• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    فضل معاوية والرد على الروافض
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    ما جاء في فصل الشتاء
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرحمن، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    تفسير: (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: إذا استنجى بالماء ثم فرغ، استحب له ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    اختر لنفسك
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون (خطبة) - باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

مدرسة الاعتبار (خطبة)

مدرسة الاعتبار (خطبة)
عبدالله بن عبده نعمان العواضي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 1/11/2016 ميلادي - 30/1/1438 هجري

الزيارات: 41462

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

مَدرَسةُ الاعتبِار[1]

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران:102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء:1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب:71-72].


أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي رسوله محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أيها الناس، اعلموا أن الله تعالى خلق للإنسان عقلاً يعقله عن المكروهات، ويطلقه في طلب المحبوبات، ويقرأ به عِبَر الزمان، وحوادث الأيام؛ ليفيد منها دروسًا نافعة في الحياة.


فمن كان أوفى عقلاً كان أكثر اعتباراً بما ينفعه في العاجل والآجل، فأسرع -بعد اتعاظه- إلى الاقتداء بصالح التجارب، والانزجار عن سيئها. فالاعتبار بالعِبَر، والاتعاظ بالغِيَر من نتائج العقول الكاملة، والأحلام الصافية.

ولذلك فإن الله تعالى حينما يذكر في كتابه الكريم مواضع العبر والعظات كالقِصص القرآنية يختم ذلك ببيان أن المستفيد من تلك الآيات البينات هم أولو الألباب الذين أناروها بالتفكر، فربحوا بذلك الاعتبار الذي يحجز العاصي عن عصيانه، ويدفع المبطئ عن إبطائه في طاعة ربه.


فمن تلك الآيات قوله تعالى: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الرعد:3]، و قوله: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [الرعد:4]، وقوله: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى ﴾ [طه:54]، وقوله: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ﴾ [الحجر:75]، وقوله: ﴿ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ﴾ [الحشر:2].


عباد الله، إن الحياة الإنسانية تسير على سنن متشابهة، وقوانين حياتية متقاربة، والجديد فيها هم السائرون عليها، فالحاضر يحاكي الماضي، والمستقبل يقارب الحاضر، والتاريخ يعيد نفسه كما قيل.

فالتجارب البشرية، والأحداث الإنسانية التي يراها الإنسان، أو يسمع عنها، أو يقرأها هي مدرسة للاعتبار التي ينجح فيها من اعتبر بها، واتعظ بنتائجها وعواقبها، فأخذ منها الطريقة الصحيحة للتعامل بها في حياته الخاصة والعامة.

فلما تحزّبت أحزاب الكفر من أجل غزو المدينة لاستئصال المسلمين أشار سلمان الفارسي رضي الله عنه بخطة حكيمة تقي أهل الإسلام شر تلك الأحزاب الحاقدة، فقال: (يا رسول الله، إنا كنا بأرض فارس إذا حوصرنا خندقنا علينا، ولم تكن تعرفه العرب قبل ذلك)[2]، فأعجب ذلك المسلمين فعملوا.


فهذه تجربة إنسانية احتفظت بها ذاكرة سلمان رضي الله عنه لتكون احتذاء حميداً على مثال ما كان يجري في أرض فارس عند الحصار.


أيها المسلمون، إن القرارات الحكيمة، والمواقف الصائبة، الخاصة منها والعامة هي التي تُبنى على رويّة تامة، ورؤية ثاقبة، ومن القواعد الراسخة التي تقوم عليها: التأمل في مواطن العظات، والإفادة منها لبناء قرارٍ ما وإنشائه على أسس متينة.

ويوم يكسب الإنسان العبرة من غيره ليقدم على أمرٍ ما أو يحجم عنه فذلك من السعادة، قال ابن مسعود رضي الله عنه: " والسعيد من اتعظ بغيره"[3].


ولهذا فإن من الصواب: أن قراءة التاريخ والسير، والأمثال والقصص ليس المراد منها التسلية، والقضاء على الفراغ، بل المراد: نقل الصالح منها إلى واقع حيٍّ من القول والعمل، وتجنب أسباب الهلاك التي أودت بأهلها إلى ما لا تحمد عقباه.

ومن هنا كثرت الآيات القرآنية التي تسرد قصص الغابرين؛ لكي تكون عبرة للمعتبرين، وذكرى للمتذكرين.

فأما إن كان الإنسان من أهل الحق، الماضين في الطريق المستقيم فإنه حينما يقرأ قصص الأنبياء والرسل مع أقوامهم وما جرى لهم فسيرى إكرام الله السابغ، وفضله الواسع في إنجاء المؤمنين، ودفاعه عنهم، وحراسته لهم.


يقول تعالى في سورة يونس عن قصة يونس عليه السلام : ﴿ ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [يونس:103]. وقال عنه في سورة الأنبياء: ﴿ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنبياء:87-88]. فمن العبر التي يستفيدها المؤمن من ذلك: أن يستبشر وهو يسير في طريق الحق أن الله تعالى معه، وسينجيه من المهالك ما دام على الصراط المستقيم.


ومن جهة أخرى فهو عندما تدلهم عليه الخطوب، وتحيط به الكروب، وتصل إليه أذية أهل الأذى، وتضيق عليه الأرض بما رحبت فيقرأ تلك القصص عمن سبقه في طريق الحق فإنه يعتبر بأولئك السلف السابقين، ويصل إلى حقيقة: أنه ليس أولَ من أُوذي، ولا أشد بلاء من غيره، ففي كل وادٍ بنو سعد، وقد يلقى سواه أكثر مما لقي، فعند ذلك يخف ألمُه، ويهون عليه مصابه، قال تعالى: ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ﴾ [البقرة:214].


ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يداوي بالاعتبار من اضطُهِد من صحابته الأخيار- رضي الله عنهم-، فعن خباب بن الأرت-رضي الله عنه- قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم -وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة- قلنا له: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو الله لنا؟ قال: ( كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله، أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون )[4].


أيها الأحبة الفضلاء، وأما إن كان الإنسان من الحائدين عن طريق الهدى، الصادين عن الحق، الظالمين للخلق فقرأ أو سمع قصص الذين خلوا وكانوا مجرمين كيف جاءتهم الذكرى فلم يتذكروا، وامتد لهم الإمهال فلم ينزجروا، فحينها أخذهم أخذ عزيز مقتدر، والخزي يحيط بهم، وما ربك بغافل عما يعملون.

ولذلك كانت السور المكية غزيرة القصص القرآنية من أجل أن يسمعها كفار قريش لينظروا ماذا حل بأسلافهم الطغاة العتاة فلعلهم أن يتعظوا فيتركوا الاستمرار في سبيل الطغيان، والصد عن سبيل الرحمن.


قال تعالى: ﴿ فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام:43-45].


وفي قصص أولئك الغابرين العاصين يذيّل الله الآيات في ذلك بجملة مؤكدة تبين أن ما سبق من الخبر عمن غبر فيه عبرة لمن اعتبر، يقول تعالى في نهاية قصة فرعون في سورة النازعات: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى ﴾ [النازعات:26]. وقال تعالى في نهاية سورة يوسف: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [يوسف:111].


فمن كان عادلاً عن الصراط المستقيم وقرأ تلك الآيات التي تذكر مصارع المكذبين، ومهالك العاصين، وكان له عقل راجح، وقلب واعٍ فإنه سيعتبر، وسيعود عن طريقه المعوج إلى سلوك سبيل الحق القويم.

أيها الإخوة الكرام، من الموارد التي يُفاد منها الاعتبار بعد القرآن الكريم: التاريخ والسِّيَر، فالتاريخ الإنساني مخزن مليء بالعظات في جميع جوانب الحياة، كالجوانب الدينية، والسياسية، والعسكرية والاقتصادية، والاجتماعية، وغيرها. فهو سجل حافل، ومخزون واسع من الدروس المفيدة التي قد تصنع نجاحات في الحاضر والمستقبل لمن أحسن الاعتبار بها.

فالتجارب الإنسانية-وهي جزء من التاريخ- ليست حكراً على أهلها، بل هي حق مشترك لجميع الناس، يأخذ المتأخر العبرة من المتقدم.


قال ابن خلدون: " اعلم أن فن التاريخ فن عزيز المذهب، جم الفوائد، شريف الغاية؛ إذ هو يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم، و الأنبياء في سيرهم، و الملوك في دولهم، وسياستهم؛ حتى تتم فائدة الاقتداء في ذلك لمن يرومه في أحوال الدين والدنيا"[5].


وقال الشاعر:

اقرأ التاريخَ إذ فيه العبرْ ♦♦♦ ضلّ قوم ليس يدرون الخبرْ

 

فمن كان عنده وعي تاريخي فسيعرف به سنن الله في خلقه، حيث يرى من سقط لماذا سقط، ومن ارتقى لماذا ارتقى، ومن عوقب لماذا عوقب، ومن عزّ لماذا عز؟.

وأحوجُ الناس إلى هذا الوعي التاريخي من المسلمين: أصحاب القرار أو التأثير في المجتمع؛ لأنهم إذا كانوا وعاة معتبرين، وفيهم حرص على الخير للمسلمين؛ فإنهم سيرسمون لأهل الإسلام طريق الحاضر والمستقبل على معالم مستوحاة من الإرث الديني والتاريخي الحق.


وإن من الأشياء التي تدعو للعجب: أن التاريخ الإسلامي غني بالعِبَر التي لو أحسن أولو الأمر من المسلمين استيعابها واستثمارها في واقع المسلمين لعاد للمسلمين عزهم، وارتقت حضارتهم المعاصرة إلى صفوف متقدمة.

أيها الفضلاء، إن أعداء المسلمين اليوم قد أصبحوا أكثر خبثًا منهم بالأمس؛ فقد صاروا يكيدون للإسلام والمسلمين كيداً ليس له مثيل، وينتهجون لهذه الغاية الماكرة طرقًا عديدة، ومن ذلك: الاعتبار بالتاريخ؛ فاليهود اليوم يؤججون نيران حقدهم بوقود من عِبَر التاريخ: فبنو قينقاع، وبنو النضير، وبنو قريظة، وما جرى لهم من عدل السماء على الأرض ما زالت روح الانتقام لهم، والثارات لدمائهم الغادرة، وجلائهم العادل؛ حاضرة في العقلية اليهودية اليوم. وخيبر وحطين ونحوهما من الملاحم لم تغب عن الذهن اليهودي كذلك.


وطريق تعاملهم مع الآخرين-خصوصًا مع المسلمين- لم تزل مُشعلَة بالاعتبار بأزمنتهم الماضية، وما جرى منهم ولهم فيها، وعلى سبيل المثال: فثقافة الاحتقار، ونقض العهود قانون يسيرون عليه في كل زمان ومكان، فكيف يُرجى معهم سلام مع أهل الإسلام؟!

قال تعالى: ﴿ أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [البقرة:100].


والغرب النصراني اليوم أيضًا ما فتئت الحملات الصليبية ترفرف في خياله، وتحتل مكانًا واسعاً في باله، وجدول أعماله؛ إذ ما يزال ينتقل من حملة إلى حملة إلى بلاد المسلمين بطريق مباشر أو غير مباشر، ولكنه غيّر أسلوب حملاته إلى طريق خبيث مخبَث ألا وهو أسلوب خوض الحرب بأقل الخسائر، أو بالتكلفة الصفرية تحت مِظلة الفوضى الخلاّقة.

بحيث يجعل بلاد المسلمين بؤرة صراعات مستديمة بأيدي أهلها، ومهمته في هذه المعارك المصنوعة أحيانًا: التأجيج، ورسم الخطط لعملائه، وبيع السلاح لطرفي الصراع، والإشراف المستمر على المعركة، وتحديده النهاية التي يريدها.


فمتى ستحصل اليقظة التاريخية-معشر المسلمين-، وينقشع ضباب الغباء التاريخي؛ لنعرف أن العدو النصراني اليوم هو خليفة عدو الأمس النصراني، وأن زعماء الحملات المعاصرة هم خلفاء لويس التاسع وغيره من قادات الحملات الصليبية الخالية.

أيها المسلمون، إن من موارد العبرة أيضًا: الواقعَ الذي يعيش فيه الإنسان، ففيه عبرة لمن أراد الاعتبار.

وذلك آت من النظر والتأمل في ماضي الإنسان، وسنوات عمره السالفة؛ فإنه كلما امتد به الزمان، وتعاقبت عليه أحداث الأيام، فإن كان عاقلاً فسيأخذ من زمانه الفائت دروسًا حياتية لزمانه الآتي: لحاضره ومستقبله، فيستدرك ما فات، ويصلح ما أفسد، فيصير بذلك حكيمًا يضع الأمور في مواضعها، فلا يقدم على أمر جلل إلا ولديه بصيرة تنير له الطريق، ولا حكيم إلا ذو تجربة، كما قيل.


وكما يأتيه الاعتبار من واقعه هو، يأتيه كذلك من واقع الآخرين وما جرت لهم من أحداث ومواقف. وذلك أن الحياة تجري بالناس من غير تريث، حيث يشاهد الإنسان أولئك الناس، أو يسمعهم، أو يقرأ أخبارهم، فإن كانت تجاربهم، وأحوالهم آلت إلى غاية حميدة في أمر ديني أو دنيوي-والطريق إلى ذلك مشروعة- اقتدى بهم، وسلك سبيلهم؛ لينال ما نالوا أو يقارب.

وهذا الائتساء سيخفف عنه الجهد والوقت، والتفكير الطويل، والبحث عن أسباب النجاح، فجاءت إليه تلك التجربة الناجحة مجانًا بعد أن ذاق أهلها مشقات متنوعة حتى وصلوا إليها.

وإن كانت تجاربهم صارت إلى نهايات سيئة، وعواقب غير محمودة اجتنب ذلك الطريق الذي سلكوه، والنهج الذي انتهجوه حتى وصلوا إلى تلك الغاية المخفقة، فعرف عند ذلك أن تلك الطرق غير صالحة للاقتداء، وغير آمنة العواقب لمن سلكها.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فيا أيها المسلمون، وبعد هذا: فإن المطلوب منا أن نكون من أهل الاعتبار، وأن نظل من أهل الادكار، نعتبر بما ذكره القرآن، والسير والتاريخ، والواقع من الأحداث البشرية فنقتدي بما يصح فيه الاقتداء، ونحذر التجارب السيئة التي تؤدي إلى الشقاء، فلا نجرِّب المجرب السيء؛ إذ تجربة المجرَّب السيء حمق.

فالمؤمن كيِّس فطِن، ليس بالخِبِّ ولا الخب يخدعه، يعتبر بغيره، ولا يكون عبرة ذميمة لمن تلاه.

كما أنه لا يُلدغ من مكان واحد مرة بعد مرة؛ لأن اللدغة الأولى تكفي لاستيقاظ من كان ذا عقل وبصيرة، وأما فاقد الوعي فإنه يظل يستقبل اللدغات لدغة إثر لدغة من غير اتعاظ. يقول النبي صلى الله عليه و سلم: ( لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين)[6].


قال الخطابي: " هذا لفظه خبر، ومعناه أمر، أي: ليكن المؤمن حازمًا حذراً، لا يؤتى من ناحية الغفلة فيخدع مرة بعد أخرى، وقد يكون ذلك في أمر الدين، كما يكون في أمر الدنيا وهو أولاهما بالحذر"[7].

وقال أبو عبيد: "معناه: ولا ينبغي للمؤمن إذا نكب من وجه أن يعود إليه"[8].


وقد قيل في سبب هذا الحديث: إن: " أبا عَزَّة الجمحي - وهو الذي كان قد منّ عليه (رسول الله) من أساري بدر ؛ لفقره، وكثرة بناته، على ألا يظاهر عليه أحداً، ولكنه نكث وغدر، فحرض الناس بشعره على النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين..، وخرج لمقاتلتهم في أحد -؛ فلما أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يا محمد، أقلني، وامنُن علي، ودعني لبناتي، وأعطيك عهداً ألا أعود لمثل ما فعلت، فقال صلى الله عليه وسلم : ( لا تمسح عارضيك بمكة بعدها وتقول : خدعت محمداً مرتين! لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين) ، ثم أمر الزبير، أو عاصم بن ثابت فضرب عنقه"[9].


قال الْفِنْدُ الزِّمَّاني في حرب البَسُوس:

صَفحْنا عَنْ بَنِي ذُهْلٍ
وَقُلْنا الْقَوْمُ إخْوَانُ
عَسَى الأَيَّامُ أنْ يَرْجعْ
نَ قَوْمًا كَالَّذِي كَانُوا
فلَمَّا صَرَّحَ الشَّر
فَأَمْسَى وَهْوَ عُرْيانُ
وَلَمْ يَبَقَ سِوَى العُدْوَا
نِ دِنَاهُمْ كَمَا دَانُوا
مَشَيْنا مِشْيَةَ اللَّيْثِ
غَدَا واللَّيْثُ غَضْبَانُ
بِضَرْبٍ فِيهِ تَوْهِينٌ
وَتَخْضِيعُ وإقْرَانُ
وَبَعْضُ الْحِلْمِ عِنْدَ الْجَهْ
لِ لِلذِّلَّةِ إذْعَانُ
وَفِي الشَّرِّ نَجَاةٌ حِي
نَ لاَ يُنْجِيكَ إِحْسَانُ[10]

 

أيها الأحبة الفضلاء، إن الاعتبار بالأحداث أمر يحتاجه كل إنسان؛ نظراً لتكرر مثيلات الأحداث السابقة في الأزمنة اللاحقة، أو ما يقارب تلك الأحداث.


فنحن المسلمين-على اختلاف تخصصاتنا- نحتاج إلى ذلك، فالحاكم والعالم، والعسكري والتربوي، والاقتصادي والاجتماعي، وغيرهم؛ لابد أن يكون عند هؤلاء قراءة تاريخية واعية في تاريخ البشرية، والتجارب الإنسانية للاستفادة منها في التوجيه والعمل فيما يصلح أحوال المسلمين.


كما نحتاج إلى ذلك في علاج ظاهرة الاختلاف المتأجج بين المسلمين، فمن اعتبر سيجد أن الاختلاف شر؛ لما له الآثار السيئة، وأن الاجتماع خير؛ لما له من الآثار الحسنة.


قال الطغرائي:

كونوا جميعًا يا بَنيَّ إذا اعترى
خَطبٌ ولا تتفرقوا آحادا
تأبى العِصي إذا اجتمعن تكسراً
وإذا افترقن تكسرت أفرادا

 

كما نحتاج إلى ذلك أيضًا في علاج ظاهرة الظلم-العام أو الخاص-، فمن الظلم: منع حقوق الناس، أو الاستيلاء عليها بغير حق، وقلة الإنصاف أو عدمه في الحكم على الآخرين-أفراداً وتجمعات-، فمن اعتبر: سيكف عن ظلمه؛ لأن الظلم يعجل العقوبة.


يذكر أن يحيى بن خالد البرمكي-أحد وزراء بني العباس-وقال له بعض بنيه وهم في السجن والقيود: يا أبت، بعد الأمر والنهي والنعمة صرنا إلى هذا الحال؟! فقال: يا بني، دعوة مظلوم سرت بليل ونحن عنها غافلون، ولم يغفل الله عنها"[11].


كما نحتاج إلى ذلك كذلك: في معرفة واقع العدو الحقيقي، ومكره وخططه، وحقده وعمله على حرب الإسلام وأهله، فمن اعتبر: سيجد أنه مهما استرضى ذلك العدو فلن ينال رضاه، بل سيكون واحداً من ضحاياه، وإن تأخر دوره، قال تعالى: ﴿ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴾ [البقرة:120]، وأن العز في الدين والدنيا هو في معاملة أولئك الأعداء حسب منهج الله تعالى.


كما نحتاج إلى ذلك أيضًا: في عودة العاصي منا إلى ربه فيما بينه وبينه، فمن اعتبر سيبادر إلى التوبة والإنابة، ففيما يرى الإنسان أو يسمع من النهايات الأليمة للعصاة ما يؤزه إلى تغيير مسيره أزّا.


عباد الله، إن السادرين في غيهم، الذين لم يعتبروا بالعِبر، ولم يتعظوا بالغِير، سيؤدبهم الزمان القريب أو البعيد لا محالة، فالمنافقون لم تؤدبهم المصائب والفضائح في الدنيا، كما قال تعالى: ﴿ أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴾ [التوبة:126]. والكفار الصرحاء لم يدّكروا بما جرى لأسلافهم، ولكن يوم القيامة يحضرهم الاعتبار في غير مكانه وزمانه، كما قال تعالى: ﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [الملك:10-11].


ونحن المسلمين اليوم نتلقى نكبة إثر نكبة، فمتى نعتبر؟!، فطوبى لأهل الاعتبار الذين ظفروا بالربح والسلامة، وسلموا من الخسران والندامة، ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ [ق:37].

هذا وصلوا وسلموا على سيد البشرية...



[1] ألقيت في مسجد ابن الأمير الصنعاني في 27 /1 /1438هـ، 28 /10 /2016م.

[2] مختصر سيرة الرسول(ص: 314).

[3] صحيح مسلم (4/ 2037).

[4] رواه البخاري.

[5] مقدمة ابن خلدون (1/ 18).

[6] متفق عليه.

[7] فتح الباري (10/ 530).

[8] المصدر السابق.

[9] الرحيق المختوم (ص: 261).

[10] ديوان الحماسة (1/ 7).

[11] البداية والنهاية (10/ 205).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفريج الكروب (خطبة)
  • رسائل عجلى مع بدء العام الدراسي (خطبة)
  • يعودون إلى مدارسهم عودا حميدا (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • أهم المدارس اللسانية الغربية الحديثة(مقالة - حضارة الكلمة)
  • المدرسة الإسلامية بمانشستر تصنف ضمن أفضل مدارس المدينة(مقالة - المسلمون في العالم)
  • مرور 20 عاما على مدرسة كارديف الإسلامية بويلز(مقالة - المسلمون في العالم)
  • مدرسة جامع السلطان امتداد لمدرسة الإمام أبي حنيفة (دورها وتعيين موقعها)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • المدرسة البنيوية التقليدية (مدرسة جنيف) ومؤسسها دوسوسير(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الدور الحضاري للشعر العربي المعاصر - مدرسة الأصالة ومدرسة الحداثة (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • بلجيكا: السماح بالحجاب للمدرسات في المدارس(مقالة - المسلمون في العالم)
  • الهند: اختيار مدرسة إسلامية واحدة فقط ضمن المدارس النموذجية(مقالة - المسلمون في العالم)
  • نيوزيلاند: تحويل مدرسة كاثوليكية إلى مدرسة إسلامية ثانوية(مقالة - المسلمون في العالم)
  • فرنسا: مدرسة ابن رشد الثانوية الإسلامية من أفضل مدارس فرنسا(مقالة - المسلمون في العالم)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب