• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة (المساجد والاحترازات)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    لماذا قد نشعر بضيق الدين؟
    شهاب أحمد بن قرضي
  •  
    حقوق الأم (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    الدرس الواحد والعشرون: غزوة بدر الكبرى
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    أهم مظاهر محبة القرآن
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    تفسير سورة المسد
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    الحديث: أنه سئل عن الرجل يطلق ثم يراجع ولا يشهد؟
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    التجارب
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    خطبة مختصرة عن أيام التشريق
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    قالوا عن "صحيح البخاري"
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (12)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    عشر أيام = حياة جديدة
    محمد أبو عطية
  •  
    من مائدة الحديث: فضل التفقه في الدين
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    خطبة: فما عذرهم
    أحمد بن علوان السهيمي
  •  
    خطبة: وسائل السلامة في الحج وسبل الوقاية من ...
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    العشر من ذي الحجة وآفاق الروح (خطبة)
    حسان أحمد العماري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الأسرة والمجتمع / قضايا الأسرة
علامة باركود

خطبة حقوق مشتركة بين الزوجين (1)

خطبة حقوق مشتركة بين الزوجين (1)
يحيى بن حسن حترش

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 29/1/2024 ميلادي - 18/7/1445 هجري

الزيارات: 4332

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

خطبة حقوق مشتركة بين الزوجين (1)


الخطبة الأولى

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102 ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]، أما بعد:

فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، أما بعد:

معاشر المسلمين، والمسلمات، أيها الأزواج، والزوجات، لقد تناولنا الحديث معكم في الجمعة الماضية بعضًا من الحقوق المشتركة بين الزوج وبين الزوجة.

 

وما زال للحديث بقية، وما زلنا نسعى بحديثنا في سلسلة الحقوق الزوجية حتى نصل إلى معرفة السعادة الأسرية، والمحبة الزوجية.

 

ولعلكم تعجبون، وتستغربون، وقد تسألون: لماذا كل هذا؟ لماذا طال الحديث، وتعددت الخطب عن العلاقة الزوجية، والحياة الأسرية، ابتداءً من الزواج، وغلاء المهور، ومنكرات الأعراس، ثم الحقوق الخاصة بين الزوجين، وبعدها الحقوق المشتركة؟ ألا يكفينا أن تُجمل لنا ذلك بخطبةٍ، أو خطبتين؟ وهلا أشرت إلى ما يجهله، ويقترفه بعض الأزواج بإشارات، وعبارات مختصرات، وتركت ما تحدثت عنه من الأمور، والحقوق الواضحات؟

 

فأقول: يا من تقول هذا بلسان حالك، أو بلسان قالك، لو كنت تعلم ما بي كنت تعذِرني، لو كنت تعلم كم هي الاعتداءات والمخالفات، سواءٌ من قبل الأزواج أو الزوجات، لو كنت تعلم أعداد وأرقام المشاكل الزوجية التي كانت سببًا في تفكك كثيرٍ من الحياة الأسرية.

 

لو كنت تعلم كم هي البيوت التي تشتعل بمشاكلها، وكم هي الأمراض النفسية التي خرجت منها.


لو كنت تعلم ما الذي تقدره الإحصائيات من حالات الفراق والطلاق، وما الذي نتج وراء ذلك من كثرة الجرائم، وسوء الأخلاق، سواءٌ من المطلقات، أم من أزواجهنَّ، أم من أبنائهنَّ، وبناتهنَّ، لو علمت بعض المشاكل التي عشناها، أو سمعنا بها، أو نسمعها من الدعاة ومن القضاة ومن غيرهم، لو علمت ذلك كله، لاستقللت ما استكثرت، ولا استهونت ما استعظمت، ولعلمت الأهمية البالغة في عرض هذه المواضيع الأسرية، وبيان ما يتعلق بالحقوق الزوجية، الخاصة منها، أو المشتركة.

 

ثم نقول من لهذه الأمور؟ من لهذه الأمور العظام، إن لم تُعرض ويُذَكَّر بها من هذا المقام، من للزوجين اللذَين يعيشان حياة المشاكل والمخاطر، إن لم تعالج قضاياهما من على هذه المنابر؟! ما دور الخطباء إذًا إن لم يضعوا أيديهم على جراح أمتهم؟! ما فائدة الخطبة إذًا إذا لم تتحدث عن واقع الحاضرين، ومشاكلهم، وما الذي يحتاجون إليه في دينهم، ودنياهم؟!

 

ولربما بعض الحاضرين، أو الحاضرات، من الأزواج، أو الزوجات، يسعد إذا سمع الآخر كلمة، أو حكمًا يتعلق بحقه، لعله يصلح من خطئه، أو يعترف بذنبه، وتقصيره، أو لعله هو يعتبر وينزجر فيما هو واقعٌ فيه مع زوجته، أو مقصرٌ، وكم - والله - هي الثمار الطيبة التي قطفناها، من خلال الخطب الماضية التي ألقيناها، وكم هي الأخبار السارة التي سعدنا بها، من وراء هذه المواضيع التي تحدثنا عنها!

 

من ننتظر أيها الناس، من ننتظر أيها الأزواج، والزوجات، أن يعالج مشاكلنا، ويبين لنا ما يتعلق بحقوق بعضنا على بعض، وما يريده الله منا؟ هل ننتظر ذلك من أولئك الذين لا يبالون، ولا يهتمون بإصلاح غيرهم، ونصح إخوانهم، وإنما همهم هو كتابة أوراق الطلاق ليتقاضوا أموال أجرتهم وأوراقهم؟ هل ننتظر ذلك من الذين يزيدون الأزواج مشاكل فوق مشاكلهم، وذلك بطمعهم، ومماطلتهم في قضيتهم، نسأل الله أن يصلح حالنا، وأن يفقهنا في أمور ديننا، ويصلح أزواجنا، ويصلحنا لأزواجنا.

 

معاشر المسلمين والمسلمات، كنا قد تحدثنا وشرعنا في الخطبة الماضية في الكلام عن الحقوق المشتركة بيننا وبين أزواجنا وزوجاتنا، تكلمنا عن معرفة طباع الزوجين والصبر، والوفاء بين الطرفين، وغير ذلك مما تقدم في الجمعة الماضية، ونكمل في هذه الخطبة ما تيسَّر جمعه من هذه الحقوق المشتركة.

 

ومن هذه الحقوق هو التزين والتجمل بين الزوجين، وهذا الأمر في غاية الأهمية في جلب المحبة في الحياة الزوجية، فبما أن الله جعل الزوجين لباسًا لبعضهما، فإن من يلبس ثيابه لا يطيب له لباسه إلا إذا كان جميلًا ومطيبًا ونظيفًا.

 

فمن حُسن العشرة الزوجية أن يتطيب الزوجان، ويتجملا لبعضهما، ويزيلا ما يجلب النفرة والوحشة بينهما.


فعلى المرأة أولًا: أن تهتم بمظهرها، وتتطيب لزوجها، وتستقبله بأحسن هيئتها، وتسرُّه إذا نظر إليها، ولحرص النبي عليه الصلاة والسلام على زينة المرأة لزوجها، أمر زوجها إذا سافر أو ابتعد عنها، ألا يأتي بيتها في الليل فيفاجئها، وليست في زينتها، وليست متهيئة لزوجها؛ فقد روى البخاري ومسلم عن جابر- رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قدم أحدكم ليلًا، فلا يأتين أهله طُرُوقًا، حتى تَسْتَحِد المغيبة، وتمتشط الشعثة»[1]، أي: إن الزوج إذا قدم من سفره، فلا يبغتها بطرق بابها، ولكن يشعرها بقدومه، حتى تتهيأ لزوجها، وتمشط شعرها، وغير ذلك مما يحتاج إليه منها، لا سيما وقد كان بعيدًا عنها.

 

ولما مات ولدٌ لأم سليم رضي الله عنها وأرضاها، كان من حكمتها، وحسن تبعُّلها لزوجها قبل أن تفاجئه بموت ولده، أن تجملت تجملًا ما تجملت قبله مثله، ثم لما أصاب منها حاجته، أخبرته بموت ولده لعلمها - رضي الله عنها وأرضاها - قدر، ومكانة تجمل المرأة في نفسية زوجها.


نعم أيها الأزواج والزوجات، إن من فطنة المرأة وحسن تبعُّلها لزوجها، هي التي تهتم بمظهرها ورائحتها، وتسر زوجها إذا نظر إليها، هذا إذا أرادت أن تقصر نظر زوجها عليها، ولا تجعله يتطلع لغيرها، أو يتزوج عليها.


فكم من رجل عنده قدرةٌ مالية وبدنية على أن يأتي بزوجةٍ ثانية، ولكنه مقتنعٌ بزوجته، بل ما قد فكر بالزواج عليها، ولعلها لا تملك جمالًا مثل أختها، أو جارتها التي تزوَّج زوجُها عليها، والسر في ذلك هو اهتمامها بنفسها، واستشعارها أنها لزوجها، وهو لها.

 

فكيف إذا أضافت إلى تجمُّلها وحسن تبعُّلها جمالَ أخلاقها، وطيب كلامها وعباراتها لزوجها، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال: المرأة الصالحة من السعادة، والمرأة السوء من الشقاوة.

 

وإن من غفلة المرأة، وسوء معاشرتها، هي التي لا تهتم بمظهرها، ولا تبالي برغبات، ومشاعر زوجها، بل إن من حماقتها، وقلة حيائها، أن تتجمل حال خروجها من بيتها، وإذا أبدت زينتها لأقاربها وجيرانها، كم من امرأةٍ تظل وقتًا طويلًا مع الحوامير، والمكاييج، والمساحيق، إذا دُعيت أو لم تدع لقاعةٍ غنائية، أو حفلةٍ نسائية، أو ربما إذا خرجت للأسواق التجارية، وما أشبه ذلك.

 

ولعلها تخرج متبرجة ومتعطرة، وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن المرأة إذا تعطرت وخرجت وشم رائحتها القوم، فهي زانية!

 

هكذا - للأسف - هو حال كثيرٍ من النساء، التبرج، والتعطر، والتجمل، ولبس أحسن الثياب، للقاعات، والصالات والخرجات، أما الزوج فليس له حظٌّ من ذلك كله، ولعل الزوج يفرح ويسعد بسعادة العرس، أو الأفراح التي ذهبت إليها زوجته؛ ليدرك له ما بقي من آثار تجمُّلها ورائحتها إذا رجعت إلى بيتها في آخر يومها.

 

فحذار ثم حذار أيتها المرأة من التبرج والتزين والتعطر، الذي لا يكون إلا من الزوجة لزوجها!

 

إياك ثم إياك أن تكوني كالثمرة العوجاء التي يسقيها صاحبها، فلما طالت انحنت، وأسقطت ثمارها لبستان جار ساقيها وصاحبها، وهو الذي رباها، واعتنى بها، وكان يرجو خيرها وثمارها!

 

ولا نعني من كلامنا عن تجمل المرأة لزوجها، أن تظل المرأة عاكفةً على أدوات التجميل التي معها، فتسرف في مالها، وتضيع وقتها، وتقصر في حق زوجها، وتربية أولادها، لا نعني ذلك أبدًا.

 

وينبغي لها أيضًا أن تقتصر على ما يحبه زوجها، وتعرف رغبته في لباسها، وفيما تفعله على وجهها، فما يستحسنه بعض الأزواج، قد لا يستحسنه، ويحبه زوجها، ولعل زوجها لا يحب شيئًا مما تفعله النساء؛ وذلك أن زوجته قد ملأت عينه، فاستغنت عن مجملاتها، وهذه نعمةٌ من الله عليه وعليها!

 

كذلك على المرأة ألا تجعل تزيُّنها لزوجها في السنوات الأولى من زواجها، ثم تتركه في حال كبره وكبرها.

 

وكما نقول للمرأة نقول للرجل كذلك: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [البقرة: 228].

 

نقل الإمام القرطبي رحمه الله عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: «إني أحب أن أتزين لامرأتي، كما أحب أن تتزين لي»[2].


فكما أنك تحب أيها الرجل أن تتزين، وتتعطر زوجتك لك، فلتكن أنت كذلك لها، فليس من عدلك وحسن عشرتك لزوجتك، أن تطلب منها ولا تعطيها، أن تطلب منها ما هو عليها، ولا تعطيها ما هو لها، ليس من الإنصاف أن تتأفف من شكلها، أو من آثار رائحة طباختها، ومع ذلك تؤذيها برائحة القات، والدخان طول حياتك معها، كيف تأمرها وتلزمها أن تتجمل لك وأنت لا تتجمل لها؟! كيف تنهرها وتقهرها إذا انبعثت - أحيانًا - رائحة الثوم والبصل من فمها، وكل يومٍ وأنت تتنفس في وجهها مع رائحة الدخان التي تكاد تقتلها؟!

 

فتجملوا أيها الرجال لنسائكم، فهذا من حقهنَّ عليكم، فقد كان صلى الله عليه وسلم كما تقول عائشة رضي الله عنها: «أول ما يبدأ دخول بيته يبدأ بالسواك»[3].

 

وفي حديث أم زرعٍ الطويل، في خبر النساء اللاتي يصفنَ أزواجهنَّ، قالت إحداهن: «زوجي المس مس أرنب، والريح ريح زرنب»[4]- والزرنب نبتٌ له رائحةٌ طيبة.

 

وفي حديث يحيى بن عبد الرحمن الحنبلي رحمه الله، قال: أتيت محمد بن الحنفية، فخرج إليَّ في ملحفةٍ حمراء، ولحيته تقطر من الغالية - والغالية نوعٌ من الطيب، مركبٌ من مسكٍ، وعنبر، وعود، ودهن - فقال: إن هذه الملحفة ألقتها علي امرأتي، ودهنتني بالطيب، وإنهن ليشتهينَّ منَّا ما نشتهي منهنَّ!

 

أيها الأزواج والزوجات، إن كنا قد أطلنا عليكم في هذه الجزئية، فهي في غاية الأهمية، ومن أهم أسرار المحبة الزوجية.

 

كذلك من الحقوق المشتركة بينهما، ومما يقوي محبتهما:

أن يغارا على بعضهما، على الزوج أولًا أن يغار على زوجته، ويستشعر أنها له لا لغيره، فلا يسمح لها أن تبدي زينتها، أو أن تمد يدها لتصافح أجنبيًّا عنها، كابن عمها، وابن خالها وخالتها، وإخوان زوجها، ولا يجوز لها أن تبرز، مفاتنها وتفاصيل جسدها إذا خرجت من بيتها، ولا أن ترفع صوتها، وتخضع بكلامها إذا ذهبت إلى الباعة لتشتري حاجتها.

 

نعم أيها الأزواج، إن من تمام الرجولة، ولوازم القوامة، أن يكون الرجل غيورًا على امرأته؛ قال المناوي رحمه الله كما في فيض القدير: «أشرف الناس، وأعلاهم همة، أشدهم غيرة»[5].

 

وقال الذهبي رحمه الله: «لا خير فيمن لا غيرة له».

 

وروى الإمام أحمد بإسناد صحيح عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: «ألا تستحون، أو تغارون؟! فإنه بلغني أن نساءكم يخرجن في الأسواق يزاحمن العلوج» - أي: الأعاجم-[6].

 

أين الغيرة - بالله عليكم؟! أين الغيرة من رجل يكِل أمور بيته، وجميع متطلبات أولاده إلى زوجته، فهي التي تشتري ملابس أولادها، وطعام بيتها، حتى أصبح أغلب التجار يعرفونها، ويميزونها بصوتها، وطولها، وعرضها، بل أصبح لهم علاقات معها، ويسألون عن حالها وأخبارها.

 

أين الغيرة من رجل يسمح لجميع إخوانه وأقاربه أن يتكلموا مع زوجته، بل ويصافحونها، ويمزحون معها.

 

أين الغيرة من زوجٍ يسافر، ويغترب، ويبتعد سنوات عن زوجته، ويتركها في بيتٍ مع إخوانه، أو أحد أقاربها الذين لا تحل لهم ولا هم يحلون لها، لا يومًا، ولا شهرًا، بل شهورًا وسنوات؟!

 

وكم وكم هي القصص، والجرائم المؤلمات التي كان سببها بعض الأزواج الذي لا يغار على عرضه، وشرفه، ولا يبالي بمن يدخل على زوجته!

 

أين الغيرة من زوجٍ يخرج مع امرأته وهي لابسةٌ ملابس فاتنة وضيقة، والناس يرمونها بأبصارهم، وهي بجوار زوجها، فكيف إذا كانت وحدها؟!

 

أين الغيرة من زوجٍ يأذن لزوجته أن تذهب إلى الطبيب وحدها، ليسألها الطبيب عن تفاصيل مرضها، ومكان ألمها، وقد يحسها ويعسها ويمسها؟!

 

ووالله ما قلت هذا عن ظن وجهالة مني، بل لقد رأيته بعيني، وسمعته بأذني!

 

أين الغيرة من بعض أشباه الرجال الذين يسكتون عن زوجاتهم، وهن ينظرن إلى عورات الرجال الأجانب، من الفنانين، واللاعبين، والناعقين والممثلين الفاسقين، بل يحملن ذلك في جوالاتهنَّ، ويحفظن أسماء المغنين، والممثلين في ذواكرهنَّ، بل قد يشاهد بعض السفهاء أفلامًا أجنبية، ومظاهر مثيرة، وما هو أعظم من ذلك مع زوجته، كما نسمع، وكم وكم نسمع، والله المستعان.

 

ألا قاتل الله أصحاب الغِيَر الباردة، من أصحاب السفاهة والدياثة، وليبشروا بعقوبة الله لهم بأن الله لا يكلمهم، ولا ينظر إليهم، فقد قال عليه الصلاة والسلام: «ثلاثةٌ لا يكلمهم الله، ولا يزكيهم، ولا ينظر إليهم يوم القيامة... ومنهم الديوث الذي يقر الخبث في أهله!».


نسأل الله أن يسترنا، وأن يُحيي الغيرة في قلوبنا على أعراضنا ونسائنا، ونساء المسلمين أجمعين!

 

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، ولجميع المسلمين، من كل ذنب؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم!

 

(الخطبة الثانية)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله، وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

أيها المسلمون، أيها الرجال الغيورون، إننا حين نتحدث عن غيرة الرجال على نسائهم، فإنه لا يفهم من كلامنا أن نجعل الرجال يتهمون نساءهم، فيصبح الرجل يتهم زوجته بعرضها، ويراقبها في مدخلها، ومخرجها، وإذا تكلمت في جوالها مع إحدى أقاربها شك في كلامها، واتصالها، إلى غير ذلك من جرح النساء في مشاعرهن، وكرامتهن، وخاصةً إذا لم تكن هناك قرينة تخدش في عرضها، وحيائها، وكرامتها، فقد تُرمى المرأة بالسوء وهي بريئةٌ منه؛ بسبب إتهام زوجها وإساءة ظنه بها!

 

قال سليمان بن داود عليه السلام: «لا تكثر الغيرة على أهلك فتُرمى بالسوء من أجلك»[7].

 

كذلك على الزوجة أن تغار على زوجها من نظره إلى غيرها، أو حب امرأةٍ سواها؛ لأنها له، وهولها، أو يكثر من الكلام بدون حاجة مع امرأةٍ لا تحل له ولا يحل لها.

 

ولا بد أن يُعلم أن الغيرة في الزوجين، وخاصة من الزوجة على زوجها، لا بد أن تكون معتدلة ومنضبطة، وإلا ستجني على نفسها، وتخرب بيتها، وتدمر حياتها مع زوجها.

 

فكم من امرأةٍ لعبت بها غيرتها، وجعلتها تعيش جحيمًا مع زوجها، وتسببت في طلاقها، أو تزوُّج زوجِها عليها.

 

كم من رجل ما كانت فكرة الزواج بخاطره، ولا ذِكرُ النساء والتطلع إليهن من طبعه، وعادته، لكن غيرة زوجته العمياء، هي التي بغضت بها عند زوجها، وأصبح يكرهها، ويتمنى الخلاص منها.

 

أصبحت بعض النساء تعيش جنونًا مع زوجها، تراقبه في مدخله ومخرجه، وتقلب رسائل جواله، وقد تتهمه بعرضه، وتحاسبه على خروجه وعندما يتأخر في رجوعه.

 

كم من رجل جعل الله له مكانةً في مجتمعه، وجعله الناس قاضيًا لهم، أو مفتيًا لهم، يحل مشاكلهم، ويصلح بينهم، وقد يضطر إلى أن يسمع من المتخاصمين يسمع من الزوج، ومن الزوجة، ليفتيهما، أو ليجعل هناك حلولًا بينهما، لكن غيرة امرأته العوجاء، الهوجاء، تحول بينه وبين ذلك، وقد يحصل أعظم من ذلك، فقد ذُكر أن امرأةً سمعت زوجها يذكر ما أعده الله للمؤمن في الجنة من الحور العين، فدعت الله أن يدخله وإياها النار! والعياذ بالله!

 

دعت على نفسها أن تدخل النار مع زوجها، لماذا؟ لكيلا ترى زوجها يتزوج من الحور العين اللاتي كان يتحدث عنها، نعوذ بالله من الضلالة والجهالة!

 

إياكِ ثم إياك أيتها المرأة والغيرةَ التي تفسد حياتك، وتكونُ عذابًا على زوجك؛ قال عبد الله بن جعفر لابنته في ليلة زفافها: «إياك والغيرة، فإنها مفتاح الطلاق! نسأل الله القصد والسداد، وأن يهدينا ونساءنا سبيل الرشاد».


كذلك من الحقوق المشتركة بين الزوجين: التسامح والتراضي بينهما؛ لأن الحياة الاجتماعية بما في ذلك العشرة الزوجية لا تخلو من أخطاءٍ وزلات، وأن الزوجين مهما حسُنت عشرتهما وتآلفت أرواحهما، فلا بد أن تحصل هناك أمورٌ وعاداتٌ يُنكرانِها من بعضهما.

 

فينبغي إذا حصل بينهما، أو من أحدهما شيءٌ من ذلك أن يتسامحا، ويتراضيا، ويسعيان في تطييب خواطرهما، وإدخال السرور على قلوبهما، وذلك بالاعتذار والتراضي.

 

وقد وصف النبي عليه الصلاة والسلام المرأة الصالحة بأنها تعود وترضي زوجها، فقد روى البيهقي وصححه الألباني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «نساؤكم في الجنة الودود، العؤود على زوجها، التي إذا غضبت جاءت حتى تضع يدها في يده، ثم تقول: لا أذوق غمضًا حتى ترضى»[8].

 

وينبغي أن يكون ذلك متبادلًا بين الزوجين؛ فهو مما يجلب الألفة بينهما، ويرسِّخ المحبة في قلوبهما؛ قال أبو الدرداء رضي الله عنه لزوجته: «إذا رأيتني غضبت فرضني، وإذا رأيتك غضبتِ رضيتك، وإلا لم نَصطحب»[9].

 

وإن إرضاء الزوجين لبعضهما لا يُنقص من قدرهما، ولا يضعف من شخصيتهما، بل هو يعبر عن المحبة والمعزة في قلوبهما.

 

وعلى الزوجين أن يتسارعا وأن يتسابقا في إرضاء بعضهما؛ ليفوزا بالثواب والأجر عند ربهما، فخيرهما الذي يبدأ بالسلام، كما قال عليه الصلاة والسلام.

 

كذلك من الحقوق المشتركة بينهما حفظ أسرارهما، وما يخصهما، خاصةً أمر فراشهما، فأقرب الناس وألصق الناس ببعضهما هم الزوجان، لأن بينهما من الأسرار ما ليس لغيرهما؛ فعليهما أن يحفظا أسرار بيتهما، وألا يُطلعا غيرهما على ما يحصل بينهما وفي بيتهما.

 

على الزوجة ألا تُخرج أسرار زوجها، ولا ما يحصل في بيتها، فإن حصل بينها وبينه شيء، فلا تطلع عليه أحدًا؛ حتى لا يتوسع خلافهما، وتعظم قضيتهما بسبب الحاسدين أو الحاقدين لهما، أو بسبب مَن يعيرهما من أقاربهما، ولكن ليتصالحا وليتراضيا، ويتواضعا لبعضهما.


على المرأة ألا تظهر عيوب زوجها لأقاربه أو أقاربها، سواءٌ فيما يتعلق بخَلقه أو بخُلقه أو ببخله وقلة نفقته، إلا فيما لا بد منه.

 

كذلك على الزوج أيضًا ألا يخرج أسرار زوجته، فيما يتعلق بعيب جمالها، أو عدم خبرتها في إصلاح طعامها، أو نظافة بيتها، إلى غير ذلك من الأمور التي لا تخفى.

 

وليعلم الزوجان أن آكد ما يحفظان به أسرارهما، وأعظم الأمانة عند خالقهما؛ هو ما يتعلق بأمر فراشهما الذي هو خاص بهما، فمن خالف ذلك منهما فقد عرَّض نفسه للعذاب والعقوبة من الله تعالى، وصار من أشر الناس عند الله منزلة! فقد روى مسلم رحمه الله عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من شر الناس منزلةً عند الله يوم القيامة: الرجل يفضي إلى امرأته، وتفضي إليه، ثم ينشر سرها» [10].

 

وفي رواية مسلمٍ أيضًا: «إن أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة: الرجل يفضي إلى امرأته، وتفضي إليه، ثم ينشر سرها!» [11].

 

وروى أبو داود وصححه الألباني رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما مثل ذلك مثل شيطانة، لقيت شيطانًا في السكة، فقضى منها حاجته والناس ينظرون إليه»[12].

 

فليس من دينه ومروءتك، ولا من قوامتك ورجولتك: أن تجلس مع أصحابك وتخبرهم عما فعلته مع امرأتك، أو ماذا قالت، وطلبت منك امرأتُك، كما يلاحظ ذلك من بعض أصحاب السفاهة والحماقة.

 

وليس من دينك أيتها الزوجة، ولا من حيائك، وما يتناسب مع أنوثتك:

أن تكلمي أخواتك أو أقاربك عما يريده منك زوجك، ولو كان ذلك منك تلميحًا لا تصريحًا، ولئن كان ذلك في الرجال قبيحًا، فهو في النساء أشد قبحًا!

 

هذا ما تيسر قوله وجمعُه في هذا المقام في الحقوق المشتركة بين الأزواج.


ونسأل الله أن يعين الأزواج على القيام بحقوق زوجاتهم، ويعينهنَّ على حقوق أزواجهنَّ! أسأل الله أن ينفع بهذه الخطبة، والخطب التي قبلها، وأن ينفع بها من حضرها ومن سمعها! أسأل الله أن يصلح نساءنا، وأن يصلحنا لنسائنا...



[1] رواه البخاري (5247)، ومسلم (715).

[2] تفسير (5/ 97).

[3] رواه ابن حبان (1074).

[4] رواه البخاري (5189).

[5] فيض القدير (6/ 253).

[6] رواه أحمد (1118).

[7] رواه البيهقي في الشعب (805).

[8] رواه البيهقي في الشعب (8358).

[9] فقه السنة (2/ 233).

[10] رواه مسلم (1437).

[11] رواه مسلم (1437).

[12] رواه أبو داود (2174).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • العناد بين الزوجين (خطبة)
  • التوافق بين الزوجين (خطبة)
  • حقوق مشتركة بين الزوجين (خطبة)
  • نحو الأمان الأسري (المحبة بين الزوجين)
  • نعيمة بن يعيش مؤسسة أول جمعية من نوعها في المغرب: أنا وزوجي هدفنا واحد وهو خدمة الدعوة الدينية
  • فن إدارة الصراع بين الزوجين
  • صفات الزوج الصالح والزوجة الصالحة

مختارات من الشبكة

  • الخطبة واختيار الزوجة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أنواع الخطابة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بيان الحقوق المشتركة بين الزوجين (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة صلاة الكسوف(مقالة - موقع الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك)
  • حقوق الزوجة على الزوج (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: انعدام الحوار بين الزوجين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: سنة الاختلاف بين الزوجين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أحكام المهور والعشرة بين الزوجين (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الإصلاح بين الزوجين (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة المسجد الحرام 26/2/1433 هـ - آداب المعاملات بين الزوجين(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 2/12/1446هـ - الساعة: 8:23
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب