• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: المخدرات والمسكرات
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    {وما النصر إلا من عند الله} ورسائل للمسلمين
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرزاق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    الأحق بالإمامة في صلاة الجنازة
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    فضل الصبر على المدين
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    تفسير قوله تعالى: { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    محاسن الإرث في الإسلام (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    تفسير: (لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    علامات الساعة (2)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    ما جاء في فصل الصيف
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
  •  
    خطبة: أم سليم ضحت بزوجها من أجل دينها (1)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    خطبة: التربية على العفة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أسس التفكير العقدي: مقاربة بين الوحي والعقل
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الأسرة والمجتمع / قضايا المجتمع
علامة باركود

إسعاف ذوي الحاجات

الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس

المصدر: ألقيت في المسجد الحرام يوم 12/10/1427هـ

تاريخ الإضافة: 17/1/2008 ميلادي - 8/1/1429 هجري

الزيارات: 12725

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

إسعاف ذوي الحاجات

 

ملخَّص الخطبة:

1- الأواصر الاجتماعيَّة في الإسلام.

2- مشكلة الفقر.

3- المال مال الله.

4- فضل رعاية الفقراء.

5- الوصية باليتامى.

6- الحثُّ على العناية بالأرامل والأيامى.

7- عناية الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم بالفقراء والمساكين والمحتاجين.

8- الحثُّ على رعاية المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصَّة.

9- سَبْق بلاد الحرمَيْن في هذا المضمار.

 

الخطبة الأولى

أما بعد:

فخير ما يوصَى به أيها المؤمنون ويُساق ويُلحَن من الوصايا الأعلاق: تقوى البارئ الخلاَّق؛ فتقوى الله هي النور الهادي ليس به خَفَا، والبصيرة لمن اقتفى فاكتفى، والشِّفا لمَنْ كان من الفاقَة على شَفا، والغِنى لمَنْ أعوَز واعتَفَى، ﴿ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [الأنعام: 153].

أيُّها المسلمون:

من إشراقات عظمة الإسلام وجلاله وخصائصه الباهرة التي أضاءت في شموله وكماله وجلَّت بمُنَّةٍ عن رحماتِه في جماله، تلكمُ الأواصر الاجتماعية السامية، والوشائجُ الرُّوحيَّة والخُلُقية النَّامية، والعلائق الهَطِلَة بالإنسانية الحانية، لاسيَّما في أوان الماديَّات الذي حُجِبَت فيه كثير من القلوب بغلائل الذاتيَّة الجَمُوع، والفرديَّة اللَّحيدة المَنُوع، التي أصدرتها في غيابات الجشَع الجموح.

 

نعم، في أوانٍ أجدبت فيه المشاعر حتى غدت هشيمًا تذروه الرِّياح، وطوَّحت الجسومُ من جواهرها الرأفة، فآضت لصفاقتها كالأشباح بعد أن برَأها الباري جلَّ في علاها موئلاً لزكيِّ الطِّباع، ومَنهَلاً للبِرِّ المَشاع، والإخاء المتقارَض النّفَّاع.

إخوةَ الإيمان:

ومن القضايا التي ترزح تحت مُرهقِها كثيرٌ من الأمم والأقطار، والمجتمعات والأمصار، وكان أن طبَّ لَها الإسلامُ بأحكامه ونوره قضيةُ الفقر وشأن الفقراء؛ يقول عزَّ اسمه: ﴿ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ﴾ [الذاريات: 19].

 

ولِمَا يجلبه الفقر من كلٍّ، ولِمَا فيه من فَلٍّ ونأيٍ وكَلكَلٍ؛ استعاذ منه الحبيب المصطفى بقوله: ((اللهم إنِّي أعوذ بك من الفقر والقِلَّة والذِلَّة))؛ أخرجه أبو داود والنَّسائي.

ألم تروا إلى الفقير بين النَّاس مريضَ الجناب منكسِر الجناح، حليفَ همومٍ وأتراح، دونَ اقتراف إثمٍ أو جُناح؟! يحمِل بين أضلاعه من لواعب العِيلَة ما أقبر أُنسَه، وأنشر بؤسَه، وقضَّ مضجعه، وفضَّ من الحُرقة مدمَعَه، يقتاتُ من تباريحِ العَوَز ما أطال سُهادَه، ورضَّ من الأسى أمانيَه ومراده. يعيش الفقير وحُشاشتُه بجِمار العَدَم والخَصَاصة تُنهَب، وزفراتُه الكاوِيَة في الأحشاء تَلْهَب:

قَدْ عَضَّهُ الْبُؤْسُ الشَّدِيدُ بِنَابِهِ
فِي نَفْسِهِ وَالْجُوعُ فِي الأْحَشْاءِ
فِي قَلْبِهِ نَارُ الْخَلِيلِ وَإِنَّمَا
فِي وَجْنَتَيْهِ أَدْمُعُ الْخَنْسَاءِ

 

ولكن يا أمَّة العقيدة لكن، لا يغيبَنَّ عن شريف عِلْمِكُم أنَّ المال مال الله، وأنَّ الله مُسْتَخْلِفَكُم فيه، وأنَّ الذي أغنى هو الذي أقنى، وأنَّ التفاوتَ في الأرزاق حكمةٌ من المولى الرزَّاق؛ ﴿ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا ﴾ [الزُّخرف: 32]. يُمحِّص بها الأغنياء، ويبتلي الفقراء، وتلك الحكمة المطوية في قضائه وقَدَرِه، لا يتنوَّرُها إلا مَنْ غَمَرَه شعاع الإيمان، وسطع في قلبه نور الحكمة والإيقان؛ ﴿ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ ﴾ [الحشر: 7].

أمَّا الذين استرقَّتهم شهواتهم وذواتهم، وبارح اليقين أنحاءهم؛ فهم الذين يجوبون في سُجُوف الحيرة والضَّلال. ونأيًا بالمسلمين عن هذا المَهْيَع المهين، توافقت الآيات والبراهين، على ترسيخ حقِّ المحاويج والضعفاء، والمساكين والفقراء، واحترام شخصهم، والتنويه بحالهم؛ تحسينًا لمستوياتهم، وحلاًّ لمشكلاتهم.

 

ومن لطائف التَّرابط في قوله تعالى: ﴿ إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ﴾ [الحاقة: 33-34] يقول العلامة الشَّوْكانيُّ رحمه الله: "وفي جَعْل هذا قرينًا لتَرْك الإيمان بالله من التَّرغيب في التصدُّق على المساكين وسدِّ فاقتهم وحثِّ النفس والنَّاس على ذلك ما يدلُّ أبلغ دلالة ويفيد أكمل فائدة على أنَّ منعهم من أعظم الجرائم وأشدِّ المآثم". انتهى كلامه رحمه الله.

وفي هذا الاستنباط دليلٌ على عظيم فضل رعاية الفقراء، ودِعامةُ أساسٍ في عظمة الإسلام وخصائص مجتمعه المنشودة، وأَلْوِيَةِ تكافله وتآزره المعقودة، وعلى هذا الغِرار يُذكَّر ذوو اليَسَار أنَّ الذي خلقهم وخلق الفقراء قد جعل بينهم ميثاق الرَّحمة والتَّعاطف، وعقد التَّكافل والتَّكاتف، وذلك بأن يمنح القادرُ العاجزَ رَوْحًا من قواه، ويَنفحَ الواجِدُ الفاقدَ قليلاً من جَدواه، ﴿ وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ﴾ [النحل: 71].

إِبَّان ذلك يشيع في الأمَّة الرَّخاء، ويرتفع بقلوبها بَهِيُّ الإخاء، وستنعَم النفوس في الدارَيْن في منهج مُسدَّد، وفعل موفَّق مُرشَّد، بين عاجلٍ ممجَّد، وآجِل مخلَّد.

 

فإلى أمَّة الإسلام، وإلى المجتمعات المستغيثة من غوائل الفقر وشروره، التي يجرها لخراب العالم ومعموره، إن كنتم تشفقون على نَعيم عَيشكم من البؤس والبؤساء، وتدرؤون عن جمال حياتكم دمامة الفقر والفقراء، فاقتحموا على الفقر مكامِنَه في الأكواخ والأعشاش، ولكن بعينٍ واكفةٍ وفؤاد بالرحمة جَيَّاش، ثم قيِّدوه بالاكْتِنان في إيتاء الزَّكاة وسائر القُرُبات، كالصَّدقات الجاريات، والأوقاف السَّاريات، والهبات الباقيات، والكفالات الواقيات.

إِنِّي أَرَى فُقَرَاءَكُمْ فِي حَاجَةٍ
لَوْ تَعْلَمُونَ لِقَائِلً فَعَّالِ
وَجَزَاءُ رَبِّ الْمُحْسِنِينَ يَجُلُّ عَنْ
عَدٍّ وَعَنْ وَزْنٍ وَعَنْ مِكْيَالِ

 

واغرسوا حبَّ ذلك في قلوب النَّاشئة؛ تكن منكم بإذن الله أمَّة متراصَّةُ البناء، على قلب الأودَّاء، تقطع مراحل الحياة رافهةً مطمئنة، لا يمسها عناءٌ ولا نَصَب، ولا يرهقها عَوَزٌ ولا تعب، حينئذٍ لن تروا - بإذن الله - عينًا تحسد، ولا قلبًا يحقد، ولا يدًا تجترح وتفسِد، ولا تكادون ترون في البيوت عائلاً، ولا في السُّجون قاتلاً، ولا في الطُّرقات متسوِّلاً ولا سائلاً، جاعلين قاعدة التكاتُف والتكافل طيلسانَ بُرُدكم، أينما يَكُنِ العَيْش الكريم يَكُنِ الأمن والسَّلام، والحبُّ والودُّ والوئام.

إخوة الإيمان:

ومن فئات المجتمع الذين كلأتهم الشَّريعة بعين أحكامها، وضَمَّخَتهم برُداعِ لُطفها وحنانها، ولهم في قلوبنا والمسلمين مكانة أَثِيلَة، فئةٌ فقدت حنان الأبوَّة المشفِقة الحادِبَة، ولَوَّعهم فقدُ الأمومة الحانية ووجدانِها الدافق بمشاعر الحب الحالم الجذلان، فباتوا في مَسيس الحاجة إلى مرفإِ حبِّكم ولطفكم وحنانكم وعطفكم ومَهدكم المفعَم بالرَّحمة والرِّفق والسُّلوان، تواسون جفونهم القريحة، وتؤاسون قلوبهم الجريحة، تلكم هي فئةُ أحبَّتنا الأيتام، رحم الله يُتْمَهُم وعوَّضهم بمن فقدوه خيرًا.

فذو المرتَبَة يحنو على ذي المترَبَة، فتتبلَّجُ في حياتهم الرَّحمة في أسمى معانيها، والسعادةُ في أجلى مراميها، قال سبحانه ممتنًّا بكلاءَةِ نبيِّه عليه الصَّلاة والسَّلام: ﴿ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى ﴾ [الضحى: 6]، ويقول فيما أخرجه البخاري عن سهل بن سعد رضيَ الله عنه: ((أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتَيْن))، وأشار بالسَّبابة والوسطى وفرَّج بينهما.

 

رَباه ربَّاه، ما أعظم هذا الشرف وما أرباه، لمَنِ احتضن يتيمًا فأحسن مَربَاه، فرحم الله مَنْ رحم الأطفال والأيامى، وهنيئًا لمَنْ زرع بسمةً حانيةً على وجوه اليتامى، ومسح على رؤوسهم مسحةً حادِبة، ورَبَّتَ على أكتافهم عِصاميَّةَ المستقبل وآفاق الأمل المشرق الوضَّاء.

وفي تعظيم حرمة اليتيم يقول سبحانه: ﴿ فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ ﴾ [الضحى: 9]. وللمؤتمَنين على أموال القُصَّر واليتامى يُلفَت النظر إلى خطورة التعرُّض لحقوقهم وأموالهم، يقول سبحانه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ﴾ [النساء: 10].

 

وهكذا يا أمَّة الإحسان صان الإسلام منزلةَ الفقراء والأيتام، واحتفظ لهم بالوجود المعتبَر في مسيرة الأمم، وكَفَل لهم الشخصيَّةَ الموفورة التي من حقِّها أن تشارك في العلياء وتؤُمّ.

لِلَّهِ دَرُّ السَّاهِرِينَ عَلَى الأُلي
سَهِروا مِنَ الأَوْجَاعِ وَالأَوْجَالِ
أَهْلِ الْيَتِيمِ وَكَهْفِهِ وَحُمَاتِهِ
وَرَبِيعِ أَهْلِ الْبُؤْسِ وَالإمْحَالِ

 

الذين أضاؤوا دياجيرَ المُدقِعين والمُعسِرين بنور الودِّ الهادي، والحنان الرَّائح الغادي.

كَادَ الْيَتِيمُ يَمُوتُ لَوْلا مَعْشَرٌ
حَاكَوا جُدُودَهُمُ الْكِرَامَ خِلالا
وَقَفُوا الْجُهُودَ لِنَشْلِهِ مِنْ بُؤْسِهِ
وَغَدَوْا أَبًا يَحْنُو عَلَيْهِ وَخَالا
أَرَوَيْتُمُ ظَمَأَ النُّفُوسِ بِصَيِّبٍ
مِنْ بِرِّكُمْ فَعَبَقْتُمُ إِفْضَالا

 

معاشر الأحبَّة:

وينتظم في سِلك الأحِقَّاء بالمَرْحَمَة والمواساة والتَّعاطف في هذه الحياة فئةٌ ثالثةٌ جديرةٌ بالذِّكْر والعناية والاهتمام والرعاية، فئةٌ صَهَر جوانحها فَقْدُ أحبابها، فعاشت ضِيقَ الإعسار ووَكْتَةَ الإقتار وهَمَّ تنشِئة الأبناء الأخيار، تلكم هي فئة الأرامل والأيامى، يقول في وَكِيد رعاية حقِّها: ((السَّاعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، أو كالصَّائم لا يفطر، وكالقائم لا يفتُر))؛ أخرجه البخاريُّ ومسلمٌ.

ومن بدائع الفاروق الملهَم رضي الله عنه وأرضاه في شفقته على الأرامل وكفالة معايشهنَّ خشيةَ أن تُمزِّقهنَّ الفاقَة بنابها العضود، ما رواه البخاريُّ رحمه الله أنَّ امرأة قالت: يا أمير المؤمنين، هلك زوجي وترك صِبيةً صغارًا، وليس لهم زرعٌ ولا ضَرْعٌ. فوقف معها عمر ولم يمضِ، ثم انصرف إلى بعيرٍ ظهير، فحمل عليه غِرارتين ملأهما طعامًا، وحمَل بينهما نفقةً وثيابًا، ثم ناولها بخَطامه وقال: اقْتادِيهِ، فلن يفنى حتى يأتيَكم الله بخير.

 

الله أكبر! إنها المسؤوليَّة البرَّة الناطقة، والعاطفة الرّاحمة الوادِقة، حِيال الأمومة اللهيفَة السَّاغِبة. وهكذا منِ ازْدانَ به عصر سُلالته العادلة عمر بن عبدالعزيز رحمه الله؛ حيث لم يوجَد في عصره فقيرٌ يُعطَى من الزكاة، فللَّه دَرُّه لله.

أيها المؤمنون:

وستظلُّ كثيرٌ من المجتمعات أمثولةَ أَثْرَةٍ مقيتة وفرديَّة شحيحة غداةَ ذَوَت فيهم أزاهيرُ الإحسان والمعروف، ما لم يعمد عُقَلاؤها وسُراتها إلى ربطها بجَوْهر نصوص الشَّريعة الحاضَّة على التَّواصي بالتَّراحم والتَّلاحم، استيعابًا وفَهْمًا وتطبيقًا؛ إذ هي الأَلَقُ والنُّور، وهي الشِّفاء لما في الصُّدور؛ لما تضطرب فيه الأمم من عوائق اجتماعية وضوائق ماديَّة وإنسانية. ويومئذٍ تَسْتَرْوِح البشريَّة الكالَّة واحةَ الإسلام الفيحاء، وترتوي بالعَذْب الزُّلال من نَميرِه. ألا فَلْتُهْدِ العَنادِل الرَّحمة والإخاء بين بني الإنسان، ولتُهدِ الفيوض المواساة والمرور على روابي أفئدة المسلمين الندية الخضراء، حيال أحبَّتنا الأيتام والأرامل والفقراء، والمحاويج والمساكين والضُّعفاء.

وبعد أيها الإخوة:

فللطَّامحين لنَيْل أعلى الدَّرجات، ومرضاة ربِّ البريَّات، إنها لفرصةٌ قارَّةٌ، ونَفحة عُلوِيَّةٌ بالحسنات دارَّة، وأعمالٌ بارَّة يَحْسُن اهتبالُها مداومةً على الأعمال الصَّالحة التي قَصْدها النَّهج الربَّانيّ، وسكبها في أرواحنا الفَيْضُ الرمضانيّ والعيد الإيمانيّ، والموفَّق مَنْ وفَّقه الله، والمحروم مَنْ حرمَ نفسَه فضلَ الله.

 

اللهمَّ إنَّا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحبَّ المساكين، اللهم خذ بأيدي أغنيائنا لعون فقرائِنا، وكُنْ للفقراء واليتامَى والأرامل والأيامَى؛ إنَّك جوادٌ كريم.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولكافَّة بني الإسلامِ مِن جميع الخطايا والآثام، فاستغفروه وتوبوا إليه على الدَّوام، فيا لَفَوز المستغفِرين، ويا بشرى للتائبين، جعلنا الله وإيَّاكم منهم بفضله وكرمه، اللَّهمَّ آمين.

الخطبة الثَّانية

الحمد لله، وفَّق مَنْ شاء للإحسان وهدى، وتأذَّن بالمزيد لمَنْ راح في المواساة أو غدا، وأشهد أنَّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً نرجو بها نعيمًا مؤبَّدا، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمدًا عبد الله ورسوله أندى العالمين يدًا وأكرمهم مَحْتِدا، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه أهل التراحم والاهتدا، وبَذْل الكفِّ والنَّدى، ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ ما ليلٌ سجَى وصبحٌ بدَا، وسلَّم تسليمًا سَرْمَدًا أبدا.

أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله ومدُّوا لإخوانكم المفؤودين رِفدًا ويَدا، تفلِحوا في دنياكم وغدا.

 

إخوة الإسلام:

وهؤلاء الفئام في مجتمع الإسلام، قد احتفى بهم سيد الأنام عليه الصَّلاة والسَّلام، فكان يزورهم، ويعود مرضاهم، ويسدُّ خلَّتهم وفاقَتَهم، وما من فئةٍ منهم إلاَّ ولها آمالُها التي ترنو إليها، وهي أعزُّ ما تطمح إلى تحقيقه؛ كي تتفيَّأ مرابِع الطمأنينة والهناء، وتُشاركَ في الإعمار والبناء والنَّماء، فعلى ذوي القرار والمسؤولية والتوجيه أن تكون لهم بصيرةٌ نافذة، وذلك هو المؤمَّل بحمد الله في تعاملٍ أمثَل وسعيٍ أنبَل، يحقِّق الحرص على إيثارهم ونفعهم، وإيصال الخير والعون إليهم مهما كانت الظروف والحتوف، والارتفاع بمنافعهم فوق كلِّ الروابط والضوابط، في رعايةٍ مسدَّدةٍ شاملة، نفسيًّا وتربويًّا واجتماعيًّا وعلميًّا.

ويخصُّ المحبُّ بمزيد القول والتأكيد: دعمَ رعاية أعزَّتنا المُعاقين وذوي الاحتياجات الخاصَّة، الذين لم يُزِدْهم قضاء الله وقَدَرُه إلا عزمًا على المعالي وإباءً، وتفاؤلاً بالآمال ومضاءً، ودَمْجِهم في مسيرة المجتمع الوثَّاب وميادين بنائه ورقيه بما يتواءم وقدراتهم الجسدية، وتلمُّحٍ لمَلَكاتهم المتميِّزة ومواهبهم المبدعة، في تكافل وتمازج يسمُوان إلى علوِّ المشاركة الأخويَّة الوجدانيَّة، التي تتَّحد في الحاضر المجيد، والعَيْش الرَّغيد، والأُفْق المديد السَّعيد، وأنهم من المجتمع وإليه، ولهم الحقُّ كلُّ الحقِّ في العناية والاهتمام، والرِّعاية والزِّمام، وتلك مسؤوليةٌ مشتركةٌ بين كافَّة أطياف المجتمع وشرائحه ومؤسساته، عندها ستدرك الأمَّة أنَّ الإعاقة رسالةٌ بالعطاء دفَّاقة، وأنَّ مَنْ يُنسَبون إليها قد يفوقون بعضَ الأسوياء؛ إذِ المعاق المسبوك معاقُ الرُّوح والفِكر والسُّلوك.

إخوةَ الإيمان:

وفي هذا المضمار دَبَّجَتْ - بفضل الله وعظيم منِّه - بلادُ الحرمين السَّنِيَّة ومملكة الإنسانية دروبَ التكافل والإحسان والمواساة أيّانَ مرساها، ووشَّت دروبَ التراحم والتراؤف كيف مجراها، في تعاضد سَبَّاقٍ وبذلٍ غَيداق، وَفق سنن الإحسان الشرعيَّة، وقواعد اللُّحمة الوطنية والإسلامية، عبر المؤسسات الخيرية والهيئات الإغاثية ودور الرعاية الاجتماعية، وما هي - وايمُ الحقِّ - ببِدعٍ في ذلك؛ ففي ربوعها أَزْهَر الإيثار وسار، وفي هذه البطاح والدِّيار انبجسَت ينابيع الرَّحمة المحمديَّة المهداة والنعمة المُسداة، ومن هذه البقاع امتارتِ الدُّنيا أزوادَ الأرواح، واستبضعت الإنسانية المرزَّأة بلاسِمَ الكلوم والجراح.

 

وإن تُرِد - يا رعاكَ الله - البرهان السَّاطع والدَّليل القاطع: فسَيرنو ذلك جليًّا في أطفال ومحتاجي فلسطين، ويتامى لبنان، ومتضرِّري العراق، ومنكوبي الحوادث، وضحايا الفيضانات والكوارث، مع ما يُؤمَّل من بذل المزيد، ولِرجال الأعمال ولذوِي اليسار والمال في ذلك الأنموذَجُ الأكيد والرِّفد الرَّفيد، أبقاها الله للأمن والإيمان أبهى واحة، وللتَّراحم والإحسان روضةً فوَّاحة؛ إنَّه خير مسؤول وأكرم مأمول.

هذا وصلُّوا وسلِّموا رحمكم الله على المرسَل بالرَّحمة التامَّة والرأفة العامَّة، والإحسان الغامِر والبرِّ الهامر، نبيِّكم محمد بن عبدالله، كما أمركم بذلك مولاكم ومولاه، فقال تعالى قولاً كريما: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

 

اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على نبيِّنا الحبيب المصطفى...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


مختارات من الشبكة

  • حوار مع د. سيد جرحي - قسم الصحة النفسية بكلية الآداب(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • رجل من ذوي الهمم(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • إتحاف ذوي الهمم العلية بأنواع الفصاحة اللغوية (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تحذير ذوي العقول من السرقة والغلول (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إتحاف ذوي الفكر بما في (آية النمل) من العبر (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • أجر الصدقة على ذوي الأرحام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تنبيه ذوي الحجا في بعض الأحاديث المشتهرة في باب العلم ولا يصح مرفوعا(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الحديث: من وجد لقطة فليشهد ذوي عدل، وليحفظ عفاصها ووكاءها(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • التنمر على ذوي السمنة(استشارة - الاستشارات)
  • مخطوطة تحفة ذوي الأرب في مشكل الأسماء والنسب (النسخة 2)(مخطوط - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 16/11/1446هـ - الساعة: 14:43
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب