• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
  •  
    خطبة: أم سليم ضحت بزوجها من أجل دينها (1)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    خطبة: التربية على العفة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أسس التفكير العقدي: مقاربة بين الوحي والعقل
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
  •  
    ابتلاء مبين وذبح عظيم (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    فضل من يسر على معسر أو أنظره
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    حديث: لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    كونوا أنصار الله: دعوة خالدة للتمكين والنصرة
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    لا تعير من عيرك
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    من مائدة التفسير: سورة النصر
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أربع هي نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    وحدة المسلمين (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إذ قال الله يا عيسى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / التاريخ والتراجم / سير وتراجم / سير وتراجم وأعلام
علامة باركود

بطل جنين محمود شيت خطاب

خليل محمود الصمادي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 4/4/2007 ميلادي - 16/3/1428 هجري

الزيارات: 17445

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر
من خضم المعاناة ينبثق الفجر، ومن آهات الثكلى وصرخات الأطفال يشرق الصباح، وفي عصر الظلمة لابُدَّ لليل أن ينجلي، ولن يغلب عسرٌ يُسرَين، وفي معاناتنا هذه، وإلى أن يأتينا فرجٌ من الله، ما لنا إلا أن نقف مع التاريخ قليلاً، لا هروباً من الواقع المؤلم؛ ولكن لنأخذَ استراحةً نلممُ بها أنفاسَنا، ونداوي بها جراحَنا النازفةَ بقدر مِساحة الوطن، فعسى الكربُ الذي نحن فيه أن يزول قريباً، وعسى أن تعيد هذه الوقفة القصيرة التوازن الذي فقدناه في عصر السنوات الخدَّاعات، ولعلها تطمئن الذين أوشكوا أن ينسلخوا عن وطنيتهم وأمتهم وقومهم؛ بسبب الجرائم التي تُقترَف بأسماء متعددةٍ، يجمعُ بينَها الحقدُ والثأرُ على أناسٍ لا حولَ لهم ولا قوة، وأخيرًا؛ علَّها تكونُ تعزيةً وسلوى في الدماء الفلسطينية النازفة على أرض فلسطين والعراق.

في هذه الاستراحة نتحدث عن سيرة رجل عراقيٍّ شهير من خيرة الرجال، وعن بطل مجاهد بسيفه وقلمه،لم يتوانَ عن الجهاد يوماً بكليهما، إنَّه اللواء الركن محمود شيت خطاب - رحمه الله - القائد الشهير، والوزير المعتذر عن منصبه في سبيل التأليف والتصنيف، واللغوي في أكثر من دارة ومجمع، والعضو في أكثر من مؤتمر ومنتدى، والمحاضِر في أكثر من جامعة وكلية.

ولندع كلَّ الأوسمة التي توشَّح بها، ولنسلط الضوء على وسامه الفلسطيني. 
وما علاقة عراقيٍّ مثل هذا الرجل المقدام بفلسطينَ التي قد تجلب المتاعب لمن يبحث عن منصب أو حظوة في هذا العالم الظالم؟  
كان يرابطُ قبل ستين عاماً في فلسطين - بالتحديد في مدينة جنين - يرابط في حقولها الواسعة، وفي أزقَّتها الضيقة، وفي مساجدها العتيقة، ويحضر مجالسها العامرة، لقد عقد روابط صداقة متينة مع أهلها، حتَّى صار واحداً منهم، وصاروا لهم إخوة.

ولكن من هُوَ؟ وما الذي أوصله إلى جنين؟
أما كيف وصل إلى فلسطين؛ فهاكم كُتُبَ مَن كتبَ عنهُ، فاقرؤوها. 
نقلوا عنه قوله: كنتُ طالباً في كلية الأركان، فلمَّا تخرَّجت عام 1948م، قدَّمت طلباً إلى وزارة الدفاع العراقية أن أتطوعَ في فلسطينَ، فأُرسلت إليها ضابط ركن، للواء الرابع في مدينة جنين الفلسطينية، وبقيتُ هناك قدر عامٍ، حتى عدت مع الجيش العراقي[1].

فالمتخرج الجديد من كلية الأركان والقيادة العراقية - والحاصل على شهادة الماجستير منها بتقدير جيد جدّاً - لم يصطبر على ما حلَّ بفلسطين من احتلال وانتهاك، فها هو يقدم طلبه عن طيب خاطر؛ للالتحاق بأرض المعركة، ليشهدَ الحرب هناك، ويكون بعدها عليها شهيدًا، وسرعان ما نال سؤله؛ فتحققت أمنيته في جهاد من لا يرعون إلاًّ ولا ذمةً..

ولم تكن تلك بداية علاقته بالفلسطينيين في ذلك التاريخ؛ بل بدأت علاقته بهم قبل أن يكمل عامه العشرين؛ يقول: "وكنتُ أعرف قسماً من الفلسطينيين قبل عام 1948، فقد كنت على اتصال وثيق بالمجاهدين الفلسطينيين منذ عام 1938، حين كان الشهيدان البطلان: العقيد الركن صلاح الدين الصباغ، والعقيد الركن محمد فهمي سعيد، يمدَّان الثورة الفلسطينية بالسلاح والعتاد سرًّا، وكنت يومها أسلمُ السِّلاح والعتادَ لهؤلاء المجاهدين الفلسطينيين في منطقة "أبي غريب" من ضواحي بغداد[2].

حيِّيت يا محمود من شابٍّ نشأ في طاعة الله، جعلتَ قادة الفتح الإسلامي نبراسًا لك منذ صغرك، فها أنت تخاطر بنفسك وتنقل السلاح للمجاهدين الفلسطينيين وأنت ابن تسعة عشر عامًا، لقد اكتشفتُ سرًّا في حياتك الحافلة بالعطاء!!

الآن عرفت أنَّ وَلَعَكَ بقادة الأمة كتابةً قد سبقه ولعٌ بمحاكاتهم في سلوكهم وجهادهم، لقد عرفتُ لمَ كان اهتمامك بقادة فتح العراق والجزيرة، وقادة فتح الأندلس وبلاد الشام ومصر والمغرب، وبالفاروق، وبسيف الله المسلول، وقبلهم بالرسول القائد - عليه الصلاة والسلام - وكأن لسانك يقول منذ نعومة أظفارك: 
فَتَشَبَّهُوا إِنْ لَم تَكُونُوا مِثلَهُم        إِنَّ  التَّشَبُّهَ   بِالكِرَامِ   فَلاحُ
 

 
وهذا ما ترجمتَه على أرض الواقع في حياتك كلها، ولا يسعنا في هذه العجالة إلا أن نسلط الضوء على سَنَةٍ - فقط - من حياتك، قضيتَها بين أهلك وأحبائك في فلسطين، وبالتحديد في جنين.  

جهاده في جنين:
اشتُهر عند الشعب الفلسطيني أنَّ الجيشَ العراقيَّ لم يدافع عن فلسطينَ كما يجب، بل خابَ ظنُّه فيه، وأنه كلما راجع الوجهاءُ وأهلُ الحلِّ والعقد قيادةَ الجيش من أجل قتال اليهود، أو صدِّ هجومهم، كانت العبارة المشهورة: "ماكو أوامر"، التي ما زالت تتردَّد إلى يومنا هذا، إذ أصبحت جزءًا من ثقافتنا الشعبية، وتعني أن أوامر الدفاع عن فلسطين لم تصل بعد من قيادة الجيش في بغداد، ولكن يبدو أن اللواء محمود شيت خطاب لم تكن تعنيه أوامر قيادته في بغداد؛ فهو يتصرف من حسِّه الديني والوطني، يقول:
"وكان أهل جنين منسجمين إلى أبعد الحدود مع الجيش العراقي؛ لأن هذا الجيش أعاد جنين إلى العرب في ذلك الوقت، وانتصر فوجٌ واحدٌ، بلغ تعداده (822) ضابطاً وجندياً على عشرة آلاف صهيوني، كانت خسائرهم في تلك المعركة أكثر من تعداد الجنود العراقيين، بينما خسائر العراقيين 30 شهيداً، مع أن المعركة (تصادفية)، ولم يكن أيٌّ من المنتسبين إلى الجيش العراقي قد سمع بـ (جنين)، أو يعرف حتى مكانها! ولا توجد لديهم خرائط؛ بل إن الهجوم كان ليلاً، ومع ذلك انتصر العراقيون"[3]. 

ويكمل المرحوم محمود شيت خطاب حديثه:
"ومن الذكريات التي ما زالت عالقة، أن قتلى الصهاينة كان بينهم ابنة "ابن جوريون"، فكان يأتي مع الضباط الصهاينة، برفقة ممثلي الهدنة، ويتوسل بإلحاح شديدٍ؛ ليأخذ جثة ابنته"[4].

ومن خلال حديث الأستاذ المرحوم؛ نجد إصرار "ابن جوريون" - رئيس وزراء ما سمِّي بإسرائيل - على تسلُّم جثة ابنته، مع قبول الشروط المهينة التي فرضها الجيشُ العراقيُّ والمقاتلون الفلسطينيون بحقهم، فقد وافق المذكور أن ينسحب إلى منطقة بعمق 12كم، تمتد من جنين إلى أم الفحم من أجل استعادة جثة ابنته فقط، في حين لم يطالب بجثث الصهاينة الآخرين!!

هذه هي الأخلاق اليهودية التي أوصلته إلى قمة هرم السلطة في دولة الكيان الصهيوني.
ونستشفُّ من حديثه أن الوطني والمخلص يستطيع أن يتحايل ويلتف على القرارات السياسية من أجل وطنه، أو من أجل المبادئ التي يؤمن بها؛ فليس هناك أبيض وأسود في السياسة إلا عند ضعاف النفوس، يقول:
"وكانت هناك تعليماتٌ بعدم التعرُّض للعدو الصهيوني، إلا بأوامر صريحة، ولكنني استطعتُ أن أتَّفق مع اثني عشر فلسطينياً، منهم المرحوم فوزي الجرَّار، نتواعد تحت القنطرة ليلاً؛ لنهاجم إحدى القرى .. وحدثَ أن هاجمْنا قرية "فقوعة" بعد منتصف الليل؛ فوجدنا الصهاينة نائمين، وما كادوا يحسُّون بالحركة ووقع الأقدام؛ حتى هربوا تاركينَ سيارةَ الجيب وأسلحتهم، وتجهيزاتهم في تلكَ القرية، وبعد ذلك عدنا بالسيارة والتجهيزات قبل شروق الشَّمس بساعتين، وأوينا إلى فُرُشنا، كأنَّ شيئاً لم يحدث!! وهذا مثالٌ واحدٌ تكرَّر مرارًا"[5].

أيُّ جبنٍ هذا من قِبَل اليهود؟! وأيُّ خوفٍ ذاقوه تلك الليلة، من أبطال لو تُركت لهم الحرية في المقاومة؛ لما حلَّ بنا ما نحن فيه اليوم؟!.

علاقته بأهل جنين: 
لا شكَّ أنَّ أيَّ مسؤول عسكري – أو غير عسكري - يتمتع بالصفات التي ذكرناها؛ لابُدَّ أن تكون علاقته مع أهل البلد التي يعمل بها من أفضل العلاقات، لاسيما إذا كان البلد ينتمي للدين والثقافة التي ينتمي إليها المسؤول؛ فعلاقة محمود شيت خطاب بأهل جنين كانت من أقوى العلاقات، فبعد سنة قضاها هناك؛ صار كأنه من أهل البلد، يستشيرونه في أمورهم، ويدعونه إلى حفلاتهم، ويحضر أفراحهم، وقبلها أتراحهم، يتناول الطعام معهم، وما إلى ذلك من أواصر المحبة والصداقة، يقول في تقديمه لكتاب صالح مسعود أبو بصير "جهاد شعب فلسطين خلال نصف قرن": 

"لم أكن غريباً عن أهل فلسطين عندما قدمتها مع الجيش العراقي الذي استقر في المثلث العربي: (نابلس – طولكرم – جنين)؛ ولكنني بعد مكوثي فيها سنةً كاملةً؛ ازددت علماً بها، فربطتني بأهلها – خاصةً أهل جنين الكرام – روابط من الصداقة، والثقة المتبادلة، والحب الصادق، تلك الروابط التي لا تزداد مع الأيام إلا قوةً ومتانةً، فكنتُ أتَّصلُ بهم بالرسائل، وأرعى أولادهم من التلاميذ والطلاب، الذين يدرسون في مدارس العراق ومعاهده وجامعاته.

كانت رسائلهم تردني تباعاً - كل يوم تقريباً - قبل نكبة 5 حزيران (يونيو) 1967، وكان أكثرهم يحلُّ ضيفاً بداري ببغداد كلما زاروا العراق، وكان أولادهم ولا يزالون أولادي، يزوروني وأزورهم، ويعرضون عليَّ مشاكلهم كلما حزبهم أمرٌ من الأمور، فإذا غابوا عني مدة من الزمن، فتَّشت عنهم في مدارسهم ومعاهدهم وكلياتهم؛ أسائلهم عن دروسهم، وأتسقَّط أخبار أهلهم، فأفرح لفرحهم، وأحزن لحزنهم، وما أكثر أحزانهم وأقل أفراحهم اليوم!

ذكرتُ ذلك لأني أريد أن أنبه على ما طوَّقني به وطوَّق به أهلُ جنين الأكارم كلَّ العراقيين، من فضلٍ لا يُنسى أبداً.
كان أهل جنين يرعون العراقيين رعايةً لا توصف: بيوتهم مفتوحة للجميع، يتلقونهم بالأحضان، ويغدقون عليهم من كرمهم وأريحيتهم، فكانوا بحقٍّ أهلهم بعد أهلهم، وقد أنسوهم - بما بذلوه من كرم ولطف - أنهم بعيدون عن وطنهم، وأشعروهم بأنهم بين ذويهم الأقربين. 

أذكرُ أنني كنت أتناول الطعام في منازلهم أكثر مما كنت أتناوله في مطعم الضباط، وقد تدخلوا حتى في أيسر شؤوني الإدارية، وكنت إذا مرضتُ عادوني، وإذا غبتُ عنهم سألوا عني. لقد كانوا أهلي، وكانت جنين بلدي، ولا أزال حتى اليوم أتحسَّر على تلك الأيام التي قضيتها بين أهلي - أهل جنين - وفي بلدي جنين. وما يُقال عني، يُقال عن العراقيين الآخرين. 

تلك هي لمحاتٌ من إنسانية أهل فلسطين، ممثَّلة بأهل جنين؛ فماذا عن جهادهم الذي لمسته فيهم يوم كنتُ مع الجيش العراقي في الأرض المقدسة؟ 
منذ حللتُ أرضَ فلسطين، كانت أفواج الفلسطينيين تتقاطر على المقرَّات العسكرية؛ تطالب بالسلاح وبالتدريب العسكري، وبإلقاء مهمَّات عسكرية على عاتقها للنهوض بها. وكانت إسرائيل قد احتلَّت جنين في شهر حزيران (يونيو) 1948، فاستطاع الجيش العراقي طرد الصهاينة من جنين بمعاونة المتطوعين الفلسطينيين. 

وقد جرت معاركُ طاحنةٌ بين جيش إسرائيل والجيش العراقي؛ لاستعادة قرية عارة، وقرية عرعرة، وقرية صندلة من قرى جنين، وكان للمتطوعين الفلسطينيين أثرٌ أيّ أثر في انتصار الجيش العراقي على القوات الإسرائيلية، وإعاده هذه القرى وغيرها إلى العرب. 

وكان للمتطوعين الفلسطينيين جهادٌ مشكورٌ في منطقة طولكرم، وفي المناطق الفلسطينية الأخرى، وكان لجماعة (الجهاد المقدس) جهادٌ عظيمٌ في منطقة القدس، إذا نسيه الناس؛ فلن ينساه ربُّ الناس، وكان للشهيد عبد القادر الحسيني - رضوان الله عليه - جهادٌ عظيمٌ في منطقة القدس، حتى قدَّم حياته الغالية في معركة القسطل ..."[6]. 

ويقول في موضعٍ آخر: "بلغت علاقتي بهم حدًّا أنَّ الذي كان يريد أن يتزوج فتاة من فتيات آل جنين؛ يسألني أن أذهب لأبيها، ولم يحدث أن أحدًا من الآباء ردَّني خائبًا، والسرُّ في ذلك أن علاقتي بهؤلاء المقربين نشأت في المسجد، فصداقة المسجد لها نكهةٌ خاصةٌ، ووفاءٌ خاصٌّ، وثقةٌ بغير حدود، وما زلتُ إلى اليوم تصلني رسائلُ من أولاد جنين المقيمين في فرنسا وأسبانيا، يطلبون العون، فلا أتأخر عنهم أبدًا"[7]. 

شيت خطاب شاعراً:
غريبٌ أمر هذا الضابط؛ فمع مهماته العسكرية والقتالية، كان كاتباً ومؤلِّفاً، كما عُرف بقَرْض الشعر، وقد بلغت مؤلفاته نحو 126 كتاب، وله نحو 320 بحث، كما قرض العديد من القصائد الشعرية، وكيف لا يكون على درجة من الثقافة وهو الذي يقول:

"كنتُ أحمل وأصحب معي - طَوال أيام عملي في العسكرية - أربعةَ كتبٍ ترافقني في حلِّي وترحالي، وهي: القرآن الكريم، والمنتقى في أخبار المصطفى لابن تيمية، ووحي القلم للرافعي، والقاموس المحيط للفيروزآبادي"[8].

فإذا كانت هذه عُدَّة الضابط مع سلاحه؛ فحريٌّ به أن يكون أديباً وشاعراً، في عصر عزَّ فيه الشعر والأدب في ضباطنا الأجلاء، أصحاب الأوسمة المفتخرة، وهي ذخيرة القادة المخلصين من قادة الفتح الإسلامي الأماجد، أمثال: خالد بن الوليد، وأبي عبيدة بن الجرَّاح، ومحمد بن القاسم، وصلاح الدين، ونور الدين الشهيد، ومحمد الفاتح، وعمر المختار، وغيرهم ممَّن غيروا خريطة العالم نحو الحضارة والرقيِّ.

يقول: "رأيتُ من واجبي أن أودِّع أهل جنين بشيء من القول يستحقونه؛ فعكفت في غرفتي وأنا في غاية التأثر من جرَّاء العودة للعراق، لفراق من أحبُّ من أهل جنين، وخوفاً عليهم من العدو الصهيوني، الذي كان يُرى بالعين المجرَّدة.

في ذلك الجو من الانفراد والتأثر، انطلق قلمي في شعرٍ، أتذكر منه اليوم أبياتٍ فيها:
هَذِي  قُبُورُ  الْخَالِدِينَ  وَقَدْ   قَضَوا        شُهَداءَ   حَتَّى    يُنْقِذُوا    الأَوْطَانَا
قَدْ صَاوَلُوا الْعُدْوَانَ حَتَّى اسْتُشْهِدُوا        مَاتُوا   بِسَاحَاتِ   الْوَغَى   شُجْعَانَا
أَجِنِينُ   يَا   بَلَدَ   الْكِرَامِ   تَجَلَّدِي        مَا   ضَاعَ   حَقٌّ    ضَرَّجَتْهُ    دِمَانَا
إِنِّي   لأَشْهَدُ   أَنَّ   أَهْلَكِ   قَاوَمُوا        غَزْوَ   الْيَهُودِ   وَصَاوَلُوا    الْعُدْوانَا
المُخْلِصُونَ     تَسَرْبَلُوا     بِقُبُورِهِم        وَالْخَائِنُونَ       تَسَنَّمُوا       الْبُنْيَانَا
لاَ  تَعْذِلُوا   جَيْشَ   الْعِرَاقِ   وَأَهْلَهُ        بَلْوَاكُمُ    لَيْسَتْ    سِوىَ     بَلْوَانَا
إِنَّ   السِّنَانَ   يَكُونُ   عِنْدَ    مُكَبَّلٍ        بِالْقَيْدِ   فِي   رِجْلَيْهِ   لَيْسَ    سِنَانَا
فَإِذَا  نُكِبْتَ   فَلَسْتَ   أَوَّلَ   صَارِمٍ        بَهَظَتْهُ     أَعْبَاءُ     الْجِهَادِ     فَلانَا
مَرْجُ  ابْنِ   عَامِرَ   خَضَّبَتْهُ   دِمَاؤنَا        أَيَصِيرُ    مِلْكاً     لِلْيَهُودِ     مُهَانَا؟
وَهُوَ الْخُلُودُ  لِمَنْ  يَمُوتُ  مُجَاهِداً        لَيْسَ الْخُلُودُ لِمَنْ يَعِيشُ جَبَانَا "[9]
 

خطاب يتوقع حرب 1976م:
وكان من فراسته ودقة دراسته للعدو الصهيوني؛ أنه حدد اليوم الذي تعتزم فيه إسرائيل شن حربها يوم 5/6/1967، ونشر توقُّعه في جريدة "العرب"، الصادرة في بغداد يوم 1/6/1967، تحت عنوان: (حربٌ أو لا حرب)، قال فيه: "إن نفير إسرائيل سيكتمل يوم الخامس من يونيو/ حزيران سنة 1967م؛ فتكون إسرائيل جاهزة للحرب في هذا اليوم، وستهاجم إسرائيل العرب في هذا اليوم حتماً"، ولكن لا مجيب!!  

ثم قال بعد أن حدثت المأساة: "وقد صدَّقت الأحداثُ ما توقعته، ولستُ نبيّاً، ولكنَّ الفنَّ العسكري أصبح علماً له قواعد وأسس، إليها استندتُ في كل ما كتبته من مقالات".
حتى إن المؤلف الإسرائيلي صاحب كتاب "الحرب بين العرب وإسرائيل" أثنى على عبقرية محمود شيت خطاب، ووصفه بأنه أكبر عقل إستراتيجي في العالم العربي، لكن لا يوجد من يستفيد منه.

هذه لمحةٌ خاطفةٌ عن سيرة الرجل في فلسطين، بيد أن حياته مملوءة بالجدِّ والعطاء في فلسطين وغيرها، واكتفينا بتسليط الضوء على فلسطين؛ علَّ هذه السيرة العطرة تعيد الثقة بين الشعبَيْن الكريمَيْن إلى ما كانت عليه.
ـــــــــــــــــــــ
[1]  مقابلة مع مجلة الحرس الوطني، العدد 92، شوال 1410هـ. 
[2]  جهاد شعب فلسطين خلال نصف قرن، دار الفتح للطباعة والنشر بيروت ط5، 1988م. 
[3]  مجلة الحرس الوطني عدد 92 شوال 1410هـ.
[4]  المصدر السابق.
[5]  المصدر السابق. 
[6]  جهاد شعب فلسطين خلال نصف قرن، دار الفتح للطباعة والنشر بيروت ط5، 1988م. 
[7]  يوسف بن إبراهيم السلوم، اللواء الركن محمود شيت خطاب، مكتبة العبيكان ط1، 1993م. 
[8]  السلوم: المصدر سابق. 
[9]  السلوم: المصدر سابق. 




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • زهرة جنين ( قصة )

مختارات من الشبكة

  • بطل .. بطل (بطاقة أدبية)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الواقعية في أدب محمود شيت خطاب(مقالة - حضارة الكلمة)
  • ربيعة البطل، وأي بطل!(مقالة - حضارة الكلمة)
  • سعيد بن العاص بطل الفتوح وكاتب المصحف (PDF)(كتاب - موقع د. محمد بن لطفي الصباغ)
  • أفتش عن بطل(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • نظرات في حياة شيخ الإسلام وبطله ابن تيمية الحراني (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • هل وجدت بطلك؟ (خاطرة في قصة أهل موسى عليه السلام)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • في رثاء بطل الملاكمة المسلم محمد علي كلاي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • صفحة بيضاء من حياة بطل مغمور(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 


تعليقات الزوار
2- ستبقى ايها القائد المغوار في قلوب احبائك في جنين
علاء - فلسطين 27-09-2007 09:13 AM
رحمك الله قائدنا محمود شيت خطاب

فانت من الرجال الرجال الذين سيكتب التاريخ امجادهم

وستبقى ذكراك في قلوب الفلسطينين

ولن يسناك اهلك واحبابك في مدينة جنين

رحمك الله مهما كتبنا لن نوفيك حقك ايها القائد المغوار

يا شاعرا هز ليل الظالمين
1- بطل جنين محمود شيت خطاب
محمد رائد العطائي 08-04-2007 03:24 AM
أشكر الأستاذ خليل صمادي المحترم على أتحفنا به من معلومات عن هذا الجندي المسلم الذي كان مجهولا ً بالنسبة لي و جعل الله هذا الكلام في ميزان حسناته.....
1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 14/11/1446هـ - الساعة: 17:59
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب