• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المرأة في القرآن (1)
    قاسم عاشور
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (11)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    الإنصاف من صفات الكرام ذوي الذمم والهمم
    د. ضياء الدين عبدالله الصالح
  •  
    الأسوة الحسنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    أحكام المغالبات
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    تفسير: (ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: الاستطابة
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    ثمرات الإيمان بالقدر
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    العشر وصلت... مستعد للتغيير؟
    محمد أبو عطية
  •  
    قصة موسى وملك الموت (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الشاكر، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (12)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    تلك الوسائل!
    التجاني صلاح عبدالله المبارك
  •  
    حقوق المسنين (2)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تعوذوا بالله من أربع (خطبة)
    عبدالله بن عبده نعمان العواضي
  •  
    حكم المبيت بالمخيمات بعد طواف الوداع
    د. محمد بن علي اليحيى
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / مواضيع عامة
علامة باركود

السعادة الحقيقية (خطبة)

السعادة الحقيقية (خطبة)
أحمد عبدالله صالح

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 4/9/2019 ميلادي - 4/1/1441 هجري

الزيارات: 28197

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

السعادةُ الحقيقية

 

أما بعد:

فيا أيها الأحباب الكرام رواد مسجد بلال: ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا ﴾ [يونس: 58]، الفرح والسرور والبهجة والسعادة، جنةُ الأحلام التي ينشدها كُل البشر، ويسعى وراءها كُل الناس، من المفكر في قمةِ تفكيره إلى العامي في قاعِ سذاجته وبساطته، من الغني في قصره المشيد وبرجه العالي إلى الفقير في كوخه الصغير المتواضع، ولا نحسب أحدًا يبحثُ عن الشقاءِ لنفسه، أو يرضى بتعاستها، ولكن السؤال الذي يبحثُ عن إجابة، السؤال الذي حير الناس من قديم هو: أين السرور والفرح والسعادة؟ ومن أين نجدها؟

 

هل الفرح والسرور والسعادة في حديقةٍ غناء ومالٍ كثيرٍ وفرشٍ وفير وسررٍ عالية وقناطير مقنطرة من الذهب والفضة، والخيل المسومة والأنعام والحرث؟

 

هل السعادة منصبٌ يرفع العبد على الناس؛ ليستقوى به على ضعفة المسلمين، فيصبحوا له خدمًا وعبيدًا؟ هل السعادة صحةُ الجسم، فلا يمرض، ولا يسقم ولا يجوع، ولا يبأس؟

 

هل السعادة في زوجةٍ حسناء جميلة، أو في سيارةٍ فخمةٍ فارهة، أو في قطعةٍ من أرض، لقد طلب السعادة أقوام من طرق منحرفة، فكانت هذه الطرق، سببًا لدمارهم وهلاكهم، وسببًا لشقائهم ونهايتهم، ووبالًا سيئًا حلَّ بهم، وشرًّا مستطيرًا نزل عليهم، طلبها فرعون وتلاميذه لكنه ملكٌ بلا إيمان! وتسلطنٌ بلا طاعة، فتشدق في الجماهير وقال: ﴿ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي ﴾ [الزخرف: 51]، ونسِي أن الذي ملكه هو الله، والذي أعطاه مصر هو الله، والذي جمع له الناس هو الله، والذي أطعمه وسقاه هو الله، ومع ذلك جحد بهذا المبدأ وقال: ﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾ [القصص: 38]، فكان جزاء هذا العتو والتكبر والتمرد على الله، كان جزاء هذه العنجهية والصلف والغرور، أنه لم يتحصل على السعادة التي طلبها، بل كان نصيبه الشقاء والهلاك واللعنة بعينها؛ ﴿ فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى ﴾ [النازعات: 25]، ﴿ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ﴾ [غافر: 46].

 

وهذا قارون: يمنحه الله كنوزًا كالتلال، ما جمعها بجهده، ولا بذكائه، ولا بعرقه، ولا بعبقريته، وظن أنه هو السعيد وحده، وكفر نعمة الله، وأصر على تجريد المال من الشكر، وسعى في الأرض فسادًا، فكان الجزاء المر: ﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ ﴾ [القصص: 81].

 

وطلب السعادة الوليد بن المغيرة، فآتاه الله عشرة من الأبناء، كان يحضر بهم المحافل، والنوادي القريشية خمسةً عن يمينه، وخمسةً عن يساره، ونسي أن الله خلفه فردًا بلا ولد: ﴿ ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا * وَبَنِينَ شُهُودًا * وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ ﴾ [المدثر: 11 - 15]، فماذا فعل؟ وكيف تصرف؟ فبدل أن يشكر الخالق الذي أوجده فردًا وحيدًا، ويؤمن به سبحانه ويؤمن برسوله، جعل أولاده جنودًا يحاربون الله ورسوله إلا من رحم ربك، فقال الله فيه: ﴿ سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ ﴾ [المدثر: 26 - 30].

 

وآخر يلتمس السعادة في الشهرة، فيقضي ساعاته في توجيه الناس إليه؛ ليصبح حديث الركبان، وشاغل الدنيا.

 

وآخر يظنُ السعادة في الفن، الفن المتهتك الماجن، فيدغدغ الغرائز، ويلعب بالمشاعر، ويفتن القلوب، ويسكب الغرام في النفوس، فيحمله الله آوزار وذنوب وآثام وخطايا وسيئات مَن أغواهم وأضلهم دون أن ينقص من ذنوبهم وأوزارهم شيئًا.

 

فهل هذه هي السعادة؟ بئست السعادة إذا كانت مالًا حرامًا! نعم، السعادة ليست شيكًا يُصرف، ولا دابةٌ تُشترى، ولا وردةٌ تُشم، ولا بُرًّا يُكال، ولا بزًّا يُنشر! السعادة قلةُ ذات اليد وشظف المعيشة، وزهادةُ الموارد، وصحةٌ وعافيةٌ في البدن، يترجم هذا عليه الصلاة والسلام بقوله: (مَن بات آمنًا في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها).

 

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97].

 

السعادة الحقيقية بالإيمان والعمل الصالح، وجدها يونس عليه السلام وهو في بطن الحوت في ظلماتٍ ثلات، انقطعت به الحبال، إلا حبل الله، وتمزَّقت كل الأسباب، إلا سبب الله، فهتف من بطن الحوت بلسانٍ ضارعٍ حزين: ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 87]، فوجد السعادة.

 

ووجدها موسى عليه السلام، وهو بين ركام الأمواج في البحر، وهو يستعذب العذاب في سبيل الواحد الأحد: ﴿ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ [الشعراء: 62].

 

ووجدها محمد عليه الصلاة والسلام، وهو يطوق في الغار بسيوف الكفر، ويرى الموت رأي العين، ثم يلتفت إلى أبي بكر ويقول مطمئنًا: ﴿ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾ [التوبة: 40].

 

وجدها نبي الله يوسف عليه السلام، وهو يُحرم من حنان والديه سنوات طويلة، ثم يسجن سبع سنوات، فيسألونه عن تفسير الرؤى، فيتركها، ثم يبدأ بالدعوة فيقول: ﴿ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾ [يوسف: 39].

 

فيعلن الوحدانية، فيجد السعادة، ووجدها أحمد بن حنبل وهو يُجلَد جلدًا لو جُلِده الجمل لمات؛ كما قال جلَّاده، ومع ذلك يصر على مبدأ أهل السنة والجماعة، فيجد السعادة.

 

ووجدها ابن تيمية، وهو يعلنها للأجيال وعبر العصور حين يقول لأعدائه: "ما يصنع أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري إن سرت فهي معي، أنا قتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة، وسجني خلوة".

 

فهذه هي السعادة، وهذه أحوال السعداء، ولا يكون ذلك إلا بالإيمان والعمل الصالح الذي بعث به الرسول عليه الصلاة والسلام، فمن سكن القصور بلا إيمان، كتب الله عليه: ﴿ فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا ﴾ [طه: 124]، ومن جمع المال بلا إيمان ختم الله على قلبه: ﴿ فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا ﴾، ومن جمع الدنيا، وتقلَّد المنصب بلا إيمان، جعل الله خاتمته: ﴿ فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا ﴾.

 

حياة كلها قلق وضيق وتوتر، وهمٌّ وغم وتعاسه، ونكد وشقاء وألم وحرمان.

 

حياةٌ تناسب حياة أولئك الذين تركوا الدين، وتخلَّوا عن الإيمان بالله ورسوله بلا سعادة أو فرح، أو بهجة أو سرور.

 

صحيح أنهم أغنياء وتعلو على محياهم الغبطة والسرور والسعادة، لكنها غبطة وسرور وسعادة آنيه ولحظية ومؤقتة، سرعان ما تتحول إلى ضيق وتعاسة وقلق وهم وغم ونكد، وصدَق مَن قال وهو يصف هؤلاء بقوله: (إنهم وإن طقطقت بهم البغال، أو هملجت بهم البراذين، إلا أن ذل المعصية لا يفارق قلوبهم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه ).

 

أيها الأحباب الكرام، شعبٌ من الشعوب المتقدمة وصلت الرفاهية فيه بإيجاد مختلف أنواع التأمينات الصحية والاجتماعية التي لا تجدها شعوب أخرى، كل مواطن فيه يستحق معاشًا وإعانة مرض، وإعانة غلاء معيشة، وإعانة سكن، وإعانة علاج مجاني في المستشفيات، كذلك إعانة أمومة لكل النساء، تشمل مصاريف الولادة والرعاية الطبية، وإعانة إضافية لكل مولود، والتأمين ضد إصابات العمل إجباري، وتقدم الدولة مساعدات اجتماعية للطفولة، هي أقرب إلى الخيال، ومع هذه الرفاهية التي حصل عليها هذا الشعب، فإن الناس - وهو الشاهد من كل هذا - يعيشون حياة قلقة ومضطربة، حياة كلها توتر وسخط وشكوى وضيق وتبرم ويأس، مما يضطر بالألوف من الناس إلى الهروب من هذه الحياة الشقية النكدة إلى مؤسسات الانتحار؛ ليتخلصوا من هذا العذاب النفسي الأليم. والسر المستخلص من وراء هذا الشقاء يرجع إلى أمرٍ واحد، وهو فِقدان السعادة الحقيقية التي تكون بالإيمان والقرب من الله وطاعته وتقواه، وحيَّي الله من قال:

ولستُ أرى السعادة جمع مالٍ *** ولكن التقي هو السعيدُ

 

﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس: 58].

 

بارَك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فيا فوز المستغفرين ويا نجاة التائبين.

 

الخطبة الثانية

أما بعد:

فأحبتي الكرام، السعادة ليست في وفرة المال ولا بسطوة الجاه، ولا بكثرة الولد ولا بنيل المنفعة، السعادة ليست قصر عبدالملك بن مروان ولا جيوش هارون الرشيد، ولافي ديوان المتنبي، ولا في حدائق قرطبة أو بساتين الزهراء، إنما السعادة شيء معنوي لا يُرى بالعين ولا يقاسُ بالكم، ولا تحتويه الخزائن، ولا يُشترى بالدينار، ولا بالدرهم ولا بالريال أو بالدولار!

 

السعادة شيءٌ يشعرُ به الإنسان بين جوانحه، صفاءُ نفسٍ، وطمأنينةُ قلب، وانشراحُ صدر، وراحةُ ضمير! السعادة شيءٌ ينبعُ من داخلِ الإنسان ولا يُستورد من خارجه، هل سمعتم بالخليفة العادل الزاهد هارون الرشيد، الذي كان يصلي في اليوم مائة ركعة نافلة، الذي كان يغزو سنة ويحج سنة، الذي قال للسحابة يومًا: أمطري حيث شئت، فإن خراجكِ راجعٌ إليَّ". الذي استقر في الخلافة وتولاها بعد أبيه، فأنفق الكنوز والأموال والقناطير المقنطرة في بناءِ قصرٍ كبيرٍ له على نهر دجلة، يدخل النهر من شماله ويخرج من جنوبه، وعمر الحدائق التي تطل وتتمايل على النهر، ثم رفع الستور وجلس على كرسيه يستقبل تهنئه الناس له بهذا القصر، وكان فيمن دخل أبو العتاهية، فوقف أمام هارون الرشيد وقال له:

عش ما بدا لك سالِمًا *** في ظل شاهقة القصورِ

 

يقول له: ليهنئك العيش والسعادة، ودوام الصحة والعافية، في ظل هذا القصر الكبير، فارتاح هارون لهذا الكلام وقال: هيه، يعني زد، فقال أبو العتاهية:

عشْ ما بدا لك سالِمًا
في ظل شاهقة القصورِ
يجرى عليك بما أردتَ
في الغدو مع البكورِ

 

يقول له:

يأتيك الخدم والجواري بكل ما لذ وطاب من أَصنافِ الأطعمة والأشربة، وكل ما أردت، وكل ما طلبت وما أمرت يأتيك على الفور في الصباح وفي المساء، فقال له الخليفة هارون: هيه، زد،.

 

وهنا بدأ أبو العتاهية بحديث وكلامٍ ترجف له القلوب، وترتعد له الفرائص، ومالم يكن يتوقعه هارون الرشيد، فقال:

فإذا النفوسُ تغرغرتْ
بزفير حشرجة الصدورِ
فهناك تعلم موقنًا
ما كنت إلا في غرورِ

 

قال الخليفة: أعد، أعد.

 

قال: فإذا النفوس تغرغرت؛ يعنى إذا صرت طريح الفراش وحولك أولادك يبكون والأطباء من حولك يحاولون، ولقد اصفر وجهك، وتجعد جلدك، وبدأت تحس بزمهرير قارس يسحق إلى أنامل يديك وقدميك، وصرت قريبًا من الآخرة، مدبرًا عن الدنيا.

 

فإذا النفوس تغرغرت
بزفير حشرجة الصدورِ
فهناك تعلم موقنًا
ما كنت إلا في غرورِ

 

يعني: إذا حضرت سكرات الموت، وحان الأجل، وساعة الصفر، وأشرفت على الهلاك، سوف تعرف حينها أنك كنت تلعب وتعبث، فبكى هارون حتى وقع على الأرض، ثم أمر بالستور فهتكت، والأبواب فأغلقت، ونزل في قصره القديم. فمن أراد السعادة فليلتمسها في المسجد، فليلتمسها في المصحف في السُّنة، في الذكر، في التلاوة، في الهداية، في الاستقامة، في الالتزام في التسبيح، لا نلتمسها في الشوارع، ولا في الطرقات، ولا في الأسواق، أو في الحدائق، أو في المنتزهات، أو في المسارح، والمنتديات، أو في القنوات والفضائيات، لا نلتمسها في الأرصدة أو في البنوك، نعم يا كرام، ليست السعادة في أن نجمع الأموال، ولا في أن نبني القصور، ولا في أن نتفاخر بالمباني والعمارات، فقصور الغرب أطول من قصورنا، ومبانيهم وعماراتهم أضخم من مبانينا، وسياراتهم أفخر من سياراتنا، ﴿ وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [الزخرف: 33، 35]. فسعادتنا يا كرام بطاعة الله، بعبودية الله بالتزام أمر الله، بالوقوف عند حدود الله، بتطبيق شرع الله! سعادتنا بتشرفنا بأننا من أمةِ الحبيب صلى الله عليه وسلم:

ومما زادني شرفًا وفخرًا
وكِدتُ بأخمصي أطأ الثريَّا
دخولي تحت قولك: يا عبادي
وأن صيرت أحمدَ لي نبيَّا

 

اللهم أحينا سعداءَ، وأمتنا شَهْداءَ، واحشرنا مع زمرة الأنبياء، نسألك يا ربنا عيشةً هنيئة وميتة سوية، ومردًّا غير فاضحٍ ولا مخزٍ يا أرحم الراحمين، ثم اعلموا أن الله أمركم بأمرٍ بدأ به نفسه وثنَّى به ملائكته المسبحةِ بقدسه، وثلَّثَ به عباده من جنِّه وإنسه، فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

 

ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺻﻞ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﺑﺎﺭﻙ ﻋﻠﻰ ﻧﺒﻴﻨﺎ ﻣﺤﻤﺪ، صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر، ﻭﺍﺭﺽ ﺍﻟﻠﻬﻢ ﻋﻦ ﺧﻠﻔﺎﺋﻪ ﺍﻟﺮﺍﺷﺪﻳﻦ: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك ورحمتك، يا أرحم الراحمين.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • البحث عن السعادة
  • خطوة نحو السعادة
  • العلاقة بين حق القرآن والسعادة!
  • السعادة مع عدوك!
  • السعادة في معاملة الناس
  • معنى السعادة الزوجية
  • البؤس جعل السعادة من أولويات البشر
  • مفهوم السعادة
  • سر السعادة
  • عناوين السعادة
  • ليست السعادة بالمال (شعر)
  • خطوات تحصيل السعادة (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • خطبة عن السعادة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • السعادة الحقيقية (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • السعادة في الشعر(مقالة - موقع د. أحمد الخاني)
  • أسباب السعادة من أقوال أهل السعادة(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • هل السعادة في المال أم المال طريق إلى السعادة؟(مقالة - موقع د. زيد بن محمد الرماني)
  • السعادة الأسرية(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • السعادة(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أين السعادة؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الطريق إلى السعادة الأسرية(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • السعادة(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 29/11/1446هـ - الساعة: 21:31
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب