مهارة إدارة الأسرة ماليا ونفسيا

مهارة إدارة الأسرة ماليا ونفسيا

تُعَد الأسرة في الإسلام عمودَ المجتمع، وركيزته الأساسية التي يقوم عليها، والتي إن استقامت استقام المجتمع كله، وإن اعوجَّت أو مرِضت، تداعى لها المجتمع عن بكرة أبيه؛ فصلاح الأسرة الصغيرة من صلاح المجتمع الكبير بلا أدنى شك؛ فإن الأسرة بمثابة الصرح الإداري الكبير الذي يتألَّف من العديد من الإدارات التي يحتاج كلٌّ منها لمتخصص لديه فنون إدارته؛ كي يصلَ هذا الصرح في نهاية الأمر إلى أهدافِه المنشودة، وإلى غايته العُظمى، والتي تتمثل - في الإسلام - في إصلاح شأن هذا الكيان، وما يترتب عليه بالضرورة من إصلاح شأنِ المجتمع كلِّه.

ومن خلال وضوحِ هذا الدور البارز في الإسلام يتبيَّن لنا مدى أهمية إدارة الأسرة، والتي تعني حُسن أداء العمل داخل الأسرة، وحُسن توزيع المهام بين أفرادها، كل على حسب قدراته ومهاراته، وإذا ما نظرنا إلى تعريفِ الإدارة في الاصطلاح سنجد أنها تعني تنظيمَ وتوجيه الموارد البشرية والمادية لتحقيق أهداف مرغوبة، والحديث عن إدارة الأسرة في الإسلام يراد به إدارتها من كافة النواحي، وإدارتها نفسيًّا وماليًّا، ولعل إدارةَ الأسرة ماليًّا من أهم الأدوار التي يجب تنظيمُها داخل الأسرة؛ لِما يترتب عليها من نتائجَ كثيرة، فكلما كانت الأسرةُ مدارةً ماديًّا بشكل جيد، وبشكل يجعلُها بعيدة عن الوقوع في براثن الدَّين، كانت الأسرةُ لديها القدرة على تسييرِ كافة أمورها الأخرى بشكل جيِّد ومنظَّم.

وفي هذا الصدد يقول الدكتور محمد الششتاوي، الاختصاصي الاجتماعي:

إن هناك أمورًا ينبغي أن يراعيَها ربُّ الأسرة حتى يتمكنَ من إدارة أسرته بشكل صحيح، وتتمثل أهمُّ هذه العواملِ في اللجوءِ إلى الله سبحانه وتعالى، والمواظَبة على التضرُّع إليه عز وجل بالدعاء، واتِّباع منهج الأنبياء في ذلك.

وأضاف "الششتاوي":

إنه من العوامل التي تساعد على الإدارة الصحيحة للأسرة أيضًا: أن يحرصَ الإنسان دائمًا على الابتعاد عما يُغضِبُ اللهَ عز وجل، وأن يكون البيتُ خاليًا من أي شيءٍ يُغضِب اللهَ من آلات اللهو والموسيقا ونحوها، مشيرًا إلى ضرورةِ أن يكون الإنسانُ قدوةً حَسنة بين أفراد أسرته، وأن يكون خيرَ مثال يقتدون به في كلِّ شيء؛ لأنه بأخلاقه يستطيع أن يغرسَ في أبنائه وأفراد أسرته ما لا تستطيع المدارس والمؤسَّسات التعليمية أن تغرِسَه في الأطفال والطلاب، هذا إلى جانبِ إنشاء حلقات العلم والقرآن داخل البيتِ، وتلقين الأبناء وأفراد الأسرة العلومَ النافعة التي قد لا يدرُسُونها في مدارسهم؛ لأن في ذلك كثيرًا من الخير.

وأكد الاختصاصي الاجتماعي، على أهميةِ توافُر عامل التوازن داخل الأسرة، وأن يكون ربُّ الأسرة متوازنًا في كافة تصرُّفاتِه مع جميع أفراد الأسرة، سواء تمثَّل ذلك في مدح أو نقد، أو رضا أو غضب، وأن يُخرج دائمًا عواطفه الصادقةَ عند تعامله مع أفراد أسرته، وإظهار حبه لهم مهما كانت درجةُ انشغاله، مشيرًا إلى أن كثيرًا من الناس يُهمِلون جانبَ المرَحِ مع أبنائِهم وأسرتِهم، وهو أمرٌ يجب أخذُه بعين الاعتبار، ولا بد من توفيرِ بعضٍ من الوقت الذي يقضيه في المرَحِ والترفيه مع أفراد أسرته، ولكن مع ضرورة أن يكونَ هذا الترفيهُ في إطار المباحات التي لا يحرِّمُها الله.

وشدد "الششتاوي" أيضًا على ضرورة أن يسعى الإنسان بشكلٍ دائم إلى تطوير نفسِه في هذا المجال، وأن يقرأ كثيرًا في فنون إدارة الأسرة، وأن يتردد بشكلٍ دائم على المواقع التي تهتم بهذه القضية، مؤكدًا على أن القراءة والاطِّلاع وحدهم لن يحقِّقوا الإدارة الصحيحة للأسرة، وإنما يتوجَّبُ معهما البَدْءُ في التطبيق الفِعلي لكل ما يقرَؤه الإنسانُ.

وعن إدارة الأسرة ماليًّا تقول الدكتورة منى يونس - الخبيرة الاجتماعية -:

إن الأسرةَ تُعتبر كيانًا إداريًّا، يجب أن تكونَ له خططه التي تساعد على إدارتِه بشكلٍ ناجح على كافة النواحي والأصعدة، وإن الإدارة المالية تُعَدُّ أهمَّ الإدارات التي يتشكَّل منها هذا الكيان، والتي يجب أن يتمَّ وضعُ تصور كامل لها داخل الأسرة، خاصة في ظل ما نراه الآن من حياةٍ معقَّدة يشكِّل المال أكثرَ أمورها تعقيدًا، مشيرةً إلى أن هناك العديدَ من الدراسات التي أكَّدت على أن الرِّجالَ هم من لديهم القدرة على إدارة الأسرة من الناحية المالية.

وأوضحت "منى":

إن هناك بعضَ العوامل التي تساعد على تحقيق إدارة مالية ناجحة داخل الأسرة، من أهمِّها: وجودُ نوعٍ من المصارحة بين كلٍّ من الزوج والزوجة فيما يخصُّ الأمورَ المادية لكل منهما، فضلاً عن تحديدِ الطَّرَف المسؤول عن الإنفاق في الأسرة؛ لأن عدمَ تحديدِ ذلك قد يؤدِّي إلى نوعٍ من التشتُّت داخل الأسرة، مشيرةً إلى ضرورة أن يكونَ هناك نوعٌ من المُرونة والأخذ في الاعتبار أي ظروف قد تطرَأ بين لحظة وأخرى.

وأضافت الخبيرة الاجتماعية أن من الأمور التي تساعد على تلافي الأخطاء واكتشافها فيما يخص إدارةَ ميزانية الأسرة: مراقبةَ هذه الميزانية من وقت لآخر، وعدم تَرْكها لآخِرِ المدة المحددة لها؛ بحيث يكون هناك مراقبة طوال الشهر أو طوال العام لِمَا تم إنفاقُه، وما تبقى؛ لأن ذلك يُجنِّبُ الأسرة كثيرًا من المفاجآت، مؤكدة على ضرورة أن يكون هناك نوعٌ مِن الرِّضا بين أفراد الأسرة، وأن يتحلَّوْا بالقناعة التامة بما قسَمه الله تعالى لهم، وألا يتلفَّتوا لِما يردده الناس، وأن يبتعدوا عن المظاهر التي قد تؤدِّي بصاحبِها إلى مرَضِ الدَّين.

وأشارت "منى" إلى ضرورةِ البحث عن طُرُق جديدة، والتفنن في حل الأزمات المالية التي تواجهها الأسرة، عن طريقِ الاكتفاء بالضروريات فقط في بعض الأوقات التي تمر بها الأسرة، والتي تكون بمثابة أزمة لها، إلى جانب اتباع سياسة الاقتصاد في غيرِ ذلك من الأمور، مثل: الترفيه، وما شابه ذلك، مؤكدةً على أن إشراكَ الأبناء في إدارة ميزانية الأسرة من الأمورِ الجيِّدةِ التي تساعد في تعليمِ الأبناء كيف يتصرَّفون فيما بعدُ في حياتِهم الخاصة.