• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
  •  
    خطبة: أم سليم ضحت بزوجها من أجل دينها (1)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    خطبة: التربية على العفة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أسس التفكير العقدي: مقاربة بين الوحي والعقل
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
  •  
    ابتلاء مبين وذبح عظيم (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    فضل من يسر على معسر أو أنظره
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    حديث: لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    كونوا أنصار الله: دعوة خالدة للتمكين والنصرة
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    لا تعير من عيرك
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    من مائدة التفسير: سورة النصر
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أربع هي نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    وحدة المسلمين (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إذ قال الله يا عيسى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / العلم والدعوة
علامة باركود

خطبة: {ادع إلى سبيل ربك}

خطبة: {ادع إلى سبيل ربك}
وليد مرعي الشهري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 4/3/2022 ميلادي - 30/7/1443 هجري

الزيارات: 17204

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ادعُ إلى سبيل ربك

 

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]؛ أمــــا بعــــــــد:

 

فإن الله عز وجل أرسل الأنبياء والرسل، وكلفهم بمهنة عظيمة ومهمة كبيرة؛ وهي إبلاغ دعوة الله للناس، وإخراجهم من دياجير الظُّلم والظلام إلى نور الطاعة وطريق الإيمان، فشرفوا بذلك أيما تشريف، ورفع الله ذكرهم في العالمين، فمن دعا إلى الله تعالى، كان مقتديًا بالأنبياء في عملهم، ومبلغًا عن الله على طريقتهم، فالدعاة إلى الله الناصحون المخلصون ينالهم من التشريف بقدر ما يقدمون ويبذلون، وهكذا صاحب الهمة والرسالة السامية يعيش لأجل الله، ولا يعيش لحظِّ نفسه، فتجده كبيرًا في قلوب الناس؛ لأنه بذل لله، وأحسن إلى الناس: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [فصلت: 33]، الدعوة إلى الله أحد أركان النجاة كما في سورة العصر، وإن الله استثنى من الخسران المؤمنين الصالحين الذين تواصوا بالحق وتواصوا بالصبر، فنجوا وأنجوا غيرهم.

 

الداعية إلى الله عز وجل ينتظر أجره من الله، لا ينتظر مدحًا ولا ثناء ولا جزاءً من أحد، إلا من الله، فلا يغره كثرة المادحين، كما لا يثنيه عن عزمه ذم الحاسدين؛ لأن له هدفًا أسمى، ومطلبًا أعلى من حظوظ الدنيا: ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [يوسف: 108]، الأمة تنتظر شبابًا وجيلًا يقودون الناس إلى الأمن والإيمان، والنصح لكل أحد، سيما في زمن الفتن والمتغيرات ليبذروا الخير، ويغرسوا الأخلاق، ويأخذوا بأيدي الفتيان إلى موائد القرآن، ومن ضيق الدنيا وكدرها إلى السعادة في كلام الرحمن.


إمام الدعاة محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام أتى إلى أمةٍ ترعى إبلها وبقرها وغنمها في الصحراء القاحلة، فأخرجها بلا إله إلا الله إلى ضفاف دجلة والفرات، وبساتين مصر والشام، وحدائق الأندلس، وبقاع الهند والسند، فأذَّنت هناك، وكبَّرت هناك، وصلَّت هناك، وأقامت العدل هناك، وكان منطلق الدعوة من هنا من أرض الجزيرة لا بطائراتٍ ولا بمقاتلاتٍ، هكذا انتشر الإسلام في أنحاء المعمورة لمَّا كان المسلم حقًّا يمثل الإسلام بمعاملته، فلم يغشوا في بيع، ولم يخدعوا في تعامل، فكان كثير ممن نشر الإسلام هم من التجار لما كانوا صادقين مع الله، فهيأ لهم عملًا عظيمًا، عجز عنه كثير من أصحاب الهمم، فأصبحوا دعاة من غير جامعة، ولا شهادة حملوها.

 

إن مَن عامَل الناس فلم يظلمهم، وحدثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم، وأعطاهم فصدقهم، فإن الناس بفطرتهم يحبونه ويحبون الدين الذي ينتسب له، بل وبلده الذي ينتمي له، فكانت الدعوة المؤثرة حقًّا بالتعامل الصادق، والفعل الذي يوافق القول، فظهرت محاسن الإسلام للناس.

 

الداعية إلى الله يخلص لربه في هذه العبادة كسائر العبادات: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ﴾ [البينة: 5]، فهو يدعو إلى الله ولا يدعو لنفسه؛ حيث إن من يرتجي الشهرة أو ذكر اسمه إنما يدعو لنفسه ولا يدعو إلى ربه، فالمخلص يجعل حظ نفسه تحت قدميه، ولا يهمه من هذا الأمر شيئًا، ومع صفاء نيته وصحة عقيدته يدعو إلى ما أنعم الله به عليه من التوحيد وتعاليم الإسلام، انظروا إلى يوسف عليه السلام في دعوته للتوحيد، واقتناصه للفرص، وعدم إضاعتها، فهو في الحبس، لكن رأى الوقت المناسب للدعوة إلى التوحيد، وهو في هذا الابتلاء والضيق: ﴿ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 39، 40].

 

عباد الله، علينا ألَّا ننسى الحكمة في الدعوة إلى الله، وإتقان الأمور وإنزالها في منازلها، فليس من الحكمة أن تتعجل وتريد من الناس أن ينقلبوا عن حالهم التي هم عليها بين عشية وضحاها: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [النحل: 125]، تذكر - يا من تدعو إلى الله - أن النتيجة ليست بيدك، وأن هداية التوفيق بيد الله، وأن الذي عليك بذل السبب؛ فالله جل وعلا قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿ لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ﴾ [البقرة: 272]، ففي يوم القيامة يأتي النبي ومعه الرجل، والنبي معه الرجلان، والنبي معه الرهط، والنبي وليس معه أحد، وهؤلاء هم صفوة الخلق والأعلى منزلة عند الله، فنوح عليه السلام لم يؤمن به ابنه وامرأته، وامرأة لوط عليه السلام لم تؤمن به، وأبو لهب وأبو طالب عمَّا نبينا صلى الله عليه وسلم لم يؤمنا، فالأجر بقدر المشقة والبذل، فإنِ امتنَّ الله بهداية البعض على يديك، فهذه نعمة تستوجب الشكر، وإلا فلا يعني التوقف واليأس من حال المدعو، ومن هنا لا بد للداعية أن يصبر على دعوته وعلى أذاها، كما صبر إمام الدعاة عليه الصلاة والسلام على أذى قومه القولي والفعلي لسنوات طويلة، فكانت الحروب والمعارك لأجل إعلاء كلمة الحق: ﴿ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ﴾ [الأنفال: 30]، وقال تعالى: ﴿ وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ ﴾ [الحجر: 6]، فكان الابتلاء والأذى يلازمه طوال فترة دعوته، ويحسن لمن أساء إليه؛ فكان صلى الله عليه وسلم إمام الصابرين.

 

نوح عليه السلام لبث في دعوة قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا، وكان طوال هذه المدة لا يفتر ولا يقنط: ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا ﴾ [نوح: 5، 6]، ومع ذلك ما آمن معه إلا قليل، وقد رمَوه بالجنون وسخروا منه، حين رأوه يصنع الفلك، وتوعدوه بالقتل: ﴿ قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ ﴾ [الشعراء: 116]، ومع ذلك استمر، حتى فتح الله بينه وبين قومه.

 

إبراهيم عليه السلام قابله قومه برفض دعوته، وتوعدوه بالإحراق، وأوقدوا نارًا عظيمة، ورموه فيها بالمنجنيق لشدة حرارتها، لكنَّ الرب ذا العزة والجلال أمرها بالأمر، فكانت بردًا وسلامًا على إبراهيم.

 

موسى عليه السلام ملأت قصته القرآن الكريم، وما ابتُلي في تشريده وذهابه لمدين، ثم يؤمر بأن يبلغ دين الله لفاجرٍ ظالمٍ سفاكٍ للدماء، فتكون العاقبة حين يشتد الكرب، فيمضي فرعون وجنوده خلف موسى وقومه، حتى أصبح البحر أمامهم والعدو خلفهم، ويقترب إدراك العدو لهم، فتنقلب المعركة لصالح أولياء الله، ويدخلون البحر جميعًا، وينجو موسى ومن معه، ويغرق الله الظالم الآثم ومن ناصره، ثم بعد ذلك يحصل لموسى الأذى من قومه بعد أن تخلص من عدوه، فلم يدخلوا القرية إذ أمرهم الله، واستهزؤوا لمَّا قيل لهم قولوا: حِطة، وطلبوا أن يجعل لهم إلهًا كما لأولئك القوم الذين رأوهم آلهة، وعبدوا العجل في غيابه، وقالوا: أرنا الله جهرة، فحصل منهم بلاء عظيم على نبيهم موسى عليه السلام.

 

عيسى عليه السلام حصل له من الأذية ما حصل حتى رماه اليهود بأنه ابن بغي، وقتلوه على زعمهم وصلبوه؛ ولكن الله تعالى يقول: ﴿ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ﴾ [النساء: 157]، فلا بد من ابتلاء، ولا بد من صبر، فبالصبر واليقين تنال الإمامة.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾ [السجدة: 24].

 

الخطـبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه، وسلم تسليمًا كثيرًا؛ أما بعد:

 

عباد الله، في حديثنا عن الدعوة إلى الله نتذكر دعوة غير المسلمين في بلدنا، ونجد مِن النادر مَن يدعوهم إلى الله تعالى، وإلى الدين الحق، ويمتد التقصير إلى مَن يصحبهم في العمل، فتجد كثيرًا من العمال مَن يمكث سنواتٍ طويلة، فإذا سُئل عن تأخر إسلامه، فيقول: لم يدعُني أحد إلى الإسلام، علمًا أنه يخالط كل يوم من أبناء المسلمين، لكن الهمم ماتت إلا عند من رحم الله.

 

إن هناك من يتفانى في الدعوة إلى الله، فيسافر ويبذل ليُدخِلَ الناس في الدين ويعرفهم به، وهؤلاء معنا لا نحتاج أن نسافر ولا أن نتعب أنفسنا، ومع ذلك تجد التقصير واضحًا، يعيش أحدهم عشرين سنة أو أكثر لم يدعُ واحدًا إلى دين الله، فإن كنت - يا رعاك الله - لا تستطيع أن تعين إخوانك بنفسك، فشاركهم بمالك في المكاتب الدعوية الرسمية، فإن الله لن يحرمك أجر من اتبع سبيل الهدى.

 

ونسوق قصتين من كتاب "قصص مثيرة لمن ذاق طعم الهداية من الظلمات إلى النور"، من إعداد مكتب الدعوة بالروضة، وأنقل القصة الأولى بنصها؛ وهي بعنوان: "عليٌّ رجل بألف"، واسمه قبل الإسلام (رولاندو هافير)، فلبيني الجنسية، عاش في كنف النصرانية ردحًا من الزمن، تقلب بين ظلماتها، وتجرع من مرارتها، وتهيأت له الظروف ليجد عملًا في المملكة العربية السعودية تحت مسمى (معلم في مجال البروستد) في أحد مطاعم مدينة الرياض، وبينما صاحبنا الفلبيني يبدع في قلي الدجاج ليقدمه للزبائن بألذ طعم، ها هو زميله الإندونيسي في المطعم يقدم له الإسلام على طبق من ذهب، موجهًا سؤالًا رائعًا لزميله الفلبيني: (أئذا متنا: هل أنت متأكد أنك ستذهب إلى الجنة أم إلى النار؟)، ثم أهداه مجموعة من الكتب بلغته، وكان ذلك السؤال قد أصاب صاحبنا الفلبيني في مقتل، فبات ليلته يتقلب على فراشه قد غادر النوم أجفانه ذهابًا بلا رجعة، فقام وتناول بعضًا من تلك الكتب، وبدأ يقرأ السطور بعقله وقلبه، وبدأ ظلام النصرانية ينجلي من ذهنه فاستوقفته آية من كتاب الله تقول له: ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران: 85]، ثم تبعتها آية أخرى وكأنها تخاطبه: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3]، فلم يتمالك نفسه من البكاء على ما قد سلف مذ سنوات، ثم حضر إلى مكتب الدعوة وقابل الداعية المختص الذي أخبره بأن الله يعلم كل شيء؛ ثم تلا عليه قوله تعالى: ﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [الأنعام: 59]، فتأثر تأثرًا بالغًا، وأعلن إسلامه وسط تكبير الحاضرين وسمى نفسه (عليًّا)، بعد ميلاده الجديد.

 

همة عليٍّ تناطح السحاب، ما إن أعلن إسلامه حتى التحق بدروس المكتب يوم الجمعة، وكان صاحب العمل لا يسمح له بحضور الدروس، وكان يتعذر بأعذار ليتسنى له طلب العلم، ثم بدأ يتعلم حروف الهجاء التي كانت سببًا في تقليب صفحات المصحف فحفظ جزءًا كاملًا من كتاب الله في سنة واحدة، ثم التحق بدورات المكتب الشرعية، فأتم خمسة مستويات في سنتين ونصف، ثم وفقه الله حتى حفظ خمسة أجزاء من القرآن الكريم، ثم انضم إلى الدورات الخاصة بالدعاة، وحقق فيها نتائج أبهرت القائمين على تلك الدورات، وأصبح عليٌّ مساعدًا للداعية الفلبيني بالمكتب، وخلال تلك المدة انطلق داعيًا إلى الله ومبشرًا ونذيرًا، فأسلم على يديه إخوانه وأخواته، وأمه وجدته وعمته، وجمع غفير من أصدقائه، وبلغ عدد من أسلم على يديه قرابة الستين، ولا يزال يحث زملاءه وأصدقاءه على الدخول في الإسلام.

 

قصة أخرى عنوانها: (جمعة ما أروعها!)، ها هي نسائم المغفرة تهب مبشرةً بقدوم شهر الرحمة شهر رمضان، والوقت في آخر جمعة من شعبان، من هذا الوقت بالتحديد تبدأ قصتنا، والتي تحكي موقفًا فاصلًا في حياة اثنين من الجنسية الفلبينية، قدِما من بلدهما يحملان عقيدة النصرانية، تحدوهما الآمال، ويستشرفان المستقبل الزاهر لحياة رغيدة، لكنها حياة سرعان ما تذبل وتموت، فإذا بهما يكسبان حياة أرغد ومستقبلًا أبعد، يكسبان مستقبل الآخرة والجنة ورضا الخالق سبحانه.

 

في تمام الساعة العاشرة قبيل صلاة الجمعة في مقر مكتب الدعوة، يدخل ذلك الشاب المتوقد حرقة ومحبةً لاثنين من أصدقائه، يتمنى من أعماق قلبه لو نعما بهذا الدين العظيم كما ينعم به هو، يدلف عتبة المكتب متوجهًا نحو الداعية الذي طالما التقى به، فرأى فيه الأسلوب الحكيم والمقنع، فعرف أنه خير من يقصد لهذا الأمر، وتبدأ المحاورة لتستمر ساعةً كاملة، وتهتز عقيدة الرجلين، لكنهما لا يملكان الجرأة على ترك عقيدةٍ رضعاها من حليب أمِّهما، فيطلبان المهلة لأسبوع آخر، إلا أن الداعية الحصيف يريد أن يريهما مظهرًا رائعًا لاجتماع المسلمين، ويريد أن يكسب نقطة القوة التي تمر به الآن، إنه في يوم جمعة، ففي اجتماع المصلين واقتدائهم بإمامٍ واحد منظرٌ ساحر يدخل شغاف القلوب المتأملة، فهل سيكسب الجولة من خلال هذا الموقف؟ وهل ستكون هذه الفكرة التي انقدحت في ذهنه في مثل هذا الوقت هي الفكرة الصائبة والفكرة الذكية؟ الساعة الآن تقترب من الحادية عشرة، يقول الداعية للرجلين: ما رأيكما لو ذهبنا معًا لصلاة الجمعة؟ وهنا تعقد الدهشة قلوبهما، وتلتقي نظراتهما الباسمة ليوافقا بكل سرور، فما أروعه من دين يتميز بالسماحة واليسر!

 

تنطلق السيارة بهم، وفي عقل الداعية ألف تصور وفكرة، فيا ترى هل سيعجبهم المنظر؟ وهل تنزل رحمة الله عليهما؟ أرجو أن تكون خطوتي التي اتخذتها سليمة، أسأل الله أن يمن عليهما بالهداية، لكن الموقف كان أعجب مما خطر على باله! لا إله إلا الله! إنها رحمة الله تبارك وتعالى في تلك الساعة المباركة تتنزل على قلب أحدهما ليعلن إسلامه في السيارة في موقف يفوق التوقعات ليهتز قلب الآخر ويتزلزل، لكنه يتصنع الثبات ويستبشر الداعية وصاحبهما المسلم!

 

إنهم الآن يتوضؤون استعدادًا للصلاة، يغسلون أعضاءهم، وتغفر ذنوبهم، وفي الوقت ذاته يغسل الكافر قلبه من رجس الكفر، ويضيء قلبه بنور الإيمان، ويتبدد ظلام الكفر، على بعد خطوات من المسجد، فيشاء الله له أن يعلن إسلامه في تلك اللحظات التي يوشك فيها الخطيب على ارتقاء المنبر، وبعد الصلاة وأمام جموع المصلين التي تغشاها السكينة، يخرج الداعية ومعه المسلمان الجديدان ليروي عليهم القصة في موقف مؤثر تعالت معه أصوات التكبير في أرجاء المسجد، وارتجت أنحاؤه مع تباشير السعادة التي بدت على محيَّا الجميع، ثم يلقنهما الشهادة ويختاران لنفسيهما اسمين؛ الأول: (جهاد) ويرتج المسجد بالتكبير مرة أخرى، والثاني: (علي) ويرتج المسجد بالتكبير أيضًا، ليقوم الجميع بالعناق الحار، والسلام على أخوين دخلا الإسلام الآن، ولسان حالهم يقول: الحمد لله الذي أنقذهما من النار، فيا للروعة! ويا للغبطة! وفيما المسلمان يستقبلان المهنئين، يأتي ذلك الشيخ الكبير الذي ناهز الستين يشق الصفوف، ودموعه تسابق عبراته، تخضل لحيته البيضاء، ويبكي بصوت مسموع، فرحًا بهذه البشائر، وأعين المصلين تلاحقه متأثرة لتأثره، ثم يعانقهما كما لم يعانق أحدًا قبلهما بمثله، وهما يسمعان نشيجه ولا يكاد يفهمان شيئًا مما يقول لبكائه، إلا أن هذا البكاء سيترك أثرًا عميقًا في نفسيهما بلا شك، فهي مشاعر حقيقية وحب صادق لهذا الدين... حقًّا ما أروعها من جمعة! وما أروعها من مواقف! وما أعظمه من دين! فهنيئًا لمن كان سببًا في إسلام الآخرين ودعوتهم.

 

صلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • ادع إلى سبيل ربك
  • تفسير: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن)
  • تحري الحكمة في الدعوة (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة)
  • تفسير آية: { ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة }

مختارات من الشبكة

  • أنواع الخطابة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة صلاة الكسوف(مقالة - موقع الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك)
  • هذا سبيلك لا سبيلي (قصيدة للأطفال)(مقالة - موقع أ. محمود مفلح)
  • تفسير قوله تعالى: (الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت ...)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: تعدد سبل الخيرات واحتساب النية الصالحة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سبيل النجاة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من دروس الهجرة: التضحية في سبيل الدين (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الجهاد في سبيل الله (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: حاجة الأمة للهداية وسبلها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التضحية في سبيل الله (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 14/11/1446هـ - الساعة: 17:59
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب