• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    موقف الشيعة من آيات الثناء على السابقين الأولين ...
    الدكتور سعد بن فلاح بن عبدالعزيز
  •  
    الحج: أسرار وثمرات (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    فضل بعض أذكار الصباح والمساء
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    المال الحرام
    د. خالد النجار
  •  
    نصائح متنوعة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    قصة موسى عليه السلام (خطبة)
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    تخريج حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    خطبة: لا تغتابوا المسلمين (باللغة البنغالية)
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    مفهوم المعجزة وأنواعها
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (8)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الشافي، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    موانع الخشوع في الصلاة
    السيد مراد سلامة
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (11)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    شموع (107)
    أ.د. عبدالحكيم الأنيس
  •  
    المنة ببلوع عشر ذي الحجة (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    أهمية التعلم وفضل طلب العلم
    د. حسام العيسوي سنيد
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / التاريخ والتراجم / تاريخ
علامة باركود

حركة الشيخ رابح بن فضل الله ضد الاستعمار الفرنسي في تشاد

فرج كندي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 24/9/2017 ميلادي - 3/1/1439 هجري

الزيارات: 32991

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

حركة الشيخ رابح بن فضل الله

ضد الاستعمار الفرنسي في تشاد


مقدمة:

تعتبر حركةُ المجاهد الكبير (رابح بن فضل الله) للمستعمر الفَرَنسي في القارة الإفريقية، من أهم الحركات الإسلامية، وتكمُنُ أهميتها في السبق في مقارعةِ الاستعمار، بكونها أصبحت نموذجًا حيًّا أمام الشعوب الإفريقية المتطلِّعة للتحرر والانعتاق من نِير الاستعمار الغربيِّ، الذي بدأ يجتاح إفريقيا مع بدايات القرن الثامن عشر، خاصة بعد مؤتمر برلين 1840 ميلاديًّا، الذي قرَّرت فيه الدول الأوربية الاستعماريةُ تقاسُمَ قارَّة إفريقيا فيما بينها، وكانت مِنطَقةُ فيما يعرف اليوم بدولة تشاد مِن نصيب المستعمِر الفَرَنسي، الذي شرع في بسط سيطرته على الشعب التشاديِّ المسلم.

 

وسوف تتناولُ هذه الدراسة حركةَ المقاومة التي خاضها الشعب التشادي ضد المستعمر الفرنسي في تسطير ملحمةٍ تاريخية شهِد لها التاريخ، وأصبحت مثلًا تحتذي به باقي الشعوب التي ترغب في نَيْل حريتها وتحقيق استقلالها.

سوف نقوم في هذه الدراسة بالبحث في تاريخ هذه الحركة، وتسليط الضوء على مؤسِّسها وقائدها "رابح بن فضل الله"، ومراحل بنائه للمملكة، وإدارته لها، وتوسُّعاته التي قام بها، ثم استعداداته لمواجهة الاستعمار، وحروبه معه، ثم العوامل التي ساهَمَت في سقوطه والقضاء عليه.

 

وينقسم البحث إلى مقدمة، ثم تقديم للبحث يتناول فكرة عامة عن حياة "رابح" وعَلاقته بالزبير، وثلاثة أبواب، كل باب يشمل فصلين:

الباب الأول يتناول في فصلَيْه ظهور الحركة، وإنشاء المملكة.

والباب الثاني يشمل في فصلَيْه توسُّعات "رابح"، ونظام الحكم.

والباب الثالث يشمل الصراع مع المستعمر الفَرَنسي، وعوامل السقوط.

ثم نصل إلى الخاتمة، وثبت بقائمة المصادر والمراجع.

♦ ♦ ♦ ♦


تمهيد

حياة رابح ونشأته وعلاقته بالزبير

تختلف آراء المؤرخين في تحديد معالم شخصية "رابح بن فضل الله"، الذي عُرف أيضًا باسم "رابح بن الزبير"[1]، خاصة في المرحلة المبكرة من حياته.

كما اختُلف في تحديد اسمه ونسبه: فمنهم مَن قال: إنه رابح بن فضل الله السوداني[2]، ومنهم مَن قال: إنه رابح بن زبير، وهذا الاختلاف جَرَت عليه العادة أثناء كتابة سِيرة أو تاريخ الرجال الذين يكونون في بداية حياتهم مغمورين وغير معروفين، خاصة إذا كان مَن يكتب عنهم يكون متأخرًا في الزمن، أو ممن يبعدون عنه في المكان والزمان معًا، أو تكون بينهم خصومة وعداء.

 

إلا أن الثابت تاريخيًّا هو أن اسمه الحقيقي هو "رابح بن فضل الله"، وأنه ولد في "حلفاية الملوك"، وهي ضاحية من ضواحي مدينة الخرطوم بالسودان.

(وقد اختلف المؤرخون في تحديد سنة ولادته؛ فمنهم مَن قال: إنه وُلِد في سنة 1842ميلاديًّا، ومنهم مَن قال: في سنة 1845ميلاديًّا)[3]، وأن والده كان زعيمًا أو مَلكًا على إحدى القبائل التي استوطنت مِنطقة بحر الغزال.

 

وإن لم يتم تحديد تاريخ التحاق رابح بجيش "الزبير"، إلا أنه عند بلوغه سن العشرين سافَر رابح إلى القاهرة، والتحق بجيش الخديوي إسماعيل في مصر، وتعرض لإصابة في أحد التدريبات العسكرية، أو إحدى المعارك التي كان يخوضها الجيش المصري؛ مما حال دون استمراره في العمل العسكري، وتم إبعادُه عن الخدمة بالجيش، فآثر اختيار العودة إلى بلاده، وفي هذه الأثناء تُوفي والده قبل أن يغادر رابح القاهرة.

 

لَما لمع نجم الزبير قائدًا عسكريًّا قويًّا في مِنطقة بحر الغزال، انضمَّ إليه رابح، وأصبح في خدمته حتى عُدَّ من كبار معاونيه المقرَّبين له، وفي أثناء زيارة الزبير للقاهرة سنة 1876 ميلاديًّا مع عدد كبير من جنوده وحاشيته (قام الخديوي إسماعيل بمنعه من المغادرة والعودة إلى بلاده، وأجبره على الإقامة في القاهرة)[4] معززًا مكرمًا، وكان غرض إسماعيل أن يحولَ بين الزبير ومناطق نفوذه؛ خشيةً مِن توسعه الكبير الذي أخاف إسماعيل على مناطق نفوذه في تلك البلاد البعيدة عن مركز سلطته.

 

وحيث إن سليمان بن الزبير قد قُتل عام 1879 ميلاديًّا، فقد تعرَّضت قوات الزبير إلى التشتت والتشرذم على غير هدى من طريق ولا قائد يهدي السبيل، وكان رابح على رأس إحدى هذه المجموعات المتفرِّقة والمتناثرة.

ونظرًا لِما اكتسبه رابح من خبرة، ولِما أحدثته شخصية قائده الزبير من أثر عميق في شخصية رابح، فقد جعلت منه نسخةً ثانية للزبير في السيرة والعمل وتكوين الإمارة وشؤون الحرب، وذلك ناتج عن حسن معاملة الزبير له ورعايته كأنه أحد أولاده، وعدَّه رابحٌ كأنه بمثابة والدٍ له، حتى إنه حمل اسمه واشتهر به، فسمي "رابح الزبير"، أكثر مما سمي باسمه الحقيقي "رابح بن فضل الله".

 

لقد أثرت تجرِبة الزبير في تكوين شخصية "رابح بن فضل الله" بكل تفاصيلها الجزئية والكلية، وذلك ناتح عن الإحاطة والرعاية التي حظِي بها "فضل الله" مِن قِبَل الزبير، الذي رأى فيه من المواصفات القيادية التي تؤهله لتحمل المهام الصعبة والقدرة على القيادة، فلم يبخل عليه بما يستحقه عناية ورعاية؛ ليصنع منه قائدًا كبيرًا يقود مرحلة هامة في تاريخ المِنطقة، وهو ما يُذكِّر برعاية "نور الدين محمود" للبطل "صلاح الدين الأيوبي"، رحمهم الله تعالى جميعًا، ولن تجد تفاوتًا كبيرًا بين مراحل وظروف وصور قيامِ مملكتَي الزبير في السودان الجنوبي، ورابح في تشاد، بل تبدو الأخيرة أنها امتداد للأولى، وكأنها مستنسخة منها وطور ثانٍ من أطوار الأولى.

♦ ♦ ♦ ♦

 

الباب الأول

الفصل الأول ظهور حركة رابح وبزوغ نجمه

بعد انسحاب أتباع الزبير إلى أرض تشاد إثر خسائرهم العسكرية في أرض السودان أمام القوات البريطانية، التي كان رابح على رأس مجموعة من هذه القوات المتقهقرة، وبعد خلاف مع سليمان بن الزبير، الذي لا يمتلك مقوِّمات القيادة والمهارة العسكرية، والذي كان يختلف عن أبيه - انفصل عنه رابح، وأخذ معه مجموعة من مؤيِّديه الذين كانوا تحت إمرته، واتَّخذ منهم نواةَ قوةٍ عسكرية، سرعان ما أخذت في الازدياد في العُدة والعدد، شرع بهم في تكوين دولةٍ واسعةِ الأطراف، كثيرة السكان، تؤمِّن له ولأتباعه الأمن والاستقرار والثروة والسلطان، ولأبنائه مِن بعده[5].

 

خرج رابح مع ما يقارب ألف رجل، يحملون أربعمائة بندقية سنة 1879 ميلاديًّا، واستقرُّوا في بلدة "بندة" حتى عام 1880 ميلاديًّا، ثم عاد بهم إلى "دارنوير"؛ حيث عُقِدت البيعة لرابح، فبايع رابحًا أتباعُه من القادة والزعماء، وأطلقوا عليه لقب "الأمير"، وبعد مرور عام واحد على هذه البيعة قام رابح بالزحف على سلاطين "دار رفاي"؛ لإخضاعهم لسلطته، وإجبارهم للخضوع لسيادته، فانتصر عليهم جميعًا، وفي عام 1883 ميلاديًّا استطاع أن يصدَّ هجوم جيش سلطان "واداي"، فأصبح الطريقُ بهذا النصر إلى بحيرة تشاد ممهدًا أمام جيش رابح الطامح في الوصول إلى ضفافها.

♦ ♦ ♦ ♦

 

الفصل الثاني مملكة رابح

تعلَّم رابح مِن تجرِبته مع الزبير دروسًا سار عليها في مراحل بناء دولته وتكوين مملكته، تمثَّلت في أن تكوين الدول وبناء الممالك ليسا من المستحيل على مَن يمتلك المال والقوة مع صدق الإرادة ووضوح الهدف، مع وجود قيادة قوية حكيمة شجاعة تُجيد استخدامها، وتُحسن توظيفها في الوقت المناسب والمكان المناسب.

كما تعلَّم رابح من تجرِبته مع الزبير ألا يثق في الأجانب الغرباء الذين يكون الغدر سجيتهم، ولا يتوانَون عن نكث العهود ونقض العقود حين تسنح لهم الفرصة التي تحقِّق مصالحهم وتحقق مبتغاهم؛ كما فعلوا مع الزبير نفسه، كما استفاد من انتهاج سياسة عدم المتاجرة بالرقيق، بل عمَد إلى شرائهم من التجَّار ثم دعوتهم إلى الإسلام وإدخالهم فيه؛ ليجعل منهم جنودًا في جيشه يَدينون له بالولاء والإخلاص.

♦ ♦ ♦ ♦

 

الباب الثاني

الفصل الأول فتوحات وتوسع رابح في دارفور وواداي

بدأ رابح فتوحاته نحو أرض قبيلة "الأزندي"، في الفترة مما بين عام (1880 - 1884 ميلاديًّا)؛ حيث أسَّس مملكته هناك، وقام بالزحف نحو مناطق "داركوتي" و"رنقة" اللتين كانتا تابعتينِ لمملكة "واداي" تحت إدارة السلطان "كبرو بن عمر"، ثم استمر في زحفه باتجاه المناطق الواقعة بين مناطق "سلامات" و"أوبلينجي"، وأخذ في التوسُّع نحو بحيرة "ايرو"، ثم توجَّه نحو الجنوب إلى "دار السلام".

 

في سنة 1884 ميلاديًّا دعاه قائدُ الحركة المهدية بالسودان محمد المهدي، إلى الانضمام إلى صفوف حركته، فاستجاب إلى طلبه ولبَّى دعوته بالتوجُّه نحو السودان المقر الرئيسي للحركة المهدية، إلا أنه حين بلغه نبأ وفاة المهدي سنة 1885 ميلاديًّا وتولِّي زمام قيادة الحركة المهدية خليفته "عبدالله التعايشي"، قرَّر رابح التوقف عن مواصلة السير، والرجوع إلى عاصمة مملكته في "داركوتي".

وما أن حل عام 1889 ميلاديًّا إلا وقد استطاع رابح إقامة مملكة مترامية الأطراف تحظى بالأمن والاستقرار، وتدين له بالولاء والطاعة، وقد فرض سيطرته على العديد من المدن الصغيرة التي كانت تتبع مملكة "واداي"، واتَّخذ من مدينة "ركوة" - الواقعة على ضفاف بحيرة تشاد - عاصمةً لمملكته.

 

في عام 1893 ميلاديًّا توجَّه رابح إلى مملكة "باقرمي"، التي استولى عليها بعد حصارٍ استغرق خمسة أيام، ثم توجَّه إلى مملكة "برنو"؛ حيث انتصر وهزَم سلطانها "هاشمًا" الذي فر إلى منطقة "منقريه"، التي تبعد عن "برنو" مسيرة ثلاثة أيام[6].

بعد أن أمضى رابح شهرين في "برنو"، اتجه نحو مدينة "ركوة" التي تبعد مسافة ستة أيام من مدينة "برنو"، وتقع على النهر، الأمر الذي ميَّزها عن "برنو"، بالإضافة إلى نقاء هوائها وصفائه وعذوبة مائها، فاستقرَّ بها واتَّخذها عاصمة له.

 

واصل رابح بَسْط سيطرته على باقي أنحاء سلطنة "برنو"، فشرع في الهجوم على منطقة "نغوليوا"، التي استطاع دخولها والسيطرة عليها سنة 1893 ميلاديًّا، وبعد هذا التاريخ بسنة واحدة استطاع دخول مقاطعة "بيدي"، التي كان سكانها يَدينون بعبادة الأوثان (وثنيِّين).

وبعد هذه التوسُّعات الكبيرة والسريعة، استطاع رابح أن يُؤسِّس مملكة كبيرة مترامية الأطراف، حازت أجزاءً واسعة من جنوبِ ما يعرف اليوم بدولة تشاد، تشهد له بأنه قد أظهر مقدرةً عالية، وحنكة وكفاءة في تدبير شؤونها.

 

كان رابح يتبع نظام توزيع الغنائم عقب كل حرب يخوضها، بعد أن يحجزها ويقوم بفرزها وتصنيفها، فيقوم بتوزيعها على الجنود والقادة المقرَّبين منه، وكان يكافئ مَن أبدى شجاعة وبطولةً خلال المعارك بمِنَحٍ تشجعهم على الإقدام والمثابرة في الحروب القادمة[7]، كما عمَد رابح إلى تشكيل جهاز استخباراتيٍّ قوي في كل أنحاء مملكته والممالك المجاورة؛ ليأتوه بالأخبار أولًا بأول؛ حتى يتخذ التدابير اللازمة لها، ويتعامل معها وَفْقَ ما تقتضيه المصلحة، وانتهج رابح في الحرب أسلوبًا له أصله الإسلاميُّ، وهو ألا يقوم بمهاجمة أي مملكة إلا بعد أن يُرسِل إلى حاكمها رسالةً يطلب منه التسليم، فإذا امتنع فعليه أن يستعد للحرب، ثم بعد ذلك يهاجمه ليحتل مملكته[8].

♦ ♦ ♦ ♦

 

الفصل الثاني

نظام الحكم في مملكة رابح

أقام رابح نظام حكمه على مبدأ السلطة المركزية، المتمثِّلة في شخصه بكونه يمثل أعلى سلطة في المملكة، وهو مَن يصدر القرارات والقوانين والتوجيهات في كافة أرجاء المملكة، التي تجاوزت مساحتها الجغرافية "مائة وخمسين ألف كيلو متر مربع"، وتضم نحو "خمسة ملايين نسمة مِن السكان"، تخضع لسلطانه وتأتَمر بأمره.

 

اعتمد رابح النظام اللامركزي في إدارة الدولة، من خلال منح الأمراء والسلاطين للأقاليم سلطاتٍ إداريةً محلية دون أن تتعارض أو تؤثر في سلطته المركزية في الإدارة العامة للدولة التي يشرف عليها ويباشرها بنفسه، في حين كانت السلطاتُ القضائية يتولاها الفقهاء والقضاة المُعيَّنون من قِبل حكام الأقاليم والمقاطعات، وكان القضاء والإفتاء يقوم وينفذ على قواعد أحكام الشريعة الإسلامية.

 

أما موارد الدولة، فكانت تعتمد على ما يَغنَمه من الحروب التي يشنُّها على الممالك المجاورة، وكذلك الغرامات - الضرائب - التي كان يفرِضها على بعض الشرائح مِن السكان، بالإضافة إلى جباية أموال الزكاة، وأيضًا عن طريق التجارة عبر الطرق الصحراوية بين جنوب الصحراء ومناطق الشمال المطلَّة على البحر المتوسط، وخاصة مع التجَّار الليبيين الذين كانوا يُعَدُّون حلقةَ وصلٍ مع الشمال لتصدير البضائع عبر طرابلس وبنغازي إلى الشاطئ الآخر من جنوب أوروبا.

 

وكانت البضائع تتمثل في ريش النعام وعاج الفيل وغيرها من البضائع الإفريقية المنشأ، هذا بالإضافة أنواع أخرى من الضرائب التي كانت تدخل خزينةَ الدولة؛ مثل ضريبة الرأس، وضريبة الزروع، والأعشار... إلخ.

♦ ♦ ♦ ♦

 

الباب الثالث

الفصل الأول

رابح والصراع مع المستعمر الفَرنسي

أصبح رابح يشكل خطرًا كبيرًا، وسدًّا عظيمًا، وعقبةً تقف أمام المشروع الاستعماريِّ الغربي المسيحي في المنطقة بصفة خاصة، وفي كل أرجاء القارة السمراء بصفة عامة، بالإضافة إلى وقوف بعض الإمارات والممالك المجاورة، ودور الملوك والسلاطين والأمراء الذين أطاح بهم رابح واستولى على ممالكهم، ووقوفهم إلى جانب صف الاستعمار؛ لأنهم وجدوا في الأطماع الفَرنسيةِ الفرصةَ السانحة التي تخلصهم من رابح وتُعيدهم إلى سلطانهم الذي أخذه منهم.

 

وهذا ما سهَّل الأمر لفرنسا لتعقد مع بعضهم تحالفاتٍ ضد رابح، فنجحت في عقدِ معاهدة حماية سنة 1897 ميلاديًّا مع سلطان "باقرمي" "عبدالرحمن غاورانغ" والقائد الفرنسي "إميل جنتيل"، ثم سرعان ما تبعه كل من سلطان "ويري" وسلطان "جفرا"، وكذلك فعل سلطان "كوكا" التي احتلها رابح وطرده منها؛ ليُناصبه العداء ويستعين عليه بفرنسا وجيشها في استعادة سلطانه.

 

بالإضافة إلى استمرار حالة العداء المستحكم بين رابح وسلطان "زنر"، الذي رفض الاعتراف بسيادة رابح، وامتنع عن دفع الإتاوة - الضريبة - التي كان يُقدِّمها إلى سلطان "برنو" في السابق، فكانت كل هذه الظروف عواملَ مساعدة ومساهمة في تهيئة المجال للتدخل الفَرنسي للقضاء على رابح واحتلال مملكته.

 

شرَع الفَرنسيون في إعداد وتنفيذ خُطَّة شاملة للقضاء على رابح واحتلال مملكته، وبسط نفوذهم وسيطرتهم على المنطقة، وذلك من خلال تجهيز قوة عسكرية كبيرة العدد والعدة بقيادة "إميل جنتيل"؛ لمهاجمة قوات رابح من جهة الجنوب؛ للاستيلاء على مناطق نهر "الشاري" و"لوجون".

 

كما قامت فرنسا بتحريك قوات أخرى انطلقت من النيجر بقيادة "هولاند ومانيير"؛ للاستيلاء على المناطق الغربية لبحيرة تشاد وما جاورها، كما تحرَّكت قوة ثالثة من النيجر أيضًا بقيادة "فولييه وشنوان"، وعُرِفت هذه الحملة الكبرى ببعثة "شاري"، أو بعثة إفريقيا الوسطى، أو البعثة الصحراوية.

 

بدأت قوات "إميل جنتيل" القادمة من "اوبانقي شاري" بمهاجمة قوات رابح للمرة الثانية في مدينة "كانو" في 28 أغسطس 1899 ميلاديًّا، دارت خلالها معركة ضارية حامية الوَطِيس بين الطرفين، استمرَّت على مدى ثلاثة أيام على التوالي من دون انقطاع، تكبَّد فيها الطرفانِ خسائرَ جَسيمةً في المعدَّات والجنود، وكادت تفنَى فيها قوات رابح بعد أن خسرت أفضل قادتِها العسكريين الذين استماتوا في القتال، وقدموا أروع صور الاستبسال، حتى نالوا الشهادة في مَيدان المعركة، مما اضطر رابحًا إلى الانسحاب إلى مدينة "ركوة".

 

قامت القوات الفَرنسية في مارس 1900 ميلاديًّا بضرب حصار شديد على قوات رابح، ثم شرَعت في أبريل بمهاجمتها، ودارت معركة بين الطرفين حاميةُ الوطيس في منطقة "لخته"، وكانت حاسمةً، سقط فيها رابح شهيدًا، كما قتل فيها القائد الفَرنسي "لامي"، مما زاد في توسع نقمة المستعمر الفَرنسي، فقام بعمل بشعٍ بعيد عن الشرف العسكري والأخلاق الإنسانية، ظلَّ وصمة عار على التاريخ الفرنسي الممتلئ بمثل هذه الجرائم وما هو أبشع منها، حين قامت القوات الفَرنسية بقطع رأس المجاهد رابح ورفعه على السيف وطافوا به شوارع "ركوة" كرسالة تخويف وإرهاب للشعب التشادي المسلم، إلا أن المقاومة ضد المستعمر الفَرنسي لم تتوقَّف في منطقة بحيرة تشاد وكل أنحاء القارة السمراء المسلمة، فقد حمل لواء الكفاح والجهاد أبناء المجاهد رابح رحمه الله، ومضوا في السير على طريقه في مكافحة المستعمر جيلًا بعد جيل، حتى تحقَّق حلمهم في طرد المستعمر الأجنبي من أرضهم عبر رحلة طويلة من الكفاح والجهاد العسكري والسلمي، إلى أن خرج المستعمر الفرنسي يجر أذيال الخيبة والهزيمة مع بدايات مطلع الستينيات من القرن الماضي (القرن العشرين).

♦ ♦ ♦ ♦

 

الفصل الثاني

عوامل سقوط مملكة رابح

ساهمت عدة عواملَ داخلية وخارجية مشتركة في تقوُّض دولة رابح، وتحطيم حلمه الذي بذل جهدًا كبيرًا في تحقيقه، وأفنى أغلب مراحل عمره في مسيرة طويلة من الكفاح من أجل بناء إمبراطورية مترامية الأطراف، بلغت مساحتها أكثر من مائة وخمسين ألف كيلو متر مربع، وعدد سكانها جاوز خمسة ملايين نَسَمة.

 

يمكن أن نوجز هذه العوامل في نقاط مختصرة؛ لأنها موجودة، بل هي جزء أساسي تم تناوله خلال الدراسة أثناء تتبُّعِنا وبحثنا في مراحل موضوع البحث في عملية التحولات والتطورات، منذ أولى خطوات رابح في طريق بناء دولته:

1- الهجوم المتكرر على الأهالي وكثرة الغزو، وفرض الضرائب والقتل، كلها عوامل ولَّدت الحقد على نظام حكم رابح.

2- ضرائب الرأس والحيوانات والزراعة أثقَلت كاهلَ السكان، ودفعتهم إلى القيام بثورات ضد رابح.

3- استمرار الحروب وطول مدَّتها أدَّت إلى فقدان الكثير من القادة والجنود، واستنزاف الإمكانيات المادية والبشرية والعسكرية.

4- فشل السلاطين والأمراء في تحقيق انتصارٍ على رابح عبر سلسلة الثورات المتتالية، مما دفعهم إلى التحالف مع الفَرنسيين في محاولة القضاء على رابح واستعادة عروشهم.

5- استمرار الحروب أثَّرت في الحياة الاقتصادية القائمة على التجارة والزراعة والرعي.

6- تفاوت الموازين في القوة العسكرية من حيث العدد والسلاح مع القوات الفَرنسية، كان عاملًا مهمًّا في حسم المعركة مع رابح.

♦ ♦ ♦ ♦

 

الخاتمة

تناولت هذه الدراسة مرحلةً هامة من مراحل تاريخ القارة الإفريقية الحديث بصفة عامة ومرحلة النضال ضد المستعمر الأوروبي للقارة، باختيار نموذج حركة مناضل كبير، وهو المجاهد "رابح بن فضل" في منطقة تشاد.

 

حيث تناولت الدراسة حياةَ هذا المجاهد ونشأته، وتواصله مع قائدٍ كبير تعلَّم منه فنون القيادة وتأثر به أيما تأثُّر، حتى كاد ينصهر في شخصيته ويذوب فيها، لدرجة أنه كان ينادَى باسمه لا باسم أبيه، ونسب إليه "رابح بن الزبير"، وتتابع سير الدراسة في معرفة كيفية إنشاء رابح الإمبراطورية الواسعة، وحروبه ضد المالك المجاورة له، وصراعه مع الخصوم، وكيفية إدارة الدولة ونظام الحكم فيها، ثم صراعه ضد المستعمر الفَرنسي ومعاركه مع القوات الفَرنسية، واستبساله في صد العدو، إلى أن نال الشهادة في مَيدان القتال.

ثم تناولت الدراسة أسباب وعوامل سقوط دولة رابح، وتمكُّن العدو من القضاء عليه وعلى دولته.

♦ ♦ ♦ ♦

 

قائمة المراجع:

1- السنوسية دين ودولة، محمد فؤاد شكري، مراجعة يوسف المجريسي، أكسفورد، مركز الدراسات الليبية، 2005م.

2- تطور الحياة السياسية في تشاد منذ الاحتلال الفرنسي حتى نهاية حكم تمبلباي، طرابلس، مركز جهاد الليبيين، 1998م.

3- رابح من حلفاية الملوك إلى مملكة دكوة، بابكر الجاك بابكر، مقالة منشورة على موقع الصحافة بتاريخ 21/ 9/ 2012م.

4 - تاريخ السودان الحديث، ضرار صالح ضرار، مكتبة الحياة، بيروت 1965م.

5 - الجماعات العربية في إفريقيا، دراسة في أوضاع الجاليات والأقليات العربية في إفريقيا جنوب الصحراء، عبدالسلام بغدادي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2005م.

6- الوثنية والإسلام - تاريخ الإمبراطورية الزنجية في غرب إفريقيا، مادهو بانيكار، ترجمة أحمد فؤاد بلبع، المجلس الأعلى للثقافة، ط2، 1998م.



[1] السنوسية دين ودولة، محمد فؤاد شكري، مراجعة يوسف المجريسي، أكسفورد، مركز الدراسات الليبية، 2005م، ص 151.

[2] تطور الحياة السياسية في تشاد منذ الاحتلال الفرنسي حتى نهاية حكم تمبلباي، طرابلس، مركز جهاد الليبيين، 1998م، ص 46.

[3] رابح من حلفاية الملوك إلى مملكة دكوة، بابكر الجاك بابكر، مقالة منشورة على موقع الصحافة بتاريخ 21/ 9/ 2012م.

[4] تاريخ السودان الحديث، ضرار صالح ضرار، مكتبة الحياة، بيروت 1965م، ص 83.

[5] الجماعات العربية في إفريقيا، دراسة في أوضاع الجاليات والأقليات العربية في إفريقيا جنوب الصحراء، عبدالسلام بغدادي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2005م، ص 559.

[6] بابكر الجاك بابكر، مرجع سابق، 317.

[7] الوثنية والإسلام - تاريخ الإمبراطورية الزنجية في غرب إفريقيا، مادهو بانيكار، ترجمة أحمد فؤاد بلبع، المجلس الأعلى للثقافة، ط2، 1998م، ص272.

[8] نفس المرجع، نفس الصفحة.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الاستعمار المقنَّع
  • نظرية ما بعد الاستعمار
  • أهداف ومهام الاستعمار
  • النسبية في الدعوة إلى الله

مختارات من الشبكة

  • الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن التويجري في محاضرة: وقفات مع قوله تعالى: {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة}(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل العقيل)
  • ترجمة الشيخ عبداللطيف بن الشيخ عبدالرحمن بن شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • رسالة الشيخ عبدالكريم الدبان إلى شيخه الشيخ أحمد الراوي (PDF)(كتاب - ثقافة ومعرفة)
  • الشيخ المحدث عبدالله بن عبدالرحمن السعد في محاضرة: مسائل متعلقة بشهري شعبان ورمضان(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل العقيل)
  • مسند الديار النجدية وفقيهها الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن إسحاق آل الشيخ(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مخطوطة إجازة من الشيخ علي بن سليمان المنصوري إلى الشيخ حسين بن مراد(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • الشيخ جبران بن سلمان سحاري في محاضرة: اختيارات فضيلة الشيخ عبدالله بن عقيل في باب النكاح(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل العقيل)
  • ترجمة فضيلة الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن إسحاق آل الشيخ(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • من علماء آل الشيخ: عبدالرحمن بن عبدالعزيز بن حمد آل الشيخ(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • معالي الشيخ عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ (ت 1426)(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 27/11/1446هـ - الساعة: 15:13
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب