• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / عقيدة وتوحيد / الموت والقبر واليوم الآخر
علامة باركود

عذاب القبر والرد على منكريه (خطبة)

عذاب القبر والرد على منكريه (خطبة)
يحيى بن حسن حترش

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 23/12/2023 ميلادي - 10/6/1445 هجري

الزيارات: 8814

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

عذاب القبر والرد على منكريه

 

الخطبة الأولى

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102 ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]، أما بعد:

فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، أما بعد:

أما بعد معاشر المسلمين والمسلمات، فأوصي نفسي وإياكم بتقوى الله عز جل، وأن نقدم لأنفسنا أعمالا تبيض وجوهنا يوم نلقى الله: ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 88، 89].

 

أمة الإسلام اعلموا رحمكم الله أن الدنيا مهما طالت فهي قصيرة، ومهما عظمت فهي حقيرة، والليل وإن طال لا بد من طلوع الفجر، والعمر مهما طال لا بد من دخول القبر، فالحياة تمضي بسرعة، ومعظم أهلها في غفلةٍ عن أعمارهم واقتراب آجالهم.

 

معظم الخلق في غفلةٍ عما هو آت، مثلهم كمثل أمواج البحر المتدفقة المتلاطمة، كلما انكسرت على الشاطئ موجةٌ تبعتها موجةٌ أخرى، فالماء يجري ويتغير، والحياة تجري وتتغير، أرحام تدفع، وأرض تبلع، نساءٌ يلدن كل ساعةٍ على وجه الأرض، وأناسٌ يقبرون كل ساعة على وجه الأرض، وسيأتي اليوم الذي يتوقف فيه الوجود الإنساني، وتنطفئ نجوم السماء، وتتوقف المياه والعيون والآبار، انتهى كل شيءٍ وتغير، وتوقف الوجود الإنساني كله، كل شيءٍ هالك إلا وجهه، له الحكم وإليه ترجعون.


قف مع نفسك يا عبد الله؛ فساعتك تبدأ بموتك، وساعتي تبدأ بموتي، لحظةٌ من أشد اللحظات، هي لحظة السكرات والكربات؛ يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ ﴾ [القيامة: 26، 27]، من يرقيه؟ من يقدم له العلاج؟ التف الأطباء من حوله، هذا متخصصٌ في جراحة القلب، وآخر في جراحة المخ والأعصاب، وثالثٌ دكتورٌ كبيرٌ في كذا، وكذا، التفوا من حوله وداروا، وعجز الأطباء وحاروا، انظر إليه وقد اصفر وجهه، وشحب صوته، وبردت أطرافه، وتجعد جلده، وبدأ يشعر بزمهريرٍ قارسٍ في بدنه، وفي هذه اللحظات يحاول جاهدًا وهو على فراش الموت أن يحرك شفتيه ولسانه بكلمة التوحيد، لكنه يشعر أن اللسان والشفتين كالجبل، لا يريد أن يتزحزح إلا لمن ثبته الله،

 

وكأني به في هذه اللحظات، وهو بين السكرات والكربات، ينظر إلى أهله، وإلى أولاده، ويقول لهم بلسان حاله أو بلسان مقاله: يا أهلي يا أحبابي، لا تتركوني وحدي، لا تفردوني في لحدي! أنا أبوكم! أنا حبيبكم! أنا الذي بنيت لكم البيت، أنا الذي جمعت لكم الأموال، أنا الذي أمّنت لكم المستقبل، من منكم يزيد في هذه اللحظة من عمري عامًا، أو شهرًا، أو ساعةً، أو ساعتين؟!

 

إنها بداية الرحلة إلى الآخرة، إنها بدايةٌ عظيمة، ولحظات عصيبة.

 

فتخيل نفسك يا عبد الله: إذا ضعف جنانك، وثقل لسانك، وكثرت خطوبك، وعظمت كروبك، إنها اللحظة التي يشعر الإنسان فيها بحقارة هذه الحياة، إنها اللحظة التي يحس الإنسان فيها بالحسرة والندامة على كل لحظةٍ فرط فيها في جنب الله، يناديه: رباه ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾[المؤمنون: 99، 100].

 

يا زلةً كتبت في غفلةٍ ذهبت
يا حسرةً بقيت في القلب تحرقني.

فتخيل نفسك أيها الإنسان يوم تثقل لسانك، وتشتد أحزانك!

 

كأنني بين جل الأهل منطرحا
على الفراش وأيديهم تقلبني
وقد تجمع حولي من ينوح ومن
يبكي عليَّ وينعاني ويندبني

 

ويدعى لك الأطباء، ويجمع لك الدواء، فلا ينفعك طبيبٌ، ولا دواء.

 

إن الطبيب بطبه ودوائه
لا يستطيع دفاع نحبٍ قد أتى
ما للطبيب يموت بالداء الذي
قد كان أبرأ قبله فيما مضى
هلك المداوِي والمداوَى والذي
جلب الدواء وباعه ومن اشترى
وقد أتوا بطبيبٍ كي يعالجني
فلم أرَ الطب هذا اليوم ينفعني

 

وبعد أن تيقنت أن الموت قد أتاك، وأن ملك الموت قد وافاك، عند ذلك تذوق ما أخبرك الله به في حياتك، وما كنت تتوقع أنه سيغشاك،

 

تخيل نفسك وأنت في نزع الموت وكربه، إذا نظرت ببصرك إلى من حولك فرأيت أمك وأباك، وأختك وأخاك، قد سالت منهم الدموع، وأنت لا ترد لهم جوابًا، تلك اللحظة التي يلقي الإنسان فيها آخر النظرات، على الأبناء والبنات، فتخرج من صميم قلبه الآهات والزفرات.

 

واشتد نزعي وصار الموت يجذبها
من كل عرقٍ بلا رفقٍ ولا هون
واستخرج الروح مني في تغرغرها
وصار ريقي مريرًا حين غرغرني

 

فلا إله إلا الله من ساعةٍ تطوى فيها صحيفتك؛ إما على الحسنات أو على السيئات، عند ذلك تقول: ﴿ وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾[المنافقون: 10]، بعد ذلك:

وغمضوني وراح الكل وانصرفوا
بعد الإياس وجدوا في شرى الكفن
وقام من كان حِب الناس في عجل
نحو المغسل يأتيني يغسلني

 

فتخيَّل حالك يا عبد الله يوم تقلبك بين يدي الغاسل؛ وهو يقلبك كيفما شاء، قد زال عزك عنك، وسلب مالك منك، وأخرجت من بين أحبابك، وجهزت لترابك، ونادوا: أين المغسل؟

 

فجاءني رجلٌ منهم فجردني
من الثياب وأعراني وأفردني
وأودعوني على الألواح منطرحًا
وصار فوقي خرير الماء يُنظِّفُنِي
وأسكب الماء من فوقي وغسلني
غسلًا ثلاثًا ونادى القوم بالكفن
وألبسوني ثيابًا لا كمام لها
وصار زادي حنوطي حين حنطني

 

ثم ألبسوك الكفن، وحملت إلى العفن، وأُسلمت للدود، وصرت رهينًا بين اللحود، وصار القبر مأواك، إلى يوم القيامة ومثواك، وفي لحظةٍ واحدة أصبح العبد كأن لم يكن شيئًا مذكورًا، طويت الصفحات، وصرت في عداد الأموات، تذكر كأن لم تكن في هذه الحياة، كأن عينيك لم تر، وكأن أذنيك لم تسمع:

وأخرجوني من الدنيا فو أسفا
على رحيلٍ بلا زادٍ يبلغني
وحمَّلوني على الأكتاف أربعة
من الرجال وخلفي من يشيعني
وقدموني إلى المحراب وانصرفوا
خلف الإمام فصلى ثم ودعني
صلوا عليَّ صلاةً لا ركوع لها
ولا سجود لعل الله يرحمني

 

فيا ساكن القبر غدًا: ما الذي غرَّك من الدنيا؟ أين العمارات؟ أين السيارات؟ أين الشهرة؟ أين الحسب؟ أين النسب؟ تركت الدنيا بما حملت، وصرت في القبر بين الدود والتراب مع الأموات:

وأنزلوني إلى قبري على مهلٍ
وقدموا واحدًا منهم يلحدني
وكشَّف الثوب عن وجهي لينظرني
وأسبل الدمع من عينيه أغرقني
فقام محتدمًا بالعزم مشتملًا
وصفف اللبن من فوقي وفارقني

 

فلا إله إلا الله من ساعةٍ نزلت فيها أول مراحل الآخرة، واستقبلت الحياة الجديدة، فإما عيشةٌ سعيدة وإما عيشةٌ نكيدة، ونزلت في عداد أولئك الغرباء، هناك وما أدراك ما هناك!

في ظلمة القبر لا أم هناك ولا
أبٌ شفيق ولا أخ يُؤنِّسُنِي

أين الأنيس؟ أين المرافِق؟ أين المُجالِس؟ لقد وضعت في القبر على غير مهادٍ، ولا وساد، ولا مقدمة زادٍ ولا استعداد، فتخيل نفسك بذلك المكان!

 

فيه الظلام كذا السكون مخيمٌ
والروح رُدّ وجاءني الملكان
وهالني صورةٌ في العين إذ نظرت
من هول مطلع ما قد كان أدهشني
من منكرٍ ونكيرٍ ما أقول لهم
قد هالني أمرهم جدًّا فأفزعني
وأقعدوني وجدوا في سؤالهم
ما لي سواك إلهي من يخلصني


ثم بعد الموت ما الذي يكون؟ وهل ستنقضي الحياة بالموت؟ لا وكلا،


بل الموت وراءه ما وراءه؛ لأن الحياة لا تنتهي بعد الموت، والإنسان مراحله لا تنقضي بموته.

 

فلو أنا إذا متنا تركنا
لكان الموت راحة كل حيّ
ولكنا إذا متنا بعثنا
ونسأل بعدها عن كل شيِّ

 

فالحياة بعدها قبر، والقبر فيه سؤالٌ وجواب، ووراء ذلك بداية النعيم أو بداية الهلاك والجحيم.

 

والقبر فاذكره وما وراءه
فما لأحد منه براءه
وإنه للفيصل الذي به
يعرف ما للعبد عند ربه
إن يك خيرًا فالذي من بعدهْ
أفضلُ عند ربنا لعبده
وإن يكن شرًّا فما بعدَه أشد
ويلٌ لعبدٍ عن سبيل الله صد

 

فالقبر قضيةٌ خطيرة، ومسألة عقدية في غاية الأهمية، ولابد للعيش معها لكل واحدٍ منا.

 

نسأل الله أن يؤنس وحشتنا، وأن يجعل قبورنا بعد فراق هذه الدنيا خير منازلنا،

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم!

 

الخطبة الثانية

الحمد لله أمر بتقواه، وأخبر أن من اتَّقاه وقاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وبارك عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

أيها المسلمون عباد الله، قبل أن نكمل الحديث عن تلك المشاهد الرهيبة، في الكلام عن تلك الحفرة الضيقة المظلمة، ينبغي لنا أن نقف قليلًا في مطلع الحديث عن هذه القضية العقدية الخطيرة، لنوقف نبرتنا الوعظية لنقف وقفةً علمية قصيرة مع أولئك الذين يستبعدون هذه القضية الحتمية، ألا وهي قضية عذاب القبر، ويقولون إنه لا يوجد نعيمٌ أو عذابٌ للقبر، وإنما هي مجرد خزعبلات وخرافات، فلا يعقل أن القبر يضيق ويتسع، ويحصل ما يحصل مما ذكره الشرع في ذلك.

 

فأقول: سبحانك هذا بهتانٌ عظيم، وجهل وضلال مبين، فلقد أثبت الله عذاب القبر في غير ما موضعٍ من كتابه الكريم؛ يقول جل وعلا عن آل فرعون: ﴿ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ﴾ [غافر: 46]، وهذا قبل قيام الساعة بدليل قوله: ويوم تقوم الساعة.

 

وقال جل وعلا: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ ﴾ [الأنعام: 93]، والألف واللام في اليوم هي للعهد الحضوري، أي: هذا اليوم الذي سيدخلون فيه القبر، إلى غير ذلك من الآيات، وأما ما ورد في السنة النبوية فهي كثيرةٌ وشهيرة ولو لم يكن من ذلك إلا ما رواه البخاري، ومسلم، أن النبي عليه الصلاة والسلام «كان يستعيذ بالله من أربع: اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، ومن عذاب النار، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال!»[1].

 

إذن فهذه أدلة صريحة وصحيحة، في هذه القضية المصيرية، أما أن يُردَ ثبوته - أي ثبوت عذاب القبر - للعقل والرأي، كذلك ترد الآيات والأحاديث الصحاح الصراح فهذا - والله - ضلالٌ مبين.

 

ثم ما الذي تنكره العقول وتستبعده في القبر وعذابه ونعيمه؟ لماذا تستبعد ذلك؟ ونحن نعيش زمن العجائب والغرائب، فكم هي الأشياء التي ظهرت لنا في هذا الزمان، وما كانت تخطر لنا على بال!

 

فلو قيل لنا، أو لو حدثنا إنسان قبل خمسين أو ثلاثين سنة أنه سيأتي زمانٌ يكلم الواحد منا أخاه، أو أباه، وهو في المشرق وذاك في المغرب، أو ينظر إليه بصورته وعلى حقيقته؛ وهو في بلد وذاك في بلدٍ آخر مما وصل إليه العلم الحديث، إلى غير ذلك مما لم يكن يخطر لنا على بال.

 

وهذا من صنع مخلوقٍ مسكينٍ، وضعيف، فكيف بصنع الله، صنع الله الذي أتقن كل شيء؟!

 

فأمور الآخرة تختلف عن أمور الدنيا - والله فوق ذلك - على كل شيءٍ قدير،

 

ثم انظر مثلًا وأنت ترى رجلين في فراشٍ واحد؛ كما قال ابن القيم رحمه الله: انظر إليهما وأحدهما يعيش في منامه، يتلذذ في نعيمٍ بوده لو ينام الدهر كله، والثاني يصرخ ويتألم وهو في نفس الفراش الذي يتنعم به صاحبه، فأي عقلٍ ينكر هذا ويستبعده؟!

 

ولا يعتبر هذا تقليلًا من شأن وقدر العقل، بل إن نور الوحي لا يطمس نور العقل مطلقًا، والنقل الصحيح لا يعارض العقل السليم، فلا تعارض بين العقل والنقل، فالقبر حقٌّ، ولابد لحلوله لكل واحدٍ منا، ونسأل الله أن يؤنس فيه وحشتنا!

 

فعش معي يا عبد الله هذه اللحظات، يوم تحمل على الأكتاف تاركًا للدنيا وراء ظهرك، يوم تترك المال والزوجة، والوطن والعشيرة، والعمارة، والسيارة، والحسب، والنسب، تركت الدنيا وأقبلت إلى تلك الحفرة وحيدًا فريدًا!

 

مهادك التراب، وأنيسك الدود، بعدما كنت بين زوجتك وبين أولادك، بعدما كنت تأكل ما اشتهت نفسك من أطايب الأغذية، والأشربة، بعدما كنت تنام على فراشك الوثير، ولحافك اللين، بعد هذا كله، ها أنت تدخل حفرةً ضيقة، ومكانًا مظلما، وأصبحت الدنيا كأنها أحلام، أصبحت الدنيا كأنها حلمٌ أو خيال.


فيا ليت شعري كيف ستعيش هذه الليلة؟! وما الذي ستعانيه وتلاقيه في تلك الحفرة؟!

 

عش ما بدا لك سالمًا
في ظل شاهقة القصور
يسعى عليك بما اشتهي
ت لدى الرواح وفي البكور
فإذا النفوس تقعقعت
في ظل في حشرجة الصدور
فهناك تعلم موقنًا
ما كنت إلا في غرور


هذه الليلة التي بكى منها العلماء، والحكماء، والشعراء، والبلغاء، هذه الليلة التي يتحدد فيها مصيرك، وترى مقعدك من الجنة، أو مقعدك من النار.

 

قال أنس بن مالك رضي الله عنه: «ألا أُحدثكم بليلتين لم تسمع الخلائق بمثلهن؟! ثم قال: أول ليلة تبيت فيها في قبرك، والليلة التي صبيحتها يوم القيامة!».

 

والله لو عاش الفتى في عمره
ألفا من الأعوام مالك أمره
متلذذًا فيها بكل نفيسةٍ
متنعمًا فيها بنعما عصره
لا يعتريه الهم فيها ساعة
أبدًا ولا تلد الهموم بباله
ما كان ذلك كله في أن يفي
بمبيت أول ليلةٍ في قبره
يوم القيامة لا مالٌ ولا ولدٌ
وضمة القبر تنسي ليلة العرس


هذه الليلة يا عباد الله التي يقدِّم فيها العبد إلى ربه إما أن يكون محسنًا؛ فهنيئًا ثم هنيئًا له، وإما أن يكون مسيئًا؛ فيا ويله!

 

سئل أبو حازمٍ رحمه الله يا أبا حازم، كيف القدوم على الله؟ قال: «أما المطيع فكقدوم الغائب على أهله المشتاقين له، وأما العاصي فكقدوم العبد الآبق على سيده، الغضبان عليه! »[2].

 

وهكذا القبر إما أن يضمك ضمة الأم الحنونة، وإما غير ذلك.

 

هذه الليلة التي يدخل الإنسان فيها مكانًا يستوحش من رؤيته لحظات وهو على وجه الأرض، فكيف إذا دخله ولبث فيه أضعاف أضعاف ما لبث في هذه الحياة؟!

 

هذه الليلة التي هي أول منازل الآخرة، فقد روى الترمذي وحسنه الألباني رحمه الله: عن هانئ مولى عثمان قال: كان عثمان رضي الله عنه إذا وقف على قبرٍ بكى حتى تبتل لحيته! فقيل له: يا أمير المؤمنين، تذكر الجنة والنار فلا تبكي، وتذكر القبر وتبكي؟! قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «القبر أول منازل الآخرة؛ فإن نجا منه أحد فما بعده أيسر منه، وإن لم ينجُ منه أحد فما بعده أشد منه»، قال: وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما رأيت منظرًا إلا والقبر أفظع منه» [3].

 

لا تركنن الى القصور الفاخرهْ
وانظر عظامك حين تمسي ناخرهْ
وإذا رأيت زخارف الدنيا فقل
يا نفس إن العيش عيشُ الآخرهْ

 

ولقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام: عنما يحصل للإنسان في قبره، فمن ذلك: ضمة القبر التي تحصل للمسلم والكافر، والصالح والطالح، والكبير والصغير، فلقد روى الإمام أحمد في مسنده، وحسنه الألباني رحمه الله عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن للقبر ضغطة لو نجا منها أحد لنجى منها سعد بن معاذ!» [4].


وقال فيما صح عنه: لو نجا أحد من ضمة القبر لنجا هذا الصبي، ومرت جنازة بأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فبكت؛ فقيل: لها ما يبكيك يا أم المؤمنين؟ قالت: شفقةً لهذا الصبي من ضمة القبر!

 

وأخبر عليه الصلاة والسلام أن الميت يسأل من قبل ملكين أسودين، فقال فيما رواه الترمذي وحسنه الألباني عن أبي هريرة رضي الله عنه: «إذا قبر الميت (أو قال أحدكم) أتاه ملكان أسودان، أزرقان يقال: لأحدهما المنكر، والآخر نكير، فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل؟! فيقول: ما كان يقال هو عبد الله ورسوله، أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، فيقولان: قد كنا نعلم أنك تقول هذا، ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعًا في سبعين، ثم يقال له: نم، فيقول: أرجع إلى أهلي فأخبرهم، فيقولان: نم كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه، حتى يبعثه الله من مضجعه، وإن كان منافقًا يقول: سمعت الناس يقولون قولًا فقلت مثله، لا أدري! فيقولان: قد كنا نعلم أنك تقول ذلك، فيقال للأرض: التئمي عليه، فتلتئم عليه، فتختلف أضلاعه، فلا يزال معذبًا حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك!»[5].

 

لا إله إلا الله، هذه هي القبور يا عباد الله، هذا هو المصير المحتوم الذي ينتظرنا جميعًا، هذه هي القبور وهذه هي أحوال أهلها، فاعتبروا رحمكم الله، اعتبروا بالموت الذي نشاهده كل يوم، لنعتبر بالوفيات والأموات من أقاربنا وجيراننا وأحبابنا الذين لا يكادون أو لا تكاد تهدأ جفوننا، وتجف دموعنا على أحدهم إلا ونفجع بموت الآخر، اعتبروا بهذه المقابر وتفكروا في مصيركم إليها، وسكناكم فيها، "زوروا المقابر؛ فإنها تذكركم الآخرة"، إذا قسا قلبك يا عبد الله فانظر إلى المقابر، وكم قد حوت من الرجال، والنساء، والمرؤوسين، والرؤساء، ظواهرها التباهي، وبواطنها الدواهي.

 

كان الحسن بن صالح رحمه الله: «إذا أشرف على المقابر قال: ما أحسن ظواهرك، إنما الدواهي في بواطنك!»[6].

 

وجلس عمر بن عبد العزيز رحمه الله «يومًا على القبر فقال: يا عمر، ألا تسألني عن الأحبة؟ قلت: بلى، قال: حرقت الأكفان، ومزقت الأبدان، ومصصت الدم، وأكلت اللحم، ألا تسألني عن الأوصال؟ قلت: بلى! قال: نزعت الكفين من الذراعين، والذراعين من العضدين، والعضدين من الكتفين، والوركين من الفخذين، والفخِذين من الركبتين، والركبتين من الساقين، والساقين من القدمين».

 

آه له بيت البلى
والمنزل القفر الخلا
ومورد السفر الأولى
واللاحق المتبع
بيتٌ يُرى من أودعه
قد ضمه واستودعه
بعد الفضاء والسعه
قيد ثلاث أذرع
لا فرق أن يحله
داهيةٌ أو أبله
أو معسرٍ أو من له
ملكٌ كملك تبع
وبعده العرض الذي
يحوي الحيي والبذي
والمبتدي والمحتذي
ومن رعى ومن رعُي
فيا مفاز المتقي
وربح عبدٍ قد وقي
سوء الحساب الموبق
وهول يوم الفزع
ويا خسار من بغى
ومن تعدى وطغى
وشب نيران الو غا
لمطعمٍ ومطمع
يا من عليه المتكل
قد زاد ما بي من وجل
لما اجترحت من زلل
في عمري المضيع
فاغفر لعبدٍ مجترم
وارحم بكاه المنسجم
فأنت أولى من رحم
وخير مدعوٍّ دعي

 

أسأل الله أن يرحم أمواتنا وأموات المسلمين أجمعين، نسأل الله أن يرحمنا إذا صرنا إلى ما صار إليه أمواتنا! اللهم ارحمنا وآنِس وحشتنا في قبورنا!

 

اللهم اجعل القبور بعد فِراق هذه الدنيا خير منازلنا، وافسح فيها ضيق ملاحدنا، اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، يا رب العالمين!

 

اللهم اجعل ذكر الموت على ألسنتنا، وارزقنا الشوق إلى لقائك، ولا تجعل الدنيا أكبر همِّنا، ولا مبلغ علمنا، يا ربنا ويا خالقنا! اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.......



[1] رواه البخاري (832)، ومسلم (589).

[2] لطائف المعارف (ص 185).

[3] رواه ابن ماجه (4267).

[4] رواه أحمد (24283).

([5]) رواه الترمذي (1071).

([6]) إحياء علوم الدين (4/ 486).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • عذاب القبر ونعيمه في القرآن الكريم
  • عذاب القبر ونعيمه في السنة (خطبة)
  • عامة عذاب القبر من البول
  • اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر
  • خطبة عن أسباب النجاة من عذاب القبر
  • حديث الرؤيا: عذاب القبر (خطبة)
  • عذاب القبر ونعيمه (خطبة)
  • خطبة: عذاب القبر
  • أسباب عذاب القبر ونعيمه (خطبة)
  • هل يقتصر عذاب القبر على الغدو والعشي؟

مختارات من الشبكة

  • من طعام أهل النار وشرابهم يوم القيامة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شبهة المنكرين لعذاب القبر ونعيمه والرد عليهم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب...)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (وأن عذابي هو العذاب الأليم)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أحاديث عذاب القبر ونعيمه(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب