• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / إدارة واقتصاد
علامة باركود

حوار مع الدكتور يوسف إبراهيم - مدير مركز الاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر

جمال سالم

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 17/1/2016 ميلادي - 6/4/1437 هجري

الزيارات: 8980

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

حوار مع الدكتور يوسف إبراهيم

مدير مركز الاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر


د. يوسف إبراهيم مدير مركز الاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر:

• انهيار الرأسمالية قادمٌ لا محالة لأنها قائمة على الربا والاحتكار.

• لا نهضة للأمة إلا باتباع توجيهات دينهم الاقتصادية التي يتجه الغربُ إليها الآن.

• مكافَحة الإسلام للفقر والفساد هي الأفضل، ولكن المسلمين بعيدون عنها، وهذه أدلتي.

• اتجاه البنوك التقليدية والأجنبية لافتتاح فروع إسلامية اعترافٌ بنجاحها.

• الاحتكار جريمة كبرى عَمِل الإسلام على استئصالها، والتسعيرُ واجب للمصلحة العامة.

• مبدأ "من أين لك هذا؟" أساسه عندنا، ولكننا تركناه لغيرنا فتخلفنا اقتصاديًّا.

• أحذِّر مِن ثورة الجياع في العالم في ظل افتقاد العدالة في توزيع الثروات.

 

أكَّد الدكتور يوسف إبراهيم مدير مركز الاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر أن انهيار الرأسمالية قادم لا محالة؛ لأنها تقوم على الرِّبا الاحتكار، ونصرة الأغنياء على حساب الفقراء، وأشار إلى أنَّ ابتعاد المسلمين عن تطبيق أوامر دينهم في مكافحة الفساد والفقر جعلهم في المؤخرة وأعاق التنمية، وحذر من ثورة الجياع في ظل افتقاد العدالة في توزيع الثروات في العالم، وخاصة في ظل العولمة التي تسعى إلى حصر 80 % مِن ثروة العالم في يد 20 % فقط، ودعا إلى تطبيق مبدأ "مِن أين لك هذا؟" الذي وضَع أسسه الإسلام، وأخذ به غير المسلمين فتقدموا، وتخلينا عنه فتأخرنا، وأوضح أن الدولة مكلَّفة شرعًا بجمع أموال الزكاة وتوزيعها بشفافية على مستحقيها.

 

وصَف أحد الرأسماليين الاقتصاد الإسلامي بأنه اقتصاد وضعي تمَّ تغليفه بتعاليم دينية، ولا اقتصاد في الإسلام، فما ردكم على هذا الزعم؟

د. يوسف إبراهيم: أسس الاقتصاد الإسلامي مُستمدَّة من الكتاب والسنة وما فيهما من القيم والضوابط، من خلال بيان الحلال والحرام الخاص بالأموال والمعاملات، وأهمها أن "المال مال الله، ونحن مستخلفون"، وهذا ما أكَّده الله تعالى في قوله: ﴿ آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾ [الحديد: 7]، وقوله سبحانه: ﴿ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ﴾، فلا بد أن يعتقدَ المسلم بأن الله إنَّما اسْتَخْلَفَهُ في المال وامتحنه به من حيث طرقُ جمعه وأوجُه إنفاقه، مع الإيمان بأن الله هو الخالق والملك والرزاق، فإذا استقرَّ هذا المفهوم في قلبه واستشعره في سلوكه كان حريصًا على طاعته في هذا المال، والأمر الثاني أن الله هو الغنيُّ ونحن الفقراء إليه؛ فقال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [فاطر: 15]، والمسلم الحق يعلم أنه مهما كان ذا مال فإنه فقير إلى الله سبحانه، فيَحمله ذلك على عدم الطغيان المادي.

 

تجارب تنموية:

ما هي أهم الأشياء التي تُمَيِّز التجارب التنموية الناجحة التي بُنِيَت على أساس اقتصادي إسلامي ولو بشكل جزئي؛ مثل: بنك الفقراء في بنجلاديش، وغيره من التجارب؟

د. يوسف إبراهيم: هناك تجارب كثيرة بُنِيَت على الاقتصاد الإسلامي، وأهم ما يُميِّزها تحيُّزها للفقراء، والرغبة في رفع المستوى المعيشي لهم، ففي بنك الفقراء في بنجلاديش يتمُّ تبنِّي فكرة الأُسَر المنتجة وتمويلها لتحويلها لمُنتجين عن طريق المشروعات الصغيرة، بل وتمليك العمال أدوات إنتاجية مختلفة، وهناك تجارب كثيرة في إيران والسودان، والقاسم المشترك بين كل هذه التجارب هو التحيُّز إلى جانب الفقراء، ولهذا يجب تكرار تجربة بنوك الفقراء في كل الدول الإسلامية وبصيغ مختلفة وبنفس الغاية النبيلة التي جعلت الاقتصاديين الغربيين يعترفون بنجاحها، بل ويُعطون محمد يونس مؤسس البنك جائزة نوبل.

 

معوقات داخلية:

ما المعوقات الداخلية التي تَحُول دون التحقق الكامل لوجود الاقتصاد الإسلامي على أرض الواقع؟

د. يوسف إبراهيم: من أهمِّ المعوقات: اللامبالاة التي تُظهرها الأنظمة في الدول العربية والإسلامية تجاه تطبيقه، مع أنها جربت تطبيق الرأسمالية عددًا من العقود، ولما اكتشفنا فشلها لجأت إلى الاشتراكية، وظهر لنا فشلها، وبدأت العودة لتطبيق النظام الرأسمالي، وكان من المفترض ومن منطلق عقلي بحتٍ وليس منطلقًا إيمانيًّا - أن نجرب مرة فكرة مُغايِرة لما قدمه لنا الفكر غير الإسلامي، ولكنَّنا لم نُحاول أن نتبنى الإسلام ولو على سبيل التجربة، والتي لن يضرُّنا شيء إذا قمنا بها، فقد فشلنا في الرأسمالية والاشتراكية، ولو فشلنا في التجربة الإسلامية لما كان في الأمر جديدٌ، لكن الجديد أنه ربما ننجح ونربح أنفسنا؛ إذ الحقيقة أن هذه الأمة لن يحرِّكها نحو العمل والتقدُّم إلا الفكر الإسلامي المشتق من العقيدة والشريعة، فالعقَبَةُ من داخلنا كأمة التخلي عن التبعية.

 

ولكنَّ الغرب لن يتركنا نُطبِّقها؛ لأن هذا يعني التخلِّي عن التبَعية له؟

د. يوسف إبراهيم: أعترف أن هناك عقبات خارجية؛ لأن المتحكمين في هذا العالم لا يُمَكِّنون مَن وَقَع تحت سيطرتهم من التخلص من هيمنتهم، ويتَّخذون من الوسائل ما يمنع تطبيق الاقتصاد الإسلامي، بالإضافة إلى قيام الدول الكبرى باستحداث أدوات ومنظَّمات دولية لتكريس الخضوع والتبعية؛ مثل: صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، وآخرها الاتجاه إلى العولمة، وأداتها منظمة التجارة العالمية التي تَستبيح كل شيء، وهدفُ أصحاب الفكرة جعلنا نَيْئَس من البحث عن سبل النجاح، أو العودة إلى الهوية وتحقيق الذات.

 

ومِن المؤسف أننا لم نُبدِ أية مقاومة للعولمة ولم نُفْلِحْ في الاستفادة من بعض الإيجابيات القليلة فيها، ومع هذا فإننا ينبغي ألا نفقدَ الأمل في التخلص من قيود التبعية، مع أن هذا لن يكون سهلاً، ولكن أدواته موجودة، وأهمها التكامل بين العرب والمسلمين، وإقامة السوق المشتركة، ومن أهداف الاقتصاد الإسلامي كفكرةٍ استعادة هُوية الأمة لتستعيد مكانتها، وتتخذ المواقف التي تخدم مصالحها وتدافع عن نفسها في مواجهة العولمة الشرسة، وإذا كنا لم نستطع اتخاذ مواقف مضادة لها، فإن للاقتصاد الإسلامي أسلحة للدفاع عن النفس ومواجهة العولمة الزاحفة.

 

مخاطر العولمة:

ما مخاطر العولمة المعاصرة التي فُرضتْ على العالم منذ التسعينيات (القرن العشرين)؟

د. يوسف إبراهيم: تقوم العولمة على تبنِّي نظرية أُطْلِقَ عليها نظرية20 - 80، وتعني أن 20% من سكان العالم يكونون بالقوة أغنياء، وأن 80% الباقون يُفْرَض عليهم الفقر، وتشمل الفئة الغنية سكان البلاد المتقدمة، وأفرادًا محدودين من البلاد الفقيرة، ويكون لهم ارتباط بالدول الكبرى، وعلى الفقراء تطبيق ما يُملَى عليهم من الأغنياء الذين هم الأقدرُ على تسيير أمر الكرة الأرضية؛ كأنهم "آلهة الكون"، ولهذا فإنَّ العولمة تعْمَل على زيادة الأغنياء ثراءً، في حين يزداد الفقراء فقرًا، كما تتبنى الرأي القائل: بشيء قليل من التغذية المخدرة بالإغراق بالتسلية ونشر الفوضى والخلافات - يُمكن السيطرة على الفقراء الذين يمثلون 80% من سكان العالم!

 

زيادة الفقراء:

في ظل تفشي الفقر في العالم وغالبية الفقراء من المسلمين، ما الفرق بين المعالجة الإسلامية والوضعية له؟

د. يوسف إبراهيم: من الأقوال الشائعة: إن الفقر من الأسباب الكبرى لحركة التاريخ؛ لأنه أحد الأسباب الرئيسية التي حرَّكت الثورات في المجتمعات، ووصل الأمر إلى أن كارل ماركس أشهر الاشتراكيين اعتبر أن تاريخ الإنسان هو تاريخ الصراع بين من يملك في مقابل من لا يملك؛ أي: بين الأغنياء والفقراء.

 

أما المعالجة الإسلامية له فهي مرتبطة بصحة العقيدة الاقتصادية، وما يرتبط بها من عبادات؛ مثل: فريضة الزكاة، والصدقة، والتخصيص الصحيح للموارد الاقتصادية، وحسن إدارة وترتيب الأولويات الاقتصادية بطريقة تتوافق مع أحكام الشرع.

 

تنمية بالزكاة:

حصر البعضُ أهداف الزكاة في محاربة الفقر فقط، فهل هذا الفهم صحيح؟

د. يوسف إبراهيم: ومن المعروف أن للزكاة مصارف ثمانية؛ منها مصرفان فقط يعملان على الفقر بشكل مباشر، وخاصة لغير القادرين على العمَل، ولهذا فنحن مأمورون شرعًا بالعمل الذي يُعَدُّ عبادةً يثاب عليها الإنسان، ما دام أن العمل في أنشطةٍ حلال، مما يؤدي لزيادة الإنتاج للقضاء على الفقر، ومن ثم فإن الإسلام يتبع مبدأ "الوقاية خير من العلاج"، عن طريق منْع ظُهور الفقر في المجتمع بمحاربة أسبابه، وما يتبقى فهم الفقراء غير القادرين على العمل الذين شُرعت الزكاة مِن أجْلهم، ولم يسجل التاريخ أنه تم القضاءُ على الفقر في أي أمةٍ مثلما تم في المجتمع الإسلامي في عصر عمر بن عبدالعزيز، إذ شَهِد تاريخُ المسلمين حدثًا له أهميته في موضوع الفقر عندما جمعت الزكاة ولم يجد فقراء يأخذونها بعد أن تم الاكتفاء!

 

ولهذا يسعى الإسلامُ إلى وجوب تحقيق حدِّ الكفاية لكل إنسان في المجتمع، ويدعو الإمام النوويُّ إلى أن يُعطَ الفقير والمسكين ما ينقله من الفقر إلى الغنى، دون أن يعود فقيرًا مرة أخرى، والزكاة يمكن أن تقودَ إلى التقدم الاقتصادي، وأن تحقق للمجتمع التنمية الاقتصادية إذا فُهِمَت على حقيقتها كما أرادها الله أداة للإنتاج ووسيلة للتقدم.

 

دليل نجاح:

لجأتْ بعضُ البنوك التقليدية إلى إنشاء فروع للبنوك الإسلامية، رغم عدم إيمانها بالفكرة، فما تفسيركم لهذا التناقُض؟

د. يوسف إبراهيم: هذا أكبرُ دليل على التطبيق الناجح للاقتصاد الإسلامي في البنوك الإسلامية، وهذا ما دفَع البنوك غير الإسلامية في كثيرٍ مِن البلاد لفَتْح فروع إسلامية للاستفادة من شدة الإقبال الجماهيري في مختلف الدول، وقد يكون هذا ليس نابعًا عن اقتناع، وإنما هو نوع من قراءة الواقع والاستفادة مما فيه، وقد يفسر البعض ذلك بأنه نوع من الانتهازية والخداع والتحايل، ومن الغريب أنه بالرغم من التقدم الاقتصادي الذي يعيشه الغرب حاليًّا، فإنه يُعاني من الاختلال في الموازنات العامة، وانتشار الفقر بسبب عدم عدالة التوزيع؛ لأن الغرب يقوم في سياسته الاقتصادية على مبادئَ أهمها: العلمانية والمادية التي تجعل اللذة الحِسِّية هي أساس العيش والأنانية المفرطة.

 

مفهوم قاصر:

لماذا يتبادر إلى الذهن أنَّ الاقتصاد الإسلامي يقتصر على الزكاة التي تُقَدَّم للفقراء لحمايتهم مِن سطو الأغنياء، فما أهمية الزكاة في هذا النظام؟ وكيف يتم تفعيلها؟

د. يوسف إبراهيم: لا شك أنَّ الزكاة ركنٌ أساسي من أركان الاقتصاد الإسلامي، وإحدى الوسائل التي تُستخدم في تحقيق أهدافه، ولكن الاقتصاد الإسلامي أوسع بكثير جدًّا مِن قضية الزكاة، فمثلاً له موقفه الواضح المحدَّد من الإنتاج والاستهلاك والاستثمار والتوزيع وشتى القضايا الاقتصادية، بل إن كثيرًا من الأفكار الاقتصادية التي وصل إليها الاقتصادُ الوضعيُّ قد سبق إليها المسلمون بقرون.

 

جمع الزكاة:

اختلفت الدول الإسلامية في التعامل مع الزكاة؛ من حيث الجمعُ والتوزيع، فأيهما أفضل: أن تجمع الدولة الزكاة وتوزعها؟ أو تتركها للحرية الشخصية؟

د. يوسف إبراهيم: من الناحية الشرعية واجب على ولي الأمر جمع الزكاة وتوزيعها بأمانة على مستحقيها، وألا يقتصرَ على التوزيع التقليدي، وإنما يمكن استخدامها في إنشاء مشروعات تنموية لتشغيل الفقراء، مما يقضي على الفقر، ويوفر فُرَص عمل، ويزيد الإنتاج، ويكفي أن نذكر أنه في خلافة أبي بكر الصديق أعلنت الدولة الحرب على مانعي الزكاة، وهذه أول مرة في التاريخ يثبت فيها أن الدولة حاربتْ وقاتلتْ بجيوشها من أجل فريضة الزكاة التي تُسهم في القضاء على الفقر؛ ولهذا فإن الحرب على مانعي الزكاة يجب أن تقعَ عندما يَمْنَع الأغنياءُ حُقوق الفقراء في الأموال التي استخلفهم الله عليها، وهي الزكاة، ولا يترك الأمر للحرية الشخصية؛ لأن الإنسان بطبعه يُحب جمع المال، ويكره إنفاقه على غيره، وخاصة لمن لم تترسخ في نفوسهم فريضة الزكاة.

 

الحرية الاقتصادية:

يزعُم هؤلاء أن الإسلام يُقَيِّد الحرية الاقتصادية والملكية، فهل هذا صحيح؟

د. يوسف إبراهيم: بالعكس الإسلامُ مع الحرية الاقتصادية المنضبطة، على عكس الرأسمالية التي تقوم على الحرية المنفلتة والمطلقة، ويرفض كذلك الدكتاتورية الاقتصادية كالاشتراكية، وبالنسبة للملْكية يشجع الإسلام الملْكية المزدوجة؛ أي: الخاصة والعامة، ويرفض أن تكون الملْكية عامة بصفة أساسية كما في الاشتراكية، أو ملكية خاصة كما في الرأسمالية، ولهذا فإنه يتسم بالوسطية والتوازن، ورفض المغالاة أو التضييق.

 

ندرة الموارد:

يقوم الاقتصاد الوضعيُّ على مبدأ نُدرة الموارد، وهذا لا بد من المحافظة عليها وتقليل الإنجاب؛ حتى لا تحدث مجاعات، فما موقف الاقتصاد الإسلامي من تلك القضية؟

د. يوسف إبراهيم: يقوم الفكرُ الوضعي على ندرة الموارد ولا نهائية الحاجات، على عكس الاقتصاد الإسلامي الذي يؤمن بوفرة الموارد، ومن ثَم إمكانية تحقيق حد الكفاية لكل إنسان؛ لأن موارد الله خلقها للجميع لتكفيهم جميعًا؛ فقال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ﴾ [البقرة: 29]، وقال أيضًا: ﴿ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ ﴾ [فصلت: 10].

 

الزيادة السكانية:

يرتبط بتلك القضية موضوع الزِّيادة السكانية، فما الاختلاف بين النظرة الإسلامية والوضعية إليها؟

د. يوسف إبراهيم: نظرية مالتس في السكان التي تتأسس على أن الموارد الاقتصادية غير كافية لتوفير الغذاء للبشر، ولهذا لا بد من التخلص من الزيادة بـ"وسائل سالبة"؛ لِمنع وصول بشر جدد بتحديد النسل، وكذلك بـ"وسائل موجبة"، التي يتم بها التخلص من جزء من البشر الموجودين ولو عن طريق الحروب والأوبئة والمجاعات، مع التأكيد على منع إعطاء إعانات للفقراء؛ ولهذا فإنَّ الاقتصاد الوضعي يتبنى الرأي القائل: "الخير للفقير أن يموت جوعًا"، وهذا ما يرفضه الإسلام حيث يقول تعالى: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [هود: 6].

 

إعادة ترتيب الأولويات:

ماذا تتوقع أن يحدثَ مِن تغير في حياة المسلمين إذا طبقوا الاقتصاد الإسلامي؟

د. يوسف إبراهيم: لو طَبَّقه المسلمون لتغيرت كثير من أمور حياتهم إلى الأفضل، ليس من خلال تطبيق الزكاة فقط، بل من خلال تمويل المشروعات بعيدًا عن التمويل بالربا الذي يستبدل أنواعًا من التمويل المباح إسلاميًّا والاستثمار في المجالات الحيوية المهمة استنادًا إلى الترتيب الذي وضعته الشريعة بتقديم الضروريات على الحاجيات، وتقديم الحاجيات على الكماليات، فلا يُعقل أن تمتلئ الأسواق بالسلع الكمالية مثلاً بينما هناك نقص في المساكن ووسائل المواصلات والتعليم والصحة.

 

فالاقتصاد الإسلامي يهتم بجميع المجالات؛ مثل: الاستثمار والادخار، والإنتاج والاستهلاك، وتحريم الإسراف والتقتير، والدعوة إلى التوسط والاعتدال؛ تطبيقًا لقوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾ [الفرقان: 67]، ويقول الفاروقُ عمر بن الخطاب للعاملين على الزكاة: "إذا أعطيتم فأغنوا".

 

جهل المسلمين:

ألا ترى أنَّ مِن أسباب جَهْل كثير مِن المسلمين بعظمة التعاليم أو التوجيهات الاقتصادية لدينهم أنهم لم يدرسوا ذلك في المدارس أو الجامعات؟

د. يوسف إبراهيم: رغم نجاح الجانب التطبيقي للاقتصاد الإسلامي في ميدان البنوك وشركات التمويل، فأيضًا مطلوب النجاح نفسه في الميدان الأكاديمي بإنشاء أقسام للاقتصاد الإسلامي في جامعاتنا، ومعاهد مستقلة له، وأن يكون ضمن المناهج في مدارسنا بل والكليات ذات الصلة به؛ مثل: التجارة والشريعة والقانون.

 

تجربة عملية:

ما هي الأشياء التي تنقصنا نحن المسلمين حتى يكون لدينا تجربة اقتصادية متكاملة؟

د. يوسف إبراهيم: الذي ينقصنا كي تكون لنا تجربة اقتصادية متكاملة هو الإرادة، وإذا ظللنا نجري وراء الأفكار المستوردة فلن نستطيع أن نفعل شيئًا، ورحم الله مالك بن نبي الذي يقول: "إن الأمة التي لا تنتج أفكارها لا تستطيع أن تنتج المنتجات اللازمة لحياتها، ولن تتشيد نهضة بأفكار مستوردة"، فلا بد إذًا من العودة إلى هويتنا الإسلامية، والتمسك بالإسلام والقيم الأخلاقية والإيمانية، وعدم الأخذ فقط بالنموذج الغربي المادي الذي يهمل المفهوم الخلقي والإيماني لتحقيق التقدم الاقتصادي.

 

شبهة مرفوضة:

ما رأيكم في الشبهة التي تثار حول البنوك الإسلامية، وأنها فقط واجهة لإجراءات وأعمال ربوية غير علنية؟

د. يوسف إبراهيم: البنوك الإسلامية تعمل في بيئة معادية، وفي مثل هذه البيئة من المتوقع أن تطلق الاتهامات جُزافًا، والبنوك الإسلامية تخضع لرقابة شرعية من علماء موثوق بهم، ولا يُعقل أن تكون ستارًا لتعاملات ربوية في ظل هذا الإشراف من قبل اللجان الشرعية الموثوق بها.

 

ركوب الموجة:

يري البعض أن إقبال الغرب على المصرفية الإسلامية نوع من ركوب الموجة، واستغلال نجاحها لتحقيق مصالحهم، فهل هذا صحيح؟

د. يوسف إبراهيم: حتى لو كان الهدف من شدة إقبالهم الربح فهي ظاهرة صحية، ودليل على نجاح البنوك الإسلامية، ولأنه في الواقع الطريق الصحيح للاستثمار والتنمية، فهدف هؤلاء تعظيم الربح، وارتفاع سقفه، فهم يرون أن طريق الاقتصاد الإسلامي هو الطريق الصحيح الذي ينبغي أن يسار عليه، وهو اعتماد أسلوب المشاركة بعدة أساليب المضاربة والمشاركة وغيرهما من صيغ الاستثمار الشرعية والتمويلية، عن طريق عقد السلم وعقد الاستبضاع والمرابحة، ويكفي أن نذكر أن خسائر دول الخليج وحدها أكثر من 500 مليار دولار كانت كفيلة بتخفيف معاناة شعوبنا!

 

ولهذا فإن الفرصة الآن سانحةٌ ليقدم الاقتصاد الإسلامي نفسه للعالم كله، ويقدم صورةً مثاليةً يراها الناس واضحةً خاليةً من كل هذه المشكلات التي خلَّفتها الأنظمة الاقتصادية المختلفة، ومن خطورة انتقال الأزمة المالية العالمية من الاقتصاد النقدي إلى الاقتصادي العيني، وهو ما يؤدي إلى توقف المصانع وانتشار البطالة.

 

أسباب الأزمة:

كيف تقرأ الأزمة المالية العالمية من منظور إسلامي واقتصادي؟

د. يوسف إبراهيم: أسبابها هي مخالفة الإسلام، وطرق علاجها هي العودة للإسلام، ومن الناحية الاقتصادية تكمن أسبابها الرئيسية في الرهن العقاري والمشتقات والبيع على المكشوف، وما إلى ذلك من بيوع وهمية تؤدي إلى خلق نقود أكثر من اللازم، فيؤدي هذا إلى انهيار البنوك والشركات الكبرى، وبعض من العلاج الذي قدمه متخذو القرار في الولايات المتحدة أخذوه عن الإسلام؛ حيث خفضوا سعر الفائدة، وهم الآن يعترفون أن رفع سعر الفائدة ضار جدًّا بالاقتصاد، وهذا ما تنص عليه تعاليم الإسلام عندما حرَّمت سعر الفائدة، يقول تعالى: ﴿ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 279]، والفائدةُ في الإسلام هي الربا وهي محرمة، والإسلام عندما جعل القرض بغير فائدة يحميه أكثر مما تحميه الآن الفائدة، والقرض في الإسلام مضمون بنسبة 100 % لا يمكن إطلاقًا أن يضيعَ قرض على صاحبه، والمخاوف الآن تكمن في تفاقم الأزمة المالية العالمية، وتنتقل من الاقتصاد النقدي إلى الاقتصاد العيني، فتتوقف المصانع وتنتشر البطالة.

 

أخطاء الرأسمالية:

رغم الأزمة المالية الطاحنة إلا أن كثيرًا من الاقتصاديين في الغرب يؤكدون أن الرأسمالية قادرة على تصحيح أخطائها، وبالتالي لا حاجة لها إلى اقتصاد آخر مثل الاقتصاد الإسلامي؟

د. يوسف إبراهيم: في المقابَل اعتَرَف بعض مشاهير الاقتصاديين الغربيين أن الاقتصاد الإسلامي هو الحل، ويكفي أن عملاقة الاقتصاد في الشرق والغرب على حد سواء رأوا أن تخفيض الفائدة إلى الصفر هو الحل للأزمة الحالية، بمعنى آخر إلغاء الربا الذي حرمه الإسلام، ومن المعروف أنه لا رأسمالية بلا ربا.

 

الأزمة المالية:

ألا ترى أن اتخاذ تلك الأزمة فرصة لتوضيح تعاليم الإسلام في التعاملات الاقتصادية المختلفة مسؤولية خبراء الاقتصاد الإسلامي؟

د. يوسف إبراهيم: هذا صحيح، علينا فعلًا اتباع كافة السبل والوسائل المتنوعة لكي ننقل للعالم مبادئ وتعاليم ليس الاقتصاد الإسلامي فقط، بل الشريعة الإسلامية؛ لأن الغرب يجهل شريعتنا لتقصيرنا وتهاوننا في تبليغها ونشرها، والطرق الآن متاحة وخصبة لكي نقدم اقتصادنا الإسلامي بصورة يقبلها الناس، ولكي يتعرف الغرب على الإسلام.

 

انهيار الرأسمالية:

إذا كنا نقول: إنه لا بقاء لنظام اقتصاديٍّ وضعي لأن يحمل في داخله عوامل انهياره، فلماذا انهارت الاشتراكية بسرعة وما زالت الرأسمالية باقية رغم تعثرها؟

د. يوسف إبراهيم: لا فرق بين الشيوعية والرأسمالية، فكلاهما نظام ماديٌّ بحت، فالاشتراكية كانتْ قمة المادية، ولهذا انهارتْ قبل الرأسمالية الأقل منها في المادية، فمثلاً الاشتراكية لم تكنْ تسمح بالانتقاد، ومن ثم لم تتمكَّن مِن إصلاح نفسها، على عكس الرأسمالية التي بها ميزة السماح بالانتقاد، ولهذا استمرت لمدة أطول، مع أنني أؤكد أنه لا بد من انهيارها مهما طال الزمن؛ لأن الله قال: ﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا ﴾ [البقرة: 276]، فكلُّ اقتصاد قام على الربا لا بد أن يُمحقَ ويُمحى من الوجود.

 

ومن المعروف أن هناك جناحين للرأسمالية: الربا والاحتكار، ولهذا فمن غير المتصور أن يتم التخلي تمامًا عنهما رغم توصل العقلاء منهم إلى ما دعا إليه الإسلام مِن أنهما رذيلتا الاحتكار!

 

أبشع الاحتكار:

ما دام أن الاحتكار رذيلة فكيف حاربه الإسلام حتى تكون الحياة الاقتصادية آمنة؟

د. يوسف إبراهيم: لَم يكتفِ بتحريم وتجريم الاحتكار المباشر، بل حرَّمَ الطرق التي تؤدي إليه، فقال صلى الله عليه وسلم: ((مَن احتكر فهو خاطئ))، وجعل أبشع الاحتكار ما يتعلق بأقوات الناس ومعيشتهم، ويقصد به حبس السلع التي يحتاج إليها الناس عن التداول في الأسواق حتى يرتفع ثمنها، فقال صلى الله عليه وسلم: ((مَن احتكر طعاما أربعين يومًا فقد برئ من الله وبرئ الله منه))، إلى هذا الحد حارب الإسلام الاحتكار.

 

مغالطة المحتكرين:

ولكن المحتكرين يؤكدون أنه لم تَرِدْ عقوبة دنيوية للمحتكر، والأمر متعلق بالآخرة فقط، فهل هذا صحيح؟

د. يوسف إبراهيم: هذه مغالطة لتبرير جريمة الاحتكار التي يقوم بها القاسية قلوبهم عبر العصور، ولهذا أكد الفقهاءُ أن على الحكومة الإسلامية مراقبة السوق وتطهيره من المحتكرين عن طريق الحسبة، وهذا ليس اختيارًا، ولكنه من واجبات ولي الأمر، الذي عليه سن تشريعات قانونية دنيوية تتماشى مع التحريم والتخويف من العقوبة الأُخرَوِيَّة، فإذا كان في السوق محتكرٌ يجب على ولي الأمر إخراجه إن فشل في إجباره على الإقلاع عن ذلك، وإذا خاف الضرر على العامة أجبر، بل أخذ منه ما احتكره وباعه وأعطاه المثل عند وجوده أو قيمته مراعاة المصلحة، وهو من قبيل السياسة الشرعية.

 

التسعير لمواجهة الاحتكار:

ولكن هناك مَن يرون أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن التسعير وترك الأمر للسوق؟

د. يوسف إبراهيم: هذه مقولة حق يراد بها باطلاً عند المحتكرين؛ لأنَّ مَصْلَحة الناس إذا لم تتم إلا بالتسعير سعر عليهم ولي الأمر تسعيرًا عادلاً، ولا ينبغي لولي الأمر أن يسعر على الناس إلا إذا كان هناك ضررٌ بالمصلحة العامة، وهي مقدمة في الإسلام على الفرد مهما كان شأنُ الجماعة والفرد، وما يقال غير هذا يُعَدُّ مغالطة لتبرير جريمة الاحتكار التي يقوم بها القاسية قلوبهم عبر العصور.

 

الفساد والتنمية:

تعاني جميع الدول المتقدمة والنامية من الفساد الاقتصادي، فما هي آثاره السلبية على مسيرة التنمية في العالم الإسلامي؟

د. يوسف إبراهيم: هناك تعريفات مختلفة للفساد، لعل أهمها: استخدام الوظيفة العمومية لتحقيق مكاسب شخصية، وسوء استخدام الوظيفة العامة للحصول على كسب خاص، واستخدام المنصب العام لغايات شخصية، وتسخير الموارد العامة للمنفعة الخاصة.

 

ومن الناحية الشريعة فإن الفساد الاقتصادي هو كل معاملة محرمة شرعًا؛ سواء كان الفساد على المستوى الفردي أو الجماعي، ويعوق الفساد النمو الاقتصادي من خلال استخلاص الريع والاستئثار بالفائض الاقتصادي مما يؤثر سلبًا على هذا النمو، مع وجود علاقة عكسية بين الفساد والاستثمار يكون له آثار سلبية على النمو الاقتصادي، والفساد يثبط الاستثمار الأجنبي، ويخفض الموارد المتاحة للهياكل الأساسية للعملية الإنتاجية والخدمات العامة وبرامج محاربة الفقر، ويعيق الفساد المؤسسات السياسية من خلال إضعاف شرعيتها وإمكانية محاسبة الحكومات، وباختصار فالفساد هو المعوق الأول للتنمية المستدامة، ومعوق أول لتخفيض الفقر والأداء الحكومي الجيد.

 

نحن الأكثر فسادًا:

من المؤسف أن الدول العربية والإسلامية تحتل المقدمة في قائمة الدول الأكثر فسادًا، والأقل شفافية، وذلك لغياب الرؤية الإسلامية في مكافحة الفساد، فكيف حاربه الإسلامُ؟

د. يوسف إبراهيم: يُعد العلاج الإسلامي للفساد هو الأفضل في تاريخ البشرية، ولهذا اختلفت درجة التقدم الاقتصادي للأمة بقدر وعيها وتطبيقها للدين في محاربة الفساد بكل صوره، وخاصة الاقتصادي، ولهذا نجد القرون الأولى للإسلام هي الأفضل في معدلات النمو الاقتصادي؛ لأن ولاة الأمور كانوا يحسنون اختيار الأكفأ في كل الواقع دون محاباة، وهو ما نطلق عليه التخصيص الأمثل للموارد البشرية؛ حيث يكون المعيارُ هو الصلاح والكفاءة، وهذا ما طبقه الرسول عندما جاء إليه أبو ذر الغفاري، فقال: قلت يا رسول الله، ألا تستعملني؟ قال: فضربني بيده على منكبي، ثم قال: ((يا أبا ذر، إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها))؛ ولهذا فإن الإسلام يعطي تقديرًا خاصًّا للموارد البشرية النادرة نسبيًّا، وحسن استغلالها، مما يجعل المجتمع الإسلامي يحقق أعلى إنتاجية، وللأسف فإن انحراف المجتمع الإسلامي الفعلي المعاصر عن ذلك أدى إلى انخفاض مستوى إنتاجية عناصر الإنتاج، وبمقدار الانحراف وانتشار المحاباة والمجاملة في إسناد الوظائف وتخصيص الموارد وتوزيع الدخول تكون درجة التخلف.

 

ويحث الإسلام على المساواة بين الأجر والإنتاجية، حتى لا يكون هناك إثراء بلا سبب وغبن في الأجر، ولهذا فإنه عندما يعرف الفرد مقدمًا أن الأجر الذي سيتقاضاه يعادل إنتاجيته الحقيقية، يعمل بهدف زيادة أجره.

 

وأقر الإسلام مبدأ المحاسبة للعمال وسؤالهم عن مصدر هذا المال؛ حيث إن ثروة الفرد في الإسلام إما أن تأتي من الإرث، أو مدخراته المتراكمة، أو العمل.

 

غياب الرقابة الداخلية:

ألا ترى أن كثيرًا من المسلمين الآن لا يخشون الله، بل إنهم يخافون القانون والخلق أكثر من الله، مما أدى إلى تفشي الفساد بكل صوره؟

د. يوسف إبراهيم: من المؤسف أن هذا صحيح، وذلك للبُعد عن الدين؛ لأن الدين جعل الرقابة الداخلية لدى المسلم متَمَثِّلةً في ضميره الحي المرتبط بالله في كل أموره الظاهرة والباطنة، وإدراكه التام لرقابة الله له في السر والعلن؛ لأنه القائل: ﴿ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ﴾ [الزخرف: 80]، وقوله أيضًا: ﴿ وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ [الملك: 13]، فهذا الشعورُ يَدْفَعُ المسلم إلى البُعد عن الفساد أيًّا كان نوعه، وإن غاب عن أعيُن الناس أو السلطة وأجهزة الأمن؛ لأنه يدرك أنه مراقب من خالقه الذي يحاسبه على أعماله السرية والجهرية، وعليه فإن هذه الرقابة تعتبر أسلوبًا وقائيًّا هامًّا في النظام الإسلامي لمكافحة الفساد، وهذا ما لم تركزْ عليه السياسات الوضعية.

 

صلاح الراعي والرَّعية:

إذا صلح الراعي صلحت الرعية، فكيف يكون ذلك في المجال الاقتصادي؟

د. يوسف إبراهيم: يُعد ولي الأمر هو القدوة للرعية، وبيده يكون صلاحها أو فسادها، وإذا نظرنا إلى عهد الخلفاء الراشدين سنجد أنهم لم تؤثر فيهم المحاباة والمجاملة والإسراف في استخدام موارد المجتمع الإسلامي، ولهذا كانت الموارد الاقتصادية المتاحة للمجتمع تخصص في أفضل استخدام لصالح الرعية، ولهذا حققت الدولة الإسلامية في عهودها الأولى أعلى معدلات النمو الاقتصادي، فهذا عمر بن الخطاب يحاسب الولاة حسابًا شديدًا، ويحصى ثرواتهم قبل العمل وأثناء العمل، فإذا ظهرت زيادة غير مبررة بسبب غير مشروع أخذها منه وردها إلى بيت المال، وقد فعل ذلك لأنه رأى الرسول يحاسب عماله ويناقشهم، فقد روى عنه أنه استعمل رجلًا على الصدقة، فلما جاء قال: هذا لكم وهذا أُهدي إليَّ، فقام عليه الصلاة السلام خطيبًا، وقال: ((ما بال العامل نبعثه فيجيء فيقول: هذا لكم وهذا أهدي إلي؟ ألا جلس في بيت أمه أو أبيه فينظر أيهدى له أم لا، لا يأتي أحد منكم بشيء من ذلك إلا جاء به يوم القيامة إن كان بعيرًا فله رغاء، أو بقرة فلها خوار، أو شاة...، اللهم هل بلغت، اللهم فاشهد)).

 

رعاية غير المسلمين:

لم يهمل الاقتصاد غير المسلمين الذين يعيشون في المجتمع الإسلامي، رغم ما يوجه لديننا من انتقادات بأنه ينظر لغير المسلمين على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية، فما ردكم على هذا الزعم؟

د. يوسف إبراهيم: الرد يحتاج إلى مجلدات نظرًا لأنَّ التراث الإسلامي حافل بالنماذج التي ترد على هذه الأكاذيب، فسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم مليئة بذلك، وهو القدوة التي جعلت الفاروق عمر عندما يمر بشيخ من أهل الذمة يسأل على أبواب الناس، فقال: ما أنصفناك إن أخذنا منك الجزية في شبيبتك، ثم ضيعناك في كبرك، ثم أجرى له من بيت المال ما يصلحه، ونفس السلوك فعله خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبد العزيز حين كتب إلى عُدي بن أرطاةَ والي البصرة بوصية قال فيها: "وانظر من قلبك من أهل الذمة من كبرت سنه وضعفت قوته، وولت عنه المكاسب، فأجرِ عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه".





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • حوار مع ليندا "إلهام" بارتو حول شهر رمضان
  • حوار مع برانون ويلر حول مخطوطات القرآن الكريم
  • حوار مع " بول موجز " حول الحوار بين المسيحيين والمسلمين
  • حوار مع د. أحمد بابكر: الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدولي
  • حوار مع الدكتور صابر عبدالدايم - عميد كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر
  • حوار مع الدكتور محمد حمدي يوسف سباهتشي مفتي صربيا ورئيس مجلس علمائها
  • حوار مع د. عبدالحكيم محمد الشاكر - مستشار مفتي دولة جزر القمر
  • حوار مع البروفيسور كريستيان لانج حول الجنة والنار في القرآن الكريم

مختارات من الشبكة

  • حوار مع الدكتور رفعت العوضي رئيس قسم الاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الحوار المفقود (تأملات في الحوار من خلال سورة يوسف PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الإعلام الإسلامي في حوار مع الدكتور إبراهيم إمام(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • حوار "المركز العربي للدراسات والأبحاث" مع المؤرخ الإسلامي الدكتور عبد الحليم عويس(مقالة - موقع أ. د. عبدالحليم عويس)
  • حوار مع الدكتور عبدالرحمن بودرع أستاذ اللسانيات وتحليل الخطاب بجامعة عبدالمالك السعدي بتطوان(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • حوار مع الدكتور ياسر نصر مدرس الأمراض النفسية بجامعة القاهرة(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • حوار مع الدكتور إسماعيل كمارا - الداعية الإسلامي العاجي وإمام المسجد الكبير ببواكيه(مقالة - المسلمون في العالم)
  • حوار مع الأستاذ الدكتور: مصطفى حلمي حول مستجدات الأمور في العالم الإسلامي(مقالة - موقع أ. د. مصطفى حلمي)
  • حوار مع الدكتور إبراهيم سالم أبو محمد مفتي أستراليا(مقالة - المسلمون في العالم)
  • حوار مع الأديب الشاعر الدكتور حيدر الغدير (4)(مقالة - حضارة الكلمة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب