• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المسائل المجمع عليها في مواد أهلية المتعاقدين في ...
    عبدالله بن صالح بن محمد المحمود
  •  
    المرأة بين الإهانة والتكريم (خطبة)
    عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت
  •  
    الإلهام والكشف والرؤيا لدى ابن تيمية رحمه الله ...
    إبراهيم الدميجي
  •  
    خطبة: التربية على الإحسان للآخرين
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    الإحصاء في القرآن الكريم والسنة النبوية: أبعاد ...
    د. مراد باخريصة
  •  
    الدين النصيحة (خطبة)
    سعد محسن الشمري
  •  
    العطايا والمنح بعد المحن (خطبة)
    د. عبدالرزاق السيد
  •  
    تحريم إبرام اليمين وتوكيدها ممن يَعلم عجزَه أو ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    تفسير قول الله تعالى: { كل الطعام كان حلا لبني ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    من محاسن الدين الإسلامي وجود بدائل لكل عمل صالح ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    وقفات إيمانية وتربوية حول اسم الله العفو جل جلاله
    د. عبدالرحمن سيد عبدالغفار
  •  
    شموع (112)
    أ.د. عبدالحكيم الأنيس
  •  
    المندوبات عند الحنابلة من كتاب الأطعمة حتى نهاية ...
    رازان بنت عبدالله بن صالح المشيقح
  •  
    حكم تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام
    د. ضياء الدين عبدالله الصالح
  •  
    الذكر يحصن العبد من وسوسة الشيطان
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    كن بلسما (خطبة)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الأسرة والمجتمع / قضايا الأسرة
علامة باركود

الأسرة المسلمة بناء ولحمة ومودة ورحمة (خطبة)

الأسرة المسلمة بناء ولحمة ومودة ورحمة (خطبة)
الشيخ عبدالله بن محمد البصري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 27/11/2023 ميلادي - 15/5/1445 هجري

الزيارات: 9034

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الأسرة المسلمة بناء ولحمة ومودة ورحمة

 

أَمَّا بَعدُ، فَأُوصِيكُم أَيُّهَا النَّاسُ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 21].

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، صَلاحُ المُجتَمَعَاتِ بِنَاءٌ كَبِيرٌ، وَالبِنَاءُ لا يَقُومُ إِلاَّ عَلَى لَبِنَاتٍ، وَلَبِنَاتُ المُجتَمَعِ الصَّالِحِ أُسَرٌ نَاجِحَةٌ مُستَقِرَّةٌ، هَادِئَةٌ هَانِئَةٌ، يَرفُقُ فِيهَا الأَبُ وَيَرحَمُ، وَتَوَدُّ الأُمُّ وَتَرأَفُ، وَيُطِيعُ الأَبنَاءُ وَيَبَرُّونَ، وَيَتَحَابُّ الإِخوَةُ وَالأَخَوَاتُ وَيَتَآلَفُونَ.

 

وَإِنَّ بِنَاءَ الأسرةِ وَتَكوِينَهَا، وَاستِقرَارَهَا وَهُدُوءَهَا، مِمَّا أَولاهُ الإِسلامُ عِنَايَةً كَبِيرَةً، وَاهتَمَّ بِهِ الشَّارِعُ الحَكِيمُ اهتِمَامًا بَالِغًا، لَيسَ بَعدَ قِيَامِ الأُسرةِ فَحَسبُ، بَل في الإِعدَادِ لَهَا قَبلَ أَن تَنشَأَ، وَالاهتِمَامِ بِصَلاحِ أَركَانِهَا قَبلَ أَن تُوجَدَ، ثم في الحِرصِ عَلَى ائتِلافِ أَعضَائِهَا وَتَمَاسُكِ بُنيَانِهَا بَعدَ ذَلِكَ.

 

نَرَى ذَلِكَ في كَثِيرٍ مِمَّا حَثَّ عَلَيهِ الإِسلامُ وَرَغَّبَ فِيهِ، أَو فِيمَا نَهَى عَنهُ وَحَذَّرَ مِنهُ، مِمَّا يُنَظِّمُ شُؤُونَ المُجتَمَعِ وَيَحكُمُ العِلاقَاتِ بَينَ أَفرَادِهِ، وَيُرَتِّبُ التَّعَامُلَ في الأُسَرِ وَيَضبِطُ مَسِيرَةَ الحَيَاةِ في البُيُوتِ، ويَضمَنُ دَوَامَ العِلاقَاتِ وَمَتَانَتَهَا وَقُوَّتَهَا، وَيَحُولُ بَينَ الشَّيَاطِينِ وَبَينَ إِفسَادِهَا أَو إِضعَافِهَا، بَل وَيَضمَنُ نَقَاءَ الصُّدُورِ وَسَلامَةَ النُّفُوسِ، وَالإِحسَانَ مِن كُلِّ طَرَفٍ لِلآخَرِ، حَتى وَلَو حَصَلَ اختِلافٌ وَشِقَاقٌ، وَانتَهَتِ العِلاقَةُ بِتَفَرُّقٍ بَعدَ طَلاقٍ.

 

وَإِن مِن أَعظَمِ مَا يَدُل عَلَى عِنَايَةِ الإِسلامِ بِالأُسرَةِ التَّرغِيبَ في الزوَاجِ وَالأَمرَ بِهِ، وَالتحذِيرَ مِن كُل عِلاقَةٍ تَجمَعُ الرَّجُلَ وَالمَرأَةَ بِغَيرِ إِطَارٍ شَرعِيٍّ، جَاءَ ذَلِكَ بِالتحذِيرِ مِنَ الزنَا، بَل مِن مُجَرَّدِ الاقتِرَابِ مِنهُ، وَمَنعِ كُلِّ مَا يُؤَدي إِلَيهِ مِن تَبَرُّجٍ وَاختِلاطٍ وَخَلوَةٍ بِأَجنَبِيَّةٍ، وَسَفرِ امرَأَةٍ دُونَ مَحرَمٍ، مَعَ الأَمرِ بِالحِجَابِ وَسَترِ العَورَاتِ وَغَضِّ الأَبصَارِ؛ قَالَ تَعَالى: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ﴾ [الإسراء: 32]، وَقَالَ سُبحَانَهُ: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 30، 31]، وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لا يَخلُوَنَّ رَجُلٌ بِامرَأَةٍ، وَلا تُسَافِرَنَّ امرَأَةٌ إِلاَّ وَمَعَهَا مَحرَمٌ"؛ مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

 

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لا يَخلُوَنَّ رَجُلٌ بِامرَأَةٍ إِلاَّ كَانَ ثَالِثُهُمَا الشَّيطَانَ"؛ رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ، وَفي الجَانِبِ الآخَرِ، فَقَد جَعَلَ الإِسلامُ عِلاقَةَ الرَّجُلِ بِالمَرأَةِ في إِطَارِ الزوَاجِ آيَةً مِن آيَاتِ اللهِ، وَحَثَّ عَلَيهِ وَرَغَّبَ فِيهِ؛ قَالَ سُبحَانَهُ: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21]، وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "يَا مَعشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ استَطَاعَ مِنكُمُ البَاءَةَ فَليَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلبَصَرِ وَأَحصَنُ لِلفَرجِ..."؛ مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

 

وَلِكَي يَكُونَ الزَّوَاجُ نَاجِحًا وَتَقُومَ الأُسرَةُ عَلَى أَسَاسٍ مَتِينٍ، فَقَد حَثَّ الإِسلامُ عَلَى التَّدقِيقِ في اختِيارِ كُلٍّ مِنَ الزَّوجَينِ، وَجَعَلَ المِعيَارَ في ذَلِكَ وَاضِحًا، وَأَكَّدَ فِيهِ صَلاحَ البَاطِنِ وَالظَّاهِرِ، وَعَلَى أَلاَّ يَكُونَ إِلاَّ بِوَليٍّ يَختَارُ الأَصلَحَ وَالأَنسَبَ، قَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: "تُنكَحُ المَرأَةُ لأَربَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَلِجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَت يَدَاكَ"؛ مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. وَقَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: "إِذَا أَتَاكُم مَن تَرضَونَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنكِحُوهُ، إِلاَّ تَفعَلُوهُ تَكُنْ فِتنَةٌ في الأَرضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ"؛ رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَغَيرُهُ، وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ، وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَيُّمَا امرَأَةٍ نَكَحَت بِغَيرِ إِذنِ وَلِيِّهَا، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ..."؛ رَوَاهُ أَحمَدُ وَالتِّرمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وصححه الألباني. وَمِنِ اهتِمَامِ الإِسلامِ بِالأُسرَةِ أنِ اهتَمَّ بِتَقوِيَةِ الرَّابِطَةِ بَينَ الزَّوجَينِ، فَعَدَّهَا رَابِطَةً مُقَدَّسَةً، وَسَمَّاهَا مِيثَاقًا غَلِيظًا، وَجَرَّمَ كُلَّ مُحَاوَلَةٍ لِلإِخلالِ بها، وَأَثَّمَ مَن سَعَى لِنَقضِهَا، قَالَ سُبحَانَهُ: ﴿ وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴾ [النساء: 20، 21]، وَقَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: "لَيسَ مِنَّا مَن خَبَّبَ امرَأَةً عَلَى زَوجِهَا"؛ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.

 

وَمِنِ اهتِمَامِ الإسلامِ بِالأُسرَةِ أَن أَكَّدَ عَلَى أَن يُعَاشِرَ الرَّجُلُ زَوجَتَهُ بِالمَعرُوفِ، وَأَن يَرفُقَ بِهَا وَيُنفِقَ عَلَيهَا، وَأَن يَتَأَمَّلَ مَا فِيهَا مِن مَحَاسِنَ فَيَشكُرَهَا، وَيتَغَافَلَ عَنِ المَسَاوِئِ وَيَستُرَهَا؛ قَالَ تَعَالى: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [النساء: 19]، وَقَالَ سُبحَانَهُ: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة: 228]، وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ في خُطبَةِ الوَدَاعِ: فَاتَّقُوا اللهَ في النِّسَاءِ؛ فَإِنَّكُم أَخَذتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللهِ، وَاستَحلَلتُم فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ، وَلَكُم عَلَيهِنَّ أَلاَّ يُوطِئْنَ فُرُشَكُم أَحَدًا تَكرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضرِبُوهُنَّ ضَربًا غَيرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيكُم رِزقُهُنَّ وَكِسوَتُهُنَّ بِالمَعرُوفِ"؛ رَوَاهُ مُسلِمٌ، وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ: "خَيرُكُم خَيرُكُم لأَهلِهِ، وَأَنَا خَيرُكُم لأَهلِي"؛ رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَابنُ مَاجَه وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ، وَقَالَ تَعَالى: ﴿ وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ﴾ [البقرة: 237]، وَقَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: "لا يَفرَكْ - أي لا يُبغِضْ - مُؤمِنٌ مُؤمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنهَا آخَرَ"؛ رَوَاهُ مُسلِمٌ، أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ أَيُّهَا المُسلِمُونَ، وَلْنَحرِصْ عَلَى مَا تَصلُحُ بِهِ أُسَرُنَا وَيَتَمَاسَكُ بِسَبَبِهِ بُنيَانُهَا، وَلْنَتَجَنَّبْ مَا يَكُونُ بِهِ تَفَكُّكُهَا وَتَفَرُّقُهَا، لِنُكثِرْ مِن ذِكرِ اللهِ في بُيُوتِنَا، وَلْنَأمُرْ بِالصَّلاةِ، وَلْنَصبِرْ عَلَى ذَلِكَ، وَحَذَارِ مِنَ الغَفلَةِ عَنِ الذِّكرِ، فَإِنَّهَا سَبَبٌ لِضِيقِ النُّفُوسِ وَقِلَّةِ البَرَكَةِ وَاضطِرَابِ العِلَاقَةِ، قَالَ سُبحَانَهُ: ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾ [طه: 132]، وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ في الحَدِيثِ المُتَّفَقِ عَلَيهِ: "مَثَلُ البَيتِ الَّذِي يُذكَرُ اللهُ فِيهِ وَالبَيتِ الَّذِي لا يُذكَرُ اللهُ فِيهِ، مَثَلُ الحَيِّ وَالمَيِّتِ"، وَفِيهِمَا أَيضًا: "اِجعَلُوا مِن صَلاتِكُم في بُيُوتِكُم، وَلا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا".

 

الخطبة الثانية

أَمَّا بَعدُ، فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالى وَأَطِيعُوهُ، ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾ [الطلاق: 2]، ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 4]، ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ﴾ [الطلاق: 5].

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، إِنَّ إِصلاحَ الأُسَرِ مَسؤُولِيَّةٌ عَظِيمَةٌ وَجِهَادٌ كَبِيرٌ، وَفي الصَّبرِ عَلَى ذَلِكَ أَجرٌ عِندَ اللهِ عَظِيمٌ، وَإِنَّ التَّخَلِّيَ عَن هَذِهِ المَسؤُولِيَّةِ أَوِ التَّفرِيطَ في تِلكَ الأَمَانَةِ، إِنَّهُ لَخِيَانَةٌ عَظِيمَةٌ وَجَرِيمَةٌ وَخِيمَةٌ، بل هِيَ جَرَائِمُ مُتَتَابِعَةٌ وَآفَاتٌ مُتَلاحِقَةٌ، يَنتُجُ عَنهَا فَسَادُ أَفرَادٍ يَعقُبُهُ فَسَادُ مُجتَمَعَاتٍ، وَتَحُلُّ بِهِ مَصَائِبُ وَتَنزِلُ عُقُوبَاتٌ؛ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَا مِن عَبدٍ استَرعاهُ اللهُ رَعِيَّةً فَلَم يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ، إِلاَّ لم يَجِدْ رَائِحَةَ الجَنةِ"؛ رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ.

 

أَجَل أَيُّهَا المُسلِمُونَ، لَقَدِ اهتَمَّ دِينُنَا القَوِيمُ بِبِنَاءِ الأُسرَةِ، وَعَظَّمَ شَأنَ العِلاقَةَ وَعَقدِ النِّكَاحِ، وَاتَّخَذَ التَّدَابِيرَ الَّتي تَضمَنُ بَقَاءَ العِلاقَةِ وَدَوَامَهَا؛ لأَنَّهَا العِلاقَةُ الَّتي بِهَا يَبقَى البَشَرُ، وَيَنتُجُ مِنهُم جِيلٌ بَعدَ جِيلٍ، وَلا صَلاحَ لِلأَجيَالِ إِلاَّ بِبَقَاءِ هَذِهِ العِلاقَةِ وَصَلاحِهَا، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ مِمَّا حَرِصَ عَلَيهِ أَعدَاءُ الدِّينِ وَالفَضِيلَةِ أَن يُهَوِّنُوا مِن شَأنِ هَذِهِ العِلاقَةِ، وَيُقَلِّلُوا مِن قِيمَتِهَا في نُفُوسِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، فَيُخَيِّلُوا لِلشَّبَابِ وَالشَّابَّاتِ أَنَّهَا تَجرِبَةٌ كَسَائِرِ التَّجَارِبِ في الحَيَاةِ، إِنْ حَصَلَ فِيهَا لِلفَردِ مَا يَشتَهِي وَنَالَ مَا يُرِيدُ، وَإِلاَّ فَهُوَ بِالخِيَارِ، وَلَهُ أَن يَتَخَلَّى عَنهَا دُونَ شُعُورٍ بِمَسؤُولِيَّةِ مَن أَنجَبَ وَلا مُرَاعَاةٍ لِمَن خَلَّفَ، وَهَذَا مِمَّا يُوجِبُ عَلَينَا مَعشَرَ الآبَاءِ وَالإِخوَةِ الكِبَارِ العُقَلاءِ، أَن نَنصَحَ لِلمُقبِلِينَ عَلَى الزَّوَاجِ مِن أَبنَائِنَا وَبَنَاتِنَا وَإِخوَانِنَا وَأَخَوَاتِنَا، وَأَن نَغرِسَ في قُلُوبِهِمُ المَبَادِئَ السَّامِيَةَ وَالأَخلاقَ الرَّاقِيَةَ، وَأَن نَبنِيَ في نُفُوسِهِم أَنَّهُم بِعَقدِ الزَّوَاجِ، قَدِ انتَقَلُوا مِن مَرحَلَةِ تَحَمُّلِ أَنفُسِهِم فَحَسبُ، إِلى مَرحَلَةٍ عَظِيمَةٍ سَيُصبِحُ كُلٌّ مِنهُم فِيهَا مَسؤُولًا عَن أُسرَةٍ، تَحتَاجُ في إِدَارَةِ شُؤُونِهَا إِلى تَعَقُّلٍ وَتَبَصُّرٍ، وَشُعُورٍ بِالحُقُوقِ وَبَذلٍ لَهَا دُونَ مِنَّةٍ وَلا تَضَجُّرٍ، نَعَم أَيُّهَا المُسلِمُونَ، لا بُدَّ أَن نُشعِرَ أَبنَاءَنَا وَبَنَاتِنَا بِدَورِهِم في حَيَاتِهِمُ الجَدِيدَةِ، وَأَن نُعَظِّمَ في نُفُوسِهِمُ المَسؤُولِيَّةَ الَّتي سَيَتَحَمَّلُونَهَا في تَنشِئَةِ الجِيلِ الَّذِي بَعدَهُم، وَإِنَّ مِن أَعظَمِ مَا هُنَالِكَ أَن يَتَرَبَّى كُلٌّ مِنهُم عَلَى الرِّضَا وَالقَنَاعَةِ، وَأَن يُدِيرَ حَيَاتَهُ بِمَا يُمكِنُهُ وَمَا يَقدِرُ عَلَيهِ وَيَستَطِيعُهُ، لا بِمَا يَرَاهُ عِندَ غَيرِهِ، فَإِنَّ مِن أَعظَمِ الفِتَنِ الَّتي هُدِمَت بِسَبَبِهَا بُيُوتٌ كَانَت عَامِرَةً، وَتَفَرَّقَت أُسَرٌ كَانَت سَعِيدَةً، وَتَقَطَّعَت عِلاقَاتٌ كَانَت حَمِيمَةً، مَدَّ النَّظَرِ إِلى مَا عِندَ الآخَرِينَ، وَأَكلَّ النُّفُوسِ حَسَرَاتٍ عَلَى عَدَمِ تَحصِيلِ مَا مُتِّعُوا بِهِ مِن زَهرَةِ الحَيَاةِ الدُّنيَا، مِمَّا زَهَّدَ النَّاسَ في المَوجُودِ وَشَغَلَهُم بِالمَفقُودِ، فَجَحَدُوا مَا لَدَيهِم مِنَ النِّعَمَ، وَمَدَّ بَعضُهُم عَلَى بَعضٍ لِسَانَهُ أَو يَدَهُ، وَأَبرَزَ قُوَّتَهُ أَو تَقَوَّى بِغَيرِهِ، فَخَسِرُوا بِذَلِكَ استِقرَارَهُم وَهُدُوءَهُم، وَعَاشُوا في زَعزَعَةٍ وَتَقَلُّبٍ، وَضَاقَتِ النُّفُوسُ وَالصُّدُورُ مَعَ اتِّسَاعِ البُيُوتِ وَالدُّورِ، وَاللهُ تَعَالى قَد قَالَ لِنَبِيِّهِ وَهُوَ تَوجِيهٌ لِلأُمَّةِ كُلِّهَا: ﴿ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى * وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾ [طه: 131، 132].

 

أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ، وَلْنَعمَلْ بِمَا يُرضِيهِ، وَلْنَحذَرْ مَا يُسخِطُهُ، وَلْنَقِفْ عِندَ حُدُودِهِ، ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [البقرة: 229].





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • ندوات عن الأسرة المسلمة بعاصمة البوسنة
  • العلاقة التكاملية بين الزوجين في الأسرة المسلمة
  • مسؤولية الأسرة المسلمة (خطبة)
  • خطبة: بناء الأسرة المسلمة

مختارات من الشبكة

  • الأسرة الحديثة بين العجز عن التزويج والانقراض الصامت(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • الطلاق غير الطبيعي: حين تفشل البداية، لا تستقيم النهاية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فضل العلم وأهله وبيان مسؤولية الطلاب والمعلمين والأسرة (خطبة)(مقالة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري)
  • من مائدة الحديث: التحذير من الإضرار بالمسلمين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كلب لا يجوز إيذاؤه، فكيف بأذية المسلم؟ (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: موقف المسلم من فتن أعداء الأمة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التوازن في حياة المسلم (خطبة)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • العولمة وتشويه الغيب في وعي المسلم المعاصر (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المسلم بين حر الدنيا وحر الآخرة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من أسباب النصر والتمكين (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يستضيف فعالية صحية مجتمعية في مدينة غلوستر
  • مبادرة "ساعدوا على الاستعداد للمدرسة" تدخل البهجة على 200 تلميذ في قازان
  • أهالي كوكمور يحتفلون بافتتاح مسجد الإخلاص الجديد
  • طلاب مدينة مونتانا يتنافسون في مسابقة المعارف الإسلامية
  • النسخة العاشرة من المعرض الإسلامي الثقافي السنوي بمقاطعة كيري الأيرلندية
  • مدارس إسلامية جديدة في وندسور لمواكبة زيادة أعداد الطلاب المسلمين
  • 51 خريجا ينالون شهاداتهم من المدرسة الإسلامية الأقدم في تتارستان
  • بعد ست سنوات من البناء.. افتتاح مسجد أوبليتشاني في توميسلافغراد

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/3/1447هـ - الساعة: 15:25
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب