أيها الإعلامي، تعرف على أفكار الخصم الطازجة

تعرف على أفكار الخصم الطازجة

تطرأ على الساحة الفلسطينية أحداث كثيرة، بل إن كل يوم تشرق شمسه على أرض الرسالات يحمل تغييراً سياسياً واجتماعياً وشعبياً جديداً، وهذا يتطلب بالضرورة أن يكون لكل طرف موجود على الساحة رأيه في مثل هذه المستجدات.

وتبعاً لاختلاف المنابت لدى التكتلات الفلسطينية، فإن هناك أحداثاً تندرج في السياق العام، والتصور الشمولي لدى هذا الطرف أو ذاك، وهذا أمر لا أريد الخوض بتفاصيله، فكل فرع يلحق بأصله، والجزئيات تندرج في إطار العموميات هنا.

لكن ما أريد أن أسلط عليه الضوء هنا، وجود حدث ما يكون لكل طرف على الساحة فيه موقف جديد ورؤية خاصة تقرها المرجعيات الموجودة في تياره على اختلاف مسمياتها، بحيث يكون لهذه التصورات سمة جديدة، وطابع يتطلب تعرفاً تفصيلياً وداخلياً لآليات وبواعث اتخاذ القرار عند كل طرف، والأسس الذي انبنى عليها هذا التوجه عند كل فريق.

في الحقيقة، إن النضوج والقوة في أي تكتل تنبع من قدرة هذا التكتل على التعاطي مع المعطيات في الساحة بسرعة وموضوعية، وأن يصل إلى كبد الحقيقة لحظة وقوعها، وأن يحلل نتائجها ويحدد نقاط استفادته منها بشكل سريع وفوري، لأنه قد يطلب منه التصور الخاص به في الحدث إعلامياً أو جماهيرياً بشكل فوري، فمن سارع غَنِم، ومن تباطأ أو قصر فقد سعى إلى الهيجا بغير سلاح.

والمعرفة التفصيلية برأي هذا الطرف أو ذاك، والسبب الدافع وراء هذه الرؤية والتوجه، تعطي الإعلامي المسلم إشارات موضوعية عن طبيعة فهم وتحرك هذا التكتل، والطبيعة التي تتسم بها شخصياته القيادية ومرجعياته الفكرية، وهذه المعلومات المتراكمة والسريعة تشكل صورة شمولية عن هذا الحدث بعيون خصمك، وصورة لنمط القيادة عنده، وتعطيك دلالات فرعية أخرى عن تماسك هذه الهيكلية أو تراخيها بالضرورة.

هذه الإشارات ضرورية للإعلامي المقصود بالإعلام، ولمن طرق الإعلام باب بيته سابقاً، لأن الإعلام في معمعان انشغاله بتغطية الحدث يبحث عن عنوان، ومن سبق وعرف عنوانه فمن السهل أن يقرع باب بيته مرّة أخرى في مثل هذه الأمور.

أضرب لذلك مثلاً : كإنسان ماركسي أو علماني، بنيت توجهي عن حدث سياسي أو اجتماعي من صورة مجزوءة وصلتني من خلال قاعدة الكيان السياسي الذي أنتمي إليه، واتخذ القرار بخصوصها من خلال نظرة سريعة على الحدث دون الإلمام بمفرداته، وأنت خصمي في لقاء مباشر على الهواء بعد ساعتين فقط من وقوع الحدث، وتعرف مسبقاً التصور الذي وصلت إليه وكيفية اتخاذ القرار بشأنه من قبلي ومن قبل تياري.

إنك حتماً تملك كل أوراقي، وتستطيع بكل بساطة أن تضربني في مقتل، وأن تسلط الضوء على هشاشة كيانه التنظيمي أو الاتجاه الذي أمثله، وإليك نماذج مما يمكن لك أن تطرحه ضدي وتباغتني به بعد أن عرفت كل ما لدي.

أتظن أن الأخ قد فاته التفصيل الفلاني، أتوقع مما سمعته من الضيف أنه لم يسمع بما رافق الحدث، الكلام الذي يطرحه زميلي مخالف تماماً لما جرى، لا بد أن يتم اتخاذ القرار بناء على فهم الواقع بكل معطياته.

تخيل كم سيكون موقفي هشاًّ أمامك، وكيف تقف أمامي في حصن قوتك وأقف أمامك عارياً بغير حجة ولا منطق، وتخيل كيف سيكون انعكاس رأي الجمهور والمشاهدين والمتابعين وأنت تقول مثلاً:" لا أتوقع أن يقول الخصم (أنا) أنه أخذ قراره بناء على كذا وكذا، وأنت تعلم أني قد اتخذت قراري بناءً عليه" فهذا حسم للمعركة كلياًّ، وصفعة لي أمام الملايين، وتعرية لي ولمن أمثل من كل قوة أمام بها وقوة ما تطرح وما تحمل.

هكذا فلتُدَر الأمور.. وهكذا فلتؤكل الكتف، فالحياة موقف، والعلم سلاح.

إن هذه الصورة التي طرحتها، والنموذج الذي اخترته للدلالة على ما أريده هنا يمكن أن تكون خاصة عند كل حدث، ومع كل موقف إعلامي متلفز أو إذاعي أو منشور مطبوع، ولكنها تحتاج حتماً إلى جسم إعلامي متضامن مترابط له هيكليته التي تضمن سلامة وسرعة وصول الخبر من كل اتجاه، لتصب هذه المعلومات في الخانة الصحيحة، وبين أيدي من يحسن التعامل معها والتفرس بدلالاتها.

للتذكير.. فإن من الطبيعي أن تعرف التوجهات العامة عند أي فريق موجود على الساحة الفلسطينية، فمواقفه قد سبق له الإعلان عنها من خلال نشاطاته وفعالياته ومهرجاناته ومنشوراته المختلفة، ولكن الجديد والقوي والمؤثر في الموضوع أن تصل إلى قراراته الجديدة بعد اتخاذها، وأن تقف على توجهاته المستحدثة فور استحداثها، وهذه قوة ما بعدها قوة.

إن الملاكم البارع هو الذي يبادر بعد قرع الجرس إلى مباغتة خصمه، وتوجيه أكبر قدر ممكن من اللكمات، وما بين اللكمات والكلمات فارق بسيط.