• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الأسرة والمجتمع / قضايا المجتمع / في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
علامة باركود

من أبشع ما عايشته الإنسانية وتعايشه: جريمة القتل

من أبشع ما عايشته الإنسانية وتعايشه: جريمة القتل
الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 19/1/2017 ميلادي - 20/4/1438 هجري

الزيارات: 16921

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

من أبشع ما عايشته الإنسانية وتعايشه

جريمة القتل


إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾. (آل عمران:102)

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾. (النساء: 1)

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾. (الأحزاب:70، 71)

 

أما بعد؛ فإن أصدق الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.

أعاذنا الله وإياكم من النار، ومن كل عمل يقرب إلى النار، اللهم آمين يا رب العالمين.

 

الله سبحانه وتعالى خلق آدم يوم الجمعة بعد العصر في آخر ساعة، وخلق من هذه النفس البشرية؛ (آدم)، خلق منها زوجها، خلق حواء، وعندما نزلا إلى الأرض بدأ بالتكاثر، فكانت حواء تحمل بتوأمين توأمين، ذكر وأنثى، حتى تنتشر الذرية، وكان من سنة الله عز وجل لآدم أن يتزوج هذا الذكر أخت ذاك التوأم من البطن الآخر، أنجبت عشرين بطنا، كما تقول الرواية التاريخية عند ابن كثير وغيره، والعشرون بطنا هذه بأربعين نفسا، عشرون ذكرا وعشرون أنثى، فممنوع الإنسان أن يتزوج من البطن الواحدة، ويجوز من غيرها، فكان من قدر الله عز وجل أن يأمر آدم عليه السلام أحد أبنائه، واسمه قابيل، أن يتزوج أخت هابيل القبيحة، وأخت قابيل جميلة، فحاك في نفسه: كيف أتزوج تلك القبيحة وأترك أختي الجميلة، مع أنهن كلهن أخوات، لكنّ أحكام الله ليس فيها أخذ بالعقول، وإنما سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير، وعندما اختصما، رفع الأمر إلى آدم عليه السلام، آدم رفع الأمر إلى الله، الله أوحى إلى آدم أن يقرّبا قربانا، يقدِّما شيئا، يعني يتصدقا لله سبحانه وتعالى.

 

اليوم الصدقات نقدمها للفقراء والمساكين من بني جلدتنا، من إخواننا الفقراء والمساكين، وهل كان هناك فقراء ومساكين لا والله، وإنما كانت القرابين تقدم قبل الإسلام؛ فتأتي نار من السماء فتأخذ من قُبِل عمله، ومن رضي الله عنه، فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر، تقبل من هابيل، ولم يتقبل من قابيل.

 

يقال: -كما يقول ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية وغيره-: إن هابيل كان يرعى الماشية والأغنام؛ لأن في قلبه الرحمة واللين والرأفة، فيرحم الدوابّ، وقد ربَّى له خروفا وأصبح كبشا، وكان غاليا على نفسه، ثمينا عنده، بينما قابيل عنده القسوة والشدة، وعدم الرأفة، فجعله أبوه في الأرض يحرث فيها ويزرع، فكان ماله الزرع، فماذا يقدم قابيل؟ وماذا يقدم هابيل؟ فقام هابيل فقدم أحسن ما عنده، قدم كبشه، -كما يقول ابن كثير-: الذي بقي يرعى في الجنة، حتى نزل فداء لإسماعيل عليه السلام، ﴿ وفديناه بذبح عظيم ﴾، تقبله الله، جاءت النار وأخذته.

 

أما قابيل فماذا قدم؟ قابيل جاء إلى حزمة من الزرع عنده، ليس فيها سنابل، هكذا بعض الروايات تقول، ومن الغرائب أنه وهو يحمل القربان على كتفه، وإذا به قد نسي سنبلة تصعد وتهبط، فأخذها وفركها وأكلها، لا يريد أن يقدم لله شيئا خالصا له سبحانه وتعالى، أو يقدم منه، ﴿ لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ﴾.

 

وبدأ الحقد والحسد يأكل قلب قابيل، أنت تمشي بين إخوانك؛ تمشي بين الناس، ويقولون: تقبل منك ولم يتقبل مني! لأقتلنك!!

 

أول جريمة بشرية تقع في الإنسانية، وأبشع جريمة فلم يقع الزنا، لم يقع الكذب، لم يكن هناك ربا، لم يكن هناك كبائر، لم يكن هناك شرك بالله عز وجل، أوّل جريمة؛ جريمة القتل، قال: لأقتلنك، ويقولون -يقول المؤرخون-: أن هابيل كان في البنية أقوى، يعني يستطيع بضربة واحدة أن يقضي على غيره، لكن ماذا قال هابيل: ﴿ لإن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي لأقتلك ﴾، والسبب ﴿ إني أخاف الله رب العالمين ﴾، الذي منعه هو خوفه من الله سبحانه وتعالى، وهو يستطيع أن يفعل ويدافع عن نفسه، لكن سلَّم أمره لله سبحانه وتعالى، فماذا فعل قابيل؟ قتله، كيفية القتل؟ لم يرد إلينا نصٌّ يبينها عن المعصوم صلى الله عليه وسلم، وإنما اجتهاد، لم يكن عندهم سلاح فتاك، ولم يكونوا قد صنعوا السكاكين، ولم تكن عندهم ما عندنا اليوم من آلات القتل والتدمير.

 

قال بعضهم: قتله عضًّا، كما تقتل الوحوش في رقبتها، بقي يعضُّه حتى مات.

وبعضهم قال: قتله خنقا، وبعضهم قال: قتله بأن وضع رأسه على صخرة، وجاء بصخرة أخرى ودك رأسه بها، المهم ﴿ فقتله فأصبح من النادمين ﴾، ومن الخاسرين، كيف أصبح ذلك؟ بعد أن أصبح جثة هامدة بين يديه، ماذا يفعل؟ الآن يريد أن يقوم يقول له: قم، لم يحدث في الإنسانية موت قبل ذلك في الإنسانية، إنما الموت كان يحدث في الحيوانات والطيور، ويرونها كيف الطيور تأكل الجثث، كيف الوحوش المفترسة تأكل الجثث، مثل الحيوانات المفترسة وغيرها، لم يعرفوا سنة الدفن ولا سنة القبر، فماذا يفعل؟


يتركه، الآن أصبح من النادمين؛ لأنه لا يستطيع أن يتخلص من هذه الجثة، من أمرين: أن يتركها، إنه أخوه ندم على فعلته، ولو تركها يعرف ماذا سيحصل لها، يتركها للطيور الجارحة والوحوش المفترسة، إذن ماذا يفعل؟


يأخذه إلى أبيه وأمه حتى يوقع الحسرة والندامة عليهم، فبقي يحمله على كتفه، ويمشي وإذا استراح وضعه أمامه يخاطبه يكلمه لكن لا حياة لمن تنادي، وشاء الله سبحانه وتعالى أن يُرجِع الإنسانية فتتعلم من الحيوانية، يتعلم من الحيوان، فبعث الله غرابا، تقول القصة التاريخية: بأنه رأى غرابين يقتتلان، والغربان معروفة، وإذا بأحدهما يستسلم للآخر ويطأطئ رأسه، والآخر يستسلم حتى مات، فقال قابيل: سبحانه الله! والله هذا مثلي أنا المعتدي الظالم، وهذا الأخ المسكين.

 

فلما سقط الغراب على الأرض، أراد أن يعرف ماذا يفعل به، فبعث الله غرابا يبحث في الأرض، يحفر فيها بمنقاره وبرجليه وبأجنحته، على مقدار أخيه، من عند رأسه إلى ذيله، هذا المقياس الأول، المقياس الثاني العمق، وبقي ينزل ويقيس على نفسه؛ هل يراه أحد حتى اختفى الغراب الحي، فخرج فدفع أخاه ثم دفنه، ﴿ قال يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي ﴾، وهنا جاءت سنة الدفن والبشرية تدفن موتاها إلى يومنا هذا، ومعلمنا هو الغراب بوحي من الله سبحانه وتعالى.

 

جريمة القتل التي تكررت عندنا هنا، وفي أمة الإسلام عموما، ونسمع عنها، وهل تنتهي يا عباد الله؟

من أبشع الجرائم الإنسانية التي عرفتها الإنسانية وغشيتها، وهي مستمرة؛ قتلٌ لأبرياء، قتل بدون إذن شرعي، نسأل الله السلامة، فلو سألنا بعد قابيل: من من الناس قُتل ظلما؟ لا نقول قتل بحق، قتل ظلما، كم عددهم؟ وكم إنسان سيأتي ويقتل ظلما؟!

 

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا، إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا"، =أي حظ ونصيب، فأي نفس تقتل ظلما مباشرة له نصيب، ومن أشار له نصيب، ومن رضي له نصيب من الإثم، ويرجع هذا لقابيل منه نصيب= "لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ". (خ) 3157، (م) 1677، (ابْن آدَمَ الْأَوَّلِ) هُوَ قَابِيل، قَتَلَ أَخَاهُ هَابِيل. شرح سنن النسائي (5/ ص38)، و(الْكِفْل): الْجُزْءُ، وَالنَّصِيب.

 

• هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَوَاعِدِ الْإِسْلَام، وَهُوَ أَنَّ كُلَّ مَنْ اِبْتَدَعَ شَيْئًا مِنْ الشَّرِّ كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ كُلِّ مَنْ اِقْتَدَى بِهِ فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة، وَمِثْلُهُ مَنْ اِبْتَدَعَ شَيْئًا مِنْ الْخَيْر، كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ كُلِّ مَنْ يَعْمَلُ بِهِ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة. شرح النووي (6/ 88)- هنا كوكبة من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الأمر، ومن كتاب الله تعالى كوكبة من آيات تبين عظم هذا الأمر، النفوس لا تقتل النفوس إلا خطئا، لكن عمدا، قَتْلُ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ مِنَ الْكَبَائِر قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴾، من قال هذا الكلام؟ إنه الله سبحانه وتعالى، إنه خالق هذه النفس التي قتلت ظلما، خمس عقوبات متراكمة على هذا الإنسان، أمر عجيب، ليس قتل المسلم فقط، بل قتل من يكون تحت رعاية الأمة الإسلامية؛ كاليهود والنصارى الذين يعيشون بين الناس، ما يسمى اليوم بالمواطنين، ويسمى قديما معاهدين، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ نُفَيْعِ بْنِ الْحَارِثِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَهُ ذِمَّةُ اللهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ، لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ سَبْعِينَ عَامًا". (خ) 6516، (ت) 1403، (س) 4747، (د) 2760، (جة) 2687، (حم) 6745، انظر الصَّحِيحَة: 2356

رائحة الجنة تصل إلى مسافة بعيدة جدًّا، ومع ذلك هذا القاتل للمعاهد لليهودي والنصراني الذي يعيش في الأمة مواطن، لم يرح رائحة الجنة من سبعين عاما.

 

وورد أيضا تحذيرا لنا ليس من القتل، بل تحذير مما يؤدي إلى القتل ولو خطئا، وهذه كثير من الشباب وأكبر من الشباب وأصغر، لكن في الشباب أكثر؛ المزاح، المزاح بالسلاح، المزاح بالسكين، المزاح بالسيف، المزاح بالمسدس والفرد، وأسلحة اليوم التي بضغطة واحدة على الزناد تقتل، فـإِشْهَارُ السِّلَاحِ فِي وَجْهِ الْمُسْلِمِ مِنَ الْكَبَائِر، ورد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَة، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ حَتَّى يَدَعَهُ"، وفي رواية: "حَتَّى يُشِيمَهُ" =أي يرفعه= "عَنْهُ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ". (م) 125- (2616)، (ت) 2162، (حم) 7470 (بز) 3641، انظر صَحِيح الْجَامِع: 635، الصَّحِيحَة: 3973

المزاح حتى مع الأخ الشقيق لا يجوز بالسلاح، حتى في المناولة بين الزوج وزوجته، بين الأب وابنه، بين الأم وابنتها، مناولة السكين؛ لها في شرعنا وفي ديننا هيئة وكيفية، لا تناول السكين وتعطيه الحديدة، بل أعطه الخشبة، وأمسك الحديدة، حتى تضمن ألا يكون هناك أمر آخر؛ لأن الشيطان يستغل مثل هذه الأمور، نسأل الله السلامة.

 

وعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: (مَرَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِقَوْمٍ فِي مَجْلِسٍ يَسُلُّونَ سَيْفًا، يَتَعَاطَوْنَهُ بَيْنَهُمْ) =أي كأنهم مسرورون عليه، كما يفعل هذا بعض الشباب اليوم، يشتري له مسدسا ويعرضه لهم، يا أخي ارفع الرصاص منه، أمنه يا أخي، وهذا السيف يريدون أن يروى حدته= (غَيْرَ مَغْمُودٍ)، =أي غير مأمن، غير موجود في جرابه= (فَقَالَ: "لَعَنَ اللهُ مَنْ فَعَلَ هَذَا، أَوَلَيْسَ قَدْ نَهَيْتُ عَنْ هَذَا؟" =كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.=

ثُمَّ قَالَ: "إِذَا سَلَّ أَحَدُكُمْ سَيْفَهُ فَنَظَرَ إِلَيْهِ، فَأَرَادَ أَنْ يُنَاوِلَهُ أَخَاهُ، فَلْيُغْمِدْهُ، ثُمَّ يُنَاوِلُهُ إِيَّاهُ". (حم) 15023، 20445، (حب) 5943، (ك) 7786، (عب) 25569، صَحِيح الْجَامِع: 604، وقال الأرنؤوط: إسناده حسن.

أمِّنْه قبل أن تسلّمه يا عبد الله، وكم من حالات خطأ أزهقت فيها الأرواح، نسأل الله السلامة.

 

وورد في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لاَ يُشِيرُ أَحَدُكُمْ عَلَى أَخِيهِ بِالسِّلاَحِ، فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي، لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ فِي يَدِهِ"، =أنت لا تدري ربما الشيطان من الخلف ينزع في يدك= "فَيَقَعُ فِي حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ». (خ) 7072 (م) 126- (2617)، نسأل الله السلامة.

(يَنْزِعُ فِي يَدِهِ) أَيْ: يَقْلَعُهُ مِنْ يَدِهِ، فَيُصِيبَ بِهِ الْآخَرَ، أَوْ يَشُدُّ يَدَهُ فَيُصِيبَهُ، وَقَالَ النَّوَوِيّ: مَعْنَاهُ: يَرْمِي بِهِ فِي يَدِه، وَيُحَقِّقُ ضَرْبَتَه. فتح الباري (20/ 75)

وإذا كان أقلَّ من ذلك مع المسلم أمره منهي عنه، كما ورد عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ". (خ) 48 (م) 116- (64).

 

وهذا من باب الوعيد، يعني يصبح الإنسان كافرا إن قتل أخاه، أو قاتله أو رفع عليه السيف، وقد جاء التحذير في مثل هذه الأمور، فقد ثبت عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللهُ أَنْ يَغْفِرَهُ، إِلَّا مَنْ مَاتَ مُشْرِكًا، أَوْ مُؤْمِنٌ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا". (د) 4270، (س) 3984، صَحِيح الْجَامِع: 4524، الصَّحِيحَة: 511

هذا أمر يخيف الناس، فعلى الإنسان أن يتوب قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه ندم، ولا ينفع فيه حسرة ولا ندامة.

ورد عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَزَالُ الْمُؤْمِنُ مُعْنِقًا" =أي سريعا في الخير، والسعي للوصول إلى الدرجات العلى= "صَالِحًا مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا، فَإِذَا أَصَابَ دَمًا حَرَامًا بَلَّحَ". (د) 4270

(بلَّح) أي انقطع عن غيره، وليس له أجر، ولا ثواب بل سيرجع إلى الخلف والعياذ بالله.

 

و-(الـمُعْنِق): خَفِيفُ الظَّهْر، سَرِيع السَّيْر، يَسِير سَيْر الْعَنَق، وَالْعَنَق: ضَرْبٌ مِنْ السَّيْر وَسِيع. عون المعبود (9/ 307)

(بَلَّحَ) قَالَ فِي النِّهَايَة: يُقَال: بَلَّحَ الرَّجُل، إِذَا اِنْقَطَعَ مِنْ الْإِعْيَاء، فَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَتَحَرَّك، وَقَدْ أَبْلَحَهُ السَّيْرُ فَانْقَطَعَ بِهِ، يُرِيدُ: وُقُوعَهُ فِي الْهَلَاكِ بِإِصَابَةِ الدَّمِ الْحَرَام. عون المعبود (9/ 307)-

وجاء عَنْ طَرِيفِ أَبِي تَمِيمَةَ قَالَ: (شَهِدْتُ جُنْدَبَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الْبَجَلِيَّ رضي الله عنه وَهُوَ يُوصِي صَفْوَانَ بْنَ مُحْرِزٍ وَأَصْحَابَهُ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يُحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ بِمِلْءِ كَفٍّ مِنْ دَمِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ أَنْ يُهْرِيقَهُ كَأَنَّمَا يَذْبَحُ بِهِ دَجَاجَةً فَلْيَفْعَلْ، كُلَّمَا تَعَرَّضَ لِبَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، حَالَ اللهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ"). (خ) 6733 (4) (هب) 5350، انظر الصَّحِيحَة: 3379

 

قدر ما تستطيع ابتعد عن الدماء، ابتعد عن قتل المسلم، حاول قدر ما تستطيع أن تتجنب الفتن يا عبد الله! لأن بعض الناس عنده ذبح المسلم كذبح الدجاجة، لاحظتم ذلك في أمة الإسلام اليوم؟ يقتل المسلم بأيِّ تهمة، وذبحه كذبح الدجاجة، هكذا قال صلى الله عليه وسلم، لا يكون عنده أسىً، بل يكون عنده فرح عندما يذبح دجاجة ليطعم أولاده أو ما شابه ذلك!

 

وهكذا المسلم اليوم يفرح إذا قتل مسلما، لذلك هذا يجعل الإنسان يوم القيامة لا يستطيع أن يدخل الجنة ولو جاء بأعمال كالجبال، كلَّما جاء إلى باب من أبواب الجنة؛ حيل بينه وحال الله بينه، تمنع منه يا عبد الله، يا قاتل.

 

والآن قد يكون القاتل واحدا، وقد يكون القتلة جماعة، وقد يكون الواحد وراءه جماعة، فلنفترض أن المقتول واحد، فهل نقتل جماعة من أجل واحد؟؟

 

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ" =من هم أهل السماء؟ الملائكة، كم عددهم؟ لا يحصيهم إلا الله سبحانه وتعالى= "وَأَهْلَ الْأَرْضِ اشْتَرَكُوا فِي دَمِ مُؤْمِنٍ لَأَكَبَّهُمْ اللهُ فِي النَّارِ". (ت) 1398، صَحِيح الْجَامِع: 5247، صحيح الترغيب 2442

والعياذ بالله! وهذا معناه أنهم قتلوا المؤمن بغير وجه حق؛ لأن هناك قد يكون وجوه للحق في القتل، وهذه لولي الأمر، للحكومة للدولة ليست للأفراد ولا للجماعات ولا للفرق، ولا للأحزاب أن يقتلوا إنسانا، بحق أو بغير حق، أما هذا الأمر فيرجع إليه، وإلا تصبح المسألة فوضى ويكثر الفساد في الأرض، الفساد العريض الذي يذكرنا ببشاعة الجريمة الإنسانية الأولى في عهد قابيل.

ومعنى (اشْتَرَكُوا فِي دَمِ مُؤْمِنٍ) الْمُرَادُ: قَتْلُهُ بِغَيْرِ حَقٍّ. تحفة الأحوذي (4/ 30)

توبوا إلى الله واستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الآخرة

الحمد لله حمد الشاكرين الصابرين، ولا عدوان إلا على الظالمين، اللهم صل وسلم وبارك وأنعم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد:

عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَمِقِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " أَيُّمَا رَجُلٍ أَمَّنَ رَجُلًا عَلَى دَمِهِ ثُمَّ قَتَلَهُ، فَأَنَا مِنْ الْقَاتِلِ بَرِيءٌ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ كَافِرًا". (حب) 5982، (حم) 21997، (هق) 18203، انظر صَحِيح الْجَامِع: 6103، وصَحِيحِ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب: 3007، وقال الأرنؤوط في (حب): إسناده حسن.

 

النبي صلى الله عليه وسلم يتبرأ من القاتل ولو كان المقتول كافرا، إذا أمَّنته، أمَّنت هذا الإنسان المؤمن أو الكافر، فلا يجوز لك إذا أمنته أن تغدر به، هذا هو ديننا، وهذا هو إيماننا.

 

ثم ننتقل إلى نقطة أخرى؛ يا أولياء المقتول يا أصحاب المصيبة، العفو العفو، العفو من شيم الكرام، أنت تكسب بالعفو أمورا كثيرة جدا، من رضا الله عز وجل ورضا الناس، وبعدم العفو وأخذ القصاص أخذت حقك، لن تكسب شيئا، وفقدنا نفسا ربما يكون فيها صلاح المستقبل، العفو أمره عظيم.

 

لذلك ورد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: (قُتِلَ رَجُلٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدُفِعَ القَاتِلُ إِلَى وَلِيِّهِ)، =بأمر من النبي صلى الله عليه وسلم خذ هذا القاتل= (فَقَالَ القَاتِلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَاللَّهِ مَا أَرَدْتُ قَتْلَهُ)، =إذن عنده عذر= فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

"أَمَا إِنَّهُ إِنْ كَانَ قَوْلُهُ صَادِقًا فَقَتَلْتَهُ دَخَلْتَ النَّارَ"، =ربما يكون القتل غير متعمد، ويحلُّ محلُّه الدية والإصلاح بين الناس، وهو من حقِّ ولي المقتول هذا الأمر، إما الدية أو القتل، فإذا قتله وكان مظلوما دخل النار= "فَخَلَّى عَنْهُ الرَّجُلُ"، =وليُّ المقتول خلَّي عنه وتركه= (وَكَانَ مَكْتُوفًا بِنِسْعَةٍ، فَخَرَجَ يَجُرُّ نِسْعَتَهُ، =مكتوف مجهز للقتل= (فَكَانَ يُسَمَّى ذَا النِّسْعَةِ): هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالنِّسْعَةُ: حَبْلٌ. (ت) 1407، (س) 4722، (د) 4498، (جة) 2690.

 

وثبت عند مسلم أَنَّ عَلْقَمَةَ بْنَ وَائِلٍ، حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَاهُ، حَدَّثَهُ، قَالَ: (إِنِّي لَقَاعِدٌ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ يَقُودُ آخَرَ بِنِسْعَةٍ)، =يعني رابطه بحبل، ويريد أخذ الإذن من النبي صلى الله عليه وسلم بالقتل= فَقَالَ: (يَا رَسُولَ اللهِ! هَذَا قَتَلَ أَخِي)، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَقَتَلْتَهُ؟!" =تحتاج إلى تحقيق، تحتاج إلى تدقيق= (فَقَالَ) =ولي القتيل=: (إِنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْتَرِفْ أَقَمْتُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ). =يوجد شهود= قَالَ: (نَعَمْ قَتَلْتَهُ)، قَالَ: "كَيْفَ قَتَلْتَهُ؟!" قَالَ: (كُنْتُ أَنَا وَهُوَ نَخْتَبِطُ مِنْ شَجَرَةٍ)، =يضرب أوراق الشجر حتى تنزل فتأكلها الإبل والشياه= (فَسَبَّنِي، فَأَغْضَبَنِي، فَضَرَبْتُهُ بِالْفَأْسِ عَلَى قَرْنِهِ، فَقَتَلْتُهُ)، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هَلْ لَكَ مِنْ شَيْءٍ تُؤَدِّيهِ عَنْ نَفْسِكَ؟" =تدفع الدية عن هذا الإنسان= قَالَ: (مَا لِي مَالٌ إِلَّا كِسَائِي وَفَأْسِي)، =هذا الذي يملكه= قَالَ: "فَتَرَى قَوْمَكَ يَشْتَرُونَكَ؟" =العائلة والعشيرة يشترونك، ويدفعوا عنك= قَالَ: (أَنَا أَهْوَنُ عَلَى قَوْمِي مِنْ ذَاكَ)، =ما أحد ينظر إلي= (فَرَمَى إِلَيْهِ بِنِسْعَتِهِ)، =رمى إلى ولي القتيل= وَقَالَ: "دُونَكَ صَاحِبَكَ"، فَانْطَلَقَ بِهِ الرَّجُلُ، =يريد أن يقتله= فَلَمَّا وَلَّى قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنْ قَتَلَهُ فَهُوَ مِثْلُهُ"، =يعني ليس قاتلا واحدا، هناك قاتلان= فَرَجَعَ، فَقَالَ: (يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكَ قُلْتَ: "إِنْ قَتَلَهُ فَهُوَ مِثْلُهُ"، وَأَخَذْتُهُ بِأَمْرِكَ).

 

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَمَا تُرِيدُ أَنْ يَبُوءَ بِإِثْمِكَ، وَإِثْمِ صَاحِبِكَ؟!" =أي الإثم يبقى على واحد فقط؛ فضلا عن أن يكون على أكثر من واحد= قَالَ: (يَا نَبِيَّ اللهِ!) -لَعَلَّهُ قَالَ:- (بَلَى)، قَالَ: "فَإِنَّ ذَاكَ كَذَاكَ"، قَالَ: (فَرَمَى بِنِسْعَتِهِ وَخَلَّى سَبِيلَه). (م) 32- (1680).

 

أما يوم القيامة يا عباد الله؛ فقد ورد عَنْ شَقِيقٍ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبِي مُوسَى، فَقَالاَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ" =أي من علامات الساعة= "لَأَيَّامًا؛ يَنْزِلُ فِيهَا الجَهْلُ، وَيُرْفَعُ فِيهَا العِلْمُ، وَيَكْثُرُ فِيهَا الهَرْجُ»، وَالهَرْجُ: القَتْلُ. (خ) 7062، نسأل الله السلامة.

 

والعجيب أن القتل المقصود ليس قتل الكفار، بل قتل المسلمين بعضهم بعضا، كما قَالَ أَبُو مُوسَى: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ لَهَرْجًا"، قَالَ: قُلْتُ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا الْهَرْجُ؟!) قَالَ: "الْقَتْلُ"، فَقَالَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّا نَقْتُلُ الْآنَ فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ كَذَا وَكَذَا)، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيْسَ بِقَتْلِ الْمُشْرِكِينَ، وَلَكِنْ يَقْتُلُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، حَتَّى يَقْتُلَ الرَّجُلُ جَارَهُ، وَابْنَ عَمِّهِ وَذَا قَرَابَتِهِ"، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَمَعَنَا عُقُولُنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ؟!)


فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا!" =العقول في ذلك الزمان ما في، ما هي عقول الناس في ذلك الزمان، قال: لا= "تُنْزَعُ عُقُولُ أَكْثَرِ ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَيَخْلُفُ لَهُ هَبَاءٌ" =كالغبرة= "مِنَ النَّاسِ لَا عُقُولَ لَهُمْ"، ثُمَّ قَالَ الْأَشْعَرِيُّ: (وَايْمُ اللَّهِ، إِنِّي لَأَظُنُّهَا مُدْرِكَتِي وَإِيَّاكُمْ، وَايْمُ اللَّهِ، مَا لِي وَلَكُمْ مِنْهَا مَخْرَجٌ، إِنْ أَدْرَكَتْنَا فِيمَا عَهِدَ إِلَيْنَا نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَّا أَنْ نَخْرُجَ كَمَا دَخَلْنَا فِيهَا". (جة) 395.

 

والعجيب أن يوم القيامة -كما قال ابن عباس-: يأتي يوم القيامة المقتول متعلقا رأسه بإحدى يديه (طب) عَنْ نَافِعِ بن جُبَيْرِ بن مُطْعِمٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فَقَالَ: (يَا أَبَا الْعَبَّاسٍ! هَلْ لِلْقَاتِلِ مِنْ تَوْبَةٍ؟) فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ كَالْمُتَعَجِّبِ مِنْ شَأنِهِ: (مَاذَا تَقُولُ؟) فَأَعَادَ عَلَيْهِ الْمَسْأَلَةَ، فَقَالَ لَهُ: (مَاذَا تَقُولُ؟) -مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا- ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: (أَنَّى لَهُ التَّوْبَةُ؟!) سَمِعْتُ نَبِيَّكُمْ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:

"يَأتِي الْمَقْتُولُ مُتَعَلِّقًا رَأسَهُ بِإِحْدَى يَدَيْهِ"، =يعني بدون رأس= "مُتَلَبِّبًا قَاتِلَهُ"، -أي: آخذ بعنق قاتله.- "بِيَدِهِ الْأُخْرَى"، =يمسك بقاتله نسأل الله السلامة= "تَشْخُبُ أَوْدَاجُهُ دَمًا"، =الدم يخرج من رقبة القتيل ومن رأسه= "حَتَّى يَأتِيَ بِهِ الْعَرْشَ"، =أي عند أحكم الحاكمين وأعدل العادلين سبحانه= "فَيَقُولُ الْمَقْتُولُ لِلهِ: رَبِّ هَذَا قَتَلَنِي، فَيَقُولُ اللهُ عز وجل لِلْقَاتِلِ: تَعِسْتَ، وُيَذْهَبُ بِهِ إِلَى النَّارِ". (طب) 10742، انظر الصَّحِيحَة: 2697، نسأل الله السلامة.

 

وفي الختام يا عباد الله؛ إذا كان ديننا وإيماننا وتوحيدنا، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم أخذ الوحي من ربنا سبحانه وتعالى الرحمن الرحيم، قد جعلنا نرحم حتى الحيوان، فكيف بالإنسان؟

ورد عن ابن عمر أنه مرَّ على جماعة من الأطفال، أو من الشباب أومن الفتيان، وهم قد نصبوا دجاجة لرجل، وكلُّ سهم لا يصيبها جعلوه لصاحب الدجاجة، يريد أن يجمع السهام، فهم يرمونها وإذا بهم يرون ابن عمر ويتفرقون ويفرون، فلنقرأ ما ورد عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: (مَرَّ ابْنُ عُمَرَ بِفِتْيَانٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ نَصَبُوا طَيْرًا، وَهُمْ يَرْمُونَهُ، وَقَدْ جَعَلُوا لِصَاحِبِ الطَّيْرِ كُلَّ خَاطِئَةٍ مِنْ نَبْلِهِمْ، فَلَمَّا رَأَوْا ابْنَ عُمَرَ تَفَرَّقُوا)، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: (مَنْ فَعَلَ هَذَا؟! لَعَنِ اللهُ مَنْ فَعَلَ هَذَا؛ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ مَنِ اتَّخَذَ شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا). (م) (1958)، وفي حديث آخر عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَعَنَ اللَّهُ مَنْ مَثَّلَ بِالْحَيَوَانِ". (س) 4442، يعني عذب الحيوان.

 

وهذا يذكرني أن أنصح به إخواني الذين يعملون على الخيول والحُصُن، والعربات فيحملونها فوق طاقتها، ثم يعذبونها بالضرب حتى تمشي، لا يا أخي ارحم من في الأرض يرحمك من في السماء.

 

وأنتم تعرفون الحديث الذي أذكركم به وهو عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا، فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ». قَالَ: فَقَالَ: (وَاللَّهُ أَعْلَمُ)، وهذا يوم القيامة: «لاَ أَنْتِ أَطْعَمْتِهَا وَلاَ سَقَيْتِهَا حِينَ حَبَسْتِيهَا، وَلاَ أَنْتِ أَرْسَلْتِهَا، فَأَكَلَتْ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ». (خ) 2365.

 

ورأى النبي صلى الله عليه وسلم هذه المرأة وغيرها في الإسراء والمعراج؛ بأن هرة تنهشها وتأكل من جسمها ولحمها؛ لأنها عذبتها بالجوع، لكن لو قتلتها مباشرة لعمل عملته هذه الهرة، أو ذاك الكلب يسمى الحيوان الصائل يجوز قتل، لكن لا يجوز تعذيبه، فكيف بالإنسان الذي هو في الأرض بنيان الله سبحانه وتعالى، يتجلى الله على خلقه.

 

أسأل الله العظيم الجليل أن يغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وأن يثبت أقدامنا، وأن ينصرنا على القوم الكافرين.

اللهم وحد صفوفنا، وألف بين قلوبنا، اللهم أزل الغل والحقد والحسد والبغضاء من صدورنا، برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين.

اللهم فك أسر المأسورين، وسجن المسجونين، واقض الدين عن المدينين، ونفس كرب المكروبين، برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات يا رب العالمين.

اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.

اللهم اسقنا غيثا مغيثا سحًّا طبقا، هنيئا مريئا، برحمتك ومنك يا رب العالمين.

اللهم اسقنا، اللهم اسقنا، اللهم اسقنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، برحمتك يا أرحم الراحمين، ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا.

 

اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وأقم الصلاة؛ ﴿ ... إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾. (العنكبوت: 45)

خطبها وألقاها فضيلة شيخنا: أبو المنذر فؤاد بن يوسف أبو سعيد بارك الله في علمه وعمره.

بمسجده المسعود شرقي البريج- وسط قطاع غزة.

10/ ربيع الأول/ 1438هـ،

وفق: 9/ 12/ 2016م.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • جريمة القتل بين العصبيات الجاهلية وتنافس الدنيا
  • أسباب معاصرة لجريمة القتل
  • شرح حديث: إذا التقى المسلمان بسيفيهما
  • كيف عالج الإسلام جريمة القتل

مختارات من الشبكة

  • كوسوفو: رئيس أركان صربيا متهم في جرائم حرب ضد الإنسانية(مقالة - المسلمون في العالم)
  • الزواج العرفي أبشع صور الاستغلال(مقالة - ملفات خاصة)
  • العصبية القبلية.. عودة للجاهلية في أبشع صورها!!(مقالة - موقع أ. د. عبدالله بن إبراهيم بن علي الطريقي)
  • الجوانب الإنسانية في حياة خير البرية صلى الله عليه وسلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مقالات في مذهب الإنسانية: "الدين الإنساني" (3)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير سورة الفاتحة (13)(مقالة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري)
  • القيم الإنسانية في تعايش الرسول صلى الله عليه وسلم مع غير المسلمين(مقالة - ملفات خاصة)
  • بين الطبيعة الإنسانية الإسلامية والطبيعة الصهيونية والصليبية(مقالة - موقع أ. د. عبدالحليم عويس)
  • تطوير العلاقات الإنسانية في الإسلام(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • الوسائل الإسلامية لحفظ النفس الإنسانية (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب