الفواحش

الفواحش

يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العظيم ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90] ويقول سبحانه وتعالى ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ﴾ [الأعراف: 33] ﴿ وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ ﴾ [الشورى: 37].

إن هذا العصر الذي نعيش فيه عصر انتشرت فيه الفواحش وكثرت فيه أسباب الفساد وتنوعت فيه وسائل الشر وانفتحت فيه زهرة الحياة الدنيا وسهل فيه الالتقاط المباشر من العالم الخارجي وترك الحبل فيه على الغارب باسم الحرية والديمقراطية.

إننا نعيش في زمن ملئ بالفواحش والمغريات التي تدفع الشباب والفتيات إلى الوقوع في مستنقع الفساد والمنكرات قال تعالى ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ﴾ [الروم: 41].

لقد شاعت الفواحش شيوعاً لا ينبغي تجاهله أو السكوت عنه لأن السكوت عنه له أضرار وخيمة وعواقب أليمة وسمعة سيئة فما لُعِن بنو إسرائيل إلا لأنهم سكتوا عن المنكر حتى تطبعوا به فلعنهم الله جميعاً.

لقد ظهر الزنا وانتشر اللواط وضعفت الغيرة واضمحل الحياء وأصبح الحرام أيسر حصولاً من الحلال وكثرت الجرائم وفسدت الأخلاق وأهملت الواجبات وكثرت الأمراض التي لم تكن معروفة في أسلافنا الذين مضوا.

قنوات إباحية تعرض الفاحشة ومواقع خليعة على شبكة الإنترنت تعرض كل ما هو جديد من الأغاني والأفلام الفاسدة، معاكسات وتحرشات جنسية واحتكاكات جسدية متعمدة وأماكن مشبوهة تحوم حولها علامات الاستفهام، مقاطع مخزية تتسرب في الجوالات عبر البلوتوثات، وعرض للعري والأزياء النسائية الفاضحة في الشوارع العامة وتجمع المراهقين والساقطين من الشباب في أسواق النساء وعند تجمعات البنات ومداخل بعض المدارس والثانويات، نساء يتسكعن في الأسواق تصدر منهن تصرفات وحركات وسلوكيات تدل على الهبوط والسقوط ومنهن من يزاحمن الرجال ويمازحن الباعة ومنهن من تخرج إلى الأسواق مكحلة العينين ملونة الوجنتين قليلة الحياء والاستحياء يظهرن زينتهن ويكشفن للشباب عن مفاتنهن بل ومنهن من يرمين لهم بأرقامهن وعناوينهن حتى أصبح سقطة الشباب يتداولون أسمائهن وأرقامهن وقصصهم الخسيسة معهن أضف إلى ذلك الاختلاط الموجود في بعض الإدارات والجامعات والباصات والمنتزهات حتى أصبحت المرأة منظرة للرجل في أماكن كثيرة.

هذا غيض من فيض يدل على خطر عظيم وسلوك شاذ وبعد عن توجيهات الإسلام وقيم وتعاليم المجتمع الإسلامي.

إنها منكرات تحز في النفس نراها بأعيننا في أماكن كثيرة ستدعي منا الوقوف معها والحديث عنها ودراسة أسبابها وعلاجها.

لست مبالغاً وفي نفس الوقت لست متشائما فمجتمعنا لا يزال بخير والحمد لله ولا تزال مظاهر العفة والدين والأخلاق والحياء هي الطابع العام ولئن وجد في المجتمع شرذمة قليلون يحبون الفاحشة ويعشقون الرذيلة ويحبون نشرها إلا أن الملايين وخاصة من أهل هذه البلاد بحمد الله يحبون العفاف والمروءة ويحافظون على قيمهم ودينهم ولا يرضون بهذه المنكرات الموجودة في البلاد ولا يقرونها يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي أخرجه ابن ماجة، وصححه الألباني من حديث زيد بن طلحة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن لكل دين خلقاً وخلق الإسلام الحياء" يعنى: إن الغالب على أهل كل ملة خلق معين، والغالب علينا أهل الإسلام الحياء.

بل إن المجتمع اليمني كان إلى فترة قريبة جداً متحلياً بكل القيم الأخلاقية ومحافظاً على كل الشيم الإسلامية برغم شيوع الجهل وانتشار الأمية وخاصة في أوساط النساء ومع ذلك فقد كانت كل أسرة تعمل على غرس القيم والأخلاق في نفوس أبنائها منذ الطفولة حتى جاءت الفضائيات والقنوات والمغريات في هذه السنوات المتأخرة فأنتجت هذه الفوضى وهذا الاغتراب وهذه المظاهر المأساوية.

عباد الله:

إن ترك المجال للشباب والفتيات وإطلاق سراحهم ليفعلوا ما يشاءون ويخرجوا متى يشاءون ويذهبوا حيث يشاءون بدون مبالاة ولا مراقبة إنه لمن أكبر أسباب الفساد وسقوط المروءة والأخلاق يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه ((إن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان)) ويقول - صلى الله عليه وسلم -: ((المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان))[1] أي زينها في نظر الرجال.

فكيف لا ينتشر الفساد وهذه الأسواق والمنتزهات قد امتلأت بالشابات الملفتات واختلطن مع الشباب الذين يبحثون عن مثل هذا الصنف من البنات فهل يستغرب بعد ذلك حدوث المعاكسات والمتابعات.

وما يحدث على ساحات الخور في عصريات يوم الجمعة خير شاهد وأعظم دليل يقول أحد الكُتاب (اصطدمت عدة مرات مما كنت أسجله من حوارات في ساحات خور المكلا في عصريات أيام الجمعة فلم أكن أتصور أن بناتاً يعاكسن شباباً أو شباب يعاكسون شباباً) ثم ذكر شباباً يمشون وراء الفتيات وكلمات وحركات خارجة عن الأدب ومحاولات من بعضهم لجذب البنات أو الشباب بالمال وما يحدث من قصص واقعية وكسر للحواجز وجرأة في الكلام، ثم ذكر الأسباب التي أدت إلى هذه المآسي فذكر ضعف الإيمان واختفاء الوازع الديني وذكر عدم التربية من قِبل الأهل وعدم التفاتهم للبس بناتهم وسماحهم لهن بالخروج بهذه الألبسة الفاتنة إضافة إلى البطالة والفراغ وتأخر سن الزواج وصدق الله جل جلاله إذ يقول ﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ [الأحزاب: 32، 33] ويقول سبحانه وتعالى ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 59].

الخطبة الثانية

إن المؤلم في هذا الموضوع هو أن بعض الآباء والأمهات هدانا الله وإياهم هم أول من يخرجون إلى مثل هذه الأماكن المختلطة وهم من يشاهدون تلك الفضائيات ويتابعون تلك المسلسلات وتجد من المربيات والمعلمات والأمهات من يلبسن ما يسمى كذباً وزوراً بالحجاب والحجاب منهن بريء ويسمحن لبناتهن أن يخرجن إلى الشوارع والأسواق بتلك الهيئات / وإذا كان رب البيت بالدف ضارباً....

إن مشكلة انتشار الفواحش مشكلة عظيمة ليست بالهينة والواجب هو أن نقضي على الأسباب التي تؤجج هذه المشكلة وتثير هذا الفساد حتى يكون المجتمع نظيفاً شريفاً محافظاً على الفضائل والاحتشام بعيداً عن التبذل وإظهار المفاتن وإثارة الغرائز يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتفق عليه ((ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء)).

فكل فرد منا عليه أن يدرك أنه مسئول عن أهله فيجب عليه أن ينصحهم وأن يمنع النساء من الخروج إلا لحاجة لا بد منها وأن يلزمها إذا خرجت باللباس الكامل الذي يصرف عنها أنظار الرجال وإذا أرادت أن تركب الباصات أن تصطحب معها ولو ابنها الصغير أو أخوها الصغير كما يجب عليه أن يمنعها منعاً باتاً من الخروج متزينة أو متعطرة.

كما يجب عليه أن يلزم أبنائه وإخوانه وأقربائه بترك التشبه والتقليد وأن لا يسمح لهم بالخروج إلى الأماكن المشبوهة فمن يرضى لأهله أن يكونوا ألعوبة في يد الرعاع ومن يرضى أن يتركهم يواجهون الحسرة والضياع يقول الله سبحانه وتعالى ﴿ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ يقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (من قل حياؤه قل ورعه، ومن قل ورعه مات قلبه).

وإذا لم يقم رب البيت بمسئوليته وتخلى عن أمانته التي أمنه الله إياها فإن بيئة الفساد ستنتشر وطرق الانحراف ستزيد وليس من مصلحة البلد ولا مصلحة أهله انتشار الفواحش والمنكرات فإن انتشار الفواحش في المجتمع من أعظم الأخطار التي تفسد المجتمع وتهدم بنيانه وتقوض أركانه يقول الله سبحانه وتعالى ﴿ وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ﴾ [الإسراء: 16] نعوذ بالله من عذابه ومن اليم عقابه.