• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    فضل معاوية والرد على الروافض
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    ما جاء في فصل الشتاء
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرحمن، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    تفسير: (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: إذا استنجى بالماء ثم فرغ، استحب له ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    اختر لنفسك
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون (خطبة) - باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / مواضيع عامة
علامة باركود

المواساة (خطبة)

المواساة (خطبة)
وضاح سيف الجبزي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 28/8/2021 ميلادي - 19/1/1443 هجري

الزيارات: 33744

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

المُواساة


الحمدُ لله ربِّ العالمين، يا ربّ، تَمَّ نُورُك فَهَدَيْت فَلَكَ الْحَمْدُ، عَظُمَ حِلْمُك فَعَفَرتَ فَلَكَ الْحَمْدُ، بَسَطْت يَدَك فَأَعْطَيْت فَلَكَ الْحَمْدُ.. رَبَّنَا، وَجْهُك أَكْرَمُ الْوُجُوهِ، وَجَاهُك أعظمُ الْجَاهِ، وَعَطِيَّتُك أَفْضَلُ الْعَطِيَّةِ وَأَهْنَاهَا، تُطَاعُ رَبَّنَا فَتَشْكُرُ، وَتُعْصَى فَتَغْفِرُ، وتُجِيبُ الْمُضْطَرَّ، وَتَكْشِفُ الضُّرَّ، وَتَشْفِي السَّقِيمَ، وَتَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَتَقْبَلُ التَّوْبَةَ، ولاَ يُجْزِئُ بآلائِكَ أَحَدٌ، ولا يَبْلُغُ مَدْحَكَ قَوْلُ قَائِلٍ.

 

وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده ربي لا شريك له، إلهي..

أنتَ أَهْلُ الثَّناءِ والمَجْدِ فَامْنُنْ
بِجَميلٍ من الثَّناءِ المُواتي
ما ثنائي عليكَ إلَّا امْتِنانٌ
ومِثالٌ لِلْأَنْعُمِ الفائِضَاتِ
يا مرادي هذي ترانيم حبٍّ
من فيوض المشاعر الخاشعاتِ
يا محبَّ الثناءِ والمدحِ إني
من حيائي خواطري في شتاتِ
ذابتْ النفسُ هيبةً واحتراما
وتأبَّتْ عن بلعِ ريقي لُهاتي
‏ حُبُّنا وامْتِداحُنا ليسَ إِلَّا
وَمْضَةٌ مِنْكَ يا عَظيمَ الهِباتِ

 

وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صاحب الطلعة البهية، والنّورانية المحمدية، من أنار الله به عقول البشرية، وبدَّد به ظلمات الشرك والجاهلية، صلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه، غيوث النَّدى وليوث الرّدى، وأُسد الشّرى، ومصابيح الدُّجى..

صَلُّوا عليه كلّما صلّيتُمُ
لِترَوا به يومَ النجاةِ نجاحا
صلُّوا عليه كلَّ ليلةِ جمعةٍ
صلّوا عليه عشيّةً وصباحا
صلُّوا عليه كلّما ذُكِر اسمُهُ
في كلّ حينٍ غَدوةً ورَواحا
فعلى الصحيح صلاتُكم فرضٌ إذا
ذُكِر اسمُه وسمعتموه صُراحا
صلى الله عليه ما شَبَّ الدُّجَى
وبدا مَشيبُ الصبحِ فيه ولاحا



أما بعد:

ما أجملَ أن نتكلم عن المُثُل! وما أجلَّ أن نتحدث عن المكارم! وما أحسن أن نعيش مع القيم! وما أروع أن نحيا بالمشاعر، وما أبدع أن نُحَلِّق في ظلال مكارم الأخلاق!.

 

ألا، وإنّ من الأخلاق التي حثّ عليها الشرع، واستحسنها العقل، وافتقدها المجتمع، وأقفرت منها البِقاع، وافتقرت إليها الأمة، وتشوَّفت إليها النّفوس الكبيرة؛ خلقَ المواساة..

 

المواساة -يا عباد الله-؛ فبها تُبنَى المعارف، وتتوطدُ العلاقات، وتتعمقُ الأُخُوة، وتنبتُ المحبّة، وتزداد المودة، وتستمر الألفة، ويُحفَظ الجميل، ويَعظُمُ الوفاء، ويسلمُ الصدر، وتسكنُ النفوس، ويُحسَنُ الظنُّ، وتقالُ العثرات، ويُقبَل الاعتذار، وتُلتَمَس الأعذار.

الخيرُ زرعٌ والفتى حاصدٌ
وغايةُ المزروع أن يُحصَدا
وأسعدُ العالَم من قدَّم الإح
سَانَ في الدُّنيا لينجو غدا

 

المُواساة -عباد الله-، شعورٌ عاطفيٌّ نبيلٌ، وسلوكٌ مشاعريٌّ راق، يُنبِئُ عن صفاء معدِن صاحبه، ونُبلِ طبعه، ورِقةِ مشاعره، وأصالةِ جوهره، ونقاء مخبره، وكرَم نفسه، ودماثةِ خلقه، وسُمُوّ هِمَّته، ورجاحة عقله؛ فهو –إذن- من أعظم أخلاق المؤمنين، وجميل صفات المحسنين.

لِلْخَيْرِ أَهْلٌ لا تَزَالُ
وُجُوهُهُمْ تَدْعُو إِلَيْهِ
طُوبَي لِمَنْ جَرَتِ الأُمُورُ
الصَّالِحَاتُ عَلَي يَدَيْهِ
مَا لَمْ يَضِقْ خُلُقُ الْفَتَى
فَالأَرْضُ وَاسِعَةٌ عَلَيْهِ

 

والمواساة في الأصل تطلق على: «المداواة والإصلاح والعلاج»، فكأن المواسي يعالج المواسى ويداويه، ويخفف عنه ما هو فيه.

 

قال ابن مسكويه: المواساة: معاونةُ الأصدقاء والمستحقّين، ومشاركتُهم في الأموال والأقوات[1].

 

وسُميت مواساةً؛ لأن صاحب المال يجعل يدَه ويدَ صاحبه في ماله سواء.

 

وكانت العرب تضرب مثالًا شهيرًا، في الحثِّ على المواساة والتعاون، فيقولون:

«في الجَرِيرَة تشترِكُ العَشِيرَة»[2].

 

المواساة -يا عبد الله-: أن تئنّ لأنين المسلم، وأن تفرح لفرحه، أن تشعر بشعوره، أن تهتم به.. المواساة أن يعلوك الأرقُ لنازلةٍ بأخ، وأن تسبقك الدمعة لحاجة مسكين، وأن تغلِبَك عَبرتُك لفاقة عزيز، وأن يعتصرك الألمُ لمصيبة مسلم، وأن يخيم عليك الهمُّ لمرضٍ ينخر في جسد الأمة، ولخطبٍ يلوح في الأفق البعيد.. على حدِّ قول صاحب المشاعر النبيلة:

إذَا اشْتَكَى مُسْلِمٌ فِيْ الصِيْنِ أرَّقَنِيْ
وإنْ بَكَى مُسْلِمٌ فِيْ الْهِنْدِ أبْكَانِي
وَمِصْرُ رَيْحَانَتِيْ وَالشَامُ نَرْجِسَتِيْ
وَفِيْ الْجَزِيْرَةِ تَارِيْخِيْ وَعُنْوَانِي
وفي العراق أَكُفّ المَجْدِ تَرْفَعُني
إلى بساتين عِزٍّ ذاتِ أفنَان
ويسمعُ اليَمَنُ المحبوبُ أُغنيَتي
فيستريحُ إلى شَدْوِي وألحاني
ويسْكُنُ المسجدُ الأقصى وقُبّتُهُ
في حَبّةِ القلبِ أرعاهُ ويرعاني
أرى بُخارى بلادي وهي نائيةٌ
وأستريحُ إلى ذِكرَى خُراسانِ
شريعةُ اللهِ لَمّتْ شَمْلَنا وبَنَتْ
لنا مَعالِمَ إحسانٍ وإيمانِ
وحَيْثُمَا ذُكِرَ اسْمُ الله فِيْ بَلَدٍ
عَدَدْتُ أرْجَاءَهُ مِنْ لُبِّ أوْطَانِي

 

إنها تمثُّلٌ أخلاقي، وتجسيدٌ واقعي، وتصويرٌ حقيقي، وبرنامجٌ عملي لقول الحبيب محمدٍ صلى الله عليه وسلم: «تَرَى المُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، كَمَثَلِ الجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّى»[3].

 

ولقوله -صلوات ربي وسلامه عليه-: «الْمُسْلِمُونَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ، إِنِ اشْتَكَى عَيْنُهُ، اشْتَكَى كُلُّهُ، وَإِنِ اشْتَكَى، رَأْسُهُ اشْتَكَى كُلُّهُ»[4].

 

ولقوله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِمَنْزِلَةِ الرَّأْسِ مِنَ الْجَسَدِ، يَأْلَمُ الْمُؤْمِنُ لِأَهْلِ الْإِيمَانِ كَمَا يَأْلَمُ الْجَسَدُ لِمَا فِي الرَّأْسِ»[5].

 

ولقوله صلى الله عليه وسلم: «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، يَرُدُّ مُشِدُّهُمْ عَلَى مُضْعِفِهِمْ، وَمُتَسَرِّعُهُمْ عَلَى قَاعِدِهِمْ»[6].

 

ولقوله صلى الله عليه وسلم: «الْمُؤْمِنُ مِرْآةُ الْمُؤْمِنِ، والْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ، يَكُفُّ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ، وَيَحُوطُهُ مِنْ وَرَائِهِ»[7].

 

ولقوله صلى الله عليه وسلم: «خَيْرُ الْأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ، وَخَيْرُ الْجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ»[8].

إذا المرءُ لم يمدحْه حسنُ فِعالِه
فليس له -والحمدُ لله- مادحُ
عليك بفعل الخير لو لم يكن لهُ
من الفضل إلا حُسنُهُ في المسامع

 

ولا خير فيمن يحجب خيره عن غيره، ويزوي معروفه عمن يستحقه، ولا يعطي كل ذي حقٍّ حقّه.

 

ومن يكون هذا حالَه، فوجودهُ كعدمه، وحضوره كغيابه، وموته كحياته، فلا هو في العير ولا في النفير، ولا يوزن في موازين الناس بقنطار ولا بقطمير، ولا وزن له ولا حجم، ولا حيِّز ولا جُرم، فهو من سقط المتاع، ومن الهمل الرعاع، فلا هو يدفع أو يمنع، وعود خلال منه أنفع!!

إذا كُنتَ لا تُرجى لدَفْعِ مُلِمَّةٍ
ولم يَكُ في المعرُوفِ عنْدكَ مَطْمعُ
ولا أنْتَ ممن يُستعانُ بجاهِه
ولا أنْتَ يوم الحشْرِ مِمَّنْ يُشفَّعُ
فعيشُكَ في الدُّنيا وموتُكَ واحدٌ
وَعُودُ خلالٍ مِن وِصالك أنْفَعُ


ومن عزَّ نوالُه وقلَّ عطاؤه، فنِعمتُه إلى زوال، وما عنده من خير فهو إلى اضمحلال؛ لأنها غير محفوظة بالبذل، وغير مصانة بالإسداء، أو محروسةٍ بالإهداء.

 

يقول خير الخلق وإمام الحق –صلوات ربي وسلامه عليه-: «إِنَّ لِلَّهِ عَبَّادًا اخْتَصَّهُمْ بِالنِّعَمِ لِمَنَافِعِ الْعِبَادِ، ويُقِرُّهُمْ فِيهَا مَا بَذَلُوهَا، فَإِذَا مَنَعُوهَا نَزَعَهَا مِنْهُمْ، فَحَوَّلَهَا إِلَى غَيْرِهِمْ»[9].

 

ويقول: «مَا مِنْ عَبْدٍ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ نِعْمَةً فَأَسْبَغَهَا عَلَيْهِ، ثُمَّ جَعَلَ شَيْئًا مِنْ حَوَائِجِ النَّاسِ إِلَيْهِ فَتَبَرَّمَ، فَقَدْ عَرَّضَ تِلْكَ النِّعْمَةَ للزَّوَالِ»[10].

 

ويقول: «إِنَّ لِلَّهِ عِنْدَ أَقْوَامٍ نِعِمًا يُقِرُّهَا عِنْدَهُمْ مَا كَانُوا فِي حَوَائِجِ النَّاسِ، مَا لَمْ يَمَلُّوهُمْ فَإِذَا مَلَّوهُمْ نَقَلَهَا مِنْ عِنْدَهِمْ إِلَى غَيْرِهِمْ»[11].

لَيْسَ فِي كُلِّ حَالَةٍ وَأَوَانِ
تَتَهَيَّا صَنَائِعُ الْإِحْسَانِ
فَإِذَا أَمْكَنَتْ فَبَادِرْ إِلَيْهَا
حَذِرًا من تعذر الْإِمْكَان



إنّ القرآن يقدِّمُ لنا معادلة واضحة المعالم ﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾ [الليل: 5 - 7].

 

﴿ وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى 20 وَلَسَوْفَ يَرْضَى ﴾ [الليل: 17 - 21].

 

﴿ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ ﴾ [الروم: 39].

 

وفي الحديث القدسي: «يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ أَنْ تَبْذُلَ الْفَضْلَ خَيْرٌ لَكَ، وَأَنْ تُمْسِكَهُ شَرٌّ لَكَ، وَلَا تُلَامُ عَلَى كَفَافٍ، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى»[12].

كُلُّ امْرِئٍ يَوْمًا سَيَقْضِي نَحْبَهُ
إِنْ كَرِهَ الْمَوْتَ وَإِنْ أَحَبَّهُ
مَا الْحُرُّ إِلَّا مَنْ يُوَاسِي صَحْبَهُ
وَلَا الْفَتَى إِلَّا الْمُطِيعُ رَبَّهُ


قَالَ عَبْدُ اللهِ: مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَجْعَلَ كَنْزَهُ فِي السَّمَاءِ حَيْثُ لاَ يَأْكُلُهُ السُّوسُ، وَلاَ يَنَالُهُ السُّرُقُ فَلْيَفْعَلْ؛ فَإِنَّ قَلْبَ الرَّجُلِ مَعَ كَنْزِهِ[13].

ولم أجِد الإنسانَ إلا ابنَ سعيِه **** فمن كان أسعى كان بالمجد أجدرا

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء:114].

 

قلتُ ما سمعتم وأستغفر الله...

 

 

الخطبة الثانية:

الحمدُ لله المحمودِ على كل حال، الموصوف بصفات الجلال والكمال، المعروف بمزيد الإنعام والإفضال، أحمَدُهُ –سبحانه- وهو المحمود على كل حال، وفي كل حال.

 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ذو العظمة والجلال.

 

وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وخليلُه، الصادقُ المقال، اللهم صلّ على عبدك ورسولك محمدٍ، وعلى آله وأصحابه خير صحب وآل، وسلم تسليمًا كثيرًا.. وبعد:

فإنه لمن العجَب العُجاب -عبادَ الله- أن يكون في أُمَّة الرحمة قُساةٌ قد طمَسُوا مفهومَ المُواساة من معاجمهم، حتى ماتَت قلوبُهم، فلا يئنُّون لمُتألِّمٍ، ولا يتوجَّعون لمُستصرِخ، ولا يحْنُون على بائِسٍ، قد قسَت قلوبُهم، وغلُظَت أكبادُهم.

أمعن الناس في مخادعة النَّف
سِ وضلُّوا بصائرًا وعقولا
عبدُوا الجاهَ والنُّضَارَ وعينًا
من عُيونِ المها وخدًا أسيلا
الأديب الضعيف جاهًا ومالًا
ليس إلا مُثرثِرًا مخبُولا
والعُتُلُّ القويُّ جاهًا ومالًا
هو أهدَى هُدًى وأقومُ قِيلا
وإذا غادةٌ تجلَّتْ عليهِم
خشعُوا أو تبتَّلُوا تبْتِيْلا

 

إن بَلادَة القلوب عن المُواساة محنةٌ ماحِقة، وبليةٌ ساحقة، تخمد في رباها المشاعر، وتغيب في سمائها الرحمة، وتحترقُ في لظاها الفضائل، ويُوأَدُ في ترابها التوادُّ، ويُدفن في محيطها الحبُّ.

 

أن يكنِزَ الغنيُّ مالًا، فيكنِزَ الفقيرُ عداوةً، يزدادُ الموسرُ سَعة؛ فيزداد المقتر ضَعَة؛ فلا يأخذُ القويُّ حينئذٍ بيدِ الضعيف، ولا يشُدُّ المُقتدِر من أَزرِ العاجِز، فيضيعُ الضعفاءُ المُعوِزون وسطَ الزِّحام، ثم تسحَقُهم أقدامُ القسوة والتغافُل المَقيت، والنتيجةُ: مجتمع متفكك، وبيئة ممزقة، ورحم مقطوعة، وأسرٌ مشتتة، وقرابةٌ متفرقة.

قال صحبي: نراك تشكو جروحًا
أين لحن الرضا رخيمًا جميلا؟
قلت أما جروح نفسي فقد عوَّ
دْتُها بَلسَمَ الرضا لتزولا
غيرَ أنَّ السكوتَ عن جرح قومي
ليس إلا التقاعسَ المرذولا
لستُ أرضى لأمة أنبتتني
خُلُقًا شائهًا وقَدْرًا ضئيلا
لستُ أرضى تحاسدًا أو شقاقًا
لستُ أرضى تخاذلًا أو خمولا
أنا أبغي لها الكرامة والمج
دَ وسيفًا على العدا مسلولًا
علمتني الحياة أنِّي إن عشتُ لنفسي
أعِشْ حقيرًا هزيلا
علمتني الحياةُ أنيَ مهما
أتعلَّمْ فلا أزالُ جَهولا

 

اللهُمَّ إِنّا نسْأَلُكَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ، وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ، وَأَنْ تَغْفِرَ لنا وَتَرْحَمَنا، وتتوبَ علينا، وَإِذَا أَرَدْتَ فِتْنَةً فِي قَوْمٍ فَتَوَفَّنا غَيْرَ مَفْتُونين.

 

اللهم إنّا نسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ وَحُبَّ كلّ عَمَلٍ يُقَرِّبُنا إِلَيك.



[1]تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق ص (31).

[2]الجريرة: الذنب والجناية، والمثل يضرب للمواساة والتعاون. المعجم الوسيط (1/116).

[3]رواه البخاري في صحيحه (6011)، من حديث النعمان بن بشر رضي الله عنه، باب رحمة الناس والبهائم (8/10).

[4]رواه مسلم في صحيحه (2586)، من حديث النعمان بن بشر رضي الله عنه، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم (4/2000).

[5]أخرجه ابن المبارك في الزهد (693)، من حديث سعد بن سهل رضي الله عنه، باب ما جاء في الشح (1/241)، وأخرجه ابن أبي شيبة في المسند (1/94)، وأحمد (37/517)، صححه الألباني، السلسة الصحيحة (3/211).

[6]رواه أبو داؤود في سننه (2751)، من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم، باب في السرية ترد على أهل العسكر (3/80)، صححه الألباني، إرواء الغليل (7/265).

[7]رواه أبو داؤود في سننه (4918)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، باب في النصيحة والحياطة (4/280)، حسنه الألباني، السلسلة الصحيحة (2/500).

[8]رواه أحمد في مسنده (6566)، من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما (11/126)، والترمذي في سننه (1944)، باب ما جاء في حق الجوار (4/333)، صححه الألباني، السلسلة الصحيحة (1/102).

[9]رواه الطبراني في المعجم الأوسط (5162)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما (5/228).

[10]رواه الطبراني في المعجم الأوسط (7529)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما (7/292)، حسنه الألباني، الترغيب والترهيب (2/707).

[11]رواه الطبراني في المعجم الأوسط (8350)، من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما (8/186)، حسنه الألباني، الترغيب والترهيب (2/707).

[12]رواه مسلم في صحيحه (1036)، من حديث أبي أمامة رضي الله عنه، باب بيان أن اليد العليا خير من اليد السفلى، وأن اليد العليا هي المنفقة وأن السفلى هي الآخذة (2/718).

[13]مصنف ابن أبي شيبة (7/103).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • رمضان والمواساة
  • المواساة في الجوع والبرد
  • الزكاة مبنية على الرفق والمواساة
  • شرح باب الإيثار والمواساة
  • المواساة نسيم الحياة (خطبة)
  • فضل الإيثار والمواساة
  • المواساة بالطعام (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • مقاصد الزكاة وأثرها في أحكامها الشرعية: مقصد المواساة أنموذجا (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • رمضان شهر المواساة(محاضرة - موقع الشيخ أحمد بن حسن المعلِّم)
  • المواساة نسيم الحياة(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • صور من المواساة في القرآن الكريم(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • خطبة سورة الضحى مواساة وبشرى(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • سورة الضحى، مواساة وبشرى.. (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مواساة الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه في مصابهم(مقالة - ملفات خاصة)
  • حبيبتي مريضة بالسرطان(استشارة - الاستشارات)
  • مواساة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مواساة في فقد الأحبة(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب