• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الدكتور أحمد إبراهيم خضر / بحوث ودراسات
علامة باركود

أكتوبر 1973: البعد السوسيولوجي في إستراتيجيَّة الحرب المحدودة

أكتوبر 1973: البعد السوسيولوجي في إستراتيجيَّة الحرب المحدودة
د. أحمد إبراهيم خضر

المصدر: دراسة من كتاب "الجيش والمجتمع" للدكتور أحمد إبراهيم خضر.
مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 17/10/2011 ميلادي - 19/11/1432 هجري

الزيارات: 23913

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

البعد السوسيولوجي في إستراتيجيَّة الحرب المحدودة[1]

 

نشَأتْ فكرةُ هذه المقالة بعد أنْ عثرْنا على إحدى الوثائق المنشورة عن حرب أكتوبر 1973[2]، حيث لاحَظْنا أنَّ نتائج هذه الحرب قد تأثَّرت بدرجةٍ كبيرةٍ بهذه العلاقات التي كانت تربطُ بين قادة المعركة.

 

وتكشفُ لنا أحدثُ كتب الإستراتيجيَّة العالميَّة عن القبول الضِّمني للاتِّحاد السوفيتي لإستراتيجيَّة الولايات المتَّحدة في الحرب المحدودة؛ منعًا للصِّدام النووي بينهما على الرغم من رَفضِه الدِّعائي لها[3]، فكان من المنطقيِّ أنْ يتبادر إلى الذِّهن هذا السؤال: "هل يمكن أنْ تُؤثِّر العلاقات بين قادة الحرب على تحقيق نتائج عسكريَّة لا تتَّسق والأهدافَ الإستراتيجيَّة التي حدَّدتها القوَّتان العُظمَيان؟".

 

هذا السؤال هو نفسه موضوعُ هذه المقالة، لكنَّ الإجابةَ عليه اقتضت منَّا تفهُّم الخطِّ الإستراتيجي للقوَّتين العُظميَيْن؛ ممَّا جعلَنا نُخصِّص لهذا الموضوع مقالةً مستقلَّة كان من الضروري أنْ تسبق هذه المقالة[4].

 

يُضاف إلى ذلك ضَرورةُ الوقوف على مَدَى انطِباق خَصائص الحرب المحدودة على حرب أكتوبر، فكان لا بُدَّ من الاستعانة بالجانب السياسي للمساعدة في تحليل العلاقات بين قادة الحرب، وقد توصَّلنا في النهاية إلى عدَّة قواعد وضَعْناها في صُورة تعميمات سوسيولوجيَّة قد تفيدُ الباحثين في المستقبل ممَّن يستَهوِيهم هذا النوع من البحوث.

 

وقد وقع اختيارُنا على نظريَّة يوكوف Yocov عن الحرب المحدودة للمساعدة في تحليل الوثيقة المذكورة[5].

 

أمَّا سبب الاختيار فهو أنَّ يوكوف قد طبَّق نفس النظريَّة في تحليله لحرب الاستنزاف المصريَّة الإسرائيليَّة 1969م - 1970م؛ ممَّا يجعل من مقالتنا امتدادًا لدِراسَتِه مع اختلافٍ أساس هو أنَّ يوكوف قد ركَّز على الجانب السياسي والإستراتيجي في حين أنَّنا قد استخدَمْنا هذا الجانب في إبراز مَعالِم البُعد السوسيولوجي كما تُظهِره الوثيقة المذكورة.

 

الحرب المحدودة مفهومٌ إستراتيجي من صُنع الولايات المتَّحدة، وقد هاجَم الاتِّحادُ السوفيتي هذا النوعَ من الحروب على المستوى الدعائي فقط[6]، لكن واقع الحال يكشف تأييده الضمني لها، ويرى أنَّه أجبر الولايات المتحدة على اتِّخاذ هذا النهج الإستراتيجي بسبب التغيُّر الكيفي في قوَّته العسكريَّة المتزايدة.

 

ويرى المحللون السياسيُّون والإستراتيجيُّون أنَّ السوفييت كانوا أذكياء تمامًا في عرضهم لهذا الفهم كما كانت نغماتهم الدعائيَّة متَّسِقة مع اعترافهم الدَّقيق بأهداف الحرب المحدودة على الرغم من أنهم قدَّموا هذا الاعترافَ بقدرٍ عظيم من البلاغة الدِّعائيَّة المبينة لإستراتيجيَّتهم الرادعة، كما تزايَد اعتراف السوفييت في نفس الوقت شعبيًّا وحكوميًّا باحتمالات شَنِّ الحرب المحدودة بالوسائل التقليديَّة والنوويَّة دون تصعيدها إلى حربٍ نوويَّة شاملة؛ أي: إنهم لا يستثنونها من إستراتيجيَّتهم وعقيدتهم العسكريَّة بشرط ألا تصل إلى مواجهةٍ نوويَّةٍ شاملة[7].

 

من هنا نرى أنَّ خوف القُوى العُظمَى من اندِلاع حرب نوويَّة تُهدِّد بإبادة كلِّ الأطراف المشتركة فيها أدَّى إلى تطوير نظريَّة عن الحرب المحدودة تضبطها وتُقيِّدها وتضع لها مُواصَفات مُعيَّنة تُراعِي فيها ما يترتَّب عليها من نتائج؛ ومن ثَمَّ تكون هناك فرصة أمامها لإيجاد مواقف تُبنَى على الحل الوسط في علاقتها السياسيَّة والإستراتيجيَّة، وهدف هذه الحرب هو تحييد مخاطر الحرب الشاملة بوضْع عدَّة اختيارات أمام الأطراف المحليَّة المتصارعة تتَّفق ومصالِحَ الدول العُظمَى، لكنَّ هذا الهدف بديلٌ أساسٌ عن الحرب الشاملة في العصر النووي، ودليلُ ذلك أنَّه منذُ الحرب العالميَّة الثانية اندَلعَتْ أكثرُ من خمسين حربًا محدودة في أجزاء متفرِّقة من العالم حاربت الأطراف المحليَّة مُعظَمَها وكانت القوى العُظمَى متورطة فيها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.

 

وقد تكون الحرب محدودةً من جانب القُوى العُظمَى، لكنَّها قد لا تكون كذلك من جانب الأطراف المحليَّة، فحروب كوريا وفيتنام - على الرغم من التدخُّل العسكري المباشر للولايات المتحدة - كانت حروبًا محدودة من قبل القُوَى العظمى لكنَّها لم تكن كذلك من جانب الأطراف المشتركة فيها حيث كانت الحرب بالنسبة لها حربًا شاملة.

 

ويُؤثِّر نوع القيود والضوابط المفروضة على هذه الحرب وأنماط المفاوضات بين الأطراف المحليَّة ومشاكل إنهاء الحرب على محدوديَّة هذه الحرب أو اتِّساعها.

 

وتُركِّز معظمُ تعريفات الحرب المحدودة على الضوابط التي يَدخُل المشتركون الحرب عبرها؛ ولهذا فإنَّه لكي تكون الحرب محدودةً يجبُ أنْ تُفرَض هذه الضوابط على واحدٍ أو أكثر من العَناصر الآتية: (هدف الحرب - الوسائل العسكريَّة المستخدَمة - الحدود الجغرافيَّة لمنطقة المعركة - الأهداف التي تهاجم وهي عسكريَّة بالدرجة الأولى - المشتركون في الحرب).

 

وليس من الضروري أنْ تكون الحربُ المحدودةُ على نسق واحد دائمًا؛ إذ قد تكون محدودةً في جانب مُعيَّن وغير محدودةٍ في الجانب الآخَر؛ كأنْ تكون محدودةً بالنسبة لمنطقةٍ جغرافيَّة مُعيَّنة وغير محدودةٍ بالنسبة لوسائل الحرب والأهداف المطلوب تدميرها، وقد يستخدم أحدُ الأطراف المتحاربة إمكانيَّاته الاقتصاديَّة والعسكريَّة كاملة بالرغم من عدم كفايتها في تحقيق الأهداف التي تَرمِي إليها البلاد؛ وذلك لعدم التكافؤ بينها وبين الطَّرف الآخَر.

 

وتعتمدُ ضوابطُ الحرب أساسًا على نمط التفاعُل بين القُوَى العظمى، ويقول بيرنارد بروديس Bernard Brodies في هذا الصَّدد: "لا يُطبَّق مفهوم الحرب المحدودة كقاعدةٍ على الصراعات التي تكون محدودةً بطبيعتها؛ أي: التي يفتقدُ فيها أحد الطرفين المحليَّيْن المتنازعين أو كلاهما القُدرة على جَعْلِها شاملة، لكنَّ المقصود دومًا هو احتواء الدول العُظمَى في هذه الحرب؛ كالولايات المتحدة، أو الاتِّحاد السوفيتي، أو الصين الشيوعيَّة".

 

إلا أنَّ يوكوف يرى أنَّه من الأفضل أنْ يُطبَّق مفهوم الحرب المحدودة على أيِّ حرب قرَّرت فيها الأطراف المتصارعة سواء أكانت عُظمَى أو صُغرَى أنْ تضع قيودًا على استخدامها، وسواء قرَّرت الأطراف المحليَّة بنفسها أو اقتنعت من قِبَلِ آخَرين بأنْ تضع هذه القيود في اعتبارها.

 

ويميِّز يوكوف بين قيود الحرب وضَوابطها؛ فيعني بالقيود كافَّة القيود المفروضة على سُلوك الأطراف المتحاربة، سواء أكان ذلك ضد رغبتها أو بسبب افتقادها القُدرة على توسيع الحرب، أو لاعتقادها بأنَّه من الخطر عليها أنْ تجازف بحربٍ غير محدودةٍ، أمَّا الضوابط فهي هذه القيود التي تضَعُها الأطراف المحليَّة في الاعتبار حتى تجعل الحرب محدودةً إمَّا من طرف واحد للحِفاظ على مصالحه الخاصَّة أو من خلال الاتِّفاق المتبادل بين الطرفين المتحاربين.

 

ويبرز مفهوم الحرب المحدودة في المواقف التي تفرض فيها القُوَى العظمى قيودًا سياسيَّة (القيود الخارجيَّة) بطريقةٍ ما لتمنع توسيع الحرب حتى لا ينهزم هزيمة مميتة، وليست القيود السياسيَّة الخارجيَّة وحدَها ذات أثرٍ حاسم في الحرب، بل إنَّ الاعتبارات (السياسيَّة الداخليَّة) لها ثقلُها أيضًا في هذا المضمار، وخاصَّة فيما يتعلَّق بأهداف ووسائل الحرب.

 

وقد تندلعُ الحرب المحدودة لِمُعاناة الدول الصغرى من نقص قُدراتها ووسائلها العسكريَّة أو الاقتصاديَّة وعدم قُدرتها على تطويرها لحربٍ أكبر أو بسبب الخوف من انتقام العدوِّ الذي يملك قُدرات عسكريَّة أقوى، أو خوفًا من ردود الفعل من جانب الدول العُظمَى المؤيِّدة للعدو، أو للرغبة في الحِفاظ على التأييد السياسي والعسكري والاقتصادي من الدول الكبرى الحليفة، أو للخوف أيضًا من تصاعُد الحرب بأسلوبٍ من شأنه أنْ يجعل الدول العُظمَى تضعُ نهاية عسكريَّة سياسيَّة للصِّراع لا ترضاها الدول الصغرى أو لإثارة العدو وحفزه على الدخول في الحرب.

 

وقد تندلعُ الحرب المحدودة أيضًا بسبب عمليَّة اجتماعيَّة تفاعليَّة، يُدرِك فيها الطرفان المتحاربان - بوضع الضوابط اللازمة - أنَّ المصلحة تقتَضِي دخولهما في تفاعُل أو في اتِّصال حتى ولو كان ذلك في شَكل صراع عسكري، ويُسمِّي شيلنج Schelling هذه العمليَّة بالمفاوضات الضمنيَّة Tacit Bargaining، ويقصدُ بها إحدى الطرق التي تكون فيها العَمليَّات العسكريَّة وسيلة الاتِّصال بين الجانبين المتنازعين، إلا أنَّ ألكسندر جورج Alex George يرى أنَّ هذه الضوابط قد تُوضَع بدون مفاوضة وبدون أيِّ اتِّفاق ومن غير الظروف المشار إليها.

 

ويمكن القول بصفةٍ عامَّة: إنَّ القيود السياسيَّة الخارجيَّة أكثر من أيِّ مصدرٍ آخَر، وهي أكثر العوامل فعالية في التأثير على الحرب المحليَّة، وخاصَّة حينما لا يكون هناك تكافؤ عسكري بين الأطراف المحليَّة المتصارعة.

 

أمَّا الأنماط الأساسيَّة من الضوابط في الحرب المحليَّة المحدودة فيمكن ترتيبها على النحو التالي:

1- ضوابط على الأهداف:

يمكن تعريف الحرب المحدودة بالإشارة إلى الأهداف السياسيَّة المحدودة، حيث تبني الدولة إستراتجيَّتها على الاعتقاد بأنَّ الظروف الحاليَّة للبلاد بالإضافة إلى القُيود السياسيَّة الخارجيَّة لا تساعد على تحقيق نتائج شاملة مُطلَقة، وإنما تُحقِّق نتائج جزئيَّة فقط قد لا تتَّفق تمامًا مع الأهداف القوميَّة، لكنَّ هذه الأهداف القوميَّة يَصعُب تحقيقُها كليَّةً؛ لهذا فإن حربًا من هذا النَّوْعِ تخدمُ هذا الغرض وتُحقِّق ميزةً مهمَّة وهي أنَّها لن تعرض حياة الأمَّة للخطَر، إلا أنَّ ذلك لا بُدَّ أنْ يتضمَّن أنَّ الطَّرف الآخَر في الصِّراع يقبل أيضًا قُيود الحرب المحدودة.

 

يُضاف إلى ذلك أنَّ الوسائل العَسكريَّة تُدار وتتفاعَل دومًا بواسطة الأهداف السياسيَّة التي من الضروري أنْ تَسُود على كلِّ الوسائل حتى يمكن ضبط خطِّ سير الحرب.

 

2- ضوابط على الوسائل العسكريَّة:

لا تُوضَع الضوابط هنا على الكم المُستَخدَم من الوسائل العسكريَّة فقط، بل على أنساق الأسلحة المستخدَمة أيضًا؛ لأنَّ المعركة لا تعتمدُ على الجانب الكمِّيِّ من السلاح فقط، بل على نوعيَّته أيضًا، وقد يَستخدِمُ الجانبان المتحاربان هذين الشِّقَّيْنِ من الوسائل العسكريَّة استخدامًا واسعًا؛ لهذا يستلزم الأمر وضْع ضوابط عليهما، وقد يكونُ من الضروري في بعض الأحيان وضع ضوابط من شأنها التحكُّم في السَّيْطَرة الجويَّة المطلقة لأحَد الأطراف المحليَّة حتى لا يدفعه التمتُّع بهذه الميزة إلى توسيع الحرب أو استغلالها لإنهاء الحرب بسرعةٍ؛ ممَّا يجعَلُ الطَّرف الأضعف يَسعَى بشدَّة إلى البحث عن الوسائل العسكريَّة الكفيلة بإيقاف هذه السَّيْطَرة الجويَّة بالحصول على أنساق الصواريخ المضادَّة للطائرات من الدول الكبرى الحليفة ممَّا يزيد من فُرَصِ توسيع الحرب.

 

3- ضوابط على الأهداف المطلوب تدميرها:

ويعني ذلك الاقتصار على تدمير الأهداف العسكريَّة فقط دُون التعرُّض للأهداف المدنيَّة والاقتصاديَّة، وإلا كان ذلك انتهاكًا خَطِيرًا لمحدوديَّة الحرب، وقد يُؤدِّي إلى توسيعها، ومن الأمور المهمَّة في هذا الصدد ضرورة عدم التعرُّض للأهداف العسكريَّة التي تضمن أفرادًا تابعين للدولة الكُبرَى.

 

4- ضوابط على المنطقة الجغرافيَّة التي تدور فيها المعركة:

ويعني ذلك ضرورة أنْ يدورَ القتالُ في منطقة معيَّنة تُحدَّد بواسطة خطِّ جبهة محدَّد ومعروف بالوسائل الطوبوغرافية؛ كالأنهار والجبال، وما أنْ تُوضَع هذه الحدود بالاتِّفاق الضمني فإنَّ أيَّ انتهاكٍ لها يُعتَبر تصعيدًا للحرب، ولكي تكونَ الحرب محدودةً لا بُدَّ من احترام هذه الحدود، وقد يلجأ أحدُ الطَّرفين المحليَّين إلى التوسُّع الجغرافي من جانبه على حساب الطرف الآخَر لرَدْعِه ومَنعِه من الاعتداء عليه، ولخلق تهديدٍ دائم له بردِّ الفعل المضاد إذا ما أقدم على ذلك.

 

وتجدر الإشارة أيضًا إلى أنَّ هناك قُيودًا أخرى على نمط وعَدَدِ المساعدات الاقتصاديَّة والعسكريَّة الخارجيَّة من تلك الدول التي لا تأخُذ دورًا فعَّالاً في الصِّراع أو تلك الدول التي قد ترغَبُ في التدخُّل من غير القُوَى العُظمَى.

 

وقد قسم يوكوف أنماطَ المفاوضات في الحرب المحليَّة إلى ستَّة أقسام على النحو التالي:

(أ) علاقة تفاوُض بين الطرفين المتنازعين.

(ب) علاقة تفاوُض بين الطرف المحليِّ الأول وحَلِيفه من الدول العُظمَى.

(جـ) علاقة تفاوُض بين الطرف المحلي الثاني وحليفه من الدول العُظمَى.

(د) علاقة تفاوض بين الطرف المحلي الأول والدولة العُظمَى الحليفة للطرف المحلي الثاني.

(هـ) علاقة تفاوض بين الطرف المحلي الثاني والدولة العُظمَى الحليفة للطرف المحليِّ الأول.

(و) علاقة تفاوض بين القوتين العظميَيْن الحليفتين للطرفين المتحاربين.

 

وتتميَّز عمليَّة المفاوضات الرامية إلى إنهاء الحرب بما يأتي:

1- أنَّ قُدرة الدول المحلية المتصارعة على الكسب أو الخسارة في المفاوضات لا تتوقَّف فقط على دورها في هذه المفاوضات، بل على دور القُوَى العُظمَى أيضًا.

 

2- قد يُمارِس الطرف المحلي - بسبب تفوُّقه العسكري - ضبطًا كاملاً على المفاوضات إلا أنَّ الطرف المحلي الثاني قد يستعيضُ بضَعفِه بتهديد مصالح القُوَى العُظمَى.

 

3- هناك أنماطٌ مُتعدِّدة من علاقات التَّفاوُض كالتَّفاوُض على سلوك الحرب أو الطريقة التي يجبُ أنْ تجرى بها أو على وقف إطلاق النار أو الهدنة أو على أيِّ وسيلة أخرى لإنهاء الحرب، أو على التفاوض على سُلطة الأطراف المحليَّة في هذه العمليَّات.

 

4- تُساعِدُ علاقات التفاوض بين العناصر المحليَّة والقُوَى العُظمَى على الحِفاظ على محدوديَّة الحرب وخاصَّة في المواقف التي تفشَلُ فيها الأطراف المحليَّة في الوصول إلى اتِّفاق.

 

5- تقوم علاقات التَّفاوُض بين القوَّتين العظميَيْنِالمتورِّطتين في الحرب المحدودة على هدفين متعارضين:

أولهما: رغبة كلٍّ منهما في انتصار حَلِيفِه وعدم تعرُّضه لهزيمةٍ كاملةٍ على الأقل.

وثانيهما: إدراكهما الكامل لخطَرِ توسُّع الحرب، ولتحقيق الهدف الأوَّل تُؤيِّد الدولة العُظمَى حليفَها بالسلاح وبالمستشارين العسكريين وبالمعدَّات الجاهزة للقتال الفوري وبالمساعدات الاقتصاديَّة واستخدام التهديد السياسي.

 

وتعمَلُ لتحقيق الهدف الثاني على تهديد حليفها أو الضغط المباشر عليه أو على القوَّة العُظمَى الأخرى... وقد يُؤدِّي تأييد القُوَى العُظمَى إلى تشجيع الأطراف المحليَّة على توسيع الحرب، لكنَّه يكونُ في نفس الوقت عاملاً ضاغطًا على حليف القُوَى العُظمَى الآخَر.

 

ومن هنا نجد أنَّ الدول العُظمَى تفاوض فيما بينها وفقًا لقواعد اللعبة المحدَّدة لاحتوائها في الحرب والتزاماتها نحو حليفها في الصِّراع... وهكذا.

 

6- تستطيعُ الأطراف المحليَّة المتصارعة المناورة في المفاوضات لضَمان الحلِّ المناسب الذي ترضاه لجوانب مُعيَّنة فيها؛ وذلك لإدراكها خوفَ الدول العُظمَى من توسُّع الحرب، ويمكن للأطراف المحليَّة بهذه المناورة تجنُّب وتَفادِي ضُغوط القُوَى العُظمَى؛ ممَّا يجعَلُها تتمتَّع ببعض الحريَّة في القُدرة على الحركة التي تزيدُ من قُدرتها على التفاوُض.

 

ولا تهدفُ الحرب المحدودة - على عكس الحرب الشاملة - إلى تدمير واستسلام العدو، وإنما ضمان الأهداف السياسيَّة المحدودة.

 

هذا، ويمكن إنهاءُ الحرب إذا كانت هذه الأهداف مرنة ومُعتدلة أيًّا كان الشَّكل الذي انتهَتْ إليه هذه الحرب من انتصارٍ أو هزيمة محدودة، كما تُؤثِّر الضغوط الداخليَّة أيضًا في الإسراع بإنهاء الحرب، خاصَّة إذا زادت مُعاناة البلاد من ارتفاع مُعدَّلات قَتلى الحرب، أو تدَهوَرَ الموقف الاقتصادي بسبب التكاليف الباهظة الناجمة عن الاستمرار في الحرب.

 

وهناك ثلاثةُ أنماطٍ لإنهاء الحرب:

الإنهاء الذاتي، والإنهاء المتَّفَق عليه، والإنهاء المفروض، النَّمَط الأخير هو الذي يُفرَض من قِبَلِ القُوَى العُظمَى، أمَّا النمط الأوَّل فيحدُث إذا قرَّر أحدُ الطَّرفين إنهاءَ الحرب، أمَّا إذا قرَّر الطرفان إنهاء الحرب فهاهنا يكون الثاني، ويحدث النمط الأول إذا اعتقد أحدُ الطرفين أنَّه قد حقَّق أهدافَه المحدودة، أو لخوفه من الهزيمة الشاملة أو من التدخُّل المباشر للقُوَى العُظمَى أو من الحِلِّ الذي قد يُفرَض عليه، ويحدُث النَّمط الثاني من نفس العوامل أو من الخوف المتبادل من توسُّع الحرب.

 

وتفرض الدول العُظمَى حُلولَها في النَّمط الثالث إذا فشلت الأطراف المحليَّة في إنهاء الحرب بطريقتها الخاصَّة؛ وذلك تجنُّبًا للمواجهة الشاملة بينها، أو تجنُّبًا لانتصار حليفها الكامل، ومن هنا تتَّفق الدول العُظمَى على أنَّ النتيجة التي وصَلتْ إليها الحرب هي أفضل ظرفٍ لبدْء المُفاوَضات بين الأطراف المحليَّة، ولا ننسى هنا أنَّ النجاح العسكريَّ في ميدان القتال يترُك تأثيرَه الواضح في مواقف التفاوُض بين القُوَى العُظمَى والأطراف المتصارعة[8].

 

والواقع أنَّ تحليل الوثيقة المذكورة في ضوء نظريَّة يوكوف يُبيِّن أنَّ حرب أكتوبر تعكسُ العديد من الخصائص التي حدَّدَها يوكوف في نظريَّته على النحو التالي:

أولاً: ذكَر يوكوف أنَّ الحرب المحدودة قد تندَلِعُ لِمُعاناة الدُّول الصُّغرى من نقْص قُدراتها ووسائلها العسكريَّة[9] والاقتصاديَّة، وعدم قدرتها على تطويرها لحرب أكبر أو بسبب الخوف من انتقام العدو الذي يملك إمكانيَّات عسكريَّة أكبر[10]، أو للرغبة في الحِفاظ على التأييد السياسيِّ والعسكريِّ والاقتصاديِّ من الدول الكُبرَى للحرب.

 

بالنسبة لنقْص القُدرات والوَسائل العسكريَّة المصريَّة قول الوثيقة صفحة 14، 15 أنَّه بعدَ دِراسة إمكانيَّات القوَّات المسلَّحة الفعليَّة ومُقارَنتها بالمعلومات المتيسِّرة عن العدوِّ بهدَفِ الوصول إلى خطَّةٍ هجوميَّةٍ تتمشَّى مع الإمكانيَّات الفعليَّة تبيَّن الآتي:

1- ضَعْفُ القوَّات الجويَّة الشديد إذا ما قُورِن بقوَّات العدوِّ الجويَّة، وأنها لا تستطيعُ تقديم أيِّ غطاءٍ جويٍّ للقوَّات البريَّة إذا قامت هذه القوَّات بالهجوم عبْر أرض سيناء المكشوفة، كما لا تستطيعُ أنْ تُوجِّه ضربةً جويَّة مُركَّزة ذات تأثير على الأهداف المهمَّة في عُمْقِ العدوِّ.

 

2- أنَّ الدِّفاع الجوي لا بأس به، وهو يعتمدُ أساسًا على الصواريخ المضادَّة للطائرات (سام)، ولكنَّ هذه الصواريخ دفاعيَّة وليست هجوميَّة، وبما أنها جزءٌ من خطَّة الدِّفاع الجوي عن الجمهوريَّة فهي ذات حجمٍ كبير ووزن ثقيل وتفتقرُ إلى حريَّة الحركة؛ وبالتالي لا تستطيع أنْ تقدم أيِّ غطاء جوي لأيِّ قوَّات بريَّة متقدمة عبر سيناء، فهي سلاحٌ مناسب في الدِّفاع فقط، ولا بُدَّ من أنْ تُوفر له الوقاية بوضعه في ملاجئ خرسانيَّة، أمَّا إذا خرَج من هذه الملاجئ لِمُرافَقة القوَّات البريَّة المهاجمة فإنَّه يُصبِح فريسةً سهلة لقوات العدو الجوية ومدفعيَّته.

 

3- تعادل القوَّات البريَّة مع قوَّات العدوِّ مع وُجود بعض التفوُّق في المدفعيَّة، لكنَّ احتماءَ العدوِّ وراءَ خطِّ بارليف يجعَلُ مَواقعَه قادرةً على تحمُّل قَذائف المدفعيَّة دون أنْ يتأثَّر بالقصف المدفعي، كما أنَّ قناة السويس والموانع الصناعيَّة الأخرى تقفُ سدًّا مَنِيعًا بين القوَّتين.

 

4- أنَّ القوَّات البحريَّة المصريَّة أقوى من بحريَّة العدوِّ، لكنَّ ضعفَ القوَّات الجويَّة المصريَّة أحالَ التفوُّق البحريَّ إلى عجزٍ وعدم قُدرةٍ على التحرُّك بحرًا، وكان في استِطاعة العدوِّ أنْ يتجوَّل في خليج السويس ببعض الزوارق الصَّغيرة المسلَّحة ببعض الرشَّاشات دُون أنْ يكونَ في استِطاعة البحريَّة المصريَّة ذات القِطَعِ الأكثر قوَّةً والأفضل تسليحًا أنْ تعترضَه؛ لاعتِماده على قوَّة وتفوُّق طَيرانه وضعْف الدِّفاع الجوي للقوَّات المصريَّة.

 

وتُحدِّد الوثيقة (في ص15) بوضوحٍ تامٍّ أنَّ ضعفَ الإمكانيَّات هو الذي أدَّى إلى التفكير في القيام بحربٍ محدودة، وتقول في ذلك: "نتيجةً لهذه الدراسة ظهر أنَّه ليس من الممكن القيام بهجومٍ واسع النِّطاق يهدفُ إلى تدمير قوَّات العدوِّ وإرغامه على الانسحاب من سيناء وقطاع غزَّة، وأنَّ إمكانيَّاتنا الفعليَّة قد تُمكِّننا - إذا أحسَنَّا تجهيزَها وتنظيمها من أنْ نقوم بعمليَّةٍ هجوميَّةٍ محدودة تهدفُ إلى عبور قناة السويس ثم التحوُّل بعد ذلك للدفاع"[11].

 

أمَّا بالنسبة للخوف من انتقام العدوِّ الذي يملكُ إمكانيَّاتٍ عسكريَّة أكبر، فتُؤكِّد الوثيقة أنَّ حرب الاستنزاف المصريَّة قد توقَّفت بعدَ أنْ قام العدو بدفْع جماعات التخريب المنقولة جوًّا إلى أعماق مصر، وقامَتْ بنسف بعض الأهداف الحيويَّة، وتوقَّفت حربُ الاستنزاف مرَّةً أخرى بعد أنْ دمَّر العدوُّ الدِّفاعَ الجويَّ في القطاع الشمالي من القَناة وفتَح ثغرةً واسعة في خطِّ الدِّفاع الجوي ما بين بورسعيد شمالاً والإسماعيليَّة جنوبًا، وأصبح في استطاعته أنْ يعبر بطيرانه عبر هذه الثَّغرة إلى قلب الدلتا (ص61).

 

أمَّا عن الرَّغبة في الحِفاظ على التأييد السياسي والعسكري والاقتصادي للدول الكبرى فتقولُ الوثيقة في ص19: "أطلَقْنا على الخطَّة الأولى اسم العمليَّة 41 (خطة تهدفُ إلى الاستيلاء على المضائق)، وقُمنا بتحضيرها بالتعاون مع المستشارين السوفييت بهدف إطْلاعهم على ما يجبُ أنْ يكون لدينا من سلاحٍ وقوَّات لكي نُصبِح قادرين على تنفيذ الخطة".

 

أمَّا الخطَّة الثانية فقد أطلَقْنا عليها الاسم الكودي (المآذن العالية)، وكنَّا نقومُ بتحضيرها في سِرِّيَّة تامَّة، وبناءً على الخطَّة 41 قُمنا بتحرير كُشوفٍ بالأسلحة والعتاد المطلوب الحصول عليها من الاتِّحاد السوفيتي.

 

وأثبتت الوثيقة في ص68 أنَّ سَحْبَ الدَّعم العسكري السوفييتي إثْر قَرار طرْد المستشارين للسوفييت قد أثَّر تأثيرًا كبيرًا على قُدرات الدِّفاع الجوي.

 

وأكَّدت السُّلطة السياسيَّة حِرصَها على التأييد العسكري والاقتصادي للقوَّة العُظمَى في خِطابها أمام المجلس الأعلى للقوَّات المسلَّحة في 3 يونيو 1971 بقولها: "إنَّ إستراتيجيتنا يجب أنْ تكون واضحةً لكم، وهي تتلخَّص في نقطتين: النقطة الأولى: الحفاظ على علاقتنا مع السوفييت والتمسُّك بها حتى يمكننا بناء الدولة الحديثة اقتصاديًّا وعسكريًّا، إنَّ الحركة الصِّهيَوْنيَّة هي هجمةٌ صليبيَّة، وسوف تستمرُّ عشرات السنين، وإنَّ صَداقتنا مع الاتِّحاد السوفييتي هي التي سوف تُساعِدُنا في التصدِّي لهذه الهجمة، أمَّا النقطة الثانية فهي الوحدة العربيَّة، إنَّنا ملتزمون بهذين الهدفين ونسيرُ قدمًا في اتجاههما"؛ (الوثيقة ص98).

 

ثانيًا: ذكَر يوكوف أنَّ من عوامل الضَّبط على الأهداف أنْ يقبَل الطرف الآخَر قُيودَ الحرب المحدودة[12].

 

تُوضِّح الوثيقة صحَّة ذلك من خِلال تحليلها لأسبابِ القيام بالهجوم على العدوِّ، فتقول في ص17: "لقد كان العامل الثالث هو الرغبة في أنْ نرغم إسرائيل على قتالنا تحت ظُروفٍ ليست مواتيةً لها، إنَّ إسرائيل ذات الثلاثة ملايين نسمةً تُعبِّئُ وقتَ الحرب 20% من قوَّتها البشريَّة للانضِمام إلى القوَّات المسلَّحة وقوَّات الدِّفاع الإقليمي... وهي نسبةٌ عالية جدًّا لم تستطع أيُّ دولةٍ في العالم أنْ تصلَ إليها، وأنَّ إسرائيل نفسها لا تستطيع أنْ تتحمِّل مثلَ هذه التعبئة لمدَّة طويلة؛ لأنها تُرهِقُ اقتصادها القومي وتصيبُ خدماتها وجميع نَشاطاتها الأخرى بالشَّلل الكامل.

 

ونتيجةً لهذا الموقف فإنَّ لإسرائيل مَقتلين: المقتل الأوَّل الخسائر في الأفراد، والمقتل الثاني إطالة مدَّة الحرب، إنَّ إسرائيل لا تهتمُّ كثيرًا إذا خسرت الكثير من أسلحة الحرب المتطوِّرة من دبَّابات وطائرات، ولكنَّها تُصاب بالهلع إذا خسرت بضعَ مئاتٍ من الأفراد؛ لأنَّ لديها رصيدًا هائلاً من المعدَّات، وهناك مَن يقوم نيابةً عنها بدَفْعِ ثمن فواتير السلاح، أمَّا خسائر الأفراد فإنَّ رصيد الشعب اليهودي من البشَر رصيدٌ محدود، ومن الصَّعب تعويضُ هذه الخسائر؛ ذلك فإنَّ إطالة الحرب هو السم الذي يضعف مُقاوَمة إسرائيل يومًا بعد يوم، إنَّ الجنديَّ الإسرائيلي الذي يُستَدعى في التعبئة هو نفسه العامل والمهندس، وهو نفسُه الأستاذ والطالب في الجامعة، وهو نفسُه الذي يقومُ بجميع النَّشاطات الأخرى في الدولة، فكيف يُمكِن لهذه الدولة أنْ تعيش لو امتدَّت الحرب ستَّةَ أشهرٍ فقط؟! لقد كانت إسرائيل في جميع حُروبها السابقة تُفضِّل أسلوبَ الحرب الخاطفة؛ لذلك فقد كان من صالحنا أنْ نفرض عليها حربًا بأسلوبٍ ليس في صالحها، فلو أنَّنا توقَّفنا شرق القناة بمسافةٍ تتراوح بين 10 - 12 كم، فإنَّنا سنخلق لها موقفًا صعبًا، فإذا هي قامت بالهجوم على مَواقِعنا شرق القناة فسيكون لدينا الفرصة لأنْ يُحدِث في قوَّاتها المهاجمة خَسائرَ كبيرةً، سواء في القوَّات الأرضية أو القوَّات الجويَّة التي تُسانِدها؛ نظرًا إلى وجود تلك المنطقة تحت مظلَّة دِفاعنا الجوي، وإذا هي عزَفتْ عن الهجوم فسوف تضطرُّ إلى الاستِمرار في تعبئة قوَّاتها المسلَّحة وبذلك تستنزف قوَّتها الاقتصادية".

 

يعني هذا - من وجهة نظرنا - أنَّ الطَّرفَيْن المتنازعين قد قَبِلا مبدأَ الحرب المحدود؛ فعلى الجانب المصري لم تكن الإمكانيَّات تسمَحُ إلا بحربٍ محدودةٍ، وعلى الجانب الإسرائيلي - رغم توفُّر الإمكانيات له - لم تسمَحِ العوامل المتعلِّقة ببناء المجتمع الإسرائيلي له إلا بحربٍٍ غير طويلة الأمَد.

 

ثالثًا: أشار يوكوف إلى أنَّ الوسائل العسكريَّة في الحرب المحدودة تُدار وتَتفاعَلُ دومًا بواسطة الأهداف السياسيَّة التي من الضروري أنْ تَسُود كلَّ الوسائل حتى يمكن ضبط خطِّ سيرِ الحرب.

 

وتُبيِّن لنا الوثيقةُ صحَّةَ ما أشار إليه يوكوف بدءًا من التخطيط للحرب وحتى نهايتها، وذلك على النحو التالي:

1- حينما تقدَّم رئيس الأركان المصري بخطَّةٍ محدودة إلى وزير الحرب كان سبب اعتراض الأخير في البداية أنَّ هذه الخطة لا تُحقِّق الهدف السياسي المنشود منها، وأنَّه سوف يبقى ما يزيدُ على 6000 كيلو متر مربع من سيناء بالإضافة إلى قطاع غزة تحت الاحتلال الإسرائيلي[13]، (ص18).

 

2- اتَّفق رئيس الأركان المصري ووزير الحرب على أنَّ التصريحات السياسيَّة عن الحرب من قِبَلِ السُّلطة السياسيَّة كلعبةٍ أو كخدعة سياسيَّة تُؤثِّر على الوضع العسكري، وتحرمُ القوَّات المصريَّة من المفاجأة، وتتيح الفُرصةَ للعدوِّ للقيام بضربة إجهاض أو على أقلِّ تقديرٍ تُؤخَذُ هذه التَّصرِيحات ذريعةً لطلَبِ أسلحةٍ جديدة من الولايات المتَّحدة، (ص20).

 

3- طلَبَ وزيرُ الحرب المصري من رئيس الأركان إعدادَ خُطَّةٍ لتطوير الهجوم والاستيلاء على المضائق، على أساس أنَّه إذا علم السوريُّون بأنَّ الخطَّة هي احتلال 10-15 كم شرق القناة لن يُوافِقوا على دُخول الحرب، وحينما أبدى رئيس الأركان استعدادَه لدُخول قوَّاته بمفردها أبلَغَه وزير الحرب أنَّ هذا مرفوضٌ سياسيًّا، (ص24).

 

4- كان اتِّفاق رئيس الأركان المصري ونائب وزير الدِّفاع الكوري على استخدام الطيَّارين الكوريين في مصر مُتوقِّفًا على نجاحهما في إقْناع الجانب السياسي بذلك (ص69)، كما كان الإعلان عن وُصول هؤلاء الطيَّارين الكوريِّين قَرارًا سياسيًّا يتوقَّف على استِطلاع رأي كوريا قبل إذاعته، (ص71).

 

5- طلبت السُّلطة السياسيَّة من القوَّات المسلَّحة في ديسمبر 1970م أنْ تكون على أُهْبَةِ الاستعداد لاستئناف العمليَّات العسكريَّة بالأسلحة التي في أيديها، (ص91).

 

6- أكَّدت السُّلطة السياسيَّة المصريَّة في مؤتمر عام للضبَّاط في مارس 1971م بأنَّ المعركة القادمة يجبُ أنْ تحصل على التوازن الدقيق بين مَزايا بدْء المعركة وبين مَزايا الانتظار، وأنَّ المعركة لن تتَقدَّم أو تتأخَّر يومًا عن توقيتها الصحيح، (ص91).

 

7- طلب من القوَّات المسلَّحة المصريَّة بحث موضوع اتِّحاد الجمهوريَّات العربيَّة، وعقد مؤتمر في 18 أبريل 1971 لبحث هذا الموضوع، (ص93-94).

 

8- في 11 مايو 1971 أشادَتِ السُّلطة السياسيَّة بالدور الذي تقومُ به القوَّات المسلَّحة المصريَّة في تدعيم السياسة الخارجيَّة، وأبدَتِ اهتِمامها بالقوَّات المسلَّحة الجويَّة؛ حتى يمكن تحدِّي السيطرة الجويَّة الإسرائيليَّة، (ص96).

 

9- أجابَتِ السُّلطة السياسيَّة في اجتماع المجلس الأعلى للقوَّات المسلَّحة في 3 يونيو 1971 على سُؤالٍ يتعلَّق بالنَّواقص التعبويَّة التي تُؤثِّر على المعركة الهجوميَّة بقولها: "إنَّكم مُطالَبون بالعمل في حُدود الإمكانيَّات المتاحة لكم، ولو أنَّكم عبَرتُم القناة وأخليتم عشرة سنتيمترات فقط شرق القناة فإنَّ ذلك سوف يُغيِّر الموقف السياسي"، (ص99).

 

10- في 4 نوفمبر 1971 نصَّب رئيس الدولة نفسَه قائدًا عامًّا للقوَّات المسلَّحة، وأعلَنَ تعبئة جميع مَوارِد الدولة لأغراض الحرب، وأخبر الرُّوس بأنَّه أخطر الولايات المتَّحدة بدُخولِه الحربَ.

 

11- في 19 نوفمبر 1971 شرَحت السُّلطة السياسيَّة الموقف السياسي للضبَّاط العسكريِّين في قاعدة أنشاص العسكريَّة، (ص100).

 

12- في اجتماع مُصغَّر لكِبار الضبَّاط في 26 يونيو 1972م أعلنت السُّلطة السياسيَّة ضَرُورةَ التفرقة بين رجال الحرب ورجال السياسة، وأنَّ على المجتمِعين أنْ يُركِّزوا على المعركة القادمة، (ص118).

 

13- في 24 أكتوبر 1972 اجتمعت السُّلطة السياسيَّة بالمجلس الأعلى للقوَّات المسلَّحة، وكان الهدف هو الاستماع إلى رأي القادة في الموقف العسكري، واستعرضت السُّلطة السياسيَّة فيه تَطوُّرَ العلاقات مع السوفييت والولايات المتَّحدة، كما تعرَّضت لموقف بعض الدول العربيَّة وإمكانيَّة اشتراكها في الحرب.

 

وممَّا تجدُر الإشارة إليه عند تقييم هذا الاجتماع ما كان له من دلالةٍ خاصَّة في تأكيد السُّلطة السياسيَّة سيادتها على الاعتبارات العسكريَّة؛ إذ احتَدَّ رئيس الدولة على اثنين من كبار الضبَّاط حينما أبدَيَا بعضَ التعليقات على موضوعاتٍ متعلِّقة بالمعركة، وطالبهما بعدم التدخُّل فيما ليس من اختِصاصهما، وأكَّد لهما صفتهما العسكريَّة غير السياسيَّة، وقد سُئِلَ رئيسُ الدولة في هذا الاجتماع سؤالاً واضحًا من قِبَلِ أحدِ كبار الضبَّاط وهو: "هل المقصود تحرير الأرض أو تنشيط العمليَّات لإعطاء الفرصة للحلِّ السياسي؟"، فأجاب: لقد سبَق أنْ قلت لوزير الحرب: إنَّ الهدف هو كسر وقْف إطلاق النار، (ص123- 129).

 

14- تأثَّر الدعم العسكريُّ العربي للمعركة بالعلاقات الشخصيَّة بين رُؤَساء الدول العربيَّة، (انظر ص183- 210).

 

15- في 11 أكتوبر 1973 طلَب وزير الحرب من رئيس الأركان تطويرَ الهجوم نحو المضايق، وعارَضَه رئيس الأركان؛ لأنَّ القوَّات الإسرائيليَّة قويَّة وتشكِّل تهديدًا خطيرًا لأية قوة برية تتحرك في العراء دون غطاء جوي، وكرَّر الوزير طلبه مرَّة أخرى موضحًا أنَّ الهدف هو تخفيف الهجوم على الجبهة السوريَّة، واعترض رئيس الأركان بسبب سُوء الموقف العسكري المصري وضعف القوَّات الجويَّة، وأنَّ ذلك من شأنه أن يدمِّر القوَّات المصريَّة دون أنْ تقدم مساعدةً للسوريين، وفي المرَّة الثالثة أوضح الوزير بجلاءٍ أنَّ القرار سياسيٌّ، وأنَّه يتحتَّم تطوير الهجوم نحو المضائق"، (ص245).


ورغم معارضة كلِّ القادة العسكريين كان رأي وزير الحرب ضرورة الالتزام بالقرار السياسي، وتصفُ الوثيقة آثار هذا القرار السياسي بالآتي: "... ولقد كان هذا القرار هو أوَّل غلطةٍ كبيرة ترتكبها القيادة المصريَّة خلالَ الحرب، وقد جرَّتنا هذه الغَلطة إلى سلسلةٍ من الأخطاء التي كان لها أثرٌ كبير على سير الحرب ونتائجها، لقد كان علينا يوم 14 أكتوبر أنْ نهاجم 900 دبابة معاديةً في المكان الذي يختارُه العدوُّ لهذا اللقاء، وتحت سَيْطرة جويَّة معاديَّة بقوَّة 400 دبَّابة مصريَّة فقط، ونجح العدو في استدراج ألويتنا المهاجِمة إلى مناطق قَتْلٍ اختارَها بعنايةٍ واضحة، ونجح في تدمير مُعظَم دبَّاباتنا، لقد فقدنا في هذا اليوم 250 دبَّابة وهو رقم يزيد عن مجموع خسائرنا في الأيام الثمانية للحرب، (ص245- 246).

 

16- تقول الوثيقة في (ص251): "في صباح يوم 15 أكتوبر اقتُرِح إعادة تجميع الفرقة 21 مدرعة والفرقة الرابعة المدرعة غرب القناة حتى يُمكِن إعادة الاتِّزان إلى المواقع الدِّفاعيَّة المصريَّة، لكنَّ الاقتراحَ قد قُوبِلَ بالمعارضة على أساس أنَّ سحْب هذه القوَّات قد يُؤثِّر على الروح المعنويَّة للجنود، وقد يُفسِّره العدوُّ على أنَّه علامةُ ضعفٍ، فيزيد من ضَغطِه على قوَّاتنا ويتحوَّل الانسحاب إلى ذعرٍ...".

 

وترى الوثيقة أنَّ السبب الآخَر لعدَمِ سحْب القوَّات كان سياسيًّا؛ حيث كان من المقرَّر أنْ يُلقِي رئيس الدولة خِطابًا سياسيًّا يريدُ من خِلاله أنْ يُسمِع صوته للولايات المتحدة وإسرائيل من موقع قوَّةٍ، في حين أنَّ الوضع الحقيقي للقوَّات كانت تكشفه الأقمار الصناعيَّة وطائرات الاستِطلاع، (ص251).

 

17- عارضت القيادة السياسيَّة ممثَّلة في وزير الحرب ورئيس الدولة أيَّ سحبٍ للقوَّات من شرق القناة إلى غربها حتى ظُهر يوم 16 أكتوبر على الرغم من إجماع القادة العسكريين على سحب القوَّات، (ص253).

 

18- تقول الوثيقة في ص260: "إنَّ ستار السريَّة الذي فرضَتْه القيادة السياسيَّة على الموقف غرب القناة كانت له آثارٌ سيِّئة على الشعب والجيش معًا؛ حيث كانت البلاغات تقول: إنَّه قبل فجر 19 أكتوبر كان للعدوِّ فرقتان مُدرَّعتان غرب القناة".

 

وتقول الوثيقة في (صفحة 272): "بحلول يوم 24 أكتوبر كانت هناك فرقَتا مشاة مُدعَّمتان قوامهما 45 ألف ضابط وجندي، ومعهم 250 دبابة، ومن خلفهم مدينةُ السويس محاصرتين حِصارًا تامًّا، وهذه القوَّة كلها كانت خارج إمكانيَّات شبكة الدِّفاع الجوي المصري وتعرَّضت للقصف الجوي المعادي دون أيِّ فرصةٍ لردع الطائرات المهاجمة التي دمَّرت وسائل العبور جميعها من كبار المعدَّات وقضت بذلك نهائيًا على أي فرصة لانسِحاب القوَّات.

 

تشيرُ النِّقاط السابقة جميعها إلى الكيفيَّة التي كانت تدورُ بِمُقتضاها الوسائل العسكريَّة في فلك الأهداف السياسيَّة، وكيف سادَتِ الأهداف السياسيَّة على ما عَداها، إلا أنَّنا يمكننا أنْ نُلخِّص آثارَ ذلك فيما يلي:

1- ما عبَّر عنه الجنرال هوكلي Hocly oHo أخ بقوله: "إنَّ هناك أخطاءً أساسيَّة مرجعها الضُّغوط السياسيَّة على العسكريِّين، وإنَّ البشَر ليستمرُّون في هذه الأخطاء التي لا يمكنهم الهرب منها، وإنَّ العمليَّات العسكريَّة العربيَّة كانت تسيرُ ضدَّ رَغبة القائد المسؤول عنها بسبب هذه الضُّغوط السياسيَّة الشديدة عليه[14].

2- أنَّ تدهور الموقف العسكري مع إمكانيَّة تعديله أمرٌ لا تهتمُّ به السُّلطة السياسيَّة؛ فكلُّ ما يعنيها الهدف السياسي أولاً وأخيرًا.

3- غلبة الطابع السياسي على وزير الحرب، ووقوفه إلى جانب السُّلطة السياسيَّة في مواجهة العسكريين كان دائمًا على حِساب الموقف العسكري.

4- تبرز النِّقاط السابقة ما كنَّا قد أشَرْنا إليه من أنَّ رئيس الدولة يجب أنْ يكون قائدًا فعليًّا لا شكليًّا للقوَّات المسلَّحة[15]، فحينما نصب رئيس الدولة نفسه قائدًا عامًّا للقوَّات المسلَّحة كان من الصعب قبول خلفيَّته العسكريَّة كأساسٍ لقيادة القوَّات المسلَّحة لأنَّ انغماسه في العملية السياسيَّة لأكثر من ثلاثين عامًا جعل منه رجلاً سياسيًّا فحسب؛ فكان من الطبيعي أن تؤدِّي قيادته للقوَّات المسلَّحة إلى نتائج خطيرة، بالإضافة إلى أنَّ الشخصيَّة العسكريَّة لوزير الحرب قد ذابَتْ في الإطار السياسي الذي صَبَّها فيه رئيس الدولة فتدهور الموقف تمامًا.

 

رابعًا: يرى يوكوف أنَّ القُوَى العُظمَى في الحرب المحدودة تضعُ ضوابطَ على الوسائل العسكريَّة التي تستخدمُها الدول المُتَصارِعة كمًّا وكيفًا، وأنها تستخدمُ هذه الضوابط في حالة السَّيْطَرة الجويَّة المطلقة لأحد هذه الأطراف.

 

تعالِجُ الوثيقة دور هذه الضوابط بصورةٍ مباشرة فتقول في (ص61 - 62): "في البلاد المتطوِّرة وحيث لا يكون هناك أيَّة قيودٍ على شراء السلاح يبدأ تسليح القوَّات المسلَّحة بالقَرار الذي تتَّخذه الدولة من حيث تحديد المبالغ المخصَّصة لشُؤون الدِّفاع، وعلى أثر ذلك يبدأ المختصُّون بشؤون الدِّفاع بحث أفضل الطُّرق لاستخدام هذه الاعتمادات الماليَّة، ومع أنَّ القَرار الأوَّل هو قرارٌ سياسي في المقام الأوَّل والقرار الثاني هو قرار عسكري في المقام الأول، فإنَّ صانعي القرار في كلتا الحالتين يتأثَّرون بالحوار الذي يجري بين الطرفين قبل اتِّخاذ القَرارات، هذا ما يحدُث في البلاد المتطوِّرة، أمَّا في البلاد التي ما زالت في مرحلة التطوير أو بكلمة أعم: في دول العالم الثالث، فإنَّ الموقف ليس بهذه السهولة.

 

إنَّ سوق السلاح تسيطرُ عليها الكتلتان الكبيرتان: وهما الكتلة الشرقية والكتلة الغربية، وإنَّ قرار كلٍّ من أمريكا وروسيا إمداد إحدى دول العالم الثالث بالسلاح يخضَعُ لعوامل كثيرة؛ أهمها الحفاظ على التوازن بين مصالح الدولتين العُظميَيْن في المنطقة والتقدُّم الفني والتكنولوجي، ومدى القُدرة على استيعاب الأسلحة المتقدِّمة، ومقدرة الدولة على دفع ثمن السلاح، ومدى التزام الدولة التي تشتري السلاح بالخط السياسي الذي لا يتعارَضُ مع مصالح الدولة المصدِّرة له، وهكذا فإنَّ صانعي القرار في دول العالم الثالث ليس لديهم الكلمة الأخيرة في تحديد واختيار السلاح الذي يريدونه".

 

وتقول الوثيقة في صفحة 175 أيضًا: "كان السوفيت هم الذين يُحدِّدون حجم ونوعيَّة وتاريخ التوريد الذي يتمُّ توريده إلى مصر، لقد كان المفاوض المصري يستطيعُ أنْ يطلب ويُناوِر ويحاول إقناع الجانب السوفيتي بحجم ونوعيَّة السلاح الذي نطلبه، وقد ينجَحُ أحيانًا ولكنَّ نجاحه يتوقَّف على درجة استعداد الجانب السوفيتي لقبول وجهة النظر المصريَّة، وكان الجانب السوفيتي هو صاحب الكلمة الأخيرة في القبول أو الرَّفض".

 

وتعكسُ الوثيقة هذا الفهْم الكامل لدور هذه الضوابط بقولها في نفس الصفحة: "إنَّ الروس بسَيْطرتهم على الإمداد بالسِّلاح يستطيعون التأثير على سير الأحداث بحيث لا يخرُج عن المسار الذي رسموه، كما أنَّ الخلاف العربي الإسرائيلي ليس مجرَّد مشكلة محليَّة إقليميَّة، ولكنَّه يدخُل ضِمن الإستراتيجيَّة العالميَّة وتوازن القُوَى بين الكتلة الشرقيَّة والكتلة الغربيَّة".

 

أمَّا الواقع العملي المبرز لدور هذه الضوابط فإنَّ الوثيقة تُظهِره في أكثر من موقع؛ ففي مواجهة بين قائد القوَّات الجويَّة المصريَّة والمستشار الروسي أعلن الأوَّل أنَّ سُرعة الصواريخ التي أمَدَّ بها الروس القوَّات الجويَّة المصريَّة هي 1200 كم في الساعة، وأنها تكون عديمةَ القيمة إذا لم تُعادِل سرعتها سرعةَ الصوت، (ص101).

 

وفي مؤتمر المجلس الأعلى للقوَّات المسلَّحة في 2 يناير 1972م تقولُ الوثيقة على لسان رئيس الدولة: "إنَّ أمريكا تدعم إسرائيل بكلِّ شيءٍ، في حين أنَّ الاتِّحاد السوفيتي لم يمدَّنا بما وعَدَنا به، كما أنَّ الاتِّفاقيَّة لم تشمل الأصناف التي وعَدَنا بها القادة السوفيت"، (ص102).

 

ويقول قائد الدِّفاع الجوي في المؤتمر المذكور: "إنَّ مشكلتي هي أنَّه مطلوبٌ منِّي أنْ أُقاتِلَ في معركة هجوميَّة بأسلحةٍ دفاعيَّة"، وهنا رَدَّ عليه قائد القوَّات البحريَّة بقوله: "يجبُ أنْ نمارس الضغط على الاتِّحاد السوفيتي وأنْ نغلق الموانئ المصريَّة في وجه الأسطول الروسي، ويمكن أنْ يتمَّ ذلك بالتدريج شيئًا فشيئًا إلى أنْ يتمَّ المنع نهائيًّا إذا لم يستَجِيبوا لمطالبنا".

 

أمَّا قائد المنطقة المركزيَّة فقد علَّق في نفس المؤتمر بقوله: "إنَّ هناك نواقصَ كثيرةً من القوَّات المسلَّحة بالنسبة للمعركة الهجوميَّة، أهمها ضعف الطيران والنقص في الحركة وفي وسائل المواصلات وأسلوب فتْح الثغرات في حُقول الألغام".

 

وطلَب رئيس الأركان المصري في المؤتمر المذكور من السُّلطة السياسيَّة الاتِّصال بالجانب السوفيتي لمعرفة موقفِه عند القيام بعمليَّة هجوميَّة، ويقول أيضًا: "إنَّ لديهم لواءين من طائرات القتال وفرقة دفاع جوي، وهم يُسَيطِرون على إمكانيَّات الحرب الإلكترونيَّة، ويجب أنْ نعلم كقادةٍ هل سيشتركُ معنا السوفييت أو لا، وفي حالة اشتراكهم فيجب أنْ نعلم حدود هذا الاشتراك؛ حتى يمكن أنْ يكون تخطيطنا سليمًا"، (ص103).

 

أمَّا وزير الحرب المصري فلم يُخْفِ انتقاده وعدم ثقتِه بالاتِّحاد السوفيتي في أحاديثه كلها، وبعد أنْ كانت انتقاداته دائمًا على المستويات الأعلى خرَج عن هذه القاعدة اعتبارًا من يناير 1972، فخطب في اجتماعٍ عُقِدَ في المنطقة المركزيَّة حضَرَه عدَّة آلاف من الضبَّاط من جميع الرُّتَبِ وهاجَم الاتِّحاد السوفيتي هُجومًا عنيفًا، وأعلن "أنَّ الروس لم يُورِدوا الأسلحة المطلوبة، وأنهم يَحُولُون دُون تحقيقِ رَغبتنا في الهجوم"، (ص156).

 

وبعد زيارة وزير الحرب الروسي لمصر علَّق نظيره المصري قائلاً: "إنَّ الروس غير مُخلِصين وغير جادِّين في التعاون مع مصر"، (ص157)[16].

 

كلُّ هذه النِّقاط التي أشَرْنا إليها تُؤكِّد أنَّه مهما كان من حجم المساعدات السوفيتية لمصر فإنها تتعرَّضُ لضوابط كثيرة، فإذا أضَفْنا إلى ذلك أنَّه لا وجهَ للمقارنة بين هذه المساعدات وتلك التي تُقدِّمها أمريكا لإسرائيل وخاصَّة في الأوقات الحَرِجَة من القتال لأمكَنَنا الوصول إلى نتيجةٍ مُؤدَّاها أنَّ إستراتيجيَّة الحرب المحدودة التي اتَّفق عليها الطرفان في منطقة الشرق الأوسط تقومُ على حِرصهما على تخلُّف العسكريَّة المصريَّة في مواجهة التفوُّق العسكري الإسرائيلي، والحِفاظ على هذا التفوُّق؛ والدليل على ذلك ما يلي:

1- إصْرار الاتِّحاد السوفيتي على أنْ تدفَع مصر ثمنَ الأسلحة التي اتُّفق عليها كاملاً وبالعُملة الصَّعبة، وأنْ يتمَّ تسديد الثمن بالعُملة القابلة للتحويل، وتصفُ الوثيقة هذا الإصرار بأنَّه "عملٌ غير مقبول، بل يكاد يكون عدائيًّا"، (ص158).

 

2- تقول الوثيقة في (ص172): "لا شَكَّ أنَّ الكوبري الجوي السوفيتي - في المراحل الأخيرة من الحرب - يُعتَبر مُتواضِعًا إذا قُورِن بالكوبري الجوي الأمريكي إلى إسرائيل. لقد نقل الأمريكيون خلال 566 رحلة 22395 طنًّا من الإمدادات مُستخدِمين س - 5 واس - 141 حمولة الأولى 100 طن والثانية 40 طنًّا، وقامت شركة العال الإسرائيليَّة بنقل 550 طنًّا أخرى، وبذلك أصبَح إجمالي الجسر الجوي لإسرائيل هو 27895 طنًّا، وإجمالي المساعدات بما فيها البريَّة والبحريَّة بلَغ 61153 طنًّا، فإذا أدخَلْنا في حسابنا أنَّ المسافة من أمريكا لإسرائيل هي 7000 ميل، والمسافة من الاتِّحاد السوفيتي إلى مصر وسوريا هي 2000 ميل، اتَّضح لنا أنَّ الكوبري الجوي الأمريكي الإسرائيلي يُساوِي 6.5 مرة الكوبري الجوي على أساس وحدة الطن/ميل".

 

3- عثرنا على تقريرٍ مرفوعٍ إلى الكونجرس في 16 أبريل 1975 من قيادة القوَّات الجويَّة الأمريكيَّة يُوصِي فيها بناءً على تجربة حرب أكتوبر بضرورة إنشاء خطَّة عمليَّات كاملة جاهزة للطَّوارِئ خاصَّة بإستراتيجيَّة سلاح حاملات الطائرات الأمريكي لتدعيم مصالح الولايات المتحدة في المنطقة، ولضَمان تدفُّق الطائرات أثناء العمليَّات الإستراتيجيَّة وأوصت سكرتارية القوَّات الجويَّة وقيادة حاملات الطائرات بأنَّه يجبُ الاستمرار في إمداد حُكومة إسرائيل بمختلف هذه الاحتياجات؛ سواء باعتماداتٍ ماليَّة أو دونها[17].

 

4- ذكرت الوثيقة في (ص176) أنَّ الأسلحة الحديثة تَدخُل في خِدمة القوَّات المسلَّحة الإسرائيليَّة والأمريكيَّة في وقتٍ واحد؛ ولذلك فإنَّ الأسلحة المتاحة لإسرائيل خلال الستينيَّات تتقدَّم جيلين عمَّا هو متيسِّر لدى العرب، وقد ضاقَتْ هذه الفجوة لتُصبِح جيلاً واحدًا خِلال السبعينيَّات.

 

5- أجاب وزير الخارجيَّة الأمريكي في مؤتمرٍ أمام الكونجرس ردًّا على سؤالٍ يتعلَّق بتعبئة القوَّات الأمريكيَّة في العالم (في أكتوبر 73) بقوله: "نحن لا نعتَبِرُ أنفسَنا حتى الآن في مواجهةٍ مع الروس، وأعتقدُ أنَّنا بإمكاننا المحافظة على هذا الوضع.. وأريدُ أنْ أُؤكِّد أنَّنا والاتِّحاد السوفييتي في علاقةٍ مُتميِّزة، نحن أضدادٌ ورُفَقاء في نفس الوقت؛ أضداد لأنَّنا نجدُ أنفسنا في مواجهة محتملة، وكلٌّ منَّا له أصدقاء يسعون نحو أهداف لا يُفكِّر فيها واجد منَّا قط[18].

 

أمَّا عن السَّيْطَرة الجويَّة ودورها في طلب الطَّرف الأضعف أسلحة مُضادَّة للطائرات من حليفه، وأثر ذلك على احتمالات توسُّع الحرب، فإنَّ الوثيقة تُتَرجِمُها على النحو التالي:

1- السَّيْطرة الجويَّة الإسرائيليَّة:

تكشفُ الوثيقة في أكثر من موضعٍ السيادةَ الجويَّة الإسرائيليَّة وضعف القوَّات الجويَّة المصريَّة فتقول في (ص16): "من خِلال الاشتباكات المتعدِّدة التي تمَّت بين طائراتنا وطائرات العدوِّ ظهَر تفوُّق الطيران الإسرائيلي في هذه الاشتِباكات بشكلٍ واضح وحاسم، وكانت النتائج دائمًا في مصلحة العدوِّ، لم يكن طيَّارونا تنقُصهم الشجاعة، ولكن كانت تنقُصهم الخِبرة والتجربة.

 

لقد كانت الغالبيَّة العُظمَى منهم تقلُّ ساعات طيرانهم عن 1000 ساعة طيران في حين كان متوسط ساعات الطيارين الإسرائيليين تزيد عن 2000 ساعة، لقد كانت القوَّات الجويَّة الإسرائيليَّة تسبقُ القوَّات الجويَّة المصريَّة بعشر سنواتٍ على الأقل، كما كانت طائراتنا أقلَّ كفاءةً من طائرات العدوِّ".

 

وتشيرُ الوثيقة إلى دور هذه السَّيْطرة في الأيَّام الأخيرة للحرب فتقول في (ص260): "إنَّ قوَّاتنا أصبحت مُهدَّدة بالتطويق بعد أنْ دمَّر العدوُّ الكثيرَ من مواقع صورايخنا سام، وبعد أنْ أصبحت القوَّات الجويَّة المعادية قادرةً على العمل بحريَّة من خِلال الثَّغرة التي أحدَثَها في دفاعنا الجوي".

 

وتقول الوثيقة في (ص272): "بحلول يوم 24 أكتوبر أصبح الموقف سيِّئًا للغاية، لقد أتَمَّ العدو حِصار قوَّات الجيش الثالث شرق القناة وعزَلَها عن مركز قيادة الجيش الثالث التي كانت غربَ القناة وأصبحَتْ هذه القوَّة كلُّها خارجَ إمكانيَّات شبكة الدِّفاع الجوي سام؛ وبالتالي أصبحت مُهدَّدة بالقصف الجوي المعادي دون أيَّة فرصة لردْع الطائرات المهاجمة".

 

2- إمدادات الحليف من القُوَى العُظمَى لمواجهة السَّيْطرة الجويَّة:

كان حجم القوَّات الجويَّة والدِّفاع الجوي لمجابهة السَّيْطرة الجويَّة الإسرائيليَّة على النحو التالي صباح 6/10/1973:

القوَّات الجويَّة: (305 طائرة قتال - 70 طائرة نقل - 140 طائرة هليوكوبتر).

قوات الدِّفاع الجوي: (150 كتيبة صواريخ سام - 2500 مِدفَع مضاد للطائرات).

 

وتقول الوثيقة في ص65: "بدأت الإمدادات الروسية تصلُ إلى مصر وأصبحت جاهزةً للقيام بمهامِّها القتاليَّة، وكانت تشمَلُ جميع العناصر الرَّئيسة في الدِّفاع الجوي، وكان معَها مُعِدَّات لم يسبقْ لمصر أنْ حصلت عليها".

 

وتتحدَّث الوثيقة عن الصِّراع بين الطائرة والقذيفة فتقول: "كان الصِّراع بين الطائرة والقذيفة صِراعًا مَرِيرًا خلال حربِ أكتوبر دون أنْ يستطيعَ أيٌّ منهما أنْ يدَّعي أنَّ له التفوُّقَ على الآخَر".

 

خامسًا: مرحلة المفاوضات: سنستعين هنا بأربع نقاطٍ أشار إليها يوكوف في نظريَّته:

1- خوف القُوَى العُظمَى من توسُّع الحرب واحتمالات المواجهة:

يقول لورانس ميتكالف Metcalf في وصفِه للأحداث الأخيرة في الحرب: "لقد بدأت المواجهة المفاجئة بين القوَّتين العظميين؛ لأنَّ كلاًّ من مصر وإسرائيل قد انتهكتا وقْف إطلاق النار، لقد حصلت إسرائيل على مكاسب عسكريَّة لا يسمح بها الاتِّحاد السوفيتي، فقد أخَذَتْ حاملات الطائرات السوفيتيَّة طريقها من البحر الأسود إلى البحر المتوسط، وأعلم الروس الولايات المتحدة بأنهم مستعدُّون الآن لإرسال قواهم الخاصَّة للمنطقة؛ لتعزيز وقْف إطلاق النار، ولأنَّ الولايات المتحدة لا تسمح بذلك فقد رفعت درجة استعداد قوَّاتها، فإذا أرسل الروس قوَّاتهم فستصبح المواجهة حتميَّة بعد أنْ كان الوفاق ممكنًا، فالمصالح القوميَّة الآن لكلٍّ منهما في خطر[19].

 

2- استخدام التهديد السياسي من قِبَلِ الدول العُظمَى:

تقول الوثيقة في ص273: "في صباح 24 أكتوبر انتقد الاتِّحاد السوفيتي إسرائيل وهاجم أمريكا بصفة علنيَّة في الأمم المتحدة، وسلَّم إنذارًا للولايات المتحدة يقول فيه: إنَّه إذا لم يكن من الممكن أنْ تعمَلُوا معنا في هذا الموضوع فقد نجدُ أنفسنا أمامَ موقف يضطرُّنا إلى اتِّخاذ الخطوات التي نَراها ضروريَّة وعاجلة، ولا يمكن أنْ نسمح لإسرائيل بأنْ تستمرَّ في عدوانها هكذا".

 

3- عدم السَّماح بهزيمة الحليف هزيمة كاملة:

يقول ميتكالف: "إنَّ الاتِّحاد السوفييتي والولايات المتحدة قد اتَّفقا على وقْف القتال قبل أنْ تهزمَ إسرائيل العربَ هزيمةً كاملة، لكنَّ إسرائيل تحاول الحصول على نصرٍ كامل بأيِّ طريقة، وهذا يعني أنَّ الاتِّحاد السوفيتي لم يستَطِعِ الحِفاظ على كلمته مع العرب، وبالنسبة للولايات المتحدة بأنها غير قادرةٍ على وقْف القتال الإسرائيلي، ومن هنا ضغَط الرُّوس على المصريين والأمريكيون على إسرائيل، وقَبِلَ الطرفان وقْف إطلاق النار مُؤقَّتًا في إطارٍ نظَّمَه وزيرُ الخارجيَّة الأمريكي"[20].

 

4- دور النصر العسكري لأحَدِ الأطراف المحليَّة في التأثير على المفاوضات:

يقول رئيس الأركان الإسرائيلي في هذا الصدد: "من وجهة النظر العسكريَّة البحتة حقَّق الجيش إنجازًا ضخمًا وعظيمًا، جعَل الحكومة الإسرائيليَّة قادرةً على دُخول المفاوضات من موقعٍ قوي، وهذا هو الذي جعل المفاوضات تُعطِي انطباعًا بأنَّنا قد ترَكْنا ميدان المعركة منتصرين"[21].

 

وقد تمكَّنت إسرائيل من فرْض شروطها في هذه المفاوضات ولم تُعْطِ أيَّ فرصةٍ للطَّرَفِ المصري للمساومة، تقول الوثيقة في (ص273): إنَّه بعد أنْ أتَمَّتْ إسرائيل حِصارَ الجيش الثالث طالبت - كثمنٍ لإمداده بالتعيينات - بالآتي:

(أ) الإفراج عن الجاسوس الإسرائيلي أفيدان: وقد رافَق هذا الجاسوس الممثل المصري المتفاوض الذي سلَّمه إلى الجانب الإسرائيلي.

(ب) المطالبة بتسليم الجواسيس الإسرائيليين الذين يقضون أحاكمًا في السجون المصريَّة.

(جـ) طالبت بإلغاء الحصار البحري المصري، وأنْ يكون ذلك بطريقةٍ علنيَّة يعلمُ بها العالم أجمع، (انظر ص281 أيضًا).

 

هذا، وقد أبرزت هذه الحرب نقطتَيْن أساسيَّتَيْن لم يُشِرْ إليهما يوكوف في نظريَّته:

الأولى: أنَّ النصر العسكري الحاسم يمكن الدولة الحليفة من المساومة لحسابها الخاص، والقضاء على كافَّة التهديدات من قِبَلِ الدول المتحالفة مع الطَّرف المحلي الآخَر.

 

تقول الوثيقة في ص281: "إنَّ إمدادَ الجيش الثالث بالتعيينات والمياه يجب أنْ يُقابِله إمداد أمريكا والغرب بالوقود، وقد وضَعتْ أمريكا سلاح البترول في كفَّة الميزان وإنقاذ الجيش الثالث في الكفَّة الأخرى، وكان على السُّلطة السياسيَّة المصريَّة أنْ تلتمس من العرَب وقْف استِخدام هذا السلاح، وهذا ما حدَث فعلاً".

 

الثانية: أنَّ النصر العسكري الحاسم الذي يَتْبَعُه احتلالُ مناطق ومُدُن مهمَّة قد يَحُول سُلوكيَّات قوَّات الاحتلال إلى عمليَّة مُنظَّمة، وتسير وفقًا لتعليماتٍ من السُّلطة السياسيَّة للقوَّات المحتلَّة هدفها تدميرُ سُبُلِ الحياة في هذه المناطق والمدن، والاستفادة بكلِّ ما فيها من إمكانيَّات لصالح الدولة المحتلَّة، وتقول الوثيقة في ذلك: إنَّ القوَّات الإسرائيليَّة قامت بعد احتلال مدينة السويس لمدَّة ثلاثة أشهر بما يأتي:

1- ردَمتْ ترعةَ المياه الحلوة التي تنقل المياه من الإسماعيليَّة إلى مدينة السويس والجيش الثالث.

2- فكَّت مصنع تكرير الوقود ومصنع السماد اللذين يقَعان خارج المدينة ونقلَتْهما إلى إسرائيل ونسَفت الأجزاء الثقيلة التي لا يمكن نقلُها.

3- فكَّت الروافع والمعدَّات من ميناء الأدبيَّة.

4- فكَّت خطوط أنابيب المياه وأنابيب البترول التي كانت تمرُّ في المنطقة.

5- نهبَتْ واستولَتْ على المواشي والمحاصيل التي كانت في حوزة الفلاحين، (ص282).

 

بعد أنْ بيَّنَّا إلى أيِّ مدى تنطبقُ نظريَّة يوكوف عن الحرب المحدودة على حرب أكتوبر نأتي إلى تحليل العلاقات بين قادة هذه الحرب، ونلفت الانتباه هنا إلى أنَّنا حينما نتحدَّث عن السُّلطة السياسيَّة فإنَّنا نقصدُ بها رئيسَ الدولة ومعه وزيرُ الحرب، وحينما نتحدَّث عن القيادة العسكريَّة فإنَّنا نقصدُ بها رئيس الأركان والقادة العسكريين الآخَرين؛ لأنَّنا كما أشَرْنا سابقًا كان وزير الحرب متَّفقًا تمامًا مع رئيس الدولة في الخط السياسي للحَرْبِ، وكما أشرنا أيضًا في صدْر هذه المقالة فإنَّنا سنَصُوعُ تحليلَنا في قواعد وضَعْناها في صُورة تعميمات سوسيولوجية تقتصرُ بالطبع على الحدود الزمانيَّة والمكانيَّة لموضوع الدراسة.

 

أولاً: القواعد المتعلِّقة بعلاقة السُّلطة السياسيَّة بالقيادة العسكريَّة:

القاعدة الأولى: إذا كان لشخص وزير الحرب دورٌ فعَّال في الجهاز السياسي الحاكم بحيث يعتمدُ عليه هذا الجهازُ في ضَمان ولاء القوَّات المسلَّحة، فإنَّ هذا الجهاز يُنشِئ وظيفةً خاصَّة تُمكِّن الوزير من إحكام السَّيْطَرة على القوَّات المسلَّحة ولا يحتاجُ تقلُّد سُلطات هذه الوظيفة إلى استِصدار قرارٍ بها من قبل الجهاز الحاكم طالما أن لشخص الوزير دورٌ كبير في الحِفاظ على استِمرار هذا الجهاز، أمَّا في الحالات الأخرى التي لا يكون فيها لشَخص الوزير مثلُ هذا الدور فإنَّ الأمر يتطلَّب استِصدارَ مثلِ هذا القرار إلا أنَّ أهم الآثار السلبيَّة لذلك هو خلق تنازُع على السُّلطات بين الوزير ورئيس أركان حرب القوَّات المسلَّحة، كما أنَّ وجود مثل هذه السُّلطات الواسعة في يد وزير الحرب قد يجعَلُه في موقع يمكن أنْ يتحدَّى به السُّلطة السياسيَّة.

 

تقول الوثيقة في ذلك: "كانت الثورة تعتبرُ ولاء القوَّات المسلَّحة من أهمِّ أهدافها، وكان تعيين عبدالحكيم عامر قائدًا عامًّا للقوَّات المسلَّحة يهدفُ في المقام الأوَّل إلى تأمين القوَّات المسلَّحة وضَمان ولائها، ووظيفة القائد العام غير موجودة لا في التنظيم الغربي ولا في التنظيم الشرقي؛ حيث يعتبرُ رئيس أركان حرب القوَّات المسلَّحة في كلٍّ من الكتلتين الشرقيَّة والغربيَّة قِمَّةَ الجهاز العسكري، ويتبع وزير الحربيَّة الذي يُمثِّل القيادة السياسيَّة، (ص108).

 

هذا بالنسبة إلى إيجاد الوظيفة التي تُمكِّن القائد العام من أحكام السَّيْطَرة على القوَّات المسلَّحة، أمَّا بالنسبة لدور هذه الوظيفة في خلق التنازُع على السُّلطات فتقول الوثيقة في (ص108) أيضًا: "أمَّا في مصر فإنَّ إدخال هذا النظام قد خلق تنازُعًا على السُّلطات، وأضاع المسؤوليَّة بين القيادة السياسيَّة والقيادة العسكريَّة، فبينما لا يوجد خلاف حول شخصية رئيس الأركان من حيث كونه رجلاً عسكريًّا فهناك جدلٌ كبيرٌ حول شخصيَّة وزير الخارجيَّة والقائد العام للقوَّات المسلَّحة: هل هو رجلٌ عسكري أو مدني؟ هل أيُّ خطأ يرتكبُه يُعتَبر خطأً للقِيادة السياسيَّة أو لا؟ هل أيُّ قرار يتَّخذه يُعتَبر هو مسؤولاً عنه كقائدٍ عسكري أو أنَّ مسؤوليَّته تتوقَّف عند القَرار السياسي".

 

وعن كيفيَّة إحكام السَّيْطَرة على القوَّات المسلَّحة بمقتضى هذه الوظيفة فتقول الوثيقة في (ص109): "وفي سبيل ضَمان ولاء القوَّات المسلَّحة هناك ثلاث إدارات وضعها القائد العام في يده بحيث لا يكون لرئيس أركان حرب القوَّات المسلَّحة أيُّ سُلطات عليها، اللهم إلا من ناحية الشَّكل فقط، وهذه الإدارات هي إدارة المخابرات الحربيَّة وإدارة شؤون الضبَّاط وهيئة الشؤون الماليَّة، فعن طريق إدارة المخابرات الحربية يستطيع أنْ يُحدِّد مَن هم الساخطون ومَن هم الموالون، وعن طريق إدارة شؤون الضبَّاط يستطيعُ أنْ يقصر القِيادات والمناصب الحسَّاسة على العَناصر الموالية له، وعن طريق الهيئة الماليَّة والحسابات السِّرِّيَّة يستطيع أنْ يُغدِق عَطاءَه على المُخلِصين والتابعين".

 

وعن الحاجة إلى استصدار قرار بتَخوِيل هذه السُّلطات لوزير الحرب تقول الوثيقة في ص109: "كان القائد العام يستمدُّ قوَّته وسُلطتَه في الشرعيَّة الثوريَّة بحكم انتمائه إلى الثورة وكونه عضوًا بارزًا في مجلس قيادة الثورة فلم يكن في حاجةٍ إلى قانون أو قَرار جمهوري يُحدِّد له سُلطاتِه".

 

وعن دور هذه السُّلطات في تحدِّي السُّلطة السياسيَّة تقولُ الوثيقة في نفس الصفحة: "منذُ أوائل الستينيَّات كان في استِطاعة القائد العام أنْ يتحدَّى سُلطات رئيس الجمهورية".

 

وترى الوثيقة أنَّه في الحالات التي لا يَطمَعُ فيها وزيرُ الحرب في تحدِّي السُّلطة السياسيَّة فإنَّه يستصدرُ قرارًا جمهوريًّا يُعطِي له سُلطات ضَخمة، وجميع هذه السُّلطات على حِساب سُلطات رئيس أركان حرْب القوَّات المسلَّحة".

 

القاعدة الثانية: أنَّ تأييد العسكريين للسُّلطة السياسيَّة ووُقوفهم إلى جانِبها في الأزمات السياسيَّة الحَرِجَة يُؤدِّي بهذه السُّلطة إلى دَفْعِهم لتَوَلِّي مَناصِب القِمَّة في القوَّات المسلَّحة، لكنَّها تُتابِعُ في نفس الوقت طُموحاتهم السياسيَّة وإنجازاتهم العسكريَّة، فإذا ما تولَّد الشكُّ لديها بتَعاظُم هذه الطُّموحات أو غلبة إنجازاتها على الصورة الشعبيَّة عليها فإنها تلفظهم فورًا.

 

ولبيان سَريان هذه القاعدة تُوضِّح الوثيقة الآتي:

فيما يتعلَّق بدفْع السُّلطة السياسيَّة لمن يُؤيِّدها من العَسكريِّين إلى مناصب القمَّة، تقولُ الوثيقة في (ص69): "حينما قامت السُّلطة بانقِلابها العسكري ضدَّ خُصومها السياسيِّين اشترَكَ في هذا الانقلاب رئيس أركان حرب القوَّات المسلَّحة الذي لعب دور المؤيِّد للانقلاب"، والذي عُيِّنَ فيما بعدُ وزيرًا للحرب.

 

وتقول الوثيقة في موقعٍ آخَر عن رئيس الأركان العامَّة في زمن الحرب أنَّه عُيِّن في منصبه مُتَخطِّيًا ثلاثين رتبةً أقدم منه، وقد يكون سبب تعيينه في هذا المنصب هو موقفه المؤيِّد للسُّلطة السياسيَّة في أحد اجتماعات المجلس الأعلى للقوَّات المسلَّحة في 18 أبريل 1970 المتعلِّق ببيان وجهة نظَر القوَّات المسلَّحة في مشروع اتِّحاد الجمهوريَّات العربيَّة (ص93)، وقد طردت السُّلطة السياسيَّة وزير الحربيَّة لشُعورها بِخُطورته وطُموحاته السياسيَّة وتوسُّعه في استخدام سُلطاته إلى درجةٍ مُقلِقة.

 

أمَّا عن دور الإنجازات العسكريَّة في التأثير على الصُّورة الشعبيَّة للحاكم فتقول الوثيقة في (ص296) حول إقالة رئيس الأركان: "إنَّ النيَّة في الإقالة تكوَّنت في فِكر السُّلطة السياسيَّة منذُ الأيَّام الأولى للحرب نتيجةً لعُنصر الغيرة"، "ثم أخَذتِ الفكرة تختَمِرُ اعتبارًا من يوم 12 أكتوبر نتيجة عنصر التحدِّي".

 

وتقول الوثيقة في (ص141): "إنَّ السُّلطات السياسيَّة لو اقتنعت بما يعرفُه رئيس الأركان من حَقائق لاهتزَّ موقفُها، ولأصبح للأخير شخصيَّةٌ شعبيَّةٌ تُهدِّدها، وتُوضِّح الوثيقة أيضًا أنَّ السُّلطة السياسيَّة كانت تتبع بحذَرٍ الأبعاد النفسيَّة في العلاقات بين مَرؤوسيها من كبار القادة العسكريين الذين قامت بطَرْدِهم ما أنْ شعرت أنَّ هناك ميولاً مُتبادَلةً بينهم فاتَّخذت قَرارها بطرْد وزير الحرب وقائد البحريَّة؛ لشُعورها بميل كلٍّ منهما إلى إطراء وتفخيم ومدح الآخَر، ولشُعورها أيضًا بميل الأوَّل في أنْ يكون له دورٌ أكبر في ممارسة السُّلطة، بالإضافة إلى تمتُّعه ببعض المزايا الشخصيَّة التي تجعَلُ منه شخصيَّةً محبوبة من العسكريين؛ كاهتمامه باللمسات الإنسانية والخدمات، وتحسين رَواتب ومَعاشات الضُّبَّاط والجنود، ومنحهم أوسمة أو إيفاد بعضهم في رحلاتٍ ترفيهيَّة، أو الإغداق على المحيطين به بأموالٍ وامتيازات.

 

وتُبيِّن الوثيقة في أكثر من موقعٍ كيف كانت السُّلطة السياسيَّة تُؤكِّد للعسكريين دَوْمًا أنهم عسكريُّون ولا شأن لهم بالسياسة، وكيف أنها كانت تُتابِع أراءَه من خِلال الاجتماعات العسكريَّة، وكيف أنَّها كانت تتحيَّن الفُرَص للإطاحة بهم ما أنْ تشعُر بأنَّ لآرائهم هذه طابعًا سياسيًّا دُون أدنى اعتبارٍ لكفاءتهم العسكريَّة ذات الأثَر الفعَّال في الحرب، فالمهمُّ ألا يتدخَّل العسكريُّون من قريبٍ أو بعيدٍ في شُؤون السياسة، (ص136).

 

القاعدة الثالثة: تقومُ السُّلطة السياسيَّة باختيار وزير الحرب وفْق مواصفاتٍ خاصَّة أهمها عدم وجود طُموحات سياسيَّة لديه ولضمان ذلك فإنها تبحَثُ في التاريخ العسكري والخلفيَّة النفسيَّة والفيزيقيَّة لمن تُرشِّحه لهذا المنصب حتى تضمن تبعيَّته لها تمامًا.

يشيرُ بيرلميتر Perlmitter إلى ذلك مُوضِّحًا أنَّ السُّلطة السياسيَّة المصريَّة قد عيَّنت رجالَها لكي يسيروا مقدرات القوَّات المسلَّحة وكانوا من الموالين لها ومن المهنيِّين وغير السياسيين[22].

 

أمَّا الوثيقة فإنها تُحلِّل مُواصَفات وزير الحرب الذي عيَّنَتْه السُّلطة السياسيَّة لقيادة الحرب فتقول عن تاريخه العسكري: إنَّه كان يكرَهُ بشدَّةٍ السُّلطة السياسيَّة السابقة لأنها طردَتْه من القوَّات المسلَّحة مرَّتين، ولم تُبيِّن سبب الطَّرد في المرَّة الأولى لكنَّها حدَّدت أسباب الثانية في قيام العدوِّ بغارةٍ ناجحةٍ في منطقةٍ عسكريَّة دون عِلم وزير الحرب بها، وتقولُ الوثيقة في الآثار النفسيَّة للطرد أنها قد ترَكَتْ بصماتها على أخلاقيَّاته وخشيته للمسؤوليَّة واتِّخاذه القَرار وتفضيله تلقِّي الأوامر دُون إصدارها، وحينما تَقاعَد لمدَّةٍ تزيدُ عن عِشرين شَهْرًا واستُدعِي من قبل السُّلطة السياسيَّة التالية في منصبٍ حسَّاس، ثم عُيِّنَ بعدَها وزيرًا للحرب، كان لذلك أكبر الأثر في حالته النفسيَّة ومعنويَّاته؛ فقد عاد إلى الحياة العمليَّة من جديدٍ بعد أنِ اعتَقَد أنَّها قد انتهَتْ؛ ومن ثَمَّ ضمنت السُّلطة السياسيَّة هذا الولاء المُطلَق من وزير الحرب لها.

 

وتقولُ الوثيقة في (ص137): إنَّ وزير الحربيَّة كان مريضًا، وأنَّ التعيين يَكمُن في دلالته التي تَعنِي أنَّ السُّلطة السياسيَّة تعمَلُ بكافَّة الوسائل على ضَمان بقائها واستمرارها والحِفاظ على كيانها، حتى ولو كان ذلك على حساب المجتمع وحياة أفراده، (ص139)


القاعدة الرابعة: قد تتعمَّد السُّلطة السياسيَّة اختيار شَخصيَّتَيْن مُتَناقِضتين لتولِّي أكبر منصبين عَسكريَّيْن؛ كوزير الحرب ورئيس الأركان حتى تضمن عدمَ تحالُفهما ضدَّها، وتكون دائمًا حَكَمًا ومُنظِّمًا للعلاقات بينهما، وغالبًا ما تقفُ إلى جانب وزير الحرب في مواجهة رئيس الأركان.

 

هذا، وقد لا يكون للتناقُض بين الشخصيَّتَيْن أيُّ أَثَرٍ في مرحلة الإعداد للعمليَّات العسكريَّة أو عند القيام بعملٍ ناجحٍ، لكنَّه يبرزُ بوضوحٍ عند القيام بعمليَّات عسكريَّة لمواجهة إنجازٍ عسكري مضاد يُؤثِّر على الهدف السياسي للحرب، أو بمعنى آخَر عند تعرُّض القوَّات لموقفٍ عسكري حَرِجٍ تُؤثِّر مواجهته على الإنجاز العسكري الناجح الذي يكونُ قد تحقَّق في بداية الحرب.

 

تقولُ الوثيقة في تعمُّد السُّلطة السياسيَّة هذا الاختيار: "إنَّ الخلاف بين وزير الحرب ورئيس الأركان كان من الأسباب القويَّة التي دعت السُّلطة السياسيَّة إلى تعيين وزير الحرب"، (ص138).

 

وتشرَحُ الوثيقة ذلك أنَّ رئيس الأركان شرَح لرئيس الدولة جُذور هذا الخلاف فتقول في (ص135): إنَّه عند عرَض اسم وزير الحرب الجديد على رئيس الأركان كان هذا الأمر مُفاجأةً للأخير الذي علَّق على ذلك، مُوجِّهًا حديثه إلى السُّلطة السياسيَّة بقوله: "إنَّ هناك تاريخًا طويلاً من الخلافات بيننا يمتدُّ إلى حوالي 12 سنة، وأعتقدُ أنَّ التعاون بيننا سيكون صعبًا".

 

كما تُبيِّن الوثيقة علمَ السُّلطة السياسيَّة بجذور هذا الخلاف عند الردِّ على رئيس الأركان فيقول رئيس الدولة: "إنَّني أعلمُ تمامًا بتاريخ هذا الخلاف وتفاصيله، ولكنَّني أؤكِّد لكم أنَّ علاقتكم به ستكون أفضل من علاقتكم بمن قبله".

 

ولم يُثْنِ ذلك رئيسَ الأركان عن إعادة الكرَّة وإظهار مخاوفه وبَيان أنَّ هذه العلاقة قد تُؤثِّر على الموقف العسكري عند الإعداد للمعركة التي سوف تُحدِّد مصيرَ البلاد لعِدَّة سنواتٍ قادمة، فإنَّ رئيس الدولة أكَّد وجهةَ نظَرِه بأنَّه لا ضَرَرَ هناك من جرَّاء ذلك، (ص135).

 

وتُؤكِّد الوثيقة أنَّ تعمُّد السُّلطة السياسيَّة مثل هذا الاختيار لم يحدُث للمرَّة الأولى؛ إذ كان حدَث مثلُه قبل ذلك في فترة حياة عبدالناصر، (راجع ص134).

 

وتكشفُ الوثيقة كيف يمكن أنْ يكون التحالُف بين وزير الحرب ورئيس الأركان مُؤثِّرًا على السُّلطة السياسيَّة فتقول في ص138: إنَّ هذا التعيين لا يخدم مصالِحَ البلاد، لقد كان في استِطاعتنا أنْ نُحقِّق خِلال حرب أكتوبر أفضل بكثيرٍ ممَّا حقَّقنا لو كان هناك قائدٌ عام غيره، ولو كان قد تيسَّر هذا لكان في إمكاننا أنْ نكبح جماح السُّلطة السياسيَّة ونرفض تدخلها في الشؤون العسكريَّة البحتة ولاستمرَّ القتال بالأسلوب الذي نريده وليس طبقًا للأسلوب الذي يختاره العدو.

 

أمَّا عن الدور الذي كانت تلعَبُه السُّلطة السياسيَّة في تنظيم العلاقة بين الطرفين فإنَّ الوثيقة تُبيِّن ذلك في المرَّتين اللَّتَيْن حدَث فيهما هذا الاختيارُ؛ ففي المرَّة الأولى على سبيل المثال أخبرت السُّلطة رئيسَ الأركان حينما عرَضَ وجهة نظَرِه بانعِدام الثقة بينه وبين وزير الحرب بأنها تفهَمُ وجهة نظره جيِّدًا، وتعدُ بألا تدَع فرصةً للاحتكاك بين الطرفين، (ص134).

 

وعن أثَر التناقُض بين الطرفين على سير العمليَّات العسكريَّة فتُبيِّن الوثيقة أنَّه قبل بدء العمليَّات كانت الخلافات خلافاتٍ في وجهات النظَر فقط، وغالبًا ما كان يصلُ الطرفان فيها إلى اتِّفاقٍ بسهولةٍ أو يقتنع أحدهما بوجهة نظَر الآخَر، وتقول الوثيقة في (ص18، 19): إنَّه حينما عرض رئيس الأركان فكرته عن الحرب الهجوميَّة عارضها وزير الحرب بشدَّة، ولكنَّهما بعد مناقشاتٍ طويلة عبر جلسات وأيَّام مُتعدِّدة وصَلاَ إلى حلٍّ وسط، واقتنع وزير الحرب بصحة وجهة نظَر رئيس الأركان بعدها دون اعتراض.

 

أمَّا عند بدْء العمليَّات العسكريَّة فقد بدا هذا التناقُض بارزًا وأثَّر على خطِّ سير العمليَّات تأثيرًا كبيرًا، ويرجعُ ذلك في تصوُّرنا إلى تجاهُل وزير الحرب صِفته العسكريَّة واستِدماجه الكامل صفته السياسيَّة.

 

وتقول الوثيقة في آثار ذلك على خطِّ سير العمليَّات العسكريَّة: إنَّ رئيس الأركان قد عانَى كثيرًا من اعتراض السُّلطة السياسيَّة ووزير الحرب على كلِّ الاقتراحات التي كان يتقدَّم بها، وأنهما كانا حينما يكتشفان سلامتها يكون الوقت قد فات، وأنَّ الوضع قد استمرَّ على هذا الحال منذ 13 أكتوبر وحتى وقْف إطلاق النار، (ص141).

 

ولم يكن للتناقُض بين الطرفين أيُّ أثَر على الهدف العسكري الأساس للحرب وهو عُبور القناة، ولكنْ حينما تطوَّرت الأعمال العسكريَّة بإنجازٍ مُضادٍّ مُعادٍ، وبدا أنَّ أيَّ محاولة لِمُجابَهة إنجاز العدوِّ قد يُؤثِّر على الهدف السياسي... انفجر الموقف وتقول الوثيقة علن ذلك في صفحة (235- 236): "بحلول الساعة الثامنة من صباح يوم الأحد 7 أكتوبر 1973 كانت قوَّاتنا قد حقَّقت نجاحًا حاسمًا في معركة القناة وعبرت أصعَبَ مانع في العالم وحطَّمت خط بارليف في 18 ساعة، وهو رقمٌ قياسي لم تُحقِّقه أيَّة عمليَّة عبور في تاريخ البشريَّة، وتَمَّ ذلك بأقل خسائر ممكنة".

 

وتعني هذه الفقرة أنَّ الهدف العسكري قد تحقَّق؛ ومن ثَمَّ فلم يبق إلا انتظار ردُّ فعل العدو؛ أي: إنَّه حتى هذا التاريخ لم يكن للتناقُض بين وزير الحرب ورئيس الأركان أيُّ أثَر على العمليَّات العسكريَّة لكنَّه عند مواجهة إنجاز العدو المضاد بدأ التناقُض بين الطرفين يبرز.

 

وتوضح الوثيقة في صفحة (245) كيف كان ذلك مرتبطًا بالهدف السياسيِّ للحرب؛ فقد طالب وزيرُ الحرب رئيسَ الأركان أنْ يُطوِّر الهجوم نحو المضائق، فعارَضَه الأخير بشدة؛ بسبب السيطرة الجوية الإسرائيلية التي تُشكِّل تهديدًا خطيرًا لأيِّ قوَّات برية تتحرك في العراء دون غطاء جوي، وأوضح الوزير أنَّ القرار سياسيٌّ، ويتحتَّم الهجوم، كما عارَض القادةُ العسكريُّون هذا القرارَ، وكان الإصرار السياسي على تنفيذه كما تقول الوثيقة في (ص246) من الأخطاء التي كان لها أثرٌ كبير على سير الحرب ونتائجها.

 

وتقول الوثيقة في موضعٍ آخَر: إنَّ اقتراح رئيس الأركان بإعادة تجميع بعض القوَّات غرب القناة لإعادة الاتِّزان للمواقع الدِّفاعية للقوَّات من الشرق إلى الغرب قد قُوبل بالرفض، واشتدَّ الخلاف بينه وبين رئيس الأركان، فكان الأخير يرى أنْ تكون الضربةُ الرئيسة موجَّهةً إلى الثغرة من غرب القناة، مع توجيه ضربة ثانوية ضد فتحة الثغرة شرق القناة، وكان الوزير يرى عكس ذلك تمامًا؛ (ص252).

 

وحينما استعان رئيس الأركان بالسُّلطة السياسيَّة لنقض قرار الوزير، عارضه رئيس الدولة بشدة، وأيَّد موقف الوزير (ص253)، فكان من جرَّاء ذلك توسُّع العدو في منطقة الدفرسوار.

 

وتقول الوثيقة في (ص267) أنَّ السُّلطة السياسيَّة أصرت على عدم سحب أيِّ جندي من الشرق، وحدث صِدامٌ آخَر بين الطرفين في 25 أكتوبر عند اجتماع المجلس الأعلى للقوَّات المسلَّحة؛ حيث كان الموضوع الرئيسي للاجتماع: كيف يمكن إعادة فتح الطريق إلى الجيش الثالث؟ واقترح الوزيرُ تخصيص الفرقة المكلَّفة بالحيلولة دون فتح الطريق أمام العدو إلى القاهرة بحماية القوَّات الإدارية المتحركة من القاهرة إلى الجيش الثالث، عبر المسالك والطرق الثانوية وأُلغِيَت المهمَّة بعد اعتِراض رئيس الأركان والقادة العسكريين؛ (ص277).

 

ونُضيف إلى ما سبق أنَّ تأييد السُّلطة السياسيَّة لوزير الحرب قد فاق اهتمامَها بالإستراتيجية السياسيَّة والعسكريَّة للدولة، وتَذْكر الوثيقة في هذا الصدد حادثةً قام فيها رئيسُ الأركان برفع قضية تعطيل وزير الحرب لقرارٍ اتخذه مجلس الدِّفاع العربي المشترك بإجراء مسح هيدروغرافي للسواحل العربيَّة، ولم تبيِّن لنا الوثيقة آثار خطورة هذا الموقف على السُّلطة السياسيَّة، إلا أنَّها تقول أنه على الرغم من استمرار المواجهة بين وزير الحرب ورئيس الأركان أمام رئيس الدولة، فإنَّ الأخير لم يتخذ أيَّ قرار حاسم، ولم تخرج المسألة عن بعض النصائح العامَّة للطرفين، في حين أنَّ القضية المطروحة أمامه كانت قضية بالغة الخطورة؛ (ص115).

 

ثانيًا: في علاقة القيادة العسكرية بالسُّلطة السياسيَّة:

القاعدة الخامسة: تعتمدُ القرارات التي تُصدرها القيادة العسكرية بصدد المشروعات ذات الطابع السياسي على مَدَى إدراكها لحجم القوَّة السياسيَّة في يد رئيس الدولة، وليس على تقديرها الفعلي لأهميَّتها، ويقف وزير الحرب عادة إلى جانب مَن بيده السُّلطة الفعلية، سواء أكان رئيس الدولة، أم غيْرَه، أمَّا رئيس الأركان فإنه يتخذ موقفًا وسَطًا، وإنْ كان يميل إلى ما تُجْمِع عليه قيادته العسكرية، ويسمح له هذا الموقفُ باتِّخاذ موقف مضادٍّ حال تغيُّر الأمور لصالح من بيده السُّلطة الفعلية.

 

اعتمدنا في تنظير هذه القاعدة على مجريات الأحداث في اجتماع المجلس الأعلى للقوَّات المسلَّحة في 18 إبريل 1971؛ حيث ضمَّ هذا الاجتماعُ ستَّة عشر ضابطًا، بالإضافة إلى سكرتير المجلس، وخُصِّص هذا الاجتماع لبحث رأي القوَّات المسلَّحة في مشروع اتِّحاد الجمهوريات العربية الذي يؤيِّده رئيسُ الدولة، ويعارضه وزير الحرب، وكان المسرح السياسي في هذا الوقت يشير إلى أنَّ رئيس الدولة لا سلطات له، وأن السُّلطة الحقيقية في يد اللجنة التنفيذية العليا للحزب الحاكم.

 

وتقول الوثيقة في بيان وجهة نظر وزير الحرب وقتها، المؤيِّد للجنة التنفيذية العليا : "ألمح وزيرُ الحرب في حديثه إلى أنَّ الجهات السياسيَّة العليا ترفض هذه الاتفاقيَّة، وأنَّه بعد أنْ ينتهي من اجتماعه سوف يتوجَّه لحضور اجتماعٍ سياسي على أعلى مستوى، وأنَّه سوف يقوم بإبلاغ الجهات السياسيَّة العُليا برأي القوَّات المسلَّحة التي وقف غالبيَّة قادتها ضد هذا الاتحاد"؛ (ص94).

 

أمَّا عن موقف رئيس الأركان الذي رُقِّي فيما بعد لمنصب وزير الحرب، فتقول الوثيقة أنَّ رئيس الأركان لم يسمع رأيه في هذا الاجتماع؛ لأنَّ الوزير أعلن في الاجتماع أنَّ موقفهما واحد، ولكنْ حينما طلب أحدُ الأعضاء سماعَ رأي رئيس الأركان، أجابَ بوضع تحفُّظات مُعيَّنة على ما يحيطُ بالظروف الخارجيَّة المحيطة بقيام الاتحاد، ولولاها لأيَّد قيامه، فردَّ عليه العضو نفسه أنه يريد إجابة صريحة بنعم أو لا على الاتحاد في صورته المعروضة، فردَّ فبأنه يعارض قيامه؛ (ص94).

 

القاعدة السادسة: يترتَّب على تأييد وزير الحرب السياسيَّة أن تسمح له هذه السُّلطة بالتوسُّع في اختصاصاته بما يهدِّد هيمنة هذه السُّلطة، وقد يؤدِّي سوءُ استخدام هذه الاختصاصات إلى إضرارٍ بالأفراد العسكريين، والإستراتيجية العسكرية للدولة ككلٍّ.

 

تقول الوثيقة في (ص 111): "إنَّ سلطات وزير الحرب ظلَّت تتعاظم يومًا بعد يوم، وارتكب أخطاء مَن سبقوه نفسها، وكان يبطش بأيِّ ضابط يعترضُ طريقه، ويُغدِق بالعطاء على مَن يسيرُ في ركابه، وأصبح لا يطيق أنْ يسمع رأيًّا يخالف رأيه"؛ (ص 111)، "فأمر مثلاً بتحويل ضابطين برتبتين كبيرتين إلى وظائف مدنيَّة؛ لمخالفتهما إيَّاه في رأيه، هذا على مستوى الأفراد، أمَّا على مستوى الإستراتيجية العسكرية للدولة، فإنَّ الوثيقة تبين أن وزير الحرب هدد أحد كبار الضباط الذين عهد إليهم اتِّخاذ إجراءات تنفيذ قَرارٍ اتَّخذه مجلس الدِّفاع العربي المشترك الخاص بشراء لنشَيْ مساحة؛ لإجراء مسرح هيدروغرافي لجميع السواحل العربيَّة، واتَّخذ ضدَّه إجراءات مشدَّدة منَعَتْه من تنفيذ هذه المهمة؛ (ص115).

 

القاعدة السابعة: قد يتَعاظم تأييدُ وزير الحرب للسُّلطة السياسيَّة إلى درجةٍ تكون فيها القراراتُ العسكريَّة هادفةًأساسًا لحماية الوضع الأمني في البلاد، وحماية السُّلطة السياسيَّة، ولو كان ذلك على حساب الكفاءة القتالية للقوَّات المسلَّحة.

 

اعتمَدْنا في تقرير هذه القاعدة على واقعة توزيع الدبَّابات التي وافق الرُّوس على إمداد مصر بها، وهي دبابات ت 62، وتقول الوثيقة في ذلك: "اجتمعَتْ لجنةٌ برئاسة الوزير؛ لبحث طريقة استيعاب وتنظيم هذه الدبابات، وكَل رأي الوزير وبعض مساعديه أنْ تُسلَّم هذه الدبابات إلى اللواءين المدرَّعَيْن المستقِلَّيْن، أمَّا الرأي الآخر والذي أيَّده بعض المستشارين السوفييت، فقد رأى تسليمَها إلى الفرقتين المدرَّعتين بدلاً من اللواءين المستقلين؛ على أساس أنَّ وجود هذه الدبابات القوية ذات المدفع 115 مم - ضمن الفرقة المدرعة، وفي احتياط القوَّات المسلَّحة - يجعَلُ من الممكن توجيه ضربة قويَّة وحاسمة في الاتجاه الذي يظهَرُ للقيادة أثناء المعركة، أمَّا توزيعها على الألْوِية المدرَّعة المستقلة، فسوف يترتَّب عليه أنْ تُستَخدم هذه الأولوية في المراحل الأولى من المعركة، وفي اتِّجاهات قد لا تكونُ ذات أهميَّة كبيرة.

 

وتقول الوثيقة أنه عند مناقشة هذا الموضوع في اليوم الثاني، كان هذا الرأي هو رأيَ المستشارين كلهم" (ص112 - 113).

 

وتُعلِّق الوثيقة نفسها على سبب معارضة وزير الحرب، فتقول: "إنَّ السبب الحقيقي الذي دفع وزير الحرب إلى المعارضة هو أنَّه كان يشكُّ في ولاء أحد قادة الفرق المدرَّعة، وأنَّ تسليم 100 دبابة جديدة ت 62 إليه قد يخلُّ بالتوازن الأمني الداخلي الذي تضَعُه السياسة دومًا في مقدِّمة المتطلَّبات العسكريَّة للمعركة، وهكذا اتَّخذ الوزير القرار بتسليم الدبابات ت 62 إلى اللواءين المستقلين".

 

ثالثًا: العلاقة بين وزير الحرب ورئيس الأركان:

القاعدة الثامنة: تُؤثِّر جذورُ العلاقة بين وزير الحرب ورئيس الأركان على علاقتهما المستقبليَّة بالسَّلب أو بالإيجاب.

 

تُقدِّم لنا الوثيقة حالتين لعلاقة رئيس الأركان بوزير الحرب؛ في الحالة الأولى كانت العلاقة بينهما علاقةَ عداء، هذا وقد عرَضْنا في القاعدة الرابعة لكيفيَّة تأثير ذلك على مستقبل العلاقة بينهما، ويبقى أن نشير هنا إلى الكيفيَّة التي تولَّد بها هذا العداء.

 

تقول الوثيقة في (ص133): إنَّ رئيس الأركان لم يكن على علاقة طيِّبة مع وزير الحرب، وإنَّهما كانا شخصين مختلفين لا يمكن لهما أنْ يتَّفِقَا.

 

أمَّا جذور الخلاف فترجع إلى الفترة التي كان يقودُ فيها رئيسُ الأركان الكتيبةَ العربيَّة التي كانت ضمن قوات الأمم المتَّحدة في الكونغو 1960، وكان وزير الحرب وقتها يرأس بعثة عسكريَّة لدِراسة ما يمكن أن تقدمه مصر للنهوض بالجيش الكونجولي، إلا أنَّه قبل وصول البعثة سقطت الحكومة التي تُؤيِّدها مصر، وكانت ميول الحكومة الجديدة تتعارض تمامًا مع مصر، فوجدت البعثة المصريَّة نفسها بلا عملٍ منذ اليوم الأول لحضورها.

 

وتقول الوثيقة في ذلك: إنَّ البعثة بدلاً من أن تعود إلى مصر، أخذ وزير الحرب يَخْلُق لنفسه مبرِّرًا للبقاء في ليوبولدفيل؛ على أساس أنَّه يقوم بإعداد تقرير عن الموقف، وبقي تحت ستار هذا العمل مع اللَّجنة ما يزيد عن شهرين.

 

وتقول الوثيقة محدِّدةً بداية الخلاف: إنَّ وزير الحرب حاول فَرْض سلطته على رئيس الأركان باعتباره أقدم رتبةً منه، ورفض الأخير أيَّ تعليمات أو توجيهات من قبل الأول، ولم يعترف له بأيِّ سلطة عليه ولا على قواته، وأنَّ الطرفين قد تبادلا الكلمات الخشنة، حتَّى كادا أنْ يشتبكا بالأيدي، وبعد أنْ علمت القاهرة بذلك، استَدْعَت اللجنة.

 

وتتحدَّث الوثيقة عن العلاقات بينهما بعد ذلك في مصر أنَّهما كانا يتَقابلان في بعض المناسبات مقابلاتٍ عابرةً، إلا أنَّ كلاًّ منهما كان يحاول أن يتحاشى الآخر قدر ما يستطيع، إلى أنَّ عُيِّنَ الوزير في 1969 رئيسًا لأركان حرب القوَّات المسلَّحة، وهنا اختلف الوضع، ولم يكن من الممكن للطرفين أنْ يتحاشيا اللقاء بينهما إلى أنْ تدخلت السُّلطة السياسيَّة لتنظيم هذه العلاقة؛ (ص123).

 

أمَّا في الحالة الثانية، فقد كانت جُذور العلاقة بين الطرفين إيجابيَّة، وتُبيِّن الوثيقة أنَّهما كانا صديقين منذ فترة بعيدة، ويصف رئيسُ الأركان آثارَ ذلك بقوله: "إنه لا يزال يحبُّه ويقدِّره، وإن كان يختلف معه في كثير من الآراء، لكنَّه ما زال يعتقد أنَّه عنصرٌ وطني يمكن أنْ يخطئ"؛ (ص111).

 

وتُبيِّن الوثيقة أن رئيس الأركان وقف إلى جانب وزير الحرب في مواجهة اتِّهامات السُّلطة السياسيَّة للأخير، حتى بعد عَزلِه من منصبه.

 

القاعدة التاسعة: يُعتَبر التنازُع على الاختِصاصات من أهمِّ أسباب الخلاف بين وزير الحرب ورئيس الأركان.

 

تبيِّنالوثيقة في توضيح هذه القاعدة أنَّ وزير الحرب حاوَل أنْ يُوسِّع في سُلطاته، فتذكُر قول رئيس الأركان: "كما أنَّه ليس هناك مَن يشغل رئيس أركان حرب القوَّات المسلَّحة، وكان عليَّ أنْ أقف ضدَّه، كان يعتقد أنَّه بصفته وزيرًا للحرب، وقائدًا عامًّا للقوَّات المسلَّحة، فإنَّه هو وحدَه الذي له سُلطة اتخاذ القرار، وأنَّه يتحتم عليَّ أنْ أُخْطِره بكلِّ شيء، وألاَّ أتَّخذ أيَّ قرار، قلتُ له: إنَّك تريدني أن أقوم بأعمال مدير مكتب، وليس رئيس أركان حرب القوَّات المسلَّحة، وهذا ما لا أقبله"؛ (ص112).

 

وقد دعا رئيسُ الأركان بعد ذلك لجنةً خاصَّة لدراسة موضوع توزيع الاختصاصات، وكان رأيُ اللجنة الآتي: "أنْ تكون هناك شخصيَّة سياسيَّة، وهي شخصية وزير الحرب، تختصُّ باتخاذ القرار السياسي والإستراتيجي، أمَّا جميع القرارات ما دون ذلك - بما فيها إدارة العمليَّات الحربية، والسَّيْطَرة، والإدارة اليوميَّة للقوَّات المسلَّحة - فإنَّها تكون من اختصاص وظيفة عسكريَّة، هي رئيس أركان حرب القوَّات المسلَّحة"؛ (ص112).

 

القاعدة العاشرة: يقع الخلاف بين وزير الحرب ورئيس الأركان، حينما يُسْند إلى الأخير مناصب تُخْرِجه عن حدود سلطات الأول عليه، (وعادةً ما تكون هذه المناصب خارج البلاد).

 

هناك حالتان مختلفتان مع وزيرين مختلفين، ورئيس أركان حرب واحدٍ، شرَحْنا الحالة الأولى في القاعدة الثامنة، وهي واقعة محاولة وزير الحرب فَرْضَ سُلطاته على رئيس الأركان في الكونغو، ورَفْض الأخير لذلك.

 

أمَّا الواقعة الثانية فقد حدثَتْ حينما عُيِّنَ رئيس الأركان أمينًا عامًّا مساعدًا عسكريًّا بجامعة الدول العربيَّة، وكان الأخير يُقدِّم مشروعًا جديدًا إلى المجلس العسكري للدول العربية، وكان الأول يحضر الاجتماعَ مندوبًا عن مصر، ولم يُعْجِبه خطُّ سير رئيس الأركان في اجتماعات المجلس، وطلب منه تغييرَ مساره حتَّى تتَّفق وِجْهتا النظَر، ورفض رئيس الأركان ذلك بقوله حسب ما جاء في الوثيقة: "إنَّك كوزير للحربية في مصر تستطيع أن تصدر إليَّ التوجيهات بصفتي رئيسًا لأركان حرب القوَّات المسلَّحة المصريَّة، أمَّا بصفتي الأمين العام المساعد العسكري للجامعة العربيَّة، فإنَّه ليس من حقِّك أنْ تُصدِر إليَّ أيَّة توجيهات... إنَّك تُمثِّل مصر، وتستطيع أنْ تتكلَّم باسم مصر كيفما تشاء، ويستمعَ إليك الآخرون ويُناقشوك، أمَّا أنا فإنَّني أتكلَّم باسم جميع رؤساء أركان حرب القوَّات المسلَّحة العربية".

 

تقول الوثيقة: "إن الوزير ردَّ بلهجة غاضبة لا تخلو من التهديد قائلاً: ولكن تعلم أنَّ وظيفتك كأمينٍ عسكري مساعد للجامعة العربية هي نتيجة لكونك رئيسَ أركان حرب القوَّات المسلَّحة المصريَّة، وأجاب رئيس الأركان قائلاً: نعم، أعرف ذلك، ولكنني لن أُساوم على حُرِّيتي في العمل كأمين مساعد؛ للاحتفاظ بوظيفتي كرئيس أركان حربٍ للقوَّات المسلَّحة المصريَّة، وهذه الحقيقة يجب أنْ تعرفها جيدًا"؛ (ص111).

 

القاعدة الحادية عشرة: يقعُ الخلاف بين وزير الحرب ورئيس الأركان إذا اختَلفَ تقديرُ كلٍّ منهما لكيفية إذاعة حقائق الحرب على الرأي العام.

 

تُبيِّن الوثيقة أنَّ وزير الحرب ورئيس الأركان قد اختلفا حول مسألة إذاعة الموقف الحقيقي للقوَّات المصريَّة بعد دخول قوات العدوِّ إلى غرب القناة، كان من رأي الأوَّل الحِفاظ على الروح المعنوية للشعب وللقوَّات المسلَّحة بإذاعة بيانات تُقلِّل من حجم القوَّات الإِسْرائيلية في غرب القناة، في حين كان مِن رأي الثاني أنْ تعرض حقيقة الموقف كاملةً؛ حتى يستطيعَ الجنود المصريون بعد معرفة واقع القوَّات أنْ يُقدِّموا كلَّ ما لديهم من إمكانيات وطاقات يمكن أنْ تُؤثِّر تأثيرًا إيجابيًّا على الموقف العسكري، وخاصَّة بالنسبة للتشكيلات والوحدات غير المشتركة في القتال؛ (ص284).

 

القاعدة الثانية عشرة: يُقدِّم رئيس الأركان استقالتَه في حالتين؛ الأولى: حينما يرى ضعف احتمالات عدم التعاون بينه وبين وزير الحرب، والثانية: حينما يقف في مواجهة مع القيادة السياسيَّة تُؤثِّر على مشاعره الذاتية، ويُعْرِض عن الاستقالة إذا ما وضَعتِ السُّلطة السياسيَّة ضماناتٍ تكفي لتنظيم العلاقة بينه وبين وزير الحرب، وإذا ما رأى أنَّ جهوده على المستوى العسكري قد تنسب لغيره في حالة استقالته، وإذا ما خشي من تفسير السُّلطة السياسيَّة للاستقالة بأنها عدم رغبةٌ في دخول الحرب، أو أنها تَحالُفٌ مع عسكريِّين لا ترضى عنهم.

 

شرَحْنا في القاعدة الرابعة سوءَ العلاقة بين وزير الحرب ورئيس الأركان، ونضيفُ هنا أنَّ رئيس الأركان بادر بتقديم استقالته لرئيس الدولة عند سَماعه بخبر تعيين وزير الحرب، وأصرَّ عليها، لكنَّه لم يعدِلْ عن الاستقالة إلا بعد أنْ وعَدَه رئيس الدولة تنظيمَ العلاقة بينهما؛ (ص133).

 

وفي المرَّة الثانية، كان الموقف يتطلَّب من رئيس الأركان قرارًا فوريًّا؛ إمَّا أنْ يقبل التعاون مع الوزير الجديد المعيَّن والعلاقة بينهما غير طيِّبة، أو أنْ يستقيل، وتقول الوثيقة في ذلك على لسان رئيس الأركان: "لقد كان عليَّ أن أُجري في ذهني تقديرًا سريعًا للموقف، وأن أَصِل إلى قراري، إنَّه ليَصْعب عليَّ أنْ أستقيلَ وأترك خلفي الجهد والعرق اللَّذَين بذلتُهما دون أن أستمتع بنصرٍ تحقِّقُه القوَّات المسلَّحة، ولو استقلتُ فقد تُفَسَّر الاستقالة على أنها تضامُنٌ مع الوزير السابق، وقد يفسِّرها البعض بأني لا أريد دخول الحرب، في حين أنَّ الحقيقة عكس ذلك تمامًا"؛ (ص135).

 

أمَّا في المرة الثالثة التي أَقْدَم فيها رئيس الأركان على الاستقالة، فكانت عند مواجهةٍ بينه وبين رئيس الدولة؛ حيث ثار الأخيرُ عليه فيها إثْرَ طلب الأول سحْبَ بعض القوَّات من شرق القناة؛ لِمُواجهة غزو العدوِّ غرب القناة، وتقول الوثيقة: إنَّ رئيس الدولة هدَّده بالمُحاكمة، كما تشرح الحالة النفسيَّة لرئيس الأركان وقتَها، فتقول: إنَّه أُصِيب بجرح عميق، وجال بخاطره أن يستقيل، ولكنَّه سرعان ما استبعد هذا الخاطر.

 

وتصف الوثيقةُ على لسانه هذا القول بالآتي: "كيف أترُك القوَّات المسلَّحة في أوقات الشِّدَّة؟ ماذا سيقول عنِّي الخصومُ؛ "هرب عند أوَّل أزمة"؟ لن أقبَل ذلك على نفسي، لقد عشتُ مع القوَّات المسلَّحة فترة مَجدٍ، ويجب أن أقِفَ معها في وقت الشِّدَّة، حتَّى لو لم أستطع أنْ أُنقذ ما أريد إنقاذه كلَّه، ابتلعتُ كبريائي، وتحمَّلتُ الموقف ولو مؤقتًا من أجل مصر"؛ (ص253 - 254).

 

القاعدة الثالثة عشرة: يقعُ الخلاف بين وزير الحرب ورئيس الأركان حينما لا يكونُ لديهما تصوُّر مشترك عن دور الدُّوَل العُظمَى في الحرب.

 

أشار وزير الحرب في اجتماع المجلس الأعلى للقوَّات المسلَّحة الذي عُقِدَ تحت رئاسته في 18 مارس 1972 إلى وجود شائعاتٍ حول الخلافات بينه وبين الاتحاد السوفييتي، وأنْكر الوزير هذا الخلاف، وبيَّن أنَّه خلافُ مبادئ فقط؛ (ص104).

 

ويردُّ رئيس الأركان على ذلك: "إنَّ الشائعات التي أطلقها الوزير كانت من النَّوع المتعمَّد الذي يخدم غرضًا معيَّنًا، وإنَّه يهدف منها إلى إظهار أنَّه هو الذي يحمي مصر من تيار الشيوعيَّة التي يكرهها هو كراهية شديدة".

 

وتقول الوثيقة على لسان رئيس الأركان: "إنَّ كراهيته هذه أمر يخصُّه، وليس لأحدٍ أن يُحاسبه عليها، لكن عداوته للشيوعيَّة قد أعمَتْ بصيرته، فأصبح لا يفرِّق بين الشيوعيَّة كمذهب إيديولوجي، والاتحاد السوفييتي الذي يقوم بإمدادِنا بالسلاح الذي يُمكِّننا من تحرير الأرض"؛ (ص105).

 

والواقع أنَّ اختلاف وزير الحرب ورئيس الأركان في تقدير موقف الاتحاد السوفييتي جعلَ الأخير يتَّهم الأول بسوء تقدير الموقف السوفييتي، ونحن نرى أنَّ تقدير رئيس الأركان لهذا الموقف لم يكن أفضل من تقدير وزير الحرب؛ فقد كان رئيس الأركان يعترض على عدم إعطاء الرُّوس صورةً صحيحة عن خطِّ سير العمليَّات العسكرية.

 

وتقول الوثيقة على لسانه: "إنَّ الأسلوب الذي نتعامل به مع السوفييت - بصفته حليفَنا الرئيسي - يختلفُ اختلافًا كبيرًا عن الأسلوب الذي تتعامل به إسرائيل مع حليفها، فبمجرَّد اندِلاع الحرب كان هناك اتِّصالٌ مباشر مع وزارة الدِّفاع الأمريكيَّة، وأطْلع الإسرائيليُّون الأمريكيِّين على خُطَطهم، وأخذوا يطلبون نصيحتهم، وحرصوا أنْ يظلَّ هذا الاتصال مباشرًا طوال فترة الحرب.

 

لا شكَّ أنَّ هذا التَّعاون الإسرائيلي الأمريكي على مستوى القيادة العسكريَّة العُليَا هو الأسلوب الصحيح للتعاون بين الحلفاء؛ إذْ كيف يستطيع الحليفُ أن يقدِّم العون لحليفه إذا لم يكن يعرف حقيقة موقفه"؛ (ص168).

 

ونرى أنَّه مُحِقٌّ في تصوُّره لمنطق التعاون بين الحلفاء، كما نرى أنَّه محقٌّ أيضًا في فهمه لإستراتيجية الاتحاد السوفييتي مع الحلفاء، فتقول الوثيقة على لسانه ما يلي:

1- إنَّ الخلاف العربي الإسرائيلي ليس مجرَّد مشكلة محليَّة إقليميَّة، إنَّها تدخُل ضمن الإستراتيجيَّة العالميَّة، وتُوازن القُوَى بين الكتلتين؛ (ص170).

 

2- إنَّ سياسة الاتحاد السوفييتي هي ألاَّ يُعطي أفضل ما عنده لأيَّة دولة أجنبية؛ رغبةً منه في الحفاظ على أسرار أسلحته؛ (ص167).

 

3- إذا أخَذْنا المعونة السوفيتيَّة لمصر، والمعونة الأمريكيَّة لإسرائيل كأساسٍ للمُفاضَلة في مدى صَدَاقة كلٍّ منهما لحليفه، كان واضحًا أنَّ صداقة أمريكا لإسرائيل كانت أقوى بكثيرٍ من صداقة روسيا لمصر، إنَّ الاتحاد السوفييتي لم يكن الصديقَ المثالي، لكنَّه كان أفضل صديقٍ في الساحة العالَميَّة، وكان قادرًا على التأثير في الأحداث في منطقة الشرق الأوسط، ومعيار ذلك هو الأرقام الخرافيَّة من الأسلحة التي أمدَّ بها الدُّولَ العربية: (7000 دبابة - 1800 طائرة - 18.000 مدفع - 150 قطعة بحريَّة - أكثر من مليوني قطعة سلاح صغيرة)؛ (ص171).

 

ومن هنا، نرى أنَّ هناك حلقةً مفقودة في سلسلة رئيس الأركان لموقف الاتحاد السوفييتي، وهي ما أشَرْنا إليها من حرص القُوَّتين العُظْميَيْن - بالرغم من كل الإمدادات الهائلة - على تخلُّف العسكرية المصريَّة عن العسكرية الإسرائيلية، لا فرق بين الاتِّحاد السوفييتي والولايات المتحدة؛ أما لماذا؟ فإن هذا يحتاج إلى مقالة مستقلة.

 

بعد تحليلنا لمدى انطباق نظريَّة (يوكوف) عن الحرب المحدودة على حرب أكتوبر، وبعد تحليلنا للعلاقات بين قادة هذه الحرب، نأتي للإجابة على السؤال الذي طرَحْناه في بداية المقالة:

"هل يمكن أنْ تؤثِّر العلاقات بين قادة الحرب على تحقيق نتائج عسكريَّة لا تتَّسق والأهدافَ الإستراتيجيَّة التي حدَّدتها القوَّتان العُظْميان؟".

 

إنَّ النتيجة التي يمكن استِخلاصها من هذه الدراسة أنَّه لا تأثير بالمرَّة على العلاقات بين قادة الحرب والخط الإستراتيجي الذي رسمَتْه الدولتان العُظمَيان لسير ونتيجة هذه الحرب، وما توصَّلت إليه الأطرافُ المحليَّة من اتِّفاقٍ بعد المفاوضات هو نفسه الذي كان سيحدث، حتى ولو أخذت العلاقات بين قادة الحرب خطًّا مختلفًا تمامًا عن الخط الذي سارت فيه وفقًا لتحليلنا في المقالة، حتى ولو تمكنت القوَّات المصريَّة من احتِلال المضائق في بداية الحرب، أو القضاء على الثغرة في نهاية الحرب؛ وذلك لأن القضيَّة كانت محسومة كما يقول وزير الخارجيَّة الأمريكي في: "أنَّ أصدقاءنا يسعون نحو أهدافٍ لا يفكِّر فيها واحدٌ منَّا قط"، وبالتحديد كما يقول (يوكوف): "إنَّ القُوَى العُظمَى تضبط وتقيِّد هذه الحرب، وتضع لها هذه المواصفات والنتائج التي تعطيها فرصة إيجاد مواقف الحلِّ الوسط في علاقاتها السياسيَّة والإستراتيجيَّة، وهي بهذه الحرب تسمح بوضع عِدَّة اختيارات أمام الأطراف المحليَّة المتصارعة تتَّفق ومصالِحَ الدول العُظمَى".

 

ويُبيِّن التحليل السابق أنَّ المشترِكين في الحرب من القادة المصريين كانوا يعلمون تمامًا أنَّهم يلعبون أدوارًا مرسومة محددة بدقَّة، وبالرغم من ذلك كانوا يلعبونها بحماس، مُقتَنِعين تمامًا أنَّ الوطنيَّة تقضي منهم مثل هذا الحماس في حين - كما تَبيَّن لنا - لم تُقدِّم هذه الوطنيَّة أو تُؤخِّر هذا الخطَّ المرسوم لسير ونتيجة الحرب.

 

ما أردنا بهذه المقالة إلاَّ أنْ نطرح هذا السؤال: هل قُدِّر على مصر أنْ تَضيعَ طاقاتُ ومواردُ وحياةُ أبنائها وفقًا لمخطَّطٍ مرسوم ومحدود من قِبَلِ القُوَى العُظمَى، وأن تسير في تنفيذ هذا المخطَّط تحت دعاوى الوطنية والقومية وغيرها؟ وإلى متى؟ وكيف السبيل إلى الخلاص منه؟ ألا تستحقُّ أنْ تكون هذه القضيَّة قضيَّةَ كلِّ علماء مصر وباحثيها، وقضيَّة كلِّ المصريِّين؟



[1] نشرت هذه الدراسة في العدد السادس من الكتاب السنوي لعلم الاجتماع تحت إشراف الأستاذ الدكتور محمد الجوهري.

[2] تحمل هذه الوثيقة عنوان، حرب (أكتوبر) وصدرت في باريس وعثرنا على نسخة مصورة منها بالقسم العربي بجامعة جورج تاون.

[3] Jonahan Samuel Lockwood, The U.S vew of the Soviet Strategic Docorine Ansaction Books, New Brunsuick, 1983, P.93.

[4] أنظر مقالتنا عن "التحليل السوسيولوجي للعلاقة بين الإستراتيجية العسكرية والبناء الاجتماعي"، تحت النشر.

[5] Bar Simon Yocov, The war of Attrition, The Egyptian-Israeli War 1969-1980.

[6] LockwoodJ. QP.Cit.P.71-75

[7] Ibid.P.93

[8] Yacov, op, cit, p.

[9] أكَّد العسكريون المصريون لوزير الخارجية المصرية أنَّ القوات المسلحة لن تستطيع احتلال الممرات فور العبور.

Riad, Mahmoud, The Struggle For Peace in The Middle East, Quartet Book. N.Y. 1982 P. 206.

[10] يقول إيرايل شارون: إن إسرائيل قوة عسكرية عظمى وإن كل قومية أوربية أضعف منها وأنها تستطيع في أسبوع واحد أن تكتسح المنطقة من الخرطوم إلى بغداد فالجزائر ويقول أيضًا. "في عالم تقف فيه القوى العظمى عاجزة عن التصرف بسبب القوة النووية المميتة، فإن إسرائيل وحدها هي التي لها القدرة على المبادأة في الشرق الأوسط وهي الحكم الفعال في المنطقة.

Insight Team on the Middle East War, By Andre Deute, The Insight Team of The Sunday Times Lonon. 1974. P. 27.

[11] تقول الوثيقة بصورةٍ مباشرة على لسان رئيس الأركان المصري في ذاك الوقت "قبل مرور شهرين على تعييني رئيسًّا للأركان العامة كنت قد أصبحت مقتنعًا بأنَّ معركتنا القادمة يجب أن تكون محدودة هدفها هو عبور قناة السويس وتدمير خط بارليف واحتلاله ثم اتخاذ أوضاع دفاعية بمسافة 10- 12 كم شرق القناة، (ص18).

[12] أكَّدت اللجنة الفرعية الأمريكية للشرق الأوسط في الفترة من 17- 24 نوفمبر 1973 برئاسة Samuel stration أنَّ وجود القوات المسلحة الإسرائيلية في الاحتياط يؤدي مع التعبئة الموسعة إلى التأثير بشدة على الاقتصاد القومي.

Report of the Special Subcomttee on The Middle East (H.A.S.C. No. 93-321) U.S. Government Priting Office 1973, P.9.

[13] أجمع المراسلون العسكريون البريطانيون في حرب أكتوبر على أنَّ القيادة السياسية المصرية لم تغير إستراتيجيتها؛ ألا وهي استخدام الحرب كوسيلة لكسر الجمود الدولي للأزمة ولإقناع القوى العظمى تمامًا بأنَّ الموقف في الشرق الأوسط سيكون خطيرًا جدًّا إذا بقي بلا حل أكثر من ذلك.

Insight Team, OP, P, 119CE

[14] M.G., A.H. Farror – Hockley, The October War in Elizabeth Monoroe and F. Hockley, Adeiphi Paper, N. 111. The Institute for Strategic Studies, London, 1975, P.30.

[15] انظر مقالنا "التحليل السوسيولوجي للدور السياسي للعسكريين".

[16] ورد في تقرير اللجنة الفرعية الأمريكية السابق الإشارة إليه أنَّ ما أعطاه السوفييت للعرب لم يكن معقدًا ومتطورًا، لكنه كان كثيرًا وأيدت القيادة السياسية المصرية صحَّة ذلك لأن الضباط المصريين الذين كانوا في الاتحاد السوفيتي ذكروا أنهم رأوا أسلحة أكثر تعقيدًا من ذلك ومن المعروف أن هذه اللجنة كانت عسكرية في المقام الأول ولم تكن دبلوماسية P.4، وأكد معهد الدراسات الإستراتيجية بلندن هذه الحقيقة بقوله: "لقد كان واضحًا منذ البداية هذا الاعتماد العسكري المصري على السوفيت وكانت السلطة السياسية المصرية تعلم تمامًا أنَّ الروس يمدونها بما تحتاجه من السلاح التقليدي ليجنبوها الهزيمة فقط.

Elizabeth Monoroc, OP.Cit. P.32.

[17] Report to the Congress, Airlift operations the Military command during the 1973 M.E. War By The comptroller general of the U.S., P.36.

[18] U.S. Secretary State H, Kissinger's Press conference Oct., 2, 1973, IDD, M.E,Q. – Arab Israeli Research, N. 1. Sun, 1, 1, P.45.

[19] Lawrecne Metcalf, "Crisis in World order, The Cold war and beyond, Random House. Institution of World order, N.Y., 1975 P.84.

[20] Ibid- 54-55.

[21] Shabatai, Tovet, Disregarding the clock, the cease-fire in Egyptian Syrian Political Achievement, In I.D.D.C Middle East Q, The Arab-Israeli Research and Related Projects no. 1 Jan 1974, P. 25.

[22] Amos Perlmiter. Polites and Mititary in Israel. 1967-1972 Frank Cross.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • اللغة النوبية ونصر أكتوبر

مختارات من الشبكة

  • النمسا: 150 يورو غرامة تغطية الوجه بدءا من أكتوبر القادم(مقالة - المسلمون في العالم)
  • الهند: مقتل 60 مسلما على يد الهندوس خلال أكتوبر الماضي(مقالة - المسلمون في العالم)
  • سريلانكا: أول مجموعة من الحجاج تغادر في السابع من أكتوبر(مقالة - المسلمون في العالم)
  • محاكمة "فيلدرز" المتهم بكراهية المسلمين تبدأ في أكتوبر القادم(مقالة - المسلمون في العالم)
  • المؤتمر الإسلامي الرابع لوزراء التعليم العالي يعقد في عاصمة أذربيجان أكتوبر القادم(مقالة - المسلمون في العالم)
  • دروس تربوية للأمهات المسلمات شرق سريلانكا(مقالة - المسلمون في العالم)
  • الأرجنتين: معرض الثقافة العربية والإسلامية في العاصمة بوينس آيرس(مقالة - المسلمون في العالم)
  • البعد الاقتصادي للحرب!!(مقالة - موقع د. زيد بن محمد الرماني)
  • أعلام في خدمة التراث الأندلسي: الأستاذ محمد مفتاح العمراني نموذجا(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الإمام السيوطي: عصره وبيئته ووظائفه(مقالة - موقع أ. د. محمد جبر الألفي)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب