• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / عقيدة وتوحيد / الكتب السماوية والرسل
علامة باركود

كليم الله موسى عليه السلام (3)

الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

المصدر: 3 من شهر محرم 1429هـ.
مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 13/1/2008 ميلادي - 4/1/1429 هجري

الزيارات: 43155

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

كليم الله موسى عليه السلام (3)

دعوة فرعون ومجادلته


الحمد لله رب العالمين؛ أرسل الرسل مبشرين ومنذرين، وأقام حجته على الخلق أجمعين، نحمده على عظيم منِّه، وواسع رحمته وفضله، ونشكره على جزيل هباته وعطاياه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ الخير بيديه، والشر ليس إليه، المَهْدِّيُ من هداه، نحنُ عبيده بين يديه، وبه وإليه، لا ملجأ لنا ولا منجى منه إلا إليه ﴿ فَفِرُّوا إِلَى الله إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ ﴾ [الذاريات:50] وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله؛ هدانا به ربُنا عز وجل وزكانا وعلمنا ما لم نكن نعلم ﴿ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة:151]. صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وأتباعه إلى يوم الدين.


أما بعد: فاتقوا الله ربكم، واعتبروا بما مضى من آجالكم، واعمروا ما بقي منها بطاعة الله تعالى؛ فإن الأيام تمضي، والأكفان تنسج، وكل عام جديد تفرحون به فإنه من نقص أعماركم، ومسرع بكم إلى قبوركم، وإن الموت أقرب إلى أحدنا من شراك نعله، فأعدوا للموت وما بعده العدة، فلسوف تُسألون وتحاسبون، وبأعمالكم تجزون ﴿ وَالوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَظْلِمُونَ ﴾ [الأعراف:8 - 9].


أيها الناس: قصة موسى عليه السلام هي أعظم قصص الأنبياء المذكورين في القرآن، وهي أكبر من غيرها، وتبسط أكثر من سواها، وفيها من الفوائد علم غزير، ومن الدروس شيء كثير، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عامة نهاره يحدثنا عن بني إسرائيل.

 

إنها قصة عظيمة غلب فيها صاحب الحق بحقه وحجته وبرهانه أهل الباطل بجندهم وقوتهم وكثرتهم.


والدعوة إلى الله تعالى لها رجالها، ومواجهة الطغاة المستبدين الذين يُعَبِّدون البشر لأنفسهم من دون الله تعالى لها ميادينها وأساليبها، ولا يتقنها ويقوى عليها إلا أفذاذ الرجال، ممن سلمت قلوبهم من التعلق بغير الله تعالى، وأخلصوا دينهم له عز وجل.


وهكذا كان كليم الرحمن موسى بن عمران عليه السلام؛ فلقد اصطفاه الله تعالى مخلصا لبني إسرائيل من ظلم الفراعنة، واصطنعه عز وجل لنفسه، وصنعه سبحانه على عينه، وقدَّر تبارك وتعالى أن ينشأ موسى في بيت فرعون، فلما شبَّ واستوى آتاه الله تعالى حكما وعلما، وابتلاه بالهجرة من مصر إلى مدين، وعمل فيها أجيرا عند الرجل الصالح عقدا من الزمن، فعاد بأهله من مدين إلى مصر بعد طول الغربة، وفي الوادي المقدس طوى، أكرمه الله عز وجل برسالاته، واختصه بكلامه، وكلَّفه بأعظم مهمة يكلف بها بشر، وهي بلاغ الدين، وردع الطغاة المستبدين، وأشرك الله تعالى في هذا الأمر العظيم مع موسى أخاه هارون عليهما السلام؛ ليشد من أزره، ويكون أمضى لعزمه، وأقوى لقلبه ﴿ قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآَيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الغَالِبُونَ ﴾ [القصص:35].


إن أعسر شيء على النفوس البشرية دعوةُ الجبابرة المستكبرين، ومواجهة الطغاة المستبدين؛ لإحقاق الحق، ورفع الظلم؛ ذلك أن الطغاة من البشر لا يخافون الله تعالى في الناس، ولا يردعهم عن الظلم والبطش شفقة ولا رحمة، وقد أحيطوا بجيوش من العسكر ترهب الناس منهم، وجيوش أخرى من المرتزقة تطبل لهم، وتزين في أعينهم سوء عملهم، وتحرضهم على من يعترض على ظلمهم، أو يناصحهم فيه؛ فمن يواجههم وهذه حالهم؟! ولذا كان قول الحق عند سلطان جائر أعظم أنواع الجهاد.


وموسى وهارون عليهما السلام قد أُرسلا إلى فرعون، وفرعون هو فرعون ظلما وبطشا وقهرا للعباد، وتعبيدهم لذاته الحقيرة من دون الله تعالى، وما زال البشر بعد فرعون يضربون به المثل في الظلم والبغي والاستنكاف عن قبول الحق، فيقولون فيمن كان جبارا عنيدا ظالما: هذا فرعون.


قال الله تعالى لموسى عليه السلام ﴿ اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآَيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي * اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ [طه:44].


ومن القول اللين الذي أمر الله تعالى به موسى عليه السلام ما جاء في قوله سبحانه ﴿ فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى ﴾ [النَّازعات:18 - 19].


تأملوا يا عباد الله حلم الله تعالى ورحمته بعباده، وصبره عز وجل على آذاهم، يأمر موسى وهارون عليهما السلام أن يخاطبا فرعون بالرفق واللين، لعل قلبه يلين بالتذكرة والموعظة، وفرعونُ هو من نازع الله تعالى في ربوبيته، ومنع الناس من عبوديته!! وما حاجةُ الله تعالى إلى فرعون، وإلى مئة فرعون مثله؟! وإلى البشر كلهم، وإلى الخلق أجمعين حتى يتلطفهم، ويتودد إليهم، ويأمر بلين الخطاب معهم؟!


لا يحتاج الله تعالى إلى أحد منهم، ولا يرجو سبحانه منهم نفعا ولا يخشى عز وجل ضرا، ولكنها رحمته التي سبقت غضبه، وحلمه على الظالمين من عباده، وصبره على أذى المخلوقين؛ فالحمد له سبحانه إذ كان لنا ربا مليكا مدبرا، وكنا له خلقا عبيدا؛ فإنه كان صبورا حليما عفوا رحيما، قال يزيد الرقاشي عند قوله تعالى ﴿ فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا ﴾ [طه:44]: يا من يتحبب إلى من يعاديه فكيف بمن يتولاه ويناديه؟!


لقد كان موسى وهارون عليهما السلام يعلمان قسوة فرعون، وشدة بطشه؛ ولذا لما أمرهما الله تعالى بالذهاب لدعوته ﴿ قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى ﴾ [طه:45] فأمنَّهما من الخوف والفزع مَنْ يملك الأمن والخوف، ومَنْ له جنود السموات والأرض، ومَنْ يملك نواصيَ فرعون وجنده والخلق أجمعين، فكفى به سبحانه حافظا، وكفى به عز وجل وليًا ونصيرا ﴿ قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾ [طه:46] وبلَّغهما سبحانه وتعالى ما يقولان لفرعون إذا مَثَلا أمامه، وبماذا يخاطبانه ﴿ فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الهُدَى * إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ العَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى ﴾ [طه:46 - 48].


فقام موسى وهارون عليهما السلام بأمر الله سبحانه خير قيام، وبلغا فرعون رسالة ربهما عز وجل، ويا لها من مهمة أدياها، ورسالة بلغاها، يعجز عن حملها وأدائها أكثر البشر!!


فكان جواب فرعون لهما جوابَ المستعلم الذي يريد معرفة ما وراءهما، وإلى أي مدى سيصلان في دعوتهما، وجرت بينهما محاورة ظهرت فيها قوة موسى عليه السلام أمام الطاغية، ورباطة جأشه، وبيان حجته، ووضوح دعوته بلا خوف ولا وجل، ولا تنازلات عن شيء من دين الله تعالى.

 

﴿ قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى * قَالَ فَمَا بَالُ القُرُونِ الأُولَى * قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى * كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى * مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى ﴾ [طه:49 - 55].


وبهذه المحاورة العظيمة ألزم موسى عليه السلام فرعون بالحجة والبرهان، وظهرت حجةُ النبي، وبطلت حجة الطاغوت، فما ثَمَّ إلا الإيمان والانقياد، أو الاستكبار والعناد، واللجوء إلى أساليب العاجزين عن مقارعة الحجة بالحجة، وهو أسلوب كل طاغية لا يستطيع أن يُثبت باطله أمام الحق وأهله فيلجأ إلى التهديد والوعيد بالعذاب والنكال.


وهكذا قابل فرعون حجج موسى عليه السلام القاطعة، وبراهينه الساطعة بالتكذيب والوعيد ﴿ وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آَيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى * قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى * فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى ﴾ [طه:56 - 58].


ولكن أمر الله تعالى نافذ، وقدره غالب، ومشيئته فوق مشيئة خلقه؛ إذ سعى فرعون في جلب السحرة ومبارزتهم لموسى عليه السلام أمام الناس..سعى بذلك إلى فضح أمره، وإظهار تهافت حجته، وقوة الحق الذي جاء به موسى عليه السلام، فكان سحرة فرعون هم أولَ المؤمنين بالحق لما استبان لهم، وفي ذلك من هزيمة فرعون والنكاية به ما لا يوصف، فعذبهم ونكَّل بهم، وقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وصلَّبهم في جذوع النخل، وما ردهم ذلك عن إيمانهم شيئا. فما أقوى إيمانهم! وما أصبرهم على ما نالهم من العذاب والنكال في ذات الله تعالى!! رحمهم الله تعالى ورضي عنهم. وسبحان من هداهم إلى الحق في لمح البصر، ثم ثبتهم عليه إلى أن لقوا الله تعالى. قال ابن عباس رضي الله عنهما:كانوا أول النهار سحرة وفي آخر النهار شهداء بررة. ﴿ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللهِ مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ المُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا ﴾ [الكهف:17] بارك الله لي ولكم في القرآن...


الخطبة الثانية

الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.


أما بعد: فاتقوا الله عباد الله وأطيعوه، وافتتحوا عامكم الجديد بخير أعمالكم، فإن الله تعالى مطلع على سركم وعلانيتكم، ومن افتتح عامه بالعمل الصالح فحري أن يمضي فيه، وأول العام شهر الله المحرم، وهو أول الأشهر الحرم؛ فإن الله عز وجل جعل فاتحة السنة بشهرٍ محرم، ووسطها بشهر رجبٍ وهو محرم، وخاتمتها بذي الحجة وهو محرم.


ففضيلة هذا الشهر العظيم أنه من الأشهر الحرم المنصوص عليها في القرآن الكريم في قول الله تعالى ﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ﴾ [التوبة:36].


فقد نهانا ربنا عز وجل أن نظلم أنفسنا في هذه الأشهر الحرم التي منها هذا الشهر، وإنْ كان ظلم النفس حراما في كل الأشهر؛ فإن هذا التحريم يتأكد في الأشهر الحرم، وظلم النفس يكون بالتقصير في الطاعات المأمور بها، وبانتهاك المحرمات المنهي عنها.


وجاء في حديث أبي بَكْرَةَ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ الزَّمَانَ قد اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يوم خَلَقَ الله السماوات وَالْأَرْضَ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا منها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلَاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبُ مُضَرَ الذي بين جُمَادَى وَشَعْبَانَ) رواه الشيخان.


كما أن لشهر محرم فضيلةً أخرى، وهي فضل صيام النافلة فيه على ما سواه من الأشهر؛ روى أبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ الله الْمُحَرَّمُ...) رواه مسلم.


وقد أضيف هذا الشهر العظيم في الحديث إلى الله تعالى(شهر الله المحرم) ومعلوم أن الصوم مختص بإضافته إلى الله تعالى من بين سائر الأعمال الصالحة؛ كما في حديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يقول الله عز وجل: الصَّوْمُ لي وأنا أَجْزِي بِهِ) متفق عليه. فناسب أن يتطوع العباد لله تعالى بالعمل المضاف إليه سبحانه وهو الصيام في الشهر المضاف إليه عز وجل وهو المحرم.


وجاء في حديث آخر أن الصيام ضياء، فمن افتتح عامه الجديد بالضياء فهو حري أن يسير به في عامه كله؛ لذا كان لصيام التطوع في محرم مزية على ما سواه من الشهور.


فمن لم يطق صيامه كله، فليصم منه ما يقدر عليه، ولا يفرطنَّ في التاسع والعاشر منه؛ لما في صيام العاشر من الفضل، فهو مكفر لسنة كاملة، ولما في صيام التاسع من مخالفة أهل الكتاب، وقد أمرنا بمخالفتهم.


ففي مشروعية صيام العاشر منه حديثُ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: (قَدِمَ النبي صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يوم عَاشُورَاءَ فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يَوْمٌ صَالِحٌ، هذا يَوْمٌ نَجَّى الله بَنِي إِسْرَائِيلَ من عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى، قال: فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ) متفق عليه.


وفي فضله حديث أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ على الله أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ التي قَبْلَهُ) رواه مسلم.


وفي فضيلة صيام التاسع معه حديثُ ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(لَئِنْ بَقِيتُ إلى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ) رواه مسلم.


فلا تحرموا أنفسكم هذا الأجر العظيم في فاتحة هذا العام الجديد، واستقبلوه بخير أعمالكم، ولا تظلموا فيه أنفسكم؛ فإن الواحد منا لا يدري متى يباغته أجله، والسعيد من ختم عمره بصالح عمله، والشقي من لقي الله تعالى معرضا عن طاعته، منتهكا لحرماته ﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَءُوفٌ بِالعِبَادِ ﴾ [آل عمران:30].


وصلوا وسلموا على نبيكم....





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • قصة موسى مع فرعون
  • دلالة الأحداث في لقاء موسى والخضر عليهما السلام
  • كليم الله موسى عليه السلام (4)
  • كليم الله موسى عليه السلام (2)
  • أضلهم السامري!
  • الحديث العطر والروض النضر من قصة موسى والخضر
  • كليم الله موسى عليه السلام (5)
  • كليم الله موسى عليه السلام (6)
  • مع الكليم في القرآن الكريم (1)
  • مع الكليم في القرآن الكريم (2)
  • ثناء الكليم عليه السلام على ربه سبحانه (خطبة)
  • موسى عليه السلام (1)
  • موسى عليه السلام (2)
  • موسى عليه السلام (8)
  • موسى عليه السلام (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • مخطوطة جزء في ذكر كليم اللَّه موسى بن عمران صلوات اللَّه وسلامه عليه وما يتعلق بقبره(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • فوائد ولطائف ومهام من حياة موسى الكليم عليه الصلاة والسلام(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • كليم الله موسى عليه السلام (1)(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • كليم الله موسى: شجاعة الكلمة وسكينة الرحمن(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قصة موسى عليه السلام (13) ما ورد من صفات موسى(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)
  • قصة موسى عليه السلام (9) موسى والخضر(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)
  • متن الآداب المنتخب من كتاب الإقناع للعلامة موسى بن أحمد بن موسى الحجاوي (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • قصة موسى عليه السلام (12) وفاة موسى عليه السلام(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)
  • من هدايات سورة الشعراء: مناظرة الكليم عليه السلام (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الكليم عليه السلام (9) أخذ الميثاق ورفع الطور(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب