• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    التعبد بذكر النعم وشكرها (خطبة)
    مجاهد أحمد قايد دومه
  •  
    حفظ العشرة والوفاء بالجميل (خطبة)
    محمد موسى واصف حسين
  •  
    ثمار الخلة الخاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    الاكتفاء بغلبة الظن في أمور الدنيا والدين عند ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    فضل أذكار الصباح والمساء
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    عبر مع نزول المطر (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    خطبة: عولمة الرذيلة
    أ. د. حسن بن محمد بن علي شبالة
  •  
    خطبة: القدوة الصالحة
    أحمد عبدالله صالح
  •  
    خطبة: العفو والتسامح شيمة الأتقياء الأنقياء
    يحيى سليمان العقيلي
  •  
    الخوف من الله وكف الأذى (خطبة)
    الشيخ أحمد إبراهيم الجوني
  •  
    حديث ضمة القبر
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    اكفل يتيما... تكن رفيق النبي صلى الله عليه وسلم ...
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    الحديث الحادي والعشرون: الحث على إنظار المعسر ...
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    فضل التبكير لصلاة الجمعة (خطبة)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    وما بعد العسر فرح (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    الحث على الإكثار من بعض الأعمال
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / العبادات / الحج والأضحية
علامة باركود

ابتلاء مبين وذبح عظيم (خطبة)

ابتلاء مبين وذبح عظيم (خطبة)
د. محمود بن أحمد الدوسري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 13/5/2025 ميلادي - 16/11/1446 هجري

الزيارات: 5959

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ابتلاء مُبين وذِبْح عظيم

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِهِ الْكَرِيمِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ ذَكَرَ جَانِبًا مِنْ قِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ- لَمَّا نَجَّاهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنْ كَيْدِ قَوْمِهِ: ﴿ وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ * رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الصَّافَّاتِ: 99-111].

 

وَالْمَعْنَى: إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي، وَهُوَ سَيَهْدِينِي إِلَى طَرِيقِ الْحَقِّ وَالصَّلَاحِ، ثُمَّ قَالَ فِي دُعَائِهِ: رَبِّ ارْزُقْنِي صَالِحِينَ مِنْ جُمْلَةِ الَّذِينَ يُصْلِحُونَ فِي الْأَرْضِ بِطَاعَتِكَ وَلَا يَعْصُونَكَ؛ عِوَضًا عَنْ قَوْمِي الْكَافِرِينَ الَّذِينَ فَارَقْتُهُمْ[1]. فَبَشَّرْنَاهُ بِأَنَّهُ سَيُولَدُ لَهُ غُلَامٌ حَلِيمٌ، وَهُوَ إِسْمَاعِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ، وَأَدْرَكَ أَنَّهُ يَسْعَى مَعَهُ، وَبَلَغَ سِنًّا يَكُونُ فِي الْغَالِبِ أَحَبَّ مَا يَكُونُ لِوَالِدَيْهِ، قَدْ ذَهَبَتْ مَشَقَّتُهُ، وَأَقْبَلَتْ مَنْفَعَتُهُ؛ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لَهُ: يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ؛ أَمْرًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، فَمَاذَا تَرَى؟

 

فَقَالَ لَهُ إِسْمَاعِيلُ: يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا أَمَرَكَ اللَّهُ بِهِ، سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا؛ وَأَسْلَمَا أَمْرَهُمَا لِلَّهِ، وَأَضْجَعَ إِبْرَاهِيمُ ابْنَهُ عَلَى جَانِبِ جَبْهَتِهِ لِيَذْبَحَهُ، وَنَادَيْنَاهُ فَقُلْنَا لَهُ: يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ حَقَّقْتَ الرُّؤْيَا وَعَمِلْتَ بِهَا، إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ مَنْ كَانَ مُحْسِنًا، فَنُنْجِيهِ مِنَ الْكَرْبِ وَالشَّدَائِدِ[2].

 

إِنَّ هَذَا الَّذِي أَمَرْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ لَهُوَ الِاخْتِبَارُ الشَّدِيدُ، وَفَدَيْنَا ابْنَهُ بِكَبْشٍ عَظِيمِ الْحَجْمِ وَالْقَدْرِ، وَأَنْعَمْنَا عَلَى إِبْرَاهِيمَ بِالثَّنَاءِ الْبَاقِي فِيمَنْ بَعْدَهُ، سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ. مِثْلُ هَذَا الْجَزَاءِ نَجْزِي كُلَّ مَنْ كَانَ مُحْسِنًا؛ فَإِنَّ إِبْرَاهِيمَ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ[3].

 

وَمِنْ أَهَمِّ الدُّرُوسِ وَالْعِبَرِ، وَالْأَحْكَامِ وَالْفَوَائِدِ فِي هَذَا الِابْتِلَاءِ الْعَظِيمِ:

1- مِنْ أَعْظَمِ الِابْتِلَاءَاتِ الَّتِي ابْتَلَى اللَّهُ تَعَالَى بِهَا إِبْرَاهِيمَ ذَبْحُ وَلَدِهِ: بَعْدَمَا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ فِي أُمُورِ الْحَيَاةِ، وَالنَّفْعِ، وَالْخِدْمَةِ.

 

2- الِاعْتِمَادُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَتَرْكُ الِاعْتِمَادِ عَلَى النَّفْسِ: لِقَوْلِ إِبْرَاهِيمَ: ﴿ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾، فَاعْتَمَدَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي الْهِدَايَةِ إِلَى طَرِيقِ الْحَقِّ.

 

3- إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ هُوَ أَوَّلُ مَنْ هَاجَرَ: ﴿ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾، فَهَذِهِ الْآيَةُ أَصْلٌ فِي الْهِجْرَةِ وَالْعُزْلَةِ[4].

 

4- التَّحَنُّنُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالدُّعَاءِ: بِأَنْ يَأْتِيَ بِالْعِبَارَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى التَّحَنُّنِ وَالتَّعَطُّفِ وَالِافْتِقَارِ إِلَى الرَّبِّ؛ لِقَوْلِهِ: ﴿ ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي ﴾، فَأَضَافَ الرُّبُوبِيَّةَ إِلَى نَفْسِهِ مِنْ بَابِ التَّلَطُّفِ وَالتَّحَنُّنِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى[5].

 

5- وُجُوبُ الْهِجْرَةِ مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي يَكْثُرُ فِيهِ الْأَعْدَاءُ: لِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا أَحَسَّ مِنْهُمْ بِالْعَدَاوَةِ الشَّدِيدَةِ هَاجَرَ مِنْ تِلْكَ الدِّيَارِ، مَعَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ خَصَّهُ بِأَعْظَمِ أَنْوَاعِ النُّصْرَةِ، وَغَيْرُهُ مِنْ بَابِ أَوْلَى[6].

 

6- الصَّلَاحُ هُوَ أَفْضَلُ الصِّفَاتِ: بَدَلِيلِ أَنَّ الْخَلِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ طَلَبَ الصَّلَاحَ لِنَفْسِهِ، فَقَالَ: ﴿ رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾ [الشُّعَرَاءِ: 83]؛ وَطَلَبِهِ لِلْوَلَدِ، فَقَالَ: ﴿ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾، وَطَلَبَهُ سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلَامُ – بَعْدَ كَمَالِ دَرَجَتِهِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا، فَقَالَ: ﴿ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ﴾ [النَّمْلِ:19]، وَكَذَا طَلَبَهُ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ – بَعْدَ كَمَالِ دَرَجَتِهِ أَيْضًا، فَقَالَ: ﴿ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾ [يُوسُفَ: 101].

 

7- اسْتِحْبَابُ بِشَارَةِ مَنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ، وَتَهْنِئَتُهُ: لِقَوْلِهِ: ﴿ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ ﴾، فَيُسْتَحَبُّ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُبَادِرَ إِلَى بِشَارَةِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ بِمَا يُفْرِحُهُ وَيَسُرُّهُ[7].

 

8- رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ، وَهِيَ مَعْصُومَةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ: وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْأُمَّةِ، ﴿ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ ﴾، وَلِهَذَا أَقْدَمَ الْخَلِيلُ عَلَى ذَبْحِ ابْنِهِ بِالرُّؤْيَا، وَأَمَّا رُؤْيَا غَيْرِهِمْ فَتُعْرَضُ عَلَى الْوَحْيِ الصَّرِيحِ؛ فَإِنْ وَافَقَتْهُ وَإِلَّا لَمْ يُعْمَلْ بِهَا[8].

 

9- أَهَمِّيَّةُ التَّلَطُّفِ فِي الْأُسْلُوبِ فِي الْأُمُورِ الْمَكْرُوهَةِ لِلْأَنْفُسِ: ﴿ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى ﴾؛ مِنْ أَجْلِ أَنْ يُبْعِدَ عَنْهُ تُهْمَةَ أَنَّهُ لَا يُحِبُّهُ، فَلَاطَفَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿ يَا بُنَيَّ ﴾؛ وَقَوْلِهِ: ﴿ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى ﴾[9].

 

10- وُجُوبُ الصَّبْرِ عَلَى امْتِثَالِ الْأَوَامِرِ، وَعَلَى الْمَصَائِبِ: لِقَوْلِهِ: ﴿ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾ عَلَى تَنْفِيذِ هَذَا الْأَمْرِ، وَمَا يَقْتَضِيهِ مِنْ آلَامِ الذَّبْحِ[10].

 

11- وُجُوبُ تَعْلِيقِ الْأُمُورِ الْمُسْتَقْبَلِيَّةِ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ: لِقَوْلِهِ: ﴿ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾، وَيُؤَيِّدُهُ – فِي شَرْعِنَا: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى – لِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ﴿ وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ﴾ [الْكَهْفِ: 23-24]. فَهَذَا مِنْ أَخْلَاقِ الْكُمَّلِ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ؛ لِتَعَلُّقِهِمْ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَتَوَكُّلِهِمْ عَلَيْهِ[11].

 

12- الْعَمَلُ بِسَدِّ الذَّرَائِعِ الَّتِي تَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَبَيْنَ تَنْفِيذِ أَمْرِ اللَّهِ: لِقَوْلِهِ: ﴿ وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ﴾؛ حَتَّى لَا يَرَى وَجْهَهُ حِينَ يَذْبَحُهُ؛ فَإِنَّ هَذَا يُهَوِّنُ عَلَيْهِمَا الْأَمْرَ، فَيَهُونُ عَلَيْهِمَا التَّنْفِيذُ[12].

 

13- حِكْمَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِيمَا يُقَدِّرُهُ عَلَى عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ مِنْ مَكْرُوهٍ: فَلَا يَقُولُ الْإِنْسَانُ: لِمَاذَا ابْتَلَانِي اللَّهُ بِهَذَا دُونَ غَيْرِي؟! فَلَا يُمْكِنُ صَبْرٌ بِلَا مَصْبُورٍ عَلَيْهِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنَ ابْتِلَاءٍ وَامْتِحَانٍ يُعْلَمُ بِهِ قَدْرُ صَبْرِ الْإِنْسَانِ حَتَّى يُثَابَ عَلَى قَدْرِ صَبْرِهِ[13].

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ... أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ.. وَمِنَ الْفَوَائِدِ وَالْعِبَرِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ الْعَجِيبَةِ:

14- نِعْمَةُ الْوَلَدِ تَكُونُ أَكْمَلَ؛ إِذَا كَانَ صَالِحًا: وَلِذَا قَالَ: ﴿ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ فَإِنَّ صَلَاحَ الْأَوْلَادِ قُرَّةُ عَيْنٍ لِلْآبَاءِ، وَمِنْ صَلَاحِهِمْ بِرُّهُمْ بِوَالِدِيهِمْ[14].

 

15- أَشَدُّ النَّاسِ بَلَاءً الْأَنْبِيَاءُ: ﴿ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾ فَهَذَا ابْتِلَاءٌ عَظِيمٌ لِنَبِيَّيْنِ كَرِيمَيْنِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ إِبْرَاهِيمَ أَنْ يَذْبَحَ وَلَدَهُ بِيَدِهِ، وَرَضِيَ إِسْمَاعِيلُ بِهَذَا الْقَرَارِ الصَّعْبِ مِنْ وَالِدِهِ، فَاسْتَسْلَمَا لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى جَمِيعًا، وَشَرَعَا فِي تَنْفِيذِ هَذَا الْأَمْرِ الْعَظِيمِ الَّذِي لَا يُقْدِمُ عَلَيْهِ إِلَّا أَمْثَالُهُمَا، فَهَذَا مِنْ مَنَاقِبِهِمَا[15].

 

16- أَرَادَ اللَّهُ تَكْمِيلَ خُلَّةِ إِبْرَاهِيمَ؛ بِأَلَّا يَبْقَى فِي قَلْبِهِ مَا يُزَاحِمُ بِهِ مَحَبَّةَ رَبِّهِ: فَقَدَّمَ طَاعَةَ رَبِّهِ وَمَحَبَّتَهُ عَلَى مَحَبَّةِ الْوَلَدِ، وَلَمْ يَبْقَ فِي قَلْبِهِ الْتِفَاتٌ إِلَى غَيْرِ اللَّهِ؛ فَظَهَرَ عَزْمُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَعُلُوُّ مَرْتَبَتِهِ فِي طَاعَةِ رَبِّهِ[16].

 

17- الْأَدَبُ فِي خِطَابِ الْأَبِ، وَخِطَابِ الِابْنِ: فَلَمَّا كَانَ خِطَابُ الْأَبِ ﴿ يَا بُنَيَّ ﴾ عَلَى سَبِيلِ التَّرَحُّمِ؛ جَاءَ خِطَابُ الِابْنِ بِقَوْلِهِ: ﴿ يَا أَبَتِ ﴾ عَلَى سَبِيلِ التَّعْظِيمِ وَالتَّوْقِيرِ[17].

 

18- قَدْ يَأْمُرُ اللَّهُ عَبْدَهُ بِشَيْءٍ؛ لِيَمْتَحِنَهُ هَلْ يُطِيعُهُ أَمْ يَعْصِيهِ: كَمَا أَمَرَ إِبْرَاهِيمَ بِذَبْحِ ابْنِهِ، ﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ﴾ حَصَلَ الْمَقْصُودُ فَفَدَاهُ بِالذَّبْحِ، فَلَا يَكُونُ الْمُرَادُ فِعْلَ الْمَأْمُورِ بِهِ، بَلِ امْتِحَانُ الْعَبْدِ بِطَاعَةِ رَبِّهِ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ: الْأَبْرَصِ وَالْأَقْرَعِ وَالْأَعْمَى؛ لَمَّا بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ مَنْ سَأَلَهُمُ الصَّدَقَةَ، فَلَمَّا أَجَابَ الْأَعْمَى قَالَ الْمَلَكُ: «أَمْسِكْ مَالَكَ؛ فَإِنَّمَا ابْتُلِيتُمْ، فَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْكَ، وَسَخِطَ عَلَى صَاحِبَيْكَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ[18].

 

19- إِذَا قَصَدَ الْإِنْسَانُ الْعَمَلَ، وَسَعَى إِلَيْهِ؛ كُتِبَ لَهُ أَجْرُهُ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ﴾، مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَذْبَحْ، لَكِنَّهُ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ يُنَفِّذَهُ[19].

 

20- الْجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ: قَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾، فَكَمَا أَحْسَنَ إِبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيلُ فِي طَاعَةِ رَبِّهِمَا؛ أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْهِمَا، ﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾ [الرَّحْمَنِ: 60]؛ أَيْ: مَا جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ، فَهَذَا مِنْ كَمَالِ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحْسَنَ إِلَيْنَا أَوَّلًا بِتَوْفِيقِنَا لِلطَّاعَاتِ وَالْإِحْسَانِ، ثُمَّ أَحْسَنَ إِلَيْنَا ثَانِيًا بِالْجَزَاءِ عَلَى ذَلِكَ[20].

 

21- مَنْصِبُ الْخُلَّةِ مَنْصِبٌ لَا يَقْبَلُ الْمُزَاحَمَةَ بِغَيْرِ الْمَحْبُوبِ: فَلَمَّا أَخَذَ الْوَلَدُ شُعْبَةً مِنْ شِعَابِ الْقَلْبِ؛ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِذَبْحِهِ، فَلَمَّا أَسْلَمَ لِلِامْتِثَالِ خَرَجَتْ تِلْكَ الْمُزَاحَمَةُ، وَخَلَصَتِ الْمَحَبَّةُ لِأَهْلِهَا، فَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى: ﴿ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ﴾، فَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يُعَذَّبَ، وَلَكِنْ يُبْتَلَى لِيُهَذَّبَ[21].

 

22- فَضِيلَةُ الْعُبُودِيَّةِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالْإِيمَانِ بِهِ: فَقَدْ أَثْنَى اللَّهُ تَعَالَى عَلَى إِبْرَاهِيمَ بِوَصْفَيِ: الْعُبُودِيَّةِ وَالْإِيمَانِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ﴾، فَمَنِ اتَّصَفَ بِالْعُبُودِيَّةِ وَالْإِيمَانِ نَالَهُ مِنَ الثَّنَاءِ بِقَدْرِ مَا اتَّصَفَ بِهِ مِنْهُمَا؛ وَكُلَّمَا كَانَ الْإِنْسَانُ لِلَّهِ أَعْبَدَ، وَبِهِ آمَنَ؛ كَانَ الثَّنَاءُ عَلَيْهِ أَكْثَرَ وَأَعْظَمَ[22].



[1] انظر: تفسير الطبري، (19/ 577)؛ تفسير القرطبي، (15/ 98).

[2] انظر: تفسير ابن عاشور، (23/ 150)؛ تفسير ابن كثير، (7/ 27).

[3] انظر: تفسير النيسابوري، (5/ 573)؛ تفسير السعدي، (ص706).

[4] انظر: تفسير القرطبي، (15/ 97).

[5] انظر: تفسير ابن عثيمين – سورة الصافات، (ص223).

[6] انظر: تفسير الرازي، (26/ 344).

[7] انظر: تحفة المودود بأحكام المولود، لابن القيم (ص27).

[8] انظر: مدارج السالكين، لابن القيم (1/ 75).

[9] انظر: تفسير ابن عثيمين – سورة الصافات، (ص235).

[10] انظر: المصدر نفسه، (ص238).

[11] انظر: نظم الدرر، للبقاعي (16/ 265).

[12] انظر: تفسير ابن عثيمين – سورة الصافات، (ص230).

[13] انظر: المصدر نفسه، (ص254).

[14] انظر: تفسير ابن عاشور، (23/ 148).

[15] انظر: تفسير ابن عثيمين – سورة الصافات، (ص238).

[16] انظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية (17/ 203).

[17] انظر: تفسير أبي حيان (9/ 117).

[18] انظر: مجموع الفتاوى، (8/ 436).

[19] انظر: تفسير ابن عثيمين – سورة الصافات، (ص249).

[20] انظر: المصدر نفسه، (ص252).

[21] انظر: المدهش، لابن الجوزي (ص86)؛ بدائع الفوائد، لابن القيم (3/ 223).

[22] انظر: تفسير ابن عثيمين – سورة الصافات، (ص258).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • بين ظلم النفس والتوبة (خطبة)
  • حقوق الوالدين والأرحام (خطبة)
  • أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات (خطبة)
  • خصائص العبادات في الإسلام (خطبة)
  • كل يوم هو في شأن (خطبة)
  • ألهاكم التكاثر (خطبة)
  • أخلاق يبغضها الله سبحانه (خطبة)
  • محفزات الهمة العالية (خطبة)
  • طريقك إلى النجاح (خطبة)
  • أخلاقيات القيادة وواجبات المسؤول (خطبة)
  • فوائد من قصة يونس عليه السلام (خطبة)
  • أمثال القرآن: حكم وبيان (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • ابتلاء الأبرص والأقرع والأعمى (خطبة)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • التضحية والابتلاء طريق الاجتباء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الذبح والنذر والركوع والسجود لغير الله تعالى، والشبهات الواردة والرد عليها، مع أمثلة تطبيقية (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تأملات في الحج (7) رمي الجمرات وذبح الأضحيات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إلى من ابتلي بموت قريب أو حبيب..(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فقه مواجهة الابتلاء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الابتلاء (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قوانين الابتلاء في القرآن الكريم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ابتليت بالزنا.. وأمارسه بكثرة(استشارة - الاستشارات)
  • من أدلة صدقه عليه الصلاة والسلام: تبتله وكثرة عبادته لربه جل وعلا(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ندوة متخصصة حول الزكاة تجمع أئمة مدينة توزلا
  • الموسم الرابع من برنامج المحاضرات العلمية في مساجد سراييفو
  • زغرب تستضيف المؤتمر الرابع عشر للشباب المسلم في كرواتيا
  • نابريجني تشلني تستضيف المسابقة المفتوحة لتلاوة القرآن للأطفال في دورتها الـ27
  • دورة علمية في مودريتشا تعزز الوعي الإسلامي والنفسي لدى الشباب
  • مبادرة إسلامية خيرية في مدينة برمنغهام الأمريكية تجهز 42 ألف وجبة للمحتاجين
  • أكثر من 40 مسجدا يشاركون في حملة التبرع بالدم في أستراليا
  • 150 مشاركا ينالون شهادات دورة مكثفة في أصول الإسلام بقازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 27/6/1447هـ - الساعة: 18:15
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب