• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الأسرة والمجتمع / قضايا المجتمع / في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
علامة باركود

الحسبة والمحتسبون (5)

الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 12/3/2011 ميلادي - 6/4/1432 هجري

الزيارات: 15382

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الحسبة والمحتسبون (5)

عواقب تعطيل شعيرة الحِسبة

 

الحمدُ لله ربِّ العالمين، خلَق الخَلْق ودبَّرهم، وبطاعته أمرَهم، ونهاهم عن معصيته، فمَن أطاعه سعِد وفاز، ومَن عصاه خسِر وخاب، ولن يضرَّ الله - تعالى - شيئًا: ((يا عبادي، إنما هي أعمالُكم أُحصيها لكم، ثم أُوفِّيكم إياها، فمَن وجد خيرًا، فليحمدِ الله ومَن وجَدَ غير ذلك، فلا يلومنَّ إلا نفْسَه))، نحمده حمدَ الشاكرين، ونستغفره استغفارَ المذنبين، ونسأله مِن فضله العظيم؛ فالخيرُ بيديه، والشرُّ ليس إليه.

 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحْدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسوله، خاتم النبيِّين، وإمام المحتسِبين، صدَع بالحقِّ في قومه، ودعَا إلى دِينِ ربِّه، وتحمَّل الأذَى في سبيلِه، وما لانَتْ عزيمتُه، ولا وَهَنَتْ شكيمتُه، ولا فَتَرَ في دعوته، صلَّى الله وسلَّم وبارَكَ عليه وعلى آله وأصحابِه وأتْباعِه إلى يوم الدِّين.

 

أما بعدُ:

فاتَّقوا الله تعالى وأطيعوه، وتمسَّكوا بدِينكم، وتزوَّدوا مِن الأعمال الصالحة ما يكون ذُخرًا لكم، وادْعوا إلى سبيلِ ربِّكم، واصْبِروا على أذى قَوْمِكم، فلا نجاةَ مِن الخسران إلا بذلك؛ ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر: 1 - 3].

 

أيها الناس:

جَعَل الله تعالى الاحتسابَ قيامًا للدِّين، بل لا قِيامَ للدِّين إلا به، فالأمرُ بالطاعات يقودُ إليها، ويُبقِي على هيبتها في القلوب، ويؤدِّي إلى إظهارِ شعائرِ الدِّين وعُلوِّها، والنهي عن المعاصي يُقلِّلها، ويُبقِي على حَرَجها في الصدور، وعيبها في النفوس، ورَفْضِها عندَ الناس، فلا يُقلَب المعروفُ إلى مُنْكَر، ولا المنكر إلى معروف.

 

ولذا كانتْ شعيرةُ الحِسبة من أجَلِّ الشعائر في الإسلام وأفضلِها، وما الجهادُ الذي هو ذِروةُ سَنامِ الإسلام إلا شُعْبة مِن شُعَبِها، ويترتَّب على التقصير فيها، أو ترْكها بالكلية ضياعُ الناس وضلالهم، وانتشارُ الجهل في أوساطِهم، واضمحلال الدِّين فيهم، وانطفاء جَذْوة نورِه مِن قلوبهم، فتركبهم الشياطينُ، وتُسيطِر عليهم الأهواء، وتنتشر فيهم الأدواء؛ ممَّا يُؤذِن بالهلاك في العاجِل، والعذاب في الآجِل.

 

بترْك الاحتسابِ على الناس تنزع الخيريَّة منهم؛ إذ خيريَّةُ هذه الأمة مشروطةٌ ببقاءِ شعيرة الحِسْبة فيهم، فإذا عطَّلها أهلُ الإجابة كانوا في هذا الجانبِ مِن الدِّين كغيرهم مِن أمَّة الدعوة؛ ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 110]، فلا خيريةَ لأُمَّة الإجابة بلا إشاعةِ الأمر والنهي الشرعيَّين بين الناس.

وإذا عُطِّل الاحتسابُ على الناس - كما يُريد المنافقون - رُفِع العِلم، وعمَّ الجهل، وانتشرتِ الأهواء، كما جاء في الحديث: ((لا تقوم الساعةُ حتى يأخذَ الله شريطتَه مِن أهل الأرض، فيَبقَى فيها عَجَاجَةٌ لا يَعرِفون معروفًا، ولا يُنكرون مُنكرًا))؛ رواه أحمد.

وإذا انتشر الجهلُ فيهم، ورَكِبوا أهواءَهم ضعُف إيمانهم، وزالتِ التقوى مِن قلوبهم، فنُزعت خيراتُهم، ومُحقِتْ برَكة أرزاقهم، واستحقُّوا العذابَ بعِصيانهم، كما عُذِّب الذين كانوا مِن قبلهم؛ ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الأعراف: 96].

 

وإنْ دَعَوُا الله تعالى ليفرِّجَ كَرْبَهم، ويدفع العذابَ عنهم، فحَقِيقون بعدمِ الاستجابة لهم؛ لأنَّ ترْكَ الاحتساب على أربابِ المنكرات سببٌ لردِّ الدعاء وعدم استجابته، كما في حديثِ حُذَيفةَ - رضي الله عنه - أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((والذي نفْسِي بيده، لتأمرنَّ بالمعروف ولتنهونَّ عن المنكر، أو ليوشكنَّ الله أن يَبعثَ عليكم عقابًا مِن عنده، ثم لتدعُنَّه فلا يستجيبُ لكم))؛ رواه أحمد.

 

والإهلاك إنما يكون بسببِ كثرةِ الذنوب، والذنوبُ لا تَكثُر إلا إذا عُطِّلتْ شعيرة الأمر والنهي الشرعيَّين، وإلا فإنَّه إذا بقِي في الأُمَّة مَن يَصْدَع بالحق، ويأمر ويَنهى؛ فإنَّ الخيريَّة لا تُسلَب بكامِلها منها، ويكون الآمرون الناهون هم سببَ حِفْظِ البِلاد والعِباد مِن حلول الهلاك، ووجوب العَذاب؛ ﴿ فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ ﴾ [هود: 116]، وفي آية أخرى: ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴾ [هود: 117]، ولمَّا قالتْ زينب بنت جحش - رضي الله عنها -: ((يا رسولَ الله، أَنَهلِك وفينا الصالحون؟ قال: نَعَمْ، إذا كَثُر الخبَث))؛ رواه الشيخان.

 

وفيما قصَّه الله - تعالى - علينا مِن أخبار بَنِي إسرائيل أنَّه - سبحانه - لعَنَهم على ألسن رُسلهم - عليهم السلام - بسببِ عِصيانهم، وتعطيلهم شعيرةَ الحِسْبة فيما بينهم، فلا يَنهى أهلُ المنكر بعضُهم بعضًا عن مُنكرهم، وسَكَت علماؤهم وأحبارُهم عن أمرِهم ونهيهم؛ رغبةً في أموالهم، أو رهبةً مِن أذاهم، فذَمَّ الله - تعالى - صنيعَهم؛ ﴿ وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ [المائدة: 62 - 63]، وفي آيات أخرى لعَنَهم بسببِ ذلك؛ ﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [المائدة: 78 - 79].

 

واللَّعْن هو أشدُّ ما يُعبِّر اللهُ - تعالى - به عن مَقْته وغضبه، فالملعونُ هو المحرومُ مِن لُطْفه وعنايته، البعيد عن هُبوط رأفتِه ورحمته، قال ابن عبَّاس - رضي الله عنهما -: "لُعِنوا بكلِّ لسان: على عهْد موسى في التوراة، ولُعِنوا على عهْد عيسى في الإنجيل، ولُعِنوا على عهدِ داود في الزَّبور، ولُعِنوا على عهْد محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - في القرآن، وإنما كان سببُ ذلك اللَّعْن مِن الله - تعالى - الذي استمرَّ هذا الاستمرار هو عِصيانهم له - عزَّ وجلَّ - واعتداءَهم الممتد المستمر، كما يدلُّ عليه قوله - تعالى -: ﴿ وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ﴾ [المائدة: 78].

 

وقدْ بيَّن - سبحانه - ذلك العِصيان وسبب استمرارِهم عليه بقوله: ﴿ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ ﴾ [المائدة: 79]؛ أي: كانوا لا يَنْهَى بعضهم بعضًا عن مُنكر مِن المنكرات، مهما اشتدَّ قُبحها وعظم ضَرَرها، وإنَّما النهي عن المُنكر حِفاظ الدِّين، وسِياج الآداب والفضائل، فإذا تُرِك تَجرَّأ الفُسَّاق على إظهارِ فِسقِهم وفُجورهم، ومتَى صار الدهماءُ يَرَوْن المنكراتِ بأعينهم، ويسمعونها بآذانِهم، تزول وحشتُها وقُبْحُها مِن أنفسهم، ثم يتجرَّأ الكثيرون، أو الأكثرون على اقترافها، فبيَّن الله - تعالى - حالَهم للمؤمنين، وذمَّ أفعالَهم بقوله سبحانه: ﴿ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [المائدة: 79].

وإنَّما بيَّنه الله تعالى لرسوله وللمؤمنين; عبرةً لهم، حتى لا يفعلوا فِعْلهم، فيكونوا مثلَهم، ويحلَّ بهم مِن لعنة الله وغضبِه ما حلَّ بهم.

وبنو إسرائيل حين لُعِنوا قد يكونون في غفلةٍ عن سببِ لعنتهم، وهو انتشارُ المنكرات فيهم وعدم إنكارها؛ ذلك أنَّ التفطُّنَ لأسباب العقوبة هو أوَّلُ درجات التوفيق، كما أنَّ الغفْلة عن أسبابِ العقوبة هي أوَّل دَرَكات الخذلان، ولا تزال النُّذُر تتابَع على المعذَّبين ولا يُدرِكون مغازيَها، حتى ينزلَ بهم العذابُ وهم في غفلة.

 

وتَعطيلُ شعيرة الاحتساب سببٌ لتباعد القلوب وتنافرها، ووقوع العداوة والبغضاء بيْن الناس، على عكسِ ما يُروِّج له أربابُ المنكرات، فإنَّهم يظنون أنَّ ترك الناس أحرارًا سببٌ لألفة القلوب واجتماعها؛ لأنَّ كلَّ واحد منهم يفعل ما يُريد بلا حسيبٍ ولا رقيب، وهذا مِن جَهلهم؛ فإنَّ الله تعالى قدْ نهانا أن نسير سيرةَ أهل الكتاب الذين فرَّقوا دِينهم، وحرَّفوا كتبهم، واختلفوا على أنبيائهم، بسببِ أنَّ أهواءهم متفرِّقة، وقد حاكموا كتبَهم إلى أهوائهم، ولو أنَّهم جعلوا أهواءَهم تبعًا لما في كتبهم، وبَلَّغتْه رُسلُهم لمَا اختلفوا، وفي هذا الشأن يقول الله تعالى: ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 104]، ثم عقَّب - سبحانه - على الأمر بهذه الشعيرة العظيمةِ بقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾  [آل عمران: 105]، ومشهورٌ عن بني إسرائيل أنَّهم ﴿ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [المائدة: 79]، فعُلِم بذلك أنَّ ترْكَهم للتناهي أدَّى إلى تباغُضهم واختلافهم وافتراقِهم.

نعوذ بالله تعالى مِن فُجاءَة نِقمته، ومِن تحوُّل عافيته، ومِن جميع سَخطِه، ونسأله العافيةَ لنا وللمسلمين أجمعين، إنَّه سميعٌ مجيب.

 

وأقول قولي هذا...

 

الخطبة الثانية

الحمدُ لله حمدًا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه، كما يحبُّ ربُّنا ويرضَى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومَن اهتدى بهُداهم إلى يوم الدِّين.

 

أما بعد:

فاتَّقوا الله تعالى وأطيعوه؛ ﴿ وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [آل عمران: 131 - 132].

 

أيها المسلمون:

إنَّ وجودَ الحسِّ الاحتسابي عندَ الناس لدليلٌ على حياةِ قلوبهم بالإيمان، ممَّا يكون سببًا لأمْنِ البلاد والعباد؛ لأنَّ الله تعالى قد جعَل الحِسْبة دافعةً للعذاب، وسببًا للأرزاق والبرَكات، كما أنَّ الشعور بوجوبِ احتساب الأفراد بعضهم على بعضٍ ينمي رُوحَ الجماعة فيهم، ويُوقِظ حِسَّهم بمسؤوليتهم تُجاهَ غيرهم.

وفي زمننا يَكثُر الكلام عن الشفافيةِ والرقابة الذاتية، والمسؤولية الجماعية؛ مِن أجْلِ النُّهوض والتقدُّم، وأنَّ الرقابة المجتمعيَّة سببٌ للمحاسبة، وكف أيدي العابثين، وخوف المقصِّرين، والحسبة هي البوَّابة الكُبرى لذلك، فالذين يَدْعُون للشفافية والرُّوح الجماعيَّة، ثم يُحاربون الحِسبةَ والمحتسبين، فقدْ كذَّبتْ أفعالُهم دعاواهم؛ إذ إنَّهم يَنقُضون ما يَدْعون إليه، عَلِموا ذلك أم جَهِلوه.

إنَّ الاحتسابَ على الناس في أيِّ مجال مِن المجالات هو شعورٌ بمسؤوليَّة المحتسِب تُجاهَ إخوانه ومجتمعه وأمَّته، والأُمم التي فقدتْ هذا الشعور تختلُّ أركانُها، ويَضطرِبُ أَمْنُها عندَ غيابِ القانون، أو غَفْلة أجهزةِ الأمن.

 

وقد ألَّف المستشرق الأمريكي مايكل كوك موسوعةً ضخمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، افتَتَحها بحادثتَيْن مُعبِّرتَيْن يغلُب على الظن أنَّ مقارنته بينهما هي التي دعَتْه لتأليف موسوعته الضَّخْمة عنِ الاحتساب:

أمَّا الحادثة الأولى: فذَكَر فيها أنَّ امرأة اغتُصِبتْ في محطة قطار فرعية في شيكاغو أمامَ جمهرة الناس، فلم يتحرَّك أحدٌ لمساعدتِها، أو يَأْبَه لنداءاتِها، وهي تُصيح بأعْلى صوتها مستنجدةً بهم؛ حتى قضَى المغتصِبُ وطَرَه منها، ثُم انصرَف آمنًا.

ويُعلِّق مايكل على هذه الحادثة البَشِعة قائلاً: لدَيْنا فكرة واضحة عن واجبٍ لا يفرض علينا التصرُّفَ بنحو لائق إزاءَ الغير فقط، بل كذلك منْع الآخرين مِن فِعْل ما فيه تَعَدٍّ واضح على الناس، مع ذلك ليس لدينا في حياتنا اليوميَّة مصطلحٌ يشرح هذا الواجِبَ، كما ليستْ لدينا نظريةٌ عامَّة حول الأوضاع التي ينطبق عليها، والإرغامات التي تسقطه، يقدم الإسلام في المقابِل اسمًا ونظريةً لواجبٍ أخلاقي مِن هذا النوع واسِع المجال هو (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).

 

أما الحادثة الثانية: فذَكَر فيها قِصَّة احتساب إبراهيم بنِ ميمونٍ الصائغ - رحمه الله تعالى - على أبي مسلم الخُرَساني حتى قتَلَه مِن كثرةِ ما يُنكِر عليه من الظُّلم.

وأراد مايكل بِذِكْر هاتين الحادثتَيْن أن يقارنَ بيْن سلبية الفرْد الغربي تُجاهَ المجتمع في الموقف الأوَّل، وإيجابية الفَرْد المسلم تُجاهَ المجتمع في الموقِف الثاني بسببِ شعيرة الحِسْبة وقال: كان الصائغ رجلَ مبدأٍ في حياته كما في مماته، ومبادِئُه تلك هي التي تَهمُّنا هنا.

قام عملُه الأخير كما بدَا لعيون اللاحقين، وربَّما له هو نفْسه على مبدأِ فريضةِ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقدْ عُرِف بتفانيه في الأمْر بالمعروف.ا.هـ كلامه.

 

وصلُّوا وسلِّموا على نبيِّكم.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الحسبة والمحتسبون (1)
  • الحسبة والمحتسبون (2)
  • الحسبة والمحتسبون (3)
  • الحسبة والمحتسبون (4)
  • الحسبة
  • ليس لها إلا المحتسبون
  • من أبرز أسباب العزوف عن الحسبة (2)
  • نظام الحسبة في الإسلام
  • الحسبة والمحتسبون (6)
  • الحسبة والمحتسبون (7)
  • الحسبة والمحتسبون (8)
  • الحسبة والمحتسبون (9)
  • دور المحتسب في الوقاية من تلوث البيئة
  • نظام الحسبة في الإسلام

مختارات من الشبكة

  • الحسبة والمحتسبون (10) خطورة توطين المنكر وتطبيعه(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • الحسبة العلمية وقراءة تراث سيبويه(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الحسبة عند الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله: دراسة تأصيلية (PDF)(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • التوسط في الحسبة بين الإفراط والتفريط ‫(PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الحسبة على الطوائف البدعية ‫(PDF)‬‬‬‬‬‬‬‬(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • من قواعد وتقريرات الإمام أحمد بن حنبل في الحسبة ‫(PDF)‬‬‬‬‬‬‬‬‬(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • وقفات مع آيات الحسبة في القرآن الكريم (PDF)‬‬‬‬‬(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • قاعدة " الضرر يزال " وتطبيقاتها في الحسبة(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • الحسبة على المدن والعمران (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • من الوسائل الشرعية لإنكار المنكر: الحسبة(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب