• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أربع هي نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    وحدة المسلمين (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إذ قال الله يا عيسى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    نعمة الماء (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    تدبر خواتيم سورة البقرة
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    تحريم الإهلال لغير الله تبارك وتعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    مشاهد عجيبة حصلت لي!
    أ. د. عبدالله بن ضيف الله الرحيلي
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (2)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    الدرس السابع عشر: آثار الذنوب على الفرد والمجتمع
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه

السيد مراد سلامة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 24/4/2016 ميلادي - 16/7/1437 هجري

الزيارات: 67135

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

﴿ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ﴾ [لقمان: 12]

 

عناصر الخطبة:

العنصر الأول: تعريف الشكر.

العنصر الثاني: فضل الشكر وأركانه.

العنصر الثالث: الشكر من صفات الله تعالى.

العنصر الرابع: الشكر من صفات الأنبياء والصالحين.

العنصر الخامس: ثمرات الشكر في الدنيا والآخرة.

العنصر السادس: مجالات الشكر.

 

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي نور بجميل هدايته قلوب أهل السعادة، وطهر بكريم ولايته أفئدة الصادقين فأسكن فيها وداده، ودعاها إلى ما سبق لها من عنايته فأقبلت منقادة، الحميد المجيد الموصوف بالحياة والعلم والقدرة والإرادة، نحمده على ما أولى من فضل وأفاده، ونشكره معترفين بان الشكر منه نعمة مستفاده.

 

وأشهد إن لا اله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد وهو علي كل شيء قدير شهادة أعدها من أكبر نعمه وعطائه، وأعدها وسيلة إلي يوم لقاءه:

تعطف بفضل منك يا مالك الورى
فأنت ملاذي سيدي ومعيني
لئن أبعدتني عن حماك خطيئتي
فأنت رجائي شافعي ويقيني
ولست أرى لي حجة أبتغي بها
رضاك إن العفو منك يقيني

 

وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه.

الذي أقام به منابر الإيمان ورفع عماده، وأزال به سنان البهتان ودفع عناده.

وشفع فيّ خير الخلائق طرا
نبيا لم يزل أبدا حبيبا
هو الهادي المشفع في البرايا
وكان له رحيما مستجيبا
عليه من المهيمن كل وقت
صلاة تملأ الأكوان طيبا

 

وعلى اله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته واقتدى بهديه واتبعهم بإحسان إلي يوم الدين ونحن معهم يا أرحم الراحمين.

 

ثم أما بعد:

العنصر الأول تعريف الشكر:

قال الكفويّ: الشّكر كلّ ما هو جزاء للنّعمة عرفا، وقال أيضا: أصل الشّكر: تصوّر النّعمة وإظهارها، والشّكر من العبد: عرفان الإحسان، ومن اللّه المجازاة والثّناء الجميل[1].

 

وقال المناويّ: الشّكر: شكران: الأوّل شكر باللّسان وهو الثّناء على المنعم، والآخر: شكر بجميع الجوارح، وهو مكافأة النّعمة بقدر الاستحقاق، والشّكور الباذل وسعه في أداء الشّكر بقلبه ولسانه وجوارحه اعتقادا واعترافا[2].

 

وقال ابن القيّم: الشّكر ظهور أثر نعمة اللّه على لسان عبده: ثناء واعترافا، وعلى قلبه شهودا ومحبّة، وعلى جوارحه انقيادا وطاعة[3]..

 

حكم الشكر:

شكر الله تعالى: حكمه واجب شرعًا من حيث الجملة، فلا يجوز تركه بالكلية؛ إذ إن الإكثار منه مستحب؛ وذلك في مواضع، منها: أن تحمد الله عز وجل على الطعام والشراب واللباس والصحة.

 

الشكر يقابل الكفر:

أحباب رسول الله - صلى الله عليه و سلم و الذي يقرا القران ليرى تلك القاعدة: أن الشكر يقابله الكفر.

إن الله تعالى جعل للإنسان طريقين: الشكر والكفر، يقول تعالى: ﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ﴾ [الإنسان: 3]. وهكذا ندرك أن الشكر فريضة على المسلم، وليس مجرد عادة تهدف لجلب الثرة أو النجاح أو الشهرة!

 

ولذلك قال تعالى: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7]. تأملوا معي المنزلة التي يحتلها الشكر في الإسلام، إذا لم تشكر الله فإن عذاب الله شديد! ولكن عندما تشكر الله تعالى فإن الله سيرزقك ويزيدك مالاً ونجاحاً وقوة: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ)، أليس هذا ما يؤكده الخبراء من غير المسلمين؟

 

العنصر الثاني: فضل الشكر و أركانه

إخوة الإيمان بعدما تبين لنا حقيقة الشكر و بيان حكمه لابد أن نعرف أركانه و فضله فالشكر له أركان يقوم عليها و لا يتم شكر العبد إلا اذا حققها.

 

وللشكرِ أركانٌ ثلاثة:

الركن الأول: الاعترافُ بالنعم باطنًا مع محبَّة المُنعِم.

أن تعترف أخي المسلم أن ما أنت فيه من نعم فمن عطاء الله و من كرمه قال تعالى ﴿ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ﴾ [النحل: 53].

 

الركن الثاني: والتحدُّثُ بها ظاهرًا مع الثناء على الله.

وهذا الركن قل من يقوم به في زمان كثر في الشاكي و تكاثرت فيه الهموم فما ان نسال أحدا عن حاله إلا شكى لك الفقر و الفاقة و قلة المال و هو يرف في نعم الله الظاهرة و الباطنة.

 

يقول تبارك وتعالى: ﴿ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ﴾ [الضحى: 11]، قال أهل التفسير معناها: انشر ما أنعم به الله عليك بالشكر والثناء، فالتحدث بنعم الله تعالى والاعتراف بها شكر، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، والحكم عام له ولغيره.

 

قال ابن العربي: إذا أصبت خيراً أو علمت خيراً فحدث به الثقة من إخوانك على سبيل الشكر لا الفخر والتعالي، وفي المسند مرفوعاً: من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله والتحدث بالنعمة شكر وتركها كفر... فهذا هو الأصل أن يتحدث المسلم بنعم الله تعالى عليه إلا إذا كان يخشى حسداً أو أن يترتب على الحديث عنها ضرر، فله أن يخفيها دفعاً للضرر.

 

عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «التحدث بنعمة الله شكر، وتركها كفر، ومن لا يشكر القليل لا يشكر الكثير، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله، والجماعة بركة، والفرقة عذاب»[4].

 

قصة: عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: «إن ثلاثة من بني إسرائيل: أبرص، وأقرع، وأعمى، فأراد الله أن يبتليهم، فبعث إليهم ملكا، فأتى الأبرص فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: لون حسن، وجلد حسن، ويذهب عني الذي قد قذرني الناس، قال: فمسحه، فذهب عنه قذره، وأعطي لونا حسنا وجلدا حسنا. قال: فأي المال أحب إليك؟

 

قال: الإبل - أو البقر - شك إسحاق، إلا أن الأبرص أو الأقرع قال أحدهما: الإبل، وقال الآخر: البقر، قال: فأعطي ناقة عشراء، وقال: بارك الله لك فيها. قال: فأتى الأقرع فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: شعر حسن، ويذهب عني الذي قذرني الناس قال: فمسحه فذهب عنه، وأعطي شعرا حسنا. فقال: أي المال أحب إليك؟ قال: البقر، أو الإبل، فأعطي بقرة حاملا، قال: بارك الله لك فيها. قال: فأتى الأعمى فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: أن يرد الله إلي بصري؛ فأبصر به الناس، قال: فمسحه فرد الله إليه بصره، قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الغنم، فأعطي شاة والدا؛ فأنتج هذان وَوَلَّدَ هذا.

 

قال: فكان لهذا واد من الإبل، ولهذا واد من البقر، ولهذا واد من الغنم. قال: ثم إنه أتى الأبرص في صورته وهيئته فقال: رجل مسكين وابن سبيل، قد انقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن، والجلد الحسن، والمال، بعيرا أتبلغ به في سفري، فقال: الحقوق كثيرة. فقال له: كأني أعرفك، ألم تكن أبرص يقذرك الناس فقيرا، فأعطاك الله عز وجل المال؟

 

فقال: إنما ورثت هذا المال كابرا عن كابر، فقال: إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت. قال: أتى الأقرع في صورته، فقال له مثل ما قال لهذا، ورد عليه مثل ما رد على هذا، فقال: إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت. وأتى الأعمى في صورته وهيئته فقال: رجل مسكين وابن سبيل، قد انقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك. أسألك بالذي رد عليك بصرك شاة أتبلغ بها في سفري. فقال: قد كنت أعمى فرد الله إلي بصري، فخذ ما شئت ودع ما شئت، فو الله لا أجهدك اليوم بشيء أخذته لله. فقال: أمسك مالك، فإنما ابتليتم فقد رضي الله عنك، وسخط على صاحبيك »[5] صحيح البخاري.

 

الركن الثالث: صرفُها في طاعة الله ومرضاته واجتناب معاصِيه:

أن يسخر تلك النعم في طاعة المنعم جل جلاله لا أن يتخذها وسيلة للصد عن سبيله و محاربة اوليائه.

 

ورؤوسُ النعم ثلاثة:

أولُها وأولاها: نعمة الإسلام التي لا تتمُّ نعمةٌ على الحقيقة إلا بها.

ونعمةُ العافية التي لا تستقيمُ الحياةُ إلا بها.

ونعمةُ الرِّضا التي لا يَطيبُ العيشُ إلا بها.

 

يقول أبو الدرداء: "من لم يعرِف نعمَ الله - عز وجل - عليه إلا في مطعمه ومشربِه فقد قلَّ علمُه". لأن نعم الله دائمة، وآلاءَه مُتتابِعة، ﴿ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾ [إبراهيم: 34]، وقال - عزَّ شأنه -: ﴿ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾ [لقمان: 20].

 

العنصر الثالث: الشكر من صفات الله تعالى:

عباد الله: اعلموا زادكم الله علما - أن الشكر من صفات الله تعالى و من أسمائه الشكور.

يقول تعالى: ﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا ﴾ [النساء: 147]. فشكر الله عز وجل يكون من خلال كرمه وفضله ورزقه لنا، وشكرنا لله تعالى يكون من خلال التزامنا بتعاليمه وطاعة أوامره والانتهاء عما نهى عنه. ولذلك فإن الله جعل الشكر صفة له فقال: (وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا). وكذلك جعل الشكر صفة لأنبيائه عليهم السلام فقال في حق سيدنا إبراهيم: ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [النحل: 120، 121].

 

وقال تعالى عن نفسه: ﴿ لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ﴾ [فاطر: 30]. وحتى يوم القيامة فإن المؤمن يحمد الله تعالى وهو في الجنة، ويشكر الله الغفور الشكور على هذه النعم، يقول تعالى: ﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ﴾ [فاطر: 34].

 

الشكور من أسماء الله الحسنى وهذا الاسم يحمل إشارة مهمة وهي: أيها الإنسان! أنت لست أفضل من الخالق تبارك وتعالى، فإذا كان الله تعالى هو "الشكور" فماذا عنك أيها الإنسان؟ وسبحان الله، كلما ازداد المؤمن إيماناً ازداد شكراً للناس.

 

العنصر الرابع: الشكر من صفات الأنبياء والصالحين:

والشكر من اهم صفات الأنبياء و المرسلين لذا وصف الله تعالى به أنبيائه و أوليائه وأولُ أنبياء الله نوحٌ - عليه السلام -، وصفَه ربُّه بقوله: ﴿ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا ﴾ [الإسراء: 3]، عن أبي عثمان، عن سلمان، قال: كان نوح إذا لبس ثوبا أو أكل طعاما حمد الله، فسمِّي عبدا شكورا.

 

عن سعيد بن مسعود قال: ما لبس نوح جديدا قطّ، ولا أكل طعاما قطّ إلا حمد الله فلذلك قال الله ﴿ عَبْدًا شَكُورًا ﴾ [الإسراء: 3].

والخليلُ إبراهيم صاحب الملَّة الحنيفية قال فيه ربُّه: ﴿ شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [النحل: 121].

﴿ شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ ﴾ [النحل: 121] يقول: كان يخلص الشكر لله فيما أنعم عليه، ولا يجعل معه في شكره في نعمه عليه شريكا من الآلهة والأنداد وغير ذلك، كما يفعل مشركو قريش[6].

 

ويقول سليمان - عليه السلام - وهو ينظرُ فيما خصَّه به ربُّه من نعمه وسخَّر له من مخلوقاتِه: ﴿ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ﴾ [النمل: 19]، ويقول: ﴿ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ﴾ [النمل: 40].

 

أما نبيُّنا محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - وهو الذي قد غفرَ الله له ما تقدَّم من ذنبِه وما تأخَّر.

فتاملوا حاله مع ربه عز وجل - عن عائشة أن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه فقالت عائشة لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال أفلا أحب أن أكون عبداً شكوراً"[7] البخاري و مسلم.

 

العنصر الخامس: ثمرات الشكر في الدنيا والآخرة:

يقول ابن القيم رحمه الله- ومنزلة الشكر هي من أعلى المنازل وهي فوق منزلة الرضى وزيادة فالرضى مندرج في الشكر إذ يستحيل وجود الشكر بدونه.

 

وهو نصف الإيمان كما تقدم والإيمان نصفان: نصف شكر ونصف صبر وقد أمر الله به ونهى عن ضده وأثنى على أهله ووصف به خواص خلقه وجعله غاية خلقه وأمره ووعد أهله بأحسن جزائه وجعله سببا للمزيد من فضله وحارسا وحافظا لنعمته وأخبر أن أهله هم المنتفعون بآياته واشتق لهم اسما من أسمائه فإنه سبحانه هو الشكور وهو يوصل الشاكر إلى مشكوره بل يعيد الشاكر مشكورا وهو غاية الرب من عبده وأهله هم القليل من عباده قال الله تعالى: ﴿ وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ [النحل: 114] [8].

 

وللشكر ثمرات في الدنيا و الآخرة يجدها المرء في حياته اليومية و كذا يجدها في حياته الاخروية و هاك بيانها:

1- حفظ النعم من الزوال:

إن الشكر قيد للنعم، يبقيها ويحفظها من الزوال، وهذا من أعظم آثار الشكر وثماره، فإن الإنسان يحب بقاء النعم التي هو فيها ويكره زوالها.

 

وقد دلت النصوص على أن الشكر سبب لبقاء النعم، وكفرها سبب في زواله، فقال تعالى: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ [إبراهيم:7].

 

♦ ومن مأثور علي - رضي الله عنه - (احذروا نِفَار النعم، فما كل شارد مردود)[9].

♦ ومن مأثور كلام الحكماء: من لم يشكر النعم فقد تعرض لزوالها، ومن شكرها فقد قيدها بعقالها.

♦ الشكر قيد النعم الموجودة، وصيد النعم المفقودة.

♦ من جعل الحمد خاتمة للنعمة، جعله الله فاتحة للمزيد[10].

 

2-زيادة النعمة:

وهذا أثر عظيم - أيضاً - من آثار الشكر في الدنيا قبل الآخرة، ولا أحبَّ للإنسان من بقاء نعمة هو فيها، وما أطعمه في زيادة ينتظرها ويرجوها، وقد دل على ذلك قوله تعالى: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ [إبراهيم:7].

 

قال ابن كثير- رحمه الله -: (أي آذنكم وأعلمكم بوعده لكم، ويحتمل أن يكون المعنى: وإذْ أقسم ربكم وآلى بعزته وجلاله وكبريائه، كما قال تعالى: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ﴾ [الأعراف: 167][11].

 

إن الله تعالى أعلم عباده ووعدهم أنهم إن شكروا نعمته زادهم، وهذا يتضمن بقاء النعم الموجودة، ووعدُ الله صِدْقٌ، وخزائنه ملأ، لكن هذا مرتب على أمر واحد وهو الشكر، الشكر بأركانه الثلاثة: شكر القلب واللسان والجوارح، ولو أن الشكر سبب في بقاء النعم الحاضرة - وما أكثرها وما أعظمها- لكان هذا موجباً للشكر، وداعياً للعبد إليه، فكيف والشكر كفيلٌ -أيضًا-بالنعم المستقبلة.

 

فالشكر معه المزيد أبداً بنص القرآن، ومتى لم تَرَ حالك في مزيد فاستقبل الشكر، فهو سبب للمزيد من فضل الله، وهو حارس وحافظ لنعم الله. ومن مأثور علي- رضي الله عنه-: (إن النعمة موصولة بالشكر، والشكر معلق بالمزيد، وهما مقرونان جميعاً، فلن ينقطع المزيد من الله حتى ينقطع الشكر من العبد) [12].

 

3-الجزاء على الشكر:

ومن آثر الشكر الجزاء الذي قال الله تعالى عنه: ﴿ وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾ [آل عمران:144].

وقال عز من قائل: ﴿ وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ ﴾  [آل عمران:145].

قال ابن كثير - رحمه الله- (أي: سنعطيهم من فضلنا ورحمتنا في الدنيا والآخرة بحسب شكرهم وعملهم)[13].

 

والظاهر -والله أعلم- أن هذا الجزاء يكون معجلاً في الدنيا، ومؤجلاً في الآخرة، مما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ويُجري عليهم أرزاقهم في الدنيا ويزيدهم من فضله، وذلك لأنه سبحانه وتعالى لم يذكر جزاءهم إلا ليدل ذلك على كثرته وعظمته، وليعلم أن الجزاء على قدر الشكر قلةً وكثرةً وحُسْناً)[14].

 

وقد وقف الله سبحانه كثيراً من الجزاء على المشيئة كقوله تعالى: ﴿ فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء ﴾ [التوبة:28].

وقال في المغفرة: ﴿ وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ ﴾ [المائدة:40].

وقال في التوبة: ﴿ وَيَتُوبُ اللّهُ عَلَى مَن يَشَاء ﴾ [التوبة:15].

وأطلق جزاء الشاكرين فلم يقيده بشيء، كقوله تعالى: ﴿ وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ ﴾ [آل عمران: 145][15].

 

4-رضا الله عن الشاكر:

ومن آثار الشكر رضا الله تعالى عن عبده، ومغفرته له، وهو رضا حقيقي يليق بالله تعالى، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها أو يشرب الشربة فيحمده عليها)). أحمد و مسلم[16].

 

عن معاذِ بن أنسٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((مَنْ أكَلَ طَعَامَاً، فَقال: الحَمْدُ للهِ الَّذِي أطْعَمَنِي هَذَا، وَرَزَقنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلاَ قُوَّةٍ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ))[17] رواه أَبُو داود والترمذي.

 

والرضا أعظم وأجل من كل نعيم، قال تعالى: ﴿ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ﴾ [التوبة:72].

 

فمن أراد أن يكون ممن رضي الله عنهم فليحمد الله تعالى ويشكره شكراً يظهر على جوارحه وتصرفاته، ليحظى بالمزيد من فضل الله وعطائه ومغفرته ورضاه، وهذه سعادة الدنيا والآخرة.

 

أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم الكريم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما.

أما بعد:

العنصر السادس: مجالات الشكر:

إخوة العقيدة: وللشكر مجالات متعددة ينبغي على المسلم والمسلمة أن يقوم بها وألا يفرط فيها.

 

المجال الأول شكر الله تعالى:

الشكر نصف الإيمان، ففي الحديث: (الإيمان نصفان؛ نصف شكر ونصف صبر) فمن زاد شكره زاد إيمانه، ومن نقص شكره نقص إيمانه).

الشكر طريق العبودية لله جل وعلا، يقول سبحانه: ﴿ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ [البقرة: 172].

الشكر طريق لنيل محبة الله ورضوانه، يقول تعالى: ﴿ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ﴾ [الزمر: 7].

 

وللشكر مستويات عديدة من أهمها بطبيعة الحال:

أولا: الشكر اللساني:

إن يشكر الفرد الله جل جلاله باللسان ومن مراتب هذا المستوى التحدث بنعمة الله تعالى بلسان الشكر كما قال تعالى: ﴿ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ﴾ [الضحى/ 11].

 

المستوى الثاني: الشكر الفعلي:

وهو الشكر الظاهر على أفعال الفرد الشاكر قال تعالى: ﴿ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [سبأ: 13].

ومثلا يرزقه الله علمًا فيعلمه للناس وينشره بينهم.

عن محمد بن كعب قوله (اعْمَلُوا آلَ دَاودَ شُكْرًا) قال: الشكر تقوى الله والعمل بطاعته.

قال ابن زيد في قوله: (اعْمَلُوا آلَ دَاودَ شُكْرًا) قال: أعطاكم وعلمكم وسخر لكم ما لم يسخر لغيركم، وعلمكم منطق الطير، اشكروا له يا آل داود قال: الحمد طرف من الشكر.

 

وقوله ﴿ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [سبأ: 13] يقول تعالى ذكره: وقليل من عبادي المخلصو توحيدي والمفردو طاعتي وشكري على نعمتي عليهم[18].

 

المستوى الثالث: الشكر القلبي:

أن تعتقد أن هذه النعمة التي حصلت لك إنما هي من فضل الله عليك، كما قال تعالى: ﴿ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ﴾ [النحل: 53].

 

ومعنى تأذن: يعني أعلم عباده بذلك وأخبرهم أنهم إن شكروا زادهم وإن كفروا فعذابه شديد، ومن عذابه أن يسلبهم النعمة، ويعاجلهم بالعقوبة فيجعل بعد الصحة المرض وبعد الخصب الجدب وبعد الأمن الخوف وبعد الإسلام الكفر بالله عز وجل وبعد الطاعة المعصية.

 

الواقع التطبيقي لهذا المجال:

عن الأوزاعي قال: حدثني بعض الحكماء قال: خرجت وأنا أريد الرباط، حتى إذا كنت بعريش مصر، أو دون عريش مصر، إذا أنا بمظلة وإذا فيها رجل قد ذهبت يداه ورجلاه وبصره، وإذا هو يقول: اللهم إني أحمدك حمدا يوافي محامد خلقك، كفضلك على سائر خلقك، إذ فضلتني على كثير ممن خلقت تفضيلا، فقلت: والله لأسألنه أعلمه أم ألهمه إلهاما؟ قال: فدنوت منه، فسلمت عليه، فرد علي السلام، فقلت: إني سائلك عن شيء أتخبرني به؟ قال: إن كان عندي منه علم أخبرتك به، فقلت: على أي نعمة من نعمه تحمده عليها؟

أم على أي فضيلة من فضائله تشكره عليها؟

قال: أليس ترى ما قد صنع بي؟

 

قال: قلت: بلى قال: فوالله لو أن الله سبحانه صب علي السماء نارا فأحرقتني، وأمر الجبال فدمرتني، وأمر البحار فغرقتني، وأمر الأرض فخسفت بي، ما ازددت له إلا حبا، ولا ازددت له إلا شكرا. وإن لي إليك حاجة، بني لي كان يتعاهدني لوقت صلاتي، ويطعمني عند إفطاري، وقد فقدته منذ أمس، انظر هل تحسه لي؟

 

فقلت: إن في قضاء حاجة هذا العبد لقربة إلى الله. قال: فخرجت في طلبه، حتى إذا كنت بين كثبان من رمال، إذا أنا بسبع قد افترس الغلام يأكله قال: قلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، كيف آتي هذا العبد الصالح من وجه رفيق فأخبره الخبر لا يموت؟

قال: فأتيته، فسلمت عليه، فرد علي السلام، فقلت: إني سائلك عن شيء أتخبرني به؟

 

قال: إن كان عندي منه علم أخبرتك به قال: قلت: أنت أكرم على الله منزلة أم أيوب عليه السلام؟ قال: بل أيوب صلى الله عليه وسلم كان أكرم على الله مني، وأعظم منزلة عند الله مني. قال: قلت: أليس ابتلاه الله فصبر، حتى استوحش منه من كان يأنس به وصار غرضا لمرار الطريق؟ قال: بلى. قلت: فإن ابنك الذي أخبرتني من قصته ما أخبرتني، خرجت في طلبه، حتى إذا كنت بين كثبان من رمال، إذا أنا بسبع قد افترس الغلام يأكله.

 

فقال: الحمد لله الذي لم يجعل في قلبي حسرة من الدنيا ثم شهق شهقة فمات رحمه الله.

قال: قلت: إنا لله وإنا إليه راجعون من يعينني على غسله وكفنه ودفنه؟

قال: فبينما أنا كذلك، إذا أنا بركب قد بعثوا رواحلهم يرويدون الرباط. قال: فأشرت إليهم، فأقبلوا إلي. فقالوا: ما أنت وهذا؟

 

فأخبرتهم بالذي كان من أمره قال: فثنوا أرجلهم، فغسلناه بماء البحر، وكفناه، بأثواب كانت معهم، ووليت الصلاة عليه من بينهم، ودفناه في مظلته تلك ومضى القوم إلى رباطهم، وبت في مظلته تلك الليلة أنسا به فلما مضى من الليل مثل ما بقي منه، إذا أنا بصاحبي في روضة خضراء، عليه ثياب خضر، قائما يتلو الوحي، فقلت: ألست أنت صاحبي؟

 

قال: بلى. قلت: فما الذي صيرك إلى ما أرى؟ قال: وردت من الصابرين على درجة لم ينالوها إلا بالصبر عند البلاء، والشكر عند الرخاء.

 

قال الأوزاعي: قال لي الحكيم: يا أبا عمرو وما تنكر من هذا الولي؟ والاه، ثم ابتلاه فصبر، وأعطاه فشكر؟ والله لو أن ما حنت عليه أقطار الجبال، وضحكت عنه أصداف البحار، وأتى عليه الليل والنهار، أعطاه الله أدنى خلق من خلقه، ما نقص ذلك من ملكه شيئا قال الوليد: قال لي الأوزاعي: ما زلت أحب أهل البلاء منذ حدثني الحكيم بهذا الحديث[19].

 

المجال الثاني شكر الوالدين:

إن شكر الوالدين فريضة من أعظم فرائض الدين، وفرض لازم متعين على جميع المسلمين، وقد أجمع العلماء على أن بر الوالدين وشكرَهما من أعظم فرائض الدين، ومن أفضل عبادات المسلمين.

 

يقول تعالى: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴾ [لقمان: 14]. وتأملوا معي هذا الأمر الإلهي: ﴿ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ ﴾ [لقمان: 14]، لأن الإنسان عندما لا يقدر قيمة الأبوين ولا يشعر بحنانهما وما بذلاه في تربيته، فلا يمكن أن يشكر الناس ولا يشكر الله تعالى.

 

الواقع التطبيقي لهذا المجال:

قصة:

جاء رجل إلى عمر بن الخطاب: رضي الله عنه فقال له: إن لي أمَّا بلغ بها الكِبَرُ أنها لا تقضي حاجتَها إلا وظهري لها مطيَّة، وأُوضِّئُها وأصرف وجهي عنها، فهل أديت حقها؟، قال: لا.، قال: أوليس قد حملتها على ظهري، وحبست عليها نفسي؟، قال: إنها كانت تصنع بك ذلك وهي ترجو حياتك، وأنت تصنع بها ذلك وتتمنَّى فراقها[20].

 

عبرة:

يحكى أن أحد الصالحين توفي والده فأخذ على عاتقه سد ديون والده، فانهمرت عليه الناس فدفع للجميع كل ما ادعوه حتى افتقر وباع منزله، فسافر في البحار هو وزوجته وأولاده فتحطمت السفينة ونزل كل واحد منهم في مكان، ثم سمع الرجل البار هاتفا يقول: إن الله رزقك كنزا في موضع كذا وكذا برا بوالديك، فأصبح من الأغنياء وجمع حوله الناس في تلك الجزيرة يخدمهم فقصده الناس من كل مكان حتى كان من الذي قصدوه أولاده وزوجته فسبحان من جمعهم وفرقهم ثم جمعهم.

 

المجال الثالث شكر الزوجة لزوجها:

إن معظم المشاكل الزوجية التي تنتهي بالطلاق تكون ذات أسباب تافهة جداً، ويقول الباحثون إن حياتك الزوجية تكون سعيدة وهانئة بمجرد أن تمارس الشكر لزوجتك وتشعرها بامتنانك لها... وتؤكد دراسة جديدة للبروفسور Todd Kashdan في جامعة George Mason أن النساء اللواتي يشكرن أزواجهن يكنّ أكثر سعادة ويعشن عمراً أطول!

 

وتؤكد الدراسة أن النساء أكثر قدرة على التعبير من الرجال، وأكثر قدرة على منح مشاعر الامتنان. وتقول الدراسة التي نشرت في مجلة الشخصية Personality أن المرأة يمكن أن تعيش حياة هانئة ومطمئنة بمجرد أن تقدم الشكر لزوجها.

 

سبحان الله، رسولنا الكريم لم يترك هذا الأمر جانباً بل نبَّه عليه قبل 1400 سنة، فقد اعتبر النبي الكريم أن شكر المرأة لزوجها عبادة لله تعالى، وأن الله لا ينظر للمرأة التي تنكر الجميل، قال صلى الله عليه وسلم: (لا ينظر الله إلى امرأة لا تشكر لزوجها وهي لا تستغني عنه) [السلسلة الصحيحة للألباني].

 

تصوروا أن كلمات بسيطة تقولها لزوجتك كل يوم تشكرها وتشعرها بقيمة عملها وتقدر لها مجهودها في البيت وفي تربية الأولاد، هذه الكلمات قد تكون سبباً في درء الكثير من المشاكل وجلب الكثير من السعادة... إنها قوة الشكر![21].

 

الواقع التطبيقي لهذا المجال:

كانت ((البرمكية)) جاريه مثلها، تباع وتشتري، فاشتراها المعتمد ابن عباد ملك المغرب فأعتقها وجعلها ملكة، وحين رأت الجواري يلعبن في الطين حنت لماضيها، فاشتهت أن تلعب في الطين مثلهن فأمر أن يوضع لها طيب لا يحصى على شكل طين، فخاضت فيه ولعبت فكانت اذا غضبت منه قالت:" إني لم أر منك خيراً قط" فيبتسم ويقول لها: ولا يـوم الطين؟!!! فتخجل!..[22].

 

المجال الرابع شكر من أسدى اليك معروفا:

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال -صلى الله عليه وسلم-: (من لا يشكر الناس لا يشكر الله)[23].

 

(من لا يشكر الناس لا يشكر الله) قال القاضي: وهذا إما لأن شكره تعالى إنما يتم بمطاوعته وامتثال أمره وأن مما أمر به شكر الناس الذين هم وسائط في إيصال نعم الله إليه، فمن لم يطاوعه فيه لم يكن مؤديا شكر نعمه، أو لأن من أخل بشكر من أسدى نعمة من الناس مع ما يرى من حرصه على حب الثناء والشكر على النعماء وتأذيه بالإعراض والكفران كان أولى بأن يتهاون في شكر من يستوي عنده الشكر والكفران[24].

 

قال بعض العارفين: لو علم الشيطان أن طريقاً توصل إلى الله أفضل من الشكر لوقف فيها ألا تراه قال: ﴿ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾ [الأعراف: 17] ولم يقل لا تجد أكثرهم صابرين أو نحوه[25].

 

وقال أبو حاتم: الواجب على من أُسدى إليه معروف أن يشكره بأفضل منه أو مثله لأن الإفضال على المعروف في الشكر لا يقوم مقام ابتدائه وإن قل، فمن لم يجد فليثن عليه فإن الثناء عند العدم يقوم مقام الشكر للمعروف وما استغنى أحد عن شكر الناس.

 

وقال أيضا: الحر لا يكفر النعمة ولا يتسخط المصيبة، بل عند النعم يشكر وعند المصائب يصبر، ومن لم يكن لقليل المعروف عنده وقع أوشك أن لا يشكر الكثير منه، والنعم لا تستجلب زيادتها ولا تدفع الآفات عنها إلا بالشكر لله جل وعلا ولمن أسداها إليه.

 

عن الحكم بن عمير قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: من أتى إليكم معروفا فكافئوه فإن لم تجدوا فادعوا له "[26]

 

وعن أنس -رضي الله عنه- قال: قال المهاجرون: يا رسول الله ذهب الأنصار بالأجر كله ما رأينا قوما أحسن بذلا لكثير ولا أحسن مواساة في قليل منهم ولقد كفونا المؤنة، قال -صلى الله عليه وسلم-: (أليس تثنون عليهم به، وتدعون لهم، قالوا بلى قال فذاك بذاك)[27].

 

قال الطيبي رحمه الله: يعني إذ حملوا المشقة والتعب على أنفسهم وأشركونا في الراحة والمهنأ فقد أحرزوا المثوبات فكيف نجازيهم؟ فأجاب لا. أي ليس الأمر كما زعمتم إذا أثنيتم عليهم شكرا لصنيعهم ودمتم عليه فقد جازيتموهم[28].

 

الواقع التطبيقي لهذا المجال:

مر سعيد بن العاص بدار رجل بالمدينة فاستسقى فسقوه، ثم مر بعد ذلك بالدار ومناد ينادي عليها فيمن يزيد قال لمولاه: سل لم تباع هذه؟ فرجع إليه فقال: على صاحبها دين، قال: ارجع إلى الدار فرجع فوجد صاحبها جالسا وغريمه معه، فقال: لم تبيع دارك؟ قال: لهذا على أربعة آلاف دينار، فنزل وتحدث معهما وبعث غلامه فأتاه ببدرة فدفع إلى الغريم أربعة آلاف ودفع الباقي إلى صاحب الدار وركب ومضى[29].

 

♦ وعن أبي عيسى قال: كان إبراهيم بن أدهم إذا صنع إليه أحد معروفا حرص على أن يكافئه أو يتفضل عليه، قال أبو عيسى: فلقيني وأنا على حمار وأنا أريد بيت المقدس وقد اشترى بأربعة دوانيق تفاحا وسفرجلا وخوخا وفاكهة، فقال: يا أبا عيسى أحب أن تحمل هذا، قال وإذا عجوز يهودية في كوخ لها، فقال: أحب أن توصل هذا إليها فإنني مررت وأنا ممس فبيتتني عندها فأحب أن أكافئها على ذلك[30].

 

♦ ومر عمر بن هبيرة - لما انصرف في طريقه - فسمع امرأة من قيس تقول: لا والذي ينجي عمر بن هبيرة، فقال: يا غلام أعطها ما معك وأعلمها أني قد نجوت[31].

 

♦ وعن إبراهيم بن محمد قال: خرجت لأبي جائزته فأمرني أن أكتب خاصته وأهل بيته ففعلت فقال لي: تذكر هل بقى أحد أغفلناه؟ قلت لا، قال بلى رجل لقيني فسلم على سلاما جميلا صفته كذا وكذا اكتب له عشرة دنانير[32].



[1] الكليات للكفوي (523).

[2] التوقيف على مهمات التعاريف (206- 207).

[3] مدارج السالكين (2/ 244) لابن القيم.

[4] أخرجه ابن أبى الدنيا في فضيلة الشكر (1/ 62، رقم 82)، والبيهقي في شعب الإيمان (4/ 102، رقم 4419). قال العجلوني (1/ 354): رواه أحمد، والطبراني.

[5] صحيح البخاري رقم (3464) ومسلم رقم (2964).

[6] تفسير الطبري-ط الرسالة-ت أحمد شاكر (17/ 316).

[7] أخرجه أحمد (6/ 115) والبخاري (6/ 169). ومسلم (8/ 141).

[8] مدارج السالكين (2/ 242).

[9] ربيع الأبرار (4 / 318).

[10] ربيع الأبرار (4 / 324).

[11] تفسير ابن كثير (4 / 398).

[12] كتاب الشكر ص (11).

[13] تفسير ابن كثير (2 / 110).

[14] تفسير الطبري - تحقيق محمد شاكر (7 / 236).

[15] مختصر منهاج القاصدين ص (76).

[16] أخرجه ابن أبى شيبة (5/ 138، رقم 24499)، وأحمد (3/ 100، رقم 11992)، وهناد في الزهد (2/ 399، رقم 775)، ومسلم (4/ 2095، رقم 2734).

[17] أخرجه أحمد (3/ 439، رقم 15670)، وأبو داود (4/ 42، رقم 4023)، والترمذي (5/ 508، رقم 3458).

[18] تفسير الطبري- (20/ 369).

[19] الصبر والثواب عليه (ص: 100).

[20] نزهة المجالس: 1/ 202.

[21] موقع الدكتور عبد الدايم الكحيل للإعجاز العلمي.

[22] نفح الطيب (1/ 440) موقع الألوكة المجلس العلمي.

[23] أخرجه الترمذي (4/ 339 رقم 1954) وقال: حسن صحيح. وابن أبى الدنيا في قضاء الحوائج (ص 68، رقم 72).

[24] تحفة الأحوذي (6/ 74).

[25] فيض القدير (1/ 672).

[26] سنن النسائي الكبرى- ترقيم شعيب (2/ 43) المعجم الكبير (3/ 218).

[27] مسند البزار (13/ 349) سنن النسائي الكبرى- ترقيم شعيب (6/ 53).

[28] تحفة الأحوذي؛ المباركفوري، ج (7)، ص (203).

[29] روضة العقلاء ونزهة الفضلاء (ص: 264).

[30] روضة العقلاء ونزهة الفضلاء (ص: 266).

[31] روضة العقلاء ونزهة الفضلاء (ص: 268).

[32] مكارم الأخلاق؛ لابن أبي الدنيا، ص (90 - 91).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • فن الشكر
  • ختام الشهر بعبادة الشكر
  • الشكر بعد العبادة
  • الشكر ( خطبة )
  • قالوا في الشكر

مختارات من الشبكة

  • لا يشكر الله من لا يشكر الناس (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شكر المعروف ومكافأة فاعله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة حديث أبي العباس أحمد بن محمد اليشكري (قطعة من الجزء الأول)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون (بطاقة)(مقالة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • قوم سبأ والنعمة التي لم يشكروها (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وصف القرآن الكريم لحال أكثر الناس بأنهم لا يشكرون(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إسبانيا: رئيس إكستريمادورا يشكر اتحاد الجاليات الإسلامية(مقالة - المسلمون في العالم)
  • البرتغال: وزير الخارجية يشكر الجالية الإسلامية(مقالة - المسلمون في العالم)
  • روسيا: المفتي يشكر فتاة مسلمة أنقذت طفلتين من الموت(مقالة - المسلمون في العالم)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب