29593

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

عِلاجُ الْكِبْرِ


الْحَمْدُ للهِ الْخَالِقِ الْبَارِئِ الْمُصَوِّرِ، الْعَزِيزِ الْجَبَّارِ.. كُلُّ جَبَّارٍ لَهُ ذَليلٌ خَاضِعٌ، وَكُلُّ مُتَكَبِّرٍ فِي جَنَابِ عِزِّهِ مِسْكِينٌ مُتَوَاضِعٌ، وَنَشْهَدُ أن لَا إلَهَ إلّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَحَبيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَمِينُ الْوَحْيِ وَالرِّسَالَةِ أَخْرَجَ النَّاسَ مِنْ ظَلامِ الْكُفْرِ وَالْجَهالَةِ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَزْواجِهِ وَأَصْحَابِهِ صَلاَةً وَسلامًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ..

 

أَمَّا بَعْدُ:

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: فَإِنَّه مَا مِنْ وَصِيَّةٍ أَبْلَغُ وَلَا مِنْ أَمْرٍ أعْظَمُ مِنْ قَوْلِ اللهِ جَلَّ وَعَلا: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾ [الحج: 1، 2].


عِبَادَ اللَّهِ: قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْه عَلَى عَاتِقِهِ قِرْبَةُ مَاءٍ، فَقُلْتُ: يا أَميرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَا يَنبغِي لَكَ هَذَا! فَقَالَ: "لَمَّا أَتَانِي الْوُفُودُ سَامِعِينَ مُطِيعِينَ -الْقَبَائِلُ بِأُمرائِهَا وَعُظمَائِهَا- دَخَلَتْ نَفْسِي نَخْوَةٌ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَكْسِرَهَا!


أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ الْكِبْرَ مِنَ الْمُهْلِكَاتِ، وَالْسَّعْيَ فِي إِزَالَتِهِ فَرْضُ عَيْنٍ، وَلَا يَزُولُ بِمُجَرَّدِ التَّمَنِّي، بَلْ بِالْمُعَالَجَةِ وَالْمُدَاوَاةِ - وَقَدْ أَشَرْنَا فِي الْخُطْبَةِ الْمَاضِيَةِ إِلَى بَيَانِ خَطَرِهِ وَأَثَرِهِ -، وَالْيَوْمَ بِإِذْنِ اللهِ نُشِيرُ إِلَى شَيْءٍ مِنْ سُبُلِ عِلاَجِهِ.


فَمِنْهَا: الْوَعْيُ بِهَذَا الْخُلقِ الذَّمِيمِ، وَضَرُورَةِ عِلاَجِهِ، وَلِهَذَا فَإِنَّ أَوَّلَ خُطْوَةٍ لِلْعِلاَجِ هُوَ الاِعْتِرافُ بِالْوُقُوعِ فِيه، ثُمَّ السَّعْيُ فِي الْخَلاصِ مِنْه، وَمَنْ لَمْ يَصِلْ لِتِلْكَ الْمَرْحَلَةِ فَقَلَّ أَنْ يَنْجُوَ مِنْه، إِذْ كَيْفَ يَسْعَى لِلنَّجَاةِ مِنْ شَيْءٍ هُوَ لَا يُقِرُّ بِهِ.


وَمِنْ وَسَائِلِ الْعِلاَجِ: أَنْ يُدْرِكَ الْمُتَكَبِّرُ أَنَّ النَّاسَ لَا تُطِيقُ مِثلَهُ، وَلَا تُحِبُّهُ، وَلَا تَتَمَنَّى اللِّقَاءَ بِهِ وَلَا الْجُلُوسَ مَعَه، بَلْ تَزْدَرِيهِ وَتَحْتَقِرُهُ، فَمَنِ احْتَقَرَ النَّاسَ احْتَقَرُوهُ، وَمَنْ تَوَاضَعَ لِلنَّاسِ رَفَعُوهُ، وتِلكَ سُنَّةُ اللهِ في خَلْقِهِ، قالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ" رواه مُسلمٌ. قَالَ أحَدُ الْحُكَمَاءِ: "الْمُتَكَبِّرُ كَالْصَّاعِدِ فَوْقَ الْجَبَلِ، يَرَى النَّاسَ صِغَارًا، وَيَرَوْنَهُ صَغِيرًا". قَالَ الإمَامُ ابْنُ بَازٍ - رَحِمَهُ اللهُ -:" فَالْوَاجِبُ عَلَى مَنِ ابْتُلِيَ بِدَاءِ الْكِبْرِ، أَنْ يُفْكِّرَ فِي عُيُوبِهِ، وَأَنَّهُ عَبْدٌ ضَعِيفٌ لَا حَوْلَ لَهُ وَلا قُوَّةَ، وَأَنَّهُ مَيِّتٌ لَا مَحَالَةَ، وَلَا يَنْفَعُهُ فِي الْآخِرَةِ كِبْرُهُ الَّذِي يَتَكَبَّرُ بِهِ، بَلْ هُوَ وَبَالٌ عَلَيهِ وَالْعِيَاذُ بِاللهِ". اهـ


عِبَادَ اللَّهِ: وَلَا بُدَّ لِمَنْ أَرَادَ الْخَلاصَ مِنْ هَذَا الشَّقَاءِ، وَالشِّفَاءَ مِنْ هَذَا الدَّاءِ لَا بُدَّ لَهُ مِنَ الْمُجَاهَدَةِ وَالْمُصابَرَةِ، لَا بُدَّ لَهُ مِنْ صَبْرٍ طَوِيلٍ، لَا بُدَّ مِنْ تَرْوِيضِ النَّفْسِ عَلَى مُخَالَفَةِ الْهَوَى، لَا بُدَّ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ هَيِّنًا. يَقُولُ سُبْحَانَه: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت: 69]. إِذَنْ.. فَالْأَمْرُ لَيْسَ كَلِمَاتٍ تُلْقَى أَوْ مَوَاعِظَ تُتْلَى، بَلْ هُوَ طَاعَةٌ وَتَقْرُّبٌ لِرَبِّ الْأرْضِ وَالسَّمَاءِ. وَالْمَرِيضُ إِذَا أَرَادَ الشِّفَاءَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ تَحَمُّلِ مَرَارَةَ الْعِلاَجِ وَآلاَمَهُ، خُصُوصًا إِذَا كَانَ الْمَرَضُ عُضَالًا وَالْحالَةُ مُتَأَخِّرَةٍ، فَهَلْ يُرْجَى بُرْءُ مَرِيضٍ أَنْهَكَتْهُ الأَمْرَاضُ وَأَتْعَبَتْهُ الأَوْجَاعُ، وَهُوَ لَا يَتَنَاوَلُ إلّا الْمُسَكِّنَاتِ فَقَط؟!


وَمِنْ أَهَمِّ أَسْبَابِ الْعِلاَجِ: أَنْ يَعْلَمَ الْإِنْسانُ عُقُوبَةَ الْكِبْرِ وَجَزَاءَ الْمُتَكَبِّرِينَ؛ فَإِنَّ الْعُقُوبَةَ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى لِلْمُتَكَبِّرِينَ هِي عُقُوبَةٌ شَدِيدَةٌ عَظِيمَةٌ، تَقْشَعِرُّ لَهَا الأبْدَانُ وَتَرْتَجِفُ لَهَا الْقُلُوبُ، كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ"، فَتَأَمَّلْ هَذِهِ الْعُقُوبَةَ الْفَظِيعَةَ، وَكَيْفَ أَنَّ الْكِبْرَ سَبَبٌ لِلْحِرْمَانِ مِنْ جَنَّةِ اللهِ وَرحمتِهِ، وَالنَّارُ دَارُ الْمُتَكَبِّرِينَ كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ: كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ" متفقٌ عليهِ، بَلْ إِنَّ مِنْ عُقُوبَةِ الْمُتَكَبِّرِينَ أَنَّهُمْ يُحْرَمُونَ مَحَبَّةَ اللَّهِ، وَهُوَ سُبْحَانَه يُبْغِضُ الْمُتَكَبِّرِينَ كَمَا قَالَ جَلَّ اسْمُهُ: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ ﴾ [النحل: 23]، بَلْ إِنَّ اللهَ جَلَّ وَعَلَا قَدْ بَيَّنَ أَنَّ الْمُتَكَبِّرَ إِنَّمَا يُنَازِعُ اللهَ فِي سُلْطَانِهِ، وَيُخَاصِمُ اللهَ فِي عَلْيَائِهِ، كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما يرويهِ عَنْ رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: "الْعِزُّ إِزَاري، وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَائي، فَمَنْ يُنَازِعُنِي عَذَّبْتُهُ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ، فَهَلْ يَرْضَى أحَدٌ أَنْ يَكُونَ مُنَازِعًا مُعَانِدًا لله تَبَارَكَ وَتَعَالَى؟!


وَمِنْ جُمْلَةِ الْأَسْبَابِ: الْبُعْدُ عَنْ مُخَالَطَةِ أَهْلِ الْكِبْرِ وَأَهْلِ الْبَطَرِ والرِّياءِ، فَإِنَّ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْأَسْبَابِ الَّتِي تَزْرَعُ الْكِبْرَ وَالْعُجْبَ فِي النَّفْسِ وَتُنَمِّيهِ، ثَبَتَ عَنْه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّه قَالَ: "الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ" رواه الإمامُ أحمدُ.


وَمِنْهَا: تَرْكُ الْأَسْبَابِ الَّتِي تُؤَثِّرُ فِي النَّفْسِ وَتُعِينُهَا عَلَى الْكِبْرِ، فمثلاً لَا يَنبغِي لَكَ وَأَنْتَ مُبْتَلىً بِهَذَا الْمَرَضِ أَنْ يَكُونُ لِبَاسُكَ مِنْ أَفْخرِ الثِّيابِ أوَ أَنْ تكُونَ سَيَّارَتُكَ مِنْ أغلَى السَّيَّارَاتِ، بَلْ حَاوِلْ أَنْ تَتَوَسَّطَ بأنْ تَلْبَسَ الْوَسَطَ مِنَ الثِّيابِ، وَترْكَبَ كَذَلِكَ الْوَسَطَ مِنَ الْمَرْكُوبَاتِ، كَمَا ثَبْتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّه قَالَ: "مَنْ تَرَكَ اللِّبَاسَ تَوَاضُعًا لِلَّهِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ دَعَاهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنْ أَيِّ حُلَلِ الإِيمَانِ شَاءَ يَلْبَسُهَا" أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ.


وَمِمَّا يَنْفَعُ فِي عِلاَجِ الْكِبْرِ أَنْ يَنْظُرَ الْمُتَكَبِّرُ الْمُخْتالُ فِي أَصْلِهِ وَمآلِهِ، وَفِي ضَعْفِهِ وَمَوْتِهِ، قَالَ سُبْحَانَه: ﴿ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ * ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ * ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ﴾ [عبس: 18 - 21]، مَرَّ بَعْضُ الْمُتَكَبِّرِينَ عَلَى مَالِكِ بْنِ دِينارٍ، وَكَانَ هَذَا الْمُتَكَبِّرُ يَتَبَخْتَرُ فِي مِشْيَتِهِ فَقَالَ لَهُ مَالِكٌ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهَا مِشْيَةٌ يَكْرَهُهَا اللهُ إلّا بَيْنَ الصَّفَّيْنِ فِي الْجِهَادِ؟ فَقَالَ الْمُتَكَبِّرُ: أَمَا تَعْرِفُنِي؟ قَالَ مَالِكٌ: بَلَى، أَمَّا أَوَّلُكَ فنُطْفَةٌ مَذِرَةٌ، وَأَمَّا آخِرُكَ فَجِيفَةٌ قَذِرَةٌ وَأَنْتَ بَيْنَهُمَا تَحْمِلُ الْعُذْرَةَ، فقَالَ الرجلُ: الْآنَ عَرَفْتَنِي حَقَّ الْمَعْرِفَةِ. قَالَ الْأَحْنَفُ: عَجِبْتُ لِمَنْ يَجْرِي فِي مَجْرى الْبَوْلِ مرَّتَيْنِ، كَيْفَ يَتَكَبَّرُ؟!


وَمِنَ الْعِلاَجِ: الْإِصْلاحُ مِنَ الدَّاخِلِ، نَعَمْ.. نَحْنُ نَحْتَاجُ إِلَى إِصْلاحِ أَنْفُسِنَا، وَذَلِكَ بِزِيادَةِ الْإيمَانِ فِي قُلُوبِنَا، نَحْتَاجُ إِلَى الْإكْثَارِ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَالتَّقَرُّبِ إِلَى اللهِ بِأَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ حَتَّى يَرْتَفِعَ الْإيمَانُ وَيَزِيدُ، وَتَرْتَدِعَ عِندئِذٍ نَزَوَاتُ النَّفْسِ وَأدْوَاؤُهَا.


وَمِنْ ذَلِكَ: أَنْ يَتَذَكَّرَ الْعَبْدُ أَنَّه ضَعِيفٌ فَقِيرٌ ذَليلٌ، مَا يَلْبَثُ عُمُرُهُ أَنْ يَنْتَهِيَ فِي أيِّ لَحْظَةٍ، وَمَا يَلْبَثُ أَنْ يَمْرَضَ بِأَصْغَرِ وَأَقَلِّ مَرَضٍ، وَمَا يَلْبَثُ أَنْ يَنْقَطِعَ جُهْدُهُ بِأَقَلِّ مَجْهُودٍ أَوْ عَمَلٍ!! ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [فاطر: 15].


وَمِنْ الْعِلاَجِ: أَنْ يُدْرِكَ الْمُتَكَبِّرُ أَنَّ التَّوَاضُعَ مِنْ أَعْظُمِ نِعَمِ اللَّهِ عَلَى الْعَبْدِ، وَهِي أَنْ يَأْلَفَ وَيُؤْلَفَ.. أَنْ يَكُونَ هَيِّنًا لَيِّنًا قَرِيبًا سَهْلاً.. سَمْحًا إِذَا بَاعَ وَإِذَا اشْتَرَى وَإِذَا اقْتَضَى، وَلْيَعْلَمْ كَذَلِكَ أَنَّ التَّوَاضُعَ سَبَبٌ فِي الْعِزَّةِ وَالرِّفعةِ وَالسِّيادَةِ، وَالْقبُولِ عِنْدَ اللّهِ وَعِنْدَ النَّاسِ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَمَا تَوَاضَعَ أحَدٌ للهِ إلّا رَفَعَهُ اللَّهُ".


نعمْ إنَّ مَعرِفةَ الدُّنيا وأنَّها ليستْ بشيءٍ، وأنَّ البَقاءَ فيها محدودٌ، وأنَّها أيامٌ كُلمَا ذَهبَ يَومُكَ ذَهَبَ بَعضُكَ، وأنهَّا كذلكَ؛ لا تَستَّحقُ هذا التَّأزم، وهَذا الترفُّعُ، وهَذا التَّكبُّرُ.

 

وَاللهِ ما أجملَ أنَّ يخرجَ الإنسَانُ منْ هَذهِ الدُنيا، وألسِنةُ النَّاسِ تَلهجُ لهُ بالدُّعاءِ، وبذكرِ مآثرهِ ومحاسنِهِ، قارنْ هذا بمنْ تلُوكوهُ ألسنةُ النَّاسِ سَبَّاً وإِقْذاعاً، وتَتَجنبُ مُجالسَتَهُ وتَتَحاشى مُرافقتَهُ، جَراءَ تَكبُرهُ وَتَرفُعهُ عَليهمْ.

 

كَذَلِكَ مِمَّا يَنْفَعُ أيها السَّادة: النَّظَرُ فِي سِيَرِ وَأَخْبَارِ الْمُتَكَبِّرِينَ، كَيْفَ كَانُوا؟ وَإِلَى أَيِّ شَيْءٍ صَارُوا؟ مِنْ إبْلِيسَ والنُّمْرُودَ إِلَى فِرْعَوْنَ، إِلَى هامَانَ، إِلَى قَارونَ، إِلَى أَبْرَهَةَ وأَبِي جَهْلٍ، إِلَى أُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ، إِلَى سَائِرِ الطُّغَاةِ وَالْجَبَّارِينَ وَالْمُجْرِمِينَ، فِي كُلِّ العُصُورِ وَالْبِيئَاتِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُخَوِّفُ النَّفْسَ، وَيَحْمِلُهَا عَلَى التَّوْبَةِ وَالْإقْلاعِ، خَشْيَةَ أَنْ تَصِيرَ إِلَى نَفْسِ الْمَصِيرِ.. وَكِتَابُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَسُنَّةُ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكُتُبُ التَّارِيخِ، خَيْرُ شَاهدٍ ومُعِينٍ عَلَى ذَلِكَ.


وَمِنْ الْعِلاَجِ - أَيُّهَا الْكرامُ - أَنْ يَعْلَمَ الْمُتَكَبِّرُ عَلَى عِبَادِ اللَّهِ؛ أَنَّه بَشَرٌ مِثْلُهُمْ، يَعْتَرِيهِ مِنَ الْعُيُوبِ والآفاتِ وَالْأسْقَامِ مَا يَعْتَرِيهِمْ، وَالْأيَّامُ دُوَلٌ، ﴿ وَتِلْكَ الْأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾ فَمَا يَدْرِي لَرُبَّما تَغَيَّرَتِ الْأَحْوالُ وَتَقَلَّبَتْ بِهَذَا الإِنْسانِ الْمَغْرُورِ الْمُتَكَبِّرِ، فَيَذِلُّ بَعْدَ عِزٍّ، وَيَفْتَقِرُ بَعْدَ غِنَىً، وَيَعْلُو عَلَيه مَنْ كَانَ يَتَرَفَّعُ عَلَيه، فَلِمَ الْكِبْرُ وَالْعُجْبُ وَالْغُرُورُ؟..


أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ: ﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [القصص: 83].

بَارَكَ اللهُ لي ولكم...


الخطبة الثانية

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمَينَ، وَأَشْهَدُ أَن لا إلَهَ إلّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَا عَبْدُهُ وُرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيه وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.


وَمِمَّا يَنبغِي التَّأكِيدُ عَلَيهِ -أَيُّهَا الإِخْوَانُ- فِي عِلاَجِ الْكِبْرِ -أَعَاذَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْه-: الاِسْتِعانَةُ بِاللهِ، وَالتَّضَرُّعُ إِلَيه أَنْ يَشْفِيَكَ مِنْ هَذَا الْمَرَضِ وَمِنْ هَذَا الْبَلاءِ، وَهَذِهِ الْخُطْوَةُ حَقَّهَا أَنَّ تَكُونَ أَوَّلَ خُطْوَةٍ، وَإِنَّمَا أَخْرْنَاهَا لِتَكُونُ هِي الْخَاتِمَةُ لِهَذِهِ الْخُطوَاتِ، فَعَلَيكَ بِدُعَاءِ اللهِ وَالْاِسْتِعانَةِ بِهِ أَنْ يَشْفِيَكَ مِنْ هَذَا الدَّاءِ الَّذِي يَجُرُّ عَلَيكَ غَضَبَ الرَّبِّ جَلَّ وَعَلا، حَتَّى إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مِنْ دُعَائِهِ الصَّحِيحِ الثَّابِتِ عَنْه: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسَأَلُكَ حُبَّ الْمساكينِ)، وَكَانَ مِنْ دُعَائِهِ أيضاً صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسلامُهُ عَلَيه: "اللَّهُمَّ جَنِّبْنِي مُنْكَرَاتِ الْأخْلاقِ وَالْأَهْوَاءِ وَالْأَعْمَالِ وَالْأَدْوَاءِ"،


اللهم إنا نعوذ بك من الكبر والغرور، ومن العجب وحب الظهور.

اللهم طهر قلوبنا من النفاق، اللهم طهرها من الحسد والبغضاء، واهدنا لأحسن الأخلاق يا رب العالمين.

صلوا يا عباد...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الكبر
  • الكبر والتكبر والخيلاء
  • ذم الكبر (خطبة)
  • احذروا الكبر (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • العلاج الديني لعلاج الأمراض وتفريج الكربات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الإصابة بالعين: ثبوتها، أدلتها، آثارها، علاجها، المبالغة في الخوف منها، وأسبابه وعلاجه(محاضرة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري)
  • الإصابة بالعين: ثبوتها، أدلتها، آثارها، علاجها، المبالغة في الخوف منها، وأسبابه وعلاجه(مقالة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري)
  • علاج التأخر اللغوي لدى الأطفال ذوي الإعاقة الذهنية باستخدام بعض فنيات العلاج السلوكي(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • العلاج الجيني ونقل الخلايا الجسدية لأغراض الوقاية والعلاج(مقالة - موقع أ. د. محمد جبر الألفي)
  • كيف فهم العلماء نصوص الطب النبوي؟(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أمراض القلوب وعلاجها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الانهزام النفسي: أسبابه وعلاجه (2)(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • خطبة عن ذكر الله وآثاره على النفس(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تعافيت من الشذوذ وارتبطت بفتاة متبلدة المشاعر(استشارة - الاستشارات)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بعد عامين من البناء افتتاح مسجد جديد في قرية سوكوري
  • بعد 3 عقود من العطاء.. مركز ماديسون الإسلامي يفتتح مبناه الجديد
  • المرأة في المجتمع... نقاش مفتوح حول المسؤوليات والفرص بمدينة سراييفو
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 15/12/1446هـ - الساعة: 0:30
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب