• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
  •  
    خطبة: أم سليم ضحت بزوجها من أجل دينها (1)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    خطبة: التربية على العفة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أسس التفكير العقدي: مقاربة بين الوحي والعقل
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
  •  
    ابتلاء مبين وذبح عظيم (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    فضل من يسر على معسر أو أنظره
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    حديث: لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    كونوا أنصار الله: دعوة خالدة للتمكين والنصرة
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    لا تعير من عيرك
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    من مائدة التفسير: سورة النصر
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أربع هي نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    وحدة المسلمين (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إذ قال الله يا عيسى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / عقيدة وتوحيد
علامة باركود

سلسلة أثر الإيمان: أثر الإيمان في توجيه السلوك (خطبة)

سلسلة أثر الإيمان: أثر الإيمان في توجيه السلوك (خطبة)
حسان أحمد العماري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 25/7/2024 ميلادي - 18/1/1446 هجري

الزيارات: 14295

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

سلسلة أثر الإيمان

أثر الإيمان في توجيه السلوك

 

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي أنزل كتابه الكريم هدًى للمتقين، وعِبرةً للمُعتبرين، ورحمة وموعظة للمؤمنين، ونبراسًا للمهتدين، وشفاءً لِما في صدور العالمين، أحمَده تعالى على آلائه، وأشكره على نَعمائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أحيا بكتابه القلوبَ، وزكَّى به النفوس، هدى به من الضلالة، وذكَّر به من الغفلة، وأمر فيه بالتقوى، فسبحان من يعلم السر والنجوى، ويكشف الضر والبلوى! وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، صلوات الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن ترسَّم خُطاه، وسار على نهجه، ما تعاقب الجديدان، وتتابَعَ النَّيِّران، وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد أيها المسلمون:

فكم من آيات يدعونا الله فيها إلى الإيمان! فما تكاد تجد سورة في القرآن إلا وفيها دعوة صريحة، أو إشارة إلى أهمية الإيمان وأثره في حياة الفرد والمجتمع والأُمة؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾ [النساء: 136]، وكثيرة هي نداءات الرحمن في القرآن الكريم لعباده بأعظم صفة؛ وهي صفة الإيمان، التي جعلها الله شرطًا لقبول الأعمال والعبادات، ورتَّب عليها الجزاء في الأخلاق والسلوك والمعاملات؛ فقال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا ﴾ [النساء: 124]، وقال تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97]، وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا ﴾ [طه: 112]، وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى ﴾ [طه: 75].

 

إنه الإيمان بقوة الله وقدرته، وعلمه وعظمته، وسعة ملكه وسلطانه، إنه الإيمان بحكمه وعدله، وعفوه ورحمته، ونصره وتأييده لعباده المؤمنين، فالإيمان هو الحياة الحقيقية بالنسبة للإنسان، وبغيره يكون كالميت: ﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ﴾ [الأنعام: 122]، والإيمان قوة هادية؛ لأنه يحدِّد للإنسان وجهته، ويعرِّفه غايته ومِنهاجه، فيحيا على نور، ويمضي على بصيرة: ﴿ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ﴾ [التغابن: 11]، ﴿ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [آل عمران: 101]، والإيمان يُنير الطريق، ويحقق الطمأنينة والراحة النفسية، ويباعد بين المؤمن والقلق والحيرة، والهم والحزن، والتمزق داخل النفس: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28]، ﴿ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ﴾ [الحج: 31]، فلا إله إلا الله كلمة عظيمة من أجلها خُلِقَ الخَلْقُ، وبُعِث الرسل، وأُنزلت الكتب، وخُلِقت الجنة والنار، فكان الإيمان بها وبمقتضياتها من أعظم الواجبات؛ عن أبي سعيد الخدري قال: قال صلى الله عليه وسلم: ((قال موسى عليه السلام: يا رب علِّمني شيئًا أذكرك به، وأدعوك به، قال: يا موسى، قُل: لا إله إلا الله، قال: يا رب، كل عبادك يقولون هذا، إنما أريد شيئًا تخصَّني به، قال: يا موسى، لو أن السماوات السبع والأرضين السبع في كِفَّةٍ، ولا إله إلا الله في كفة، مالت بهن لا إله إلا الله))؛ [رواه البخاري].

 

والإيمان المطلوب من كل عبدٍ أن يحققه في نفسه هو ذلك الإيمان الذي يُورِث الخشية والخوف من الله، والحب لله والرجاء فيه، وهو ذلك الإيمان الذي يهذِّب النفوس، ويقوِّم الأخلاق، وبه يستقيم السلوك، وينتشر الخير، وهذا الإيمان يزداد بالطاعات من صلاة وصيام، وحج وصدقة، وقراءة للقرآن، وتفكُّرٍ في مخلوقات الله، وغيرها من الطاعات، وينقص بالمعاصي والسيئات، حتى يمشي الرجل بين الناس وليس في قلبه مثقالُ ذرةٍ من إيمان.

 

إن تنمية العقيدة والروح الإيمانية، أعظم ضمانات المجتمع الإسلامي، وأقوى أسباب تماسكه ووحدته؛ فهو يصهر الشعوب، والقبائل، والأعراق، واللغات، في رحاب المجتمع الواحد، الذي يعبد الإله الواحد، ويتَّبع النبيَّ الواحد، ويؤمن بالكتاب الواحد، بل ويضبط التصورات والأفعال والسلوك وفق قِيَمٍ واحدة، هدفها سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة.

 

عبـــــــــاد الله: ولما كان للإيمان هذا الأثر العظيم في حياة المسلم، فقد رأينا أن نتحدث في هذه السلسلة بإذن الله حول الإيمان وأثره في واقع حياتنا، خاصة وقد ظهرت كثير من الأمراض الاجتماعية والنفسية، والسلوكية والأخلاقية؛ بسبب ضعف الإيمان والتعلق بالدنيا، ونسيان الآخرة، وبسبب هذه الحضارة المادية التي لا تعطي الروح أيَّ أهمية، بل كان اهتمامها فقط بالجسد، فرأينا المخترعات العملاقة، والمنتجات المتنوعة، والصناعات المختلفة التي تهتم بجسد هذا الإنسان، كيف يأكل ويشرب ويترفه وينام؟ فأين غذاء الأرواح الذي به تَسعَد النفوس، وتزدهر المجتمعات، وتُبنى الحضارات؟ أين القيم والمبادئ والأخلاق؟ أين حبُّ الإنسان لأخيه الإنسان؟ أين الإيمان الذي يصنع الفرد والأسرة والمجتمع صناعةً تضمن لهم جميعًا طمأنينة النفس، وراحة البال، وانشراح الصدر، وخيرية الدنيا، والنجاة يوم القيامة؟ إن آثار الإيمان كثيرة في حياتنا؛ فمن آثاره توجيه السلوك وتهذيبه، إن من ينظر إلى سلوكيات وتصرفات كثير من الناس اليوم يجد فيها البغيَ والظلم، والتقاطع والعقوق، والجفاء والتهرُّب من المسؤولية، والتنصُّل من الواجبات والعنف، والشدة ونكران المعروف وحب الذات، بل أصبحت كثير من التصرفات بعيدةً عن أوامر الدين، وتوجيهات الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، لا يتحكم بها الشرع، بل يتحكم بها الهوى والمنافع، والمصالح الشخصية.

 

إن الإيمان كفيلٌ بعلاج هذه الانحرافات؛ فهو يغرس في كلِّ فرد قضيةَ مراقبةِ الله، والسعي لنَيل الأجر والثواب، والخوف من العقاب، فيحرص أن يكون سلوكه حسنًا مع الناس جميعًا، بل حتى مع الحيوان والبيئة التي من حوله، وهذه هي رسالة الإسلام، وثمرة من ثمار الإيمان.

 

الإيمان الذي يوجِّه السلوك في البيت، ومع الجيران، وفي الوظيفة، وفي السوق، ويجعل من العادة عبادة؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يؤذِ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليُكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلْيَقُلْ خيرًا أو ليصمت))؛ [متفق عليه]، وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تبسمك في وجه أخيك لك صدقة، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة))؛ [الترمذي]، وفي صحيح مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تحقِرَنَّ من المعروف شيئًا، ولو أن تَلْقَى أخاك بوجه طلق))؛ [مسلم].

 

والإيمان يدعونا إلى نهج السلوك الحسن مع الخلق جميعًا؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((ليس المؤمن بالطَّعَّان ولا اللعَّان، ولا الفاحش ولا البذيء))؛ [صحيح الجامع (5 /89)].

 

والإيمان يوجِّه سلوك المسلم في أي ميدان من ميادين الحياة إلى الخير، فللتاجر الصدوق منزلة رفيعة، يتسابق إلى بلوغ شرفِها المؤمنون؛ قد بشَّر بها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: ((التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء))؛ [رواه الحاكم والترمذي].

 

وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المصلَّى بجانب السوق يومًا، فرأى الناس يتبايعون فقال: ((يا معشر التجار، فاستجابوا، ورفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه، فقال: إن التجار يُبعثون يوم القيامة فُجَّارًا، إلا من اتقى الله، وبرَّ، وصدق))؛ [رواه الترمذي].

 

وانظروا ماذا يصنع الإيمان؟ كيف يضبط السلوك، ويوجِّه التصرفات؟ في عام الرمادة وقد بلغ الفقر والجوع بالمسلمين مبلغًا عظيمًا، جاءت قافلة لعثمان بن عفان مؤلَّفة من ألف بعير، مُحمَّلة بالتمر والزبيب والزيت، وغيرها من ألوان الطعام، فجاءه تجار المدينة المنورة من أجل شرائها منه، وقالوا له: نعطيك ربحًا بدل الدرهم درهمين يا عثمان، قال عثمان: أُعطيتُ أكثر من هذا، قالوا: نزيدك الدرهم بخمسة، قال لهم: لقد زادني غيركم، الدرهم بعشرة، قالوا له: من الذي زادك، وليس في المدينة تجار غيرنا؟ قال عثمان: ألم تسمعوا قول الله تعالى: ﴿ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ﴾ [الأنعام: 160]؟ أُشهِدكم أني قد بعتُها لله ورسوله، فأنفقها في سبيل الله.

 

لو لم يكن هناك إيمان، لكان الجشع والطمع، واستغلال حاجات الناس وظروفهم، لكنه الإيمان.

 

عبـــــــــاد الله: والإيمان يمنع الغش والتحايل والخيانة؛ كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتجول ليلًا بالمدينة، ومعه خادمه، فأعياه التعب، فاتكأ إلى جدار بيت، وإذ امرأة تقول لابنتها: قومي إلى اللبن فامزجيه بالماء، فقالت الفتاة: يا أماه، أو ما سمعتِ منادي الخليفة ينادي: لا يُخلَط اللبن بالماء؟ فقالت: إن عمر لا يرانا، فقالت الفتاة: إن كان عمر لا يرانا، فإن ربَّ عمر يرانا، فلما سمع الخليفة كلامها، قال لخادمه: اعرف مكان البيت، ثم مضى عمر رضي الله عنه في جولاته، فلما أصبح قال للخادم: امضِ من المكان، فانظر مَنِ الفتاة؟ وهل لها زوج؟ قال الخادم: أتيت البيت فعلمت أن ليس لها زوج، فعُدت إلى الخليفة فأخبرته الخبر، فجمع أولاده وقال لهم: هل فيكم من يحتاج إلى الزواج، فأزوِّجه؟ فزوَّجها لابنه عاصم.

 

عرفت ربها، وعرفت معنى مراقبته، والسلوك الذي يجب أن تلتزم به، فخلَّد التاريخ قصتها، تُروى للأجيال لتكون مثلًا للاقتداء بها، فمتى ينتبه الموظف لسلوكه وتصرفاته في وظيفته؟ ومتى يدرك القاضي دوره ومسؤوليته؟ ومتى يشعر الجندي بواجبه في حماية الأعراض والدماء والأموال؟ عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ((عينان لا تمسهما النار: عينٌ بَكَتْ في جوف الليل من خشية الله،‏ وعين باتت تحرس في سبيل الله تعالى))؛‏ [حسن، رواه الترمذي]، ومتى يدرك الأبناء أهمية البر بالآباء؟ ومتى تقوم المرأة بواجبها في التربية وبناء الأسرة المسلمة؟ إن ذلك كله لن يكون واقعًا في الحياة حتى تمتلئ هذه القلوب بالإيمان بالله.

 

إنه الإيمان الذي يضبط السلوك حتى في أحلك الظروف وأصعب الأزمات؛ هذه الخنساء رضي الله عنها عُرفت بالبكاء والنواح، وإنشاء المراثي الشهيرة في أخيها المتوفى إبان جاهليتها، وظلت ترثيه سنوات؛ تقول فيه:

يذكرني طلوع الشمس صخرًا
وأذكره بكل غروب شمسِ
ولولا كثرةُ الباكين حولي
على إخوانهم لقتلتُ نفسي
وما يبكون مثل أخي ولكن
أُعزِّي النفس عنه بالتأسي

 

وما أن لامس الإيمان قلبها، وعرفت مقام الأمومة، ودور الأم في التضحية والجهاد في إعلاء البيت المسلم، ورفعة مقامه عند الله، وَعَظَت أبناءها الأربعة عندما حضرت معركة القادسية تقول لهم: "إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، وإنكم لابن أبٍ واحد وأمٍّ واحدة، ما خنت أباكم، ولا فضحتُ أخوالكم"، فلما أصبحوا باشروا القتال واحدًا بعد واحد حتى قُتلوا، ولما بلغها خبرهم ما زادت على أن قالت: "الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته"، لقد قصد الإسلام أن يكون الإنسان مثلًا صالحًا، محمودَ الخِصال، شريف الشمائل، حسن السلوك، إن تكلم صـدق، وإن وعد وفَّى بوعده، وإن اؤتمن في أمرٍ أدى الأمانة ولم يخُنْ، وإن رأى أمرًا منكرًا غيَّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وإن تكلم خفض صوته، وإن مشى لم يكن مختالًا وفخورًا في مشيته، وإن رأى كبيرًا وقَّره، أو صغيرًا عطف عليه، أو محتاجًا أعانه، اللهم زيِّن قلوبنا بالإيمان.

 

الخطــــبة الثانـية

الحمد لله وكفى، وسلامًا على عباده الذين اصطفى؛ أما بعد عبـــــــاد الله:

فالإيمان يوجِّه سلوك الفرد المسلم تجاه أمته ومجتمعه التوجيهَ الأمثل؛ فالمسلم لا يعيش لنفسه وحسب، بل يعيش لمجتمعه وأمته؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((مَثَلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضوٌ، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمَّى))؛ [مسلم]، فيفرح المسلم لفرح المسلمين، ويحزن لحزنهم، ويتألم لمصابهم، ويسعى لنصرتهم، ولا يوالي عدوهم، بل يشاركهم في همومهم وتطلعاتهم، وانظروا إلى سلوك المسلمين في غزوة تبوك، وقد دعاهم رسول الله للخروج للجهاد في سبيل الله في وقت شديد الحرارة، وقد بلغ فيهم الفقر والحاجة مبلغًا عظيمًا، فخرج من خرج، وتصدق من تصدق، وجاء الفقراء يريدون مشاركة المسلمين في شرف الجهاد، لكنهم لا يملكون زادًا، ولا راحلة، فتولَّوا وأعينهم تفيض من الدمع؛ قال تعالى: ﴿ وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ ﴾ [التوبة: 92]، بل دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم للإنفاق، فذهب الفقراء والأغنياء إلى بيوتهم، كلٌّ يأتي بما يستطيع، وذهب معهم رجل من الصحابة فقير، لا يجد في بيته غير حبة تمر واحدة، فجاء بها إلى رسول الله ليضعها في الصدقات، فرآه المنافقون، وأخذوا يسخرون منه؛ فأنزل الله قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [التوبة: 79]، إن وقوف المسلمين اليوم مع إخوانهم في فلسطين في محنتهم لَدلالة واضحة على هذا الإيمان الذي يملأ قلوب كثير من الناس، الذي يحتاج إلى رعاية وزيادة حتى يجنيَ العبد ثماره في الدنيا قبل الآخرة، اللهم حبِّب إلينا الإيمان وزيِّنه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.

 

هـــذا، وصلوا وسلموا على البشير النذير والسراج المنير؛ حيث أمركم بذلك العليم الخبير؛ فقال في كتابه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

 

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وانصر عبادك الموحدين، واخذل أعداءك أعداء الدين.

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.

اللهم ألِّف بين قلوبهم، واجمع على الحق كلمتَهم، واهدِهم سواء السبيل، ورُدَّنا جميعًا إلى دينك ردًّا جميلًا.

ربنا آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقِنا ووالدينا والمؤمنين عذاب القبر والنار.

 

عباد الله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90]؛ فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نِعَمِه يزدكم، ﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45].





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • سلسلة أثر الإيمان: أثر الإيمان في تحقيق الأمن النفسي (خطبة)
  • سلسلة أثر الإيمان: أثر الإيمان في الشوق إلى دار السلام (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • سلسلة أثر الإيمان: أثر الإيمان في حفظ الحقوق وأداء الأمانات (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة شرح الأربعين النووية: الحديث (23) «الطهور شطر الإيمان» (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من سلسلة أحاديث رمضان حديث: آية الإيمان حب الأنصار(مقالة - ملفات خاصة)
  • أثر عقيدة الإيمان في توجيه السلوك والأخلاق (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أثر الإيمان والوحي في سلوك المؤمن(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • الإيمان بالله واليوم الآخر وأثره في السلوك (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ثمرات الإيمان باليوم الآخر وأثره في حياة الفرد والمجتمع (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الإيمان باليوم الآخر وأثره في السلوك في ظلال سورة الحج(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الإيمان وأثره في السلوك(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أثر الإيمان في السلوك(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 14/11/1446هـ - الساعة: 17:59
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب